تاريخ الخلفاء

ص -26-         الخلفاء الراشدون: أبو بكر الصديق1 رضي الله عنه
أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمه: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن  غالب، القرشي، التيمي، يلتقي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرة.
قال النووي في تهذيبه: وما ذكرناه -من أن اسم أبي بكر الصديق عبد الله- هو الصحيح المشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذي عليه كافة العلماء أن عتيقًا لقب له لا اسم، ولقّب عتيقًا لعتقه من النار، كما ورد في حديث رواه الترمذي2، وقيل: لعتاقة وجهه -أي: حسنه وجماله- قاله مصعب بن الزبير، والليث بن سعد، وجماعة. وقيل: لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به.
قال مصعب بن الزبير وغيره: وأجمعت الأمة على تسميته بالصديق؛ لأنه بادر إلى تصديق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولازم الصدق، فلم تقع منه هناة، ما، ولا وقفة في حال من الأحوال، وكانت له في الإسلام المواقف الرفيعة مخنها قصته ليلة الإسراء، وثباته، وجوابه للكفار في ذلك، وهجرته مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وترك  عياله وأطفاله، وملازمته في الغار وسائر الطريق، ثم كلامه يوم بدر ويوم الحديبية حين اشتبه على غيره الأمر في تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة"، ثم ثباته يوم وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخطبته الناس وتسكينهم، ثم قيامه في قضية البيعة لمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته في بعث جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه في ذلك، ثم قيامه في قتال أهل الردة ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل، وشرح الله صدورهم لما شرح له صدره من الحق -وهو قتال أهل الردة- ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوح وإمدادهم بالأمداد، ثم ختم ذلك بمهمّ من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر -رضي الله عنه- وتفرسه فيه، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله -عز وجل- فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذي هو حسنة من حسناته وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام، وإعزاز الدين، وتصديق وعد الله تعالى بأنه يظهره على الدين كله، وكم للصديق من مناقب ومواقف وفضائل لا تحصى؟ هذا كلام النووي.
وأقول: قد أردت أن أبسط ترجمة الصديق بعض البسط، ذاكرًا فيه جملة كثيرة مما وقفت عليه من حاله، وأرتب ذلك فصولاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تولى الخلافة من سنة 11هـ وحتى 13هـ.
2 أخرجه الترمذي "3679/5" وقال: هذا حديث غريب.

 

ص -27-         فصل: في اسمه ولقبه
تقدمت الإشارة إلى ذلك. قال ابن كثير: اتفقوا على أن اسمه عبد الله بن عثمان، إلا أن ما روى ابن سعد عن ابن سيرين أن اسمه عتيق، والصحيح أنه لقبه، ثم اختلف في وقت تلقيبه به وفي سببه، فقيل: لعتاقة وجهه -أي: لجماله- قاله الليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهم. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لقدمه في الخير، وقيل: لعتاقة نسبه -أي: طهارته، إذ لم يكن في نسبه شيء يعاب به- وقيل: سمي به أولاً، ثم سمي بعبد الله. وروى الطبراني1 عن القاسم بن محمد أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن اسم أبي بكر، فقالت: عبد الله. فقال: إن الناس يقولون: عتيق. قالت: إن أبا قحافة كان له ثلاثة أولاد سماهم: عتيقًا، ومعتقًا، ومعيتقًا، وأخرج ابن مَنده، وابن عساكر عن موسى بن طلحة، قال: قلت لأبي طلحة: لِمَ سمّي أبو بكر عتيقًا؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، ثم قالت: اللهم إن هذا عتيق من الموت فهبه لي. وأخرج الطبراني2 عن ابن عباس قال: إنما سمي عتيقًا لحسن وجهه. وأخرج ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اسم أبي بكر الذي سماه به أهله عبد الله، ولكن غلب عليه اسم عتيق، وفي لفظ: ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه عتيقًا. وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن سعد، والحاكم وصححه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: والله إني لفي بيتي ذات يوم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم إذ أقبل أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر"3، وإن اسمه الذي سماه أهله عبد الله، فغلب عليه اسم عتيق. وأخرج الترمذي والحاكم، عن عائشة -رضي الله عنها- أن أبا بكر دخل على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: "يا أبا بكر، أنت عتيق النار"4، فمن يومئذ سمي عتيقًا، وأخرج البزار، والطبراني بسند جيد عن عبد الله بن الزبير، قال: كان اسم أبي بكر عبد الله، فقال له رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أنت عتيق الله من النار" فسمي عتيقًا.
وأما الصديق فقيل: كان يلقب به في الجاهلية؛ لما عرف منه من الصدق ذكره ابن مسدي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في الكبير "6/1". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد "41/9": وفيه قيس بن أبي قيس البخاري، فإن كان ثقة فإسناده حسن، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
2 أخرجه الطبراني في الكبير "4/1".
3 أخرجه أبو يعلى في مسنده "4899/8"، وابن سعد في الطبقات "160/2"، والحاكم في المستدرك "62،61/3". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صالح ضعفوه والسند مظلم.
4 أخرجه الترمذي "3679/5"، والحاكم في المستدرك "415/2". قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: بل إسحاق متروك، قاله أحمد.

 

ص -28-         وقيل: لمبادرته إلى تصديق رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فيما كان يخبر به. قال ابن إسحاق عن الحسن البصري وقتادة: وأول ما اشتهر به صبيحة الإسراء. وأخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء المشركون إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أنه أسريَ به الليلة إلى بيت المقدس، قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، فقال: لقد صدق، إني لأصدقه بأبعد من ذلك -بخبر السماء غدوة وروحة، فلذلك سمي الصديق، إسناده جيد، وقد ورد ذلك من حديث أنس وأبي هريرة، أسندهما ابن عساكر وأم هانئ أخرجه الطبراني1.
قال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو معشر عن وهب مولى أبي هريرة، قال: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به، فكان بذي طوىً، قال:
"يا جبريل، إن قومي لا يصدقوني" ، قال: "يصدقك أبو بكر، وهو الصديق"، أخرجه الطبراني في الأوسط موصولا عن أبي وهب عن أبي هريرة2.
وأخرج الحاكم في المستدرك عن النزال بن سبرة قال: قلنا لعلي: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبي بكر، قال: ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل، وعلى لسان محمد، كان خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصلاة، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا، إسناده جيد.
وأخرج الدارقطني والحاكم عن أبي يحيى، قال: لا أحصي كم سمعت عليًّا يقول على المنبر: إن الله سَمّى أبا بكر على لسان نبيه صديقًا3.
وأخرجه الطبراني بسند جيد صحيح عن حكيم بن سعد قال: سمعت عليًّا يقول ويحلف: لأنزل الله اسم أبي بكر من السماء الصديق، وفي حديث أحد:
"اسكن فإنما عليك نبي وصديق، وشهيدان"4.
وأم أبي بكر بنت عم أبيه، اسمها: سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب، وتكنى أم الخير، قاله الزهري، أخرجه ابن عساكر.
فصل: في مولده، ومنشئه
ولد بعد مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وأشهر؛ فإنه مات وله ثلاث وستون سنة.
قال ابن كثير: وأما ما أخرجه خليفة بن الخياط، عن يزيد بن الأصم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك: "77،76/2" عن عائشة. وقال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فإن محمد بن كثير الصنعاني صدوق، ووافقه الذهبي.
2 أخرجه الطبراني في الأوسط "41 مجمع". وقال الهيثمي: وفي أحد إسناديه أبو وهب عن أبي هريرة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
3 أخرجه الحاكم في المستدرك "62/3". وقال الحاكم: لولا مكان محمد بن سليمان العيدي من الجهالة لحكمت لهذا الإسناد بالصحة، ووافقه الذهبي.
4 أخرجه الطبراني في الكبير "14/1".

 

ص -29-         لأبي بكر: "أنا أكبر أو أنت؟" قال: أنت أكبر وأنا أسنّ منك. فهو مرسل غريب جدًّا، والمشهور خلافه، وإنما صح ذلك عن العباس.
وكان منشؤه بمكة، لا يخرج منها إلا لتجارة، وكان ذا مال جزيل في قومه، ومروءة تامة، وإحسان، وتفضل فيهم، كما قال ابن الدّغنّة: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتكسب المعدوم، وتحمل الكَلّ وتعين على نوائب الدهر، وتقري الضيف.
قال النووي: وكان من رؤساء قريش في الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببًا فيهم، وأعلم لمعالمهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول.
وأخرج الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن خربوذ قال: إن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أحد عشرة من قريش اتصل بهم شرف الجاهلية والإسلام فكان إليه أمر الدّيات والغرم، وذلك أن قريشًا لم يكن لهم ملك ترجع الأمور كلها إليه، بل كان في كل قبيلة ولاية عامة تكون لرئيسها، فكانت في بني هاشم السقاية، والرفادة، ومعنى ذلك أنه لا يأكل ولا يشرب أحد إلا من طعامهم وشرابهم، وكانت في بني عبد الدار: الحجابة، واللواء، والندوة -أي: لا يدخل البيت أحد إلا بإذنهم- وإذا عقدت قريش راية حرب عقدها لهم بنو عبد الدار، وإذا اجتمعوا لأمر إبرامًا أو نقصًا لا يكون اجتماعهم إلا بدار الندوة، ولا ينفذ إلا بها، وكانت لبني عبد الدار.
فصل: كان أبو بكر رضي الله عنه أعف الناس في الجاهلية
أخرج ابن عساكر بسند صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: والله ما قال أبو بكر شعرًا قط في جاهلية ولا إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم بسند جيد عنها، قالت: لقد حرّم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكر شعرًا قط.
وأخرج ابن عساكر عن أبي العالية الرياحيّ، قال: قيل لأبي بكر الصديق في مجمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيعًا في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال:
"صدق أبو بكر، صدق أبو بكر" مرتين، مرسل غريب سندًا ومتنًا.
فصل: في صفته رضي الله عنه
أخرج ابن سعد عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً قال لها: صِفي لنا أبا بكر، فقالت:

 

ص -30-         رجل أبيض، نحيف، خفيف العارضين1، أجنأ2، لا يستمسك إزاره يسترخي على حقويه3، معروق الوجه4،، غائر العينين، ناتئ الجبهة5، عاري الأشاجع6. هذه صفته.
وأخرج عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم7.
وأخرج عن أنس قال: قدم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- المدينة وليس في أصحابه أشمط8 غير أبي بكر، فلفّها بالحناء والكتم9.
فصل: في إسلامه رضي الله عنه
أخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بها؟ أي الخلافة، ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا10.
وأخرج ابن عساكر من طريق الحارث عن علي رضي الله عنه، قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق11.
وأخرج ابن سعد عن أبي أروى الدوسي الصحابي -رضي الله عنه- قال: أول من أسلم أبو بكر الصديق.
وأخرج الطبراني في الكبير، وعبد الله بن أحمد في زوائده الزهد، عن الشعبي، قال: سألت ابن عباس: أي الناس كان أول إسلامًا؟ قال: أبو بكر الصديق، ألم تسمع قول حسان:

إذا تذكرت شجوًا من أخي ثقة                     فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خفيف العارضين: المقصود بالعارض جهة الوجه.
2 أجنأ: الجنأ: ميل في الظهر، وقيل: في العنق.
3 حقويه: الأصل في الحقو: معقد الإزار، وجمعه "أحق وأحقاء" ثم سمي به الإزار للمجاورة.
4 معروق الوجه: عروق وجهه ظاهرة.
5 ناتئ الجهبة: ظاهر الجبين واضحه.
6 عاري الأشاجع: هي مفاصل الأصابع، واحدها أشجع، أي كان اللحم عليها قليلاً.
7 الكتم: هو نبت يخلط مع الوسمة ويصبغ به الشعر أسود، وقيل: هو الوسمة وهي بالتحريك.
8 أشمط: الشَّمَط: الشيب، والأشمط: الشيخ.
9 أخرجه ابن سعد في الطبقات "175/2-176".
10 أخرجه الترمذي "3667/5"، وابن حبان في صحيحه "6/9 إحسان". وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
11 أخرجه ابن سعد في الطبقات "161/2".

 

ص -31-                                          خير البرية، أتقاها وأعدلها     إلا النبي، وأوفاها بما حملا

والثانيَ التاليَ المحمود مشهده               وأول الناس منهم صدّق الرسلا

وأخرج أبو نعيم1 في الحلية عن فرات بن السائب قال: سألت ميمون بن مهران، قلت: عليّ أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهما! كانا رأس الإسلام. قلت: فأبو بكر كان أول إسلامًا أم علي؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- زمن بحيرا الراهب حين مرّ به، واختلف فيهما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد عليّ.
وقد قال: إنه أول من أسلم خلائق من الصحابة والتابعين غيرهم، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه. وقيل: أول من أسلم علي، وقيل: خديجة. وجمع بين الأقوال بأن أبا بكر أول من أسلم من الرجال، وعلي أول من أسلم من الصبيان، وخديجة أول من أسلمت من النساء، وأول من ذكر هذا الجمع الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- أخرجه عنه.
وأخرج ابن أبي شيبة2 وابن عساكر، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قلت لمحمد بن الحنفية: هل كان أبو بكر أول القوم إسلامًا؟ قال: لا، قلت: فبمَ علا أبو بكر وسبق حتى لا يذكر أحد غير أبي بكر؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلامًا من حين أسلم حتى لحق بربه.
وأخرج ابن عساكر بسند جيد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أنه قال لأبيه سعد: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلامًا؟ قال: لا، ولكنه أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلامًا.
قال ابن كثير3: والظاهر أن أهل بيته صلى الله عليه وسلم آمنوا قبل كل أحد: زوجته خديجة، ومولاه زيد، وزوجة زيد أم أيمن، وعلي، وورقة، انتهى.
وأخرج ابن عساكر عن عيسى بن يزيد، قال: قال أبو بكر الصديق، كنت جالسًا بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدًا، فمرّ به أمية بن أبي الصلت، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا ، فقال:

كل دين يوم القيامة إلا                    ما قضى الله في الحقيقة بور

أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، قال: ولم أكن سمعت من قبل ذلك بني ينتظر ويبعث، قال: فخرجت إلى ورقة بن نوفل، وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصدر، فاستوقفته ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يابن أخي، إنا أهل الكتب والعلوم، إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبًا -ولي علم بالنسب- وقومك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "93،92/4".
2 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه "8/472/7".
3 أورده ابن كثير في البداية والنهاية "29،25/3".

ص -32-         أوسط العرب نسبًا، قلت: يا عم وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم، ولا يظلم، ولا يظالم، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمنت به وصدقته.
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته، وما تردد فيه"1 عتم: أي لبثَ.
قال البيهقي2: وهذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسمع آثاره قبل دعوته، فحين دعاه كان قد سبقه له فيه تفكر ونظر، فأسلم في الحال؛ ثم أخرج عن أبي ميسرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا برز سمع من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت وَلَّى هاربًا، فأسر ذلك إلى أبي بكر، وكان صديقًا له في الجاهلية.
وأخرج أبو نعيم وابن عساكر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما كلمت في الإسلام أحدًا إلا أَبَا عليّ، وراجعني الكلام، إلا ابن أبي قحافة، فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه"3.
وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني قلت: أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت"4.
فصل: في صحبته ومشاهده
قال العلماء: صحب أبو بكر النبي -عليه الصلاة والسلام- من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا، إلا فيما أذن له عليه الصلاة والسلام في الخروج  فيه من حج وغزو، وشهد معه المشاهد كلها، وهاجر معه، وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو رفيقه في الغار، قال تعالى:
{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة: 40] وقام بنصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير موضع، وله الآثار الجميلة في المشاهد، وثبت يوم أحد ويوم حنين، وقد فرّ الناس، كما سيأتي في فصل شجاعته.
أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدر، فقالوا: أما ترون الصديق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العريش؟
وأخرج أبو يعلى، والحاكم، وأحمد، عن علي قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر ولأبي بكر:
"مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل"5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أورده ابن كثير في البداية والنهاية "27/3".
2 أخرجه البيهقي في دلائل النبوة "164/2".
3 أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان "325/2".
4 أخرجه البخاري "4640/8".
5 أخرجه أبو يعلى في مسنده "340/1" ، وأحمد في المسند "117/1" بنحوه، والحاكم في المستدرك "68/3". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

 

ص -33-         وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يوم بدر مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر، فانصرفت عنك ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
قال ابن قتيبة: معنى أهدفت: أشرفت، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف.
فصل: في شجاعته وأنه أشجع الصحابة رضي الله عنه
أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت، قال: أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر، إنه لما كان يوم بدر، فجعلنا لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- عريشًا، فقلنا: من يكون مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لئلا يهوى إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لا يهوى إليه أحد إلا هوى إليه؛ فهو أشجع الناس، قال علي رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأخذته قريش، فهذا يجبأه1، وهذا يتلتله2، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا؟ قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا، ويجبأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، ثم رفع على بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلّت3 لحيته ثم قال: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه.
وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيانات من ربكم؟4.
وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده عن أبي بكر، قال: لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فكنت أول من فاء، وسيأتي تتمة الحديث في مسند ما رواه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يجبأ: أي يخرج، يقال: جبأ عليه يجبأ إذا خرج، وفي حديث أسامة: "فلما رأونا جبئوا من أخبيتهم" أي: خرجوا. انظر: النهاية في غريب الحديث "233/1".
2 يتلتله: هو في الأصل: السوق بعنف، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "أتى بشارب فقال: تلتلوه" وهو أن يحرك ويستنكه ليعلم هل شرب أم لا.
3 اخضلّت لحيته: أي ابتلت بالدموع، يقال: خضل، واخضل إذا ندى.
4 أخرجه البخاري "3678/7".

