شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام

ج / 2 ص -110-    الباب الرابع والثلاثون:
في ذكر شيء من خبر الفجار1 والأحابيش:
ينا في السيرة لابن إسحاق تهذيب ابن هشام، وروايته عن البكائي عنه، قال ابن هشام: "فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة2 أو خمس عشرة سنة فيما حدثني أبو عبيدة النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء قال: هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان، وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان، أجار لطيمة3 للنعمان بن المنذر؛ فقال له البراض بن قيس أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة: أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق؛ فخرج عروة الرحال، وخرج البراض يطلب غفلته؛ حتى إذا كان بتيمن4 ذي طلال بالعالية، غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام؛ فلذلك سمي "الفجار"، وقال البراض في ذلك:

وداهية5 تهم الناس قبلي   شددت لها بني بكر ضلوعي

هدمت بها بيوت بني كلاب    وأرضعت الموالي بالضروع


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المقصود هنا "انفجار الرابع" الذي حضره الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبله أيام فجارا ثلاثا، أولها: بين كنانة وهوزان، والثاني بين قريش وهوزان، والثالث بين كنانة وهوزان "راجع العقد الفريد 5/ 251-253، الأغاني 22، 54 وما بعدها".
2 العقد الفريد 5/ 253، تهذيب سيرة ابن هشام "ص: 43".
3 اللطيمة: عير تحمل الحب والبر وغيرهما للتجارة.
4 تيمن ذي طلال: ماء أو موضع ببلاد بني مرة، ورويت: ظلال، وهي سوان على يسار طنفة وأنت مصعد إلى مكة وهي لبني جعفر بن كذب "معجم البلدان 4/ 61".
5 داهية: الأمر المنكر العظيم.

 

ج / 2 ص -111-   رفعت له بذي طلال كفي    فخر يميد كالجذع الصريع1

وقال لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب:

فأبلغ إن عرضت، بني كلاب   وعامر، والخطوب لها موالي

وبلغ، إن عرضت، بني نمير    وأخوال القتيل بني هلال

بأن الوافد الرحال أمسى   مقيما عند تيم ذي طلال2

وهذه الأبيات في أبيات له فيما ذكر ابن هشام.
فأتى آت قريشا فقال: إن البراض قد قتل عروة، وهو في الشهر الحرام بعكاظ، فارتحلوا، وهوزان لا تشعر، ثم بلغهم الخبر؛ فأتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى جاء الليل؛ فأمسكت عنهم هوزان، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما والقوم يتناشدون، على كل قبيلة من قريش وكنانة رئيس منهم، وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم.
وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم؛ أخرجه أعمامه معهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم3:
"كنت أنبل على أعمامي" أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
قال ابن إسحاق: هاجت الحرب الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة؛ وإنما سمي "حرب الفجار" لما استحل هذان الحيان -كنانة وقيس عيلان- فيه من المحارم بينهم.
وكان قائد قريش كنانة حرب أمية بن عبد شمس؛ فكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة؛ حتى إذا كان وسط النهار كان لظفر لكنانة على قيس4... انتهى.
وذكر الفاكهي خبر الفجار، وذكر فيه غير ما ذكره ابن إسحاق وابن هشام، فنذكر شيئا من ذلك لما فيه من الفائدة لأنه قال: وحدثني عبد الملك بن محمد، عن زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق، قال5: كان الفجار الآخر بعد الفيل بعشرين سنة؛ فلم يكن في العرب يوم أعظم ولا أذهب ذكرا في الناس منه بين قريش ومن حالفها من كنانة بين قيس بني عيلان، فالتقوا فيها بعكاظ؛ وإنما سمي يوم الفجار بما استحل هذا الحيان -كنانة وقيس- فيه من المحارم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع العقد الفريد 5/ 254، والأغاني 22/ 58، ففيها اختلاف في الأبيات عما هنا.
2 في الأغاني 22/ 58، بيتان فقط.
3 سيرة ابن هشام 1/ 164.
4 سيرة ابن هشام 1/ 163-165.
5 في أخبار مكة للفاكهي 5/ 185: قال "ثم كان".

