شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 1 ص -147-
الباب الثامن:
ذكر صفة الكعبة وما أحدث فيها من البدعة:
أما أرض الكعبة وجدرانها من داخلها: فمرخمة
برخام ملون، وقد ذكر الأزرقي رحمه الله عدد الرخام الذي في أرض الكعبة
وجدرانها وألوانه ونقل عن ابن جريج أن الوليد بن عبد الملك بن مروان
أول من رخم أرض الكعبة وجدرانها برخام بعث به من الشام1.
وفي الكعبة الآن ثلاث دعائم من ساج على ثلاثة كراسي، وفوقها ثلاثة
كراسي، وعلى هذه الكراسي ثلاث جوائز من ساج، ولها سقفان بينهما فرجة،
وفي السقف أربعة روازن نافذة من السقف الأعلى إلى السقف الأسفل للضوء،
وفي ركنها الشامي درجة من خشب يصعد منها إلى سطحها، وعدد الدرج التي
فيها ثمان وثلاثون مرقاة، وسقفها الأعلى مما يلي السماء مرخم برخام
أبيض، وطلي بنورة2 في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة بأمر أمير يقال له
باشه من أمراء مصر، لما ندبه لعمارة المسجد وغيره بمكة الأمير بركة
مدبر المملكة بالديار المصرية مع الملك الظاهر قبل سلطنته. ثم كشطت
النورة في سنة إحدى وثمانمائة بأمر الأمير بيسق3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 297و 304.
2 النورة عند الحجازيين يسميها المصريون الجير الأسود.
3 قال: ابن إياس في حوادث سنة 801 هـ "1/2: 520"ك "وبرز الأمير بيسق
الشيخي بالريدانية ليكون أمير حجاج الرجبية، ورسم له بعمارة ما تهدم من
المسجد الحرام، وخرج معه المعلم شهاب الدين أحمد بن الطولوني المهندس،
إتحاف الورى 3/ 410، السلوك للمقريزي 3/ 2: 923، نزهة النفوس 1/ 491،
492.
ج / 1 ص -148-
ويطيف بسطحها إفريز مبني بالحجارة على
جدرها من جميع جوانبها يأتي تحرير ذرعه فيما بعد إن شاء الله تعالى
ويتصل بهذا الإفريز أخشاب فيها حلق من حديد، مربوط بها كسوة الكعبة،
وبابها من ظاهره مصفح بصفائح فضة مموهة بالذهب، وكذلك فياريز الباب
وعتبته العليا مطلية بفضة، زنتها على ما بلغني ألف درهم وثمانمائة
درهم، وفيها مكتوب اسم مولانا السلطان الملك الناصر فرج1 بن الملك
الظاهر صاحب الديار المصرية، واسم أبيه الملك الظاهر، وأضيف إلى كل
منهما الأمر بعمل هذه الحلية، وفيها مكتوب أيضا اسم الأمير أيتمش3 الذي
جعله الملك الظاهر أتابكا4 لوالده واسم الأمير يشبك5 الذي كان خازندار6
الملك الظاهر ثم لابنه الملك الناصر، ثم صار داودارا7 للملك الناصر
وأتابكا له واسم الأمير بيسق الآمر بهذه الحلية.
وأما ما أحدث فيها من البدعة: فهو البدعة التي يقال لها "العروة
الوثقى"، والبدعة التي يقال لها "سرة الدنيا"،وقد ذكرهما الإمام أبو
عمرو بن الصلاح رحمه الله لأنه قال: وقد ابتدع من قريب بعض الفجرة
والمحتالين في الكعبة المكرمة أمرين باطلين عظم ضررهما على العامة.
أحدهما: ما يذكرونه من العورة الوثقى، عمدوا إلى موضع عال من جدار
البيت المقابل لباب البيت فسموه بالعروة الوثقى، وأوقعوا في قلوب
العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى، فأحوجهم إلى أن
يقاسوا في الوصول إليه شدة وعناء، فركب بعضهم فوق بعض، وربما صعدت
الأنثى فوق الذكر ولامست الرجال ولامسوها، فلحقهم بذلك أنواع من الضرر
دنيا ودينا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تسلطن سنة 801 حتى سنة 808هـ. "بدائع الزهور 1/ 2: 834، وانظر السلوك
3/ 1178".
2 تسلطن من سنة 784 حتى سنة 791 ثم عاد للسلطنة سنة 792 حتى سنة 801هـ.
"السلوك 3/ 938، بدائع الزهور ج 1/ 2: 526" وهو السلطان برقوق.
3 انظر: بدائع الزهور: 1/ 2: 321.
4 "أتابك" أصله أطابك ومعناه الولد الأمير. وأول من لقب بذلك نظام
الدولة وزير ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي حين فوض إليه ملكشاه تدبير
المملكة سنة 465 بألقاب منها هذا، وقيل: أطابك معناه أمير أب، والمراد:
أبو الأمراء وهو أكبر الأمراء المقدمين بعد النائب الكافل، وليس له
وظيفة ترجع إلى حكم وأمر ونهي، وغايته رفعة المحل وعلو المقام .. "صبح
الأعشى 4/ 18".
5 بدائع الزهور 1/ 2: 525.
6 "الخازندار": وظيفته التحدث في خزائن الأموال السلطانية من نقد وقماش
وغير ذلك. "صبح الأعشى 4/ 21".
7 الداودار: صاحب الدواة وحاملها للسلطان أو الأمير، وهو يقوم بإبلاغ
الرسائل عنه وتقديم القصص والشكاوى إليه. "صبح الأعشى 5/ 492".
ج / 1 ص -149-
الثاني: مسمار في وسط البيت سموه سرة
الدنيا، وحملوا العامة على أن يكشف أحدهم عن سرته، وينبطح بها على ذلك
الموضع حتى يكون واضعا سرته على سرة الدنيا، قاتل الله واضع ذلك
ومختلقه وهو المستعان... انتهى بنصه من منسك ابن الصلاح، ونقل ذلك عنه
النووي في "الإيضاح" بما يخالف بعض ذلك في اللفظ ويوافقه في المعنى.
قلت: وهذان الأمران لا أثر لهما الآن في الكعبة، وكان زوال البدعة التي
يقال لها العروة الوثقى في سنة إحدى وسبعمائة، لأن الإمام جمال الدين
المطري فيما أخبرني عنه القاضي برهان الدين بن فرحون ذكر أن الصاحب زين
الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد المعروف بابن حناء توجه إلى مكة في
أثناء سنة إحدى وسبعمائة، فرأى فيها ما يقع من الفتنة عند دخول البيت
الحرام، وتعلق الناس بعضهم على بعض، وحمل النساء على أعناق الرجال
للاستمساك بالعروة الوثقى في زعمهم فأمر بقلع ذلك المثال، وزالت تلك
البدعة، والمنة لله تعالى1... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 132، 133، السلوك المقريزي 2/1: 12، الدرر الكامنة 1/
302 برقم 727، النجوم الزاهرة 8/ 215.
ذكر ذرع الكعبة من داخلها وخارجها:
روينا بالسند المتقدم إلى الأزرقي1 قال: ذرع
البيت خارج طولها في السماء: سبعة وعشرون ذراعا، وذرع طول وجه الكعبة
من الركن الأسود إلى الركن الشامي: خمس وعشرون ذراعا، وذرع ظهرها من
الركن اليماني إلى الركن الغربي: خمس وعشرون ذراعا، وذرع شقها اليماني
من الركن الأسود إلى الركن اليماني: عشرون ذراعا، وذرع شقها الذي فيه
الحجر من الركن الشامي إلى الركن الغربي: أحد وعشرون ذراعا، وذرع جميع
الكعبة مكسرا: أربعمائة ذراع وثمانية عشر ذراعا، وذرع نقد جدار الكعبة:
ذراعان، والذراع أربع وعشرون أصبعا.
ثم قال الأزرقي: ذرع طول الكعبة في السماء من داخلها إلى السقف الأسفل
مما يلي باب الكعبة: ثماني عشرة ذراعا ونصف، وطول الكعبة في السماء إلى
السقف الأعلى: عشرون ذراعا، وذرع داخل الكعبة من وجهها من الركن الذي
فيه الحجر الأسود إلى الركن الشامي إلى الركن الغربي وهو الشق الذي يلي
الحجر: خمسة عشر ذراعا وثماني عشر إصبعا، وذرع ما بين الركن الشامي إلى
الركن الغربي وهو الشق الذي يلي الحجر: خمسة عشر ذراعا وثماني عشرة
أصبعا، وذرع ما بين الركن الغربي إلى الركن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 289، 290.
ج / 1 ص -150-
اليماني- وهو ظهر الكعبة: عشرون ذراعا وستة
أصابع، وذرع ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود ستة عشر ذراعا وستة
أصابع1.
وذكر الأزرقي رحمه الله: ذرع ما بين الأساطين التي في الكعبة، فقال
فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: ذرع ما بين الجدار الذي بين الركن
الأسود والركن اليماني إلى الأسطوانة الأولى: أربعة أذرع ونصف، وذرع ما
بين الأسطوانة الأولى إلى الأسطوانة الثانية: أربعة أذرع ونصف، وذرع ما
بين الأسطوانة الثانية إلى الأسطوانة الثالثة: أربعة أذرع ونصف، وذرع
ما بين الأسطوانة الثالثة إلى الجدار الذي يلي الحجر: ذراعان وثمان
أصابع2... انتهى.
وقد حرر ذرع الكعبة الفقيه أبو عبد الله محمد بن سراقة العامري في
كتابه "دلائل القبلة"، لأنه قال: اعلم أن الكعبة البيت الحرام مربعة
البنيان في وسط المسجد، ارتفاعها من الأرض سبعة وعشرين ذراعا، وعرض
الجدار وجهها قرابة أربعة وعشرين ذراعا، وهو بناء الحجاج بن يوسف
الثقفي، وكان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حين ولي مكة جعل عرضه
ثلاثين ذراعا يزيد على ذلك أقل من ذراع، وبعد أن كشف عن قواعد إبراهيم
الخليل عليه السلام وبنى عليها. ثم قال: وعرض وجهها وهو الذي فيه
بابها: أربعة وعشرون ذراعا، وعرض مؤخرها مثل ذلك، وعرض جدارها الذي يلي
اليمن، وهو فيما بين الركن اليماني والركن العراقي، وهو الذي فيه الحجر
الأسود: عشرون ذراعا. ثم قال: وعرض جدارها الذي يلي الشام، وهو الذي
بين الركن الشامي والركن العراقي: أحد وعشرون ذراعا... انتهى.
وإنما ذكرنا ما ذكره ابن سراقة العامري من ذرع الكعبة، لأن فيه مخالفة
لما ذكره الأزرقي في ذرع شقها الشرقي وشقها الغربي، وذلك ينقص عما ذكره
الأزرقي في ذرع ذلك ذراعا. وفي النسخة التي رأيتها من كتاب ابن سراقة
لحن في التعبير عن ذرع بعض ما نقلته عنه، فكتبته هنا على ما وجدته في
النسخة، وذلك واضح لمن تأمله، والله أعلم.
وذكر ابن جبير في أخبار رحلته ما يستغرب في طول الكعبة، لأنه ذكر محمد
بن إسماعيل بن عبد الرحمن الشيبي زعيم الشيبيين الذين لهم سدانة البيت
أخبره أن ارتفاعه في الهواء من الصفح الذي يقابل باب الصفا وهو بين
الحجر الأسود واليماني تسع وعشرون ذراعا، وسائر الجوانب ثمان وعشرون،
بسبب انصباب السطح إلى الميزاب3... انتهى بنصه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة 1/ 290.
2 أخبار مكة 1/ 292.
3 رحلة ابن جبير ص 59.
ج / 1 ص -151-
وما عرفت كيف يستقيم هذا الذرع، وذكر ذرع
جهات الكعبة، وأمورا تتعلق بها بالأقدام والخطا، وقد ذكرنا كلامه في
أصل هذا الكتاب.
وذكر ابن خرداذبه في عرض الكعبة ما يخالف ما ذكره الأزرقي، لأنه قال
عند ذكر الكعبة: طول البيت: أربعة وعشرون ذراعا وشبر في ثلاثة وعشرين
ذراعا وشبر، ثم قال: وسمكه في السماء سبعة وعشرون ذراعا1... انتهى.
وهذا الكلام يقتضي أن قوله أولا: طول البيت، المراد به عرضه، لقوله
فيما بعد: وسمكه في السماء؛ فإن هذا الذراع طوله، وإذا تقرر ذلك فإن
أراد ابن خرداذبه بقوله: طول البيت بيان ذرع شقه الشرقي والغربي فقد
خالف الأزرقي في ذلك، لأن الأزرقي ذكر أن ذرع كل من هذين الشقين خمس
وعشرون ذراعا، وإن أراد بذلك بيان ذرع شقها الشامي واليماني، فقد خالف
في ذلك ما ذكره الأزرقي، لأنه ذكر أن ذرع الشق الشامي واحد وعشرون،
واليماني عشرون. والوجه الأول أقرب إلى مراد ابن خرداذبه، وإنما ذكرناه
لغرابته، والله أعلم.
وقد حرر طول الكعبة من داخلها وخارجها: القاضي عز الدين بن جماعة بذراع
القماش المستعمل بمصر في زمنه، وهو المستعمل في زمننا، وذلك في سنة
ثمان وخمسين وسبعمائة، فقال فيما أخبرني به عنه خالي رحمهما الله
ارتفاعهما من أعلى الملتزم إلى أرض الشاذروان ثلاث وعشرون ذراعا ونصف
ذراع وثلث ذراع، وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود وبين الركن الشامي
وقال له: العراقي من داخل الكعبة: ثمانية عشر ذراعا وثلث وربع وثمن،
ومن خارجها: ثلاثة وعشرون ذراعا وربع ذراع، وارتفاع باب الكعبة الشريفة
من داخلها ستة أذرع وقيراطان، ومن خارجها خمسة أذرع وثلث، وعرضه من
داخلها ثلاث أذرع وربع وثمن، ومن خارجها ثلاث أذرع وربع، وعرض العتبة
نصف ذراع وربع.
وارتفاع الباب الشريف عن أرض الشاذروان ثلاثة أذرع وثلث وثمن ومن الركن
الشامي والغربي من داخل الكعبة خمسة عشر ذراعا وقيراطان.ومن خارجها
تسعة عشر بتقديم التاء على السين وربع2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المسالك والممالك 132، 133.
2 في مناسك ابن جماعة: "وربع وثمن" 3/ 1334.
ج / 1 ص -152-
ووقع فيما ذكره ابن جماعة تسمية الركن
الشامي الذي يلي وجه الكعبة بالعراقي، وذلك يخالف ما ذكره ابن سراقة في
الركن العراقي، ورأيت ما يدل لما ذكره ابن جماعة كما سيأتي ذكره إن شاء
الله تعالى في الباب الخامس عشر من هذا الكتاب.
وذكر ابن جبير في غير موضع من رحلته ما يوافق ما ذكره ابن جماعة في
ذلك1، والله أعلم.
وقد حررت ما حرره الأزرقي وابن جماعة من ذرع الكعبة، مع أمور أخر تتعلق
بها، وفيما حررناه مخالفة لبعض ما حرراه.
