شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 1 ص -427-
الباب الثالث والعشرون:
ذكر المدارس بمكة المشرفة:
المدارس الموقوفة بمكة إحدى عشرة مدرسة فيما
علمت: منها بالجانب الشرقي من المسجد الحرام: مدرسة الملك الأفضل عباس
ابن الملك المجاهد صاحب اليمن، على فقهاء الشافعية، وقفت قبيل سنة
سبعين وسبعمائة بتقديم السين فيهما وفي هذه السنة ابتدأ التدريس بها1.
ومنها بالجانب الشامي منه: مدرسة بدار العجلة، وهي التي على يمين
الخارج من باب المسجد المعروف بباب العجلة، ولم أدر من وقفها ولا متى
وقفت؟ ثم عمل فيها الآمر أُرْغُون النائب درسا للحنفية قبيل العشرين
وسبعمائة أو بعدها بيسير، في أوائل عشر الثلاثين وسبعمائة.
ومنها بالجانب الغربي منه: ثلاث مدارس، وهي: مدرسة الأمير فخر الدين
عثمان بن علي الزنجيلي نائب عدن، على باب العمرة، وتعرف الآن بدار
السلسلة، وقفها على الحنفية سنة تسع وسبعين وخمسمائة2، ومدرسة طاب
الزمان الحبشية عتيقة المستضيء العباس، وهو الموضع المعروف بدار زبيدة،
وقفتها في شعبان سنة ثمانين وخمسمائة على عشرة من الفقهاء الشافعية3.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 309.
2 إتحاف الورى 2/ 549، العقد الثمين 6/ 35، ورحلة ابن جبير "ص: 146-
149".
3 إتحاف الورى 2/ 553، العقد الثمين 8/ 261.
ج / 1 ص -428-
ومدرسة الملك المنصور عمر بن علي ابن رسول،
صاحب اليمن بين هاتين المدرستين وعمارتها في سنة إحدى وأربعين وستمائة1
على يد الأمير فخر الدين الشلاج أمير مكة، من قبل واقفها، ولأبيه الملك
المظفر عليها وقف جيد، وربما نسبت إليه، وهي على الفقهاء الشافعية
والمحدثين.
ومنها بالجانب الجنوبي منه: مدرسة الملك المجاهد صاحب اليمن، على
الفقهاء الشافعية، وتاريخ وقفها في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين
وسبعمائة2.
ومنها بالجانب اليماني أيضا: مدرسة الملك الممدوح بجميع الصفات، مغيث
أهل الحرمين الشريفين بجزيل الصلات، مولانا السلطان الملك المنصور غياث
الدين3 أبي المظفر أعظم شاه ابن السلطان السعيد الشهيد إسكندر شاه ابن
السلطان شمس الدين المغفور صاحب بنجاله بلغه الله آماله وهي على
الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة، فكان المتولي لشراء عرضتها وعمارتها
ووقفها من ندبه لذلك وغيره من مصالحها التي تذكر، وفوض إليه هذا النظر:
خادمه المسكين، ونعته الأمين، الجانب العالي الافتخاري ياقوت السلطاني
الغياثي، لا زالت الخيرات على يديه جارية، والنعم عليه متوالية، وكان
الشراء لعرصتها والنخيل وسقيه يوقف عليها، ويأتي ذكرها باثني عشر ألف
مثقال في أول شهر رمضان من سنة ثلاثة عشرة وثمانمائة، ثم أعيد عقد
البيع على ذلك في شهر شوال من السنة المذكورة لموجب اقتضاه الحال، وفي
شهر رمضان المذكور ابتدئ في هدم ما كان في موضعها من الأبنية، وفيه
أيضا ابتدئ في بنائها، وفرغ من ذلك في آخر صفر سنة أربع عشرة
وثمانمائة. وفي شهر ربيع من هذه السنة وجمادي الأولى منها بيض باطنها
والصهريج الذي في جوفها وغالب ظاهرها، وعمل فيها أيضا كثيرا مما يطلب
عمله في العمائر، وأحكمت منها العمارة، فاستحسنها ذوو البصائر، وكان
وقفها في السابع عشر من المحرم سنة أربع عشرة4، بعد الفراغ من عمارة
سفلها وغالب علوها، وقرر واقفها فيه أربعة من المدرسين، وهم قضاة مكة
الأربعة يومئذ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 60، العقد الثمين 3/ 324، 325.
2 في "منتخب شفاء الغرام ص 104" تعريف بالمدارس الثلاث خلافا لما هنا،
وهي كما ذكرها: مدرسة الأمير فخر الدين عثمان بن علي الزنجيلي نائب
عدن، وقفها على الحنفية سنة 579هـ، ومدرسة طاب الزمان الحبشية وقفتها
عام 580هـ على فقهاء الشافعية، ومدرسة الملك المنصور صاحب اليمن عمرها
سنة 641هـ على يد الأمير فخر الدين الشاج أمير مكة.
3 قال السخاوي في ترجمته: "إنه ابتنى بمكة عند باب أم هانئ مدرسة صرف
عليها وعلى أوقافها اثني عشر ألف مثقال مصرية، وقرر بها دروسه للمذاهب
الأربعة، وانتهت، ودرس فيها في جمادى الآخرة سنة أربعة عشرة"... "الضوء
اللامع 2/ 313 رقم 992".
4 إتحاف الورى 3/ 485- 489، والعقد الثمين 3/ 320، 321.
ج / 1 ص -429-
وستين نفرا من المتفقهين، عشرين من
الشافعية، وعشرين من الحنفية، وعشرة من المالكية، وعشرة من الحنابلة،
وجعل الإيوان الغربي محل تدريس المالكية والحنابلة، وجعل لوقف المنازل
التي تعلوها وهي إحدى عشرة خلوة محلا لسكنى جماعة من الفقراء، خلا
واحدة منها فإنه جعلها خاصا للمدرسة المذكورة. وكان ابتداء التدريس
فيها في يوم السبت سابع جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وثمانمائة على
الحالة التي قدرت حين الوقف في تعيين أوقات التدريس بها في أيام
الأسبوع، فكان تدريس الشافعي ضحوة يوم السبت وضحوة يوم الاثنين، وكان
تدريس الحنفي من ضحوة يوم الأحد وضحوة يوم الأربعاء وضحوة يوم الخميس،
وكان تدريس الحنفي من ضحوة يوم الأحد وضحوة يوم الأربعاء، وضحوة يوم
الخميس، وكان تدريس الحنبلي فيما بين الظهر والعصر من يومي الأربعاء
والخميس، ووقف الواقف المتقدم ذكره على المدرسين والفقهاء والسكان
بالمدرسة المذكورة وعلى مصالحها ما اشتراه لذلك، وذلك حديقتان وسقية
ماء، فأما الحديقتان: فتعرف إحداهما بسلمة، والأخرى بالحل، وهما
بالضيعة المعروفة بالركاني بوادي مر، من أعمال مكة المشرفة.
وأما السقية: فأربع رحيات، من قرار عين الضيعة المذكورة، وجبتان منها
تعرفان بحسين منصور ليله ونهاره، والوجبتان الآخرتان تعرفان بحسن يحيى
ليله ونهاره. وجعل الواقف المذكور ربع ما يتحصل من ذلك في كل سنة يقسم
خمسة أقسام: قسم للمدرسين الأربعة بالسوية بينهم، وثلاثة أقسام للطلبة
بالسوية بينهم، وقسم منه يقسم ثلاثة أقسام: قسم منه يصرف في مصالح
المدرسة المذكورة من الزيت والماء وغير ذلك والقسمان الآخران من هذا
القسم يصرفان للسكان بالمدرسة المذكورة بالسوية بينهم، وكان وقفه لذلك
في اليوم التاسع عشر من المحرم سنة أربع عشرة وثمانمائة. وفي النصف
الأخير من ذي الحجة من السنة المذكورة سنة أربع عشرة وثمانمائة، وقف
الواقف المذكور على المدرسة المذكورة دارا تقابلها تعرف بدار أم هانئ،
اشتراها الواقف بخمسمائة مثقال. وعمرها في السنة المذكورة، وأوقفها على
مصالح المدرسة المذكورة1.
وسافر الواقف من مكة بعد حجه في هذه السنة لإعلام مخدومه السلطان غياث
الدين بذلك، فلم يقدر اجتماعهما، لأن ياقوت مات في شهر ربيع الأول من
سنة خمس عشرة وثمانمائة2 بجزيرة هرموز، ومات السلطان غايث الدين في آخر
سنة أربع عشرة أو في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة، والأولى أقرب
للصواب، لأنه أشيع موته بمكة في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3م 485.
2 الضوء اللامع 10/ 214 رقم 929، إتحاف الورى 3/ 485.
ج / 1 ص -430-
موسم سنة أربع عشرة، ولم يصح ذلك، ثم جاء
الخبر بصحة وفاته في سنة خمس عشرة، تغمدهم الله برحمته، آمين.
ومنها: مدرسة أبي على بن أبي ذكرى1 قرب المدرسة المجاهدية، وتعرف بأبي
طاهر المؤذن. وتاريخ وقفها سنة خمس وثلاثين وستمائة على ما في حجرها،
وواقفها فيه مترجم بالإمام الشهيد، وما عرفت حاله2.
ومنها مدرسة الأرسوفي بقرب باب العمرة، وهو العفيف عبد الله بن محمد
الأرسوفي3، وهي معروفة به، وما عرفت متى وقفت، إلا أن لها أزيد من
مائتي سنة، ولعله وقفها في تارخ وقفه رباطه الذي بقربها المعروف برباط
أبي رقيبة لسكناه به، وسيأتي تاريخه.
ومنها: مدرسة ابن الحداد المهدوي بقرب هذه المدرسة، وتعرف الآن بمدرسة
الأشرف الأدراسة لاستيلائهم عليها، وتاريخ وقفها شهر ربيع الآخر سنة
ثمان وثلاثين وستمائة، وهي على المالكية.
ومنها: مدرسة النهاوندي بقرب الموضع الذي يقال له الدريبة، ولها نحو
مائتي سنة فيما أحسب، والله أعلم.
ذكر الربط بمكة المشرفة:
بمكة ربط موقوفة على الفقراء، منها: الرباط المعروف برباط السدرة
بالجانب الشرقي من المسجد الحرام على يسار الداخل إلى المسجد الحرام من
باب بني شيبة، لا أدرى من وقفة ولا متى وقفه، إلا أنه كان موقوفا في
سنة أربعمائةن وموضعه هو دار القوارير التي بنيت في زمن الرشيد على ما
ذكر الأزرقي4.
