شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 1 ص -100-
الباب الخامس:
في ذكر الأحاديث الدالة على
أن مكة المشرفة أفضل من غيرها من البلاد:
وأن الصلاة فيه أفضل من غيرها وغير ذلك من فضلها
أخبرني إبراهيم بن محمد الصوفي سماعا بالمسجد الحرام، قال: أخبرنا أحمد
بن أبي طالب الصالحي، عن أبي المنجا عبد الله بن عمر البغدادي وأبي بكر
محمد بن مسعود بن بهروز الطيب، قالا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن
عيسى بن شعيب السنجري، قال: أخبرنا الفقيه أبو الحسن عبد الرحمن بن
محمد بن مظفر الداودي، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السرخسي، قال:
أخبرنا إبراهيم بن حزيم، قال: أخبرنا عبد بن حميد الحافظ، قال: أخبرني
يعقوب بن إبراهيم الزهري، قال: حدثني أبي عن صالح بن كيسان، عن ابن
شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عدي بن
الحمراء أنه أخبره، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته
بالحزورة بمكة يقول لمكة:
"والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أني
أُخْرِجْتُ منك ما خرجت"1.
وأخبرتني الأصيلة أم أحمد فاطمة بنت العز محمد بن أحمد الجبلي قراءة
عليها وأنا أسمع بدمشق في الرحلة الثانية، أن القاضي تقي الدين سليمان
بن حمزة المقدسي أنبأها وتفردت عنه، قالت: أخبرنا الحافظ ضياء الدين
المقدسي، قال: أخبرنا زاهر بن أحمد الثقفي، قال: أخبرنا غانم بن خالد،
قال: حدثنا الليث بن عقيل، عن محمد بن مسلم أن أبا مسلمة أخبره عن عبد
الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم على راحلته واقفا بالحزورة يقول:
"والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أُخْرِجْتُ
منك ما خرجت"2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه: الترمذي "3925"، وابن ماجه "3108"، وأحمد 4/ 305.
2 أخرجه ابن ماجه 3108"، والترمذي "3925"، وأحمد 4/ 305، وابن حبان
"3708" والحاكم 3/ 431، والأزرقي 2/ 154، وعبد الرزاق "8868".
ج / 1 ص -101-
وأخبرتني عاليا أم محمد بنت المنجا سماعا
عن القاضي أبي الفضل المقدسي، قال: أخبرنا الحافظ الضياء، قال: أخبرنا
أبو جعفر الصيدلاني وفاطمة بنت سعد الخير قالا: أخبرتنا فاطمة بنت عبد
الله قالت: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو القاسم
الطبراني، قال: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أبو اليماني، قال:
حدثنا شعيب بن أبي حمزة.
وبه قال الطبراني: وحدثنا عبد الرحمن بن جابر البحتري، قال: حدثنا بشر
بن شعيب قال: حدثني أبي، عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد
الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقول، وهو واقف بالحزورة في شرقي مكة:
"والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله،
ولولا أني أُخْرِجْتُ منك ما خرجت"،
أخرجه الترمذي والنسائي عن قتيبة بن سعيد عن الليث، وأخرجه ابن ماجه عن
زغبة، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن زغبة،
وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن زغبة عن الليث،
فوقع لنا به بدلا للترمذي والنسائي، وموافقته لابن ماجه وابن حبان1، مع
العلو في ذلك، ولله الحمد.
وأخرجه النسائي، عن إسحاق بن مسعود الكوسج، عن يعقوب بن أبي إبراهيم
الزهري، فوقع لنا بدلا له عاليا، وقال الترمذي: إن حديث ابن الحمراء
حديث حسن صحيح على ما نقله عن المحب الطبري في "القرى"2، ومن خطه نقلت
ذلك، ولما ذكر هذا الحديث قال: وعن عبد الله بن عدي بن الحمراء، ثم
رأيت فوق الحمراء حفر باب، وفوق الضرب ما صورته الخيار وهذا عجب منه،
فإن الحديث مشهور عن ابن الحمراء، والله أعلم، وقال الترمذي عقب حديث
ابن الحمراء رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وحديث
الزهري عندي أصح3... انتهى.