ونذكر ما حررناه لبيان معرفة الاختلاف، ومعرفة أمور أخر تتعلق بالكعبة
حررناها، ولم يحررها الأزرقي ولا ابن جماعة، وكان تحريرنا لذلك بذراع
الحديد الذي حرر به ابن جماعة، ومنه يظهر معرفة ما حرره الأزرقي، لأن
تحريره كان بذراع اليد، وهو ينقص عن ذراع الحديد ثمن ذراع بالحديد كما
تقدم بيانه في باب حدود الحرم، واتفق تحريرنا لذلك في صحوة يوم الجمعة
ثاني شهر ربيع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير: ص 59، 61، 63، 67.
ذكر ذرع الكعبة من داخلها بذراع الحديد:
طول جدارها الشرقي من السقف الأسفل إلى أرضها
سبعة عشر ذراعا بتقديم السين ونصف ذراع إلا قيراطا وعرضه من الركن الذي
فيه الحجر الأسود إلى جدار الدرجة الذي فيه بابها خمسة عشر ذراعا وثمن
ذراع. وذرع بقية هذا الجدار، يعرف تقريبا من جدار الدرجة الغربي، لكونه
في محاذاة بقية هذا الجدار، وذرع جدار الدرجة الغربي المشار إليه ثلاثة
أذرع وقيراط، فيكون ذرع الجدار الشرقي على التقريب ثماني عشر ذراعا
وسدس ذراع.
وطول الجدار الشامي من سقفها الأسفل إلى أرضها سبعة عشر ذراعا بتقديم
السين أيضا وعرض هذا الجدار من جدار الدرجة الغربي إلى ركن الكعبة
الغربي أحد عشر ذراعا وقيراط، وذرع بقية هذا الجدار يعرف تقريبا من
جدار الدرجة اليماني، لكونه في محاذاة بقية هذا الجدار، وذرع جدار
الدرجة المشار إليه ثلاثة أذرع إلا ثمنا، فيكون ذرع الجدار الشامي على
التقريب أربعة عشر ذراعا إلا قيراطين.
وطول جدارها الغربي من سقفها الأسفل إلى أرضها سبعة عشر ذراعا بتقديم
السين أيضا وربع ذراع وثمن ذراع، وعرض هذا الجدار من الركن الغربي إلى
الركن اليماني ثمانية عشر ذراعا وثلث ذراع.
ج / 1 ص -153-
وطول جدار الكعبة اليماني من سقفها الأسفل
إلى أرضها سبعة عشر ذراعا بتقديم السين ونصف ذراع وقيراطين، وعرض هذا
الجدار من الركن اليماني إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود أربعة عشر
ذراعا وثلثا ذراع.
ومن وسط جدار الكعبة الشامي إلى وسط جدارها اليماني ثمانية عشر ذراعا
وثلث.
ومن وسط جدار الكعبة الشرقي إلى وسط جدارها الغربي أربعة عشر ذراعا
ونصف ذراع وثمن ذراع، وما بين الجدار الشرقي، وبين كرسي الأسطوانة التي
تلي الحجر سبعة أذرع بتقديم السين على الباء وثمن، وكذلك ما بينه وبين
كرسي الأسطوانة، وما بينه وبين كرسي الأسطوانة التي تلي الحجر سبعة
أذرع بتقديم السين أيضا وقيراط، وبن كل من كرسي هذه الأساطين وما
يقابله من الجدار الغربي سبعة أذرع بتقديم السين أيضا إلا أنه ينقص في
ذرع ما بين كرسي الأسطوانة الوسطى، وما يحاذيها من الجدار الغربي
المذكور قيراطين، وبين كرسي الأسطوانة الأولى التي تلي باب الكعبة،
وبين جدار الكعبة اليماني أربعة أذرع وثلث، وما بين كرسيها وكرسى
الأسطوانة الوسطى أربعة أذرع وربع وثمن، وما بين كرسي الوسطى وكرسي
الأسطوانة الثالثة التي تلي الحجر بسكون الجيم أربعة أذرع ونصف، وما
بين كرسي هذه الأسطوانة الثالثة والجدار الشمالي الذي يليها ذراعان
وربع.
وذرع تدوير الأسطوانة الأولى التي تلي الباب ذراعا وربع وثمن، وذرع
تدوير الوسطى ذراعان ونصف وربع ذراع، وذرع تدوير الأسطوانة التي تلي
الحجر ذراعان ونصف وقيراطان، وهي مثمنة، وطول فتحة الباب من داخله مع
الفياريز1 ستة أذرع، وطوله من خارجه بغير الفياريز ستة أذرع إلا ربع.
وذرع فتحة الباب من داخل الكعبة مع الفياريز ثلاثة أذرع وثلث إلا
قيراط، وطول كل من فردتي الباب ستة أذرع إلا ثمن، وعرض كل منهما ذراعان
إلا ثلث، وذرع عرض العتبة ذراع إلا ربع، وسعة فتحة باب الدرجة الذي
يصعد منه إلا أعلا الكعبة من أسفله ذراع وقيراطان، ومن أعلاه ذراع
وثمن، وارتفاع الباب عن الأرض ذراعان ونصف ذراع وسدس ذراع وثمن ذراع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفياريز: مفردها إفريز.
ج / 1 ص -154-
ذكر ذرع الكعبة من خارجها بذراع
الحديد:
طول جدارها الشرقي من أعلا الشاخص على سطحها إلى
أرض المطاف ثلاثة وعشرون ذراعا وثمن ذراع، وعرض هذا الجدار من الركن
الذي فيه الحجر الأسود إلى الركن الشامي الذي يقال له العراقي أحد
وعشرون ذراعا وثلث ذراع، ومن عتبة باب الكعبة إلى أرض الشاذروان تحتها
ثلاثة أذرع ونصف، وارتفاع الشاذروان تحتها ربع ذراع وقيراط، وطول
جدارها الشامي من أعلا الشاخص في سطحها إلى أرض الحجر ثلاثة وعشرون
ذراعا إلا ثمن ذراع، وعرض هذا الجدار من الركن الشامي إلى الركن الغربي
سبعة عشر ذراعا بتقديم السين ونصف ذراع وربع ذراع وطول جدارها الغربي
من أعلا الشاخص في سطحها إلى الأرض ثلاثة وعشرون ذراعا، وعرض هذا
الجدار من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحد وعشرون ذراعا وثلثا
ذراع، وطول جدارها اليماني من أعلا الشاخص في سطحها إلى الأرض كالجهة
الشرقية ثلاثة وعشرون وثمن ذراع، وعرض هذا الجدار من الركن اليماني إلى
الركن الذي فيه الحجر الأسود ثمانية عشر ذراعا وسدس ذراع.
ذكر ذرع سطح الكعبة:
من وسط جدارها الشرقي إلى وسط جدارها الغربي
أربعة عشر ذراعا وربع ذراع وثمن ذراع، ومن وسط جدارها الشامي إلى وسط
جدارها اليماني ثمانية عشر ذراعا إلا ثمن ذراع، وارتفاع الشاخص في
الجهة الشرقية ذراع إلا ثمن، وعرضه ذراعان إلا سدس، وارتفاع الشاخص في
الجهة الشامية ذراع وثمن، وعرضه ذراعان إلا ثمن، وارتفاع الشاخص في
الجهة الغربية ذراع، وعرضه ذراع ونصف وثمن، وارتفاع الشاخص في الجهة
اليمانية ثلثا ذراع، وعرضه ذراع ونصف قيراط.
وما ذكرناه من ذرع عرض الكعبة من داخلها وخارجها ينقص عما ذكره ابن
جماعة في ذلك، وما ذكرناه في طولها من خارجها ينقص عما ذكره ابن جماعة
في ذلك، لأن ما ذكرناه ينقص في طولها من خارجها ثلثي ذراع وقيراطا،
وينقص في ذرع كل من جدارها الشرقي من خارجها ذراعين إلا قيراطين، وينقص
في عرضه من داخلها نصفا وقيراطا، وينقص في ذرع عرض جدارها الشامي من
خارجها ذراعا، وينقص في عرضه من داخلها ذراعا وسدسا، وينقص في ذرع عرض
جدارها الغربي من خارجها ذراعا وثلث ذراع، وينقص في عرضه من داخلها ثلث
ذراع وثمن ذراع، وينقص في ذرع عرض جدارها اليماني من خارجها ذراعا
وقيراطين وينقص في عرضه من داخلها ثلثي ذراع، وكل ذلك بذراع الحديد.
ج / 1 ص -155-
ذكر شاذروان الكعبة وحكمه وشيء من
خبر عمارته:
أما شاذروان الكعبة: فهو الأحجار اللاصقة
بالكعبة التي عليها البناء المسنم المرخم في جوانبها الثلاثة: الشرقي،
والغربي، واليماني. وبعض حجارة الجانب الشرقي لا بناء عليه، وهو
شاذروان أيضا. وأما الحجارة اللاصقة بجدار الكعبة الذي يلي الحجر فليست
شاذروانا، لأن موضعها من الكعبة بلا ريب كما سبق بيانه.
والشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار أساس الكعبة حين ظهر على
الأرض كما هو عادة الناس في الأبنية، أشار إلى ذلك الشيخ أبو حامد
الأسفراييني وابن الصلاح، والنووي، ونقل ذلك عن جماعة من الشافعية
وغيرهم، والمحب الطبري1، وذكر أن الشافعي أشار إلى ذلك في "الأم"2،
ونقل عنه أنه قال: إن طاف عليه أعاد الطواف... انتهى.
وقد اختلف العلماء في حكم الشاذروان، فذهب الشافعي وأصحابه إلى وجوب
الاحتراز منه وعدم إجزاء طواف من لم يحترز منه، وهو مقتضى مذهب مالك
على ما ذكر ابن شاش، وابن الحاجب، وشارحه الشيخ خليل، وتلميذه صاحب
"الشامل" وغيرهم من متأخري المالكية، وأنكر ذلك بعض متأخري المالكية،
ولم يثبته في المذهب.
ومذهب الحنابلة: أن الاحتراز منه مطلوب، إلا أن عدم الاحتراز يفسد
الطواف.
ومذهب أبي حنيفة: أنه ليس من البيت على مقتضى ما نقل القاضي شمس الدين
السروجي من الحنفية عنهم. وهو اختيار جماعة من محققي العلماء على ما
ذكر القاضي عز الدين بن جماعة.
قلت: ينبغي الاحتراز منه، لأنه إن كان من البيت- كما قيل فالاحتراز منه
واجب، وإلا فلا محذور في ذلك، كيف والخروج من الخلاف مطلوب، وهو هنا
قوي، والله أعلم.
وبعض الناس يعارض القول بأن الشاذروان من البيت، بكون ابن الزبير رضي
الله عنهما بنى البيت على أساس إبراهيم عليه السلام كما جاء في خبر
بنيانه، وهذا المعارض لا يخلو من حالتين: أحدهما: أن يدعي أن ابن
الزبير، رضي الله عنهما استوفى البناء على جميع أساس جدران البيت بعد
ارتفاعها عن الأرض، والآخر: أن يدعي أن البناء إذا نقص من عرض أساسه
بعد ارتفاعه عن الأرض لا يكون مبنيا على أساسه، والأول لا يقوم عليه
دليل، لأن ما ذكر من صفة بناء ابن الزبير رضي الله عنهما البيت لا
يقتضي أن يكون بناء البيت مستوفيا على جميع أساس جدرانه بعد ارتفاعها
عن الأرض، ولا ناقصا عن أساسها، ووقوع هذا في بيانه أقرب من الأول، لأن
العادة جرت بتقصير عرض أساس الجدار بعد ارتفاعه لما في ذلك من مصلحة
البناء، وإذا كان هذا مصلحة فلا مانع من فعله، في البيت لما بني في زمن
ابن الزبير رضي الله عنهما، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرى: ص 349.
2 الأم: 2/ 170.
ج / 1 ص -156-
نعم في بناء ابن الزبير رضي الله عنهما له
على أساس إبراهيم دليل واضح على أنه أدخل في البيت ما أخرجته منه قريش
في الحجر، فإنه بنى ذلك على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا أساس
قريش.
والثاني: غير مسلم، لأن الجدار إذا اقتصر من عرضه بعد ارتفاعه عن الأرض
لا يخرجه ذلك عن كونه مبنيا على أساسه. وهذا مما لا ريب فيه، وإنكاره
مكابرة، والله أعلم.
ولم أدر متى كان ابتداء البناء في الشاذروان، ولم يبن مرة واحدة وإنما
بنى دفعات، منها: في سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة1، ولم أدر ما بني منه
في هذه السنة، ومنها في سنة ست وثلاثين وستمائة، وعلى ما ذكر ابن خليل
في "منسكه"، وينص2 لما بين ستة وثلاثين. وذكر أن في هذه السنة ختم
الشاذروان عند الحجر الأسود، ومنها: في آخر عشر الستين وستمائة، أو في
أوائل عشر السبعين وستمائة، لأن القاضي بدر الدين بن جماعة ذكر أنه رأى
الشاذروان في سنة ست وخمسين وستمائة، وهي مصطبة يطوف عليها بعض العوام،
ورآه في سنة إحدى وستين. وقد بني عليه ما يمنع من الطواف عليه على هيئة
اليوم. هكذا نقل عنه ولده القاضي عز الدين، فيما أخبرني به عنه خالي،
رحمهم الله تعالى.
وذكر القاضي عز الدين بن جماعة فيما أخبرني عنه خالي أيضا، أن ارتفاع
الشاذروان عن أرض المطاف في جهة باب الكعبة: ربع ذراع وثمن ذراع، وعرضه
في هذه الجهة نصف وربع.
وذكر الأزرقي أن طول الشاذروان في السماء ستة عشر أصبعا،وعرضه ذراع ...
انتهى3.
وقد نقص عرضه كما ذكر الأزرقي في بعض الجهات، وأفتى المحب الطبري عالم
الحجاز في وقت بوجوب إعادة مقداره على ما ذكره الأزرقي، وله في ذلك
تأليف نحو نصف كراس سماه "استقصاء البيان في مسألة الشاذروان".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 510.
2 هكذا بالأصل ولا معنى لها.
3 أخبار مكة 1/ 309.
ج / 1 ص -157-
ذكر حلية الكعبة المعظمة
ومعاليقها:
أول من حلاها في الجاهلية على ما قيل عبد المطلب
جد النبي صلى الله عليه وسلم بالغزالين الذهب اللذين وجدهما في زمزم
حين حفرها. ذكر ذلك الأزرقي واضطرب كلامه في أول من حلاها في الإسلام،
فنقل عن جده أن الوليد بن عبد الملك بن مروان أول من ذهب البيت في
الإسلام، وذكر في موضع آخر ما يخالف ذلك، لأنه قال: وبعث عبد الملك بن
مروان بالشمسيتين، وقدحين من قوارير، وضرب على الأسطوانة الوسطى الذهب
من أسفلها إلى أعلاها صفائح... انتهى1.
