شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام
ج / 2 ص -314-
الباب التاسع والثلاثون:
سيول مكة في الجاهلية:
روينا بالسند المتدقم إلى الأزرقي قال: سيولة مكة في الجاهلية.
حدثني محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد
العزيز قال: إن وادي مكة سال في الجاهلية سيلا عظيما وخزاعة تلي
الكعبة، وأن ذلك السيل هجم على أهل مكة، ودخل المسجد الحرام، وأحاط
بالكعبة، ورمي شجر بأسفل مكة، وجاء برجل وامرأة ميتين؛ فعرفت المرأة،
كانت تسكن بأعلى مكة، يقال لها فارة، ولم يعرف الرجل، فبنت خزاعة حوالي
البيت بناء وأدارته1 عليه، وأدخلوا الحجر فيه ليحصنوا البيت من السيل؛
فلم يزل ذلك البناء على حاله حتى بنت قريش الكعبة، فسمى ذلك السيل: سيل
فارة، وسمعت أنها امرأة من بني بكر2.
وبه قال الأزرقي: حدثني جدي عن سفيان عن عمرو بن دينار، قال: سمعت سعيد
بن المسيب يقول: حدثني أبي عن جده قال: جاء سيل في الجاهلية كسا ما بين
الجبلين3 وبه قال الأزرقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في أخبار مكة للأزرقي 2/ 166: "أدروه".
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 166.
3 أخبار مكة للأزرقي 1/ 103، وإسناده صحيح، ورواه الأزرقي في أخبار مكة
2/ 167.
سيول مكة في الإسلام:
قال الأزرقي: "سيول وادي مكة في الإسلام": حدثني جدي قال: وسال وادي
مكة في الإسلام بأسيال عظام مشهورة عند أهل مكة؛ منها: سيل في خلافة
عمر بن
ج / 2 ص -315-
الخطاب -رضي الله عنه- يقال له: سيل أم
نهشل، أقبل السيل حتى دخل المسجد الحرام من الوادي ومن أعلى مكة من
طريق الردم، وبين الدارين1، وكان ذلك السيل ذهب بأم نهشل بنت عبيد بن
سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس؛ حتى استخرجت منه بأسفل مكة؛ فمسي:
سيل أم نهشل، واقتلع السيل المقام -مقام إبراهيم الخليل -عليه أفضل
الصلاة والسلام- وذهب به حتى وجد بأسفل مكة، وعين مكانه الذي كان فيه،
وأخذ فربط بلصق الكعبة بأستارها، وكتب إلى عمر بن الخطاب -رضي الله
عنه- في ذلك فجاء فزعا، حتى رد المقام مكانه، ثم قال: فعمل عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- في تلك السنة الردم الذي يقال له: ردم عمر، وهو
الردم الأعلى عند دار جحش بن رئاب، التي يقال لها: دار إبان بن عثمان
إلى دار بيه؛ فبناه بالضفائر والصخر العظام، وكبسه، فسمعت جدي يذكر أنه
لم يعله سيل منذ ردمه عمر -رضي الله عنه- إلى اليوم. وقد جاء من بعده
أسيال عظام، كل ذلك لا يعلوه منها شيء2.
قال الأزرقي: ذكر سيل الجحاف، وما جاء في ذلك، قال:
وكان سبيل الجحاف في سنة ثمانين وفي خلافة عبد الملك بن مروان، صبح
الحاج يوما، وكان يوم التروية، وهم آمنون قارون3، قد نزلوا إلى وادي
مكة، واضطربوا الأبنية، ولم يكن عليهم من المطر إلا شيء يسير؛ إنما
كانت السماء في صدر الوادي، وكان عليهم من ذلك رشاش4.