ومنها: رباط قاضي القضاء أبي بكر محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم
المراغي الملاصق لهذا الرباط، ورباط عند باب المسجد المعروف باب
الجنائز، ويعرف الآن بالقيلاني5 لسكناه به، وتاريخ وقفه سنة خمس وسبعين
وخمسمائة، كذا في الحجر الذي على بابه، وفيه أن واقفه وقفه على الصوفية
الواصلين إلى مكة المقيمين والمجتازين من العرب والعجم6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في إتحاف الورى 3/ 54: "ذكرى".
2 إتحاف الورى 3/ 54، والعقد الثمين 1/ 118.
3 توفى بمصر سنة 493هـ وهو مشهور بكثرة البر والصدقات بمصر والحجاز
"التكملة 1/ 277 رقم 379".
4 أخبار مكة للأزرقي 1/ 113.
5 في إتحاف الورى 2/ 542: "بكيلاني".
6 إتحاف الورى 2/ 542، العقد الثمين 2/ 67.
ج / 1 ص -431-
ومنها: رباط الأمير إقبال الشراب المستنصري
العباسي عند باب بني شيبة، على يمين الداخل من باب السلام إلى المسجد
الحرام، وتاريخ عمارته له في سنة إحدى وأربعين وستمائة، وللشرابي عليه
أوقاف كثيرة من الكتب والمياه وغير ذلك بوادي مر ونخله1.
ومنها: رباط أم الخليفة الناصر العباسي، ويعرف بالعطيفية، لأن الشريفة
عطيفة صاحب مكة كان يسكنه، وتاريخ وقفه سنة تسع وسبعين2 وخمسمائة. كذا
في الخشب الذي على بابه، وفيه أنه وقفه على الفقراء والصوفية ذوي التقى
والعبادة والعفاف والزهادة والصلاح والرشاد والتجريد والانفراد3.
ومنها: رباط الحافظ أبي عبد الله بن منده ملاصق لزيادة دار الندوة،
وبابه على بابها الذي يخرج منه إلى السويقة، ويعرف الآن بالبرهان
الطبري، وعلى بابه الذي عند باب زيادة دار الندوة حجر مكتوب فيه: إنه
وقفه على القادمين من أصبهان أربعين يوما، وعلى سائر الناس عشرة أشهر
وعشرين يوما.
ومنها: رباط الشيخ أبي حفص عمر بن المجيد الميانشي قرب هذا الرباط،
ومنه داران في شارع السويقة، وما عرفت نسبته للميانشي، هل هو لأجل وقفه
أو لسكناه فيه؟ ومقتضى ما ذكر من نسبة الميانشي: أن يكون له أزيد من
مائتي سنة وثلاثين سنة.
ومنها: رباط عند الباب المنفرد في هذه الزيادة يقال له: رباط الفقاعية،
وتاريخ وقفة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. كذا في الحجر الذي على بابه،
وفيه أن قهرمانة المقتدي الخليفة العباسي وقفته على المنقطعات
الأرامل4.
ومنها: رباط قربه، يقال له: رباط صالحة، لا أعرف من وقفه ولا متى وقف.
ومنها بالجانب الشمالي أيضا: رباط يعرف برباط القزويني، وما عرفت واقفه
ولا من وقفه، إلا أنه كان موجودا في أثناء القرن السابع، وبابه عند باب
السدة من خارج المسجد.
ومنها: رباط قبالته يقال له: رباط الخاتون، ويعرف الآن بابن محمود،
وتاريخ وقفه سنة سبع وسبعين وخمسمائة، كذا في الحجر الذي على بابه،
وفيه أنه وقف على الصوفية الرجال الصالحين من العرب والعجم. وأن الذي
وقفته الشريفة فاطمة بنت الأمير أبي ليلى محمد بن أنو شروان الحسني5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 60، العقد الثمين 1/ 331.
2 في "منتخب شفاء الغرام" المطبوع في أوروبا ص 108: "وتسعين".
3 إتحاف الورى 2/ 552 العقد الثمين 1/ 118، 8/ 238.
4 إتحاف الورى 2/ 489.
5 إتحاف الورى 2/ 544.
ج / 1 ص -432-
ومنها: رباط الزنجيلي قبالة مدرسته عند باب
العمرة من خارج المسجد، بينه وبين المسجد دار، وتاريخهما واحد.
ومنها: الرباط المعروف برباط الخوزي بخاء وزاي معجمتين بزيادة باب
إبراهيم، وقفه الأمير قرامر بن محمد بن قرامر الأقدري1 الفارسي على
الصوفية الغرباء والمتجردين، كذا في الحجر الذي على بابه، وتاريخه فيما
أظن سنة سبع عشرة وستمائة.
ومنها: رباط رامشت عند باب الحزورة ورامشت هو الشيخ أبو القاسم، واسمه
إبراهم بن الحسين الفارسي، وقفه على جميع الصوفية الرجال دون النساء
أصحاب المرقعة، من سائر العراق، وتاريخه سنة تسع وعشرين وخمسمائة2.
وظفرت بنسخة كتاب وقفه، وكان قد احترق جانب كبير من هذا الرباط في
الليلة التي احترق فيها المسجد الحرام وهي ليلة الثامن والعشرين من
شوال سنة اثنتين وثمانمائة، وأول ما كان الحريق في البيت الذي على بابه
الذي بالمسجد، ثم خرجت النار من شباكه حتى تعلقت بسطح المسجد3، ثم وفق
الله غير واحد للتقرب بعمارته، فعمر منه جانب كبير من سفله الذي يلي
المسجد وبعض المجمع الذي فوقه، ثم صرف الشريف حسن بن عجلان أمير مكة
مائتي مثقال ذهبا لعمارته أوائل سنة ثمان عشرة وثمانمائة، فعمر بها
جميع ما كانت محترفا من الرباط المذكور من البيوت العلوية وغير ذلك مما
يحتاج إلى العمارة علوا وسفلا، وصرف من ذلك جانبا فيما يحتاج إليه من
أبواب بيوت الرباط وغير ذلك من مصالحه، وجاءت عمارته حسنة.
ومنها: رباط السيد الشريف بدر الدين حسن بن عجلان الحسني نائب السلطنة
بمكة وجميع الأقطار الحجازية، زاده الله رفعة، وهو الذي أنشأه، وهذه
منقبة ما عرفت مثلها لأحد ممن تقدم من أمراء مكة، وتاريخه سنة ثلاث
وثمانمائة، وهو مقابل المدرسة المقابلة للمدرسة المجاهدية، وله عليه
أوقاف بمكة ومنى ووادي مر4.
ومنها: رباط الجمال محمد بن فرج المعروف بابن بعلجد5 قريبا من هذ
الرباط وباب الحزورة، وتاريخه سنة سبع وثمانين وسبعمائة، وهو وقف على
الفقراء المنقطعين بمكة6.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في "منتخب شفاء الغرام": "الأقزري".
2 إتحاف الورى 2/ 504.
3 إتحاف الورى 3/ 420.
4 إتحاف الورى 3/ 423، العقد الثمين 4/ 96.
5 هذه الكلمة من زيادة كتاب منتخب شفاء الغرام "ص: 110.
6 إتحاف الورى 3/ 349، والعقد الثمين 2/ 254.
ج / 1 ص -433-
ومنها: رباط قبالة باب المسجد الحرام
المعروف بباب أجياد، أمر بإنشائه وزير مصر تقي الدين عبد الوهاب بن عبد
الله المعروف بابن أبي شاكر1 قبل أن يلي الوزارة في سنة خمسة عشرة
وثمانمائة، ومات قبل كمال عمارته، وبعد عمارة غالب سفله، فاستصاره
الأمير فخر الدين2 عبد الغني بن أبي الفرج الأستادار الكبير الملكي
المؤيدي فيما ذكره بوجه شرعي، وأمر أمير مكة الشريف حسن بن عجلان
بتكميل عمارته، فبني بأمره جانب كبير من علوه ومن سفله في سنة عشرين
وثمانمائة، وفي ذي القعدة من السنة قبلها مات ابن أبي شاكر، ومات ابن
أبي الفرج في نصف شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة قبل كمال عمارته،
والفقراء الآن فيه ساكنون، وله باب في باب أجياد الصغير غير بابه الذي
بالشارع الأعظم3.
ومنها: رباط السلطان شاه شجاع4 صاحب بلاد فارس قبالة باب الصفا، ويقال
له: رباط الشيخ غياث الدين الأبرقوهي الطبيب لتوليه لأمره وعمارته، وله
فيه سعى مشكور أعظم الله له فيه الأجور، وتاريخه سنة إحدى وسبعين
وسبعمائة، وهو وقف على الأعاجم من بلاد فارس المجردين المتقين دون
الهنود5.
ومنها قربه رباط يقال له رباط البانياسي على يسار6 الذاهب إلى الصفا،
وتاريخه سنة خمس وعشرين وستمائة، وقفه الأمير فخر الدين أياز بن عبد
الله البانياسي على الفقراء المعروفين بالتدين والصلاح في التاريخ
المذكور7.
ومنها: الدار المعروفة بدار الخيزران قرب الصفا مبدأ المسعى، ولا أعرف
واقفها ولا متى وقفت.
ومنها: الرباط المعروف برباط العباسي بالمسعى وفيه العلم الأخضر وكان
مطهرة ثم جعل رباطا، والذي عمله مطهرة الملك لمنصور لاجين المنصوري،
والذي عمله رباط: ابن أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون الألفي أعظم
الله أجرهما، واسمهما مكتوب فيه على ما بلغني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 توفي سنة 819هـ "الضوء اللامع 5/ 102، 103 رقم 384".
2 ذكره الفاسي في العقد الثمين وقال إنه أمر بتكملة عمارة الرباط الذي
أمر بإنشائه الوزير قبله تقي الدين عبد الوهاب... وهو برأس زقاق جياد
الصغير مقابل المسجد الحرام بينهما مسيل الوادي. "الضوء اللامع 4/ 248-
251 رقم 649".
3 إتحاف الورى 3/ 500.
4 هو شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي. مات سنة 787هـ. وقيل: 786هـ
"الدرر الكامنة 2/ 187".
5 إتحاف الورى 3/ 311.
6 في "منتخب شفاء الغرام" "ص: 111": يمين، وفي إتحاف الورى 3/ 44:
"يسار".
7 إتحاف الورى 3/ 44.
ج / 1 ص -434-
ومنها: رباط الشيخ أبي القاسم بن كلالة
الطيبي بالمسعى قرب هذا الرباط، وتاريخه سنة أربع وأربعين وستمائة1.