وذكر المسبحي ما يقتضي خلاف ما ذكره الأزرقي في أول من حلى الكعبة في
الإسلام، لأنه قال في أخبار سنة خمس وستين من الهجرة: وفيها استتم ابن
الزبير رضي الله عنهما بناء الكعبة، ويقال: إنه بناها بالرصاص المذوب
المخلوط بالورس، وجعل على الكعبة وأساطينها صفائح الذهب ومفاتحها
ذهب2... انتهى. نقلت ذلك هكذا من خط الحافظ رشيد الدين ابن الحافظ ركن
الدين المنذري في اختصاره لتاريخ المسبح، وإنما ذكر ذلك بنصه لما فيه
من إفادة تاريخ عمارة ابن الزبير رضي الله عنهما للكعبة، ولما فيه من
أنه بناها بالرصاص مع الورس، وذلك مما لم يذكره الأزرقي في خبر عمارته،
والله أعلم.
وقال الفاكهي في الأوليات بمكة: وأول من عمل الذهب على باب الكعبة في
الإسلام: عبد الملك بن مروان... انتهى3.
وذكر الفاكهي أن الوليد بن عبد الملك أول من جعل الذهب على ميزاب
الكعبة4... انتهى.
وذكر الأزرقي صفة الحلية التي عملت بأمر الوليد ومقدارها، لأنه قال:
فلما كان في خلافة الوليد بن عبد الملك بعث إلى واليه على مكة خالد بن
عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار فضرب منها على بابي الكعبة
صفائح الذهب، وعلى ميزاب الكعبة، وعلى الأساطين التي في باطنها، وعلى
الأركان في جوفها5.
وذكر الأزرقي أن الأمين محمد بن هارون الرشيد الخليفة العباسي أرسل إلى
سالم بن الجراح عامل له على موانئ مكة بثمانية عشر ألف دينار؛ ليضرب
بها صفائح الذهب على بابي الكعبة، فقلع ما كان على الباب من الصفائح،
وزاد عليها من الثمانية عشر ألف دينار، فضرب عليها الصفائح التي هي
عليه اليوم يعني في زمنه والمسامير، وحلقتي باب الكعبة، وعلى الفياريز،
والعتب6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة 1/ 2104، 224.
2 إتحاف الورى 2/ 77، وفيه أن ذلك كان سنة "74هـ"، الكامل لابن الأثير
4/ 87، ودرر الفرائد "ص: 198".
3 أخبار مكة للفاكهي 3/ 237.
3 أخبار مكة للفاكهي 3/ 237.
4 أخبار مكة للفاكهي 3/ 242، العقد الثمين 3/ 390.
5 أخبار مكة 1/ 212، 213.
6 أخبار مكة 1/ 212.
ج / 1 ص -158-
وذكر الأزرقي أن الحجبة كتبوا إلى الخليفة
المتوكل العباسي رقعة ذكروا فيها أن زاويتين من زوايا الكعبة من داخلها
ملبستين1 ذهبا وزاويتين فضة، وأن ذلك لو كان ذهبا كله كان أحسن وأزين،
وأن قطعة مركبة على بعض جدران الكعبة شبه المنطقة فوق الإزار الثاني من
الرخام، وذكروا أنه لو كان بدل تلك القطعة فضة في أعلا إزار الكعبة في
تربيعها كان أبهي وأحسن. وذكر الأزرقي أن المتوكل أنفذ لعمل ذلك، ولعل
ما كتب به إليه إسحاق بن سلمة الصائغ.
قال: وعمل إسحاق الذهب على زاويتي الكعبة من داخلها، فكان ما كان هنالك
من الفضة ملبسا، وكسر الذهب الذي كان على الزاويتين الباقيتين وأعاد
عمله، فصار ذلك أجمع على مثال واحد منقوشة مؤلفة ثابتة، وعمل منطقة من
فضة، وركبها فوق إزار الكعبة في تربيعها كلها منقوشة متصلا بهذه
المنطقة. ثم قال: وفي أعلا2 هذه المنطقة رخام منقوش، فألبس ذلك الرخام
ذهبا رقيقا، من الذهب الذي يتخذ للسقوف. قال: وكان في الجدار الذي في
ظهر الباب يمنة من داخل الكعبة: رزة كلاب من صفر يشد به الباب إذا فتح
بذلك الكلاب، لئلا يتحرك عن موضعه، فقلع ذلك الصقر، وصير مكانه فضة،
وألبس ما حول باب الدرجة فضة مضروبة. قال: وكانت عتبة الباب السفلي
قطعتين من خشب الساج قد رثتا ونخرتا من طول الزمان عليها، فأخرجهما
وصير مكانهما قطعة واحدة من خشب الساج، وألبسها صفائح فضة.
قال الأزرقي: وأخبرني إسحاق بن سلمة الصائغ أن مبلغ ما كان في الزوايا
من الذهب والطوق الذي حول الجزعة: نحوا من ثمانية آلاف مثقال، وأن ما
في منطقة الفضة، وما كان على عتبة الباب السفلى من الصفائح، وعلى كرسي
المقام من الفضة نحوا من سبعين ألف درهم، وما ركب من الذهب الرقيق على
جدران الكعبة وسقفها نحوا من مائة حق يكون في كل حق خمسة مثاقيل، هذا
ما ذكره الأزرقي من خبر حلية الكعبة3.
وأفاد السهيلي في تحلية الوليد بن عبد الملك للكعبة أمرا لم يفده
الأزرقي، وفي كلامه ما يقتضي أنه ليس أول من حلاها في الإسلام، ولنذكر
كلامه لإفادة ذلك، ونصه: ثم كان الوليد بن عبد الملك، فزاد في حليتها،
وصرف في ميزابها وسقها ما كان في مائدة سليمان عليه السلام من ذهب
وفضة، وكانت قد احتملت على بغل قوي فتفسخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في لأصل، والصحيح "ملبستان".
2 كذا في الأصل.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 301.
ج / 1 ص -159-
تحتها، فضرب منها الوليد حلية الكعبة،
وكانت قد احتملت إليه من طليطلة من جزيرة الأندلس، وكانت لها أطواق من
ياقوت وزبرجد1.... انتهى.
ولنذكر ما علمناه من خبر حليتها بعد الأزرقي على الترتيب، فمن ذلك: أن
وفد الحجبة كتبوا إلى الخليفة المعتضد العباسي يذكرون أن بعض عمال مكة
كان قد قلع ما على عضادتي باب الكعبة من الذهب فضربه دنانير، واستعان
به على حرب وأمور كانت بمكة بعد العلوي الخارجي بها في سنة إحدى وخمسين
ومائتين2 فكانوا يسترون العضادتين بالديباج، وأن بعض العمال بعده قلع
مقدار الربع من أسفل ذهب بابي الكعبة في سنة اثنتين وستين ومائتين3،
وجعل ذلك فضة مضروبة مموهة بالذهب، على مثال ما كان عليها، فإذا تمسح
به في أيام الحج بدت الفضة، حتى تجدد تمويهها في كل سنة وأن المعتضد
أمر بعمل ذلك وعمل ما رفع إليه، فعمل ذلك.
ومن ذلك: أن أم المقتدر الخليفة العباسي أمرت غلامها لؤلؤ بأن يلبس
جميع الأسطوانة الأولى التي تلي باب الكعبة الذهب، لأن التي تليها كانت
ملبسة بصفائح الذهب، وبقيتها مموهة، وذلك في سنة عشر وثلاثمائة4.
ومن ذلك: أن الوزير جمال الدين محمد بن علي بن أبي منصور المعروف
بالجواد وزير صاحب مصر أنفذ في سنة تسع وأربعين وخمسمائة رجلا من جهته
يقال له الحاجب، ومعه خمسة آلاف دينار لعمل صفائح الذهب والفضة في داخل
الكعبة وفي أركانها5.
وممن حلاها: الملك المظفر صاحب اليمن، وحليته لبابها، وقد تقدم مقدار
الحلية التي كانت على الباب الذي صنعه لها.
وحلاها حفيده الملك المجاهد صاحب اليمن، وأخبرت عمن رأى: اسم الملك
المجاهد مكتوب6 بقلم غليظ في أعلى الحائط الذي فوق باب الكعبة من
داخلها.
وقد تقدم أن الملك الناصر محمد بن قلاون الصالحي صاحب مصر حلى باب
الكعبة الذي عمله لها بخمسة وثلاثين ألف درهم وثلاثمائة درهم، وأن
حفيده الملك الأشرف شعبان بن حسين حلى باب الكعبة في سنة ست وسبعين
وسبعمائة7، فهذا ما علمته من حلية الكعبة بعد الأزرقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 224.
2 إتحاف الورى 2/ 329.
3 إتحاف الورى 2/ 338.
4 إتحاف الورى 2/ 368، أخبار مكة للأزرقي 1/ 291.
5 إتحاف الورى 2/ 514، العقد الثمين 2/ 212.
6 كذا بالأصل والصحيح "مكتوبا".
7 إتحاف الورى 3/ 2321، العقد الثمين 1/ 52، 5/ 10.
ج / 1 ص -160-
ذكر معاليق الكعبة وما أهدي
إليها في معنى الحلية:
قال المسعودي في أخبار الفرس: وكانت الفرس تهدي
إلى الكعبة أموالا في صدر الزمان وجواهر، وقد كان ساسان بن بابك أهدى
غزالين من ذهب وجواهر وسيوفا وذهبا كثيرا، فدفن في زمزم، وقد ذهب قوم
من مصنفي الكتب في التواريخ وغيرها من السير أن ذلك كان لجرهم حين كانت
بمكة، وجرهم لم تكن ذات مال فيضاف ذلك إليها، ويحتمل أن يكون لغيرها1،
والله أعلم... انتهى.
ويقال: إن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
بن كنانة القرشي أول من جعل في الكعبة السيوف المحلاة بالذهب والفضة
ذخيرة للكعبة، ذكر ذلك صاحب "المورد العذب الهني".
وذكر الأزرقي رحمه الله أشياء أهديت للكعبة، لأنه قال: حدثنا محمد بن
يحيى، عن الواقدي، عن أشياخه قال: لما فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه
مدائن كسرى كان مما بُعث إليه هلالان، فبعث بهما من يعلقهما في الكعبة،
وبعث عبد الملك بن مروان بالشمسيتين وقدحين من قوارير، ثم قال: وبعث
الوليد بن عبد الملك بقدحين، وبعث الوليد بن يزيد بالسرير الزينبي
وبهلالين، ثم قال: بعث أبو العباس يعني السفاح بالصفحة الخضراء، وبعث
أبو جعفر يعني أخاه المنصور بالقرورة الفرعونية وبعث المأمون بالياقوتة
التي تعلق كل سنة في وجه الكعبة في الموسم بسلسلة من ذهب، وبعث أمير
المؤمنين جعفر المتوكل بشمسية عملها من ذهب، مكللة بالدر الفاخر،
والياقوت الرفيع، والزبرجد، وسلسلة تعلق في وجه الكعبة في كل موسم.
وقال الأزرقي: حدثني سعيد بن يحيى البلخي قال: أسلم ملك من ملوك التبت2
وكان له صنم من ذهب يعبده في صورة إنسان، وكان على رأس الصنم تاج من
ذهب مكلل بخرز الجوهر، والياقوت الأحمر والأخضر، والزبرجد، وكان على
سرير مربع مرتفع على الأرض على قوائم، والسرير من فضة، وعلى السرير
فرشة الديباج، وعلى أطراف الفرش أزرار من ذهب وفضة مرخاة، والأزرار3
على قدر الكرسي في وجه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مروج الذهب 1/ 242.
2 في أخبار مكة 1/ 225: "التبت".
3 في أخبار مكة 1/ 225: "أزرار".
ج / 1 ص -161-
السرير، فلما أسلم ذلك الملك، أهدى السرير
والصنم إلى الكعبة، هذا ما ذكره الأزرقي في معاليق الكعبة، وما أُهدي
إليها في معنى الحلية.
ومما أُهدي لها من هذا القبيل في عهد الأزرقي، ولم يذكره: قفل فيه ألف
دينار، أهداه إليها المعتصم العباسي، ذكر ذلك الفاكهي، لأنه قال: ذكر
قفل الكعبة، وقال بعض المكيين: إن أمير المؤمنين المعتصم بالله بعث إلى
الكعبة بقفل فيه ألف دينار في سنة تسع عشرة ومائتين، وعلى مكة يؤمئذ
صالح بن العباس، فأرس صالح إلى الحجبة فدعاهم ليقبضهم القفل فأبى
الحجبة أن يأخذوه، فأجبرهم على ذلك، وأراد أن يأخذ قفلها الأول ويرسل
به إلى الخليفة، فكلموه فتركه عليهم، وأذن لهم في الخروج إليه، فخرجوا
إليه فكلموه فيها فترك قفلها هذا الذي عليها، وأعطاهم القفل الذي كان
بعث إليها، فقسموه بينهم1... انتهى.
وذكر المسبحي هذا القفل، وفيما ذكره ما يفهم منه غير ما ذكره الفاكهي،
لأنه قال في أخبار سنة تسع عشرة ومائتين وفيها وصل طاهر بن عبد الله بن
طاهر حاجا في عدد كثير من الجن بقفل فيه ألف مثقال من ذهب، فقفل به
البيت ونزع قفله الذي كان عليه، وكان مطليا، ويقال إن الحجاج عمله...
انتهى. نقلت ذلك من خط الرشيد بن المنذري في اختصاره لتاريخ المسبحي.
ومما أُهدي لها من هذا القبيل في عهد الأزرقي أو بعده بقليل: طوق من
ذهب مكلل بالزمرد والياقوت وغير ذلك، مع ياقوتة خضراء كبيرة ذكره
الفاكهي، لأنه قال: وأسلم ملك من ملوك السند في سنة تسع وخمسين ومائتين
فبعث إلى الكعبة بطوق من ذهب فيه مائة مثقال مكلل بالزمرد والياقوت
والماس، وياقوته خضراء وزنها أربعة وعشرون مثقالا فدفعها إلى الحجبة،
فكتبوا في أمرها إلى أمير المؤمنين المعتمد على الله، وأخذوا الدرة
فأخرجوها وجعلوها في سلسلة من ذهب، وجعلوا في وسط الطوق مقابله الياقوت
والزمرد، فجاء كتاب أمير المؤمنين بتعليقها، فعلقت مع معاليق الكعبة في
سنة تسع وخمسين ومائتين... انتهى.
ومما علق في الكعبة في عهد الأزرق أو بعده بقليل، قصبة من فضة فيها
كتاب، فيه بيعة جعفر بن المعتمد وبيعة أبي أحمد الموفق، ذكر ذلك
الفاكهي، لأنه قال: ثم قدم الفضل بن عباس الهاشمي مكة في موسم سنة إحدى
وستين، ومعه كتاب فيه بيعة جعفر ابن أمير المؤمنين المعتمد، وبيعة أبي
أحمد الموفق بالله أخي أمير المؤمنين، وما عقد له أمير المؤمنين
المعتمد، وبيعة أبي أحمد الموفق بالله أخي أمير المؤمنين، وما عقد له
أمير المؤمنين المعتمد على الله، فعمل لذلك قصبة من فضة، فيها ثلاثمائة
وخمسون.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخبار مكة للفاكهي 5/ 236.
ج / 1 ص -162-
درهما فضة ثم أدخل الكتاب فيه، وجعل على
رأس القصبة ثلاث رزات، وجعل للرزات ثلاث سلاسل من فضة، ثم دخل الكعبة
يوم الاثنين لأربع ليال خلون من صفر، ومعه محمد بن يحيى صاحب شرطته،
وهو يومئذ على الخراج والبريد والصوافي، فأقاما فيها حين علقت هذه
القصبة مع معاليق الكعبة، وذلك في صفر سنة اثنين وستين ومائتين1....
