شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام

ج / 2 ص -19-    الباب السابع والعشرون:
في ذكر شيء من خبر هاجر أم إسماعيل عليه السلام:

قال ابن هشام بعد أن ذكر أن قبرها وقبر ابنها إسماعيل في الحجر عند الكعبة: تقول العرب: هاجر وآجر؛ فيبدلون الألف من الهاء، كما قالوا: هراق الماء وأراق الماء وغير ذلك.
وهاجر من أهل مصر، وقال: حدثنا عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن لهيعة، عن عمر مولى غفرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء السحم الجعاد؛ فإن لهم نسبا وصهرا".
قال عمر مولى غفرة: نسبهم أن أم إسماعيل النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وصهرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرر فيهم.
قال ابن لهيعة: أم إسماعيل هاجر أم العرب من قرية كانت أمام الفرما1 من مصر2... انتهى.
وقال السهيلي: وكانت تهاجر لملك الأردن - واسمه صادوق فيما ذكر العتبي- دفعها إلى سارة حين أخذها من إبراهيم عجبا منه بجمالها؛ فصرع مكانه؛ فقال: ادع الله أن يطلقني... الحديث، وهو مشهور في الصحاح، فأرسلها وأخذ منها هاجر، وكانت هاجر قبل ذلك الملك، بنت ملك من ملوك القبط بمصر3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفرما: "بالمد والقصر" مدينة قديمة بين العريش والإسماعيلية، ومكانها يقرب من مدينة بور سعيد حاليا بمصر.
2 السيرة لابن هشام 1/ 16، 17.
3 الروض الأنف 1/ 15.

 

ج / 2 ص -20-    وذكر الطبري من حديث سيف بن عمرو، أو غيره: أن عمرو بن العاج / 2 ص -رضي الله عنه- حين حاصر مصر قال لأهلها: إن نبينا -عليه الصلاة والسلام- قد وعدنا بفتحها، وقد أمرنا أن تستوصي بأهلها خيرا، فإن لهم نسبا وصهرا؛ فقالوا: هذا النسب لا يحفظ حقه إلا نبي؛ لأنه نسب بعيد، وصدق، كانت أمكم هاجر امرأة لملك من ملوكنا، فحاربنا أهل عين الشمس، فكانت لهم علينا دولة، فقتلوا الملك واحتملوها؛ فمن هنالك سرت1 إلى أبيكم إبراهيم، أو كما قالوا2.
ثم قال السهيلي: وهاجر أول امرأة ثقبت أذنها، وأول من خفض3 من النساء، وأول من جرت ذيلها؛ وذلك أن سارة غضبت عليها، فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاء من أعضائها، فأمرها إبراهيم -عليه السلام- أن تبر قسمها بثقب أذنيها، وخفاضها فصارت سنة في النساء، وممن ذكر هذا الخبر أبو زيد في "نوادره"4... انتهى.
وقال السهيلي بعد أن ذكر إخراج جبريل ماء زمزم لإسماعيل -عليه السلام: وكان سبب إنزال هاجر وابنها إسماعيل مكة، ونقلها إليها من الشام: أن سارة بنت عم إبراهيم -عليه السلام- شجر بينها وبين هاجر أمر؛ فأمر إبراهيم -عليه السلام- أن يسير بها إلى مكة، فاحتملها على البراق واحتمل معه قربة ماء ومزود تمر، وسار بها حتى أنزلها بمكة في موضع البيت، ثم قال بعد أن ذكر ما كان بين هاجر وبين إبراهيم في مفارقته لها، وما كان منها من السعي بين الصفا والمروة لطلب الماء عند فناء ما كان معها من الماء وعطش ابنها: ثم ماتت هاجر وابنها إسماعيل -عليه السلام- ابن عشرين سنة، وقبرها في الحجر، ثم قبر إسماعيل عليه السلام5.
وذكر السهيلي "الفرماء" التي ذكرها ابن لهيعة في خبر هاجر؛ فقال السهيلي: وقول ابن لهيعة بالفرماء من مصر، الفرماء: مدينة تنسب إلى صاحبها الذي بناها وهو الفرما بن فليس، ويقال: ابن فليس، ومعناه: محب الغرس5... انتهى.
وقول السهيلي: وأمهم هاجر يعني أولاد إسماعيل؛ لأنهم أم أبيها، وأما قول أبي هريرة -رضي الله عنه: إنها أم بني ماء السماء؛ فجوز السهيلي فيه احتمالين؛ لأنه قال: وكذلك قول أبي هريرة -رضي الله عنه: هي أمكم يا بني ماء السماء -يعني: هاجر-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الروض الأنف 1/ 16: "تصيرته".
2 الروض الأنف 1/ 16.
3 خفضت: أي اختتنت، واللفظ خاص بالنساء.
4 الروض الأنف 1/ 17.
5 الروض الأنف 1/ 18.