ورويناه في "المعجم الكبير" للطبراني من حديث محمد بن عبد الله بن مسلم
الزهري ابن أخي الزهري، عن عمه محمد بن مسلم الزهري، عن محمد بن جبير،
عن عبد الله بن عدي، وشذ ابن أخي الزهري في ذلك على ما قال صاحبنا
الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني أمتع الله بفوائده وما
ذكره الترمذي من أن محمد بن عمرو رواه عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، لم
أره هكذا، وإنما رأيته عنه، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
مرسلا، هكذا رويناه في الجزء الثاني من حديث علي بن حجر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه: الترمذي "3925"، وابن ماجه "3108"، وابن حبان "3708".
2 القرى "ص: 647".
3 الترمذي "3925".
ج / 1 ص -102-
السعدي، عن إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن
عمرويه، وفي تارخ الأزرقي عن جده عن سعيد بن سالم القداح، عن عثمان بن
ساج، عن محمد بن عمرويه، ولعل محمد بن عمرويه في الرواية التي ذكرها
عنه الترمذي سلك فيها جادة إسناده المتكرر في غير ما حدثت له عن أبي
سلمة عن أبي هريرة، والله أعلم.
وفي رواية محمد بن عمر المرسلة التي في تاريخ الأزرقي، أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال ذلك عام الفتح على الحجون، ولا تضاد بين هذه
الرواية على تقدير ثبوتها، وبين الرواية التي فيها أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ذلك وهو واقف بالحزورة، لإمكان الجمع بين الروايتين، بأن
يكون قاله على الحجون في الفتح وبالحزورة حين خرج من مكة في عمرة
القضية، لأنه أراد الإقامة بمكة ليبني فيها بزوجته ميمونة بنت الحارث
الهلالية، فأبت عليه قريش ذلك، وظن بعض طرق الحديث التي أخرجناها أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو على راحلته بالحزورة، ولم يكن
النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة حين هاجر إلى المدينة، لأن
الأخبار الواردة في هجرته صلى الله عليه وسلم تقتضي أنه صلى الله عليه
وسلم خرج من مكة مستخفيا، ولو ركب بالموضع المشار إليه لأشعر ذلك
بسفره، والقصد خلاف ذلك، والله أعلم.
والحزورة بحاء مهملة مفتوحة وزاي معجمة، وعوام مكة يصحفون الحزورة
ويقولون: عزورة بعين مهملة، وهذا التصحيف من قديم، لأني رأيت ذلك
مكتوبا في حجر رباط رامشت بمكة، وتاريخه سنة تسع وعشرين وخمسمائة،
والحزورة الرابية الصغيرة والجمع الحزاور، وكان عندها سوق الحناطين
بمكة، وهي في أسفلها عند منارة المسجد الحرام التي تلي أجياد، وما وقع
مصرحا به في مسند أحمد بن حنبل من حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء،
وما ذكرناه في موضع الحزورة وهو المشهور المعروف على ما ذكره الأزرقي،
وذكر عن بعض المكيين أن الحزورة بفناء دار الأرقم، يعني دار الخيزران
التي عند الصفا، ونقل عن بعضهم أنها بحذاء الردم في الوادي، والله
أعلم.
والحزورة مخففة على وزن قسورة، وذكر الدارقطني أن تخفيف الحزورة هو
الصواب، وأن المحدثين يفتحون الزاي ويشددون الواو وهو تصحيف، نقل ذلك
عنه صاحب "المطالع"، قال: وقد ضبطناه بالوجهين عن ابن سراج ... انتهى.
وأفاد الفاكهي سبب تسمية الحزورة، لأنه قال: لما ذكر ولاية ابن نزار
للكعبة وبيته: فكان أمر البيت إلى رجل منهم يقال له وكيع بن سلمة بن
زهير بن إياد، فبنى صرحا بأسفل مكة عند سوق الحناطين اليوم وجعل فيه
أمة له يقال لها الحزورة، فبها سميت حزورة مكة1... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 145، والقرى "ص: 647".
