شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 2 ص -30-
الباب الثامن والعشرون:
ذكر ولاية إياد بن نزار بن
معد بن عدنان للكعبة:
قال الزبير بكار؛ قاضي مكة: حدثنا عمر بن أبي بكر الموصلي، عن غير واحد
من أهل العلم بالنسب، قالوا: لما حضرت نزارا الوفاة آثر إيادتا بولاية
الكعبة، وأعطى مضر ناقة حمراء فسميت: مضرالحمراء، وأعطى ربيعة الفرس؛
فسمي: ربيعة الفرس، وأعطى أنمار جارية تسمى بجيلة؛ فحضنت بنيه فسموا:
بجيلة أنمار.
ويقال: بل أعطاه بجيلة وغنما كانت ترعاها؛ فيقال لهم: أنمار الشاء،
ويقال: بل أعطى إياد بن نزار غنيما له برقاء؛ فسميت إياد البرقاء،
ويقال: بل أعطى إيادا عصما وحله، فهم يدعون إياد الغصا، وقد قال في ذلك
رجل إيادي:
نحن ورثصنا عن إياد كله
نحن ورثنا العصا والحله
قال الزبير: وقال غير عمر بن أبي بكر: أعطى إياد أمه شمطاء؛
فسموا إياد الشمطاء... انتهى.
ورأيت لإياد بن نزار ولإخوته المشار إليهم خبرا يستطوف في ذكاتهم؛ فحسن
ببالي ذكره هنا لما في ذلك من الفائدة، وقد ذكر هذا الخبر غير واحد من
أهل الأخبار، منهم الفاكهي -رحهه الله-، ونص ما ذكروا: وحدثني حسن بن
حسين الأزدي قال: حدثنا علي بن الصباح ومحمد بن حبيب ومحمد بن سهل
قالوا: حدثنا ابن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن معاوية بن عميرة بن
منجوس الكندي، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ولد نزار بن معد بن
عدنان أربعة: مضر، وربيعة، وإيادا، وأنمارا، وأم مضر وإياد: سودة بنت
عك، وأم ربيعة وأنمار:
ج / 2 ص -31-
الجدعة1 بنت وعلان بن جوشم من جلهمة بن
جرهم؛ فلما حضر نزارا الموت جمع بنيه هؤلاء الأربعة فقال: أي بني، هذه
القبة الحمراء -وهي من أدم- وما أشبهها من المال فلمضر، وهذه البدرة
والمجلس والأنمار فلأنمارا، وهذا الفرس الأدهم والخباء الأسود وما
أشبهها من مال فلربيعة، وهذا الخادم -وكانت شمطاء- وما أشبهها من مال
فلإياد، وإن أشكل عليكم كيف تقتسمون، فأتوا الأفعى الجرهمي ومنزله
بنجران، وإن أنتم رضيتم -وهنا قد خفت صوته إذ لم يسمع الصوت فألمع- ثم
مات، فتشاجروا في ميراثه ولم يهتدوا إلى القسم، فتوجهوا إلى الأفعى
يريدونه وهو بنجران؛ فرأى مضر أثر بعير قد رعى، فقال: إن الذي رعى هذا
الموضع لبعير أعور، فقال ربيعة: أنه الأزور، فقال إياد: إنه لأبتر؛
فقال أنما: إنه لشرود، فساروا قليلا، فإذا برجل يوضع على جمله، فسألهم
عن البعير، فقال مضر: أعور؟ قال: نعم، قال ربيعة: أزور؟ قال: نعم، قال
إياد: أبتر، قال: نعم، قال أنمار: شرود؟ قال: نعم؛ فسألهم عن البعير،
وقال: هذه صفة بعيري، فدخلوا نجران؛ فقال صاحب البعير: هؤلاء أصابوا
بعيري؛ وصفوا لي صفته وقالوا: لم نره؛ فاختصموا إلى الأفعى -وهو يومئذ
حكم العرب- فاختصموا إلى الأفعى، وهو يومئذ حكم العرب؛ فأخبروه بقولهم،
فحلفوا له ما رأوه؛ فقال الرجل: قد نعتوا لي صفة بعيري قال الأفعل لمضر