انتهى.
وأفاد الفاكهي في صفة الياقوتة التي بعثها المأمون ما لم يفده الأزرقي،
وهي أنها أكبر من الدرة اليتيمة، لأنه قال: وبعث أمير المؤمنين المأمون
بالياقوتة التي كانت تعلق كل سنة في وجه الكعبة بسلسلة من ذهب، وهي
أكبر من الدرة اليتيمة. حدثني حسن بن حسين الأزدي قال: حدثنا إسماعيل
بن مجمع قال: وزنت الدرة اليتيمة، فإذا وزنها مثالان ونصف وربع وعشر...
انتهى.
ومما أُهدي لها من هذا القبيل بعد الأزرقي: قناديل بعث بها المطيع
العباسي2، كلها فضة، خلا قنديلا منها كان ذهبا، زنته ستمائة مثقال، ذلك
في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة3.
ومن ذلك قناديل ومحاريب أهداها إلى الكعبة صاحب عمان، على ما ذكر أبو
عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك" ونص كلامه: وقد أهدى صاحب
عمان إلى الكعبة بعد العشرين وأربعمائة محاريب مبنية زنة المحراب أزيد
من قنطار، وقناديل في نهاية الإحكام، وسمرت المحاريب في الكعبة مما يل
بابها.... انتهى.
ومن ذلك: قناديل ذهب وفضة، أهداها للكعبة الملك المنصور عمر بن علي بن
رسول صاحب اليمن في سنة اثنين وثلاثين وستمائة.
ومن ذلك: قفل ومفتاح أهداه إليها الملك الظاهر بيبرس4 صاحب مصر، وركب
عليها القفل المذكور.
ومن ذلك: حلقتان من ذهب مرصعتان باللؤلؤ والبلخش، كل حلقة وزنها ألف
مثقال، وفي كل حلقة ست لؤلؤات فاخرات، وبينها ست قطع بلخش فاخر، بعث
بذلك الوزير علي شاه وزير السلطان أبي سعيد بن خرابنده ملك التتر على
يد الحاجي مولا واخ، في سنة ثمان عشرة وسبعمائة، ولما أراد تعليق ذلك
بباب الكعبة منعه منه أمير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 236، 237.
2 تولى الخلافة سنة 334 وبقي إلى سنة 363هـ.
3 إتحاف الورى 2/ 407، المنتظم 7/ 53، الجامع اللطيف "ص 112، درر
الفرائد "ص: 245".
4 ولي السلطنة في مصر سنة 658هـ" وظل بها حتى توفي "676هـ" شذرات الذهب
5/ 350.
ج / 1 ص -163-
الركب المصري في هذه السنة، وقال: هذا لا
يمكن إلا بإذن السلطان يعني صاحب مصر إذا ذاك وهو الناصر محمد بن قلاون
فقال الحاجي مولا واخ: إن الوزير علي شاه كان نذر متى ظفر بخواجه رشيد
الدولة وقتله أن يعلق على باب الكعبة حلقتين، فيقال إنه أذن له في
تعليقهما زمنا قليلا، ثم رفعتا، وأخذهما إذ ذاك رميثة بن أبي نُمَى من
آل قتادة1.
ومن ذلك: ما أخبرني به بعض فقهاء مكة: أربعة قناديل كبار، كل قنديل
منها على ما ذكر في مقدار الدورق: اثنان منها ذهب واثنان فضة، والمهدي
لذلك هو السلطان شيخ أويس صاحب بغداد، وذلك في أثناء عشر السبعين
وسبعمائة على ما ذكر، وذكر أن ذلك علق في الكعبة زمنا قليلا، ثم أزيل،
وأخذه أمير مكة عجلان بن رميثة... انتهى بالمعنى.
وأهدى الناس بعد ذلك للكعبة قناديل كثيرة، والذي في الكعبة الآن من
المعاليق ستة عشر قنديلا، منها ثلاثة فضة، وواحد ذهب، وواحد بلور،
واثنان نحاس، والباق زجاج حلبي، وهو تسعة بتقديم التاء.
وليس في الكعبة الآن شيء من المعاليق التي ذكرها الأزرقي ولا مما لم
يذكره مما ذكرنا سوى الستة عشر قنديلا، ولس فيها شيء من حلية الذهب
والفضة التي كانت في أساطينها وجدرانها، وسبب ذلك توالي الأيدي عليه من
الولاة وغيرهم على ما ذكر الأزرقي في تاريخه، ووقع ذلك أيضا بعده، فمن
ذلك ما وقع لأبي الفتوح الحسن بن جعفر العلوي2 حين خرج عن طاعة الحاكم
بأمر الله، ودعا لنفسه بالإمامة وتلقب بالراشد، لأنه أخذ من حليتها
وضربه دنانير ودراهم. وهي التي تسمى الفتحية، وأخذ بعد ذلك المحاريب
التي أهداها للكعبة صاحب عمان.
ومن ذلك: ما وقع لمحمد بن جعفر المعروف بابن أبي هاشم الحسيني3، لأنه
في سنة اثنتين وستين وأربعمائة أخذ قناديل الكعبة وستورها وصفائح الباب
لما لم يصله شيء من جهة المستنصر4 العبيدي صاحب مصر لاشتغاله عنه بما
هو فيه من القحط الذي كاد بسببه أن يستولي الخراب على إقليم مصر5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 160و 161، السلوك للمقريزي 2/ 1: 190، درر الفرائد
"ص: 296".
2 هو أمير مكة، تولاها مرتين، الأولى سنة 384- 401، والثانية سنة 403-
420هـ "انظر عنه الكامل في التاريخ 9/ 331- 332، وفيات الأعيان 2/ 174،
175، العقد الثمين 4/ 69".
3 ولي مكة سنة 461 إلى سنة 487هـ "إتعاظ الحنفاء- 2/ 269".
4 تولى خلافة مصر من سنة 427 إلى سنة 487هـ "إتعاظ الحنفاء 2/ 184،
185".
5 إتحاف الورى 2/ 472، العقد الثمين1/ 440- 443، الكامل لابن الأثير
10/ 22، البداية والنهاية 12/ 99، النجوم الزاهرة 5/ 84، تاريخ الخلفاء
"ص: 421"، درر الفرائد "ص: 256".
ج / 1 ص -164-
وقد ذكر الأزرقي في عقوبة من اجترأ على
ذلك، وفي التحذير منه أخبارا، منها:
ما نقله عن جده أحمد بن محمد الأزرقي، عن عبد الله بن زرارة: أنه كان
مال الكعبة يدعى الأبرق، ولم يخالط مالا قط بحقه، ولم يزرأ منه أحد إلا
بأن النقص في ماله، وأدنى ما يصيب صاحبه أن يشدد عليه الموت.
ومنها أن فتى من الحجبة حضرته الوفاة فاشتد عليه النزع جدا، حتى مكث
أياما ينتزع نزعا شديدا، فقال له أبوه لعلك أصبت من الأبرق شيئا يعني
مال الكعبة فقال: أربعمائة دينار، فأشهد أن عليه للكعبة أربعمائة دينار
فسري عن الفتى، ثم لم يلبث أن مات1.
هذا معنى الخبرين باختصار، وبالجملة فلا يجوز أخذ شيء من حلية الكعبة
لا للحاجة ولا للتبرك، لأن ما جعل للكعبة وسُبِّلَ لها يجري مجرى
الأوقاف، ولا يجوز تغييرها عن وجوهها، أشار إلى ذلك المحب الطبري في
"القرى"، قال: وفيه تعظيم للإسلام وترهيب على العدو2... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة 1/ 247.
2 القرى "ص: 638".
ذكر كسوة الكعبة المعظمة:
كسيت الكعبة في الجاهلية والإسلام أنواعا من
الكسى، منها: الخصف، والمعافر، والملاء، والوصائل، والعصب1، كساها ذلك
تبع الحميري، على ما ذكر ابن إسحاق2. وذكر ابن جريج أنه كساها العصب،
وأنه أول من كسى الكعبة كسوة كاملة. وذكر السهيلي أنه كساها المسوح
والأنطاع3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العصب: برود يمانية، والوصائل: جميع وصيلة وهي ثوب أحمر مخطط يماني،
والملاء، جمع ملاءة وهي ثوب لين رقيق، والمعافر: اسم بلد سميت به
الثياب المعافرة التي تصنع فيه، والخصف: جمع خصفة وهي الثوب الغليظ.
2 روى ابن هشام نقلا عن ابن إسحاق أن تبعا أول من كسا البيت وأوصى به
ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره. وجعل له بابا ومفتاحا.
3 المسوح: جمع مسح، وهو ثوب من الشعر غليظ، والأنطاع: جمع نطع، وهو
بساط من الجلد.
وقد ذكر الفاسي رواية السهيلي مقتضبة وتكملتها: أنه كساها بالخصف ثم
كساها بالمسوح والأنطاع، ثم كساها بالملاء والوصائل، ومن قوله حين كسى
البيت:
وكسونا البيت الذي حرم الله
ملاء معضدا وبرودا
فأقمنا به من الشهر عشرا
وجعلنا لبابه إقليدا
ونحرنا بالشعب ستة ألف
فترى الناس نحوهن ورودا
ثم سرنا عنه نؤم سهيلا
فرفعنا لواءنا معقودا
والقصيدة طويلة. "الروض الأنف 1/ 40، 41".
ج / 1 ص -165-
ومنها على ما ذكرت أم زيد بن ثابت
الأنصاري: مطارف خز خضر وصفر، وكرار، وأكسية من أكسية الأعراب، وسقاف
شعر.
ومنها على ما ذكر عمر بن الحكم السلمي: وصائل، وأنطاع، وكرار خز،
ونمارق عراقية.
ومنها: حبرات يمانية، كساها ذلك: أبو ربيعة المخزومي، وكساها ذلك: قريش
حين بنوا الكعبة كما في خبر أبي نجيح وفي رواية أنهم كسوها حينئذ
الوصائل.
ومنها أنماط فهذه كسوتها في الجاهلية على ما ذكره الأزرقي1.
وأما كسوتها في الإسلام على ما ذكر الأزرقي: فثياب يمانية كساها النبي
صلى الله عليه وسلم ذلك وقباطي من مصر كساها ذلك عمر، وعثمان رضي الله
عنهما وكساها عثمان أيضا برودا يمانية، وهو أول من ظاهر لها بين
كسوتين.
وكساها عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما كان يحلي به بدنه من
القباطي، والحبرات والأنماط.
وكساها معاوية رضي الله عنه الديباج، والقباطي، والحبرات، فكانت تكسى
الديباج يوم عاشوراء، والقباطي في آخر رمضان للفطر2.
وكساها يزيد بن معاوية: الديباج الخسرواني، وكساها الديباج أيضا ابن
الزبير رضي الله عنهما وعبد الملك بن مروان، ويقال في كل من هؤلاء
الثلاث إنه أول من كسى الكعبة الديباج.
وكساها ابن الزبير رضي الله عنهما حين فرغ من بنائها القباطي.
وكساها المأمون ثلاث كسى: الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي يوم
هلال رجب، والديباج الأبيض الذي أحدثه يوم سبع وعشرين من رمضان للفطر.
وهكذا كانت تكسى في زمن المتوكل العباسي.
وكساها حسين الأفطس العلوى كسوتين: من قز رقيق، إحداهما صفراء، والأخرى
بيضاء أمر بعملهما أبو السريا، هذا ملخص بالمعنى مما ذكره الأزرقي في
كسوة الكعبة في الجاهلية والإسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة 1/ 249 وما بعدها.
2 ذكر ابن هشام أن أول من كسى الكعبة بالديباج: الحجاج بن يوسف، وأنها
كانت تكسى قبل ذلك بالقباطي والبرود 1/ 132، وانظر: أخبار مكة 1/ 253،
و254.
ج / 1 ص -166-
وممن ذكر الأزرقي في أنه كسى الكعبة: أبو
بكر الصديق: رضي الله عنه ولم يذكر صفة كسوته، ولا وقت كسوة عبد الله
بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
كسى الكعبة1 ولم أر من صرح بأنه كساها. ولعله اشتغل عن ذلك بحروبه في
تمهيد أمر الدين مع الخوارج، والله أعلم.
ووقع فيما ذكره الأزرقي من كسوة الكعبة ذكره القباطي، والوصائل،
والحبرات، والعصب، والأنماط.
فأما القباطي: فهي جمع قبطية بالضم، وهو ثوب من ثياب مصر رقيق أبيض،
كأنه منسوب إلى القبط وهم أهل مصر، والضم فيها من تغيير النسب، وهذا في
الثياب، وأما في الناس فقبطي بالكسر لا غير.
وأما الوصائل: فثياب حمر مخططة يمانية.
وأما الحبرات: فجمع حبرة، وهو ما كان من البرود مخططا يقال له برد
حبرة، وبرد حبر على الوصف وعلى الإضافة، وهو ثياب اليمن.
وأما العصب فهو برود يمانية يعصب غزلها: أي: يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج،
بنأي: موشى ببقايا عصب، منه أبيض، ثم يأخذه صبغ يقال له برد عصب وبرود
عصب بالتنوين والإضافة.
وأما الأنماط: فضرب من البسط، وإحداها نمط، ذكر تفسير ذلك كله على ما
ذكرنا من يعتمد من العلماء رحمهم الله تعالى.
وممن كسى الكعبة على ما قيل ولم يذكره الأزرقي: إسماعيل النبي عليه
الصلاة والسلام أخبرني خالي عن ابن جماعة قال: وقد روى عبد الرزاق، عن
ابن جريج قال: وزعم بعض علمائنا أن أول من كسى الكعبة إسماعيل النبي
عليه الصلاة والسلام والله أعلم بذلك... انتهى باختصار.
ومنهم: عدنان بن أد: وهو أول من كساها على ما قيل لأن الزبير بن بكار
قال في كتابه "النسب": ويقال: إن عدنان بن أد خاف أن يدرس البيت، فوضع
أنصابه، فكان أول من وضعها، وأول من كسى الكعبة أو كسيت في زمانه...
انتهى.
ومنهم: خالد بن جعفر بن كلاب على ما ذكر السهيلي2 نقلا عن الماوردي،
ونص كلام السهيلي بعد أن ذكر شيئا في كسوة الكعبة، ويزيد هنا ما ذكره
الماوردي3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع أخبار مكة 1/ 253.
2 الروض الأنف 1/ 224.
3 الأحكام السلطانية "ص: 162".
ج / 1 ص -167-
قال: أول من كسى الكعبة الديباج: خالد بن
جعفر بن كلاب وجد لطيمة تحمل البر1، ووجد فيها أنماطا فعلقها على
الكعبة 2... انتهى.
وسبقهما إلى ذلك الفاكهي، لأنه قال: وحدثنا محمد بن أبي عمر وعبد
الجبار بن العلاء، يزيد أحدهما على صاحبه، قالا: حدثنا سفيان، عن مسعر،
عن خشرم، قال: أصاب خالد بن جعفر لطيمة في الجاهلية فيها نمط من ديباج،
فأرسل به إلى الكعبة وبسط عليها3... انتهى.