ومنها بالمسعى أيضا: رباط المروة على يسار الذاهب إليها يقال له رباط
التميمي والذي وقفه هو الشخ أبو العباس ويقال: أبو جعفر أحمد بن
غبراهيم بن عبد الملك بن مطرق التميمي المرين الفنجيري2، وقفه على
الفقراء من أهل الخير والدين والفضل من العرب والعجم المتأهلين وغيرهم،
على ما يليق بكل واحد منهم من المنازل، في العشر الأوسط من شوال سنة
عشرين وستمائة، ووقف عليه الحمام الذي بأجياد، وقد ظفرت بكتاب وقف
الحمام ثم ذهب مني3.
وبأعلى مكة عدة ربط، منها: رباط علي بن أبي بكر بن عمران العطار المكي،
ولم يثبت وقفه إلا بعد موته، في سنة موته وهي سنة إحدى وثمانمائة4.
ومنها: رباط يعرف بأبي سماحة لسكناه به قرب المجزرة الكبيرة من أعلاها
على يمين الذاهب إلى المعلاة، وقفه الأمير قايماز بن عبد الله السلطاني
سلطان الروم والأرمن أبي الفتح قلج بن أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان
بن مسعود بن قلج أرسلان السلجوقي على المجاورين والمقيمين والمنقطعين
بمكة من أصحاب الإمام أبي حنيفة في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، هذا معنى
ما في الحجر الذي على بابه5.
ومنها: بأعلى مكة أيضا ثلاثة ربط، يقال لها ربط الأخلاطي، بعضها وقف
على النساء الحنفية من المجاورات والقادمات، وبعضها وقف على أهل مدينة
أخلاط الصالحين القاصدين لبيت الله الحرام، وبعضها وقف في سنة تسعين
وخمسمائة6، وبعضها في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة7.
ومنها: رباط يقال له: رباط الوتش بتاء مثناة من فوق وشين معجمة قرب هذا
الرباط.
ومنها: رباط العطية بن خليفة المطيرن8 أحد تجار مكة في عصرنا.
وبزقاق الحجر بمكة رباطان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 64، العقد الثمين 1/ 120.
2 في العقد الثمين 3/ 5: الفنجيري".
3 إتحاف الورى 3/ 37.
4 الضوء اللامع 5/ 205، 206 رقم 683، إتحاف الورى 3/ 417، العقد الثمين
6/ 147.
5 إتحاف الورى 2/ 545، العقد الثمين 120، 7/ 84.
6 إتحاف الورى 2/ 561.
7 إتحاف الورى 2/ 562، والعقد الثمين 5/ 247.
8 في المنتخب "ص: 112" والزهور المقتطفة: "المطيبين" وهو الصواب.
ج / 1 ص -435-
أحدهما: رباط المعز إبراهيم بن محمد
الأصبهاني سبط الشيخ قطب الدين القسطلاني1 وقفه على الفقراء والمساكين
المجاورين بمكة من أهل الخير والديانة من أي صنف كانوا من العرب
والعجم، في سلخ رجب سنة تسع وأربعين وسبعمائة2.
والثاني: رباط السيدة أم الحسين بنت قاضي مكة شهاب الدين الطبري وقفته
على الفقراء والمساكين في شعبان سنة أربعة وثمانين وسبعمائة3.
وبسوق الليل عدة ربط: منها رباط يقال له: رباط سعيد الهندي لسكناه فيه
وما عرفت واقفه ولا تاريخه.
ومنها: الموضع الذي يقال له: بت المؤذنين، وواقفه هو واقف رباط الخوزي
على شرطه، وتاريخ وقفه سنة سبع عشرة وستمائة4.
ومنها: الموضع الذي يقال له: زاوية أم سليمانن وتاريخها سنة اثنتين
وسبعين وسبعمائة5.
وبأجياد عدة ربط: منها الموضع الذي يقال له: رباط الزيت لا أعرف واقفه
ولا متى وقف.
ومنهاك رباط يقال له: رباط غزي بغين وزاي معجمتين وقفه على بن محمد
المصري على الفقراء والمساكين المجردين من أي جنس كان من المسلمين سنة
اثنتين وعشرين وستمائة.
ومنها: رباط يعرف برباط الساحة، وكان موجودا في أثناء القرن السابع،
ووقفه جماعة من النسوة، منهن والدة الشيخ قطب الدين القسطلاني على
الفقراء والغريبات المتدينات.
ومنها: الرباط المعروف برباط ربيع، وهو واقفه على موكله في ذلك السلطان
الملك الأفضل نور الدين علي6 ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب،
وتاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في النتخب "ص: 112": القسطلاني" وسيأتي هكذا بعد قليل في المتن.
2 إتحاف الورى 3/ 238، العقد الثمين 1/ 334.
3 إتحاف الورى 3/ 430،والعقد الثمين 1/ 121، 8/ 331.
4 إتحاف الورى 3/ 31.
5 إتحاف الورى 3/ 313،والعقد الثمين 8/ 343.
6 تسلطن بدمشق وتوفى سنة 622هـ. انظر عنه: مفرج الكروب لابن واصل 2/
423، ذيل الروضتين لأبي شامة "ص: 145"، شفاء القلوب "ص: 256"، التكملة
للمنذري 3/ 140، البداية والنهاية 13/ 108، أمراء دمشق 58، النجوم
الزاهرة 6/ 262، شذرات الذهب 5/ 101، ترويح القلوب في ذكر ملوك بني
أيوب للزبيدي 69.
ج / 1 ص -436-
وقفه في العشر الأوسط من ذي الحجة سنة أربع
وتسعين وخمسمائة، وهو وقف على الفقراء المسلمين الغرباء1.
ومنها: رباط بقرب رباط ربيع، أمر بإنشائه أمير مكة السيد حسن بن عجلان،
وهو ملاصق لحوش داره التي أنشأها بأجياد. وقد عمر غالب سفله إلا قليلا
منه وجانب من علوه، وفي سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة استؤجر بعض البناة
بمكة على تكميل عمارته وشرع في ذلك، وكان أمر الشريف حسن بإنشائه في
سنة عشرة وثمانمائة وأدخلت فيه البئر المعروف ببئر عفراء2.
ومنها: رباط يعرف برباط بنت التاج، ولا أعرف واقفه في الابتداء، وله
أزيد من مائتي سنة، وعلى باب حجر مكتوب فيه أنه وقف على النساء
الصوفيات الأخيار والمجاورات.
ومنها: رباط يعرف برباط المسكينة.
ومنها بالحزامية بزاي معجمة: الرباط المعروف برباط الدمشقية، وقف على
الصوفية والعلماء والقراء والفقراء من أهل دمشق والعراقيين العرب
والعجم في رجب سنة تسع وعشرين وخمسمائة3.
ومنها: الرباط المعروف برباط الدوري، وقفه الشيخ نجيب الدين أبو الحسن
بن محمد بن جبريل الزرندي على أهل سادة زرند القادمين إلى حج البيت
الله الحرام، وله أزيد من ثلاثمائة سنة.
ومنها: رباط يعرف برباط السبتية بسين مهملة وباء موحدة ثم تاء مثناة من
فوق ثم ياء مثناة من تحت كان موجودا في سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
ومنها: رباط خلف رباط الدوري للنسوة، وكان موجودا في أثناء القرن
السابع.
ومنها: رباط بقرب هذه الربط يقال له رباط بنت الحرابي بحاء وراء
مهملتين وألف وباء موحدة لسكناها به، وبلغني أنها وقفته.
ومنها: رباط يعرف برباط الوراق بقرب باب إبراهيم لا أعرف واقفه ولا متى
وقف.
ومنها: رباط الموفق جمال الدين علي بن عبد الوهاب الإسكندري، وقفه على
فقراء العرب الغرباء ذوي الحاجات المتجردين، ليس للمتأهلين فيه حظ ولا
نصيب في سنة أربع وستمائة، كذا هو مكتوب في الحجر الذي على بابه، وفيه
العرب مضبوطة بفتح اليعن والراء المهملتين، وهذا الرباط بأسفل مكة4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 564.
2 إتحاف الورى 3/ 508.
3 إتحاف الورى 2/ 504.
4 إتحاف الورى 3/ 6، العقد الثمين 6/ 204.
ج / 1 ص -437-
وفي جهة الشبيكة بالمسفلة عدة ربط: منها:
الرباط الذي يقال له: رباط أبي رقيبة، لسكناه به ويقال له رباط العفيف
والعفيف المشار إليه: هو الأرسوفي صاحب المدرسة التي بقربه، وقفه عن
نفسه وعن موكل شريكه فيه القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عل البيساني1 سنة
إحدى وتسعين وخمسمائة، على ما في الحجر الذي على بابه، وفيه أنه وقف
على الفقراء والمساكين العرب والعجم، الرجال دون النساء، القادمين إلى
مكة والمجاورين، على أن لا يزيد الساكن في السكنى على ثلاث سنين إلا أن
تقطع أقدامه، وسكناه في السفر إلى مسافة القصر.
ومنها: رباط به بقربه يعرف برباط الطويل، بنى في عشر السبعين وسبعمائة
فما أحسب.
ومنها: رباط الجهة، وهي الآدر الكريمة جهة الطواشي فرحات زوج الملك
الأشرف إسماعيل بن لفضل صاحب اليمن وأم أولاده ضاعف الله أجرها وأعلى
قدرتها، ويقال له: رباط الشيخ على البغدادي لتوليته لأمره وعمارته،
وتاريخ وقفه سنة ست وثمانمائة، وهو وقف على الفقراء الآفاقين المجردين
عن النساء المستحقين للسكنى2.
ومنها: رباطان قرب الموضع الذي يقال له الدريبة: أحدهما يعرف برباط ابن
السوداء لسكناه به، وعلى بابه حجر مكتوب فيه: أن أم خليل خديجة، وأم
عيسى مريم: ابنتي القائد أبي ثامر المبارك بن عبد الله القاسمي وقفتاه
على الصوفيات المتدينات الخاليات من الأزواج، الشافعيات المذهب، في
العشر الأول من شهر ربيع الأول سنة تسعية وخمسمائة3، ويقال له أيضا:
رباط الهريش بتشديد الراء المهملة.
والآخر: يعرف بابن غنايم، وعلى بابه حجر مكتوب فيه ما معناه: وقفه
السلطان الملك العادل ملك الجبال والثغور والهند محمد بن أبي على، على
الصوفية الرجال العرب والعجم، على أن يكون عدد الساكنين فيه عشرة لا
غير سواء كانوا مجاورين أو مجتازين، وبعضهم مقيم وبعضهم مجتاز، وذلك
سنة ستمائة4... انتهى.