ج / 2 ص -112-    وقد كان قبله يوم بني جبلة وتميم، وكان يوما مذكورا من أيام العرب، ولم يكن كيوم عكاظ، وذكر حديثا طويلا وروي أشعار كثيرة اختصرناها مخافة التطويل؛ ولذلك موضع غير هذا.
وحدثني حسن بن حسين الأزدي قال: حدثنا محمد بن حبيب، عن أبي عبيدة: أن فجار البراض بين كنانة يوم وقيس أربعة أيام، في كل سنة يوم، وكان أوله يوم شطيمة1 من عكاظ، وعلى الفريقين الرؤساء من قريش؛ غير أبي براء، وكانت هوزان من وراء المسيل، وقريش دون المسيل، وبنو كنانة في بطن الواديط. وقال لهم حرب بن أمية: إن أبيحت2 قريش فلا تبرحوا مكانكم، وعبأت هوازن، وأخذوا مصافهم، وعبأت قريش؛ فكان على إحدى المجنبتين ابن جدعان، وعلى الآخر كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وحرب بن أمية في القلب؛ فكانت الدائرة أول النهار لكنانة على هوزان، حتى إذا كان آخر النهار وصبرت، فاستحر3 القتل في قريش؛ فلما رأى ذلك الذين في الوادي من كنانة مالوا إلى قريش وتركوا مكانهم؛ فلما فعلوا ذلك استحر القتل بهم فقتل تحت رايتهم ثمانون رجلا.
وقال آخرون: لما رأت ذلك بنو بكر بن عبد مناة نجا بهم رئيسهم استبقاء لقومه؛ فاعتزل بهم إلى جبل يقال له: رخم وقال: دعوهم، ولوددت أنه لم يفلت منهم أحد، فكان يوم شيطمة لهوزان على كنانة، ولم يقتل من قريش أحد يذكر. وزالت آخر النهار في بني بكر4.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في العقد الفريد 5/ 256، والأغاني 22/ 64، ومعجم البلدان 3/ 36، ورواه الأزهري بالظاء المعجمة "شمظة" "معجم ما استعجم 3/ 809"، وفي إتحاف الورى 1/ 124: "شيظمة".
2 أبيحت: هزمت.
3 في الأصول: "فاشتحر" وما أثبتناه هو الصواب، ومعناه: حمى واشتد.
4 أخبار مكة للفاكهي 5/ 185- 186.

ذكر يوم العبلاء:
حدثني الأزدي قال: حدثني محمد، عن أبي عبيدة قال: وجمع هؤلاء وأولئك، فالتقوا بالعبلاء -وهو الجبل الذي إلى جنب عكاظ- ورؤساؤهم الذين كانوا يوم شيطمة بأعيانهم؛ فكانت الدائرة أيضا في لهوزان على كنانة1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العقد الفريد 5/ 257، الأغاني 22/ 65، أخبار مكة للفكاهي 5/ 186.

ذكر يوم شرب:
حدثني الأزدي قال: حدثني محمد  عن أبي عبيدة قال: ثم جمع الفريقان على قرن الحول1 في اليوم الثاني من عكاظ، فالتقوا فيه بشرب من عكاظ، وعليهم رؤساءهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي على رأس الحول "معجم ما استعجم 3/ 961".

 

ج / 2 ص -113-    الذين كانو قبل، ولم يكن يوم أعظم منه، فحمل يومئذ جدعان ألفا على الف بعير، فالتقوا وقد كان  لهوزان على كنانة يومان متواليان: يوم شيطمة، ويوم العبلاء فخشوا مثلها وحافظوا يومئذ، وقيدت بنو أمية فيه أنفسهم، وحافظت مخزوم فصبرت، وبنو عبد مناة بن كنانة ليعفى على صنيعها يوم شيطمة، وصنيع بلغا، وصابرت مضر وثقيف؛ وذلك أن عكاظ بلد لهم به نخل وأمول؛ فلم يعفوا شيئا، فقاتلوا حتى أمسوا وانهزموا. وذكر شعرا لابن الزبعري يمدح به نفرا من قريش.
ثم قال: وحدثني الزبير بن أبي بكر قال: حدثني محمد بن الضحاك، عن أبيه قال: العنابس: حرب؛ وأبو حرب، وأبو سفيان بنو أمية؛ وإنما سموا العنابس، لأنهم غفلوا أنفسهم يوم عكاظ، وقاتلوا قتالا شديدا فشبهوا بالأسد، والأسد يقال له: العنبس.
ثم قال وحدثنا الزبير بن أبي بكر قال: حدثني مصعب بن عثمان ومحمد بن الضحاك الخزامي قال: إن خويلد بن أسد كان يوم عكاظ بني أسد بن عبد العزي1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 187.