ومنهم: أم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنها كستها الحرير والديباج،
على ما ذكر أبو عبيدة فيما نقله عنه ابن الحاج في منسكه، ونقل عن أبي
عبيدة أن سبب كسوتها للكعبة أنها أضلت العباس رضي الله عنه صغيرًا،
فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة، فلما وجدته كستها ذلك، وهي أو عربية
كست الكعبة الديباج على ما ذكر السهيلي وغيره، وذكر الزبير بن بكار أن
الذي أضلته أم العباس رضي الله عنها ونذرت أن تكسو البيت إن رده الله
عليها: ابنها ضرار بن عبد المطلب شقيق العباس رضي الله عنه وذكر أنها
كانت تنشده بأبيات، ثم قال: فأتاها به رجل من جذام، فكست البيت ثيابا
بيضا، والله أعلم.
وكسيت الكعبة بعد الأزرقي أنواعا من الكساء، فمن ذلك: الديباج الأبيض
الخراساني، والديباج الأحمر الخراساني، على ما ذكر ابن عبد ربه في
"العقد"، ولنذكر كلامه بنصه لإفادته ذلك وغيره من أمر كسوة الكعبة، قال
بعد أن ذكر شيئا من خبرها: والبيت كله مستوف إلا الركن الأسود فإن
الأستار تفرج عنه مثل القامة ونصف،وإذا دنا وقت الموسم كسي القباطي،
وهو ديباج أبيض خراساني، فيكون في تلك الكسوة ما دام الناس محرمين،
فإذا أحل الناس وذلك يوم النحر حل البيت فكسي الديباج الأحمر
الخراساني، وفيه دارات مكتوب فيها حمد الله وتسبيحه وتكبيره وتعظيمه،
فيكون كذلك إلى العام القابل، ثم يكسى أيضا على حال ما وصفت، فإذا كثرت
الكسوة فخشي على البيت من ثقلها خفف منها، فأخذ ذلك سدنة البيت وهم بنو
شيبة... انتهى كلام صاحب العقد بنصه4. وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين
وثلاثمائة على ما ذكره الذهبي في "العبر"5 وغيرها. ورأيت في كتابه
"العقد" ما يقتضي أنه عاش بعد ذلك سنين كما بيناه في أصل هذا الكتاب،
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وفي الأحكام السلطانية: "أصاب لطمة في الجاهلية، وفيها نمط ديباج
فناطه بالكعبة".
2 الأحكام السلطانية "ص: 162".
3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 231، فتح الباري 3/ 459، وفيه: من "جرة" بدلا
من "حشرم".
4 العقد الفريد 6/ 257، 258.
5 العبر في خبر من غير 2/ 211، 212.
ج / 1 ص -168-
ومن ذلك الديباج الأبيض في زمن الحاكم
العبيدي، وفي زمن حفيده المستنصر العبيدي، كساها ذلك الصليحي صاحب
اليمن ومكة، وكساها أبو النصر الأستراباذي كسوة بيضاء من عمل الهند في
سنة ست وستين وأربعمائة1، وكسيت في هذه السنة الديباج الأصفر، وهذه
الكسوة عملها السلطان محمود بن سبكتكين، ثم ظفر بها نظام الملك وزير
السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان السلجوقي، فأرسل بها إلى مكة، وجعلت فوق
كسوة أبي النصر2.
وكسيت أيضا كسوة خضراء، وذلك في مبدأ خلافة الناصر العباسي، ولعلها كنت
تكسى ذلك من قبل، والله أعلم.
وكسيت في زمنه أيضا كسوة سوداء، وفيها طراز أصفر، وكان قبل ذلك أبيض
واستمرت فيما أحسب تكسى الديباج الأسود إلى الآن، إلا أن في سنة ثلاث
وأربعين وستمائة كسيت ثيابا من القطن مصبوغة بالسواد، كساها ذلك:
العفيف منصور بن منعة البغدادي شيخ الحرم بمكة، لما تمزقت كسوتها من
الريح الشديدة التي وقعت بمكة في هذه السنة، ووجدت بخط الميورقي ما
يقتضي أن هذه الريح كانت في سنة أربع وأربعين وستمائة3، والله أعلم.
ولما عريت الكعبة من هذا التاريخ أراد صاحب اليمن الملك المنصور أن
يكسوها، فقال له ابن منعة: لا يكون هذا إلا من جهة الديوان يعني
الخليفة العباسي ولم يكن عند ابن منعة شيء لأجل ذلك، فاقترض ثلاثمائة
مثقال، واشترى بها الثياب المشار إليها، وصبغها بالسواد، وركب فيها
الطرز القديمة التي كانت في كسوة الكعبة، وكساها بذلك.
وفي سنة عشر وثمانمائة أحدث في كسوة الجانب الشرقي من الكعبة جامات
منقوشة بالحرير الأبيض4 وصنع ذلك في سنة إحدى عشر، وفي سنة اثنتي عشرة
وفي سنة ثلاث عشرة، وفي سنة أربع عشرة، وترك ذلك في سنة خمس عشرة
وثمانمائة وجعلت كسوة هذا الجانب كلها سوداء من غير جامات كما كانت
أولا، وكذلك في سنة ست عشرة وثمانمائة، وفي سنة سبع عشرة وثمانمائة،
وفي سنة ثماني عشرة وثمانمائة، ثم جعلت في كسوة الجانب الشرقي جامات
منقوشة بالحرير الأبيض فيما تحت الطراز إلى أسفل الكسوة في كل شقة من
هذا الجانب، وذلك في سنة تسع عشرة وثمانمائة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 475، العقد الثمين 3/ 261.
2 إتحاف الورى 2/ 476، النجوم الزاهرة 5/ 95.
3 إتحاف الورى 3/ 62، 63، البداية والنهاية 3/ 171، 172، درر الفرائد
"ص: 277".
4 إتحاف الورى 3/ 459، درر الفرائد "ص: 318".
ج / 1 ص -169-
وعمل في هذه السنة لباب الكعبة ستارة عظيمة
الحسن أحسن من الستائر الأولى التي شاهدناها1.
والجامات المشار إليها مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله،
بالبياض، وكان ذلك مكتوبا في الشقاق التي أحدثت سنة عشرة وثمانمائة
وذلك دوائر. واستمرت الجامات اليض المشار إليها خمس سنين متوالية بعد
سنة تسع عشرة وثمانمائة، ثم أزيلت وعوض عنها بجامات سود في سنة خمس
وعشرين وثمانمائة2.
وفي كسوة الكعبة طراز من حرير أصفر، وكان قبل ذلك أبيض على ما أدركناه،
وأول ما عمل أصفر قبل سنة ثمانمائة بسنة أو سنتين، وفي الطراز مكتوب
آيات من القرآن العظيم في الجانب الشرقي قوله تعالى:
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى
لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ
دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عَنِ الْعَالَمِينَ}
[آل عمران: 96، 97] وفي الجانب الغربي:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ
وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ
عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128] وفي الجانب اليماني:
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ
وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}
[المائدة: 79] وفي الجانب الشامي اسم صاحب مصر وأمره بعمل هذه الكسوة،
وهذا الطراز المذكور في نحو الربع الأعلى من البيت.
وذكر بعض العلماء حكمة حسنة في سواد الكعبة؛ لأنا روينا عن ابن أبي
الصيف مفتي مكة أن بعض شيوخه قال له: يا محمد تدري لم كسي البيت
السواد؟ فقال: لا، قال: كأنه يشير إلى أنه فقد أناسا كانوا حوله فلبس
السواد حزنا عليهم، وهذا معنى كلام ابن أبي الصيف.
ولمهلهل الدمياطي الشاعر في سواد كسوة الكعبة والقفل:
يروق لي منظر البيت العتيق إذا بدت
لطرفي في الإصباح والطفل
كأن حليتها السواد قد نسجت
من حبة القلب أو من أسود المقل3
وكسوتها في هذه السنة، وفيما قبلها من سبعين سنة من الوقف
الذي وقفه السلطان الملك الصالح4 إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن
قلاوون صاحب مصر أيام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 536.
2 إتحاف الورى 2/ 587، تاريخ الكعبة المعظمة "ص: 261".
3 كذا ورد في الأصل.
4 هو أبو الفداء عماد الدين. تولى السلطنة من سنة 743- 746هـ "انظر عنه
كتاب النور اللائح والدر الصادح في اصطفاء مولانا السلطان الملك
الصالح، تأليف إبراهيم بن القيسراني، طبعة دار الإنشاء بطرابلس 1982.
ج / 1 ص -170-
سلطنته- على كسوة الكعبة في كل سنة، وعلى
كسوة الحجرة النبوية والمنبر النبوي في كل خمس سنين مرة، وهذا الوقف
قرية بضواحي القاهرة في طريق القليوبية مما يلي القاهرة اشتراها الملك
الصالح من بيت المال ووقفها على ما ذكر فيها، ولم يكسها أحد من الملوك
بعد ذلك إلا أخوه الملك الناصر حسن، إلا أن كسوته لم تكن لظاهر الكعبة،
وإنما هي لباطنها، وهي الكسوة التي في جوفها الآن. وبلغني أنها كانت
أطول من هذا بحيث تصل إلى الأرض، وهي الآن سائرة لمقدار النصف الأعلى
وسقفها، وهي حرير أسود، وفيها جامات مزركشة بالذهب وهي الآن ساترة
لمقدار النصف الأعلى وسقفها، وهي حرير أسود، وفيها جامات مزركشة
بالذهب، ما خلا شقة من السقف بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب،
فإنها كمخة حرير حمراء، وفي وسطها جامة كبيرة مزركشة بالذهب،وكان إرسال
السلطان حسن بهذه الكسوة في سنة إحدى وستين وسبعمائة1.
وبلغني أنه كان في جوف الكعبة قبلها كسوة للملك المظفر صاحب اليمن،
والملك المظفر أول من كسا الكعبة من الملوك بعد انقضاء دولة بني العباس
من بغداد وذلك في سنة تسع وخمسين وستمائة2 واستمر يكسوها عدة سنين مع
ملوك مصر وانفرد بكسوتها في بعض السنين، وكان المتولي لذلك غالبا.
وأول من كساها من ملوك مصر بعد بني العباس الملك الظاهر بيبرس
البندقداري الصالحي. وأول سنة كسى فيها الكعبة سنة إحدى وستين
وستمائة3.
وممن كسا الكعبة من غير الملوك: الشيخ أبو القاسم رامشت صاحب الرباط
بمكة، كساها من الحبرات، وغيرها، فكانت كسوته بثمانية عشر ألف دينار
مغربية: على ما قال ابن الأثير4:، وقيل بأربعة آلاف دينارن وذلك في سنة
اثنتين وثلاثين وخمسمائة5.
والكعبة تكسى في عصرنا هذا يوم النحر من كل سنة، إلا أن الكسوة في هذا
اليوم تسدل عليها من أعلاها، ولا تسبل حتى تصل إلى منتهاها على العادة،
وهي شاذوران الكعبة إلا بعد أيام من يوم النحر، ويأخذ سدنتها بنو شيبة
يوم النحر ما بقي على الكعبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 280، العقد الثمين 1/ 59.
2 العقد الثمين 7/ 489، العقود اللؤلؤية 1/ 133- 135 إتحاف الورى 3/
84، غاية الأماني 1/ 450.
3 إتحاف الورى 3/ 87، درر الفرائد "ص: 280 العقد الثمين 1/ 59.
4 الكامل في التاريخ 11/ 615.
5 الكامل لابن الأثير 11/ 27، البداية والنهاية 12/ 212، إتحاف الورى
2/ 505، العقد الثمين 4/ 386 درر الفرائد "ص: 259".
ج / 1 ص -171-
من كسوتها القديمة، وهو مقدار نصفها
الأعلى، وأخذهم للنصف الأسفل في سابع عشرين ذي القعدة من كل سنة.
وذكر ابن جبير في أخبار رحلته ما يفهم أن كسوة الكعبة تشمر في اليوم
السابع والعشرين من ذي القعدة، ولا تقطع، لأنه قال بعد أن ذكر فتح
الكعبة في هذا اليوم فتحا عاما للسرور: "في هذا اليوم المذكور الذي هو
السابع والعشرون من ذي القعدة شمرت أستار الكعبة المقدسة إلى نحو قامة
ونصف من الجدار من الجوانب على العادة دائما في الوقت المذكور من
الشهر1... انتهى.
وفي هذا مخالفة لما يفعله الحجبة اليوم من وجهين، أحدهما: أنهم يشمرون
كسوة الكعبة في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة في كل سنة من
جوانبها الأربعة، إلى عتبة الباب السفلي، وكانوا يصنعون ذلك بعد العصر
في هذا اليوم، ثم صاروا يصنعونه في أول نهار.
والوجه الثاني: أنهم في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة في كل سنة
يقطعون كسوة الكعبة من فوق الباب مع ما شمروه من قبل.
وكلام ابن جبير لا يقتضي قطع ذلك في السابع والعشرين، وإنما يقتضي
تشميره فيه، ولعل ذلك لكون الحجاج الذين تكثر رغبتهم في تحصيل كسوة
الكعبة بالشراء وغيره، وهم الحجاج العراقيون لا يصلون للحج غالبا، إلا
موافين ليوم عرفة، ويقصدونها قبل مكة، خيفة فوات الوقوف، وإذا كان كذلك
فلا فوت على الحجبة في ذلك الزمان في تأخيرهم قطع كسوة الكعبة في
السابع والعشرين، وتأخير قطعها إلى أيام منى، أو أخذ الكسوة فيها جملة
عند وصول الكسوة الجديدة.
ولعل سبب قطع الحجبة لكسوة الكعبة في السابع والعشرين من ذي القعدة،
كون الحجاج من مصر والشام صاروا يقدمون إلى مكة في أوائل العشر الأول
من ذي الحجة، فإذا أخر الحجبة قطع ذلك، أو أخذ الكسوة جملة إلى أيام
منى فاتت الحجبة بعض مقصودهم من بيع الكسوة في العشر الأول من ذي
الحجة، والله أعلم.
وذكر ابن جبير ما يقتضي أن الكعبة لا تكسى في يوم النحر، وإنما تكسى في
يوم النقر الثاني، لأنه قال: وفي يوم النحر -المذكور- سيقت كسوة الكعبة
المقدسة من محلة الأمير إلى مكة على أربعة جمال تقدمها القاضي الجديد
بكسوة الخليفة السوادية والرايات على رأسه والطبول تهز2 وراءه، ثم قال:
فوضعت الكسوة في السطح المكرم أعلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 143".
2 بمعنى: تصخب.
ج / 1 ص -172-
الكعبة، فلما كان يوم الثلاثاء: الثالث عشر
من الشهر المبارك المذكور اشتغل الشيبيون بإسبالها خضراء يانعة تقيد
الأبصار حسنا، ثم قال بعد وصفه للكسوة: فحملت كسوتها، وشمرت أذيالها
الكريمة صونا لها من أيدي الأعاجم وشدة اجتذابها وقوة تهافتهم عليها
وانصبابها1... انتهى.