قال الأزرقي: قال جدي: حدثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: لم
يكن المطر عام الجحاف على مكة إلا شيئا يسيرا؛ وإنما كان شدته بأعلى
الوادي، قال: فصبحبهم يوم التروية بالغبش قبل صلاة الصبح، فذهب بهم
وبمتاعهم، ودخل المسجد وأحاط بالكعبة، وجاء دفعة واحدة، وهدم الدور على
الشوارع وعلى الوادي، وقتل الهدم أناسا كثيرا، ورقي الناس في الجبال
واعتصموا بها؛ فسمي ذلك الجحاف؛ وقال فيه عبد الله بن أبي عمار:
ولم تر عيني مثل يوم الاثنين5
أكثر محزونا وأبكى للعين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدارين هما: دار أبو سفيان، ودار حنظلة بن أبي سفيان.
2 أخبار مكة للأزرقي 2/ 167 و168، أخبار مكة للفاكهي 3/ 104، العقد
الثمين 1/ 405، إتحاف الورى 2/ 7.
3 في أخبار مكة للأزرقي، وإتحاف الورى 2/ 108: "غارون" وهو تصيف.
4 في أخبار مكة للأزرقي 2/ 168: "رشاس من ذلك".
5 هو اليوم الذي جاء فيه السيل، ذكر ذلك البلاذري 1/ 62.
ج / 2 ص -316-
إذ خرج المختبئات تسعين
سواندا في الجبلين
يرقين1
فكتب في ذلك إلى عبد الملك بن مروان، ففزع لذلك، وبعث بمال
عظيم، وكتب إلى عامله على مكة عبد الله بن سفيان المخزومي -ويقال: بل
كان عامله الحارث بن خالد المخزومي- يأمره بعمل شفائر الدور الشارعة
على الوادي للناس من المال الذي بعث به، وعمل ردما على أفواه السكك
تحصن بها درر الناس من السيول، وبعث رجلا "معد بن مهند" في عمل ذلك،
وعمل ضفائر المسجد الحرام، وضفائر الدور في جنبتي الوادي؛ فكان من تلك
الردم، الردم الذي يقال له ردم الحزامية على فوهة بخط الحزامية2،
والردم الذي يقال له: ردم بني جمح، وليس لهم؛ ولكنه لبني قراد
الفهريين، فغلب عليه ردم بني جمح، وله يقول الشاعر:
سأملك عبرة وأفيض أخرى
إذا جاوزت ردم بني
قراد3
قال: فأمر عامله بالصخر العظام4، فنقلت له على
العجل، وحفر الرباط دون دور الناس؛ فبناها به وأحكمها من المال الذي
بعث به، قالوا: فكانت الخيل والثيران تجر ذلك العجل، حتى ربما أنفق في
المسكن الصغير لبعض الناس مثل ثمنه مرات، ومن تلك الضفائر أشياء إلى
اليوم قائمة على حالها من دار أبان بن عثمان التي هي ردم عمر -رضي الله
عنه، وهلم جرا إلى دار ابن الخوار؛ فتلك الضفائر التي في رباط تلك
الدور كلها، مما عمل من ذلك المال، ومن ردم بني جمح منحدرا في الشق
الأيسر إلى أسفل مكة، وأشياء من ذلك المال، ومن ردم بني جمح منحدرا في
الشق الأيسر إلى أسفل مكة، وأشياء من ذلك هي على حالها، وأما الضفائر
دار أويس التي بأسفل مكة ببطح نحر الوادي: فقد اختلف علينا في أمرها؛
فقال بعضهم: هي من عمل عبد الملك، وقال آخرون: هي من عمل أمير المؤمنين
معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما، وهو أثبتهما عندنا5.
وكان جاء بعد ذلك سيل يقال له سيل المخبل في سنة أربع وثمانين، وأصاب
الناس عقبه مرض شديد في أجسادهم وألسنتهم، أصابهم منه شبه الخبل6،
فسمي: المخبل7، وكان عظيما دخل المسجد الحرام وأحاط بالكعبة8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سواندا، وفي نسخة: شوادرا، وكذا في إتحاف الورى:
شواردا في الجابين يرقين
2 خط الخزامية: يقع عند باب الوداع.
3 فتوح البلدان 1/ 62، 63.
4 في أخبار مكة للأزرقي 2/ 169، إتحاف الورى 2/ 110: "بالصخر العظام".