فهذه الربط المعروفة الآن بمكة أجل الله ثواب واقفيها ومن أحسن النظر
فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وزير السلطان صلاح الدين الأيوبي، وتوفي سنة 596هـ. ترجمته في: خريدة
القصر "القسم المصري" 1/ 35، معجم البلدان 1/ 788، مرآة الزمان 8/ 873،
ذيل الروضتين، الجامع لابن الساعي 9/ 28، وفيات الأعيان الترجمة 347،
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 53، البداية والنهاية 13/ 24، التكملة
1/ 351، الفلاكة للدلجي 89، السلوك للمقريزي 1/ 153، حسن المحاضرة 1/
270، شذرات الذهب 4/ 324.
2 إتحاف الورى 3/ 438.
3 إتحاف الورى 3/ 561.
4 إتحاف الورى 2/ 570، العقد الثمين 1/ 123.
ج / 1 ص -438-
وبمكة أوقاف كثيرة على جهات من القربات،
غالبها الآن غير معروف لتوالي الأيدي عليها، ومن المعروف منها:
البيمارستان المستنصري العباسي بالجانب الشمالي من المسجد الحرام،
وتاريخ وقفه سنة ثمان وعشرين وستمائة1، وعمره في عصرنا هذا الشريف حسن
بن عجلان صاحب مكة عمارته التي هو عليها الآن، وزاد فيه على ما كان
عليه أولا إيوانين: أحدهما: في جهته الشامية، والآخر: في جهته الغربية،
وأحدث فيه صهريجا ورواقا فوق الإيوانين اللذين أحدثهما، وفوق الإيوان
الشرقي الذي كان فيه من قبل، وجدد هو عمارته، وفوق الموضع الذي فيه
الشباكان المشرفان على المسجد الحرام، وأدخل فيه البئر التي كان يستقي
منه للميضأة الصرغتمشية، ووقف جميع ما بناه وما يستحق منافعه في الموضع
المذكور للمدة التي يستحقها على الضعفاء والمجانين، ووقف عليه منافع
الدار المعروفة بدار الإمارة عند باب بني شيبة بعد عمارته لها حين
تخربت بالحريق الذي وقع في آخر ذي القعدة من سنة أربع عشرة وثمانمائة2،
وذلك بعد استئجاره لها واستئجاره للبيمارستان المذكور لتخربهما، من
القاضي الشافعي بمكة لمدة مائة سنة، وأذن له في صرف أجرة الموضعين في
عمارتها، وكان استئجاره لذلك في شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة
وثمانمائةن وفيها شرع في عمارتها وكان وقفه لذلك في صفر سنة ست عشرة
وثمانمائة3.
ووقف المنافع يتمشى على رأي البعض من متأخري المالكية، وحكم به بعض
طلبة المالكية ليثبت أمره، وإن كان بعض المعتبرين من المالكية لا يرى
جوازه، كما هو مقتضى مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رحمة الله
عليهم والله يوقفنا أجمعين للخير آمين.
ذكر السقايات والبرك بمكة
المشرفة وحرمها وعرفة:
بمكة وحرمها عدة سقايات، تسمى أيضا السبل بسين مهملة وباء موحدة
مضمومتين جمع سبيل، وشهرتها عند الناس بالسبل أكثر، وهي كثيرة إلا أن
بعضها صار لا يعرف لخرابه وبعضها معروف مع الخراب.
فمن ذلك: سبيل عطية بن ظهيرة بأعلى مكة4، وسبيل قاسم الزنكي عند مسجد
الراية، وسبيل السيدة أم الحسين بنت القاضي شهاب الدن الطبري بالمسعى
عند موضع الجزارين والخرازين، وسبيل لابن بلعجد عند عين بازان التي
بالمسعى قرب الميل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 49، العقد الثمين 1/ 123،غاية المرام 2/ 293.
2 إتحاف الورى 3/ 487، 488، والعقد الثمين 1/ 50.
3 إتحاف الورى 3/ 507.
4 جردة القاضي أبو السعادات بن ظهيرة في أوائل سنة ست وخمسن وثمانمائة.
ج / 1 ص -439-
الأخضر الذي بمنارة باب علي والمقابل له،
وسبيل السيد الشريف حسن بن عجلان سلطان الحجاز في عصرنا برباطه الذي
أنشأه، بلغه الله مناه.
ومنها بأعلى مكة سبيل لأم المتصوفة عند تربتها بالمعلاة قرب دار
المعلاة. ومنها: سبيل أنشأه القاضي زين الدين عبد الباسط1 ناظر الجيوش
المنصورة في سنة ست وعشرين وثمانمائة بالمعلاة على يمين النازل من
الحجون2.
ومنها سبيل لعطية المطير في طرف المقبرة من أعلاها عند البئر التي يقال
لها بئر الطواشي.
ومنها: السبيل الذي أنشأه القائد سعد الدين جبروه.
ومنها: السبيل المعروف بسبيل ابن صنداد، وليس هو المبتكر له، لأن بعض
أمراء الملك الكامل ولد الملك المسعود صاحب مكة عمر ذلك.
ومنها: سبيل فوق هذا السبيل إلى جهة منى للسيد الشريف حسن بن عجلان
صاحب مكة أمر بعمارته في سنة اثني عشرة وثمانمائة وعنده مسجد.
ومنها: السبيل الذي يقال له سبيل الست، وهو مشهور بطريق منى، والست
المنسوبة إليها عمارته هي أخت الملك الناصر حسن صاحب مصر، وتاريخ
عمارتها سنة إحدى وستين وسبعمائة3.
ومنها: سبيل المعلم عبد الرحمن بن عقبة المكي بقرب منى.
ومنها سبيل بمنى لعطية المطير.
وبمنى عدة سبل عامرة، وبمزدلفة، وعرفة.
وبطريقهم سبل متخربة معطلة، وبعضها لا يعرف، وقد أشرنا إليها في أصل
هذا الكتاب.
وبأسفل مكة مما يلي التنعيم عدة سقايات منها: سبيل الزنجيلي، ويقال له:
سبيل أبي راشد لتجديده له، ويقال له: سبيل المكيين لتجديده له أيضا،
وتاريخ عمارة الزنجيلي له سنة عشرين وستمائة. كذا في حجر فيه، وهي
عمارة تجديد، لأن الزنجيلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الباسط بن خليل الدمشقي القاهري: ولد سنة 784 بدمشق، وتوفي
بالقاهرة سنة 854هـ.
قال السخاوي: وله من المآثر والقرب المنتشرة بأقطار الأرض ما يفوق
الوصف؛ فمن ذلك كل من المساجد الثلاثة وبدمشق وغزة والقاهرة مدرسة ....
وأصلح كثيرا من مسالك الحجاز، ورتب سحابة تسير في كل سنة من كل من دمشق
والقاهرة إلى الحرمين ذهابا وإيابا برسم الفقراء والمنقطعين "الضوء
اللامع 3/ 24- 27 رقم 81".
2 إتحاف الورى 3/ 559، 600، والإعلام بأعلام بيت الله الحرام "ص: 212".
3 إتحاف الورى 3/ 286.
ج / 1 ص -440-
توفي قبل ذلك على ما ذكر ابن شاكر الكتبي
بسبع وثلاثين سنة، وتاريخ عمارة أبي راشد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة،
وتاريخ عمارة المكين سنة ثمان وثمانمائة1.
ومنها: السبيل الذي يقال له: سبيل بنت القاضي عبد الرحمن بن عقبة
المكي، وسبيل آخر أنشأته السيدة زينب بنت القاضي شهاب الطبري صدقة عن
أخيها القاضي نجم الدين محمد ابن القاضي شهاب الدين الطبري2 سنة خمس
وستين وسبعمائة، وهو الآن معطل لخرابه.
ومنها: سبيل الملك المنصور صاحب اليمن وهو مشهور.
ومنها: السبيل المعروف بسبيل الجوخي، وهو الآن لخرابه. ورأيت فيه حجرا
ملقى مكتوبا فيه: أن المقتدر العباسي ووالدته أمرا بعمارة هذه السقاية
والآبار التي وراءها وتصدقا بها، وفيه: أن ذلك سنة اثنتين وثلاثمائة3.
ومنها: سبيل دون هذا السبيل إلى مكة عمره الشهاب المكين السابق أجزل
الله ثوابه في سنة ثمان وثمانمائة، وإلى جانب ذلك حوض للبهائم1.
وكان بمكة سقايات أكثر مما ذكرنا بكثير، لأن الفاكهي قال: لما ذكر
السقايات وبمكة في فجاجها وشعابها من باب المسجد إلى منى ونواحيها
ومسجد التنعيم نحوا من مائة سقاية... انتهى.
ذكر البرك بمكة وحرمها:
بمكة وحرمها عدة برك لا أدري من أنشأها، ويقال لها: المصانع.
منها بركتان عند باب المعلاة متلاصقتان جددتا في دولة الملك الناصر
حسن، صاحب مصر، وذلك في ولايته الأولى سنة تسع وأربعين وسبعمائة4،
وعمرتا بعد ذلك غير مرة. منها: في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة5،
وعمارتها في هذه السنة عمارة حسنة لإصلاحهم بالنورة ما يحتاج إلى
الإصلاح فيهما، ونوروا في بعض الجدران ما لم يكن منورا قبل ذلك، ورفعوا
جميع جوانبها عن الأرض، والذي رفعوه من ذلك نحو ذراع، وفي بعض المواضع
أكثر، وعمدوا إلى الحاجز الذي بين البركتين فهدموا الجدار الذي يليه
إلى صوب الطريق العظمى، وبنوا هناك ثبرتين6، وعملوا عليهما عقدا مشرفا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 449.
2 إتحاف الورى 3/ 301، العقد الثمين 6/ 338، وفيه: "لأنه توفي في هذا
العام".
3 إتحاف الورى 3/ 363، العقد الثمين 3/ 416، غاية المرام 2/ 537، 3/
129.
4 إتحاف الورى 3/ 237، والسلوك 3/ 2: 766- 768، 769.
5 إتحاف الورى 3/ 560.
6 الثبرة: حفرة تمسك الماء كالصهريج.
ج / 1 ص -441-
وعملوا في موضع العقد بابا شبحا من عرعر
يغلق دون الصغار، ومن يريد النزول إلى الماء، خوفا على الماء من تغيره
بالنزول فيه، وعملوا تحت الباب درجا.
والآمر بهذه بالعمارة علاء الدين القائد.
ومنها: بركتان متلاصقتان: إحداهما يلصق بسور باب المعلاة ببستان
الصارم، وكانتا معطلتين فعمرت إحداهما في النصف الثاني من سنة ثلاث
عشرة وثمانمائة، وملئت في عين بازان بعد جريها، والذي أمر بعمارتها
وإجراء الماء فيها الشهاب بركوت المكين1.