 

ج / 2 ص -21-    يحتمل أن يكون تأويل في قحطان ما قاله غيره، ويحتمل أن يكون نسبهم إلى ماء السماء على زعمهم؛ فإنهم ينسبون إليه كما تنسب كثير من قبائل العرب إلى حاضنتهم وإلى رابهم -أي زوج أمهم- كما سيأتي بيانه في باب قضاعة، إنم شاء الله1,... انتهى.
وذكر ابن الأثير في "كامله" شيئا من خبر هاجر؛ لأنه قال في ولاده إسماعيل: فلما كبر إسماعيل وإسحاق -عليهما السلام- اختصما، فغضبت سارة على هاجر، فأخرجتهما، ثم أعادتهما، فغارت منها فأخرجتها، وحلفت فتقطعن منها بضعة، فتركت أنفها وأذنها لئلا تشينها، ثم خفضتها، فمن ثم خفض النساء.
وقيل: كان إسماعيل -عليه السلام- صغيرا؛ وإنما أخرجتها سارة غيره منها، وهو الصحيح -إن شاء الله- وقالت سارة: لا تساكنيني في البلد2... انتهى.
وقال النووي في "التهذيب" في ترجمته إبراهيم: وفي "التاريخ" -أيضا- يعني "تاريخ ابن عساكر" في ترجمة هاجر، قال: هاجر ويقال آجر بالمد، القبطية، ويقال الجرهمية، أم إسماعيل، كانت للجبار الذي يسكن عين الجر3 بقرب بعلبك؛ فوهبها لسارة، فوهبتها لإبراهيم -عليهم السلام- وأنها توفيت ولإسماعيل عشرون سنة، ولها تسعون سنة، فدفنها إسماعيل في الحجر4... انتهى.
وما ذكره النووي من أن هاجر جرهمية -على ما قيل- لعله باعتبار ملائمتها لهم في السكني بمكة، ولا يصح أن يكون باعتبار نسبها إليهم، لكونها قبيطة. وما ذكره هو والسهيلي من كونها ماتت وسن ابنها إسماعيل عشرون سنة، فروي في بعض الأخبار ما يقتضي خلاف ذلك، وفي الأخبار الواردة في بعض هذا المعنى أن أباه أمر بذبحه بمزدلفة حين حج، وكان حجة بعد بنائه للبيت، وبناؤه للبيت، وإسماعيل -عليه السلام- ابن ثلاثين سنة على ما قيل، وهذا وإن لم يصح؛ ففيما ذكراه نظر من وجه آخر، وهو أن الأزرقي روى عن ابن إسحاق: أن إبراهيم -عليه السلام- لما أمر البيت، أقبل من أرمينية على البراق حتى انتهى إلى مكة، وبها إسماعيل -عليه السلام- وهو يومئذ ابن عشرين سنة، وقد توفيت أمه قبل ذلك5... انتهى.
وهذا يقتضي أن أمه توفيت وسن إسماعيل دون عشرين سنة؛ لأنها ماتت قبل قدوم إبراهيم -عليه السلام- وقدم إبراهيم وإسماعيل ابن عشرين سنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الروض الأنف 1/ 18.
2 الكامل لابن الأثير 1/ 102، 103.
3 "عين الجر: موضع معروف بين بعلبك ودمشق، وهي بلدة "عنجرة" الحالية في إقليم البقاع بلبنان، كانت منتجعا ومستجما لخلفاء بني أمية.
4 تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1: 101، 102.
5 أخبار مكة للأزرقي 1/ 64.