ج / 1 ص -103-
وقد روينا نحو حديث ابن الحمراء من رواية
أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم وعبد الله بن عمرو بن العاص فأما
حديث أبي هريرة رضي الله عنه فأخبرني به الحافظان أبو الفضل عبد الرحيم
بن الحسين وأبو الحسن علي بن أبي بكر المصريان سماعا بالقاهرة قالا:
أخبرنا عبد الله بن محمد المقدسي، قال: أخبرنا علي بن أحمد الحنبلي، عن
محمد بن معمر القرشي وأخته عائشة، قالا: أخبرنا سعيد بن أبي الرجاء،
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن النعمان، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن
إبراهيم المقري الحافظ، قال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، قال:
أخبرنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وقف
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحزورة فقال:
"قد علمت أنك خير أرض الله وأحب الأرض إلى
الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت"
أخرجه النسائي عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق بن همام، فوقع لنا بدلا
له عاليا، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، عن عبد الرزاق به. وعن إبراهيم
بن خالد الصنعاني، عن رباح بن زيد عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن
بعض الصحابة1. ولم يذكر صاحبنا الحافظ أبو الفضل العسقلاني أبقاه الله
أن رواية معمر شاذة، يعني روايته لهذا الحديث، عن الزهري، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. قال: والظاهر أن الوهم فيه من عبد
الرزاق، لأن معمرا كان لا يحفظ اسم صحابيه كما جاءت رواية رباح عنه،
وعبد الرزاق سلك الجادة فقال: عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ثم قال: وإذا
تقرر ذلك علم أن لا أصل له من حديث أبي هريرة، والله أعلم... انتهى.
وروينا نحوه في الثالث من حديث المخلص السقاء بن أبي الفوارس، وفي
"المنتقى" من سبعة أجزاء من حديث المخلص أيضا من حديث عبد الله بن رباح
الأنصاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أخبرني به القاضي المفتي أبو بكر
بن الحسين الشافعي سماعا بطيبة عن أحمد بن أبي طالب إذنا وكتابة،
وأنبأني به محمد بن عبد الرحمن القضاعي في كتابه أن أحمد بن أبي طالب
أخبره سمعا، قال: أخبرنا أحمد بن يعقوب المارستاني إذنا، قال: أخبرنا
أبو المعالي بن النحاس، عن أبي القاسم بن البشرين قال: أخبرني أبو طاهر
المخلص، قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سنان،
قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا
ثابت، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، قال: خرجت في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه ابن حبان في موارد الظمآن "ص: 253"،وابن ماجه "3108"، وأحمد 4/
305. ولم نجده في سنن النسائي ولا عزاه له جامع الأصول 9/ 292".
ج / 1 ص -104-
وفد فيه أبو هريرة... فذكر عن أبي هريرة في
حديث ذكره أنه قال: لما قدمنا مكة أتته الأنصار وهو قائم على الصفا
فجلسوا حوله، فجعل يقلب بصره في نواحي مكة وينظر إليها ويقول:
"والله لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله، ولولا أن
قومي أخرجوني ما خرجت"1.
وبه إلى المخلص قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن سنان
بالرملة، قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال:
حدثنا ثابت، قال: حدثنا عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي
لله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وبه قال ابن صاعد.
هذان الخبران لم يأت بهما في هذا الحديث إلا مؤمل بن إسماعيل ...
انتهى.
وإسناد هذا الحديث فيه نظر، لأن مؤمل بن إسماعيل الذي تفرد به كثير
الخطأ على ما قال أبو حاتم2، وفيه نظر أيضا لمكان غيره فيه، وإنما
أوردناه لغرابته، والله أعلم.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأخبرني به المسندان الإمام المفتي
أبو أحمد إبراهيم بن محمد اللخمي ومحمد بن حسن بن علي القرشي المصريان
سماعا على الثاني وأجازه ومشافهة من الأول: أن الحافظ أبا الفتح
اليعمري أخبرهما سماعا قال: قرأت على أبي حفص عمر بن عبد المنعم القواس
من غوطة دمشق: أخبركم أبو لقاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري، قال:
أخبرنا أبو الحسين بن المسلم، قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن أحمد بن
طلاب، قال: أخبرنا ابن جميع، قال: حدثنا إبراهيم بن معاوية، قال: حدثنا
عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا نصر بن عاصم، قال: حدثنا الوليد، قال:
حدثنا عبد الله بن سليمان، قال: حدثنا نصر بن عاصر، قال: حدثنا الوليد،
قال: حدثنا طلحة، عن عطاء بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
"أما والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله وأكرمها على
الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت"3.
وعاليا عمر بن حسن المزي في إذنه العام، قال: أخبرنا عمر بن عبد المنعم
المذكور بسنده السابق، أخرجه الترمذي في المناقب، عن محمد بن موسى
البصري، عن فضيل بن سليمان4. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، عن الحسن بن
سفيان، عن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه الدارمي 2/ 239، وأبو يعلي "5928".