ذكر يوم الحريرة:
حدثني الأزدي حسن بن حسين قال: حدثني محمد بن حبيب الهاشمي عن أبي عبيدة، قال: كانت فيه الدائرة لهوزان على كنانة، وهو آخر أيامهم، وحريرة إلى جنب عكاظ؛ مما يلي مهب جنوبها لمن يقبل يريد مكة من مهب شمالها حتى تقطع دوين قرن؛ فكان رؤساؤهم الذين كانوا قبلا إلا قيسا فإنه مات، وكان بعده الرئيس عليهم جثامة بن قيس، وقتل يومئذ أبو سفيان بن أمية. ومن كنانة ثلاث رهط، قتلهم عثمان بن أسد بن مالك بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وقتل ورقاء بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن عمرو بن عامر أبا كتف وابني إياس وعمرو وابن أيوب، وقد ذكرهم خداش بن زهير في شعره1.
فهذه أيام الفجار الخمسة التي تراجفوا فيها. في أربع سنين: أولهن يوم نخلة حين تبعتهم هوزان؛ فكان كفافا لا على هؤلاء ولا على هؤلاء. ثم يوم شيطمة فكان لهوزان على كنانة، ثم يوم عكاظ الأول -وهو يوم العبلاء- فكان لهوزان على كنانة، ويوم عكاظ الثاني -وهو يوم شرب- كان لبني كنانة على هوزان. ولم يكن بينهم يوم أعظم منه، ثم يوم الحريرة وهو آخر أيامهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع الشعر في العقد 2/ 259، والأغاني 22/ 75، ومعجم البلدان 2/ 250.

 

ج / 2 ص -114-    قال: ثم كان الرجل يلقي الرج أو الرجلين أو أكثر من ذلك أو أقل فيقتتلون؛ فربما قتل بعضهم بعضا. فلقي ابن محمية أخو بني الديل بن بكر أبا خداش بن زهير بالصفاح1؛ فقال أخو زهير بن خداش: جئت معتمرا، فقال: لا يلقي الدين إلا أن قلت معتمرا، فقتله ثم ندم، فقال:

اللهم إن العامري المعتمر   لم آت فيه عذر المعتذر

ثم إن الناس تداعوا إلى السلم على أن يدي الفضل من القتلى التي فيهم؛ أي الفريقين أفضل على الآخر، فتواعدوا عكاظا ليتعادوا القتلى، وتعاقدوا وتواثقوا أن يتموا على ذلك وجعلوا بينهما مواعدا يلتقون فيه لذلك؛ فأبي ذلك وهب بن معتب، وخالف قومه، وجعل لا يرضي بذلك، حتى يدركوا ثأرهم، فقال في ذلك أمية بن جدعان بن الأشكر:

المرء وهب وهب آل معتب    مل الغواة وأنت لما تملل

يسعى يعوذها بحر وقودها   وإذا تعابى صلح قومك فأعمل

وهي في شعره، واندس وهي حتى مكرت هوزان بكنانة وهم على رأس الصلح؛ فبعثت خيلا عليها  سلمة بن مشعل البكائي، وخالد بن هوذة، فيهم ناس من بني هلال، ورئيسهم ربيعة بن أبي ظبيان، وناس من بني نصر، عليهم مالك بن عوف، فأغاروا على بني ليث بصحراء الغميم وهم غارون فقاتلوهم، وجعل مالك يقاتل ويرتجز، وهو أمرد يومئذ، يقول:

أمر يبدي حمله شيب اللحا    وهو أول يوم ذكر فيه مالك بن عوف

فقتلت بنو مدلج يومئذ عبيد بن عوف البكائي، وسبيع بن أبي المؤمل من بني محارب، ثم انهزمت بنو ليث، فاستحر القتل ببني الملوح بن يعمر، فقتلوا منهم ثلاثين رجلا، وساقوا نعما، ثم أقبلوا، فعرضت لهم خزاعة وطمعوا فيهم فقاتلوهم؛ فلما رأوا أنه لا بد لهم منهم، وقالوا: عرضونا من غنيمتكم عراضة، فأبوا، فخلوا سبيلهم.
فقال مالك بن عوف:

نحن حمينا الخيل من بطن لية    وخلدان فينا جافينات ووقعا

تواعد ضبطا ذو خزاعة حزبنا   وما حزت ضبطا يغلب مضجعا


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 "الصفاح" موضع بين حنين وأنصاب الحرم على يسار الداخل إلى مكة من مشاش، جبل في وسط عرفة متصل بجبال تصل إلى مكة "معجم البلدان 3/ 412 و5/ 131".