 

ص -34-         وأخرج ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما اجتمع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، أَلَحَّ أبو بكر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهور، فقال: يا أبا بكر، إنا قليل، فلم يزل أبو بكر يلح على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبًا، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، وضربوا في نواحي المسجد ضربًا شديدًا1. وسيأتي تتمة الحديث في ترجمة عمر رضي الله عنه.
وأخرج ابن عساكر عن علي -رضي الله عنه- قال: لما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
فصل: في إنفاقه ماله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه أجود الصحابة
قال الله تعالى:
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}[الليل: 18،17] إلى آخر السورة. قال ابن الجوزي: أجمعوا على أنها نزلت في أبي بكر.
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟2.
وأخرج أبو يعلى من حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا مثله.
قال ابن كثير: وروى أيضًا من حديث علي، وابن عباس، وأنس، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنهم، وأخرجه الخطيب عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وزاد: وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه3.
وأخرج ابن عساكر من طرق عن عائشة -رضي الله عنها- وعروة بن الزبير: أن أبا بكر -رضي الله عنه- أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف دينار -وفي لفظ: أربعون ألف درهم- فأنفقها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو سعيد الأعرابي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أسلم أبو بكر رضي الله عنه يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم فخرج إلى المدينة في الهجرة وما له غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفقه في الرقاب والعون على الإسلام. وأخرج ابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها- أن أبا بكر أعتق سبعة كلهم يعذب في الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أورده ابن كثير في البداية والنهاية "30/3".
2 أخرجه أحمد في المسند "235/2".
3 أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه "21/8، 364/10".

 

ص -35-         وأخرج ابن شاهين في السنة، والبغوي في تفسيره، وابن عساكر عن ابن عمر قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- وعنده أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خللها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل -عليه السلام- فقال: يا محمد، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال؟ فقال: "يا جبريل أنفق ماله عليّ قبل الفتح"، قال: فإن الله تعالى يقرأ عليه السلام، ويقول: قل له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال أبو بكر: أسخط علي ربي!! أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ. غريب، وسنده ضعيف جدًّا.
وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة، وابن مسعود مثله، وسندهما ضعيف أيضًا.
وأخرج ابن عساكر نحوه من حديث ابن عباس.
وأخرج الخطيب بسند واهٍ أيضًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "هبط عليّ جبريل -عليه السلام- وعليه طنفسة1 وهو متخلل بها، فقلت له: يا جبريل، ما هذا؟ قال: إن الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلل في السماء كتخلل أبي بكر في الأرض".
قال ابن كثير: وهذا منكر جدًّا، وقال: ولولا أن هذا والذي قبله يتداوله كثير من الناس لكان الإعراض عنهما أولى.
وأخرج أبو داود والترمذي، عن عمر بن الخطاب، قال: أمرنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي، قلت: اليوم أسبق أبا بكر -إن سبقته يومًا- فجئت بنصف مالي، فقال رسو الله عليه الصلاة والسلام:
"ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقلت: لا أسبقه في شيء أبدًا2. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن البصري: أنا أبا بكر أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- بصدقته فأخفاها، فقال: يا رسول الله هذه صدقتي ولله عندي معاد، وجاء عمر بصدقته فأظهرها، فقال: يا رسول الله هذه صدقتي ولي عند الله معاد، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"ما بين صدقتيكما كما كلمتيكما"3. إسناده جيد لكنه مرسل.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه إلا أبا بكر، فإن له عندنا يد يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر"4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 طنفسة: بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر الطاء وفتح الفاء: هي البساط الذي خمل رقيق، وجمعه طنافس.
2 أخرجه أبو داود "1678/2"، والترمذي "3675/5" وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
3 أخرجه أبو نعيم في الحلية "32/1".
4 أخرجه الترمذي "3661/5". وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه.

 

ص -36-         وأخرج البزار عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: جئت بأبي قحافة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "هلا تركت الشيخ حتى آتيه"، قال: بل هو أحق أن يأتيك، قال: "إننا نحفظه لأيادي ابنه عندنا"1.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"ما أحد عندي أعظم يدًا من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته".
فصل: في علمه، وأنه أعلم الصحابة، وأذكاهم
قال النووي في تهذيبه، ومن خطه نقلت: استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله -رضي الله عنه- في الحديث الثابت في الصحيحين: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه. واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره في طبقاته على أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أعلم الصحابة؛ لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكم في المسألة إلا هو، ثم ظهرت لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب، فرجعوا إليه.
وروينا عن ابن عمر أنه سئل: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقال: أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- ما أعلم غيرهما.
وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الناس وقال:
"إن الله تعالى خَيَّرَ عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله". فبكى أبو بكر وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن عبد خيّر، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقينّ باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر"2. هذا كلام النووي.
وقال ابن كثير: كان الصديق -رضي الله عنه- أقرأ الصحابة -أي: أعلمهم بالقرآن- لأنه عليه الصلاة والسلام قدّمه إمامًا للصلاة بالصحابة -رضي الله عنه- مع قوله:
"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله".
وأخرج الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"لاينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره"3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البزار "50/9 مجمع". وقال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عبد الملك النهري، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
2 أخرجه البخاري "3654/7"، ومسلم "2382/4".
3 أخرجه الترمذي "3673/5". وقال أبو عيسى: حسن غريب.

 

ص -37-         وكان -مع ذلك- أعلمهم بالسنة، كلما رجع إليه الصحابة في غير موضع يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحفظها هو ويستحضرها عند الحاجة إليها، ليست عندهم، وكيف لا يكون كذلك وقد واظب على صحبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أول البعثة إلى الوفاة؟ وهو مع ذلك من أذكى عباد الله وأعقلهم، وإنما لم يروَ عنه من الأحاديث المسندة إلا القليل لقصر مدته، وسرعة وفاته بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلا فلو طالت مدته لكثر ذلك عنه جدًّا، ولم يترك الناقلون عنه حديثًا إلا نقلوه، ولكن كان الذين في زمانه من الصحابة لا يحتاج أحد منهم أن ينقل عنه ما قدر شاركه هو في روايته؛ فكانوا ينقلون عنه ما ليس عندهم.
وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال: كان أبوب بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به، وكان عمر -رضي الله عنه- يفعل ذلك، فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء؟ فإن وجد أبا بكر قضى فيه بقضاء قضى به، وإلا دعا رءوس المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر قضى به.
وكان الصديق -رضي الله عنه- مع ذلك أعلم الناس بأنساب العرب، لا سيما قريش، أخرج ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن شيخ من الأنصار قال: كان جبير بن مُطعِم من أنسب قريش لقريش والعرب قاطبة، وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكر الصديق وكان أبو بكر الصديق من أنسب العرب.
وكان الصديق مع ذلك غاية في علم تأويل الرؤيا، وقد كان يعبر الرؤيا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد قال محمد بن سيرين -وهو المقدّم في هذا العلم بالاتفاق-: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن سعد1.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أُأَوِّل الرؤيا وأن أعلمها أبا بكر"2.
قال ابن كثير: وكان من أفصح الناس وأخطبهم؛ قال الزبير بن بكار: سمعت بعض أهل العلم يقول: أفصح خطباء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- وسيأتي في حديث السقيفة قول عمر رضي الله عنه: وكان من أعلم الناس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "165/2".
2 أخرجه الديلمي في مسند الفردوس "32552/11 كنز".

 

ص -38-         بالله وأخوفهم له، وسيأتي من كلامه في ذلك وفي تعبير الرؤيا ومن خطبه جملة في فصل مستقل.
ومن الدلائل على أنه أعلم الصحابة حديث صلح الحديبية حيث سأل عمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك الصلح، وقال: علامَ نعطي الدَّنية في ديننا؟ فأجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ذهب إلى أبي بكر فسأله عما سأل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فأجابه كما أجابه النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء بسواء. أخرجه البخاري وغيره1.
وكان مع ذلك أسدّ الصحابة رأيًا، وأكملهم عقلاً، أخرج تمام الرازي في فوائده وابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يقول:
"أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر"2. وأخرج الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن معاذ بن جبل: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يسرح معاذًا إلى اليمن استشار ناسًا من أصحابه فيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وأسيد بن حضير، فتكلم القوم كل إنسان برأيه، فقال: ما ترى يا معاذ؟ قلت: أرى ما قال أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر"3. رواه ابن أبي أسامة في مسنده: "إن الله يكره في السماء أن يخطئ أبو بكر الصديق في الأرض". وأخرج الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يكره أن يخطئ أبو بكر"4 رجاله ثقات.
فصل
قال النووي في تهذيبه: الصدّيق أحد الصحابة الذين حفظوا القرآن كله، وذكر هذا أيضًا جماعة منهم ابن كثير في تفسيره، وأما حديث أنس: "جمع القرآن في عهد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أربعة" فمراده من الأنصار كما أوضحته في كتاب الإتقان، وأما ما أخرجه ابن أبي داود عن الشعبي قال: مات أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ولم يجمع القرآن كله، فهو مدفوع، أو مأوّل على أن المراد جمعه في المصحف على الترتيب الذي صنعه عثمان رضي الله عنه.
فصل: في أنه أفضل الصحابة وخيرهم
أجمع أهل السنة أن أفضل الناس -بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر العشرة، ثم باقي أهل بدر، ثم باقي أهل أحد، ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "3182/6"، ومسلم "1785/3".
2 أخرجه تمام في فوائده "ح1478".
3 أخرجه الطبراني في الكبير "124/20"
4 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح3961". وقال الهيثمي في المجمع "46/9": رجاله ثقات.

 

ص -39-         باقي أهل البيعة، ثم باقي أهل الصحابة، هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي.
وروى البخاري1 عن ابن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان -رضي الله عنهم- وزاد الطبراني في الكبير: فيعلم بذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكره.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال: كنا وفينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفضل أبا بكر، وعمر، وعثمان،وعليًّا.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: كنا معاشر أصحاب رسول الله، عليه الصلاة والسلام -ونحن متوافرون- نقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت.
وأخرج الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: قال عمر لأبي بكر: يا خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو بكر: أما إنك إن قلت ذاك فلقد سمعته يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر2.
وأخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان فقلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين3.
وأخرج أحمد وغيره عن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر، قال الذهبي: هذا متواتر عن علي، فلعن الله الرافضة ما أجهلهم.
وأخرج الترمذي والحاكم عن عمر بن الخطاب قال: قال أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم4.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير هذا فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري؛ وأخرج أيضًا عن ابن أبي ليلى قال: قال علي: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر وإلا جلدته حد المفتري.
وأخرج عبد الرحمن بن حميد في مسنده وأبو نعيم وغيرهما من طرق عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل من أبي بكر، إلا أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم "3655/7".
2 أخرجه الترمذي "3684/5". وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وليس إسناده بذاك.
3 أخرجه البخاري "3671/7".
4 أخرجه الترمذي "3656/5". والحاكم في المستدرك "66/3".

 

ص -40-         يكون نبي" وفي لفظ: "على أحد من المسلمين بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر"1.
وقد ورد أيضًا من حديث جابر، ولفظه:
"ما طلعت الشمس على أحد منكم أفضل منه". أخرجه الطبراني وغيره، وله شواهد من وجوه أخر تقضي له بالصحة أو الحسن، وقد أشار ابن كثير إلى الحكم بصحته.
وأخرج الطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أبو بكر الصديق خير الناس، إلا أن يكون نبي". وفي الأوسط عن أسعد بن زرارة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس جبريل أخبرني أن خير أمتك بعدك أبو بكر"2.
وأخرج الشيخان3 عن عمرو بن العاص قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال:
"عائشة"، قلت: من الرجال؟ قال: "أبوبها"، قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر بن الخطاب". وقد ورد هذا الحديث بدون: "ثم عمر" في رواية أنس وابن عمرو وابن عباس.
وأخرج الترمذي والنسائي والحاكم عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أيّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: ثم عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح4.
وأخرج الترمذي وغيره عن أنس قال: قال رسول الله -عليه الصلاة السلام- لأبي بكر وعمر:
"هذان سيّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين". وأخرج مثله عن علي5.
وفي الباب عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمار بن ياسر قال: من فضل على أبي بكر وعمر أحدًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد أزرى على المهاجرين والأنصار6.
وأخرج ابن سعيد عن الزهري قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لحسان بن ثابت
"هل قلت في أبي بكر شيئًا؟" قال: نعم، فقال: "قل وأنا أسمع"، فقال:

والثاني اثنين في الغار المنيف وقد                 طاف العدو به إذ صعد الجبلا

وكان حب رسول الله قد علموا                       من البرية لم يعدل به رجلا



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "532/3".
2 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح6444". وقال الهيثمي في المجمع "44/9": وفيه أبو غزية محمد بن موسى وهو ضعيف.
3 أخرجه البخاري "3656/7"، ومسلم "2348/4".
4 أخرجه الترمذي "3657/5"، والنسائي في الكبرى "9442/5"، والحاكم في المستدرك "73/3".
5 أخرجه الترمذي "3664/5". وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
6 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح836".

 

ص -41-         فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه ثم قال: "يا حسان هو كما قلت".
فصل
روى أحمد والترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي بن كعب، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، وأخرج أبو يعلى من حديث بن عمر، وزاد فيه، "وأقضاهم عليّ" وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث شداد بن أوس وزاد "وأبو ذر أزهد أمتي وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد أمتي وأتقاها، ومعاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها"1.
وقد سئل شيخنا العلامة الكافينجي عن هذه التفصيلات: هل تنافي التفصيل السابق؟ فأجاب بأنه لا منافاة.
فصل: فيما أنزل من الآيات في مدحه، أو تصديقه أو أمر من شأنه
اعلم أني رأيت لبعضهم كتابًا في أسماء من نزل فيهم القرآن غير محرر ولا مستوعب، وقد ألفت في ذلك كتابًا حافلاً مستوعبًا محررًا، وأنا ألخص هنا ما يتعلق بالصديق رضي الله عنه: قال الله تعالى:
{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}[التوبة: 40] أجمع المسلمون على أن الصاحب المذكور أبو بكر وسيأتي فيه أثر عنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى:
{فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} قال: على أبي بكر؛ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تزل السكينة عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف، وأبي ابن خلف، ببردة وعشر أواقٍ، فأعتقه لله، فأنزل الله:
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إلى قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}[الليل: 1-4] سعي أبي بكر، وأمية، وأُبَيّ.
وأخرج ابن جرير عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال أبوه: أي بني، أراك تعتق أناسًا ضعافًا، فلو أنك تعتق رجالاً جلدًا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟ قال: أي أبت، أنا أريد ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}[الليل: 5] إلى آخرها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي "3791/5"، وأحمد في المسند "184/3" عن أنس بن مالك. وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح.

 

ص -42-         وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عروة: أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أعتق سبعة كلهم يعذب في الله، وفيه نزلت: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى}[الليل: 17] إلى آخر السورة.
وأخرج البزار عن عبد الله بن الزبير قال: نزلت هذه الآية:
{وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى}[الليل: 19] إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق، رضي الله عنه.
وأخرج البخاري1 عن عائشة -رضي الله عنها- أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين.
وأخرج البزار وابن عساكر عن أسيد بن صفوان -وكانت له صحبة- قال: قال عليّ: والذي جاء بالحق محمد، وصدق به أبو بكر الصديق، قال ابن عساكر: هكذا الرواية بالحق ولعلها قراءة لعلي.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس في قوله تعالى:
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر}[آل عمران: 159] قال: نزلت في أبي بكر وعمر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شؤذب قال: نزلت:
{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان}[الرحمن: 46] في أبي بكر -رضي الله عنه- وله طرق أخرى ذكرتها في أسباب النزول.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر وابن عباس في قوله تعالى:
{وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِين}[التحريم: 4] قال: نزلت في أبي بكر وعمر.
وأخرج عبد الله بن أبي حميد في تفسيره عن مجاهد قال: لما نزلت:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي}[الأحزاب: 56] قال أبو بكر: يا رسول الله، ما أنزل الله عليك خيرًا إلا أشركنا فيه، فنزلت هذه الآية: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}[الأحزاب: 43].
وأخرج ابن عساكر عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين}[الحجر: 47].
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر الصديق:
{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} إلى قوله: {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُون}[الأحقاف: 15، 16].
وأخرج ابن عساكر عن ابن عيينة قال: عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن أبا بكر وحده، فإنه خرج من المعاتبة، ثم قرأ:
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار}[التوبة: 40].
فصل: في الأحاديث الواردة في فضله مقرونًا بعمر، سوى ما تقدم
أخرج الشيخان2 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"بينا راعٍ في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "4614/8".
2 أخرجه البخاري "3663/7"، ومسلم "2388/4".