2 الجرح والتعديل 8/ 374 رقم 1709.
3 رواه ابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ مخطوطة ليدن ص 88، 89.
4 الترمذي "3921".
ج / 1 ص -105-
فضيل بن الحسين الجحدري، عن فضيل بن
سليمان، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير وابن الطفيل كلاهما عن ابن
عباس1، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب في هذا الوجه.
وأما حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- فذكره الفاكهي في كتابه
"أخبار مكة" ولفظه: وحدثنا ميمون بن الحكم الصنعائي، قال: حدثنا محمد
بن جعشم، عن ياسين بن معاذ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على أهل مكة فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
"أتدري أين بعثتك؟ بعثتك على أهل الله، ليس بلد أحب إلى الله عز وجل
ولا إلي منها ولكن قومي أخرجوني فخرجت، ولو لم يخرجوني لم أخرج".
وحدثنا عبد الله بن عمران، قال: حدثنا سعيد بن سالم، قال: حدثنا عثمان
بن ساج، قال أخبرني يحيى بن أبي أنيسة، عن ابن شهاب الزهري، قال:
أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم بنحو من حديث ميمون2... انتهى.
وحديث عبد الله بن عدي بن الحمراء السابق هو حجة القائلين بأفضلية مكة
على غيرها من البلاد والأماكن، ما خلا المكان الذي دفن فيه النبي صلى
الله عليه وسلم فإنه أفضل بقاع الأرض بالإجماع، على ما نقل القاضي عياض
في شرح مسلم، حتى قيل إنه أفضل من موضع الكعبة على ما صرح به أبو اليمن
ابن عساكر في إتحافه، وممن قال بأفضلية مكة على غيرها من البلاد الإمام
أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل في أصح الروايتين عنه، وابن وهب وابن
حبيب من المالكية، وقال العبدي: إنه مذهب أكثر الفقهاء، وقال ابن عبد
البر: إن ذلك يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي الدرداء وجابر وغيرهم
من الصحابة، قال: وهم أولى أن يقلدوا ممن جاء بعدهم، قال: وحسبك بفضل
مكة أن فيها بيت الله الذي رضي بحط الأوزار للعباد بقصده في العمر مرة،
ولم يقبل من أحد منهم صلاة إلا باستقبال جهته إن قدر على التوجه إليها،
وهي قبلة المسلمين أحياء وأمواتا... انتهى.
قلت: الفضل الثابت لمكة ثابت لجميع حرمها كما ذكره المحب الطبري في
"القرى لقاصد أم القرى"، وضعف ابن عبد البر بعض الأحاديث المستدل بها
على أن المدينة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صحيح ابن حبان "3708"، والترمذي في المناقب 5/ 722 وقال حديث غريب.
2 أخبار مكة للفاكهي 3/ 67 وقال عنه: إسناده ضعيف جدا، وذكره السيوطي
في الكبير 1/ 890، وعزاه الطبراني في الكبير، وقد رواه البيهقي في سننه
5/ 339- 340، من طريق العباس بن الوليد، عن أبيه، عن الأوزاعي، عن عمرو
بن شعيب.
ج / 1 ص -106-
أفضل من مكة، من ذلك الحديث الذي أخرجه
الحاكم في مستدركه على الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
حين خرج من مكة إلى المدينة:
"اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد
إليَّ فأسكني أحب البلاد إليك"1.
الحديث، قال فيه ابن عبد البر: إنه لا يصح ولا يختلف أهل العلم في
نكارته ووضعه... انتهى.
وعلى تقدير صحته فلا دلالة فيه لمن استدل به على ما ذكره المحب الطبري،
لأنه لما ذكر اختلاف العلماء في تفضيل المدينة على مكة في الفصل الذي
عقده لفضل مسجد المدينة والصلاة فيه، قال: وما احتجوا به من قوله صلى
الله عليه وسلم:
"أخرجتني من أحب البلاد أو البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك" محمول على أنه أراد أحب البقاع إليك بعد مكة،
بدليل حديث النسائي وابن حبان المتقدم في فضل مكة، يعني حديث عبد الله
بن عدي بن الحمراء، فإنه دل على أنها أحب أرض الله إلى الله، على أن
هذا الحديث نفسه لا دلالة فيه، لأن قوله: وأسكني في أحب البقاع إليك،
هذا السياق يدل في العرف على أن المراد بعد مكة، فإن الإنسان لا يسأل
عما خرج منه، فإن قال: أخرجتني فأسكني، يدل على إرادة غير الخروج منه،
فيكون مكة مسكوتا عنها في الحديث... انتهى.