وهذا يخالف ما يفعل اليوم من إسدال الكسوة على الكعبة وتشميرها في يوم
النحر، وما يفعل اليوم من كسوة الكعبة في يوم النحر يوافق ما ذكره ابن
عبد ربه2، وفي هذا العصر من نحو أربع سنين لا يؤتى بكسوة الكعبة من منى
في يوم النحر، وإنما يأتي أمير الحاج المصري ومعه أعلامه والدباب،
والبوقات تضرب معه حتى يدخل المسجد ويخرج إليه كسوة الكعبة من جوفها،
فتنتشر في المسجد في صحنه مما يلي الشق اليماني، فتبرز كسوة كل شق،
ويرفعها أعوان الأمير مع الحجبة إلى أعلا الكعبة، حتى تكمل، وتسدل على
الكعبة على الصفة السابقة، وموجب وضعها في الكعبة قبل الحج: صونها من
السرقة، لأنه قبل ذلك سرق بعضها من محل الأمير بمنى، ثم عادت إليه بشيء
بذله، وصار الأمراء بعده يصونونها في الكعبة عند توجههم من مكة إلى
الموقف.
وفي سنة ثماني عشر وثمانمائة كُسيت الكعبة في رابع ذي الحجة إسبالا على
نصفها الأعلى3 ولم تُكس في سنة تسع عشر إلا في يوم النحر، على العادة
القديمة التي أدركناها، وعشرين وثمانمائة وكسيت في ثلاث سنين متوالية
بعد ذلك في هذا التاريخ، أو بعده قبل اليوم السادس من ذي الحجة، ثم
كسيت في سنة خمس وعشرين وثمانمائة في يوم النحر ضحى4، 5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 157، 158".
2 العقد الفريد "6/ 257".
3 إتحاف الورى 3/ 528، وتاريخ الكعبة المعظمة "ص: 268".
4 إتحاف الورى 3/ 587، تاريخ الكعبة المعظمة "ص: 261".
5 واستمرت الكسوة من مصر حتى بعد دخولها سنة 923 تحت حكم العثمانيين،
الذين أخذوا على أنفسهم كسوة الحجرة النبوية وكسوة الكعبة من الداخل
والطيب والعطور وزيت القناديل.
وبقي الأمر كذلك حتى تولى محمد على باشا حكم مصر، وحل الوقف الخاص
بالكسوة، وأنشأ إدارة حكومية لصنع الكسوة وتعهدت الحكومة المصرية آنذاك
بالإنفاق على صناعة الكسوة.
وفي اليوم الرابع من شهر المحرم سنة 1218م دخل الإمام سعود الكبير ابن
الإمام عبد العزيز مكة المكرمة حرمها الله في عهد أبيه، ولم يدرك الحج
ولا حفل كسوة الكعبة، ولكنه علم ما يصحب الكسوة من بدع فأراد منع
تكراره فيما يأتي من أعوام.
وانقطعت الكسوة سبع سنوات، كان الإمام سعود يتولى كسوة الكعبة، كساها
سنة 1221هـ من القز الأحمر، ثم كساها فيما تلاها من أعوام بالديباج
الأسود والقيلان الأسود، وجعل أزرار الكسوة وستارة الكعبة من الحرير
الطبيعي الأحمر المطرز بالذهب والفضة. ثم عاد وصول الكسوة من مصر خلال
الفترة من سنة 1333هـ إلى سنة 1341هـ حين عادت الكسوة التى أرسلتها
مصر، واستعين بالكسوة التي صنعت بالأستانة، حتى دخل الملك عبد العزيز
آل سعود مكة المكرمة في 8 جمادى الأولى عام 1343هـ وصار هو المسؤول عن
المسجد الحرام، والكعبة المعظمة، والكسوة الشريفة.
ج / 1 ص -173-
ونختم هذه الترجمة بمسألة تتعلق بكسوة
الكعبة، وهي أن العلماء اختلفوا في جواز بيع كسوة الكعبة، فنقل جواز
ذلك عن عائشة، وابن عباس، وجماعة من الفقهاء الشافعية وغيرهم، ومنع من
ذلك ابن القاضي وابن عبدان، من الشافعية.
وذكر الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي1 الشافعي في قواعده:
أنه لا يتردد في جواز ذلك الآن، لأجل وقف الإمام ضيعة معينة على أن
يصرف ريعها في كسوة الكعبة، والوقف بعد استقرار هذه العادة، والعلم
بها، فينزل لفظ الواقف عليها. قال: وهذا ظاهر لا يعارضه المنقول
المتقدم... انتهى باختصار.
وكان أمراء مكة يأخذون من السدنة ستارة باب الكعبة في كل سنة، وجانبا
كبيرا من كسوتها، أو ستة آلاف درهم كاملية عوضا عن ذلك، فسمح لهم بذلك
الشريف عنان بن مغامس بن رميثة بن أبي نمي لما ولى إمرة مكة في آخر سنة
ثمان وثمانين وسبعمائة2، وجرى على ذلك الأمراء من بعده في الغالب، ثم
إن السيد حسن بن عجلان بعد سنين من ولايته لمكة صار يأخذ منهم ستارة
باب الكعبة وكسوة مقام إبراهم ويهدي لمن يرجوه من الملوك وغيرهم، والله
الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع ترجمته في الدرر الكامنة 2/ 90- 92 رقم 1666.
2 إتحاف الورى 3/ 357، العقد الثمين 6/ 441.
ذكر طيب الكعبة وأخدامها:
روينا من تاريخ الأزرقي عن عائشة رضي الله عنها
قالت: طيبوا البيت، فإن ذلك من تطهيره.
وروينا فيه عنها رضي الله عنها قالت: لأن أطيب الكعبة أحب إلي من أن
أهدِي ذهبا وفضة.
وروينا فيه عن أبي نجيح قال: إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أجرى
للكعبة وظيفة الطيب بكل صلاة، وكان يبعث لهما المجمر والخلوق في الموسم
وفي رجب، وأخدمها عبيدا، ثم اتبعت ذلك الولاة بعده1.
وروينا في تاريخ الأزرقي أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما كان
يجمر الكعبة كل يوم برطل من مجمر، ويجمر الكعبة كل جمعة برطلين من
مجمر2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 254.
2 أخبار مكة للأزرقي 1/ 257.
ج / 1 ص -174-
وقال المحب الطبري: المجمر ما يتجمر به وهو
العود الرطب، وبالضم ما يتجمر به، والخلوق طيب معروف يتخذ من الزعفران
وغيره من أنواع الطيب، ويغلب عليه الصفرة والحمرة. وقال: قال الإمام
أبو عبد الله الحليمي: روي عن سعيد بن جبير أنه كان يكره أن يؤخذ من
طيب الكعبة يستشفى به، وقال: قال عطاء: كان أحدنا إذا أراد أن يستشفي
به جاء بطيب من عنده فمسح به الحجر، ثم أخذه، ذكره ابن الصلاح في
منسكه... انتهى.
وذكر النووي أنه لا يجوز أخذ شيء من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره،
ومن أخذ شيئا من ذلك لزمه رده، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده،
فمسحها به ثم أخذه... انتهى.
ذكر أسماء الكعبة المعظمة:
للكعبة المعظمة أسماء شريفة منها: الكعبة، ومنها
بكة: بالباء الموحدة ومنها: البيت الحرام، ومنها: البيت العتيق، ومنها:
قادس، ومنها: نادر1، ومنها: القرية القديمة، وهذه الأسماء الثلاثة
الأخيرة مذكورة في تاريخ الأزرقي.
وسميت الكعبة بالكعبة: لتكعيبها وهو تدويرها.
قال القاضي عياض في "المشارق" لما ذكر الكعبة قال: الكعبة هو البيت
نفسه لا غير، سمي بذلك لتكعيبها وهو تربيعها، وكل بناء مرتفع مربع
كعبة.
وقال النووي: سميت بذلك لاستدارتها وعلوها، وقيل: لتربيعها في
الأصل2... انتهى.
وممن قال إنها سميت بالكعبة لكونها على حلقة الكعب: ابن أبي نجيح، وابن
جريج.
وسميت بكة لأنها تبك أعناق الجبابرة، وقيل غير ذلك.
واختلف في معنى البيت العتيق، فقيل: لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة
فلم ينله جبار قط، أو لم يقدر عليه جبار وقيل: غير ذلك، والصحيح الأول
على ما ذكر ابن جماعة.
ومن أسمائها: البنية بباء موحدة ونون وياء مثناة من تحت مشددة، ذكر هذا
الاسم لها القاضي عياض في "المشارق" لأنه قال في حرف الباء لما ذكر
البيت العتيق: والبنية اسم للكعبة... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في أخبار مكة للأزرقي "ناذر" بالذال المعجمة "1/ 280".
2 تهذيب الأسماء واللغات 2/ 2: 124.
ج / 1 ص -175-
وذكر ابن الأثير في "النهاية" ما يدل لذلك،
لأنه قال: وفي حديث البراء بن معرور رضي الله عنه رأيت أن لا أجعل هذه
البنية مني بظهر يريد الكعبة وكانت تدعى بنية إبراهيم عليه السلام لأنه
بناها وقد كثر قسمهم برب هذه البنية ... انتهى.
وذكر الأزرقي ما يشهد لذلك، لأنه روى خبرا عن الواقدي فيه أذان بلال
رضي الله عنه للظهر يوم فتح مكة على ظهر الكعبة، وسماع قريش لذلك،
وإنكارهم له. وفيه: وقال الحكم بن أبي العاص: هذا والله الحدث الجلل أن
يصبح عبد بني جمح ينهق على بنية أبي طلحة1... انتهى.
وأبو طلحة هو عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن
كلاب حاجب الكعبة، ولذلك أضافها الحكم إليه، والله أعلم.
ومن أسمائها: الدوار بضم الدال المهملة وفتحها وتشديد الواو وبعدها ألف
وراء مهملة، ذكر ذلك ياقوت في مختصره لمعجم البلدان2، وذكر أن ابن
القطان حكى الوجهين اللذين ذكرهما في ضبطه، وذكر أن دوار أيضا: شجر
باليمامة، وضبطه بالوجهين أيضا، وذكر هذا الاسم شيخنا القاضي مجد الدين
الشيرازي في كتابه "الوصل والمنى في فضل منى".
ومن أسمائها: المسجد الحرام لقوله تعالى:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام}
[البقرة: 144] والمراد به الكعبة بلا خلاف. وقد ورد إطلاق المسجد
الحرام على غير الكعبة، وبينا ذلك في الباب الخامس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 275.
2 المشترك وضعا والمفترق صقعا "ص: 183".
ذكر هدم الحبشي الكعبة في آخر الزمان:
روينا في مسند أحمد بن حنبل1، وفي "المعجم
الكبير" للطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:
"يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلبها
حليتها، ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصلع2
أقرع يضرب عليها بمساحته ومعوله".
وروينا في تاريخ الأزرقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه كان
يقول: كأني به أصيلع أقيرع3 قائما عليها يهدمها بمسحاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مسند أحمد 2/ 220.
2 في الأصل أبدع.
3 في أخبار مكة للأزرقي 1/ 276: "أفيدع".
ج / 1 ص -176-
وروينا في تاريخ الأزرقي أيضا أنه قال:
والذي نفس عبد الله بيده إن لأنظر إلى صفته في كتاب الله عز وجل أفيحج1
أصيلع، قائما يهدمها بمساحته2.
وروينا في تاريخ الأزرقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني أنظر
إليه حبشيا أصيلع أصيمع2 قائما عليها يهدمها بمساحته.
وروينا فيه وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
"يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة"3.
وروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال:
"كأني به أسود أفحج يقلعها حجرًا حجرًا"4.
وجزم السهيلي بأن تخريب الحبشي للكعبة يكون بعد رفع القرآن، وذلك بعد
موت عيسى عليه السلام على ما ذكر ابن جماعة قال: وصححه بعض العلماء
المتأخرين، ونقل عن الحليمي أن ذلك في زمن عيسى عليه السلام، والله
أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أفيحج: تصغير أفحج، يقال: فحج في مشيته إذا تدانى صدور قدميه وتباعد
عقباه فهو أفحج.
2 خبار مكة للأزرقي 1/ 276.
3 رواه البخاري 3/ 368 "الحج، باب هدم الكعبة"، "وباب قول الله تعالى:
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ
الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}
[المائدة: 97] ومسلم "2909" في "الفتن، باب: لا تقوم الساعة حتى يمر
الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء".
4 أخرجه البخاري 3/ 368: "باب هدم الكعبة".
ذكر وقت فتح الكعبة في الجاهلية والإسلام:
روينا في تاريخ الأزرقي عن سعيد بن عمرو الهذلي
عن أبيه قال: رأيت قريشا في الجاهلية يفتحون الكعبة يوم الاثنين
والخميس1، وذكر ذلك الفاكهي، وذكر أيضا أنها كانت تفتح في الجاهلية يوم
الجمعة لأنه قال: حدثنا أحمد بن صالح بن سعيد عن محمد بن عمرو السلمي،
حدثني عبد الله بن يزيد عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال: رأيت قريشا في
الجاهلية يفتحون البيت يوم الاثنين ويوم الجمعة2... انتهى.
وروينا فتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس: عن عثمان بن طلحة
الحجبي من طريق ابن سعد.
وذكر ابن جبير في أخبار رحلته وكانت سنة تسع وسبعين وخمسمائة أن الكعبة
تفتح كل يوم اثنين ويوم جمعة إلا في رجب فتفتح كل يوم3... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 174.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 233.
3 رحلة ابن جبير: "ص: 113.
ج / 1 ص -177-
قلت: وفتحها يوم الجمعة مستمر إلى الآن،
وفتحها يوم الاثنين متروك، إلا أنه وقع في شهر رمضان، وشوال، وذي
القعدة، من سنة إحدى وثمانمائة1، واختص النساء بدخولها في هذا اليوم
لأمر أوجب ذلك.
وتفتح الكعبة غير يوم الجمعة أيضا، وذلك في أوقات متعددة من كل سنة،
منها: في بكرة اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل سنة، ومنها: في
بكرة اليوم التاسع والعشرين من رجب من كل سنة، ويختص النساء بدخولها في
هذا اليوم أكثر من الرجال، وذلك قبل غسلها.
ومنها: في بكرة يوم عيد الفطر.
ومنها: في بكرة السادس والعشرين من ذي القعدة، ولا يدخلها في هذا اليوم
إلا الأعيان من الناس، وفتحها في هذا اليوم لأجل غسلها.
ومنها: في زمن الموسم وذلك في بعض ليالي الثماني الأول من ذي الحجة من
كل سنة، وفي بعض هذه الأيام.
وفتحها في هذه الأوقات: لأجل البر الذي تأخذه الحجبة ممن يرغب في
دخولها، ثم لا تفتح فتحا عاما إلا بعد انقضاء ذي الحجة في أول جمعة من
السنة التي تلي ذلك، إلا أنهم في سنة أربع عشرة وثمانمائة فتحت الكعبة
بعد سفر الحجاج من مكة، وقبل دخول سنة خمس عشرة وصنع مثل ذلك الحجبة في
سنة خمس عشرة، وذلك للرغبة في أخذ البر من الداخلين إليها.