 

ص -43-         لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري؟ وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته، فقال: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث". قال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر"، وما ثَمّ أبو بكر وعمر، أي: لم يكونا في المجلس، شهد لهما بالإيمان بذلك، لعلمه بكمال إيمانهما.
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض، أما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر1".
وأخرج أصحاب السنن وغيرهم عن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة"2. وذكر تمام العشرة.
وأخرج الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أهل الدرجات العُلا ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما"3. وأخرجه الطبراني من حديث جابر بن سمرة وأبي هريرة.
وأخرج الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر، فلا يرفع إليه أحد منهم بصره، إلا أبو بكر وعمر، فإنما كانا ينظران إليه وينظر إليهما، ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما"4.
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهوآخذ بأيديهما، وقال:
"هكذا نبعث يوم القيامة"5. وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
وأخرج الترمذي والحاكم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر"6.
وأخرج الترمذي، والحاكم صححه عن عبد الله بن حنطب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي "3680/5". وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
2 أخرجه أبو داود "4650/4"، والترمذي "3748/5"، وابن ماجه "133/1"، وأحمد في المسند "1/ 187، 188".
3 أخرجه الترمذي "3658/5" عن أبي سعيد.
وأخرجه الطبراني في الكبير "2065/2" عن جابر بن سمرة.
4 أخرجه الترمذي "3668/5" وقال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية.
5 أخرجه الترمذي "3669/5" ، والحاكم في المستدرك "68/3" عن ابن عمر، وسكت عليه الحاكم وقال الذهبي: سعيد ضعيف.
6 أخرجه الترمذي "3692/5"، الحاكم في المستدرك "465/2". وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب وعاصم بن عمر ليس بالحافظ.

 

ص -44-         أبا بكر وعمر فقال: "هذان السمع والبصر"1، وأخرجه الطبراني من حديث ابن عمر وابن عمرو.
وأخرج البزار والحاكم عن أبي أروى الدّوْسي، قال: كنت عند النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا فأقبل أبو بكر وعمر، فقال:
"الحمد لله الذي أيدني بكما"2. وورد أيضًا من حديث البراء بن عازب، أخرجه الطبراني في الأوسط.
وأخرج أبو يعلى عن عمّار بن ياسر قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"أتاني جبريل آنفًا، فقلت: يا جبريل، حدثني بفضائل عمر بن الخطاب، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر منذ لبث نوح في قومه ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر".
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال لأبي بكر وعمر:
"لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما"3. وأخرجه الطبراني من حديث البراء بن عازب.
وأخرج ابن سعد عن ابن عمر أنه سئل: من كان يفتي في زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقال: "أبو بكر وعمر، ولا أعلم غيرهما"4.
وأخرج عن القاسم بن محمد قال: كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يفتون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إن لكل نبي خاصته من أمته، وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر"5.
وأخرج ابن عساكر عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رحم الله أبا بكر! زوجني ابنته وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً. رحم الله عمر! يقول الحق وإن كان مرًّا، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحيه الملائكة. رحم الله عليًّا اللهم أدر الحق معه حيث دار".
وأخرج الطبراني عن سهل رضي الله عنه قال: لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجّة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
"أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا له ذلك. أيها الناس، إني راضٍ عنه، وعن عمر، وعلي، وطلحة، والزبير،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي "3671/5"، والحاكم في المستدرك "69/3". وقال أبو عيسى: هذاحديث مرسل، وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
2 أخرجه البزار "51/9 مجمع"، والحاكم في المستدرك "74/3"، والطبراني في الأوسط "6258" وقال الهيثمي: وفيه عاصم بن عمر بن حفص وثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات.
3 أخرجه أحمد في المسند "227/4" عن عبد الرحمن بن غنم.
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات "180/2".
5 أخرجه الطبراني في الكبير "10008/10".

 

ص -45-         وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والمهاجرين الأولين: فاعرفوا ذلك لهم"1.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن أبي حازم قال: جاء رجل إلى علي بن الحسين، فقال: ما كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كمنزلتهما منه الساعة.
وأخرج ابن سعد عن بسطام بن مسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر:
"لا يتأمر عليكما أحد بعدي"2.
وأخرج ابن عساكر عن أنس مرفوعًا:
"حب أبي بكر وعمر إيمان، وبغضهما كفر".
وأخرج عن ابن مسعود قال: حب أبي بكر وعمر ومعرفتهما من السنّة.
وأخرج عن أنس مرفوعًا:
"إني لأرجو لأمتي في حبهم لأبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول لا إله إلا الله".
فصل: في الأحاديث الواردة في فضله وحده، سوى ما تقدم
أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان"، فقال أبو بكر: ما على من يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فله يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: "نعم، فأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر"3.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي"4.
وأخرج الشيخان عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"إن من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام".
وقد ورد هذا الحديث من رواية ابن عباس، وابن الزبير، وابن مسعود، وجندب بن عبد الله، والبراء، وكعب بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأنس، وأبي واقد الليثي، وأبي المعلى، وعائشة، وأبي هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم- وقد سردت طرقهم في الأحاديث المتواترة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في الكبير "5640/6".
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات "191/2".
3 أخرجه البخاري "1897/4"، ومسلم "2/ 1027".
4 أخرجه أبو داود "4652/4"، والحاكم "73/3". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

 

ص -46-         وأخرج البخاري عن أبي الدرداء  قال: كنت جالسًا عند النبي -عليه الصلاة والسلام- إذ أقبل أبو بكر فسلم، وقال: إنه كان بيني وبين عمر بن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت فسألته أن يغفر لي، فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر، ثلاثًا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فلم يجده، فأتى النبي -عليه الصلاة والسلام- فجعل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمعر 1 حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم منه، مرتين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟"2، مرتين، فما أوذي بعدها.
وأخرج ابن عدي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- نحوه، وفيه: فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"لا تؤذوني في صاحبي، فإن الله بعثني بالهدى ودين الحق، فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدقت، ولولا أن الله سَمّاه صاحبًا لاتخذته خليلاً، ولكن أخوة الإسلام"3.
وأخرج ابن عساكر عن المقدام قال: استبّ عقيل بن أبي طالب وأبو بكر، قال: وكان أبو بكر نسّابًا، غير أنه تحرّج من قرابته من النبي -عليه الصلاة والسلام- فأعرض عنه، وشكا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقام رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في الناس، فقال:
"ألا تدعون لي صاحبي؟ ما شأنكم وشأنه؟ فوالله ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة، إلا باب أبي بكر، فإن على بابه النور، فوالله لقد قلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وأمسكتم الأموال وجاد لي بماله، وخذلتموني وواساني واتبعني"4.
وأخرج البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة"، فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لست تصنع ذلك خيلاء"5.
وأخرج مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أصبح منكم اليوم صائمًا؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم جنازة" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد اليوم منكم مريضًا؟" قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة"6.
وقد ورد هذا الحديث من رواية أنس بن مالك، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فحديث أنس أخرجه البيهقي في الأصل وفي آخره: "وجبت لك الجنة" وحديث عبد الرحمن أخرجه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يتمعّر: أي يتغير.
2 أخرجه البخاري "3661/7".
3 أخرجه الطبراني في الكبير "13383/12".
4 أخرجه ابن عساكر في تاريخه "363/5".
5 أخرجه البخاري "3665/7".
6 أخرجه مسلم "1028/2".

 

ص -47-         البزار ولفظه: صلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه بوجهه، فقال: "من أصبح منكم اليوم صائمًا؟" فقال عمر: يا رسول الله لم أحدث نفسي بالصوم البارحة فأصبحت مفطرًا، فقال أبو بكر: ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائمًا، فقال: "هل أحد منكم اليوم عاد مريضًا؟" فقال عمر: يا رسول الله لم نبرح فكيف نعود المريض؟ فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ فجعلت طريقي إليه لأنظر كيف أصبح، فقال: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينًا"؟ فقال عمر صلينا يا رسول الله ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن فأخذتها ودفعتها إليه؛ فقال: "أنت فأبشر بالجنة"، ثم قال كلمة أرضى بها عمر، وزعم أنه لم يرد خيرًا قط إلا سبقه إليه أبو بكر1.
وأخرج أبو يعلى عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنت في المسجد أصلي فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر وعمر، فوجدني أدعو، فقال:
"سل تعطه"، ثم قال: "من أحبَّ أن يقرأ القرآن غضًّا طريًّا فليقرأه بقراءة ابن أم عبد" فرجعت إلى منزلي، فأتاني أبو بكر فبشرني، ثم أتى عمر فوجد أبا بكر خارجًا قد سبقه، فقال: "إنك لسبّاقٌ بالخير"2.
وأخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: جرى بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي كلمة كرهتها، وندم فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصًا، قلت: لا أفعل، قال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدينّ عليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: ما أنا بفاعل، فانطلق أبو بكر -رضي الله عنه- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وانطلقت أتلوه، وجاء أناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر! في أي شيء يستعدي عليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي قال لك ما قال؟ فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فيغضب لغضبه، فيغضب الله -عز وجل- لغضبهما، فيهلك ربيعة قالوا: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا وانطلق أبو بكر -رضي الله عنه- وتبعته وحدي، حتى أتى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فحدثه الحديث كما كان، فرفع إليّ رأسه فقال:
"يا ربيعة ما لك والصديق؟" فقلت: يا رسول الله كان كذا وكذا، فقال لي كلمة كرهتها، فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصًا، فأبيت، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أجل! لا تردّ عليه، ولكن قل: قد غفر الله لك يا أبا بكر"، فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر. قال الحسن: فولى أبو بكر -رضي الله عنه- وهو يبكي3وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر: "أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار"4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البزار "163/3 مجمع"، وقال الهيثمي: وفيه مبارك بن فضالة وهو ثقة وفيه كلام.
2 أخرجه أبو يعلى "1/ 16، 17، 8/ 5058، 5059"
3 أخرجه أحمد في المسند "59،58/4"
4 أخرجه الترمذي "3670/5". وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.

 

ص -48-         وأخرج عبد الله بن أحمد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار". إسناده حسن.
وأخرج البيهقي عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:
"إن في الجنة طيرًا كأمثال البخاتي1" قال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول الله، قال: "أنعم منها من يأكلها، وأنت ممن يأكلها2". وقد ورد هذا الحديث من رواية  أنس.
وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "عرج بي إلى السماء، فما مررت بسماء إلا وجدت فيها اسمي محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي"3. إسناده ضعيف، لكنه ورد أيضًا من حديث ابن عباس، وابن عمر، وأنس، وأبي سعيد، وأبي الدرداء -رضي الله عنهم- بأسانيد ضعيفة يشد بعضها بعضًا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم عن سعيد بن جبير -رضي الله عنه- قال: قرأت عند النبي صلى الله عليه وسلم:
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة}[الفجر: 27] فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذا الحسن، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "أما إن الملك سيقولها لك عند الموت"4.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر بن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- قال: لما نزلت:
{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُم}[النساء: 66] الآية، قال أبو بكر: يا رسول الله لو أمرتني أن أقتل نفسي لفعلت، فقال: "صدقت".
وأخرج أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن عمر، حدثنا عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة، قال: دخل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه غديرًا فقال:
"ليسبح كل رجل إلى صاحبه"، قال: فسبح كل رجل، حتى بقي رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر حتى اعتنقه، وقال: "لو كنت متخذًا خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنه صاحبي". تابعه وكيع عن عبد الجبار بن الورد، أخرجه ابن عساكر، وعبد الجبار ثقة، وشيخه ابن أبي مليكة إمام، إلا أنه مرسل وهو غريب جدًّا.
قلت: أخرجه الطبراني في الكبير وابن شاهين في السنة5 ومن وجه آخر موصولاً عن ابن عباس.
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق، وابن عساكر من طريق صدقة بن ميمون القرشي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بخاتيّ: هي جمال طوال الأعناق وتجمع أيضًا على بُختٍ، واللفظة معربة ومفردها بُخَيْتَة: الأنثى من الجمال، انظر: النهاية في غريب الحديث "101/1".
2 أخرجه البيهقي في البعث والنشور "ح122".
3  أخرجه أبو يعلى في مسنده "6607/11".
4 أخرجه ابن أبي حاتم "513/8 منثور"، وأبو نعيم في الحلية "284،283/4".
5 أخرجه البغوي "604/1"، وابن عساكر في تاريخه "400/7" عن ابن أبي مليكة.

 

ص -49-         عن سليمان بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصال الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله بعبد خيرًا جعل فيه خصلة منها يدخل بها الجنة". قال أبو بكر: يا رسول الله أفيَّ شيء منها؟ قال: "نعم جمعًا من كل".
وأخرج ابن عساكر من طريق أخرى، عن صدقة القرشي، عن رجل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خصال الخير ثلاثمائة وستون"، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لي منها شيء؟ قال: "كلها فيك، فهنيئًا لك يا أبا بكر".
وأخرج ابن عساكر من طريق مجمع بن يعقوب الأنصاري عن أبيه قال: إن كانت حلقة النبي -صلى الله عليه وسلم- فتشتبك حتى تصير كالأسوار، وإن مجلس أبي بكر منها لفارغ، ما يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بوجهه، وألقى إليه حديثه، وسمع الناس.
وأخرج ابن عساكر عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"حبّ أبي بكر وشكره واجب على كل أمتي". وأخرج مثله في حديث سهل بن سعد.
 وأخرج عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا:
"الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر".
فصل: فيما ورد من كلام الصحابة والسلف الصالح في فضله
أخرج البخاري عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال عمر بن الخطاب: أبو بكر سيدنا1.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عمر -رضي الله عنه- قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم2.
وأخرج ابن أبي خيثمة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن عمر -رضي الله عنه- قال: إن أبا بكر كان سابقًا مبرزًا.
وقال عمر: لوددت أني شعرة في صدر أبي بكر، أخرجه مسدّد في مسنده.
وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر، أخرجه ابن أبي الدنيا، وابن عساكر.
وقال: لقد كان ريح أبي بكر أطيب من ريح المسك، أخرجه أبو نعيم.
وأخرج ابن عساكر عن علي أنه دخل على أبي بكر وهو مسجّى، فقال: ما أحد لقي الله بصحيفته أحب إليّ من هذا المسجى.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حدثني عمر بن الخطاب أنه ما سبق أبا بكر إلى خير قط إلا سبقه به".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "3754/7".
2 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان "36/1".

 

ص -50-         وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي قال: والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر1.
وأخرج في الأوسط أيضًا عن جحيفة، قال: قال عليّ: خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وعمر، لا يجتمع حُبّي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن2.
وأخرج في الكبير عن ابن عمر قال: ثلاثة من قريش أصبح قريش وجوهًا وأحسنها أخلاقًا، وأثبتها جنانًا، إن حدثوك لم يكذبوك، وإن حدثتهم لم يكذبوك: أبو بكر الصديق، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن عفان3.
وأخرج ابن سعد عن إبراهيم النخعي قال: كان أبو بكر يسمى: "الأواه" لرأفته ورحمته4.
وأخرج ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثلُ أبي بكر الصديق مثل القطر، أينما وقع نفع.
أخرج ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء فما وجدنا نبيًّا كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق.
وأخرج عن الزهري قال: من فضل أبي بكر أنه لم يشك في الله ساعة قط.
وأخرج عن الزبير بن بكار قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنهما.
وأخرج عن أبي حصين قال: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر، ولقد قام أبو بكر يوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
فصل:
أخرج الدينوري في المجالسة وابن عساكر، عن الشعبي قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكر بأربع خصال لم يخص بها أحد من الناس: سماه الصديق ولم يسم أحدًا الصديق غيره، وهو صاحب الغار مع رسول الله -صلى اله عليه وسلم- ورفيقه في الهجرة، وأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة والمسلمون شهود.
وأخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف عن جعفر، قال: كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يراه.
وأخرج الحاكم عن ابن المسيب قال: كان أبو بكر من النبي -صلى الله عليه وسلم- مكان الوزير، فكان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في الأوسط "46/9 مجمع". وقال الهيثمي: وفيه أحمد بن عبد الرحمن بن المفضل الحراني ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
2 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح 996 ، 2749 ، 6922".
3 أخرجه الطبراني في الكبير "16/1".
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات "161/2".