 

ج / 2 ص -22-    وفي كلام النووي نظر من وجه آخر؛ لأنه ذكر أن لها حين ماتت تسعين سنة، ولابنها عشرون سنة، وهذا إن صح فإنه يقتضي أن تكون هاجر حملت بإسماعيل -عليه السلام- وهي بنت سبعين سنة -بتقديم السين- وفي حمل من بلغت هذا السن نظر؛ فإن صح ذلك، فهي كرامة لها، ولا ريب في علو قدرها.
وفي كتاب الفاكهي بعد أن ذكر شيئا من خبرها: وسمعت من بعض من يروي العلم يقول: أوحي إلى ثلاث من النساء: إلى مريم بنت عمران، وإلى أم موسى، وإلى هاجر أم إسماعيل صلوات الله عليهم أجمعين... انتهى.
وهذا غريب، والله أعلم بصحته1.
وفيما ذكرناه من أخبار هاجر كفاية إذ القصد الاختصار، ومن غريب ما قيل في وفاة هاجر ما ذكره ابن الأثير في "كامله" لأنه قال في وفاة سارة:
وقيل إن هاجر عاشت بعد سارة مدة، والصحيح أن هاجر توفيت قبل سارة2... انتهى. ووجه الغرابة في هذا أن إسماعيل أكبر من إسحاق بأربع عشرة سنة، وسارة عاشت مائة سنة وسبعا وعشرين سنة، على ما ذكره أهل الكتاب.
ويسن للمحرم السعي بين الصفا والمروة لسعي هاجر بينهما لما طلبت الماء لابنها حين اشتد به الظمأ، وخبرها في ذلك عن ابن عباس في صحيح البخاري3، وقد سبق ذلك في الباب الذي قبله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 132.
2 الكامل لابن الأثير 1/ 123.
3 صحيح البخاري 6/ 282-288 "الأنبياء".

ذكر أسماء أولاد إسماعيل وفوائد تتعلق بذلك:
قال ابن هشام في "السيرة": حدثنا زياد بن عبد الله البكائي، عن محمد بن إسحاق قال: ولد إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- اثنى عشر رجلا: نابتا وكان أكبرهم، وقيدر، وأربل، ومنشي، ومسمعا، وماشي، ودما، وأدر، وطيما، ويطورا، ونبشا، وقيدما، وأمهم "رعلة" بنت مضاض بن عمرو الجرهمي... انتهى.
وقال الأزرقي: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: ولد لإسماعيل بن إبراهيم -عليهما السلام- اثني عشر رجلا، وأمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، فولدت له اثني عشر رجلا: نابت بن إسماعيل، وقيدار بن إسماعيل، وواصل بن إسماعيل، ومياس1 بن إسماعيل، وآزر وطمياء بن إسماعيل، وقطورا2 بن إسماعيل،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في سيرة ابن هشام 1/ 25: "ماش".
2 في أخبار مكة للأزرقي في 1/ 81: يطور، وفي السيرة 1/ 25 "تطورا".