 

ج / 2 ص -115-    ثم إن الناس تداعوا إلى الصلح، ورهنوا رهنا بوفاء بديات من كان له الفضل في القتلى وتم الصلح، ووضعت الحرب أوزارها... انتهى.
وكان آخر أمر الفجار ما ذكره الزبير بن بكار؛ لأنه قال: وحدثني محمد بن حسن عن حماد بن موسى عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: حدثني حكيم بن حزام قال: لما توافت كنانة، وقيس، من العام القابل، بعكاظ، بعد العام الأول الذي كانوا التقوا فيه، ورأس الناس حرب، خرج معه عتبة بن ربيعة، وهو يومئذ في حجر حرب فمنعه أن يخرج، وقال يا بني أنا بك، فاقتاد راحلته، وتقدم في أول الناس فلم يدر به حرب إلا وهوفي العسكر، قال حكيم بن حزام: فنزلنا عكاظ، ونزلت هوزان بجمع كثير؛ فلما أصبحنا ركب عتبة جملا ثم صاح في الناس: يا معشر مضر، علام تفانون بينكم؟ هلم إلى الصلح قالت هوزان، وماذا تعرض. قال أعرض أن أعطي دية من أصيب، قالوا: ومن أنت؛ قال: أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، قالوا: قد قبلنا، فاصطلحج الناس، ورضوا بما قال عتبة: وأعطوهم أربعين رجلا من فتيان قريش، وكنت فيهم؛ فلما رأت بنو عامر أن الرهن قد صار في أيديهم رغبوا في العفو، فأطلقوهم.
قال الزبير: وسمعت عبد الرحمن بن عبد الله يقول: لم يسد مملتق من قريش إلا عتبة بن ربيعة، وأبو طالب بن عبد المطلب، فإنهما سادا بغير مال... انتهى.
وكلام مغلطاي يقتضي أن أيام هذه الفجار ستة؛ لأنه في "سيرته" -على ما أخبرت به عنه: وأيام الفجار أربعة، قال السهيلي2، والصواب أنها ستة... انتهى.
ووقع في كلام الفاكهي ما يقتضي أنه كان قبل الفجار الذي أثاره البراض فجار آخر، وذكر الفاكهي شيئا من خبره، فنذكر ذلك لما فيه من الفائدة، ونص ما ذكره الفاكهي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 188، 189.
2 الروض الأنف 1/ 209.

ذكر الفجار الأول وما كان فيه بين قريش وقيس عيلان وسبب ذلك:
حدثنا عبد الملك بن محمد، عن زياد بن عبد الله، عن محمد بن إسحاق، قال: ثم هاج يوم الفجار الأول بين قريش، ومن كان إلفها من كنانة كلها، وبين قيس عيلان؛ وسببه أن رجلا من بني كنانة كان عليه دين لرجل من بني نضر بن معاوية بن بكر بن هوزان، فواعده به الكناني، فوافاه النصري بسوق عكاظ بقرد معه، فوقفه بالسوق، فقال: من يبيعني مثل هذا بمال لي على فلان بن فلان الكناني؛ وإنما أراد ذلك النضري الكناني وقومه، فمر به رجل من كنانة؛ فضربه القرد بالسيف أنفا مما يقول النضري، فصرخ

 