 

ص -51-         يشاوره في جميع أموره، وكان ثانيه في الإسلام، وثانيه في الغار، وثانيه في العريش يوم بدر، وثانيه في القبر، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقدم عليه أحدًا1.
فصل: في الأحاديث والآيات المشيرة إلى خلافته وكلام الأئمة في ذلك
أخرج الترمذي وحسنه الحاكم وصححه عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر"2. وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء، والحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وأخرج أبو القاسم البغوي بسند حسن عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"يكون خلفي اثنا عشر خليفة: أبو بكر لا يلبث إلا قليلاً" صدر هذا الحديث مجمع على صحته، وارد من طرق عدة، وقد تقدم شرحه في أول هذا الكتاب، وفي الصحيحين في الحديث السابق: أنه صلى الله عليه وسلم لما خطب قرب وفاته وقال: "إن عبدًا خيره الله" الحديث، وفي آخره: "ولا يبقيَّن باب إلا سد، إلا باب أبي بكر"، وفي لفظ لهما: "لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر"3. قال العلماء: هذه إشارة إلى الخلافة؛ لأنه يخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين، وقد ورد هذا اللفظ من حديث أنس -رضي الله عنه- ولفظه: "سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر"4. أخرجه ابن عدي ومن حديث عائشة -رضي الله عنها- أخرجه الترمذي وغيره، ومن حديث أنس أخرجه البزار.
وأخرج الشيخان عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- عن أبيه، قال: أتت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ -كأنها تقول: الموت- فقال صلى الله عليه وسلم:
"إن لم تجديني فأتي أبا بكر"5.
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس -رضي الله عنه- قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن سله إلى من ندفع صدقاتنا بعدك؟ فأتيته فسألته: فقال:
"إلى أبي بكر"6.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله شيئًا، فقال لها: تعودين، فقالت: يا رسول الله! إن عدت فلم أجدك؟ -تعرض الموت-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "63/3"، وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي: في رواته مجهول.
2 أخرجه الترمذي "3662/5" والحاكم في المستدرك "75/3"، والطبراني في الكبير "53/9 مجمع" وقال الهيثمي: وفيه من لم أعرفهم. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وقال الحاكم: صحيح، ووافقه الذهبي.
3 أخرجه البخاري "3904/7"، ومسلم "2/4 فضائل الصحابة".
4 أخرجه ابن عدي في الكامل "225/1" وأخرجه الترمذي "3678/5". وقال: هذا حديث غريب.
5 أخرجه البخاري "3659/7"، ومسلم "2386/4".
6 أخرجه الحاكم في المستدرك "77/3". وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

 

ص -52-         فقال: "إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي".
وأخرج مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه:
"ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابًا؛ فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"1.
وأخرج أحمد وغيره من طرق عنها، وفي بعضها قالت: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي فيه مات:
"ادعي لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف عليه أحد بعدي"، ثم قال: "دعيه، معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر".
وأخرج مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها سئلت: من كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مستخلفًا لو استخلف؟ قالت: أبو بكر، قيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر، قيل لها: ومن بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح2.
وأخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتد مرضه، فقال:
"مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس" قالت عائشة: يا رسول الله، إنه رجل رقيق القلب، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، فقال: "مري أبا بكر فليصلِّ بالناس"، فعادت فقال: "مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف"، فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم3.
هذا الحديث متواتر، وورد أيضًا من حديث عائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن زمعة، وأبي سعيد، وعلي بن أبي طالب، وحفصة -رضي الله عنها- وقد سقت طرقهم في الأحاديث المتواترة.
وفي بعضها عن عائشة -رضي الله عنها- لقد راجعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلاً قام مقامه أبدًا، إلا أني كنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا أن تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل لذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أبي بكر.
وفي حديث ابن زمعة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة وكان أبو بكر غائبًا فتقدم عمر فصلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" لا، لا، لا يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر، يصل بالناس أبو بكر"4.
وفي حديث ابن عمر: كبر عمر، فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- تكبيره فأطلع رأسه مغضبًا فقال:
"أين ابن أبي قحافة؟".
قال العلماء: في هذا الحديث أوضح دلالة على أن الصديق أفضل الصحابة على الإطلاق، وأحقهم بالخلافة، وأولاهم بالإمامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم "2378/4".
2 أخرجه مسلم "2385/4".
3 أخرجه البخاري "678/2"، مسلم "420/1".
4 أخرجه أبو داود "4661/4".

 

ص -53-         قال الأشعري: قد علم بالضرورة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الصديق أن يصلي بالناس مع حضور المهاجرين والأنصار مع قوله: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"1. فدل على أنه أقرؤهم: أي أعلمهم بالقرآن. انتهى.
وقد استدل الصحابة أنفسهم بهذا على أنه أحق بالخلافة، منهم عمر -وسيأتي قوله في فصل المبايعة- ومنهم علي.
وأخرج ابن عساكر عنه قال: لقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يصلي بالناس وإني شاهد، وما أنا بغائب، وما بي مرض فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي -صلى الله عليه وسلم- لديننا.
قال العلماء: وقد كان معروفًا بأهلية الإمامة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أحمد وأبوداود وغيرهما عن سهل بن سعد قال: كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم، وقال:
"يا بلال! إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس" فلما حضرت صلاة العصر أقام بلال الصلاة، ثم أمر أبا بكر فصلى2.
وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيات، وابن عساكر عن حفصة -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إذا أنت مرضت قدمت أبا بكر، قال:
"لست أنا أقدمه، ولكن الله يقدمه".
وأخرج الدارقطني في الأفراد، والخطيب، وابن عساكر عن علي -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"سألت الله أن يقدمك ثلاثًا فأبى علي إلا تقديم أبي بكر"3.
وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال أبو بكر: يا رسول الله! ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس، قال:
"لتكونن من الناس بسبيل" قال: ورأيت في صدري كالرقمتين، قال: "سنتين"4.
وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال: أتيت عمر -وبين يديه قوم يأكلون- فرمى ببصره في مؤخر القوم إلى رجل فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصديقه.
وأخرج ابن عساكر عن محمد بن الزبير قال: أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء، فجئته، فقلت له: اشفني فيما اختلف الناس فيه، هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف أبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعدًا وقال: أو في شك هو لا أبا لك؟! إي والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلفه، ولهو كان أعلم بالله، وأتقى له، وأشد له مخافة من أن يموت عليها لو لم يؤمره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو داود "582/1" والنسائي في سننه "779/2".
2 أخرجه أحمد "332/5"، وأبو داود "941/1".
3 أخرجه الخطيب في تاريخه "213/11"، وابن عساكر في تاريخه "32637/11".
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات "165/2".

 

ص -54-         وأخرج ابن عدي عن أبي بكر بن عياش قال: قال لي الرشيد: يا أبا بكر، كيف استخلف الناس أبا بكر الصديق؟ قلت: يا أمير المؤمنين، سكت الله وسكت رسوله وسكت المؤمنون، قال: والله ما زدتني إلا غمًّا، قال: يا أمير المؤمنين مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال: يا رسول الله! من يصلي بالناس؟ قال: مر أبا بكر يصلي بالناس، فصلى أبو بكر بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسكوت الله وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعجبه، فقال: بارك الله فيك1.
وقد استنبط جماعة من العلماء خلافة الصديق من آيات القرآن، فأخرج البيهقي عن الحسن البصري في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه}[المائدة: 54] قال: هو والله أبو بكر وأصحابه، لما ارتدت العرب جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام.
وأخرج يونس بن بكير عن قتادة قال: لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب، فذكر قتال أبي بكر لهم، إلى أن قال: فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وأصحابه:
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه}[المائدة: 54].
وأخرج ابن أبي حاتم عن جويبر في قوله تعالى:
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيد}[الفتح: 16] قال: هم بنو حنيفة، قال ابن أبي حاتم وابن قتيبة: هذه الآية حجة على خلافة الصديق؛ لأنه الذي دعا إلى قتالهم.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري2: سمعت أبا العباس بن شريح يقول: خلافة الصديق في القرآن في هذه الآية، قال: لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبي بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة، قال: فدل ذلك على وجوب خلافة أبي بكر وافتراض طاعته، إذا أخبر الله أن المتولي عن ذلك يعذب عذابًا أليمًا، قال ابن كثير: ومن فسر القوم بأنهم فارس والروم فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم، وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان، وهما فرعا الصديق، وقال تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}[النور: 55] الآية، قال ابن كثير: هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق.
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الرحمن بن عبد الحميد المهدي قال: إن ولاية أبي بكر وعمر في كتاب الله، يقول الله تعالى:
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}[النور: 55].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن عدي في الكامل "26/4".
2 هو علي بن إسماعيل الأشعري: المنتسب إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما- وقد ذكر صاحب الملل والنحل أن أبا موسى الأشعري كان يقرر عين ما يقرر الأشعري أبو الحسن في مذهبه، وتوفي أبو الحسن الأشعري سنة 324هـ، ومن أشهر كتبه: "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" و"الإبانة عن أصول الديانة" وهو مؤسس فرقة الأشعرية. الملل والنحل "94".

 

ص -55-         وأخرج الخطيب عن أبي بكر بن عياش قال: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القرآن؛ لأن الله تعالى يقول: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِين} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحشر: 8] فمن سماه صدّيقًا فليس يكذب وهم قالوا: يا خليفة رسول الله، قال ابن كثير: استنباط حسن.
وأخرج البيهقي عن الزعفراني قال: سمعت الشافعي يقول: أجمع الناس على خلافة أبي بكر الصديق، وذلك أنه اضطر الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرًا من أبي بكر فولوه رقابهم.
وأخرج أسد السنة في فضائله عن معاوية بن قرة: ما كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا ضلال.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سيئ وقد رأى الصحابة أن يستخلفوا أبا بكر1.
وأخرج الحاكم وصححه الذهبي عن مرة الطيب قال: جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي فقال: ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة وأذلها ذلاً؟ -يعني: أبا بكر- والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً، قال: فقال علي: لطالما عاديت الإسلام وأهله يا أبا سفيان فلم يضره ذلك شيئًا، إنا وجدنا أبا بكر أهلاً لها2.
فصل: في مبايعته رضي الله عنه
روى الشيخان أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خطب الناس مرجعه من الحج، فقال في خطبته: قد بلغني أن فلانًا منكم يقول: لو مات عمر بايعت فلانًا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلته وتمت، ألا وإنها كانت كذلك، إلا أن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر،  وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإن عليًّا والزبير ومن معهما تخلفوا في بيت فاطمة، وتخلفت الأنصار عنا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان، فذكرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون، يا معشر المهاجرين؟ قلت: نؤيد إخواننا من الأنصار، فقال: عليكم ألا تقربوهم، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين؟ فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: وجع، فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "79،78/3". وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "78/3" وسكت الحاكم، وقال الذهبي: سنده صحيح.

 

ص -56-         على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا وتغصبونها من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زورت مقالة أعجبتني، أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحلم مني وأوقر، فقال أبو بكر: على رسلك! فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم مني، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بداهته مثلها وأفضل منها حتى سكت، فقال: أما بعد، فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، ولم تعرف العرب هذا الأمر لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، فقال قائل من الأنصار: أن جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار، أما والله ما وجدنا فيمن حضرنا أمرًا هو أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم، ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيهم فساد1.
وأخرج النسائي وأبو يعلى والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر2.
وأخرج ابن سعد و الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، قال: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة وفيهم أبو بكر وعمر، قام خطباء الأنصار، فجعل الرجل منهم يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم، فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال: أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره، ثم أخذ بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم، فبايعه عمر، ثم بايعه المهاجرون والأنصار، وصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، فدعا بالزبير فجاء، فقال: قلت ابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحواريه! أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "6830/12".
2 أخرجه النسائي "776/2" ، وأبو يعلى في مسنده "1358/2"، والحاكم في المستدرك "67/3" وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

 

ص -57-         الله. فقام فبايعه، ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليًّا فدعا به فجاء، فقال: قلت ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وختنه على ابنته! أردت أن تشق عصا المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعه1.
وقال ابن إسحاق في السيرة: حدثني الزهري قال: حدثني أنس بن مالك، قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد، جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله قد جمع أمركم على خيركم -صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار- فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة، ثم تكلم أبو بكر وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم وليست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، ولا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
وأخرج أبو موسى بن عقبة في مغازيه، والحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن عوف قال: خطب أبو بكر، فقال: والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط، ولا كنت راغبًا فيها ولا سألتها الله سرًّا ولا علانية، ولكني أشفقت من الفتنة، ومالي في الإمارة من راحة، لقد قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا يد إلا بتقوية الله، فقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي بالناس وهو حي2.
وأخرج ابن سعد عن إبراهيم التميمي قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال: ابسط يدك لأبايعك، إنك أمين هذه الأمة على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهَّة قبلها منذ أسلمت! أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟! الفهَّة: ضعف الرأي3.
وأخرج ابن سعد أيضًا عن محمد أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك لأبايعك، فقال له عمر: أنت أفضل مني، فقال أبو بكر، أنت أقوى مني، ثم كرر ذلك، فقال عمر: فإن قوتي لك مع فضلك، فبايعه4.
وأخرج أحمد عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "169/2" والبيهقي في السنن "143/8".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "66/3". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "168/2".
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات "171/2".

 

ص -58-         في طائفة من المدينة، فجاء فكشف عن وجهه فقبله وقال: فداء لك أبي وأمي ما أطيبك حيًّا وميتًا، مات محمد ورب الكعبة...- فذكر الحديث، قال: وانطلق أبو بكر وعمر يتفاودان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر، فلم يترك شيئًا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنهم إلا ذكره وقال: لقد علمتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا لسلكت وادي الأنصار". ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: "قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم". فقال له سعد: صدقت، ونحن الوزراء، وأنتم الأمراء1.
وأخرج ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر؟ ألست أول من أسلم؟ ألست؟ ألست؟ فذكر خصالًا.
وأخرج أحمد عن رافع الطائي، قال: حدثني أبو بكر عن بيعته، وما قالته الأنصار، وما قاله عمر، قال: فبايعوني وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة يكون بعدها ردة.
وأخرج ابن إسحاق وابن عابد في مغازيه عنه أنه قال لأبي بكر: ما حملك على أن تلي أمر الناس وقد نهيتني أن أتأمر على اثنين؟ قال:لم أجد من ذلك بدًّا، خشيت على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- الفرقة.
وأخرج أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: إن لجالس عند أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بشهر، فذكر قصته، فنودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، ثم قال: أيها الناس، لوددت أن هذا كفانيه غيري، ولئن أخذتموني بسنّة نبيكم ما أطيقها، إن كان لمعصومًا من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء2.
وأخرج ابن سعد عن الحسن البصري قال: لما بويع أبو بكر قام خطيبًا فقال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- لم أقم به، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدًا أكرمه الله بالوحي وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخير من أحدكم، فراعوني، ما رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطانًا يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، ولا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم3.
وأخرج ابن سعد والخطيب في رواية مالك عن عروة قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني قد وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن، وسن النبي -صلى الله عليه وسلم- السنن، وعلمنا فعلمنا، فاعلموا -أيها الناس- أن أكيس الكيس التقي وأعجز العجز  الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في المسند "5/1".
2 أخرجه أحمد في المسند "14،13/1".
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "192/2".

 

ص -59-         أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أنا زغت فقوموني، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم1.
قال مالك: لا يكون أحدًا إمامًا أبدًا إلا على هذا الشرط.
وأخرج الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتجت مكة، فسمع أبو قحافة ذلك، قال: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أمر جلل فمن قام بالأمر بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا واضع لما رفعت، ولا رافع لما وضعت.
وأخرج الواقدي من طرق عن عائشة، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وغيرهم -رضي الله عنهم- أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة2.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: لم يجلس أبو بكر الصديق في مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر حتى لقي الله، ولم يجلس عمر في مجلس أبي بكر حتى لقي الله، ولم يجلس عثمان في مجلس عمر حتى لقي الله3.
فصل: فيما وقع في خلافته
والذي وقع في أيامه من الأمور الكبار: تنفيذ جيش أسامة، وقتال أهل الردة، ومانعي الزكاة، ومسيلمة الكذاب، وجمع القرآن.
أخرج الإسماعيلي عن عمر -رضي الله عنه- قال: لما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلي ولا نزكي، فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله! تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش، فقال: رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك، جبارًا في الجاهلية خوارًا في الإسلام، بماذا عسيت أن أتألفهم؟ بشعر مفتعل أو بسحر مفترى؟ هيهات هيهات! مضى النبي -صلى الله عليه وسلم- وانقطع الوحي، والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً، قال عمر: فوجدته في ذلك أمضى مني وأحزم وأدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤنتهم حين وليتهم.
وأخرج أبو القاسم البغوي، وأبو بكر الشافعي في فوائده، وابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- اشرأب النفاق، وارتدت العرب، وانحازت الأنصار، فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفنائها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "169/2".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "245/3" وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وقال الذهبي: ولم يخرجا لعمارة شيئًا.
3 أخرجه الطبراني في الأوسط "7919/2".