5 أخبار مكة للأزرقي في 2/ 168، 170، إتحاف الورى 2/ 108، أخبار مكة
للفاكهي 3/ 105.
6 كذا في الأصل، وفي أخبار مكة للأزرقي.
7 في أخبار مكة للأزرقي: "سيل المخبل".
8 إتحاف مكة 2/ 111، أخبار مكة للأزرقي 2/ 169.
ج / 2 ص -317-
وكان بعد ذلك أيضا سيل عظيم -في سنة أربع
وثمانين ومائة- وحماد البربري أمير على مكة -دخل المسجد الحرام، وذهب
بالناس وأمتعتهم، وغرق الوادي في أثره في خلافة الرشيد هارون1.
وجاء سيل في سنة اثنتين ومائيتين في خلافة المأمون، وعلى مكة: يزيد بن
محمد بن حنظلة المخزومي، خليفة لحمدون بن علي بن عيسى بن ماهان؛ فدخل
المسجد الحرام وأحاط بالكعبة، وكان دون الحجر الأسود بذراع، ورفع
المقام عن مكانه؛ لما خيف عليه أن يذهب به السيل، وهدم دورا من دور
الناس، وذهب بناس كثير، وأصاب الناس بعده مرض شديد من وباء وموت وفاش؛
فسمى ذلك السيل: سيل ابن حنظلة2.
ثم جاء بعد ذلك في خلافة المأمون، هو أعظم من سيل ابن حنظلة في سنة
ثمان ومائتين في شوال، جاء والناس غافلون؛ فامتلأ السد الذي بالثقبة3،
فلما فاض انهدم السد، فجاء السيل الذي اجتمع فيه مع سيل السدرة، وسيل
ما أقبل منى؛ فاجتمع ذلك كله، فجاء جملة، فاقتحم المسجد الحرام، وأحاط
بالكعبة، وبلغ الحجر الأسود، ورفع المقام من مكانه لما خيف عليه أن
يذهب به، فكبس المسجد الحرام والواغدي بالطين والبطحاء، وقلع صناديق
الأسواق ومقاعدهم، وألقاها بأسفل مكة، وذهب بأناس كثيرين، وهدم دورا
كثيرا مما أشرف على الوادي. وكان أمير مكة يومئذ: عبيد الله بن الحسن
بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- وعلى بريد
مكة وصوافيها: مبارك الطبري. وكان وافى تلك السنة للعمرة في شهر رمضان
قوم من الحجاج من أهل خراسان وغيرهم كثير؛ فلما رأى الناس من الحجاج
وأهل مكة ما في المسجد من الطين والتراب، اجتمع الناس فكانوا يعملون
بأيديهم ويستأجرون من أموالهم؛ حتى كان النساء بالليل والعواتق يخرجن
فينقلن التراب التماس الأجر والبركة؛ حتى رفع من المسجد الحرام ونقل ما
فيه؛ فرفع ذلك إلى المأمون فأرسل بمال عظم، وأمر أن يعمر به في المسجد،
ويبطح ويعزق وادي مكة، فعزق منه وادي مكة، وعمر المسجد الحرام وبطح، ثم
لم يعزق وادي مكة، حتى كانت سنة سبع وثلاثين ومائتين؛ فأمرت أم أمير
المؤمنين جعفر المتوكل على الله باثنتي عشرة ألف دينار لعزقه، فعزق بها
عزقا مستوعبا4... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخبار مكة للأزرقي 2/ 170.
2 إتحاف الورى 2/ 279، أخبار مكة للأزرقي 2/ 170.
3 الثقبة -بالتحريك: جبل بين حراء ومكة وتحته مزارع "مراصد الاطلاع 1/
279".
4 إتحاف الورى 2/ 282، أخبار مكة للأزرقي 2/ 271، أخبار مكة للفاكهي 3/
109.
ج / 2 ص -318-
هذا ما ذكر الأزرقي من سيول وادي مكة في
الجاهلية والإسلام1.