 

ج / 2 ص -23-    وقيس1 بن إسماعيل، وقيدمان2 بن إسماعيل، وكان عمر إسماعيل فيما يذكرون ثلاثين ومائة سنة؛ فمن نابت بن إسماعيل وقيدار بن إسماعيل نشر الله "تعالى" العرب؛ فكان أكبرهم قيدار ونابت ابنا إسماعيل، ومنهما نشر الله العرب3... انتهى.
وذكر المسعودي أولاد إسماعيل، وسمى بعضهم بغير ما سبق، قال: وولد لإسماعيل عليه الصلاة والسلام اثنا عشر ولدا؛ أولهم: نابت، وقيدر، وأذيل4، ومنشى5، ومسمع6، وديما، وردام، ومنشا، وحذام، وميم، وقطور، ونافس، وكل هؤلاء قد أنسل7... انتهى.
وذكر الفاكهي أسماء أولاد إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- على وجه فيه مخالفة لبعض ما سبق؛ لأنه قال: حدثنا عبد الله بن أبي سلمة قال: حدثنا أبي سلمة قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن محمد بن طلحة التيمي، عن عبد المجيد بن عبد الرحمن بن سهيل، عن عبد الرحمن بن عمرو العجلان قال: سمعت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يقول: ولد إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- اثني عشر رجلا، وأمهم بنت الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي؛ فأكبر أولاد إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- نابت، وقيدر، والذيل، ومنشى، ومسمع، ودمه، وناس، وأدد، وصيبا، ومصور، وتيش، وقيدم؛ كلهم بنو إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- وكانع مر إسماعيل -عليه السلام- مائة وثلاثين سنة فيمن نابت وقيدر نشر الله -تعالى- العرب8... انتهى.
وقد بان بما ذكرناه في أسماء أولاد إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- اختلاف المقالات في أسمائهم، ورأيت فيها غير ما ذكرت؛ فمن ذلك: منشأ بدل منشى، ومسماع بدل مسمع، ودوما بدل دما، وتيمن -بالتاء- بدل طيما، ويافيعش بدل تيش.
وهذه الأسماء مذكورة هكذا في كتاب "النسابة" لأبي علي الجواي على ما ذكره القطب الحلبي في كتابه "المورد العذب الهني"، وقال: وزاد فيهم -يعني الجواتي: سعام، ولا عانوا، وحدان... انتهى.
ولم أر من تعرض لضبط جميعها بالحروف، وأظن أن سبب الاختلاف في كثير منها التصرف في نقل ذلك من الكتب المذكورة فيها، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة من أخبار مكة: "نيش"، وفي السيرة 1/ 35 "نيش".
2 في السيرة 1/ 25: "قيذة".
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 81.
4 في مروج الذهب 2/ 49: "أدبيل".
5 في مروج الذهب 2/ 419: "مبسم".
6 في مروج الذهب 2/ 49: "مشمع".
7 مروج الذهب 2/ 49، وفيه تختلف الأسماء عما هنا.
8 أخبار مكة للفاكهي 5/ 133 ومنائح الكرم ورقة "394-أ".

 