 

ص -60-         وفضلها، قالوا: أين يدفن النبي، صلى الله عليه وسلم؟ فما وجدنا عند أحد من ذلك علمًا، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه". قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحد من ذلك علمًا، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة".
قال الأصمعي: الهيض: الكسر للعظم، والاشرئباب: رفع الرأس.
قال بعض العلماء: وهذا أول اختلاف وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- فقال بعضهم: ندفنه بمكة بلده الذي ولد بها، وقال آخرون: بل بمسجده، وقال آخرون: بل بالبقيع، وقال آخرون: بل في بيت المقدس مدفن الأنبياء، حتى أخبرهم أبو بكر بما عنده من علم قال ابن زنجوية: وهذه سنة تفرد بها الصديق من بين المهاجرين والأنصار، ورجعوا إليه فيها.
وأخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبد الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- وارتدت العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رددت جيشًا وجهه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا حللت لواء عقده، فوجه أسامة، فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوهم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وأخرج عن عروة قال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في مرضه:
"أنفذوا جيش أسامة"، فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثقل فلم يبرح حتى قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قبض رجع إلى أبي بكر، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإني معي سروات1 الناس  وخيارهم، فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله لأن تخطفني الطير أحب إلى من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعثه.
قال الذهبي: لما اشتهرت وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنواحي ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام، ومنعوا الزكاة، فنهض أبو بكر الصديق لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم، فقال: والله لو منعوني عقالاً أو عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سروات الناس: أي أشرافهم ومفردها سَرِيٌ. النهاية في غريب الحديث "363/3".

 

ص -61-         وحسابه على الله". فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال وقد قال: "إلا بحقها". قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. أخرجه الشيخان وغيرهما1.
وعن عروة قال: خرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتى بلغ نقعًا حذاء نجد، وهربت الأعراب بذراريهم، فكلم الناس أبا بكر، وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذرية والنساء، وأَمّر رجلاً على الجيش، ولم يزالوا به حتى رجع، وأَمّر خالد بن الوليد، وقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة، فمن شاء منكم أن يرجع فليرجع، ورجع أبو بكر إلى المدينة.
وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال: لما برز أبو بكر واستوى على راحلته أخذ علي بن أبي طالب بزمامها، وقال: إلى أين يا خليفة رسول الله؟ أقول لك ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: "شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك"، وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا2.
وعن حنظلة بن علي الليثي أن أبا بكر بعث خالدًا وأمره أن يقاتل الناس على خمس، من تر ك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعًا: على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وسار خالد ومن معه في جمادى الآخرة، فقاتل بين أسد، وغطفان، وقتل من قتل وأسر من أسر ورجع الباقون إلى الإسلام، واستشهد بهذه الواقعة من الصحابة عكاشة بن محصن، وثابت بن أقرم. وفي رمضان من هذه السنة ماتت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيدة نساء العالمين، وعمرها أربع وعشرون سنة.
قال الذهبي: وليس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسب إلا منها، فإن عقب ابنته زينب انقرضوا، قاله الزبير بن بكار، وماتت قبلها بشهر أم أيمن، وفي شوال مات عبد الله بن أبي بكر الصديق.
ثم سار خالد بجموعه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب في  أواخر العام، والْتَقَى الجمعان، ودار الحصار أيامًا، ثم قتل الكذاب لعنه الله، قتله وحشي قاتل حمزة.
واستشهد فيها خلق من الصحابة، أبو حذيفة بن عتبة، وسالم مولى أبي حذيفة، وشجاع بن وهب، وزيد بن الخطاب وعبد الله بن سهل، ومالك بن عمرو، والطفيل بن عمرو الدوسي، ويزيد بن قيس، وعامر بن البكير، وعبد الله بن مخرمة، والسائب بن عثمان بن مظعون، وعباد بن بشر، ومعن بن عدي، وثابت بن قيس بن شماس، وأبو دجانة سماك بن حرب، وجماعة آخرون تتمة سبعين.
وكان لمسيلمة يوم قتل مائة وخمسون سنة ومولده قبل مولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "1400،1399/3"، ومسلم "20/1".
2  أخرجه البخاري الدارقطني في غرائب مالك "14158/5 كنز".

 

ص -62-         وفي سنة اثنتي عشرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا، فالتقوا بجواثي، فنصر المسلمون، وبعث عكرمة بن أبي جهل، إلى عمان، وكانوا قد ارتدوا، وبعث المهاجر بن أبي أمية إلى أهل النجير، وكانوا قد ارتدوا وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة، وفيها مات أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي -صلى الله عليه وسلم- والصعب بن جثامة الليثي، وأبو مرثد الغنوي، وفيها بعد فراغ قتال أهل الردة بعث الصديق -رضي الله عنه- خالد بن الوليد إلى أرض البصرة، فغزا الأيلة، فافتتحها وافتتح مدائن كسرى التي بالعراق صلحًا وحربًا، وفيها أقام الحج أبو بكر الصديق، ثم رجع فبعث عمرو بن العاص والجنود إلى الشام، فكانت وقعت أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، ونصر المسلمون وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق، واستشهد بها عكرمة بن أبي جهل، وهشام بن العاص في طائفة وفيها كانت وقعت مرج الصفر1، وهزم المشركون، واستشهد بها الفضل بن العباس في طائفة.
ذكر جمع القرآن
أخرج البخاري عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن يجمعوه، وإني لأرى أن يجمع القرآن، قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، فرأيت الذي رأى عمر، قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل، ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت، لم أجدهما مع غيره:
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُم} إلى آخرها[التوبة: 129،128].
فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما2.
وأخرج أبو يعلى عن علي، قال: أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مرج الصُّفَّر: كانت موقعة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وهي بين الواقوصة ودمشق، وقال: إن خالد بن سعيد بن العاص استشهد فيها وقيل: إن الذي استشهد فيها ابن له.
2 أخرجه البخاري "4679/8".

 

ص -63-         فصل: في أولياته
منها: أنه أول من أسلم، وأول من جمع القرآن، وأول من سماه مصحفًا، وتقدم دليل ذلك. وأول من سُمّي خليفة.
وأخرج أحمد عن أبي بكر بن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر، يا خليفة الله، قال: أنا خليفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا راضٍ به.
ومنها أنه أول من ولي الخلافة وأبوه حي، وأول خليفة فرض له رعيته العطاء.
أخرج البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما استخلف أبو بكر قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل أهل أبي بكر من هذا المال، ويحترف المسلمون1.
وأخرج ابن سعد عن عطاء بن السائب قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، وهو ذاهب إلى السوق، فقال عمر: أين تريد؟ قال: إلى السوق، قال: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قال: انطلق، يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين، ليس بأفضلهم ولا أوكسهم، وكسوة الشتاء والصيف إذا أخلقت شيئًا رددته وأخذت غيره، ففرضا له كل يوم نصف شاة، وما كساه في الرأس والبطن2.
وأخرج ابن سعد عن ميمون قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالًا وقد شغلتموني عن التجارة، فزادوه خمسمائة3.
وأخرج الطبراني في مسنده عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال: لما احتضر أبو بكر قال: يا عائشة! انظري اللقحة4 التي كنا نشرب من لبنها، والجفنة التي كنا نصطبغ فيها والقطيفة5 التي كنا نلبسها! فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا نلي أمر المسلمين، فإذا مت فاردديه إلى عمر، فلما مات أبو بكر أرسلت به إلى عمر فقال عمر: رحمك الله يا أبا بكر! لقد أتعبت من جاء بعدك6.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي بكر بن حفص قال: قال أبو بكر لما احتضر لعائشة رضي الله عنها: يا بنية! إنا ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لنا دينارًا ولا درهَمًا، ولكنا أكلنا من جريش7 طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "2070/4".
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات "170/2".
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "171/2".
4 اللقحة: بالكسر والفتح، هي الناقة القريبة العهد بالنتاج والجمع لقح. النهاية "262/4".
5 قطيفة: كساء له خمل وفيه: "تعس عبد القطيفة"، النهاية "84/4".
6 أخرجه الطبراني في الكبير "38/1".
7 جريش طعامهم: الجرش: صوت يحصل من أقل شيء خشن، ويراد به القديد من الطعام.

 

ص -64-         فَيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضج، وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر.
ومنها: أنه أول من اتخذ بيت المال.
أخرج ابن سعد عن سهل بن أبي خيثمة وغيره أن أبا بكر كان له بيت مال بالسنح ليس يحرسه أحد، فقيل له: ألا تجعل عليه من يحرسه؟ قال: عليه قفل، فكان يعطي ما فيه حتى يفرغ، فلما انتقل إلى المدينة حوله فجعله في داره، فقدم عليه مال، فكان يقسمه على فقراء الناس فيسوي بين الناس في القسم، وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيجعله في سبيل الله، واشترى قطائف أتى بها من البادية ففرقها في أرامل المدينة، فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر الأمناء ودخل بهم في بيت مال أبي بكر منهم عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه شيئًا لا دينارًا ولا درهَمًا1.
قلت: وبهذا الأثر يرد قول العسكري في الأوائل: إن أول من اتخذ بيت المال عمر، وإنه لم يكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- بيت مال، ولا لأبي بكر -رضي الله عنه- وقد رددته عليه في كتابي الذي صنفته في الأوائل، ثم رأيت العسكري تنبه له في موقع آخر من كتابه، فقال: إن أول من ولي بيت المال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر.
ومنها: قال الحاكم: أول لقب في الإسلام لقب أبي بكر، رضي الله عنه: عتيق.
فصل
أخرج الشيخان عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا". فلما جاء مال البحرين بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر: من كان له عند النبي  -صلى الله عليه وسلم- دين أو عدة فليأتنا، فجئت وأخبرته، فقال: خذ، فأخذت، فوجدتها خمسمائة، فأعطاني ألفًا وخمسمائة2.
فصل: في نبذ من حلمه وتواضعه
أخرج ابن عساكر عن أنيسة قالت: نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين قبل أن يستخلف، وسنة بعدما استخلف، فكانت جواري الحي يأتينه بغنمهن فيحلبهن لهن.
وأخرج أحمد في الزهد عن ميمون بن مهران قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: السلام عليك يا خليفة رسول الله! قال: من بين هؤلاء أجمعين.
وأخرج ابن عساكر عن أبي صالح الغفاري: أن عمر بن الخطاب كان يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل، فيسقي لها ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "172،171/2" بنحوه.
2 أخرجه البخاري "2296/4" ومسلم "2314/4".

 

ص -65-         غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر، فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري.
وأخرج أبو نعيم وغيره عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: انزل عن مجلس أبي، فقال: صدقت! إنه مجلس أبيك، وأجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، فقال: صدقت والله ما أتهمك1.
فصل
أخرج ابن سعد عن ابن عمر قال: "استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر على الحج في أول حجة كانت في الإسلام، ثم حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة المقبلة، فلما قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستخلف أبو بكر استعمل عمر بن الخطاب على الحج، ثم حج أبو بكر من قابل، فلما قبض أبو بكر واستخلف عمر استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج، ثم لم يزل عمر يحج سنيه كلها حتى قبض، فاستخلف عثمان، واستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج"2.
فصل: في مرضه ووفاته، ووصيفته، واستخلافه عمر
أخرج سيف والحاكم عن ابن عمر قال: كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كمد مازال جسده يضوي حتى مات. يضوي: أي ينقص.
أخرج ابن سعد والحاكم بسند صحيح عن ابن شهاب: أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة3.
وأخرج الحاكم عن الشعبي قال: ماذا نتوقع من هذه الدنيا الدنية وقد سم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسم أبو بكر4؟!
وأخرج الواقدي والحاكم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا، فحم خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى الصلاة، وتوفي ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان "99/2".
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات "165/2".
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "182/2". والحاكم في المستدرك "64/3". وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي: رواه الليث وهو مرسل.
4 أخرجه الحاكم في المستدرك "64/3"، وسكت عليه الحاكم. وقال الذهبي: السري متروك.
5 أخرجه الحاكم في المستدرك "63/3"، وسكت عليه.

 

ص -66-         وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا عن أبي السفر، قال: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا ندعوا لك طبيبًا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إلي فقالوا: ما قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد1.
وأخرج الواقدي من طرق: أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب؟ فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن بن عوف: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر؟ قال: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك، فقال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن حضير، وغيرهما من المهاجرين، والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخير بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط، الذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أقوى عليه منه.
ودخل عليه بعض الصحابة، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى علظته؟ فقال أبو بكر: بالله تخوفني؟ أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من ورائك. ثم دعا عثمان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم أمر بالكتاب فختمه، ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختومًا، فبايع الناس ورضوا به، ثم دعا أبو بكر عمر خاليًا، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه، وقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم رأيًا، فوليت عليهم خيرهم، وأقواهم عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، وفاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، اصلح اللهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين، وأصلح له رعيته.
وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن مسعود، قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين استخلف عمر، وصاحبة موسى حين قالت: استأجره، والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته: أكرمي مثواه2.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن سعد في الطبقات "181/2".
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "346،345/2"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

 

ص -67-         وأخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة، قال: لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة، فقال: أيها الناس! إني قد عهدت عهدًا، أفترضون به؟ فقال الناس: رضينا يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام علي، فقال: لا نرضى إلا أن يكون عمر، قال: فإنه عمر.
وأخرج أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن أبا بكر لما حضرته الوفاة قال: أي يوم هذا؟ قالوا: يوم الاثنين قال: فإن مت من ليلتي فلا تنتظروا بي لغد، فإن أحب الأيام والليالي إلي أقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
وأخرج مالك عن عائشة رضي الله عنها: أن أبا بكر نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: يا بنية، والله ما من الناس أحد أحب إليّ غنى منك، ولا أعز علي فقرًا بعدي منك، وإن كنت نحلتك جداد عشرين وسقا، فلو كنت جددته واحترزته كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هو أخواك وأختاك فاقسموه على كتاب الله، فقالت: يا أبت! والله لو كان كذا وكذا لتركته، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطن ابنة خارجة، أراها جارية، وأخرجه ابن سعد، وقال في آخره: ذات بطن ابنة خارجة، وقد ألقى في روعي أنها جارية، فاستوصى بها خيرًا، فولدت أم كلثوم2.
وأخرج ابن سعد عن عروة أن أبا بكر أوصى بخمس ماله، وقال: آخذ من مالي ما أخذ الله من فَيْءِ المسلمين.
وأخرج من وجه آخر عنه قال: لأن أوصي بالخمس أحب إلى من أن أوصي بالربع، وأن أوصي بالربع أحب إلى من أن أوصي بالثلث، ومن أَوْصَى بالثلث لم يترك شيئًا3.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن الضحاك: أن أبا بكر وعليًّا أوصيا بالخمس من أموالهما لمن لا يرث من ذوي قرابتهما.
أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: والله ما ترك أبو بكر دينارًا ولا درهَمًا ضرب الله سكته.
وأخرج ابن سعد وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل أبو بكر تمثلت بهذا البيت

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى             إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه، وقال: ليس كذلك، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد}[ق: 19] انظروا ثوبَيَّ هذين فاغسلوهما، وكفنوني فيهما، فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت4.
وأخرج أبو يعلى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت على أبي بكر وهو في الموت فقلت:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في المسند "8/1".
2 أخرجه مالك في الموطأ "40/752/2"، وابن سعد في الطبقات "179،178/2".
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "182/2".
4 أخرجه ابن سعد في الطبقات "18/2".