وذكر ابن جبير من أوقات فتح الكعبة التي أشرنا إليها فتحها في اليوم
التاسع والعشرين من رجب، وذكر أنها تغسل في ثاني هذا اليوم لأجل ما
لعله أن يكون وقع من حدث الصغار الذين يدخلون مع أمهاتهم في اليوم
التاسع والعشرين من رجب، وذكر أن للنساء احتفالا كثيرا في دخول الكعبة
في هذا اليوم2.
وذكر ابن جبير فتح الكعبة أيضا في يوم عيد الفطر بكرة3 ولم يذكر فتحها
في السادس والعشرين من ذي القعدة، وذكر أنها تفتح في السابع والعشرين
من ذي القعدة فتحا عاما، وأن في هذا اليوم شمرت كسوته من جوانبها
الأربعة التشمير الذي يسمونه إحرام الكعبة، ثم قال: ولا تفتح من حين
إحرامها إلا بعد الوقفة، ثم قال بعد أن ذكر أن كسوة الكعبة وضعت على
سطحها في يوم النحر وأسبلت عليها في يوم الثلاثاء الثالث عشر من الشهر
المذكور: وشمرت أذيالها صونا لها من أيدي الأعاجم، وفي هذه الأيام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 412.
2 رحلة ابن جبير "ص: 113، 115".
3 رحلة ابن جبير "ص: 134".
ج / 1 ص -178-
يفتح البيت الكريم كل يوم للأعاجم
العراقيين والخراسانيين، وسواهم من الواصلين مع الأمير العراقي1...
انتهى.
وفي هذا دلالة على أن الكعبة تفتح في أيام الموسم وهو في زمن ابن جبير
بعد الحج، لأن الحجاج العراقيين ما يصلون غالبا إلا موافين ليوم عرفة.
ولنختم هذه الترجمة بحكم سدانة الكعبة وبحكم ما يأخذه سدنتها ممن
يدخلها، وللمحب الطبري في ذلك كلام شاف فنذكره: ونص كلامه: الحجابة
منصب بني شيبة، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، كما ولى
السقاية للعباس رضي الله عنهم ثم قال:
"وسدانة البيت خدمتهم"،
وتولي أمره وفتح بابه وإغلاقه، يقال: سدن يسدن سدانة فهو سادن، والجمع
سدنة، ثم قال: قال العلماء: لا يجوز لأحد أن ينزعها منهم. قالوا: وهي
ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظم "مالك" رحمه الله تعالى أن
يشرك معهم غيرهم2.
قلت: ولا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ولازموا في خدمته
الأدب، أما إذا لم يحفظوا حرمته فلا يبعد أن يجعل عليهم مشرف يمنعهم من
هتك حرمته، وربما تعلق الجاهل الغبي الرأي المعكوس الفهم بقوله:
"وكلوا بالمعروف" فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت، ولا خلاف
بين الأمة في تحريم ذلك، وأنه من أشنع البدع وأقبح الفواحش، وهذه
اللفظة إن صحت رواية فيستدل بها على إقامة الحرمة، لأن أخذ الأجرة ليس
من المعروف، وإنما الإشارة والله أعلم إلى ما يقصدون به من البر والصلة
من بيت المال على ما يقومون به من خدمته، والقيام بمصالحه، فلا يحل لهم
منه إلا قدر ما يستحقونه، والله أعلم.
ثم قال بعد أن ذكر أحاديث تتعلق بالحجر بسكون الجيم: وفيها ما يقتضي أن
سبب رفع قريش لباب الكعبة ليمنعوا من شاءوا ويدخلوا من شاءوا، وفي
قوله:
"فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا"، وقوله:
"وألصق بابها بالأرض"، دلالة على أن الناس غير محجوبين عن البيت، وأنه لا يحل منعهم، وما
يأخذه السدنة على ذلك لا يطيب لهم إلا بطيب نفس من الدافعين، وإنما تجب
أجرتهم على ما يتولونه من القيام بمصالحه من بيت المال.
قال أبو العالية الرياحي رضي الله عنه في قوله تعالى:
{فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه}
[الأنفال: 41] قال: السهم المضاف إلى الله تعالى إنما هو لبيت الله
تعالى، وأكثر أهل العلم على أنه أضاف الخمس إلى نفسه لشرفه، وسهم الله
تعالى، وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحلة ابن جبير "ص: 144".
2 القرى "ص: 506".
ج / 1 ص -179-
واحد ... انتهى. ذكر ذلك مفرقا في موطنين
من الباب الثامن والعشرين من كتابه القرى1 وعزا المحب الطبري الخبر
الذي فيه، "وكلوا بالمعروف" إلى سنن سعيد بن منصور، وهو في طبقات محمد
بن سعد كاتب الواقدي من حديث عثمان بن طلحة، وسيأتي ذلك إن شاء الله
تعالى في الباب السابع والثلاثين من هذا الكتاب إن شاء الله.
والأصل في غسل الكعبة لتطهيرها في الجملة، ذكر الفاكهي ما يدل له، لأنه
قال في ترجمة ترجم عليها بقوله: ذكر أذان بلال بن رباح على الكعبة
ورقيه فوقها يوم الفتح للأذان حدثني محمد بن علي المروزي، حدثنا عبيد
الله بن موسى، حدثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فرقي على ظهر الكعبة،
فأذن الصلاة، وقام المسلمون فتجرروا في الأزر وأخذوا الدلاء، وارتجزوا
على زمزم، فغسلوا الكعبة ظهرها وبطنها، فلم يدعوا أثرا من آثار
المشركين إلا محوه وغسلوه2... انتهى.
وإنما ذكرنا هذا الخبر في هذه الترجمة لما وقع فيها من غسل الحجبة
للكعبة، ويكون هذا الخبر كالشاهد بذلك، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرى "ص: 508".
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 221.
ذكر بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر الآفاق
ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها:
أخبرني بذلك خالي قاضي الحرمين محب الدين
النويري سماعا عن القاضي عز الدين بن جماعة سماعا، أنه نقل من خط والده
في الدائرة التي ذكر فيها صفة الكعبة، وما يحتاج إلى معرفة تصويره، وأن
والده قال: إنه كتبها في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وستمائة،
قال: جهة القبلة لأهل البصرة، والأهواز، وفارس وكرمان، وأصبهان،
وسجستان، وشمالي بلاد الصين، وما على سمت ذلك وهو من باب الكعبة إلى
الحجر الأسود، فمن جعل القطب على أذنه اليمنى والشولة إذا تدلت للغروب
بين عينيه، ومشرق الصيف خلف كتفه الأيمن والدبور1 على خده الأيمن،
والجنوب على خده الأيسر، فقد استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل الكوفة، وبغداد، وحلوان والقادسية، وهمدان، والري،
ونيسابور، وخراسان، ومرو، وخوارزم، وبخارى، وفرغانة، والشاش، وماهان،
وما كان على سمت ذلك: ما بين مصلى آدم إلى قرب باب الكعبة، فمن جعل
بنات نعش2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدبور: هي الريح الغربية.
2 سبعة كواكب: أربعة منها نعش، لأنها مربعة وثلاث بنات نعش "تاج العروس
4/ 357".
ج / 1 ص -180-
الكبرى إذا طلعت خلف أذنه اليمنى، والهقعة1
إذا طلعت بين كتفيه إلى خلف أذنه اليسري، والقطب على كتفه الأيمن،وريح
الصبا على الأيسر، والشمال على عاتقه الأيمن، والجنوب على خده الأيسر،
استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل الرها، والموصل، وملطية، وشميساط، وسيحان، والجزيرة،
وديار بكر، وما كان على سمت ذلك: إلى القبلة يستقبلون من الركن الشامي
إلى مصلى آدم، فمن جعل فيها القطب على أذنه اليمنى ومشرق الشتاء خلف
أذنه اليسرى، وريح الصبا على كتفه الأيسر، والشمال على خده الأيمن،
والجنوب على عينه اليسرى: استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل الشام كلهم إلا ما ذكر عن اليمين، ودمشق في هذا
القسم، وهي: حمص، وحماه، وحلب، ومنبج، وحران، وميافارقين، وما والاها
من البلاد، وسواحل الروم: ما بين الميزاب والركن الشامي، موقفهم موقف
أهل المدينة ودمشق كما تقدم، لكنهم يتياسرون شيئا كثيرا، والجهة شاملة
للجميع إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل جانب الشام الغربي، ووسط غزة، والرملة، وبيت المقدس،
والمدينة الشريفة، ودمشق، وفلسطين وعكا، وصيدا، وما ولى ذلك من السواحل
على سمتهم، وهي من قبيل ميزاب الكعبة إلى دون الركن الغربي، فمن جعل
بها سهيلا إذا طلع بين عينيه، وبنات نعش إذا غربت خلفه، والنسر الواقع
إذا طلع على أذنه اليسرى، فقد استقبل هذا في الجانب من الشام، أما
المدينة، ودمشق وما والاها من أواسط الشام. فمن جعل بنات نعش الكبرى
إذا طلعت خلف أذنه اليسرى، والجدي على قفا ظهره مائلا إلى عينه قليلا،
والهقعة إذا طلعت عن شماله، والصبا على خده الأيسر، والجنوب تلقاء
وجهه: فقد استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل مصر والصعيد الأعلى، وسواحلهما السفلى أسواق، وإسنا،
وقوص، والفسطاط، والإسكندرية، والمحلة، ودمياط، وتنيس، وبرقة، وطرابلس،
وصفد، وساحل المغرب، والأندلس، وما كان على سمته، وهو ما بين الركن
الغربي والميزاب، فمن جعل بنات نعش إذا غربت خلف كتفه الأيسر، وإذا
طلعت على خده الأيسر، والقطب على أذنه اليسرى، ومشرق الشتاء تلقاء
وجهه، والدبور خلف كتفه الأيمن، فقد استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الهقعة: بفتح الهاء وسكون القاف وفتح العين، ثلاثة كواكب منيرة قريب
بعضها من بعض. فوق منكس الجوزاء كأنها الأثافي، وهي من منازل القمر.
إذا طلعت مع الفجر اشتد حر الصيف "تاج العروس 5/ 588".
ج / 1 ص -181-
وجهة القبلة لأهل الشمال من بلاد البُحاة،
والنوبة، وأواسط المغرب من جنوب الواحات إلى بلاد إفريقية، وأواسط بلاد
البربر، وبلاد الجريد إلى البحر المحيط وهي جهة جدة، وعيذاب، وجنوب
أسوان، وهي من دون الركن الغربي بثلث الجدار إلى الركن الغربي، فمن جعل
بها الثريا إذا طلعت على عينه اليسرى، والصبا على عينه اليمنى فقد
استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل بلاد البجاة، وبلاد دهلك وسواكن، وبلاد البلين
والنوبة إلى بلاد التكرور وما وراء ذلك، وما على سمته من بلاد السودان
وغيرهم إلى البحر المحيط، وهي من دون الباب المسدود إلى ثلثي الجدار،
فمن جعل بها الثريان إذا طلعت بين عينيه، والقطب على عينه اليسرى وخده
الأيسر، والصبا على عينه اليمنى، والدبور خلف أذنه اليسرى، ومغرب
الشولة خلف كتفه الأيمن ومشرق الشتاء على خده الأيمن، ومشرق الصيف على
الأيسر، فقد استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل الحبشة، والزنج، والزيلع، وأكثر بلاد السودان، وجزائر
فرسان وما والاها من البلاد وكان على سمتها، وهي الركن اليماني إلى
ثلثي الجدار وهو آخر الباب المسدود، فمن جعل بها الثريا إذا طلعت على
جنبه الأيمن، والقطب على الأيسر، والصبا على خده الأيمن، والدبور على
كتفه الأيسر، والجنوب على الأيمن، ومغرب الشولة خلف كتفه الأيسر، فقد
استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل اليمن بأسره: ظفار، وحضرموت، وصنعاء، وعمان، وصعدة،
والشحر، وسبأ وما والاها وما كان على سمتها، وهي من دون الركن اليماني
بسبعة أذرع إلى الركن اليماني، فمن جعل فيها القطب بين عينيه، وسهيلا
إذا طلع خلف أذنه اليمنى، وإذا غرب خلف اليسرى، ومشرق الشتاء على أذنه
اليمنى، ومغرب الشتاء على اليسرى، والشمال تلقاء وجهه، والجنوب خلف
ظهره، والصبا على خده الأيمن، والدبور على الأيسر، فقد استقبل القبلة
إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل بلاد السند، وجنوب بلاد الهند، وجنوب بلاد الصين،
وأهل التهائم، والسندين، والبحرين، وما والاها وكان على سمتها، وهي من
دون مصلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلثي هذا الجدار، فمن جعل بنات
نعش إذا طلعت على خده الأيمن، ومطلع النسر الواقع على أذنه اليمنى،
ومغرب بنات نعش بين عينيه، فقد استقبل القبلة إن شاء الله تعالى.
وجهة القبلة لأهل بلاد الصين، وأهل واسط، والهند والمرجان، وكابل،
والهدبان والتتار، والمسفر، والقندهار، وما والاها وكان على سمتها، وهو
من الركن الأسود إلى دون مصلى النبي صلى الله عليه وسلم فمن جعل بها
بنات نعش الكبرى إذا طلعت على خده الأيمن
ج / 1 ص -182-
والقطب على عاتقه الأيمن، والصبا خلف أذنه
اليمنى، فقد استقبل القبلة إن شاء تعالى... انتهى ما ذكره القاضي عز
الدين بن جماعة عن أبيه من بيان جهة المصلين إلى الكعبة من سائر
الآفاق، ومعرفة أدلة القبلة بالآفاق المشار إليها.
ووجدت في الكتاب الذي ألفه الفقيه أبو عبد الله محمد بن سرقة العامري
لمعرفة دلائل القبلة في جميع البلدان بابا في هذا المعنى وعرضته على ما
ذكره ابن جماعة، فإن بين ما ذكره ابن سراقة وابن جماعة اختلاف كثير من
اللفظ والمعنى والزيادة والنقص وغير ذلك، فرأيت أن ذكر ما ذكره ابن
سراقة ليحيط بذلك علماء النظر في هذا الكتاب.
أنبأني بكتاب ابن سراقة المسندان محمد بن محمد بن عبد الله، وإبراهيم
بن أبي بكر بن عمر الصالحيان إذنا، ومكاتبة عن أبي القاسم شهاب بن علي
المحسبي أن أبا محمد عبد الوهاب بن ظافر الأزدي أخبره سماعا قال:
أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن إبراهيم الرازي قال: أنبأنا أبو صالح محمد بن أبي عيسى بن
الفضل السمرقندي بمصر قال: أنبأنا الفقيه محمد بن سراقة العامري قال:
باب ذكر البلدان ومواقعها من جهات الكعبة، وما يستدل به هل كل بلد
عليها: اعلم أن أهل القادسية، والكوفة، وبغداد وحلوان، وهمدان، والري،
ونيسابور، ومرو، وخوارزم، وبخارى، والشاش، وفرغانة، وما كان من البلاد
على سمت ذلك يستقبلون الكعبة من مصلى آدم إلى بابها، فمن كان في إحدى
هذه البلاد أو على خطها وأراد التوجه إليها جعل بنات نعش الكبرى إذا
طلعت على أذنه اليمنى، والهقعة إذا طلعت بين كتفيه إلى خلف أذنه
اليسرى، والقطب على كتفه الأيمن، وريح الصبا على كتفه الأيسر، والشمال
على عاتقه الأيمن إلى قفاه، والدبور على صفحة خده الأيمن، والجنوب على
خده الأيسر، فمن استدل ببعض هذه الدلائل في إحدى هذه البلدان أو فيما
كان على سمتها من البلاد، من بر، أو بحر، أو سهل، أو جبل، فقد استقبل
جهة الكعبة التي أمر باستقبالها.