ج / 2 ص -24-    وأما الأسماء التي في "السيرة" فيقع في بعض النسخ الجيدة منها ضبطها بالشكل، وقد ضبطت ما ذكرته منها بالشكل على ما رأيته في نسخ معتمدة في السيرة"، وقد تعرض السهيلي -رحمه الله- لضبط بعضها، وبيان معنى بعضها، وما سمي ببعضها من الأماكن؛ فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة، ونص كلامه: وذكر في ولد إسماعيل: ظيما، وقيده الدارقطني بالظاء منقوطة بعدها ميم، كأنها تاء: بين ظيما، والظيما مقصور سمرة في الشفتين، وذكر دما.
ورأيت للبكري أن دومة الجندل عرفت بدوما1 بن إسماعيل، وكان نزلها؛ فلعل ذلك مغير عنه، وذكر أن الطور سمي بقطور بن إسماعيل، ولعله محذوف الياء أيضا، إن كان يصح ما قاله، والله أعلم.
وأما الذي قاله أهل التفسير في الطور فهو كل جبل ينبت الشجر؛ فإن لم ينبت شيئا فليس بطور، وأما قيدر فتفسيره عندهم صاحل الإبل؛ وذلك أنه كان صاحب إبل إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- انتهى.
واختلف في أمهم؛ ففي "السيرة" لابن إسحاق أنها بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، ولم يسمها، وفي الأزرقي عن ابن إسحاق، أن أمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي. ونقل ذلك السهيلي عن الدارقطني.
وفي الأزرقي أيضا في خبر ذكر فيه خبر جرهم وقطورا بن إسماعيل، أن إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- خبط إلى مضاض بن عمرو ابنته رعلة فزوجه إياها؛ فولدت له عشرة ذكور. قال: وهي أم البيت2... انتهى.
ولا منافاة بين قول من سماها السيدة، وبين قول من سماها رعلة، لإمكان أن يكون أحد الأمرين اسما لها، والآخر لقبا، واقتصر كل من القائلين على أحدهما، والله أعلم.
وفي الفاكهي أن أم أولاد إسماعيل: بنت الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي، كما في الخبر السابق، وهذا يخالف ما سبق من أن أمهم بنت مضاض بن عمرو.
وذكر الفاكهي ما يقتضي أن أم أولاد  إسماعيل من العمالقة؛ لأنه روى خبرا عن أبي جهنم بن حذيفة في نزول العماليق على أم إسماعيل: ونشأ إسماعيل مع ولدانهم، ثم روي بإسناده عن عثمان بن عفان أمير المؤمنين أنه سئل: متى نزل إسماعيل مكة؟ قال: فذكر نحو حديث أبي جهم الأول؛ إلا أنه قال: تزوج إسماعيل امرأة منهم، فولدت له عشرة ذكور3... انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في معجم ما استعجم 2/ 565: "دومان".
2 أخبار مكة للأزرقي في 1/ 86.
3 أخبار مكة للفاكهي 5/ 133.

 

ج / 2 ص -25-    فتحصل من هذا في أم أولاد إسماعيل قولان: هل هي من جرهم أو من العماليق؟ وعلى الأول هي بنت مضاض بن عمرو أو بنت الحارث بن مضاض بن عمرو، والله أعلم.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في أم نابت بن إسماعيل غير ما سبق، وإلى نابت بن إسماعيل يرجع نسب عدنان على مقتضى ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل الأخبار، وقيل: يرجع نسب عدنان إلى قيدار بن إسماعيل، وهذا القول ذكره السهيلي؛ لأنه قال: وذكر من وجه قوي في الرواية عن نساب العرب أن نسب عدنان يرجع إلى قيدار بن إسماعيل، وأن قيدار كان الملك في زمانه، وأن معنى قيدار: إذ فسر، والله أعلم... انتهى.
وذكر القطب الحلبي في "شرح سيرة عبد الغني"؛ خلافا فينسب نابت بن إسماعيل، وفي أمه وأم قيدر ومن ينسب إليها، ونذكر كلامه لإفادة ذلك، ونص كلامه: قال المؤلف: إن نابت بالنون فاعل من نبت. قال الإمام أبو نصر بن ماكولا في باب النون: نابت بن إسماعيل بن إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام. وهذا القول الأخير ما ذكره الجواني في "النسب"؛ فإنه قال: عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان على نبت، وقال: إن أم نبت هامة بنت زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وتدعى حرمن، وجعل نابت بن حمل وأمه العاصرية بنت مالك الجرهمي بن قيدار، وأمه هالة بنت الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي، ويقال بل اسمها سلما، وقيل: الخنفا، ثم قال القطب: قال الجواني: ومن العلماء من ينسب اليمن إلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام، ويقولون إنهم من ولد بيمن بن نبت بن إسماعيل. وافترق باقي ولد إسماعيل في أقطار الأرض، فدخلوا في قبائل العرب، ودرج بعضهم فلم يثبت لهم النسابون نسبا إلا ما كان من ولد قيدار، ونشر الله تعالى ذرية إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- الذين تكلموا بلسانه من ولد قيدار ابنه أبي العرب.
وفي كتاب "التيجان" قال وهب: حدثني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام- دخل ذات يوم وعلى عنقه قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم؛ فجرى إليه يعقوب وعيصو، فأخذهما إلى صدره، فنزلت رجل قيدار اليمنى على رأس يعقوب، ورجله اليسرى على رأس عيصو؛ فغضبت سارة، فقال لها إبراهيم -عليه الصلاة والسلام: لا تغضبي فإن رجل أولاد هذا الذي على عنقي على رؤوس هؤلاء بمحمد صلى الله عليه وسلم... انتهى.
وخبر ابن عباس -رضي الله عنهما- هذا يدل على أن عدنان يرجع إلى قيدار، لا إلى نابت بن إسماعيل.