ومنها: بركتان عند مولى النبي صلى الله عليه وسلم بسوق الليل تنسبان
للمسلماني على ما بلغني.
ومنه: بأسفل مكة بركة يقال لها: بركة باب الماجن، لأنها عند باب مكة
المعروف بباب الماجن.
ومنها: بحرم مكة مما يلي منى وعرفة عدة برك، منها: البركة المعروفة
ببركة السلم، لا أدري من أنشأها، وجددها الأمير المعروف بالملك نائب
السلطنة بمصر، وعمر العين التي تصل إليها من منى، وذلك في سنة خمس
وأربعين وسبعمائة2.
وبطرف منى مما يلي المزدلفة في طريق عرفة برك أخر معطلة أيضا لخرابها،
أشرنا إليها في أصل هذا الكتاب.
وبعرفة عدة برك، وغالبها الآن ممتلي بالتراب حتى صار ذلك مساويا للأرض،
وبعضها من عمارة العجوز والدة المقتدر، وذلك خمس برك، وتاريخ عمارتها
سنة خمس عشرة وثلاثمائة3.
وبعضها عمره المظفر صاحب إربل في سنة أربع وتسعين وخمسمائة4، وفيما
بعدها، وبعضها عمره إقبال الشرابي المستنصري العباسي في سنة ثلاث
وثلاثين وستمائة5، وعمارتها للبرك المكتفة بعين عرفة أيضا. واسم إقبال
باق على بعض البرك التي حول جبل الرحمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المنتخب: "وهو شهاب الدين عتيق سعيد المكيني مكين الدين اليمني،
مات سنة 830هـ. قال السخاوي: "ومن مآثره بطريق أنس: سبيل وحوض البهائم"
"الضوء اللامع 3/ 15 رقم 61" وانظر تلك العمارة في إتحاف الورى 3/ 482.
2 إتحاف الورى 3/ 228، العقد الثمين 3/ 331.
3 إتحاف الورى 2/ 373، درر الفرائد 234.
4 إتحاف الورى 2/ 564، درر الفرائد 267.
5 إتحاف الورى 3/ 50، العقد الثمين 3/ 325.
ج / 1 ص -442-
عمر بعضها الملك نائب السلطة بمصر، ثم عمر
بعضها في دولة الملك الأشرف شعبان صاحب مصر.
ذكر الآبار التي بمكة
وحرمها:
ذكر الأزرقي شيئا من خبر الآبار الجاهلية والإسلامية بمكة وحرمها
وبعرفة، وليس يعرف ههنا الآن مما ذكره الأزرقي إلا القليل كما سنبينه،
ولذلك اقتصرنا هنا على تعريف هذه الآبار بما تعرف به الآن. وجملة
الآبار التي يحتوي عليها سور مكة ثمانية وخمسون بئرا منها: برباط
السدرة، وهي سجلة1 -بسين مهملة وجيم- حفرها هاشم بن عبد مناف بن قصي بن
كلاب، وقيل: حفرها قصي ووهبها عبد المطلب بن هاشم للمطعم بن عدي، وقيل:
إن جبير بن مطعم ابتاعها من ولد هاشم2.
ومنها: بئر برباط الشرابي.
ومنها: بئر بالمدرسة الأفضلية.
ومنها: بئر بالميضأة الصرغتمشية.
ومنها: بئر برباط أم الخليفة، وهو العطيفية.
ومنها بئر برباط الفقاعية.
ومنها: بئر برباط الميناشي.
ومنها: بئر بالمدرسة المنصورية.
ومنها: بئر عند باب الحزورة، عليها جميزة كبيرة حفرها المهدي العباسي.
ومنها: بئر في الدار المعروفة بالملاعنة.
ومنها: بئر بالمدرسة المجاهدية.
ومنها: بئر برباط كلالة بالمسعى.
ومنها: بئر بالمطهرة الناصرية عند باب بني شيبة.
ومنها: بئر بميضأة الملك الأشرف شعبان، عمرها جده الملك الناصر سنة ست
وسبعمائة لأجل رباط العباس فيما أحسب، فإن منها إليه قناة ليسكب فيها
الماء.
ومنها: بئر الحمام الذي بسوق الليل.
ومنها: بئر بقرب مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسوق الليل، تعرف
بالسماطية لعلها بئر عبد شمس بن عبد مناف بن قصي المعروفة بالطوى التي
ذكرها الأزرقي3، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سجلة؛ بفتح أوله وسكون ثانية، والسجل: الدول إذا كان فيه ماء سوء قل
الماء أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سجل.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 217.
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 218.
ج / 1 ص -443-
ومنها: بئر بقربها ينسب لأبي مغامس أحد
تجار مكة، لأنه عمرها، وعندها مسجد.
ومنها بقرب ذلك: بئر في دار عطية المطيري.
ومنها: بئران في المعلاة بالشعب الذي تسميه الناس شعب عامر، وهو شعب
عبد الله بن عامر بن كربز، إحداهما في بستان في هذا الشعب، والأخرى بفم
الشعب1.
ومنها: بئر في البستان الذي عند باب المعلاة، ويقال لها: المنقوس.
ومنها: بئر تعرف بأم الفاغية عند سبيل ابن ظهيرة.
ومنها: بئر عند مسجد الراية، وهي بئر جبير بن مطعم التي ذكرها
الأزرقي2، والله أعلم.
وبأجياد عدة آبار منها: بئر برباط في جانب الوادي. ومنها: بئر يقال
لها: أم الزين، عند بيت الشريفة فاطمة بنت ثقبة صاحب مكة. ومنها: بئر
يقال لها: الوردية. ومنها: بئر يقال لها: بئر عكرمة، ذكرها الأزرقي3.
ومنها بئر يقال لها: بئر مسعود، ويقال له أيضا: أم الفاغية. ومنها: بئر
يقال لها: بئر المعلم ومنها: بئر عند بيوت الداجوة يقال لها: أم حجر.
ومنها: بئر برباط بنت التاج. ومنها بئر عند حمام أجياد.
وبالحزامية بأسفل مكة بالحاء المهملة وزاي معجمة عدة آبار، منها: بئر
برباط الدمشقية، عمرتها فيما أحسب زوجة تقي الدين ابن أخي صلاح الدين
يوسف بن أيوب سنة تسع وثمانين وخمسمائة. ومنها: بئر برباط الدوري.
ومنها: بئر برباط السبتية.
ومنها: بئر يقال لها: بئر النبي صلى الله عليه وسلم، والناس يستشفون
بماء هذه البئر، ولعلها والله أعلم السنبلة، بئر خلف بن وهب الجمحي
التي ذكرها الأزرقي رحمه الله، وقال: يقال: إن النبي صلى الله عليه
وسلم: بصق فيها، وإن ماءها جيد4 من الصداع، والله أعلم.
وبالحجارية من المسفلة عدة آبار:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يوجد بفم الشعب الآن بئر يقال لها: "بئر أبو دية" لعلها هي.
2 هي بئر شجلة عند الأزرقي في أخبار مكة 2/ 217.
3 بأجياد الصغير في الشعب الذي قال له الأيسر "أخبار مكة للأزرقي 2/
225".
4 كذا بالأصل، وفي أخبار مكة للأزرقي 2/ 219 أيضا ولعله أراد: "جيد
يشفي من الصداع".
ج / 1 ص -444-
منها: بئر عند بيوت عرفطة، يقال لها: أم
الحمرة بحاء مهملة مضمومة وميم وراء مفتوحتين1. ومنها: بئر عند البيوت
المعروفة بالأشراف ذوي علي، مما يلي باب الماجن، وهما بقرب الموضع الذي
يقال له: بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ومنها: بئر في زقاق ضيق نافذ بقرب أم الحمرة2. ومنها: بئر في بستان علي
بن يوسف بن أبي الأصبع عند باب الماجن. ومنها: بئر قبالة هذه البئر في
الودنة.
وبمسيل وادي إبراهيم بالمسفلة وما يليه من البيوت عدة آبار، منها:
البئر المعروفة بباب إبراهيم3. ومنها: بئر برباط الموفق. ومنها: بئر
ينسب للقائد زين الدين شكر4 مولى الشريف حسن بن عجلان صاحب مكة، ومنها:
بئر بجنبها إلى أسفل مكة في البيت المعروف بأحمد بن عبد الله الدوري
الفراش بالحرم الشريف. ومنها: بئر بقربها في بيت يعرف ببيت الينبوعي
على يسار الذاهب إلى باب الماجن5. ومنها: بئر في جهة الشبيكة يقال لها:
بئر النشوة. ومنها: بئر في الشبيكة أيضا بقرب المقبرة عند بيوت رقية،
يقال لها: مجنة، ولها قرنان. ومنها بئر قرب باب الشبيكة عمرها العفيف
الهبي، وبنى عليها سبيلا6 هو الآن خراب، ومنها بأسفل مكة: بئر أيضا
بالموضع الذي يقال لها خرابة قريش التي عمرها الشهاب بركوت بن عبد الله
المكين ومنها: بئر في وسط السويقة، عليها بيت ينسب للبليني، يقال: إنها
من عمارة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه والله أعلم. ومنها: بئر في
الموضع المعروف بدار الحفرة بالسويقة. ومنها:
بئر بقعيقعان عند وقف على بن أبي بكر بن عمران العطار. فهذه الآبار
التي حواها سور مكة فيما علمت، ولم أذكر فيها الآبار التي لا ماء فيها،
وجميعها مسبلة إلا البئر التي في بيت المطيبيز بأعلى مكة، والبئر التي
في بيت القائد زين الدين شكر، والبئر التي في بيت أحمد الدوري، والبئر
التي في بيت الينبوعي، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ما زال ذلك الزقاق يسمى باسم "زقاق الخمرة" ولكن البئر التي هناك،
وهي موجودة إلى الآن اسمها بئر المدعون.
2 المعروف الآن عند بيت أبي بكر الصديق "البازان المسمى بازان القبة"
وفي أول زقاق القبة الضيق بئر مهجورة اسمها بئر زقاق القبة، ومن الجهة
الجنوبية لبركة الصديق بئر أخرى ما زالت باقية إلى الآن.
3 هذه البئر ما زالت موجودة يستقي منها الناس، وهي في دهليز المدرسة
المسماة بالمدرسة الفخرية في باب إبراهيم.
4 توفي سنة 845هـ بعد أن أوصى ببيت من بيوته يجعل رباطا وبآخر يوقف
عليه، وبعد سنين بنى ابنه "بديد" رباطا ووقف البيت عليه "الضوء اللامع
3/ 306 رقم 1174".
5 لعلها البئر الموجودة حتى الآن بين بيت الشريف العمري، وبيت السيد
الغلالي، على ناصية زقاق المسفلة.