كيف عرفت أنه أعور قال إنه رعى جانبا وترك جانبا فعرفت أنه أعور فقال
لربيعة: كيف عرفت أنه أزور؟ قال: رأيت إحدى يديه ثابته الأثر، والأخرى
فاسدة الأثر؛ فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه؛ فقال لإياد: كيف عرفت أنه
أبتر؟ قال: باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصع2، فقال لأنمار: كيف عرفت
أنه شرود؟ قال: إنه رعى في المكان المكيء، ولم يجزه إلى مكان أغرز منه
نبتا؛ فقال الرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه، ثم سألهم من أنتم؟
فأخبروه، فرحب بهم، وأخبروه ما جاء بهم، فقال: تحتاجون إلي وأنتم كما
بدا لي؟! فذبح لهم وأقاموا عنده، ثم قام إلى خازن له يستحثه الطعام، ثم
جلس معهم، ثم أكلوا وشربوا، وتنحى عنهم الأفعى؛ حيث لا يرى وهو يسمع
كلامهم؛ فقال ربيعة: لم أر كاليوم لحما أطيب منه، لولا أن شاته غذيت
بلبن كلبة؛ فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا، لولا أن حبلته نبتت على قبر؛
فقال إياد: لم أر كاليوم رجلا أسرى، لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى
إليه؛ فقال أنمار: لم أر كاليوم كلاما أنفع في حاجتنا. وكان كلامهم
بإذنه؛ فقال: ما هؤلاء إلا شياطين؛ فدعى القهرمان فقال: أخبرني خبر هذه
الكرمة؛ فقال: من حبلة غرستها على قبر أبيك، وسأل الراعي عن العناق؛
فقال: هي عناق أرضعتها بلبن كلبة. ولم يكن ولد في الغنم غيرها، وماتت
أمهال، ثم أتى أمه فقال:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عند ابن الأثير 2/ 92: الجدالة، وكذلك عند الطبري 2/ 268.
2 يقال: مصعت الناقة بذنبها؛ أي حركته وضربت به.
ج / 2 ص -32-
أصدقيني من أبي؟ فأخبرته أنها كانت تحت ملك
كثير المال، لا يولد له، فخفت أن يموت ولا يولد له، فمر بن رجل فوقع
علي، وكان نازلا عليه؛ فولدت. فرجع إليهم وقال: قصوا علي قصتكم، فقال:
ما أشبه القبة الحمراء من مال فلمضر. فذهب بالدنانير الفرس وما أشبه.
وكان الفرس أدهم فسميت ربيعة الفرس، وأما الدراهم والأرض فلأنمار، وذهب
إياد بالخيل البلق والغنم والنعم، فانصرفوا من عنده؛ فقال الأفعى
مساعدة الخاطل تعد من الباطل، وإن العصا من العصية، وإن خشينا من
أحسن1... انتهى.
وذكر هذا الخبر "شارح العبدونية"، ونقل فيه عن كل من أولاد نزار؛ إلا
أنمار في صفة البعير الذي رأوه في طريقهم إلى الأفعى الجرهمي غير ما في
هذا الخبر؛ لأن فيه قال: فلما مات أبوهم اختلفوا في القسم، فمشوا إلى
الأفعى بن الأفعى، فعثروا في طريقهم على أثر بعير؛ فقال مضر: هذا أثر
بعير أزور. فقال ربيعة: نعم، وأبتر. فقال إياد: نعم، وأعور. قال أنمار:
نعم، وشرود.
وفي الخبر الذي ذكره "شارح العبدونية" أن الأفعى أطعم أولاد نزار عسلا،
وأنه لما استطيبوه قال الثالث منهم: إلا أن نحلته وضعته على هامة جبار،
وأن الأفعى سأله عن ذلك، فأخبر بما يصدق فيهم؛ وفيه أن الأفعى وكل بهم
من يسمع كلامهم ويحفظه ويخبره. وبقية الخبر بمعنى الخبر الذي ذكرناه.