 

ص -68-                                           من لا يزال دمعه مقنعًا        فإنه في مرة مدفوق

فقال: لا تقولي هذا ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد}[ق: 19] ثم قال: في أي يوم توفي الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فتوفي ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: لما احتضر أبو بكر قعدت عائشة -رضي الله عنها- على رأسه، فقالت:

وكل ذي إبل يومًا سيوردها                     وكل ذي سلب لابد مسلوب

ففهمها أبو بكر، فقال: ليس كذلك يا ابنتاه، ولكنه كما قال الله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد}[ق: 19].
وأخرج أحمد عن عائشة رضي الله عنها: أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه                  ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فقال أبو بكر: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم1.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبادة بن قيس قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة: اغسلي ثوبَيَّ هذين وكفنيني بهما، فإنما أبوك أحد رجلين: إمام مكسو أحسن الكسوة، أو مسلوم أسوأ السلب.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن أبي مليكة: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، ويعينها عبد الرحمن بن أبي بكر.
وأخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيب: أن عمر -رضي الله عنه- صلى على أبي بكر بين القبر والمنبر، وكبر عليه أربعًا.
وأخرج عن عروة، والقاسم بن محمد: أن أبا بكر أوصى عائشة أن يدفن إلى جنب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلما توفي حفر له وجعل رأسه عند كتف الرسول -صلى الله عليه وسلم- وألصق اللحد بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم2.
وأخرج عن ابن عمر قال: نزل في حفرة أبي بكر: عمر، وطلحة، وعثمان، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وأخرج من طرق عدة: أنه دفن ليلاً.
وأخرج عن ابن المسيب: أن أبا بكر لما مات ارتجت مكة، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: مات ابنك، قال: رزء جليل، من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال صاحبه3.
وأخرج عن مجاهد، أن أبا قحافة رد ميراثه من أبي بكر على ولد أبي بكر، ولم يعش أبو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في المسند "7/1".
2 أخرجه ابن سعد في الطبقات "190/2".
3 أخرجه ابن سعد في الطبقات "191/2".

ص -69-         قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأيامًا، ومات في المحرم سنة أربع عشرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
قال العلماء: لم يلِ الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو بكر،ولم يرث خليفة أبوه إلا أبا بكر.
وأخرج الحاكم عن ابن عمر قال: ولي أبو بكر سنتين وسبعة أشهر1.
وفي تاريخ ابن عساكر بسنده عن الأعصمي قال: قال خفاف بن ندبة السلمي يبكي أبا بكر:

ليس لحي فاعلمنه بقا                          وكل دنيا أمرها للفنا

والملك في الأقوام مستودع                    عارية فالشرط فيه الأدا

والمرء يسعى وله راصد                          تندبه العين ونار الصدا

يهرم أو يقتل أو يقهره                            يشكوه سقم ليس فيه شفا

إن أبا بكر هو الغيث إن                           لم تزرع الجوزاء بقلاً بما

تالله لا يدرك أيامه                                 ذو مئزر ناشٍ، ولا ذو ردا

من يسعَ كي يدرك أيامه                        مجتهدًا شذ بأرض فضا

فصل: فيما روي عنه من الحديث المسند
قال النووي في تهذيبه: روي عن الصديق عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائة حديث واثنين وأربعين حديثًا، وسبب قلة روايته، مع تقدم صحبته وملازمته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها.
قلت: وقد ذكر عمر -رضي الله عنه- في حديث البيعة السابق: أن أبا بكر لم يترك شيئًا أنزل في الأنصار أو قد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنهم إلا ذكره، وهذا أدل دليل على كثرة محفوظه من السنة وسعة علمه بالقرآن الكريم، وروى عنه: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي، وابن عوف، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عمر، وابن الزبير، وابن عمرو، وابن عباس، وأنس، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، وعبد الرحمن ابنه، وزيد بن أرقم، وعبد الله بن مغفل، وعقبة بن عامر الجهني، وعمران بن حصين، وأبو برزة الأسلمي، وأبو سعيد الخدري، وأبو موسى الأشعري، وأبو الطفيل الليثي، وجابر بن عبد الله، وبلال، وعائشة ابنته، وأسماء ابنته، ومن التابعين: أسلم مولى عمر، وواسط البجلي، وخلائق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الحاكم في المستدرك "65/3"، وسكت عليه.

 

ص -70-         وقد رأيت أن أسرد أحاديثه هنا على وجه وجيز، مبينًا عقب كل حديث من خرّجه، وسأفردها بطرقها في المسند إن شاء الله تعالى:
الأول: حديث الهجرة، الشيخان وغيرهما1.
الثاني: حديث البحر:
"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"2. الدارقطني.
الثالث: حديث:
"السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"3. أحمد.
الرابع: حديث: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكل كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ"4. البزار، وأبو يعلى.
الخامس: حديث:
"لا يتوضأن أحدكم من طعام أكله حل له أكله"5. البزار.
السادس: حديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ضرب المصلين"6. أبو يعلى والبزار.
السابع: حديث: "آخر صلاة صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- خلفي في ثوب واحد"7. أبو يعلى.
الثامن: حديث:
"من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"8. أحمد.
التاسع: حديث: "أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال:
"قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم"9. البخاري، ومسلم.
العاشر: حديث:
"من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه"10. ابن ماجه.
الحادي عشر: حديث:
"ما قبض نبي قط حتى يؤمه رجلاً من أمته"11. البزار.
الثاني عشر: حديث:
"ما من رجل يذنب ذنبًا فيتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له"12. أحمد، وأصحاب السنن الأربعة، وابن حبان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "3653/7" ، ومسلم "2381/4".
2 أخرجه الدارقطني في سننه "34/1".
3 أخرجه أحمد في المسند "47/6،3/1".
4 أخرجه البزار "360/3"، وأبو يعلى في مسنده "2352/4".
5 أخرجه البزار "77/1".
6 أخرجه أبو يعلى في مسنده "89،88/1، 4144/7" والبزار "39/1"
7 أخرجه أبو يعلى في مسنده "3596،3548/6".
8 أخرجه أحمد في المسند "36،7/1".
9 أخرجه البخاري "834/2"، ومسلم "2705/4".
10 أخرجه ابن ماجه "3946،3945/2".
11 أخرجه البزار "3/1".
12 أخرجه أحمد "2/1" وأبو داود "1521/2" والترمذي "46/2"، وابن ماجه "1395/1" وابن حبان "10/2 إحسان"، وقال أبو عيسى: حديث حسن.

 

ص -71-         الثالث عشر: حديث: "ما قبض الله نبيًّا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه"1. الترمذي.
الرابع عشر: حديث:
"لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"2. أبو يعلى.
الخامس عشر: حديث:
"إن الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحي"3. أبو يعلى.
السادس عشر: حديث:
"اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإنها تقيم العوج وتدفع ميتة السوء، وتقع من الجائع موقعها من الشبعان"4. أبو يعلى.
السابع عشر: حديث فرائض الصدقات بطوله، البخاري وغيره 5.
الثامن عشر: حديث: عن ابن أبي مليكة قال: كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق، فيضرب بذراع ناقته فينيخها، فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني ألا أسأل الناس شيئًا.6 أحمد.
التاسع عشر: حديث: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن أبي بكر أن تغتسل وتهل7. البزار، والطبراني.
العشرون: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الحج أفضل؟ فقال:
"العَجُّ والثَّجُّ"8. الترمذي وابن ماجه9.
الحادي والعشرون: حديث: أنه قبّل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك. الدارقطني10.
الثاني والعشرون: حديث: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث ببراءة إلى أهل مكة:
"لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان"11. الحديث، أحمد.
الثالث والعشرون: حديث:
"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة"12. أبو يعلى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الترمذي "1018/3"، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
2 أخرجه البزار في مسنده "1278/4".
3 أخرجه أبو يعلى في مسنده "47/1".
4 أخرجه أبو يعلى في مسنده "1/ 85، 5/ 2707".
5 أخرجه البخاري "1454/3"، وأبو داود "1567/2"، والنسائي "2446/5".
6 أخرجه أحمد في المسند "11/1".
7 أخرجه البزار في مسنده "78/1"، والطبراني في الكبير "366/24".
8 العج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: سيلان دماء الهدي والأضاحي، النهاية "207/1، 184/3".
9 أخرجه الترمذي "827/3"، وابن ماجه "2924/2".
10 أخرجه الدارقطني في العلل "12506/5 كنز".
11 أخرجه أحمد في المسند "3/1".
12 أخرجه أبو يعلى في مسنده "118/1".

 

ص -72-         الرابع والعشرون: حديث انطلاقه عليه السلام إلى دار أبي الهيثم بن التيهان بطوله، أبو يعلى1.
الخامس والعشرون: حديث:
"الذهب بالذهب مثلًا بمثل، والفضة بالفضة مثلًا بمثل، والزائد والمستزيد في النار"2. أبو يعلى، والبزار.
السادس والعشرون: حديث:
"ملعون من ضار مؤمنًا أو مكر به"3. الترمذي.
السابع والعشرون: حديث:
"لا يدخل الجنة بخيل ولا خب4 ولا خائن ولا سيئ الملكة وأول من يدخل الجنة المملوك إذا أطاع ربه وأطاع سيده"5.
الثامن والعشرون: حديث:
"الولاء لمن أعتق"6. الضياء المقدسي في المختارة.
التاسع والعشرون: حديث:
"لا نورث، ما تركناه صدقة"7. البخاري.
الثلاثون: حديث:
"إن الله إذا أطعم نبيًّا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده"8. أبو داود.
الحادي والثلاثون: حديث:
"كفر بالله من تبرأ من نسب وإن دق"9. البزار.
الثاني والثلاثون: حديث:
"أنت ومالك لأبيك". قال أبو بكر: وإنما يعني بذلك النفقة، البيهقي10.
الثالث والثلاثون: حديث:
"من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار"11. البزار.
الرابع والثلاثون: حديث:
"أمرت أن أقاتل الناس"12. الحديث، الشيخان وغيرهما.
الخامس والثلاثون: حديث:
"نعم عبد الله وأخو العشيرة ابن الوليد وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين"13. أحمد.
السادس والثلاثون: حديث:
"ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر"14. الترمذي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو يعلى في مسنده "3288/6".
2 أخرجه أبو يعلى في مسنده "55/1، 1325/2"، والبزار "45/1".
3 أخرجه الترمذي "1941/4"، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
4 خب: الخب هو الخداع، الذي يسعى بين الناس.انظر النهاية في غريب الحديث "4/2".
5 أخرجه أحمد في المسند "4/1".
6 أخرجه الضياء "185/2".
7 أخرجه البخاري "3093/6".
8 أخرجه أبو داود "2973/3".
9 أخرجه البزار في مسنده "91،70/1".
10 أخرجه البيهقي في السنن "481/7".
11 أخرجه البزار في مسنده "22/1".
12 أخرجه البخاري "1399/3"، ومسلم "20/1"، وأبو داود "2640/3"، والترمذي "2607/5" وقال أبو عيسى: حسن صحيح.
13 أخرجه أحمد في المسند "8/1".
14 أخرجه الترمذي "3684/5"، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بذلك.

 

ص -73-         السابع والثلاثون: حديث: "من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأمّر عليهم أحدًا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا حتى يدخله جهنم، ومن أعطى أحدًا حمى الله فقد انتهك من حمى الله شيئًا بغير حقه فعليه لعنة الله"1. أحمد.
الثامن والثلاثون: حديث:
"قصة ماعز ورجمه"2. أحمد.
التاسع والثلاثون: حديث:
"ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة"3. الترمذي.
الأربعون: حديث:
"أنه عليه الصلاة والسلام شاور في أمر الحرب"4. الطبراني.
الحادي والأربعون: حديث: لما نزلت:
{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه}[النساء: 123] الحديث5. الترمذي، وابن حبان، وغيرهما.
الثاني والأربعون: حديث: "إنكم تقرءون هذه الآية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُم}[المائدة: 105] الحديث6. أحمد، والأربعة، وابن حبان.
الثالث والأربعون: حديث:
"ما ظنك باثنين الله ثالثهما" الشيخان.
الرابع والأربعون: حديث:
"اللهم طعنا وطاعونا"7. أبو يعلى.
الخامس والأربعون: حديث:
"شيبتني هود"8. الحديث، الدارقطني في العلل.
السادس والأربعون: حديث:
"الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل"9. الحديث. أبو يعلى وغيره.
السابع والأربعون: حديث: "قلت: يا رسول الله، علمني شيئًا أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت"10. الحديث. الهيثم بن كليب في مسنده، وهو عند الترمذي وغيره من مسند أبي هريرة.
الثامن والأربعون: حديث:
"عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فإن إبليس قال: أهلكت

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أحمد في المسند "6/1".
2 أخرجه أحمد في المسند "453/2".
3 أخرجه الترمذي "3559/5"، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي نضيرة، وليس إسناده بالقوي.
4 أخرجه الطبراني في الكبير "46/1".
5 أخرجه الترمذي "3039/5"، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال: موسى بن عبيدة يضعف في هذا الحديث، وابن حبان "745/3 إحسان".
6 أخرجه أحمد "21/1"، وأبو داود "4338/4"، والترمذي "3057/5"، وابن ماجه "4005/2"، وقال أبو عيسى: حسن صحيح.
7 أخرجه أبو يعلى "62/1".
8 أخرجه الدارقطني في العلل "124،110/2".
9 أخرجه أبو يعلى "61،60،59،58/1"، وأبو نعيم في الحلية "3/ 31، 114".
10 أخرجه الترمذي "3529/5"، وقال: هذا الحديث حسن غريب من هذا الوجه.

 

ص -74-         الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون"1. أبو يعلى.
التاسع والأربعون: حديث: "لمانزلت:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي}[الحجرات: 2] قلت: يا رسول الله والله لا أكلمك إلا كأخي الهرم السرار"2. البزار.
الخمسون: حديث:
"كل ميسر لما خلق له" أحمد3.
الحادي والخمسون: حديث:
"من كذب علي متعمدًا أو ردَّ عليّ شيئًا أمرت به فليتبوأ بيتًا من جهنم". أبو يعلى4.
الثاني والخمسون: حديث:
"ما نجاة هذا الأمر-الحديث- في لا إله إلا الله"5. أحمد وغيره.
الثالث والخمسون: حديث:
"اخرج فناد في الناس من شهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة، فخرجت فلقيني عمر" الحديث6. أبو يعلى وهو محفوظ من حديث أبي هريرة غريب جدًّا من حديث أبي بكر.
الرابع والخمسون: حديث:
"صنفان من أمتي لا يدخلان الجنة المرجئة والقدرية"7. الدارقطني في العلل.
الخامس والخمسون: حديث:
"سلو الله العافية"8. أحمد، والنسائي، وابن ماجه، وله من طرق كثيرة عنه.
السادس والخمسون: حديث: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أمرًا قال:
"اللهم خر واختر لي". الترمذي9.
السابع والخمسون: حديث:
"دعاء الدين: اللهم فارج الهم". الحديث، البزار والحاكم10.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو يعلى "136/1".
2 أخرجه البزار "668/3".
3 أخرجه أحمد في مسنده "6/1".
4 أخرجه أبو يعلى "73/1".
5 أخرجه أحمد في مسنده "6/1".
6 أخرجه أبو يعلى "15/1".
7 القدرية: هم أتباع معبد بن خالد الجهني البصري، وهو أول من تكلم في القدر. والمرجئة: ثلاثة أصناف: صنف قالوا بالإرجاء في الإيمان وبالقدر على مذاهب القدرية المعتزلة كغيلان، وصنف منهم: قالوا بالإرجاء بالإيمان وبالجبر في الأعمال على مذهب جهم بن صفوان، وسموا مرجئة؛ لأنهم أخروا العمل عن الإيمان، وصنف ثالث خارج عن الجبرية والقدرية، والصنف الأول داخل في الخبر الوارد في لعن القدرية، انظر الفرق بين الفرق "202،18".
8 أخرجه أحمد في مسنده "3/1"، والنسائي كتاب الجنائز "102"، وابن ماجه "3848/2".
9 أخرجه الترمذي "3516/5"، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل وهو ضعيف عند أهل الحديث.
10 أخرجه البزار "62/1" والحاكم في مستدركه "515/1".

 

ص -75-         الثامن والخمسون: حديث: "كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به" وفي لفظ: "لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام"1. أبو يعلى.
التاسع والخمسون: حديث:
"ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو ذرب2 اللسان". أبو يعلى3.
الستون: حديث:
"ينزل الله ليلة النصف من شعبان فيغفر فيها لكل بشر ما خلا كافرًا أو رجلًا في قلبه شحناء". الدارقطني4.
الحادي والستون: حديث:
"إن الدجال يخرج بالمشرق من أرض يقال لها خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان5 المطرقة". الترمذي، وابن ماجه6.
الثاني والستون: حديث:
"أعطيت سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب" الحديث. أحمد7.
الثالث والستون: حديث: "الشفاعة" بطوله في تردد الخلائق إلى نبي بعد نبي، أحمد8.
الرابع والستون: حديث:
"لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا لسلكت وادي الأنصار"9. أحمد.
الخامس والستون: حديث:
"قريش ولاة هذا الأمر، برهم تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم"10. أحمد.
السادس والستون: حديث: أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بالأنصار عند موته وقال:
"اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم"11. البزار والطبراني.
السابع والستون: حديث:
"إني لأعلم أرضًا يقال لها عمان، ينضح بناحيتها البحر، بها حي من العرب، لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر"12. أحمد وأبو يعلى.
الثامن والستون: حديث: "إن أبا بكر مر بالحسن وهو يلعب مع غلمان، فاحتمله على رقبته، وقال: بأبي شبيه بالنبي ليس شبيهًا بعلي"13. البخاري وقال ابن كثير: وهو في حكم المرفوع؛ لأنه في قوة قوله: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يشبه الحسن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو يعلى "84/83/1".
2 ذرب اللسان: هو تسلطه وفساد منطقه، من قولهم: "ذرب لسانه" إذا كان حاد اللسان لا يبالي ما قال.
3 أخرجه أبو يعلى "5/1".
4 الدارقطني "7462/3 كنز".
5 المجان المطرقة: أي التراس التي ألبست العقب شيئًا فوق شيء. النهاية في غريب الحديث "123/3".
6 أخرجه الترمذي "2237/4" وابن ماجه "4072/2"، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث أبي التياح.
7 أخرجه أحمد "6/1".
8 أخرجه أحمد "4/1".
9 أخرجه أحمد "5/1".
10 أخرجه أحمد "5/1".
11 أخرجه البزار "3/1"، والطبراني في الكبير "552،45/1، 6/ 5425".
12 أخرجه أحمد "44/1"، وأبو يعلى "106/1".
13 أخرجه البخاري "3750/7".