وذكر الفاكهي2 السيول الذي ذكرها الأزرقي أخصر مما ذكره، وذكر أن في
ذلك غير ما لم يذكره الأزرقي؛ لأنه ذكر أن السيل الذي يقال له
"المخبل": كان في ولاية حماد البربري على مكة، وهذا لا يفهم من كلام
الأزرقي.
وذكر أن السيل الذي يقال له "سيل ابن حنظلة" كان عظيما امتلأ به الوادي
وعلاه قيد رمح، وهذا أيضا لا يفهم من كلام الأزرقي. ونقل الفاكهي هذا
عن ابن إسحاق عن ابن عباس.
ومن أمطار مكة وسيولها التي كانت قبل الأزرقي ولم يذكرها، ما ذكره ابن
جرير الطبري في تاريخه؛ لأن فيه: أخبار سنة ثمان وثمانين من الهجرة:
وعن صالح بن كيسان قال: خرج عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- تلك
السنة -يعني سنة ثمان وثمانين- ومعه نفر من قريش3 أرسل إليهم بصلات،
وظهر للحمولة، وأحرموا معه من ذي الحليفة، وساق معه بدنا؛ فما كان
بالشفير4 لقيهم نفر من قريش، منهم ابن أبي مليكة وغيره؛ فأخبروه أن مكة
قليلة الماء، وأنهم يخافون على الحاج العطش؛ وذلك أن المطر قل، فقال
عمر -رضي الله عنه: فالمطلب هاهنا: تعالوا ندع الله -تعالى- قال:
فرأيتهم دعوا، ودعا معهم عمر -رضي الله عنه؛ فألحوا في الدعاء، قال
صالح: فلا والله إنا وصلنا إلى البيت ذلك اليوم إلا مع المطر، حتى كان
مع الليل، وسكبت السماء، وجاء سيل الوادي؛ فجاء أمر، فخافه أهل مكة،
ومطرت عرفة، ومنى، وجمع، فما كانت إلا عبرا5. قال: وكانت مكة تلك السنة
مخصبة6... انتهى.
وذكر ابن الأثير هذا بالمعنى مختصرا، وفيه: أنهم لقوا عمر -رضي الله
عنه- بالتنعيم، ولعل الشفير الذي وقع فيما نقلناه من تاريخ ابن جرير
تصحيف من الكاتب، والله -تعالى- أعلم7.
ومنها: "سيل أبي شاكر" في ولاية هشام بن عبد الملك في سنة عشرين ومائة،
وأبو شاكر المنسوب إليه هذا السيل هو: سلمة بن هشام بن عبد الملك. ولم
يبين الفاكهي سبب تسمية هذا السيل بأبي شاكر؛ وذلك لأن أبا شاكر حج
بالناس سنة تسع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر الأزرقي في مواضع متفرقة من كتابه عدة سيول أخرى منها: سيل وقع
سنة "225هـ"، وآخر عام "240 هـ".
2 أخبار مكة الفاكهي 3/ 108.
3 عند الطبري 6/ 437: "بعده من قريش".
4 عند الطبري 6/ 437: "بالتنعيم".
5 العبر: الكثير من الشيء والسحاب السريع.
6 تاريخ الطبري 6/ 437 و438.
7 الكامل لابن الأثير 4/ 534، إتحاف الورى 2/ 113.
ج / 2 ص -319-
عشرة ومائة -على ما ذكر العتيقي وغيره-
وجاء هذا السيل عقيب حج أبي شاكر؛ فسمي به، والله أعلم1.
ومنها: سيل الأميري في خلافة المهدي العباسي سنة ستين ومائة، وكان هذا
السيل ليومين بقيا من المحرم، وذكر هذين السيلين الفاكهي بمعنى ما
ذكرناه2 والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن أمطار مكة وسيولها في عصر الأزرقي أو بعده بقليل: سيل كان في سنة
ثلاث وخمسين ومائتين، ودخل المسجد الحرام، وأحاط بالكعبة، وبلغ قريبا
من الركن الأسود، ورمى بالدور بأسفل مكة، وذهب بأمتعة الناس وخرب
منازلهم، وملأ المسجد الحرام حتى جر ما في المسجد من التراب بالعجل3.