وذكر الحافظ قطب الدين الحلبي في كتابه "المورد العذب الهني في شرح
سيرة عبد الغني"، فوائد تتعلق بخبر ابن نزار يحسن ذكرها هنا؛ وذلك أنه
قال عند ذكره للخبر السابق: زاد أبو الحسن بن الأثير: فقيل لمضر: من
أين عرفت الخمر؟ فقال: لأنني أصابني عطش شديد2.
وذكر الماوردي في كتابه "أعلام النبوة" قال: وذكر لي بعض أهل العلم أنه
إنما قال ذلك؛ لأن الكرم إذا نبتت على قبر يكون انفعاله أقل انفعالا من
غيره، وأن ربيعة قيل له. من أين علمت اللحم؟ قال: لأن لحم الكلب يعلو
شحمه؛ بخلاف لحم الشاة، فإن شحمها يعلو لحمها.
وذكر الماوردي، قال: لأني شممت ورائحة كلب، وأن إيادا قيل له: من أين
علمت أنه ينتمي إلى عير أبيه؟ قال: لأنه وضع الطعام ولم يجلس معنا؛
فيكون أصله دنيا، وقال الماوردي: لأنه يتكلف ما يعمله. ورأيت بخط أبي
الربيع سليمان قيل لإياد: فيما قال، فقال: نظرت إليه مذ وقعت عيني
عليه؛ فنظر إلأى وأدام النظر ولم يطرق... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخبر عند الطبري 2/ 268-270، وابن الأثير 2/ 30، 31، ومجمع الأمثال
1/ 16.
2 الكامل لابن الأثير: 2/ 31.
ج / 2 ص -33-
ذكر ولاية بني إياد بن نزار الكعبة
وشيء من خبرهم وخبر مضر ومن ولي الكعبة من مضر قبل قريش:
قال الفاكهي: ذكر ولاية إياد بن نزار البيت وحجابتهم إياه وتفسير ذلك:
حدثنا حسن بن حسين الأزدي، قال: حدثنا محمد بن حبيب قال: قال عيسى بن
بكر الكناني: ثم وليت حجابة البيت إياد؛ فكان أمر البيت إلى رجل منهم
يقال له: وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد؛ فبنى صرحا بأسفل مكة -عند سوق
الحناطين اليوم- وجعل فيه أمة يقال لها: الحزورة -فبها سميت خزورة مكة-
وجعل فيها سلما، وكان يرقاه، ويقول -بزعمه- إنه يناجي الله تبارك
وتعالى، وكان ينطق بكثير من الخبر يقوله، وقد أكثر فيه علماء العرب؛
فكان أكثر من قال فيه أن قال: إنه كان صديقا من الصديقين، وكان يتكهن،
ويقول: مرضعة وفاطمة، ووادعة وقاطعة، والقطيعة، والفجيعة، وصلة الرحم،
وحسن الكلم، يقول ربكم: "ليجزين بالخير ثوبا، وبالشر عقابا"،
وكان يقول: من في الأرض عبيد لمن في السماء، هلكت جرهم، وأزيلت إياد،
وكذلك الصلاح والفساد.
حتى إذا حضرته الوفاة جمع إيادا؛ فقالوا: اسمعوا وصيتي: الكلام كلمتان،
والأمر بعد البيان، من رشد فاتبعوه، ومن غوى فارفضوه، وكل شاة معلقة
برجليها؛ فكان أول من قالها؛ فأرسلها مثلا. فمات وكيع، فنعي على رؤوس
الجبال، فقال بشر بن الحجر:
ونحن إياد عباد الإله
ورهط مناجية في سلم
ونحن ولاة حجاب العتيق
مآل النخاع على جرهم
ثم قال: وقامت نائحة وكيع على أبي قبيس فقالت:
ألا هلك الوكيع أخو إياد
سلام المرسلين على وكيع
مناجي الله مات فلا خلود
وكل شريف قوم في وضيع1
ثم إن مضر أديلت بعد إياد، وكان أول من ديل منها: عدوان
وفهم، وأن رجلا من إياد ورجلا من مضر خرجا يصيدان؛ فمرت بهما أرنب،
فاعتنقا بها يرميانها؛ فرماها الإيادي، فنزل سهم فنظم قلب المضري
فقتله؛ فبلغ الخبر مضر، فاستغاثت بفهم وعدوان يطلبون لهم قود صاحبهم؛
فقالوا: إنما أخطأه، فأبت فهم وعدوان إلا قتله،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في منتخف شفاء الغرام طبع أروبا "ص: 137": "وضوع".