 

ص -76-         التاسع والستون: حديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزور أم أيمن"1. مسلم.
السبعون: حديث:
"قتل السارق في الخامسة"2. أبو يعلى والديلمي.
الحادي والسبعون: حديث:
"قصة أحد"3. الطيالسي والطبراني.
الثاني والسبعون: حديث: بينا أنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ رأيته يدفع عن نفسه شيئًا، ولا أرى شيئًا، فقلت: يا رسول الله، ما الذي تدفع؟ قال:
"الدنيا، تطولت لي، فقلت: إليك عني، فقالت لي: أما إنك لست بمدركي"4 البزار.
هذا ما أورده ابن كثير في مسند الصديق من الأحاديث المرفوعة، وقد فاته أحاديث أخرى نتبعها لتكملة العدة التي ذكرها النووي.
الثالث والسبعون: حديث:
"اقتلوا الفرد كائنًا ما كان من الناس"5. الطبراني في الأوسط.
الرابع والسبعون: حديث: "انظروا دور من تعمرون، وأرض من تسكنون، وفي طريق من تمشون"6. الديلمي.
الخامس والسبعون: حديث:
"أكثروا من الصلاة علي، فإن الله وكل بقبري ملكًا، فإذا صلى رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة"7. الديلمي.
السادس والسبعون: حديث: "الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، والغسل يوم الجمعة كفارة" الحديث8. العقيلي في الضعفاء.
السابع والسبعون: حديث:
"إنما حر جهنم على أمتي مثل الحمام"9. الطبراني.
الثامن والسبعون: حديث:
"إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب الإيمان". ابن لآل في مكارم الأخلاق.
التاسع والسبعون: حديث:
"بشر من شهد بدرًا بالجنة"10. الدارقطني في الأفراد.
الثمانون: حديث:
"الدين راية الله الثقيلة من ذا الذي يطيق حملها؟"11. الديلمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه مسلم "2454/4".
2 أخرجه أبو يعلى "3541،3539/6"، والديلمي في الفردوس "1275",
3 أخرجه أبو داود الطيالسي "ص99 ح725".
4 أخرجه البزار "254/10 مجمع"، وقال الهيثمي: وفيه عبد الواحد بن زيد الزاهد وهو ضعيف عند الجمهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يعتبر حديثه إذا كان فوقه ثقة ودونه ثقة، وبقية رجاله ثقات.
5 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح544".
6 أخرجه الديلمي في الفردوس "ح358".
7 أخرجه الديلمي في الفردوس "ح250".
8 أخرجه العقيلي في الضعفاء "220/2".
9 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح6599".
10 أخرجه الدارقطي في الأفراد "33892/12 كنز".
11 أخرجه الديلمي في الفردوس "ح3098".

 

ص -77-         الحادي والثمانون: حديث: "سورة يس تدعى المعمَّة المطعمة"1. الحديث، الديلمي والبيهقي في الشعب.
الثاني والثمانون: حديث: "السلطان العادل المتواضع كظل الله ورمحه في الأرض، ويرفع له كل يوم وليلة عمل ستين صديقًا"2. أبو الشيخ والعقيلي في الضعفاء، وابن حبان في كتاب الثواب.
الثالث والثمانون: حديث:
"قال موسى لربه: ما جزاء من عزى الثكلى؟ قال: أظله في ظلي"3. ابن شاهين في الترغيب، والديلمي.
الرابع والثمانون: حديث:
"اللهم اشدد الإسلام بعمر بن الخطاب". الطبراني في الأوسط.
الخامس والثمانون: حديث:
"ما صيد صيد ولا عضدت عضاة ولا قطعت وشيجة إلا بقلة التسبيح"4. ابن راهويه في مسنده.
السادس والثمانون: حديث:
"لو لم أبعث فيكم لبعث عمر"5. الحديث، الديلمي.
السابع والثمانون: حديث:
"لو اتجر أهل الجنة لاتجروا بالبز"6 أبو يعلى.
الثامن والثمانون: حديث:
"من خرج يدعو إلى نفسه أو إلى غيره وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فاقتلوه"7. الديلمي في التاريخ.
التاسع والثمانون: حديث:
"من كتب عني علمًا أو حديثًا لم يزل يكتب له الأجر ما بقي ذلك العلم أو الحديث"8. الحاكم في التاريخ.
التسعون: حديث:
"من مشى حافيًا في طاعة الله لم يسأله الله يوم القيامة عمَّا افترض عليه". الطبراني في الأوسط9.
الحادي والتسعون: حديث:
"من سره أن يظله الله من فور جهنم، ويجعله في ظله، فلا يكن على المؤمنين غليظًا وليكن ربهم رحيمًا"10. ابن لآل في مكارم الأخلاق، وأبو الشيخ، وابن حبان في الثواب.
الثاني والتسعون: حديث:
"من أصبح ينوي لله طاعة كتب الله له أجر يومه وإن عصاه"11. الديلمي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 البيهقي في شعب الإيمان "2465/2".
2 أخرجه أبو الشيخ "14589/6 كنز".
3 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح6449".
4 أخرجه ابن راهويه في مسنده "1920/1 كنز".
5 أخرجه الديلمي في الفردوس "5127".
6 أخرجه أبو يعلى "5611/1".
7 أخرجه الديلمي "5493".
8 أخرجه ابن عساكر في تاريخه "28951/10 كنز".
9 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح6183".
10 أخرجه ابن لآل في مكارم الأخلاق، وأبو الشيخ "5985/3 كنز".
11 أخرجه الديلمي في الفردوس "5773".

 

ص -78-         الثالث والتسعون: حديث: "ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب"1 الطبراني في الأوسط.
الرابع والتسعون: حديث:
"لا يدخل الجنة مفتر"2 الديلمي ولم يسنده.
الخامس والتسعون: حديث:
"لا تحقرن أحدًا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير" الديلمي3.
السادس والتسعون: حديث:
"يقول الله: إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي"4، أبو الشيخ وابن حبان والديلمي.
السابع والتسعون: حديث: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإزار، فأخذ بعضلة الساق، فقلت: يا رسول الله زدني؟ فأخذ بمقدم العضلة، فقلت: زدني، قال:
"لا خير فيما هو أسفل من ذلك، قلت: هلكنا يا رسول الله، قال: يا أبا بكر سدد وقارب تنج"5. أبو نعيم في الحلية.
الثامن والتسعون: حديث:
"كفى وكف علي في العدل سواء"6. الديلمي وابن عساكر.
التاسع والتسعون: حديث:
"لا تغفلوا التعوذ من الشيطان، فإنكم إن لم تكونوا ترونه فإنه ليس عنكم بغافل"7. الديلمي ولم يسنده.
المائة: حديث:
"من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة"8. الطبراني في الأوسط.
الحادي والمائة: حديث:
"من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا"9. الطبراني في الأوسط.
الثاني والمائة: حديث:
"رفع اليدين في الافتتاح والركوع والسجود والرفع"10. البيهقي في السنن.
الثالث والمائة: حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا لأبي جهل". الإسماعيلي في معجمه.
الرابع والمائة: حديث:
"النظر إلى علي عبادة"11. ابن عساكر.
فصل: فيما ورد عن الصديق من تفسير القرآن
أخرج أبو القاسم البغوي عن ابن أبي مليكة قال: سئل أبو بكر عن آية فقال: أي أرض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح3851".
2 أخرجه الديلمي في الفردوس "7615".
3 أخرجه الديلمي في الفردوس "7813".
4 أخرجه أبو الشيخ والديلمي "5991/3 كنز".
5 أخرجه أبو نعيم في الحلية "361/4".
6 أخرجه ابن عساكر "513/4"، وابن الجوزي في الواهيات "32921/11 كنز".
7 أخرجه الديلمي في الفردوس "7471".
8 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح7110".
9 أخرجه الطبراني في الأوسط "ح617".
10 أخرجه البيهقي في السنن "26/1".
11 أخرجه ابن عساكر في تاريخه "77/1".

 

ص -79-         تسعني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم يرد الله؟!.
وأخرج أبو عبيدة عن إبراهيم التميمي قال: سئل أبو بكر عن قوله تعالى:
{وَفَاكِهَةً وَأَبّا}[عبس: 31] فقال: أي أرض تسعني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟!.
وأخرج البيهقي وغيره عن أبي بكر أنه سئل عن الكلالة فقال: إني سأقول فيها برأيي، فإن يكون صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان: أراه ما خلا الولد والوالد، فلما استخلف عمر قال: إني لأستحيي أن أرد شيئًا قاله أبو بكر"1.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأسود بن هلال، قال: قال أبو بكر لأصحابه: ما تقولون في هاتين الآيتين:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت: 30] {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم}[الأنعام: 82] فقالوا: ثم استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة، قال: لقد حملتموها على غير المحمل، ثم قال: قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يميلوا إلى إله غيره، ولم يلبسوا إيمانهم بشرك2.
وأخرج ابن جرير عن عامر بن سعد البجلي عن أبي بكر في قوله تعالى:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة}[يونس: 26] قال: النظر لوجه الله تعالى.
وأخرج ابن جرير عن أبي بكر في قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت: 30] قال: قد قالها الناس، فمن مات عليها فهو ممن استقام.
فصل: فيما روى الصديق -رضي الله عنه- من الآثار الموقوفة قولًا، أو قضاء، أو خطبة، أو دعاء
أخرج اللالكائي في السنة عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: أرأيت الزنا بقدر؟ قال: نعم، قال: فإن الله قدره عليّ ثم يعذبني، قال: نعم، يابن اللخناء!3، أما والله لو كان عندي إنسان أمرت أن يجأ أنفك.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن الزبير: أن أبا بكر قال وهو يخطب الناس: يا معشر الناس، استحيوا من الله، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء مغطيًا رأسي استحياء من الله.
أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عمرو بن دينار قال: قال أبو بكر: استحيو من الله، فوالله إني لأدخل الكنيف فأسند ظهري إلى الحائط حياء من الله.
وأخرج أبو داود4 في سننه عن أبي عبد الله الصنابحي أنه صلى وراء أبي بكر الصديق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البيهقي "231/6".
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "30/1".
3 ابن اللخناء: اللخناء: هي المرأة التي لم تختن، وقيل: اللخنة: النتن، وقد لخن السقاء يلخن، وهي من عبارات الشتم عن العرب انظر: النهاية في غريب الحديث "244/4".
4 أخرجه أبو داود "1832/2".

 

ص -80-         المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل، وقرأ في الثالثة: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} الآية. [آل عمران: 8].
وأخرج ابن أبي خيثمة، وابن عساكر عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر إذا عزى رجلًا قال: ليس مع العزاء مصيبة، وليس مع الجزع فائدة، الموت أهون مما قبله، وأشد مما بعده، اذكروا فَقْد النبي -صلى الله عليه وسلم- تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني عن سالم بن عبيد وهو صحابي قال: كان أبو بكر الصديق يقول لي: قم بيني وبين الفجر حتى أتسحر1.
وأخرج عن أبي قلابة وأبي السفر قالا: كان أبو بكر الصديق يقول: أجيفوا الباب2 حتى نتسحر.
وأخرج البيهقي وأبو بكر بن زياد النيسابوري في كتاب الزيادات، عن حذيفة بن أسيد قال: لقد أدركت أبا بكر وعمر وما يضحيان، إرادة أن يستن بهما.
وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال: شهدت على أبي بكر الصديق أنه قال: كلوا الطافي من السمك3.
وأخرج الشافعي في الأم عن أبي بكر الصديق: أنه كره بيع اللحم بالحيوان.
وأخرج البخاري عنه: أنه جعل الجد بمنزلة الأب، يعني في الميراث4.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عطاء عن أبي بكر قال: الجد بمنزلة الأب ما لم يكن أب دونه، ابن الابن بمنزلة الابن ما لم يكن ابن دونه.
وأخرج عن القاسم: أن أبا بكر أتى برجل انتفى من أبيه، فقال أبو بكر: اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس.
وأخرج عن ابن أبي مالك قال:كان أبو بكر إذا صلى على الميت قال: اللهم عبدك أسلمه الأهل والمال والعشيرة، والذنب عظيم، وأنت الغفور الرحيم.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر: أن أبا بكر قضى بعاصم بن عمر بن الخطاب لأم عاصم، وقال: ريحها وشمها ولطفها خير له منك.
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: إن أبي يريد أن يأخذ مالي كله يجتاحه، فقال لأبيه، إنما لك من ماله ما يكفيك، فقال: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنت ومالك لأبيك"؟ فقال: نعم، وإنما يعني بذلك النفقة5.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن أبي شيبة "2/ 441/ 2".
2 أجيفوا الباب: أي أغلقوا الباب وردوه.
3 أخرجه أبو داود "3815/4".
4 أخرجه البخاري "12ص19" تعليقًا.
5 أخرجه البيهقي في سننه "481/7".

 

ص -81-         وأخرج أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد.
وأخرج البخاري عن ابن أبي مليكة عن جده: أن رجلًا عض يد رجل فأندر ثنيته فأهدرها أبو بكر1.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عكرمة: أن أبا بكر قضى في الأذن بخمس عشرة من الإبل، وقال: يواري شينها الشعر والعمامة.
وأخرج البيهقي وغيره عن أبي عمران الجوني: أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام، وأمر عليهم يزيد بن أبي سفيان، فقال: إني موصيك بعشر خلال: لا تقتلوا امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطع شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقر شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تغرقن نخلًا، ولا تحرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن2.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي برزة الأسلمي، قال: غضب أبو بكر من رجل، فاشتد غضبه جدًّا، فقلت: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اضرب عنقه، قال: ويلك! ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم3.
وأخرج سيف في كتاب الفتوح عن شيوخه: أن المهاجر بن أمية وكان أمير اليمامة رفع إليه امرأتان مغنيتان غنت إحداهما بشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقطع يدها، ونزع ثنيتها، وغنت الأخرى بهجاء المسلمين، فقطع يدها، ونزع ثنيتها، فكتب إليه أبو بكر: بلغني الذي فعلت في المرأة التي غنت بشتم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلولا ما سبقتني فيها لأمرتك بقتلها؛ لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد، أو معاهد فهو محارب غادر، وأما التي غنت بهجاء المسلمين، فإن كانت ممن يدعي الإسلام فأدب وتعزير دون المثلة، وإن كانت ذمية فلعمري لما صفحت عنه من الشرك أعظم، ولو كنت تقدمت إليك في هذا لبلغت مكروهًا فاقبل الدعة، وإياك والمثلة في الناس، فإنها مأثم ومنفرة إلا في قصاص.
وأخرج مالك والدارقطني عن صفية بنت أبي عبيدة: أن رجلًا وقع على جارية بكر واعترف، فأمر به فجلد، ثم نفاه إلى فدك4.
وأخرج أبو يعلى عن محمد بن حاطب قال: جيء إلى أبي بكر برجل قد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئًا إلى ما قضى فيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أمر بقتلك، فإنه كان أعلم بك، فأمر بقتله.
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد: أن رجلًا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم فنزل على أبي بكر، فشكا إليه أن عامل اليمن ظلمه، فكان يصلي من الليل، فيقول أبو بكر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "2266/4".
2 أخرجه البيهقي في سننه "90/9".
3 أخرجه أبو داود "4363/4"، والنسائي "4082/7"، وأحمد في مسنده "9/1".
4 أخرجه مالك في الموطأ "13/826/2".