6 في الأصل: "وبنى عندها سبيلا".
ج / 1 ص -445-
ذكر الآبار التي بين المعلاة
ومنى:
بين باب المعلاة ومنى سبع عشرة بئر -بتقديم
السين- منها: بئر قرب باب المعلاة تنسب لأم سليمان المتصوفة عند
تربتها، وتنسب أيضا للملك المسعود صاحب مكة، ومنها: بئر يقال لها: بئر
الطواشي عند طرف المقبرة من أعلاها. ومنها: بئر بالبستان الذي أنشأه
القائد سعد الدين جبروة. ومنها: بئر ببستانة الذي أمامه إلى جهة منى.
ومنها: بئر ببستان له بن هذين البستانين إلى جهة شعب البياضية. ومنها:
بئر خلف سبيل ابن شداد1 السابق ذكره. ومنها: بئر في بستان ينسب لابن
فطيس أمام هذا السبيل ومنها: بئر في محاذاة المعابدة فيها الماء، ويقال
لها: أم قرنين. ومنها: بئر لا ماء فيها في الموضع الذي يقال لها:
الخرمانية، وهو أودان برأس المعابدة على جادة الطريق على يمين الهابط
إلى مكة. ومنها: البئر التي يقال لها: بئر آدم على يمين الذاهب إلى منى
وليست على جادة الطريق، وممن عمرها الأمير شيخون2 العمري الناصري في
سنة ثمان وخمسين وسبعمائة3. ومنها: بئر يقال لها: البياضية. ومنها: بئر
ميمون بن الحضرمي أخي العلاء بن الحضرمي، وهي التي الآن بالسبيل
المعروف بسبيل الست بطريق منى، وممن عمرها: المظفر صاحب إربل في سنة
أربع وستمائة على ما وجدت بخط عبد الرحمن بن أبي حرمي المكي في حجر
بهذه البئر يتضمن عمارة صاحب إربل لها4، وعرفها ببئر ميمون الحضرمي،
ورأيت لبعضهم ما يقتضي أن بئر ميمون بطريق وادي مر الظهران، وهو وهم،
والله أعلم.
ومنها: بئر محاذية لبركة السلم على يسار الذاهب إلى منى.
ومنها بئر يقال لها: بئر النجار، وتعرف بالمعلم عبد الرحمن بن عقبة
المكي على يسار الذاهب إلى منى أيضا، وممن عمرها الأمير شيخون في سنة
ثمان وخمسين وسبعمائة3، وعَمرها بعده الأمير جركتمر المارديني5 صاحب
الحجاب بالقاهرة، ومقدم العساكر بمكة6 في سنة إحدى وستين وسبعمائة.
ومنها: بئر أمام هذه البئر إلى منى في وجهتها إلى جهة منى عند رأس
الشعب الذي يقال له: شعب البيعة الذي فيه مسجد البيعة السابق ذكره،
وتعرف هذه البئر ببركة مسهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل: "صنداد".
2 هو شيخون الناصري مدير المملكة للسلطان الناصر حسن بن محمد بن
قلاوون. مات سنة 758هـ.
"الدرر الكامنة 2/ 196، 197 رقم 1950".
3 إتحاف الورى 3/ 272.
4 إتحاف الورى 3/ 6.
5 مات قبيل سنة 77هـ. الدرر الكامنة 1/ 534، 535 رقم 1448".
6 إتحاف الورى 3/ 280.
ج / 1 ص -446-
ومنها: البئر المعروفة بصلاصل، وهي من
الآبار الإسلامية على ما ذكره الأزرقي1.
ومنها: بئر بقرب هذه البئر يقال لها: الجنينة بجيم مضمونة ونون مفتوحة
وياء مثناة من تحت ونون، وهي وصلاصل في الجانب الذي يكون على يمين
الذاهب إلى منى، وكلام الأزرقي يقتضي أن البئر المعروفة ببركة مسهر في
صلاصل، لأنه قال: وبئر الصلاصل بفم شعب البيعة عند العقبة، عقبة منى...
انتهى، والله أعلم.
ولم يبين الأزرقي سبب تسميتها بصلاصل، ولعل ذلك نسبتها إلى صلصل بن أوس
بن مخامس بن معاوية بن شريف من بني عمرو بن تميم، لأن الفاكهي روى
بسنده عن هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: كانت العرب في أشهر الحج على
ثلاثة أهواء، منهم من يفعل المنكر وهم المحلون الذين يحلون الأشهر
الحرم فيغتالون فيها ويسرقون، ومنها من كان يكف عن ذلك، ومنهم أهل هوى
شرعه صلصل بن أوس بن مجاسر بن معاوية بن شريف من بني عمرو بن تميم في
قتال المحلين، ثم قال بعد أن ذكر المحرمين: وكانوا يسمونهم الصلاصل،
لأن صلصلا شرع ذلك، وكانوا ينزلون على بئر قريبة من مكة، ثم يتفرقون في
الناس منها، وكانت البئر تسمى ببئر صلاصل... انتهى.
ولكن يعكر على نسبة هذه البئر لصلاصل المشار إليه ما ذكره الأزرقي من
أن صلاصل البئر التي ذكرها من الآبار الإسلامية فإن مقتضى ما ذكره
الكلبي أن تكون من الآبار الجاهلية، والله أعلم بالصواب.
وذكر الأزرقي ما يخالف ما ذكره من أن صلاصل من الآبار الإسلامية، لأنه
قال في الترجمة التي ترجم عليها بقوله: ذكر الآبار الإسلامية، وهي التي
ذكر فيها ما سبق ذكره عنه في صلاصل تلو قوله: عقبة منى، وفيها يقول أبو
طالب:
وتسمله حتى يصرع حوله
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد إليكم
نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل2
...انتهى.
وإذا كان أبو طالب ذكر هذه البئر فهي جاهلية.
ذكر الآبار التي بمنى وهي
خمس عشرة بئرا:
منها: بئر تعرف بالحجامية بقرب جمرة العقبة في بستان عندها. ومنها:
بئر يقال لها: كدانة بدال مهملة مشددة ونون بعد الألف في منزلة المحمل
المصري. ومنها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 226.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 227.
ج / 1 ص -447-
بئر يقال لها: عمارة بفتح العين وتشديد
الميم في الشعب الذي يلي ذلك، وهي حلوة، ومنها: بئر يقال لها:
الكليبية، حلوة أيضا، ومنها: بئر يقال لها: بئر إسماعيل ويقال لها:
دغبح. ومنها: بئر في بيت الجاعفرة عند بيت أبي مغامس في الطريق الوسطى
ومنها: بئر بقرب الشعب الذي يقال له: سمير، ينسب لموسى بن غصون ومنها:
بئر بقربها تنسب لابن فطيس .. ومنها: بئر بقربها يقال لها: أم النخلة،
وتنسب لابن معيوف، ومنها: بئر يقال لها. أم الحمام، حلوة: ومنها: بئر
بقرب أم النخلة، عمرتها زوجة الملك المنصور صاحب اليمن، في سنة خمس
وأربعين وستمائة. ومنها: بئر يقال لها: العسيلة في منزلة بني حسن بمنى.
ومنها: بئر في الشعب الذي يقال له: سمير. ومنها: بئر يقال لها:
العراقيب، حلوة، في الشعب الذي يقال له: شعب عمرو، على يسار الذاهب إلى
عرفة.
وبمنى آبار أُخر في بعض بيوتها لا تعرف على ما بلغني.
ذكر الآبار التي بمزدلفة:
بمزدلفة ثلاثة آبار: منها: بئر قبالة المشعر الحرام على يمين
الذاهب إلى عرفة، ومنها: بئر بقربها في الجهة اليمنى يقال لها: بئر
البقرة، ومنها: بئر في الجهة اليسرى محاذية للمشعر الحرام في منزلة
الركب العراقي، وفيما بين مزدلفة وعرفة: بئر يقال لها: السقيا على يسار
الذاهب إلى عرفة.
ذكر الآبار التي بعرفة:
بعرفة آبار، فيها الآن الماء، فمنها: بئر يقال لها: الزيادة
الكبرى، ومنها: بئر يقال لها: الزيادة الصغرى، ومنها: بئر يقال لها:
الشمردقية، وفيها عدة آبار أخر لا ماء فيها، عمرها المظفر صاحب إربل.
وقد ذكرناها مع تاريخ عمارة المظفر لها في أصل هذا الكتاب، والله أعلم.
ذكر الآبار التي بظاهر مكة
من أعلاها:
فيما بين بئر ميمون بن الحضرمي والأعلام التي هي حد الحرم في طريق
جادة وادي نخلة،وفيما بين بئر ميمون والأعلام المشار إليها خمس عشرة
بئرا:
منها أربعة آبار تعرف بآبار العسيلة، وفي رأس طي بعضها ما يقتضي أن
المقتدر العباسي أمر بحفر بئرين منها، وفي طي بعضها ما يقتضي أن العجوز
والدة المقتدر عمرتها مع سقايات هناك، ومسجد لا يعرف الآن منه شيء، وقد
ذكرنا نص المكتوب في أصل هذا الكتاب والبئر الرابعة من آبار العسيلة
جددها بعد دثورها بعض الآمراء
ج / 1 ص -448-
المصريين في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة1.
وبقية الآبار لا ماء فيها إلا بئر لأبي بكر الحصار، وهي تلي آبار
العسيلة.
ذكر الآبار التي بأسفل مكة
في جهة التنعيم:
فيما بين باب مكة المعروفة بباب الشبيكة والتنعيم ثلاث وعشرون بئرا
بجادة الطريق.
منها: بئر الملك المنصور صاحب اليمن عند سبيله، وتعرف بالزاكية، وقد
ذكرنا هذه الآبار في أول هذا الكتاب أوضح من هذا. ومنها: الآبار
المعروفة بآبار الزاهر الكبير، وبعض هذه الآبار من عمارة المقتدر
العباسي، وبقرب الشبيكة آبار أخر يقال لها: الزاهر الصغير، وهي ثلاثة
آبار منها واحدة لا ماء فيها ولها قرنان، في أحدهما حجر مكتوب فيه
تاريخ عمارتها. وبقرب هذه الآبار بئر ببطن ذي طول على مقتضى ما ذكره
الأزرقي في تعريف ذي طول2. وبأسفل مكة أيضا: بئر يقال لها.
الطنبداوية3.
وبأسفل مكة مما يلي بابها المعروف بباب الماجن عدة آبار، منها بئر
بقربه من خارجه، وبئر بالشعب الذي يقال له: "خم" بخاء معجمة4.