ج / 2 ص -34-
فتناوش الناس بينهم بالمدور1 -وهو مكان-
قشمت مضر من إياد ظفرا؛ فقالت لهم إياد: أجلونا ثلاثا فلن نساكنكم
أرضكم؛ فأجلوهم ثلاثا، فظعنوا قبل المشرق؛ فلما ساروا يوما اتبعتهم فهم
وعدوان حتى أدركوهم، فقالوا: ردوا علينا نساء مضر المتزوجات فيكم؛
فقالوا: لا تقطعوا قرابتنا، اعرضوا على النساء، فأية امرأة اختارت
قومها رددتموها، وإن أحبت الذهاب مع زوجها أعرضتم لنا عنها، قالوا:
نعم، فكان أول من اختار أهله امرأة من خزاعة.
فحدثنا الزبير بن أبي بكر قال: لما هلك وكيع الإيادي واتضعت إياد، وهي
إذ ذاك تلي أمر بيت الله الحرام، وقاتلوهم وأخرجوهم وأجلوهم ثلاثا
يخرجون عنهم؛ فلما كانت الليلة الثانية حسدوا مضر أن تلي الركن الأسود؛
فحملوه على بعير، فبرك فلم يقم، فغيروه، فلم يحلموه على شيء إلا زرح
وسقط، فلما رأوا ذلك فحنوا له تحت شجرة فدفنوه.
ثم ارتحلوا من ليلتهم؛ فلما كان بعد يومين افتقدت مضر الركن، فعظم من
أنفسها، وقد كانت شرطت على إياد كل متزوجة فيهم؛ فكانت امرأة من خزاعة
-فيما يقولون- يقال لها: قدامة متزوجة في إياد، وخزاعة إذ ذاك -فيما
يزعمون، والله أعلم -ينتسبون لبني عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس بن
مضر، فأبصرت إياد حين دفنت الركن.
اجتمع الزبير والكلبي، وحديثهما كل واحد منهم بنحو من حديث صاحبه،
فقالت لقومها حين رأت مشقة ذهاب الركن على مضر: خذوا عليهم أن يولوكم
حجابة البيت، وأدلكم على الركن، فأخذوا بذلك عليهم، فوليتها خزاعة على
العهد والميثاق الذي كان؛ فهذا سبب ولايتهم البيت.
وقال الكلبي في حديثه: فقالوا لهم: إن دللناكم على الركن، أتجعلونا
ولاته؟ قالوا: نعم، وقالت مضر جميعا: نعم، فدلتهم عليه. فأعادوه في
مكانه، وولوه، فلم يبرح في أيدي خزاعة، حتى قدم قصي؛ فكان من أمره الذي
كان2... انتهى.
وقال الفاكهي -أيضا- بعد أن ذكر خبر بني نزار السابق متصلا به: وكان
العدد والشرف من بني نزار السابق متصلا به: وكان العدد والشرف من بني
نزار بن معد في إياد، قال: فلم يزالوا كذلك حتى بغوا على مضر وربيعة؛
فأهلكهم الله تبارك وتعالى؛ فكانوا من أهلكهم البغي بعد ابن آدم، سلط
الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم أجد في معجم البلدان "المدور" إنما الموجود "مدري": جبل بنعمان
قرب مكة، ولعله المقصود لقربه من مكة.
2 أخبار مكة للفاكهي 5/ 145-147 والعقد الثمين 1/ 137-138.
ج / 2 ص -35-
-عز وجل- النخاع، وجعل الشرف والعدد والملك والنبوة في مضر؛ فدخلوا إلى
أرض العراق1... انتهى.