وحديث رافع بن خديج رضي الله عنه: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: "المدينة خير من مكة" كما في معجم الطبراني2، قال فيه ابن
عبد البر ضعيف الإسناد ولا يحتج به، وقيل: إنه موضوع، وذكره الذهبي في
"فضل البلدان" وقال: حديث واه منكر، وهذان الحديثان أشهر الأحاديث
المستدل بها على أن المدينة أفضل من مكة، وممن قال بذلك: الإمام مالك
بن أنس -رحمه الله- وأصحابه، خلا من ذكرنا، ونقل القاضي عياض ذلك عن
عمر بن الخطاب وبعض الصحابة وأكثر أهل المدينة3، والله أعلم.
ولا ريب في أن مكة والمدينة أفضل من سائر البلاد، لإجماع الناس على
ذلك، كما ذكره القاضي عياض، كما أن بيت المقدس أفضل من سائرها بعد مكة
والمدينة للإجماع، ومستند الإجماع في ذلك: أحاديث مشهورة ثابتة في
الصحيحين وغيرهما، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مستدرك الحاكم 3/ 3.
2 أخرجه الطبراني بلفظ "المدينة خير من مكة" وفيه "محمد بن عبد الرحمن
بن داود" وهو مجمع على ضعفه. ذكر ذلك الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 299.
3 إعلام المجد "ص: 186"، المحلى 7/ 284.
ج / 1 ص -107-
ذكر الأحاديث الدالة على أن الصلاة
بمسجد مكة أفضل من الصلاة في غيره من المساجد:
روينا في ذلك أحاديث من حديث أنس بن مالك وجابر
بن عبد الله الأنصاريين وعبد الله بن الزبير بن العوام وعبد الله بن
عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأبي الدرداء وأم الدرداء وعائشة -رضي الله
عنهم، وقد أخرجنا هذه الأحاديث في أصل هذا الكتاب بأسانيدها، ونقتصر
هنا على عَزْوِها لكتب أهل العلم.
فأما حديث أنس وجابر رضي الله عنهما ففي سنن ابن ماجه1، وإسناده في
حديث جابر صحيح، على ما قال ابن جماعة في منسكه، وحديث ابن الزبير في
مواضع يأتي ذكرها. وحديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما- في مسند
ابن حنبل2، وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه في "المعجم الكبير"
للطبراني بسند حسن على ما قال بعض مشايخنا3، وحديث أم الدرداء رضي الله
عنها في الإتحاف لابن عساكر، وحديث عائشة رضي الله عنها في "المعجم
الأوسط" للطبراني، وحديث ابن الزبير رضي الله عنهما عندي أعلاها، وقد
أخبرني به إبراهيم بن محمد الصوفي سماعا بمكة، أن أحمد بن أبي طالب
الصالحي أخبره عن ابن اللتي وابن بهروز قالا: أخبرنا أبو الوقت، قال:
أخبرنا الداودي، قال: أخبرنا الحموي، قال: أخبرنا إبراهيم بن حزيم،
قال: حدثنا عبد بن حميد الحافظ، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا
حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا
المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا
بمائة صلاة"4.
وأخبرنيه أعلى من هذا علي بن محمد الخطيب عن أبي بكر الوشتي، قال:
أخبرنا الحافظ ابن خليل، قال: أخبرنا الرازي، قال: أخبرنا الحداد، قال:
أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: أخبرنا عبد الله بن فارس، قال: أخبرنا
يونس بن حبيب، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا الربيع بن
صبيح، قال: سمعت عطاء بن أبي رباح يقول: بينما ابن الزبير يخطبنا إذ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام،
وصلاة في المسجد الحرام تفضل بمائة صلاة"5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سنن ابن ماجه "1406".
2 مسند أحمد 2/ 528.
3 الطبراني في الكبير "2/ 151 رقم 1605- 1607.
4 أخرجه: مسلم "3/ 416"، أحمد 2/ 29، 4/ 5، أبو يعلي "5760"، أخبار
أصفهان 1/ 353.
5 أخرجه مسلم، "الصلاة: 451"، ورواه ابن خزيمة بنحوه وإسناده صحيح
أيضا، الترغيب والترهيب 2/ 214.