 

ج / 2 ص -26-    واستفدنا بما ذكره القطب في أم قيدار معرفة اسم بنت الحارث بن مضاض -التي ذكرها الفاكهي- أنها أم أولاد إسماعيل؛ لأن الفاكهي ذكر فيهم قيدار الذي ذكره القطب، واسم أمه. وأن فيها ثلاثة أقوال: هالة، وسلمى، والخنفا.
ولإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- بنت غير أولاده الاثني عشر، ذكرها السهيلي؛ لأنه قال وقد ذكر ابن إسحاق أسماء بني إسماعيل، ولم يذكر بنته الأخرى وهي نسمة بنت إسماعيل، وهي امرأة عيصو بن إسحاق، وولدت له الروم وفارس فيما فيه أيضا: عيصي... انتهى، والله أعلم.

ذكر شيء من خبر بني إسماعيل عليه الصلاة والسلام:
قال الأزرقي: حدثني جدي، قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني ابن إسحاق، فذكر أولاد إسماعيل وشيئًا من خبرهم، وخبر بعضهم وخبر جرهم وقطورا، وما كان بينهما من القتال؛ إلا أنه قال: ثم نشر الله تعالى بني إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- بمكة، وأخوالهم جرهم إذ ذاك الحكام وولاة البيت كانوا كذلك بعد نابت بن إسماعيل؛ فلما ضاقت عليهم مكة وانشتروا بها انبسطوا في الأرض وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض؛ فلا يأتون قوما ولا ينزلون بلدا إلا أظهرهم الله -عز وجل- عليهم بدينهم فوطئوهم وغلبوهم عليها، حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق، ومن كان ساكنا بلادهم التي كانوا اصطلحوا عليها من غيرهم، وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت، لا ينازعهم إياه بنو إسماعيل لخئولتهم وقرابتهم وإعظام الحرم أن يكون به بغي أو قتال1... انتهى.
وقال الفاكهي: وحدثني الزبير بن أبي بكر قال: وجدت في الكتاب الذي ذكر أنه من كتب عبد الحكم بن أبي غمر: أن الله تبارك وتعالى لما نشر ولد إسماعيل توالدوا وكثروا وضاقت عليهم مكة، واشتدت المعيشة بها عليهم، فجعلوا ينبسطون في الأرض وينتشرون؛ فخرج أهل القوة يتخذون أموالا من الإبل والبقر والغنم يتطلبون بها المرعى، فلا تلبث أموالهم أن تربوا وتكثر؛ فجعل الناس يتداعون إلى ذلك رغبة فيه وكراهة أن يحدثوا في الحرم حدثا يقولون: نحن عباد الله وهذا بيته وحرمه، ومن أحدث فيه أخرج منه ولم يعد فيه، في خرج إلى ظل الله ومظهر من حرمه من أحداثنا2؛ فمن أحدث منا لم يحرم عليه دخول الحرم ولا زيارة البيت. فلم يبرحوا يصنعون ذلك ويخرجون حتى ضاقت مكة وما بها من ولد إسماعيل إلا متدين حبس نفسه بجوار البيت وعمارته،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ الطبري 1/ 317.
2 هكذا في جميع النسخ.