ومنها: في سنة اثنتين وستين ومائتين جاء سيل عظيم، ذهب بحصباء المسجد
الحرام حتى عري منها4.
ومنها: سيل في سنة ثلاث وستين ومائتين؛ وذلك أن مكة مطرت مطرا شديدا،
حتى سال الوادي، ودخل السيل من أبواب المسجد، فامتلأ المسجد، ونبع
الماء قريبا من الحجر الأسود، ورفع المقام من موضعه، وأدخل في الكعبة
للخوف عليه من السيل5، ذكر هذه السيول الفاكهي بهذا اللفظ، غير قليل
منه فبالمعنى.
ومن أمطار مكة وسيولها بعد الأزرقي، ما ذكره إسحاق بن أحمد الخزاعي،
راوي تاريخ الأزرقي، وأدخله فيه عقيب الخبر الذي فيه: أنه يأتي على
زمزم زمان يكون أعذب من النيل والفرات؛ لأنه قال: وقد رأينا ذلك في سنة
إحدى وثمانين ومائتين؛ وذلك أنه أصاب مكة أمطار كثيرة، وسال واديها
بأسيال عظام في سنة تسع وسبعين، وسنة ثمانين ومائتين، فكثر ماء زمزم،
وارتفع حتى كان قارب رأسها؛ فلم يكن بينه وبين شفتها العليا إلا سبع
أذرع أو نحوها، وما رأيتها قط كذلك، ولا سمعت من يذكر أنه رآها كذلك،
وعذبت جدا حتى كان ماؤها أعذب من مياه مكة التي يشربها أهلها6...
انتهى.
ومنها: ما ذكره المسعودي في تاريخه في أخبار سنة سبع وتسعين ومائتين،
ونص كلامه: ورد الخبر إلى مدينة السلام بأن أركان البيت الحرام غرقت
حتى جرى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 153، أخبار مكة للأزرقي 2/ 311، أخبار مكة للفاكهي 3/
170.
2 إتحاف الورى 2/ 203، العقد الثمين 1/ 206، أخبار مكة للفاكهي 3/ 108.
3 أخبار مكة للأزرقي 2/ 311 ملحق سيول مكة رقم 216، إتحاف الورى 2/
331، درر الفرائد "ص: 230"، أخبار مكة للفاكهي 3/ 113.
4 أخبار مكة للأزرقي 2/ 312، إتحاف الورى 2/ 238.
5 إتحاف الورى 2/ 339.
6 إتحاف الورى 2/ 347، 348.
ج / 2 ص -320-
الغرق في الطواف، وفاضت بئر زمزم، وأن ذلك
لم يعهد فيما سلف من الزمان1... انتهى.
ومنها: أنه في جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وقع بمكة مطر
سبعة أيام، وسقطت منه الدور، وقد تضرر الناس من ذلك كثيرا2.
ومنها على ما وجدت بخط الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن البرهان
الطبري: أنه في سنة تسع وأربعين وخمسمائة وقع بمكة مطر سال منه وادي
إبراهيم، ونزل مع الماء برد بقدر البيض، وزن بميزان أخي زهير مائة
درهم.
ومنها على ما وجدت بخطه: أنه في سنة تسع وستين وخمسمائة وقع بمكة مطر
وجاء سيل كبير إلى أن دخل من باب بني شيبة ودخل دار الإمارة ولم ير سيل
قط قبله دخل دار الإمارة... انتهى.
ومنها على ما وجدت بخطه: أنه في سنة تسع وسبعين وخمسمائة كثرت الأمطار
والسيول بمكة، وسال وادي إبراهيم خمس مرات.
ومنها على ما وجدت بخطه: أنه في سنة تسع وستين وخمسمائة جاء سيل عظيم
في يوم الاثنين الثامن من صفر ودخل الكعبة وأخذ ضرفتي3 باب إبراهيم،
وحمل منابر الخطبة ودرجة الكعبة، ووصل الماء إلى فوق القناديل التي في
وسط المسجد بكثير4... انتهى.