ج / 1 ص -108-
قال عطاء: فكانت مائة ألف، قال قلت: يا أبا
محمد هذا الفضل الذي يذكر في المسجد الحرام وحده أو في الحرم؟ قال: بل
في الحرم، فإن الحرم كله مسجد، ورأيناه في "إتحاف الزائر" لأبي اليمن
ابن عساكر من حديث شبابة بن سواد، عن الربيع بن صبيح به، إلا أن فيه:
"وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف". ورأيناه في مسند ابن حنبل
والبزار ومعجم الطبراني الكبير بألفاظ مختلفة.
ويتحصل من طرق حديث ابن الزبير ثلاث روايات، أحدها: أن الصلاة بالمسجد
الحرام تفضل على الصلاة بمسجد المدينة بمائة صلاة كما في مسند عبد بن
حميد وابن حنبل والبزار، وإحدى روايتي الطبراني في الكبير، ورجال أحمد
رجال الصحيح.
والرواية الأخرى: أن الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة بمسجد
المدينة بألف صلاة كما في مسند الطيالسي وإتحاف ابن عساكر، وحديث ابن
الزبير من رواة حماد بن زيد أخرجه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن سفيان
عن محمد بن عبد الله بن حسان عن حماد بن زيد1، فوقع لنا عاليا، وقد روي
موقوفا على ابن الزبير، ومن رفعه فهو أحفظ وأثبت من جهة النقل على ما
قاله ابن عبد البر، وصحح هذا الحديث وقال: إنه الحجة عند التنازع، وإنه
نص في موضع الخلاف، قاطع عند من ألهم رشده ولم تمل به عصبيته ......
انتهى.
وحديث كل من أنس وجابر وأبي الدرداء -رضي الله عنهم- في الصلاة في
المسجد الحرام يقتضي تفضيل الصلاة بالمسجد الحرام على الصلاة بمسجد
المدينة كحديث ابن الزبير الذي في "مسند الطيالسي" وإتحاف ابن عساكر،
وحديث ابن عمر ليس في بيان ما تفضل الصلاة به في المسجد الحرام على
الصلاة في غيره، وإنما يقتضي أن الصلاة فيه أفضل من غيره، وحديث أبي
هريرة يقتضي أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجد المدينة بمائة صلاة،
هذا مقتضى حديث ابن عمر وأبي هريرة في كتاب الفاكهي2.
وقد ورد في فضل الصلاة بالمسجد الحرام ثواب أكثر من هذا، لأن الفاكهي
قال: حدثني عبد الله بن منصور عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: من صلى في المسجد الحرام حول بيت الله
الحرام في جماعة خمسة وعشرين مرة، كتب الله له مائة ألف صلاة، ومن صلى
في المسجد الحرام أو في بيته أو في الحرم، كتب الله له مائة ألف صلاة،
قيل له، أو قال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 صحيح ابن حبان "1625".
2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 96.
ج / 1 ص -109-
رجل من التابعين: أَعَنْ رأيك هذا يا ابن
عباس، أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بل عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم1 ....... انتهى، وعبد الرحيم ضعيف.
وقال الفاكهي أيضا: وحدثني محمد بن صالح البلخي، قال: حدثنا أبو مطيع
الحكم بن عبد الله القرشي، قال: حدثنا المسيب، عن المبارك بن حسان، عن
الحسن ومعاوية بن قرة قالا: الصلاة في المسجد الحرام بألف ألف صلاة
وخمسمائة صلاة، والصلاة في الحرم كله بمائة ألف صلاة2... انتهى.
وروينا عن الجندي في كتاب "فضائل مكة" له، قال: حدثنا إسحق بن إبراهيم،
قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، عن عبد الصمد بن مغفل، عن وهب بن
منبه، قال: وجدت مكتوبا في التوراة: من شهد الصلوات الخمس في المسجد
الحرام كتب الله له بها اثنا عشر ألف ألف وخمسمائة ألف صلاة.
وروى الجندي في تفسير قوله تعالى:
{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}
[الأنبياء: 106] حديثا يقتضي أن المراد بذلك الصلوات الخمس جماعة في
المسجد الحرام، ولفظه: حدثنا عبد الله بن أبي غسان، حدثنا عبد الرحيم
بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قرأ:
{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِين}. ثم قال:
"هي الصلوات الخمس في الجماعة في
المسجد الحرام".
ولنذكر فوائد تتعلق بحديث ابن الزبير -رضي الله عنهما، وما شابهه.