 

ج / 2 ص -27-    أو مضعف لا مال له صبر على لأوائها وشدتها حسبه، أو خالف مستجير بالبيت والحرم فيأمن بذلك. وكان الناس؛ إذ ذاك يدعون من أقام به "أهل الله" يقولون: هؤلاء أهل الله أقاموا عنده بفناء بيته، وفي حرمته وحرمه، من بين حابس له نفسه، أو مستجير به، أو صابر على شدتها1 ولأوائها لوجهه2... انتهى.
وقال الفاكهي: حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي، قال: حدثنا سعيد بن سالم، قال: حدثنا عثمان -يعني ابن ساج- قال: أخبرني محمد بن إسحاق، وحدثني عبد الملك بن محمد، عن زياد بن عبد الله عن علي بن إسحاق -يزيد أحدهما على صاحبه في اللفظ: أن بني إسماعيل والعماليق من سكان مكة ضاقت عليهم البلاد؛ فتفسحوا في البلاد، والتمسوا المعاش؛ فخلف الخلوف بعد الخلوف، وتبدلوا بدين إسماعيل غيره، وسلخوا إلى عبادة الأوثان، فيزعمون أن أول ما كانت عبادة الحجارة في البلاد إلا احتملوا معهم من حجارة الحرم، تعظيما للحرم وصيانة لمكة والكعبة، حينما حلوا وضعوه؛ فطافوا به كطوافهم بالكعبة، حتى سلخ ذلك بهم إلى أن كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة، وأعجبهم حتى خلف الخلوف بعد الخلوف ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- غيره، وعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالة، وانتحوا ما كان يعبد قوم نوح منها على إرث ما كان بقي فيهم من ذكرها، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام- يتمسكون بها من تعظيم البيع والطواف به، والحج، والعمرة، والوقوف على عرفة، والمزدلفة، وهدي البدن، وإهلال الحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس فيه.
وكان أول من غير دين إسماعيل -عليه الصلاة والسلام- ونصب الأوثان، وسبب السائبة، ونحو البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحام، عمرو بن لحي3 بن قعمة بن خندف جد خزاعة؛ إلا أنهم من ولد عمرو بن عامر بن غسان4... انتهى.
وقال الزبير بن بكار: وجدت في كتاب ذكر أنه من كتب عبد الحكم بن أبي غمر: لما أدرك إلياس بن مضر أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم، وبأن فضله فيهم، ولأن جانبه لهم حتى جمعهم رأيه، ورضوا به رضا لم يرضوا مثله بأحد من ولد إسماعيل بعد أدر؛ فردهم إلى سنن آبائهم حتى رجعت سنتهم تامة على أولها. وهو أول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في المطبوع 2/ 35: "أو صابر على لأوائها وشدها لوجه"، وقد سقط منه "أو مستجير به".
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 133.
3 تجمع الروايات على أن عمرا هو أول من أدخل الأنصاب إلى مكة، ودعا إلى التقرب إليها بالعبادة.
4 أخبار مكة للفاكهي 5/ 134-135.

 

ج / 2 ص -28-    من أهدى البدن إلى البيت، أو في زمانه، وقال: وهو أول من وضع الركن للناس بعد هلاكه حين غرق البيت وانهدم زمن نوح -عليه الصلاة والسلام- فكان أول من سلط عليه الناس في زمانه فوضعه في زاوية البيت للناس.
وبعض الناس تقول: إنما هلك بعد إبراهيم وإسماعيل -عليهم الصلاة والسلام- ولم تبرح العرب تعظم إلياس بن مضر تعظيم أهل الحكمة، كتعظيم لقمان وأشباهه.
ويقال: قال نبي إلا وقد علم ممن هو أو من أي أمة هو، وفيه قال الله عز وجل:
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين} [الصافات: 123].
وقال الفاكهي: وحدثني عبد الملك بن محمد عن زياد بن عبد الله قال: قال ابن إسحاق: يقال: إن أول نبي كان بين ولد إسماعيل الحارث، كان بين سعد العشيرة وبين معد، ويقال: كانوا يسمعون أن دعوة إبراهيم من ولد إسماعيل في معد بن عدنان لسعد، العشيرة، وهم أخرجوا معدا من اليمن إلى أرض نجد؛ إلا أنه كنانة أقامت بها الحرم؛ وإنما اكتتبوا على المياه، فقال عامر بن الظرب العدواني1 في حرب معد:
وسعد العشيرة، يذكر قرابتهم وفضل معد فيهم وينتمي إلى عوف ابن البيت، ويحضهم على صلة معد؛ حيث يقول:

أبونا مالك ولصلب زيد    معد ابنه خير البنينا

بنينا سأملك سواحر بنوه    آمنون به سكونا

أتى بهم من ذوي شمران    أنسابها أحد السنينا

في هذا ترحلت عنها معدا   وكيف تصادف الدار الدفينا

فيا عوف بن نبت بالعوف    وهل هوف لتصبح من عوونا

فلا تعصموا معدًا إن فيها    بلاد الله والبيت المكينا

وشمران من اليمن2... انتهى.
وسعد العشيرة المذكورة في هذا الخبر من مذحج؛ وإنما قيل له: سعد العشيرة لأنه كان يركب -فيما قيل- في ثلاثمائة من ولده وولد ولده؛ فإذا قيل له: من هؤلاء؟ قال: عشيرتي مخافة العين  عليهم، ذكر ذلك الحازمي وقال: المذحجي منسوب إلى مذحج، واسمه: مالك بن أدد بن يزيد بن يشجب بن كريب بن يزيد بن كهلان، سمي به؛ لأنه ولد على أكمة حمراء باليمن قال لها: مذحج. وقيل غير ذلك... انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حكيم جاهلي مشهور، كان سيدا في قومه، ويعد من المعمرين، ومن الخطباء والحكماء في الجاهلية.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 136.

 

ج / 2 ص -29-    وممن كان عظيم القدر من بني إسماعيل: معد1 بن عدنان؛ لأن الزبير بن بكار قال فيما رويناه عنه: حدثنا إبراهيم بن المنذر، عن عبد العزيز بن عمران قال: أخبرني أبو القاسم بن نشيط، عن الحجاج بن أرطأة، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما وقع بخت نصر بأهر حصور وبأهل عرمانا، بعث الله -عز وجل- ملكين فاحتلام معد بن عدنان حتى أنزلاه بأرمينية، حتى إذا تم الأمر رده الله تعالى إلى التهمة، قال: فلما انقضت غزاة بخت نصر من بلاد المغرب، وخرج منها إلى بلاده، رد معد بن عدنان إلى موضعه، من تهامة؛ فكان بمكة في ناحيتها مع أخواله ممن جرهم وهم ولاة البيت وبها منهم بقية؛ فاختلط بهم وسار معهم فأنكحوه، فناكحهم، ولم يصبه ولم يصب جرهم ومن كان معهم من معرة جيش بخت نصر ما أصاب غيرهم... انتهى.
وقد أتينا من أخبار بني إسماعيل بجملة فيها مقنع إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو الجد الأعلى للرسول الأعظم، وأبو العرب كافة، ويؤثر أنه عني بالحجاز والحرم، ومهد الأمن فيهما، ويعد من الأنبياء في بعض الروايات.

ذكر ولاية نابت بن إسماعيل للبيت الحرام:
قال الأزرقي فيما رويناه عنه: حدثني جدي قال: حدثنا سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، قال: أخبرني ابن إسحاق بعد أن ذكر أولاد إسماعيل: فولي بعده مضاض بن عمرو الجرهمي -وهو جد نابت بن إسماعيل أبو أمه- وضم بني نابت بن إسماعيل وبني إسماعيل إليه؛ فصاروا مع جدهم أبي أمهم مضاض بن عمرو، ومع أخوالهم من جرهم1... انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 1/ 81، 82.