واعلم أن أهل البصرة، والأهواز، وفارس، وأصبهان، وكرمان، وسجستان، وبست
إلى بلاد الصين، وما كان من البلاد على سمت ذلك، يستقبلون في صلاتهم من
باب الكعبة إلى الركن العراقي، فمن كان في إحدى هذه البلاد وفيما كان
على سمتها وأراد التوجه إلى الكعبة جعل القطب على أذنه اليمنى، والنسر
الواقع خلفه والشولة إن نزلت للغروب بين عينيه، أو مشرق الصيف خلف كتفه
الأيمن، ومهب الصبا على كتفه الأيسر، والشمال على أذنه اليمنى، والدبور
على خده الأيمن، والجنوب على عينه اليسرى، فمتى فعل ذلك استقبل جهة
الكعبة.
ج / 1 ص -183-
واعلم أن أهل السند، والمهرجان، وكابل،
والقندهار، والنسان، وما كان على سمت ذلك من البلاد فهم يستقبلون في
صلاتهم من الركن العراقي إلى مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمن جعل
في إحدى هذه البلاد ومن كان من البلاد على سمتها بنات نعش إذا طلعت على
خده الأيمن والقطب على عينه اليمنى، وربح الصبا خلف أذنه اليسرى
والشمال على خده الأيمن، والدبور على خده الأيسر، والجنوب على كتفه
الأيسر، فقد استقبل جهة الكعبة.
وأعلم أن أهل اليمن، والسدير، والتهائم إلى عدن، والبحرين إلى عمان،
وحضرموت، والشحر، وصنعاء، وهي نجدية، وصعدة وما كان على سمت ذلك من
البلاد يستقبلون في صلاتهم من موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الركن اليماني، فمن كان في إحدى هذه البلاد فجعل القطب بين عينيه،
وسهيلا إذا طلع على أذنه اليمنى، وإذا غرب خلف أذنه اليسرى، ومشرق
الشتاء على أذنه اليمنى، والصبا على كتفه الأيمن، والشمال تلقاء وجهه،
والدبور على جنبه الأيسر، والجنوب على كتفه الأيسر، فقد استقبل جهة
الكعبة.
واعلم أن أهل بلاد الحبشة، وجزائر، وفرسان، وما كان من البلاد على سمت
ذلك يستقبلون في صلاتهم من الركن إلى الباب المسدود، فمن كان في إحدى
هذه البلاد أو فيما كان من البلاد على سمتها فجعل الثريا إذا طعلت بين
عينيه، والشعرى والعيون إذا طلعت على جنبه الأيمن، أو القطب على أذنه
اليسرى، أو ريح الصبا على عينيه، أو الشمال تلقاء وجهه والدبور عن
شماله، أو الجنوب خلفه، كان مستقبلا لجهة الكعبة.
وإن أهل بلاد النوبة والبجة إلى البحر المحيط، وما وراء ذلك من خلال
بلاد السودان وما كان من البلاد على سمت ذلك يستقبلون في صلاتهم من
الباب المسدود إلى دون الركن الغربي بسبعة أذرع، فمن جعل في إحدى هذه
البلاد أو فيما كان على سمتها من البلاد العيون إذا طلع بين عينيه، أو
الثريا على عينه اليمنى، أو الشولة إذا غربت بين كتفيه، أو القطب على
صفحة خده الأيسر، أو مشرق الصيف قبالته، أو مغرب الشتاء خلفه أو ريح
الصبا على عينه اليمنى، أو الشمال على حاجبه الأيسر، أو الدبور على
أذنه اليسرى، أو الجنوب على كتفه الأيمن، فقد استقبل جهة الكعبة.
وأعلم أن أهل الأندلس والمغرب من أهل إفريقية وطرابلس وما كان من
البلاد على سمت ذلك يستقبلون في صلاتهم من دون الركن الغربي بسبعة أذرع
إلى الركن الغربي، فمن جعل في إحدى هذه البلاد وما كان على سمتها
الثريا إذا طلعت بين عينيه، والشعرى خلف ظهره، أو الشمال على كتفه
الأيسر. أو الجنوب على كتفه الأيمن فقد استقبل جهة الكعبة.
ج / 1 ص -184-
واعلم أن أهل الإسكندرية ومصر إلى القيروان
إلى تاهرت والسوس، والمغرب الأقصى إلى البحر الأسود، وما كان من البلاد
على سمت ذلك، يستقبلون في صلاتهم من الركن الغربي إلى ميزاب الكعبة،
فمن جعل إحدى هذه البلاد الأحمرة إذا طلعت بين عينيه، أو بنات نعش إذا
غربت على كتفه الأيسر، وإذا طلعت على أذنه اليسرى، أو الشمال خلف أذنه
اليسرى، أو ريح الصبا على جبينه الأيمن أو الشمال خلف أذنه اليسرى، أو
الدبور خلفه، أو الجنوب على عينه اليمنى، فقد استقبل جهة الكعبة.
واعلم أن أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الحجاز والرملة،
وبيت المقدس، وفلسطين، وما كان على سمت ذلك من البلاد يستقبلون في
صلاتهم ميزاب الكعبة، ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
استقبال القبلتين بالغائط أو بالبول لأن من كان بالمدينة واستقبل
الكعبة فقد استدبر صخرة بيت المقدس، وقد كانت قبلته، ومن استدبر الكعبة
فقد استقبل الصخرة، وكأن في نهيه عن استدبار القبلتين نهيا عن استقبال
الكعبة واستدبارها، ثم قال: ولكن شرقوا أو غربوا لتكون الكعبة عن يمينه
وبيت المقدس عن شماله أو الكعبة عن شماله وبيت المقدس عن يمينه فهذا
خاص لأهل المدينة وما كان على سمتهم، فمن كان في إحدى هذه البلاد فجعل
بنات نعش إذا غربت خلفه، أو سهيلا إذا طلع بين عينيه، أو النسر الواقع
إذا طلع على أذنه اليسرى، وإذا غرب خلف أذنه اليمنى، أو ريح الصبا على
عينه اليسرى، أو الشمال خلف أذنه اليسرى، أو الدبور خلف أذنه اليمنى،
أو الجنوب على حاجبه الأيمن، فقد استقبل جهة الكعبة.
واعلم أن الشمال كلها خلا الرملة، وبيت المقدس، وما كان من البلاد على
سمت ذلك يستقبلون في صلاتهم من ميزاب الكعبة إلى الركن الشامي، فمن جعل
في إحدى هذه البلاد بنات نعش الكبرى إذا طلعت خلف أذنه اليسرى، أو
الجدي إذا علا على منكبه الأيسر، أو الهقعة إذا طلعت عن شماله، أو
الصبا على صفحة خده الأيسر، أو الشمال على مرجع الكتف الأيمن، أو
الدبور على أذنه اليمنى إلى ما يلي قفاه، أو الجنوب تلقاء وجهه، كان
مستقبلا لجهة الكعبة.
واعلم أن أهل ملطية، وسمياط، والمرس، وأرمينيا إلى باب الأبواب، وما
كان من البلاد على سمت ذلك يستقبلون في صلاتهم من الركن الشامي إلى
مصلى آدم عليه السلام، فمن جعل في إحدى هذه البلاد، وما كان من البلاد،
وعلى سمتها العيوق إذا طلع خلف أذنه اليسرى إلى قفاه، وإذا غرب على
جنبه الأيمن، أو القطب على أذنه اليمنى إلى خلف قفاه، أو مشرق الشتاء
على العظم الذي خلف أذنه اليسرى، أو ريح الصبا على كتفه الأيسر، أو
الشمال على صفحة خده الأيمن. أو الدبور على عاتقه الأيمن أو الجنوب على
عينه اليسرى، فقد استقبل جهة الكعبة.
ج / 1 ص -185-
ولا بد لمن أراد استعمال ما ذكرته في كتابي
هذا أو العمل به من معرفة ما ذكرته من الكواكب، وهي يسيرة فيعرفها
بأعيانها، وكذلك الرياح ومهابها فإنه يصل إلى بغيته ومراده إن شاء الله
تعالى... انتهى.
ووقع فيما ذكره ابن جماعة وابن سراقة ما يقتضي أن مصلى آدم عليه السلام
في جهة الكعبة الشرقية فيما بين بابها والركن الشامي الذي يلي الحجر،
بسكون الجيم، وأن مصلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما بين الركن
اليماني والحجر الأسود، وذلك يحتاج إلى زيادة بيان رجاء معرفته، ليحصل
الفوز بالصلاة فيه، وليس في كلام ابن جماعة ما يقتضي ذلك، وفي كلام ابن
سراقة ما يقتضي زيادة بيان في ذلك، لأنه قال في أوائل كتابه المذكور:
ومن الباب يعني باب الكعبة إلى مصلى آدم عليه السلام حين فرغ من طوافه،
وأنزل الله عز وجل عليه التوبة وهي موضع الخلوق من أرز الكعبة: أرجح من
تسعة أذرع، وهناك كان موضع مقام إبراهيم عليه السلام وصلى النبي صلى
الله عليه وسلم عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، ثم قال ابن سراقة: وبين
موضع الخلوق وهي مصلى آدم عليه السلام وبين الركن الشامي ثمانية
أذرع... انتهى.
وقال ابن سراقة في بيان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم بين الركن
اليماني والحجر الأسود: وعرض جدارها -يعني الكعبة- الذي يلي اليمن، وهو
فيما بين الركن اليماني والركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود: عشرون
ذراعا، وإلى وسط هذا الجدار كان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل
هجرته إلى المدينة... انتهى.
والذراع الذي أشار إليه ابن سراقة في هو ذراع اليد، وهو ينقص عن ذراع
الحديد ثمن ذراع كما سبق ذكره في حدود الحرام، وقد تحرر لي مما ذكره
ابن سراقة في ذرع ما بين الركن الشامي ومصلى آدم عليه السلام أن يكون
مصلى آدم ظنا بقرب الحفرة المرخمة التي في وجه الكعبة، بحيث يكون من
المصلى إلى الحفرة ثلاثة أذرع إلا ثلث ذراع بالحديد.
ويعرف أيضا مصلى آدم عليه السلام بأن بينه وبين الحفرة المشار إليها ست
رخامات من الرخام الذي هو الآن في شاذروان الكعبة إلا أربع أصابع، وتحت
الرخام ثلاثة أحجار صفر إلا أن الحجر الثالث يزيد على الست الرخامات
فوقه قليلا، وكان تحريري لذلك مع من يعتمد عليه من أصحابنا في شهر ربيع
الأول سنة ست عشرة وثمانمائة، بعد أن اعتبرنا ما ذكره ابن سراقة في
ذلك، فوافق لأنا ذرعنا مقدار ثمانية أذرع بالبلد، ووضعنا عند طرف ركن
الكعبة الشامي، ومددناه إلى حيث انتهى من جدار الكعبة، ثم ذرعنا ذلك
بذراع الحديد فجاء سبعة أذرع بتقديم السين وثمن ذراع بالحديد، فعرفنا
بذلك أن موضع منتهى الثمانية أذرع باليد أو السبعة بتقديم السين والثمن
ج / 1 ص -186-
بالحديد موضع مصلى آدم عليه السلام ظنا،
وهو الموضع الذي أشرنا إليه، والله أعلم.
وحررنا في التاريخ المذكور موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم بين
الركن اليماني والحجر الأسود، وعلى مقتضى ما ذكره ابن سراقة من أنه في
وسط هذا الجدار، فإذا هو موضع الرخامة البيضاء المكتوب فيها: أمر
بتجديد المطاف الشريف العبد الفقير الراجي عفو ربه الغفور الملك
المنصور لاجين1 وبعد ذلك سطر مكشوط، وإنما كان هذا الموضع موضع مصلي
النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجهة على ما ذكر ابن سراقة في
تحريره، لأنا ذرعنا ما بين الحجر الأسود وهذه الرخامة فوجدناه ثمانية
أذرع وثمن بالحديد، وكذلك ما بين هذه الرخامة وبين الركن اليماني،
فعرفنا بذلك أن هذه الرخامة وسط هذا الجدار، وأنها على مقتضى ما ذكر
ابن سراقة موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجهة، والله
أعلم. على أنى رأيت ما يدل بخلاف ما ذكره ابن سراقة في تحرير موضع مصلى
آدم عليه السلام في الجهة الشرقية، وهو أيضا يخالف ما ذكره ابن جمعة في
ذلك، لأن الأزرقي قال فيما رويناه عنه: حدثني محمد بن يحيى قال: حدثني
هشام بن سليمان المخزومي عن عبد الله بن أبي سليمان المخزومي أنه قال:
طاف آدم عليه السلام سبعا بالبيت حين نزل، ثم صلى وجاه باب الكعبة
ركعتين، ثم أتى الملتزم فقال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل
معذرتي، وتعلم ما في نفسي وما عندي فاغفر لي ذنوبي، وتعلم حاجتي فأعطني
سؤلي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن
يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قضيت علي، قال: فأوحى الله عز وجل
إليه: يا آدم قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك، ولن يدعوني بها أحد من ولدك
إلا كشفت غمومه وهمومه، وكففت عليه صنعته ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت
الغنى بين عينيه، وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر، وأتته الدنيا وهي
راغمة، وإن كان لا يريدها2.
وروينا في "دلائل اليقين" لابن أبي الدنيا بسنده، عن عوف بن خالد قال:
وجدت في بعض الكتب آن آدم عليه السلام ركع إلى جانب الركن اليماني
ركعتين ثم قال: اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى
أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي رضيت بما قسمت لي، فأوحى الله عز
وجل إليه: يا آدم إنه حق علي أن لا يلزم أحد من ذريتك هذا الدعاء إلا
أعطيته ما يحب، ونجيته مما يكره، ونزعت أمل الدنيا والفقر من بين عينيه
وملأت جوفه حكمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين سلطان الديار المصرية،
تسلطن في عاشر صفر سنة 696هـ، وقتل في عاشر ربيع الآخر سنة 698هـ.
2أخبار مكة للأزرقي 1/ 44.
ج / 1 ص -187-
وهذا الخبران يقتضيان أن موضع مصلى آدم
عليه السلام موضع الشقة الثالثة من كسوة الكعبة في وجهة الباب الذي يلي
الركن الشامي عند باب الحجر.
وقال بعض الناس إن الموضع الذي تاب الله فيه على آدم عليه السلام دبر
الكعبة عند الباب الذي فتحه ابن الزبير رضي الله عنهما من دبرها عند
الركن اليماني، والقول الأول أحب إليهم وأعجب من أجل الحديث... انتهى.
وفيه دلالة لما ذكر ابن سراقة في موضع مصلى آدم عليه السلام في الجهة
الشرقية والله أعلم.
وللنبي مصليات أُخَر عند الكعبة في جهتها الشرقية وغيرها، يأتي التنبيه
عليها في الباب السابع عشر إن شاء الله تعالى. |