منها: أن ابن كنانة المالكي وغيره من المالكية قالوا في قوله صلى الله
عليه وسلم:
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". كما في الصحيحين3: أفضل من الصلاة في سائر
المساجد بألف صلاة خلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في مسجده صلى الله
عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون الألف ليستقيم لهم
بذلك ما رووا من تفضيل الصلاة بالمدينة على الصلاة بمكة، وحديث ابن
الزبير وما شابهه من الأحاديث التي ذكرناها يدفع هذا التأويل، لأنها
تقتضي تفضيل الصلاة بمكة على الصلاة بالمدينة، والله أعلم.
ومنها: أن النقاش المفسر حسب الصلاة بالمسجد الحرام على مقتضى حديث:
"إن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة"، فبلغت صلاة واحدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 2/ 92، وقال فيه: إسناده حسن، وفيه "عبد الرحيم بن
زيد العمي".
2 أخبار مكة للفاكهي 2/ 106، والحديث إسناده ضعيف، ذكره المحب الطبري
في القرى "ص: 657" وعزاه لسعيد بن منصور.
3 أخرجه البخاري 3/ 54، ومسلم "الحج رقم 1394".
ج / 1 ص -110-
بالمسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة وستة
أشهر وعشرين ليلة، وصلاة يوم وليلة وهي خمس صلوات في المسجد الحرام عمر
مائتي سنة وسبعة وتسعين سنة وتسعة أشهر وعشر ليال... انتهى.
قلت: رأيت لشيخنا بالإجازة الإمام بدر الدين أحمد بن محمد المعروف بابن
الصاحب المصري الإشاري1 كلاما حسنا في هذا المعنى، لأنه قال فيما
أنبأنا به: إن كل صلاة بالمسجد الحرام فرادى بمائة ألف صلاة كما ورد في
الحديث، وكل صلاة فيه جماعة بألفي ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة،
والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة صلاة، وصلاة الرجل
منفردا في وطنه غير المسجدين المعظمين، كل مائة سنة شمسية بمائة
وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بألف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة،
فتلخص من هذا: إن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة يفضل ثوابها على
ثواب من صلى في بلده فرادى، حتى بلغ عمر نوح عليه السلام نحو الضعف،
وسلام على نوح في العالمين. وهذه فائدة تساوي رحلة. ثم قال: هذا إذا لم
تضف إلى ذلك شيئا من أنواع البر، فإن صام يوما، وصلى الصلوات الخمس
جماعة، وجعل فيه أنواعا من البر قلنا بالمضاعفة، فهذا مما يعجز الحساب
عن حصر ثوابه2... انتهى.
ومنها: أن للعلماء المالكية وغيرهم خلافا في هذا الفضل: هل يعم الفرض
والنفل، أو يختص بالفرض؟ وهو مقتضى مشهور مذهبنا ومذهب أبي حنيفة،
والقول بالتعميم مذهب الشافعي على ما صرح به النووي.
ومنها: أن للعلماء خلافا في المراد بالمسجد الحرام، فقيل: مسجد الجماعة
الذي يحرم على الجنب الإقامة فيه، حكاه المحب الطبري، وذكر أنه يتأيد
بقوله صلى الله عليه وسلم:
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا
المسجد الحرام"، والإشارة بمسجده إلى مسجد
الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك... انتهى.
وقيل: المراد بالمسجد الحرام الحرم كله، قال المحب الطبري3: ويتأيد
بقوله تعالى:
{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً
الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَاد} [الحج: 25]. أو قوله
تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء: 1]. وكان ذلك من بيت أم هانئ... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو العلامة المفسر شيخ القراء أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد
الموصلي النقاس، صاحب "شفاء الصدور" في التفسير، و"الإشارة في غريب
القرآن"، توفي سنة 351هـ "انظر ترجمته في أعلام النبلاء 15/ 537
والمنتظم 14/ 148.
2 مثير الغرام الساكن "ص: 254".
3 القرى "ص: 657".
ج / 1 ص -111-
وقيل: المراد بالمسجد الحرام الكعبة خاصة،
ذكره المحب الطبري1 عن بعضهم وأُبْهِم له، قال: واختاره بعض المتأخرين
من أصحابنا، وذكر أنه يتأيد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه:
"صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا الكعبة".
أخرجه النسائي2... انتهى باختصار.