ذكر عيون مكة المشرفة:
روينا بالسند المتقدم إلى الأزرقي قال في العيون التي أجريت في
الحرم: كان معاوية رضي لله عنه قد أجرى في الحرم عيونا، واتخذ له
أخيافا، وكانت حوائط وفيها النخل والزرع، وسردها الأزرقي5، وذكرنا
كلامه في أصل هذا الكتاب. قال: وقد كانت عيون معاوية رضي الله عنه تلك
قد انقطعت وذهبت، فأمر أمير المؤمنين الرشيد بعيون، فعملت وأحييت وصرفت
في عين واحدة، ثم قال: ثم كان الناس بعد تقطع هذه العيون في شدة الحاجة
إلى الماء، وكان أهل مكة والحجاج يلقون في ذلك المشقة حتى أن الراوية
لتبلغ في الموسم عشرة دراهم، وأقل وأكثر، فبلغ ذلك أم جعفر بنت أبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 378، وذكر أن الذي جددها الأمير قطلوبك الناصري.
2 أخبار مكة للأزرق 2/ 107.
3 هي الطنبداوية، وبها سمي الطنبداوي: وهو حي من أحياء مكة.
4 خم: بضم أوله. قال الفاكهي بئر خم قريبة من المثيب، وكان الناس يأتون
خما في الجاهلية والإسلام في الدهر الأول يتنزهون به ويكونون فيهن قال
عبد شمس:
حضرتخما وحفرت رما
حتى ترى المجد لنا قد نما
وكان عبد الله بن عمر يقول وهو بخم:
لا نستقي إلا بخم والحفر
معجم البلدان 2/ 389، 390".
5 أخبار مكة للأزرقي 2/ 227.
ج / 1 ص -449-
الفضل جعفر ابن أمير المؤمنين المنصور،
فأمرت في سنة أربع وسبعين ومائة بعمل بركتها التي بمكة، فأجرت لها عينا
من الحرم فجرت بماء قليل، فلم يكن فيه ري لأهل مكة، وقد غرمت في ذلك
غرما عظيما، فبلغها فأمرت المهندسين أن يجروا لها عينا من الحل.
ثم أمرت من يزن عينها الأولى فوجدوا فيها فسادا، فأنشأت عينا أخرى إلى
جنبها، وأبطلت تلك العيون، فعملت عينها هذه بأحكم ما يكون من العمل،
وعظمت في ذلك رغبتها، وحسنت نيتها، فلم تزل تعمل فيها حتى بلغت ثنية
خل1، فإذا الماء لا يظهر في ذلك الجبل، فأمرت بالجبل فضرب فيه، وأنفقت
في ذلك من الأموال ما لم تكن تطيب به نفس كثير من الناس، حتى أجراها
الله على يديها وأجرت فيها عيونا من الحل، منها عين المشاش2، واتخذت له
بركا تكون فيها السيول إذا جاءت تجتمع فيها، ثم أجرت لها عيونا من حنين
واشترت حائط حنين، فصرفت عينه إلى البركة، وجعلت حائطه سدا يجتمع فيه
السبل. فصارت لها مكرمة لم تكن لأحد قبلها، وطابت نفسها بالنفقة فيها
بما لم تطب به نفس أحد غيرها ... انتهى باختصار. وقد ذكرنا ذلك كله في
أصل هذا الكتاب3.
وذكر أبو الحسن المسعودي في "تاريخه" مقدار ما صرفت زبيدة على هذه
العين، لأنه ذكر أن القاهر العباسي سأل محمد بن علي العبدي الخراساني
الإخباري أن يبسط له في أخبار زبيدة، فذكر أن لها في الجد والعزم ما
بررت به على غيرها، فأما الجد فالآثار الجميلة التي لم يكن في الإسلام
مثلها، مثل حفرها العين المعروفة بعين المشاش بالحجاز، فإنها حفرتها
ومهدت الطريق لمائها في كل خفض ورفع، وسهل ووعر، حتى أخرجتها من مسافة
اثني عشر ميلا إلى مكة، وكان جملة ما أنفقت عليها فيما ذكروا قدر بألف
ألف وسبعمائة ألف دينار4... انتهى باختصار.
وهذه العين في غالب ظني عين مكة المعروفة بعين بازان5 -بباء موحدة وألف
ثم زاي معجمة ثم ألف ونون- لأنها من هذه الجهة، وقد عمر هذه العين
جماعة من الخلفاء والملوك، منهم المستنصر العباسي غير مرة، منها: مرة
في سنة خمس وعشرين وستمائة6. ومنها: مرة في سنة أربع وثلاثين وستمائة.
ومنهم: الأمير جوبان7 نائب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثنية خلة ويقال لها: خل الصفاح،وهي عند منتهى الحرم من طريق العراق،
وطريق السيل للطائف.
2 عين المشاش: بضم الميم. قال ياقوت: يتصل بجال عرفات جبال الطائف،
ومنها مياه كثيرة، منها المشاش وهو الذي يجري بعرفات ويتصل إلى مكة
"معجم البلدان 5/ 131".
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 230- 232.
4 قارن بمروج الذهب 4/ 317.
5 وتعرف الآن بعين زبيدة.
6 إتحاف الورى 3/ 44.
7 إتحاف الورى 3/ 52.
ج / 1 ص -450-
السلطنة بالعراق، عن السلطان أبي سعيد بن
خرابندا ملك التتار، وذلك في سنة ست وعشرين وسبعمائة1، ووصلت إلى مكة
في العشر الأخير من جمادى الأولى من هذه السنة، وعم نفعها وعظم. وكان
جريانها هذا نعمة من الله تعالى ورحمة منه لأهل مكة، فإن الناس كانوا
بمكة في جهد عظيم لقلة الماء بمكة.
ولجد والدي لأمه الشيخ دانيال بن علي بن يحيى المرستاني2 أحد كبار
مشيخة العجم بمكة في جريانها سعي مشكور، أجزل الله له ولمن أعانه على
ذلك الثواب فيه.
وجملة ما صرف على هذه العين في هذه العمارة: مائة ألف درهم وخمسون ألف
درهم على ما قيل، وكانت تحتمل من المصروف زيادة على هذا القدر مثله
وأكثر، والسبب في الاقتصار على القدر المعين: الاستغناء به عن غيره
بسبب ماء وجد فيها حين عمارتها من العين المعمولة المهيأة من قديم
الزمان، وهي أكثر من الثلث وأقل من النصف.
وعمرت بعد ذلك غير مرة في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وهذه العمارة من
جهة السيد الشريف حسن بن عجلان نائب السلطنة بمكة والأقطار الحجازية
أعلى الله قدره، وكان دخولها مكة في آخر العشر الأوسط من جمادى الأولى
منها، وجرت جريا حسنا بحيث امتلأت منها بركة الماجن بأسفل مكة وتعدى
الماء إلى غيرها، وكثر الدعاء له بسبب ذلك لما حصل بها من عظيم النفع،
وبيعت منها الراوية بربع مسعودي، بعد أن كانت بدرهمين مسعوديين وأزيد،
فلله الحمد والشكر، ثم حصل في جريانها قصور في آخر السنة، ثم انصلح
حالها في أول سنة اثنتي عشرة وثمانمائة من غير عمل، ثم تغير حالها
قليلا، ثم عمرت وانصلح حالها كثيرا ثم تغير حالها كثيرا في آخر هذه
السنة. ثم جرت جريا حسنا في العشر الأخير من جمادى الآخرة سنة ثلاث
عشرة وثمانمائة، وهي مستمرة على جريانها إلى الآن. غير أن الماء يكثر
حينا ويقل حينا، ونسأل الله تعالى تيسير الخير، والشهاب بركوت المكين
سلمه الله يحسن في أمرها، لأنه يقوم بمصالحها من سنة ثلاث عشرة
وثمانمائة إلى تاريخه، وهو سنة سبع عشرة وثمانمائة.
ثم بعد ذلك قل ماؤها ولقي الناس بمكة شدة بسبب ذلك، وعرف بهذا الأمر
مولانا السلطان الأعظم الملك المؤيد أبو النصر شيخ صاحب الديار المصرية
والشامية والحمرين، آدام الله تعالى توفيقه وتأييده ونصره، فتطوع بألفي
مثقال ذهبا لعمارة هذه العين، لأنه ما زال بمصالح أهل الحرمين كثير
الاهتمام، وقد يكون منه عليهم الجزيل من الإنعام. وندب القائد علاء
الدين3 لعمارة ذلك، فشرع في العمارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 181.
2 في منتخب شفاء الغرام "ص: 128": "اللرستاني".
3 مات في سنة 828هـ "الضوء اللامع 11/ 163".
ج / 1 ص -451-
والتنظيف والإصلاح حتى وصل الماء لمكة
المشرفة وحصل به النفع، وتضاعفت الأدعية من سكان الحرم لمولانا السلطان
بسبب ذلك. وكان حصول هذا الخير بمكة في شعبان سنة إحدى وعشرين
وثمانمائة1. وابتدأ العمل في جمادى الآخرة من السنة المذكورة.
ثم قل جريان الماء في العين المذكورة بعد قليل من جريانها الأول، ويسر
الله دخول سيل فيها فجرت جريا أحسن من جريها الأول، وصرفت إلى بركتي
المعلاة اللتين على يمين الداخل إلى مكة، فامتلأتا وحصل بهما للحجاج
نفع كثير، ولم يبق فيهما بعد سفر الحاج ما فيه كثير نفع، وعلى الماء
كثيرا، وشق ذلك على الناس، فوفق الله تعالى القائد علاء الدين بعمارة
العين، وبعث إليها عمالا ومهندسا يعمرون فيها ما لم يعمروا في النوبة
الأولى، وبعض ما عمر فيها لتخربه بالسيل، ووصل الماء إلى مكة بعد ذلك
في آخر صفر سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة2، وكان جريه قليلا، فزادوا في
العمارة حتى جرى الماء وعظم النفع به بحيث بيعت الراوية بنصف مسعودي،
وبما يزيد، وبدرهم، وهذا أكثر مما بيعت به الراوية بعد عمارة العين في
النوبة الثانية وبلغني أنها بيعت بجايز.
وقد وصل الماء أي ماء العين إلى البركة التي بأسفل مكة المعروفة ببركة
الماجن خارج باب مكة المعروف بباب الماجن، بعد تنظيف الطريق إليها
وزرعوا بماء العين أودانا بقرب بركة الماجن، فلله الحمد، وفاز القائد
علاء الدين بدعاء جزيل. وكان جريانه القوي في العمارة الثانية في شهر
ربيع الأول من السنة المذكورة، فالله تعالى يثيبه ويحسن إليه ويجزيه
خيرا بمحمد وآله أجمعين.