وذكر المسعودي ما يقتضي أن ولاية البيت بعد جرهم صارت إلى ولد إياد بن
نزار؛ لأنه قال: بعد أن ذكر خبر جرهم متصلا به: ثم صارت ولاية البيت في
ولد إياد بن نزار، بعد، ثم كان حروب كثيرة بين ولد مضر إياد؛ فكانت
لمضر على إياد، فانجلفوا عن مكة إلى العراق2... انتهى.
وممن ولي الكعبة من مضر -على ما ذكر الفاكهي- أسد بن خزيمة؛ لأنه قال
فلما مات، صار البيت في أسد بن خزيمة، فكان سادن الكعبة؛ فحدثني عبد
الله بن أبي سلمة قال: حدثنا الوليد بن عطاء المكي، عن أبي صفوان، عن
عبد الملك بن عبد العزيز، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
أسد بن خزيمة خازن الكعبة في الزمن الأول.
وحدثني هارون بن محمد بن عبد الملك، قال: حدثني موسى بن صالح بن شيخ بن
عميرة قال: حدثني أبي قال: قال لي أبو جعفر المنصور: يا شيخ أين قبر
جدك؟ قال: قلت بخرمان3. قال: فقال لي: لا، هو على أبي قبيس، إنه كالن
من الفريقين عظيما؛ يعني أسد بن خزيمة... انتهى.
ذكر ذلك الإمام الفاكهي في ترجمة ترجم عليها بقوله: "ذكر من ولي مكة من
مضر بن نزار قديما وتفسير أمورهم".
ولم أر فيما ذكر في هذه الترجمة شيئا يفهم منه ولاية أحد ممن ذكر فيها
لما ذكر غير أسد بن خزيمة ونفر قليل غيره، على ما يأتي بيانه -إن شاء
الله تعالى- بل في كلامه ما يشعر بخلاف ما ترجم له، ونذكر كلامه بنصه،
قال بعد الترجمة التي سبق ذكرها: حدثنا أحمد بن حميد الأنصاري، قال:
حدثني محمد بن زكريا، قال: حدثنا العباس بن بكار قال: حدثنا الفضيل بن
محمد، قال: كان محلم بن سويد الرئيس الأول -ظننا أول من رأس معدا- وكان
معقد قبل ذلك تسترضي رأيه جماعة، رجل رجل؛ فكان أول من قتاد معه ميمنة
وميسرة ولواء، وفي ذلك يقول الفرزدق:
زيد الفوارس وابن زيد منهم
وأبو قبيصة والرئيس الأول
أمأ قوله: ابن زيد؛ فهو حصين بن زيد بن صباح الضبي، وهو الذي
قال:
أوصى أبونا ضبة الملقى
سيف سليمان الذي يبقى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 147.
2 مروج الذهب 2/ 51.
3 خرمان: بستان بمكة.
ج / 2 ص -36-
إن على كل رئيس حقا
أن يخضب القناة أو تندقا
قال: وكان ضبة ينزل مكة، وكان قد ولي الحجاز واليمن لسليمان
بن داود -عليهما السلام، وفي ذلك يقول الشاعر:
ضبة رب خراج الحجاز
تجبى إليه إتاواتها
من كل ذي إبل ناقة
ومن كل ذي غنم شاتها
وكان البيت في ضبة عمن مضر؛ فلما أن مات صار البيت من مضر في
بن ضبة؛ فلما مات صار البيت في أسد بن خزيمة، فكان سادن الكعبة.