ورأيت في نسخة في تاريخ الأزرقي في حاشية صورتها: جاء أسيل في يوم
الاثنين لثمان خلون من صفر سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، هدم دورا على
حافتي وادي مكة ودخل المسجد الحرام وعلا الحجر الأسود، ذراعين، ودخل
الكعبة فبلغ قريبا من الذراع، وأخذ ضرفتي باب إبراهيم، وسال بهما...
انتهى.
وفي هذا زيادة على ما ذكر ابن البرهام؛ كون السيل بلغ في الكعبة قريبا
من ذراع، وكونه أخذ ضرفتي باب إبراهيم، وكونه هدم دورا على جانبي وادي
مكة.
ومنها: سيل على رأس العشرين وستمائة؛ ذكر ذلك ابن مسدي في "معجم
شيوخه"؛ لكون هذا السيل أذهب إثبات بعض شيوخه، وذكر أنه طم بمكة5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 مروج الذهب 4/ 307.
2 إتحاف الورى 2/ 504، العقد الثمين 7/ 446.
3 الضرفة بالعامية المصرية: شق الباب حين يكون مقسما إلى قسمين،
وبالشامية: درفة.
4 إتحاف الورى 2/ 563، العقد الثمين 1/ 207.
5 إتحاف الورى 3/ 37، العقد الثمين 1/ 207.
ج / 2 ص -321-
ومنها على ما وجدت بخط الشيخ أبي العباس
الميورقي: أنه في منتصف ذي القعدة عام عشرين وستمائة أتى سيل عظيم قارب
دخول بيت الله الحرام، ولم يدخله... انتهى.
ولعله السيل الذي ذكره ابن مسدي، والله أعلم.
ومنها على ما وجدت بخطه: سيل في سنة إحدى وخمسين وستمائة.
ومنها على ما وجدت بخطه -أيضا: أنه في ليلة نصف شعبان سنة تسع وستين
وستمائة أتى سيل لم يسمع بمثله في هذه الإعصار، بأثر سيل في أول يوم
الجمعة، يعني رابع عشر شعبان هذه السنة، ودخل البيت الله الحرام -شرفه
الله تعالى- وألقى كل زبالة في المعلاة في الحرم -قدسه الله تعالى- قال
لي الشيخ عبد الله بن محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد التونسي المعروف
بالأعمى: لم يكن ليلة النصف من شعبان بالحرم أحد إلا أن الحرم بقي
كالبحر، يموج منبره فيه، وما سمعت تلك الليلة مؤذنا؛ لأنه بقي الناس من
خوف الهدم والغرق في أمر عظيم، حتى خشي أنه ينسى كثير من الناس الفرض؛
فكيف بصلاة ليلة النصف من شعبان المكرمة، قال: وتوهمت أنا أنه طرد لأهل
مكة عن بيته؛ لأنهم كانوا قد استعدوا على العادة لصلاة نصف شعبان،
وأخرجوا من صلاة الجمعة، فأتمها الإمام، ولم ير تلك الليلة طائف إلا ما
سمع في السحر برجل يطوف بالعوم. فتعجب الناس من قوته وجسارته، قال
القلعي: إن الحجر الأسود لا يستطاع إلا لمن كان عواما غطاسا، وقال
الفقيه يعقوب القاضي: حمل سيل مكة عالما عظيما، وطاحت الدور على عالم
أيضا1... انتهى.
ومنها: سيل عظيم في ليلة الأربعاء سادس عشر ذي الحجة سنة ثلاثين
وسبعمائة؛ ذكره قاضي مكة شهاب الدين الطبري في كتاب كتبه لبعض أصحابه
بعد الحج في هذه السنة، ونص المكتوب في الكتاب فيما يتعلق بهذا السيل:
وجاء الناس سيل عظيم بلا مطر ليلة الأربعاء سادس عشر من ذي الحجة ملأ
الفساقي التي عند المعلاة، وعند مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وخرب البساتين، وملأ الحرم، وأقام الماء فيه يومين، والعمل مستمر فيه
يلزم الناس شغل مدة كثيرة2... انتهى.