ومن العيون التي أجريت بمكة: عين أجراها الملك الناصر محمد بن قلاوون
صاحب مصر، في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة3 في مجرى عين بازان، على ما ذكر
البرزالي في "تاريخه" نقلا عن كتاب العفيف المطري إليه، لأنه ذكر في
أخبار هذه السنة أنه ورد عليه كتاب من العفيف المطري فيه أمور:
ومنها: أجريت عين أخرى كانت تعرف بعين جبل ثقبة مما يلي جبل حراء على
مجرى العين الجوبانية، وأنفق عليها قدر يسير، قدر خمسة آلاف درهم،
ووصلت إلى مكة، وخرجت من أسفلها، وكان ذلك على يد ابن هلال الدولة مشيد
العمائر، وتاريخ كتاب العفيف سلخ ربيع الأول سنة ثمان وعشرين4...
انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 560.
2 إتحاف الورى 3/ 566.
3 إتحاف الورى 3/ 187، والسلوك 2/ 1: 303، درر الفرائد "ص: 302".
4 إتحاف الورى 3/ 187، درر الفرائد 302، السلوك 2/ 1: 303.
ج / 1 ص -452-
ومنها: عين أجراها الأمير المعروف بآل ملك
نائب السلطنة في مصر في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، من منى إلى بركة
السلم بطريق مني1.
ونختم هذه الترجمة بحكاية عجيبة تتعلق بعين مكة، وهذه الحكاية ألفيتها
مذكورة في الكتاب المسمى "آكام المرجان في أحكام الجان"2، ونصها فيه:
ونقلت من خط الشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر
الحنبلي رحمه الله وحدثني به أيضا، قال: وقعت هذه الواقعة بعينها في
مكة سنة أجرى العين بها. فأخبرني إمام الحنابلة بمكة وهو الذي كان
أجراها على يده، وتولى مباشرتها بنفسه نجم الدين خليفة بن محمود
الكيلاني قال: لما وصلنا في الحفر إلى موضع ذكره خرج أحد الحفارين من
تحت الحفر مصروعا لا يتكلم، فمكث كذلك طويلا، فسمعناه يقول: يا مسلمون،
لا يحل لكم أن تظلمونا. قلت له أنا: وبأي شيء ظلمناكم؟ قال: نحن سكان
هذه الأرض، ولا والله ما فيهم مسلم غيري وقد تركتهم ورائي مسلسلين وإلا
كنتم لقيتم منها شرا، وقد أرسلوني إليكم يقولون لا ندعكم تمرون، فهذا
الماء في أرضنا حتى تبذلوا لنا حقنا، قلت: وما حقكم؟ قال: تأخذون ثورا
فتزينوه بأعظم زنية، تلبسونه وتزفونه من داخل مكة حتى تنتهوا به إلى
هنا، فاذبحوه ثم اطرحوا لنا دمه وأطرافه ورأسه في بئر عبد الصمد وشأنكم
بباقيه، وإلا فلا ندع الماء يجري في هذه الأرض أبدا، قلت: نعم أفعل
ذلك، قال: وإذا بالرجل قد أفاق فمسح وجهه وعينيه ويقول: لا إله إلا
الله. أين أنا؟! قال: وقام الرجل ليس به قلبه، فذهبت إلى بيتي، فلما
أصبحت ونزلت أريد المسجد إذا برجل على الباب لا أعرفه، فقال لي: الحاج
خليفة ههنا؟ فقلت: وما تريد به؟ قال: حاجة أقولها له، قلت له: قل لي
الحاجة وأنا أبلغها إياها فإنه مشغول، قال لي: قل له إني رأيت البارحة
في النوم ثورا عظيما قد زينوه بأنواع الحلي واللباس، وجاءوا يزفونه حتى
مروا به على دار الخليفة فوقفوه إلى أن أخرج وراءه. وقال: نعم. هو هذا،
ثم أقبل به يسوقه والناس خلفه يزفونه حتى خرج به من مكة، فذبحوه وألقوا
راسه وأطرافه في بئر. قال: فعجبت من منامه وحكيت الواقعة والمنام لأهل
مكة وكبرائهم، فاشتروا ثورا وزينوه وألبسوه، وخرجنا به نزفه حتى
انتهينا إلى موضع الحفر، فذبحناه وألقينا رأسه وأطرافه ودمه في البئر
التي سماها، قال: ولما كنا قد وصلنا إلى ذلك الموضع كان الماء يفور ولا
ندري أين يذهب أصلا، ولا نرى له عينا ولا أثرا،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اتحاف الورى 3/ 228، العقد الثمين 3/ 331.
2 الكتاب مطبوع وهو من تأليف قاضي طرابلس الشام بدر الدين أبي عبد الله
محمد بن عبد الله الشبلي الحنفي "755- 769هـ". ترجمته في: الدرر
الكامنة 4/ 107. الوافي بالوفيات 3/ 378. تاج التراجم "ص: 63". المنهل
الصافي 5/ 56، النجوم الزاهرة 11/ 100، كشف الظنون 1/ 141، 2/ 1609،
هدية العارفين 2/ 164، الأعلام 7/ 112.
ج / 1 ص -453-
قال: فما هو إلا أن طرحنا ذلك في البئر،
حتى كان من أخذ بيدي وأوقفني على مكان وقال: احفروا ههنا، قال: فحفرنا،
فإذا بالماء يموج في ذلك الموضع، وإذا طريق منقورة في الجبل يمر تحتها
الفارس بفرسه، فأصلحناها ونظفناها فجرى الماء فيها نسمع هديره، فلم يكن
إلا نحو أربعة أيام، وإذا بالماء بمكة، وأخبرنا من حول البئر أنهم لم
يكونوا يعرفون في البئر ما يريدونه، فما هو إلا أن امتلأت وصارت
موردا... انتهى.
والشيخ شمس الدين الحنبلي المذكور في هذه الحكاية هو ابن قيم الجوزية1،
وقال بعد ذكرها: وهذا الرجل الذي أخبر بهذه الحكاية كنت نزيله وجاره،
وخبرته فرأيته من أصدق الناس وأدينهم وأعظمهم أمانة، وأهل البلد كلمتهم
واحدة على صدقه ودينه، وشاهدوا هذه الواقعة بعيونهم... انتهى. وبئر عبد
الصمد المذكور في هذه الحكاية لا تعرف الآن، والعين المشار إليها عين
بازان، ويغلب على ظني أن الماء جرى فيها لما عمرها أصحاب جوبان، والله
أعلم.
ذكر المطاهر التي بمكة:
بمكة مطاهر أعظمها نفعا: مطهرة الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب
مصر عند باب بني شيبة، وكان اشترى موضعها من الشريفين عطيفة2 ورميثة3
ابني أبي نمى أميري مكة نيابة عنه بخمسة وعشرين ألف درهم، وكانت
عمارتها في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وفيها وقفت4.
ومنها: مطهرة الأمير المعروف بآل ملك نائب السلطنة بمصر عند باب
الحزورة، وأظن أنه عمرها في سنة خمس وأربعين وسبعمائة5، والله أعلم،
وهي الآن معطلة.
ومنها: مطهرة الأمير صرغتمش الناصري أحد كبار الأمراء في دولة الملك
الناصر حسن ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهي فيما بين البيمارستان
المستنصري ورباط أم الخليفة، وتاريخ عمارتها سنة تسع وخمسين وسبعمائة،
ثم عمرها في عصرنا بعض تجار الشام وأدارها في سنة ثمان وثمانمائة أو في
التي بعدها، وعمرت في سنة إحدى عشرة وثمانمائة من وصية أوصى بها بعض
تجار العجم وأدبرت فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو العالم المعروف محمد بن أبي بكر بن أيوب. ولد سنة 691، وتوفي سنة
751هـ.
2 هو عطيفة بن محمد بن حسين، مات بعد سنة 738هـ "الدرر الكامنة 2/ 455،
456 رقم 2628".
3 رميثة: أسد الدين أبو عرادة بن أبي نمى -بالنون مصغر ولي إمرة مكة مع
أخيه حميضة، توفي سنة 748هـ "الدرر الكامنة 2/ 206، 207 رقم "1728".
4 إتحاف الورى 3/ 187.
5 إتحاف الورى 3/ 229.
ج / 1 ص -454-
ومنها: مطهرة الملك الأشرف شعبان بن حسين
ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون بالمسعى قبالة باب المسجد الحرام
المعروف بباب علي، وكان المتولي على عمارتها الأمير أبو بكر بن سنقر
الجمالي في سنة ست وسبعين وسبعمائة، وللأشرف عليها وقف بمكة، ربع
فوقها، ودكاكين، ووقف بضواحي القاهرة.
ومنها: مطهرة خلفها للنسوة، عمرتها أم سليمان المتصوفة صاحبة الزاوية
بسوق الليل، وفرغ من عمارتها في سنة ست وسبعين وسبعمائة.
ومنها: مطهرة الأمير زين الدين بركة العثماني رأس النوب1 بالقاهرة،
وخشداش2 الملك الظاهر صاحب مصر، وهي التي بسوق العطارين الذي يقال له:
سوق النداء عند باب بني شيبة، وكان إنشاؤها وإنشاء ربعها ودكاكينها في
سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
ومنها: مطهرة تنسب إلى الأمير الطنبغا المعروف بالطويل أحد الأمراء
المقدمين بالقاهرة في أوائل عشر السبعين وسبعمائة، وأظنها عمرت في هذا
التاريخ، وهي بقرب الموضع المعروف بخرابة قريش، وبينهما الطريق إلى باب
الشبيكة وإلى السويقة3 وغير ذلك.
ومنها: مطهرة عند باب الحزورة يقال لها: مطهرة الواسطي، وما عرفت
الواسطي المنسوبة إليه ولا متى وقفت4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رأس نوبة النوب: هو لقب الذي يتحدث على مماليك السلطان أو الأمير
وتنفيذ أمره فيهم "صبح الأعشى 5/ 450".
2 خشداش أو خجداش، معرب عن اللفظ الفارسي "خواجا تش" بمعنى الزميل،
والخشداشية في عصر المماليك هم الذين نشئوا عند أستاذ واحد "النجوم
الزاهرة 15/ 161".
3 هذه المطهرة باقية إلى الآن من باب العمرة، وبمناسبة توسعة الحرام
هدمت بعض هذه المطاهر.
4 ومن المطاهر مطهرتان أنشأتهما زوجة الملك الأشرف أينال سنة 865هـ
وهما بالصفا، ومنها المطهرة المنسوبة للواسطي، وقفها الملك العادل نور
الدين الشهيد سنة 564هـ، وجددها القاضي جمال الدين يوسف سنة 585هـ. |