ج / 2 ص -116-    النضري في قيس، والكناني في بني كنانة؛ فتجاوز الناس حتى كادوا أن يكون بينهم قتال ثم تداعوا بمنى للصلح، وسرى الخطب من أنفسهم، فتراجع الناس وكف بعضهم عن بعض، ولم يكن بينهم إلا ذلك.
ويقال: بل قعد قتيبة من العرب من قريش غدية إلى امرأة من بني عامر ذات هيبة، عليها برفع وهي في درع فضل -وكذلك نساء العرب يفعلن- فأعجبهم ما رأوه من حسن هيئتها؛ فقالوا لها: يا أمة الله أسفري لنا عن وجهك ننظر إليك، فأبت عليهم، فقام غلام منهم فشبك درعها إلى ظهرها بشوكة -والمرأة لا تدري- فلما قامت انكشف الدرع عن دبرها، فضحكوا وقالوا: منعتنا أن ننظر إلى وجهك فقد نظرنا إلى دبرك!! فصاحت المرأة في بني عامر: فضحت فتحاور الناس ثم ترادوا، ورأوا أن الأمر دون1.
ويقال: بل قعد رجل من بني غفار بني خليل بن حمزة يقال له: أبو معشر، كان عارفا متصنعا في نفسه بسوق عكاظ، ومد رجله وقال:

أنا ابن مدركة بن خندف     من تضعفوا في عينه لا تطرف

ومن تكونوا قومه يغطرف

أنا والله أعز العرب، فمن زعم أنه أكرم مني فليضربها بالسيف. فضربها رجل من قيس فخدشها خدشا غير كبير، فتحاور الناس عند ذلك حتى كاد أن يكون بينهم قتال.
قال: ثم تراجع الناس ورأوا أنه لم يكن بينهم شيء كبير، فكل هذا الحديث يقال في يوم الفجار2، والله أعلم أي ذلك كان؟
قال عبد الملك: قال زياد: قال ابن إسحاق: وقد قال بعض الشعراء شعرا، قد ذكر فيه عكاظ وما أصابوا من بني كنانة وضرب رجل أبي معشر فقال:

عمرك الله سائلي أي قوم   معشري في سوالف الأعصار

نحن كنا الملوك من أهل نجد   زمن جزناه بميل الدمار

ومنعنا الحجاز من كل حي    وقمعنا الفجار يوم الفجار

وضربنا به كنانة ضربا    حالفوا بعده سني العسار

وتركنا سراة خثعم محا   كذا تتويج أهل الدثار

فاستغاثوا إلى العريف فقلنا   أخرجوهم من العريف بثار


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأغاني 22/ 6.
2 الوفا بأحوال المصطفى 1/ 135، السيرة الحلبية 1/ 128، إتحاف الورى 1/ 103، تاريخ الخميس 1/ 255، الأغاني 22/ 59.

 

ج / 2 ص -117-    قال زياد في حديثه هذا: وقال ابن إسحاق، فأجابه أمية بن الأشكر بشعر1، فقال:

أبلغا حمة الغريب أنا   قد قتلنا ميراثكم في الفجار

وسقيناكم المنية صرفا   ودهشنا بالنهب والإذكار

وطحنا مضر فدارت رحانا    فاستدلوا الباء والأعشار

خرجوا من ديارهم سراعا    إلينا فرددته للديار

وضربوا هوازن بعكاز    مثل ضرب الصحيفة

وطلعنا بعد تعود إليها   سحب الخيل ضم للمغمار

فتركناهم هنالك صرعى   وحلت عن قلوبهم للفرار

رفعت عن خجولها كل أثنى   فصلاها هاربا بغير إزار


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للفاكهي 5/ 183-185، سمط النجوم العوالي 1/ 193.

ذكر شيء من خبر الأحابيش ومحالفتهم لقريش:
ذكر الزبير بن بكار في كتاب "النسب" شيئا من خبر الأحابيش ومحالفتهم مع قريش لأنه قال: وحدثني محمد بن الحسن قال: تحالفت قريش والأحابيش الأحلاف؛ فصاروا حلفاء لقريش دون بني كنانة، والحيا والمصطلق من خزاعة كلها إلا الحيا والمصطلق مع بني مدلج. قال: وكان تحالف قريش والأحابيش على الركن يقوم رجلان أحدهما من قريش والآخر من الأحابيش فيضعفان أيديهما على الركن فيحلفان بالله القائل بحرمة هذا البيت، والمقام، والركن، والشهر الحرام، على النصر على الخلق جميعا حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وعلى التعاقل التعاون وعلى من عاداهم من الناس جميعا ما بل بحر صوفه، وما قام حراء وثبير، وما طلعت الشمس من مشرقها، وما غربت من مغربها، إلى يوم القيامة؛ فسموا عند ذلك الأحابيش لاجتماعهم... انتهى، والله أعلم.