ومنها على ما ذكر البرزالي في "تاريخه": أن في آخر ذي الحجة سنة اثنتين
وثلاثين وسبعمائة وقع بمكة أمطار وصواعق، ووقعت صاعقة أبي قبيس فقتلت
رجلا، ووقع في مسجد الخيف صاعقة فقتلت آخر، ووقع في الجعرانة صاعقة
فقتلت رجلين3... انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 100، درر الفرائد "ص: 283"، العقد الثمين 1/ 207.
2 إتحاف الورى 3/ 193.
3 إتحاف الورى 3/ 200، درر الفرائد "ص: 305".
ج / 2 ص -322-
ومن أخبار الصواعق: صاعقة وقعت بمكة قبل
سنة سبعمائة وبعد التسعين -بتقديم التاء- وستمائة هلك بها بعض مؤذني
الحرم.
ومنها: صاعقة وقعت في المسجد الحرام، فقتلت خمسة نفر؛ وذلك في سنة أربع
وخمسين ومائة. ذكر ذلك الواقدي فيما حكاه الذهبي عنه1.
ومنها على ما وجدت بخط ابن البرهان: أنه في ليلة الخميس العاشر من
جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة دخل سيل عظيم إلى المسجد
الحرام، وبلغ في الكعبة شبرا وأربع أصابع... انتهى.
وقد ذكر هذا السيل ابن محفوظ في تاريخه؛ فقال: وفي تلك السنة يعني سنة
ثمان وثلاثين جاء سيل وادي إبراهيم؛ حتى أنه دخل الحرم، فطلع في وسط
الكعبة قدر ذراع، وبلغ الماء إلى القناديل التي بالأورقة، وبقيت
المنابر منابر الخطبة ودرجة الكعبة كأنهم ترابا عظيما، وقعد الناس في
تقويمه مدة... انتهى.
ورأيته مذكورا بأبسط من هذا في ورقة لا أعرف كاتبها، فرأيت أن أذكر ذلك
أما فيه من الفائدة، ونص مكتوب:
ولما كان عام ثمانين وثلاثين وسبعمائة -أحسن الله تقضية وعقباه- ليلة
الخميس عاشر جمادى الأولى منه، الموافق خامس كانون الأول، قدر الله
تعالى غيما، وردعوا مزعجة، وبروقا مخيفة، ومطر وابل كأفواه القرب على
الملأ من علو، ثم وقعت السيول من كل جهة، وكان وبل بمكة -شرفها الله
تعالى وحماها، وكان معظم السيل من جهة البطحاء؛ فدخل الحرم الشريف من
جميع الأبواب التي تليه: من باب بني شيبة إلى باب إبراهيم، وحفر في
الأبواب، وجعل حول الأعمدة في طريقه مقدار قامتين وأكثر ولو لم تكن
أساسات الأعمدة محكمة لكان رمى بها وقلع من أبواب الحرم أماكن، وطاف
بها الماء؛ فطاف بالمنابر كل واحدة إلى جهة، وبلغ عند الكعبة المعظمة
قامة ووصل إلى قناديل من خلل الباب، وعلا الماء فوق عتبتها أكثر من نصف
ذراع بل شبرين، ووصل إلى قناديل المطاف، وعبر في بعضها من فوقها فطفأه،
وغرق بعض المجاورات من النساء اللواتي في المصاطب، وخرب بيوتا كثيرة،
وغرق بعض أهلها، وبعضهم مات تحت الردم، وكان أمرا مهولا قدرة قادرة
يقول للشيء كن فيكون -سبحانه وتعالى- ولو دام ذلك النوء إلى الصباح
لكانت عرفت مكة، والعياذ بالله، وذكره أيضا: الشيخ عماد الدين بن كثير
في "تاريخه" بما يقضي تعظيمه2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تاريخ الإسلام 6/ 106.
2 إتحاف الورى 3/ 212، ويعرف هذا السيل بسيل القناديل.