 

ص -82-         وأبيك ما ليلك بليل سارق، ثم إنهم افتقدوا حليًّا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر، فجعل يطوف معهم، ويقول: اللهم عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح، فوجدوا الحلي عند صائغ زعم أن الأقطع جاءه به، فاعترف الأقطع أو شهد عليه، فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى، وقال أبو بكر: والله لدعائه على نفسه أشد عندي عليه من سرقته.
وأخرج الدارقطني عن أنس: أن أبا بكر قطع في مجن قيمته خمسة دراهم1.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي صالح قال: لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر وسمعوا القرآن جعلوا يبكون، فقال أبو بكر: هكذا كنا، ثم قست القلوب، قال أبو نعيم: أي قويت واطمأنت بمعرفة الله تعالى.
وأخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال أبو بكر: ارقبوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في أهل بيته2.
وأخرج أبو عبيد في الغريب عن أبي بكر قال: طوبى لمن مات في النأنأة: أي في أول الإسلام قبل تحرك الفتن.
وأخر الأربعة ومالك عن قبيصة قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال: مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس، فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاها السدس: فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه لها أبو بكر3.
أخرج مالك والدارقطني عن القاسم بن محمد: أن جدتين أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما أم أم وأم أب، فأعطى الميراث لأم الأم، فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري وكان ممن شهد بدرًا، وهو أخو بني حارثة: يا خليفة رسول الله، أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها، فقسمه بينهما4.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن عائشة -رضي الله عنها- حديث امرأة رفاعة التي طلقت منه، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، فلم يستطع أن يغشها وأرادت العود إلى رفاعة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك". وهذا القدر في الصحيح، وزاد عبد الرزاق: فقعدت ثم جاءت فأخبرته أنه مسها، فمنعها أن ترجع إلى زوجها الأول، وقال: "اللهم إن كان أنمى بها أن ترجع إلى رفاعة فلا يتم لها نكاحه مرة أخرى"، ثم أتت أبا بكر وعمر في خلافتهما فمنعاها5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارقطني في سننه "186/3".
2 أخرجه البخاري "3713/7".
3 أخرجه أبو داود "2894/3"، والترمذي "2101/2100/4"، وابن ماجه "2724/2"، والنسائي في الكبرى "5/ 9096"، ومالك في الموطأ "4/513/2".
4 أخرجه مالك في الموطأ "5/513/2"، والدارقطني في سننه "90/4".
5 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه "11133/6".

 

ص -83-         وأخرج البيهقي عن عقبة بن عامر: أن عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة بعثاه يريدا إلى أبي بكر برأس بنان بطريق الشام، فلما قدم على أبي بكر أنكر ذلك، فقال له عقبة، يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم يصنعون ذلك بنا، قال: أفيستنان بفارس والروم، لا يحمل الرأس إنما يكفي الكتاب والخبر.
وأخرج البخاري عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حجت مصمتة، قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية، فتلكمت، فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أي المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي قريش؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاؤكم عليه ما استقامت أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أو ما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى قال: فهم أولئك الناس1.
وأخرج البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال الغلام: تدري ما هذا؟ قال أبو بكر: ما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته فلقيني، فأعطاني هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه2.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن سيرين قال: لم أعلم أحدًا استقاء من طعام أكله غير أبي بكر، وذكر القصة.
وأخرج النسائي عن أسلم: أن عمر اطلع على أبي بكر وهو آخذ بلسانه، فقال: هذا الذي أوردني الموارد.
وأخرج أبو عبيدة في الغريب عن أبي بكر أنه مر بعبد الرحمن بن عوف وهو يماظ جارًا له فقال له: لا تماظ جارك، فإنه يبقى ويذهب عنك الناس، المماظة: المنازعة والمخاصمة.
وأخرج ابن عساكر عن موسى بن عقبة: أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد الله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا وسراجًا منيرًا؛ لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبينًا، أوصيكم بتقوى الله والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم فإنه من يطع الله وأولي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أفلح وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم واتباع الهوى، فقد أفلح من حفظ من الهوى والطمع والغضب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري "3834/7".
2 أخرجه البخاري "3842/3".

 

ص -84-         وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من تراب، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي وغدًا ميت؟! فاعملوا يومًا بيوم، وساعة بساعة، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر، واحذروا الحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعوا فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا وتفهموا، واتقوا وتوقوا، فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه وما يحب من الأعمال، وما يكره، فإني لا آلوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم، فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، واغتبطتم، وما تطوعتم به لدينكم فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا لسلفكم، وتعطوا جرايتكم حين فقركم وحاجتكم إليها، ثم تفكروا عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا، قد وردوا على ما قدموا فأقاموا عليه، وحلوا في الشقاء والسعادة فيما بعد الموت، إن الله ليس له شريك وليس بينه وبين أحد من خلقه نسب يعطيه به خيرًا، ولا يصرف عنه سوءًا إلا بطاعته واتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوا على نبيكم -صلى الله عليه وسلم- والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
وأخرج الحاكم والبيهقي عن عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله تعالى أثنى على زكريا وأهل بيته فقال:
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين}[الأنبياء: 90] ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يطفأ نوره ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة، فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كرامًا كاتبين، يعلمون ما تفعلون، ثم اعملوا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بإذن الله، سابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن قومًا جعلوا آجالهم لغيرهم، ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوحا الوحا1، ثم النجاء النجاء، فإن وراءكم طالبًا حثيثًا أمره سريع2.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن يحيى بن أبي كثير: أن أبا بكر كان يقول في خطبته: أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الوحا الوحا: أي السرعة السرعة، ويمد ويقصر يقال: "توحيت توحيًا" إذا أسرعت وهو منصوب على الإغراء بفعل مضمر.
2 أخرجه الحاكم في المستدرك "383/2"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: عبد الرحمن بن إسحاق كوفي ضعيف.

 

ص -85-         بنوا المدائن وحصنوها؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضعت أركانهم حين أخنى بهم الدهر1 وأصبحوا في ظلمات القبور! الوحا الوحا ثم النجاء النجاء2.
وأخرج أحمد في الزهد عن سلمان قال: أتيت أبا بكر، فقلت: اعهد إلي فقال: يا سلمان، اتق الله، واعلم أنه سيكون فتوح فلا أعرفن ما كان حظك منها ما جعلته في بطنك أو ألقيته على ظهرك، واعلم أنه من صلى الصلوات الخمس، فإنه يصبح في ذمة الله، ويمسي في ذمة الله تعالى، فلا تقتلن أحدًا من أهل ذمة الله فتخفر الله في ذمته3 فيكبك الله في النار على وجهك.
وأخرج عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: يقبض الصالحون الأول فالأول حتى يبقى من الناس حثالة كحثالة التمر والشعير، لا يبالي الله بهم.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن معاوية بن قرة: أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- كان يقول في دعائه: اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم لقائك.
وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن، قال: بلغني أن أبا بكر كان يقول في دعائه: اللهم إني أسألك الذي هو خير لي في عاقبة الأمر، اللهم اجعل آخر ما تعطيني من الخير رضوانك والدرجات العلا من جنات النعيم4.
وأخرج عن عرفجة قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: من استطاع أن يبكي فليبك، وإلا فليتباك.
وأخرج عن عزرة عن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: أهلكنا الأحمران: الذهب، والزعفران.
وأخرج عن مسلم بن يسار عن أبي بكر قال: إن المسلم ليؤجر في كل شيء، حتى في النكبة وانقطاع شسعه5، والبضاعة تكون في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في غبنه6.
وأخرج عن ميمون بن مهران، قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فقلبه ثم قال: ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح.
وأخرج البخاري في الأدب وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الصنابحي: أنه سمع أبا بكر يقول: إن دعاء الأخ لأخيه في الله يستجاب7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخنى بهم الدهر: أي أسلمهم وأخفر ذمتهم. النهاية في غريب الحديث "86/2".
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "34/1".
3 فتخفر الله في ذمته: أي تنقض عهده وذمامه وفعله الماضي: أخفر والهمزة للإزالة أي: أزلت خفارته، والخفارة: الحماية والكفالة. والخفارة: الذمام. انظر النهاية في غريب الحديث "52/2".
4 أخرجه أحمد في الزهد "ص: 139".
5 الشسع: أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الأصبعين. النهاية "472/2".
6 أخرجه أحمد في الزهد "ص: 136".
7 أخرجه البخاري في الأدب المفرد "ح486"، وأحمد في الزهد "ص: 138".

 

ص -86-         وأخرج عبد الله في زوائد الزهد عن عبيد بن عمير، عن لبيد الشاعر: أنه قدم على أبي بكر فقال: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، فقال صدقت، فقال: وكل نعيم لا محالة زائل، فقال: كذبت، عند الله نعيم لا يزول، فلما ولي قال أبو بكر: ربما قال الشاعر الكلمة من الحكمة.
فصل: في كلماته الدالة على شدة خوفه من ربه
أخرج أبو أحمد الحاكم عن معاذ بن جبل قال: دخل أبو بكر حائطًا وإذا بدبسي1 في ظل شجرة، فتنفس الصعداء، ثم قال: طوبى لك يا طير! تأكل من الشجر، وتستظل بالشجر، وتصير إلى غير حساب، يا ليت أبا بكر مثلك.
وأخرج ابن عساكر عن الأعصمي، قال: كان أبو بكر إذا مدح قال: اللهم أنت أعلم مني بنفسي، وأعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني، قال: قال أبو بكر الصديق: لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن.
وأخرج أحمد في الزهد عن مجاهد، قال: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع، قال: وحدثت أن أبا بكر كان كذلك.
وأخرج عن الحسن قال: قال أبو بكر: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.
وأخرج عن قتادة قال: بلغني أن أبا بكر قال: وددت أني خضرة تأكلني الدواب.
وأخرج عن ضمرة بن حبيب قال: حضرت الوفاة ابنًا لأبي بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي قالوا لأبي بكر: رأينا ابنك يلحظ إلى وسادة، فدفعوه عن الوسادة، فوجدوا تحتها خمسة دنانير أو ستة، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يرجع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، يا فلان ما أحسب جلدك يتسع لها.
وأخرج عن ثابت البناني. أن أبا بكر كان يتمثل بهذا الشعر:

لا تزال تنعى حبيبًا حتى تكونه               وقد يرجو الفتى الرجا يموت دونه

وأخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال: لم يكن أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت فيه قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلًا،ولا في السنة أثرًا، فقال: أجتهد رأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1  الدبسي: هو طائر صغير قيل: هو ذكر اليمام وقيل: إنه منسوب إلى طير دبس.

 

ص -87-         فصل: فيما ورد عنه من تعبير الرؤيا
أخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب قال: رأت عائشة -رضي الله عنها- كأنه وقع في بيتها ثلاثة أقمار، فقصتها على أبي بكر وكان من أعبر الناس، فقال: إن صدقت رؤياك ليدفنن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثًا، فلما قبض النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يا عائشة! هذا خير أقمارك. وأخرج أيضًا عن عمر بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رأيتني أردفت غنمًا سودًا ثم أردفتها غنمًا بيضًا حتى ما ترى السود فيها". فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما الغنم السود فإنها العرب يسلمون ويكثرون، والغنم البيض الأعاجم يسلمون حتى لا يرى العرب فيهم من كثرتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك عبرها الملك سحرًا".
وله عن ابن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"رأيتني على بئر أنزع1 فيها فوردتني غنم سود، ثم ردفعها غنم عفر"2، فقال أبو بكر: دعني أعبرها فذكر نحوه.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين قال: كان أعبر هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر.
وأخرج ابن سعد عن ابن شهاب قال: رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- رؤيا، فقصها على أبي بكر، فقال:
"رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف"، قال: يا رسول الله يقبضك الله إلى مغفرة ورحمة، وأعيش بعدك سنتين ونصف.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه، عن أبي قلابة: أن رجلًا قال لأبي بكر الصديق: رأيت في النوم أني أبول دمًا، قال أنت رجل تأتي امرأتك وهي حائض، فاستغفر الله ولا تعد.
فائدة
أخرج البيهقي في الدلائل عن عبد الله بن بريدة، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن العاص في سرية فيهم أبو بكر وعمر، فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو ألا ينوروا نارًا فغضب عمر، فهم أن يأتيه، فنهاه أبو بكر، وأخبره أنه لم يستعمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا لعلمه بالحرب، فهدأ عنه.
وأخرج البيهقي من طريق أبي معشر عن بعض مشيختهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
"إني لأُؤَمّر الرجل على القوم فيهم من هو خير منه؛ لأنه أيقظ عينًا وأبصر بالحرب".
فصل
أخرج خليفة بن خياط وأحمد بن حنبل وابن عساكر عن يزيد بن الأصم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي بكر:
"أنا أكبر أو أنت" قال: أنت أكبر وأكرم، وأنا أسن منك مرسل غريب جدًّا. فإن صح عد هذا الجواب من فرط ذكائه وأدبه والمشهور أن هذا الجواب للعباس، وقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أنزع فيها: أي أستقي منها الماء باليد، وأصل النزع: الجلب والقلع.
2 غنم عُفْر: جمع عفراء، والعفرة بياض ليس بالقاطع ولكنه كلون عفر الأرض وهو وجهها.

 

ص -88-         وقع أيضًا لسعيد بن يربوع وأخرجه الطبراني، ولفظه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أينا أكبر" قال: أنت أكبر وأخير مني، وأنا أقدم.
وأخرج أبو نعيم أن أبا بكر قيل له: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا تستعمل أهل بدر؟ قال: إني أرى مكانهم، ولكني أكره أن أدنسهم بالدنيا.
وأخرج أحمد في الزهد عن إسماعيل بن محمد: أن أبا بكر قسم قسمًا فسوى فيه بين الناس فقال له عمر: تسوي بين أصحاب بدر وسواهم من الناس؟ فقال أبو بكر: إنما الدنيا بلاغ، وخير البلاغ أوسعه، وإنما فضلهم في أجورهم1.
فصل
أخرج أحمد في الزهد عن أبي بكر بن حفص قال: بلغني أن أبا بكر كان يصوم الصيف ويفطر الشتاء.
وأخرج ابن سعد عن حيان الصائغ، قال: كان نقش خاتم أبي بكر: نعم القادر الله.
فائدة
أخرج الطبراني عن موسى بن عقبة قال: لا نعلم أربعة أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبناءهم إلا هؤلاء الأربعة: أبو قحافة، وابنه أبو بكر الصديق، وابنه عبد الرحمن، وأبو عتيق ابن عبد الرحمن واسمه محمد2.
وأخرج ابن مندة وابن عساكر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو أبي بكر.
فائدة
أخرج ابن سعد والبزار بسند حسن عن أنس قال: كان أسن أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، وسهيل بن عمرو بن بيضاء.
فائدة
أخرج البيهقي في الدلائل عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما كان عام الفتح خرجت ابنة لأبي قحافة فلقيتها الخيل، وفي عنقها طوق من ورق فاقتطعه إنسان من عنقها، فلما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- المسجد قام أبو بكر وقال: أنشد بالله والإسلام طوق أختي، فوالله ما أجابه أحد، ثم قال الثانية فما أجابه أحد، ثم قال: يا أخته احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة اليوم في الناس لقليل3.
فائدة
رأيت بخط الحافظ الذهبي: من كان فرد زمانه في فنه: أبو بكر الصديق في النسب، عمر بن الخطاب في القوة في أمر الله، عثمان بن عفان في الحياء، على في القضاء، أُبَيّ بن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه أبو نعيم في الحلية "1/ 37"، وأحمد في الزهد "ص: 137".
2 أخرجه الطبراني في الكبير "1/ 11".
3 أخرجه البيهقي في الدلائل "5/ 95".

 

ص -89-         كعب في القراءة، زيد بن ثابت في الفرائض، أبو عبيدة بن الجراح في الأمانة، ابن عباس في التفسير، أبو ذر في صدق اللهجة، خالد بن الوليد في الشجاعة، الحسن البصري في التذكير، وهب بن منبه في القصص، ابن سيرين في التعبير، نافع في القراءة، أبو حنيفة في الفقه، ابن إسحاق في المغازي، مقاتل في التأويل، الكلبي في قصص القرآن، الخليل في العروض، فضيل بن عياض في العبادة، سيبويه في النحو، مالك في العلم، الشافعي في فقه الحديث، أبو عبيدة في الغريب، علي بن المديني في العلل، يحيى بن معين في الرجال، أبو تمام في الشعر، أحمد بن حنبل في السنة، البخاري في نقد الحديث، الجنيد في التصوف، محمد بن نصر المروزي في الاختلاف، الجبائي في الاعتزال، الأشعري في الكلام، محمد بن زكريا الرازي في الطب، أبو معشر في النجوم، إبراهيم الكرماني في التعبير، ابن نباته في الخطب، أبو الفرج الأصبهاني في المحاضرة، أبو القاسم الطبراني في العوالي، ابن حزم في الظاهر، أبو الحسن البكري في الكذب، الحريري في مقاماته، ابن مندة في سعة الرحلة، المتنبي في الشعر، الموصلي في الغناء، الصولي في الشطرنج، الخطيب البغدادي في سرعة القراءة، علي بن هلال في الخط، عطاء السليمي في الخوف، القاضي الفاضل في الإنشاء، الأصمعي في النوادر، أشعب في الطمع، معبد في الغناء، ابن سينا في الفلسفة.