وذكر بعض الحفاظ من أصحابنا أن في بعض طرق هذا الحديث إلا "مسجد
الكعبة"، وعلى هذا فلا تستقيم الدلالة بالحديث الذي ذكره المحب الطبري1
على أن المراد بالمسجد الحرام الكعبة خاصة، والله أعلم.
ومنها: هذا التضاعف بالنسبة إلى الثواب لا بالنسبة إلى إسقاط الفوائت
كما يتخيله كثير من الجهال، ولذلك نبهنا عليه. وممن صرح بذلك النووي في
شرح مسلم، وقد ظهر بما ذكرناه من الأحاديث وكلام العلماء تفضيل مكة على
سائر البلاد، وأن ثواب الصلاة فيها أفضل من ثوابها في غيرها، وجاء
أحاديث تدل على تفضيل ثواب الصوم وغيره من القربات بمكة على ثواب ذلك
في غيرها، إلا أنها في الثبوت ليست كأحاديث فضل مكة والصلاة فيها،
وحديث تفضيل الصوم بمكة على غيرها. رويناه في مسند ابن ماجة3، وفي
تاريخ الأزرقي، وفي "المجالس المكية" للميانشي4، من حديث ابن عباس رضي
الله عنهما وعنه ورد تضاعف حسنات الحرم على غيرها، لأنا روينا عن زاذان
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إليها كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة
من حسنات الحرم. فقال بعضهم لابن عباس: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة
بمائة ألف حسنة". انتهى. رواه البيهقي بسنده إلى عيسى بن سوادة، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن زاذان، وقال: تفرد به عيسى بن سوادة، وهو مجهول5... انتهى.
قلت: لم ينفرد به عيسى بن سوادة كما ذكر البيهقي، لأنا رويناه في
الأربعين المختارة لخطيب مكة: الحافظ ابن مسدي، وغيرها من حديث سفيان
بن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد الذي رواه عنه ابن سوادة. وقال ابن
مسدي: هذا حديث حسن غريب... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرى "ص: 657".
2 سنن النسائي 2/ 33 كتاب المساجد باب فضل الصلاة في المسجد الحرام.
3 سنن ابن ماجه 2/ 1041 رقم "3117".
4 الميانشي هو: عمر بن عبد المجيد بن عمر القرشي، الميانشي، من قرى
المهدية بإفريقية، وله مؤلفات منها: "تعليقات على الفردوس" وغيره "انظر
ترجمته في: الأعلام 5/ 53".
5 أخرجه: البيهقي في الشعب "3981"، وقال: فيه عيسى بن سوادة مجهول.
ج / 1 ص -112-
ورواه الحاكم1 من الوجه الذي رواه البيهقي
وصحح إسناده، وقال المحب الطبري بعد أن أخرج هذا الحديث: وهذا الحديث
يدل على أن المراد بالمسجد الحرام في فضل تضعيف الصلاة الحرم جميعه،
لأنه عم التضعيف في جميع الحرم، وكذلك حديث تضعيف الصلاة عمن في جميع
مكة، وحكم الحرم ومكة في ذلك سواء باتفاق، إلا أن يخص المسجد بتضعيف
زائد على ذلك، فيقدر كل صلاة بمائة ألف صلاة فيما سواه والصلاة فيما
سواه بعشر حسنات فتكون الصلاة فيه بألف ألف حسنة، والصلاة في مسجد
النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ألف حسنة، ويشهد لذلك ظاهر اللفظ2،
والله أعلم.
قال: وعلى هذا تكون حسنة الحرم بمائة ألف حسنة وحسنة مسجده، إما مسجد
الجماعة، وإما الكعبة على اختلاف القولين بألف ألف، ويقاس بعض الحسنات
على بعض أو يكون ذلك خصيصا للصلاة، والله أعلم... انتهى.
وروينا عن الحسن البصري ما يقتضي تضاعف الحسنة بمكة إلى مائة ألف حسنة،
لأنه قال: صوم يوم بمكة بمائة ألف، وصدقة درهم بمائة ألف، وكل حسنة
بمائة ألف... انتهى.
وذكر المحب الطبري أن فيما تقدم من أحاديث مضاعفة الصلاة والصوم بمكة
دليلا على إطراد التضعيف في جميع الحسنات إلحاقا بهما. قال: ويؤيد ذلك
قول الحسن2... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مستدرك الحاكم 1/ 461، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
2 القرى "ص: 658". |