ثم قال بعد أن ذكر ما نقلناه عنه آنفا في شأن أسد بن خزيمة، ثم رجعنا
إلى حديث الأنصاري، قال: فلما مات، صار البيت في تميم؛ فلما مات، صارت
الرياسة إلى ابنه عمرو بن تميم، ثم صار البيت في أسيد بن عمرو؛ فلما
مات أسيد صارت مضر لا رأس لها، حتى نشأ أبو الخفاد الأسدي، وكان من
المعمرين، عاش دهرا طويلا، وفيه يقوله ربيعة أبو لبيد الجعفري:
أبو الخفاد إقبال الكبر فالدهر
صرفان فخذ ومضر
في الدهر إن تجني لك الثمر
من قيس عيلان وأحياء أخر
وكان الذي يسعى لأبي الخفاد في جيمع صدقاته:
الحارث بن عمرو بن تميم؛ فكان إذا نزل بقوم لم يبرح حتى يأكل من
طعامهم؛ فأكثر يوما من ذلك، فعظم بطنه، فسموه الحارث الحنط -وهو أو
الحنطات- فلما مات أبو الخفاد صار البيت في بني جماد من بني سعد، ثم
تحول البيت بعد الجمانيين إلى الأضبط بن قريع، ثم تحول البيت إلى بني
حنظلة بن دارم بن حنظلة، وضرب عليهم القبة الحمراء، وهي قبة مضر
الحمراء، وبها سميت مضر الحمراء؛ فلما صارت إلى عبد الله بن دارم؛ فلما
مات صارت إلى ابنه يزيد بن عبد الله؛ فلما مات، صارت إلى ابنه حدس،
فلما مات صارت إلى ابنه زرارة، فلما مات صارت إلى ابنه حاجب بن زرارة.
وكان حاجب والنباش ابنا زرارة من أشراف بني تميم وذوي القدر بمكة.
حدثنا عبد الله بن عمران المخزومي قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن ثور
بن يزيد قال: تزوج رجل امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلأمه
أخ له، فذكر منها صلاحا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما عليك إلا أن تكون تزوجت ابنه حاجب بن زرارة، إن
الله -عز وجل- جاء بالإسلام؛ فسوى بين الناس، ولا لوم على مسلم"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 151، 152.
ج / 2 ص -37-
وحدثنا الزبير بن أي بكر قال: حدثني حماد
بن نافع قال: سمعت سليمان المكي يقول: كان يقول في الجاهلية: والله
لأنت أعز من النباش، وأشار بيده إلى دور حول المسجد، فقال: كانت هذه
رباعهم.
ثم رجعنا إلى حديث الفضيل قال: ثم صارت إلى ابنه عطارد بن حاجب؛ فلما
مات صارت الرياسة في بني تميم في عمير بن عطارد؛ فلما مات صابرت إلى
ابنه بجيد بن عمير، وكان أحد الأجواد، وكان صاحب ربع بني تميم وهمدان
بالكوفة، وكان على أذربيجان في ولاية معاوية -رضي الله عنه- فمر به ألف
رجل من بني بكر بن وائل، كانوا وجهوا في بعث؛ فحملهم على ألف فرس، وكان
البيت من ضبة في الكبر: من بني ثعلبة بن بكر، وهم الفرسان، والعدد من
بني صباح: في الحصين بن يزيد، ثم تحول البيت -يعني الشرف والرياسة- يوم
الفرس أو القريتين -شك أبو العباس- في ضرار بن عمرو؛ فلما مات المنذر،
صارت إلى عيلان بن حرشة بن عمرو بن ضرار؛ فلما مات صارت إلى ابنه مكحول
بن عيلان1... انتهى.
فقوله في هذا الخبر: ثم تحول البيت -يعني الشرف والرياسة- يفهم أن ما
في هذا الخبر من قوله: فلما مات؛ صار إلى زيد الفوارس؛ فلما قتل، صار
إلى قبيصة بن ضرار، وكان قبيصة على أصحابه يوم الكلاب؛ فلما مات، صارت
إلى المنذر بن حسان بن ضرار -وكان المنذر بن حسان هو الذي قتل مهران
الملك يوم القادسية -فلما مات المنذر، صارت إلى عيلان بن حرشة بن عهمرو
بن ضرار. فلما مات صارت إلى ابنه مكحول بن عيلان1... انتهى.
فقوله في الخبر: ثم تحول البيت -يعني الشرف والرياسة- يفهم أن ما في
هذا الخبر من قوله: فلما مات؛ صار البيت من هذا المعنى. وذلك يخالف
المعنى المقصود بهذه الترجمة، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 153، والإصابة 3/ 378 في ترجمة "المنذر بن حسان
بن ضرار". |