ج / 2 ص -323-
ولم يجئ مكة -فيما علمت- بعد هذا السيل سيل
على نحو هذه الصفة؛ إلا سيل كان بمكة في سنة اثنتين وثمانمائة؛ وذلك
أنه في آخر اليوم الثامن من جمادى الأول من هذه السنة، نشأت مخايل،
واستهلت بالغيث ساعة بعد ساعة، وكان الحال هكذا في اليوم التاسع من هذا
الشهر، وفي آخره اشتد استهلال الغيث، واستمر الحال على ذلك إلى بعد
المغرب من ليلة الخميس عاشر الشهر المذكور؛ فصار المطر يصب كأفواه
القرب، وما شعر الناس إلا سيل وادي إبراهيم قد هجم مكة؛ فلما حاذى وادي
أجياد خالطه السيل الذي جاء منه، وصار ذلك بحرا زاخرا، فدخل السيل
المسجد الحرام من غالب أبوابه، وعمه كله، وكان عمقه في المسجد خمسة
أذرع، على ما ذكر لي بعض أصحابنا في كتابه؛ لأني كنت غائبا عن مكة في
الرحلة الثانية منها. وذكر لي بعض مشايخنا أن عمقه في جهة باب إبراهيم
فوق قامة وبسطة، وأنه علا على عتبة باب الكعبة المعظمة قدر ذراع أو
أكثر فيما قيل، ودخلها السيل من شق بابها الشريف، واحتمل درجة الكعبة
المعظمة قدر ذراع أو أكثر فيما قيل، ودخلها السيل من شق بابها الشريف،
واحتمل درجة الكعبة المعظمة فألقاها عند باب إبراهيم، ولولا صد بعض
العواميد لها لحملها إلى حيث ينتهي، وأخرب عمودين في المسجد الحرام عند
باب العجلة، بما عليهما من العقود والسقف، ولولا ما لطف الله به من
تصرفه من المسجد سريعا لأخرب المسجد؛ لأنه كان يقد الأرض قدا، وأخرب
دورا كثيرة بمكة، وسقط بعضها على سكانها فماتوا، وجملة من استشهد بسببه
-على ما قيل- نحو ستين نفرا، وأفسد للناس من الأمتعة شيئا كثيرا، وأفسد
في المسجد مصاحف كثيرة، ولما أصبح الناس نادى لهم المؤذن لصلاة الصبح
بالصلاة في بيوتهم؛ للمشقة العظيمة في المشي في الطرقات إلى المسجد
الحرام؛ لأجل الوحل والطين، وامتلأ المسجد بذلك أيضا، وكذلك صنع المؤذن
لصلاة الصبح يوم الجمعة، ولم يخطب الخطيب يوم الجمعة إلا في الجانب
الشمالي من المسجد الحرام، لعدم تمكنه من الخطبة في الموضع الذي جرت
العادة بخطبته فيه، وهو الركن الشامي لما في هذا الموضع من الوحل
والطين. وبلغني أن ناسا مكثوا يومين لا يتمكنون من الطواف لأجل ذلك إلا
بمشقة، وبالجملة فكان سيلا مهولا، فسبحان الفعال لما يريد1.
ومن سيول مكة المهولة بعد هذا السيل: سيل يدانيه؛ لدخول المسجد الحرام،
وارتفاعه فيه فوق الحجر الأسود حتى بلغ عتبة باب الكعبة الشريفة، وألقى
درجتها عند منارة باب الحزورة، وكان هجم هذا السيل على المسجد الحرام
عقيب صلاة الصبح، من يوم السبت سابع وعشرين من ذي الحجة سنة خمس وعشرين
وثمانمائة، وكان المطر وقع بقوة عظيمة في آخر هذه الليلة؛ فلما كان وقت
صلاة الصبح، صلى الإمام الشافعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 419، العقد الثمين 1/ 208.
ج / 2 ص -324-
بالناس أمام زيادة دار الندوة بالجانب
الشامي من المسجد الحرام؛ لتعذر الصلاة عليه بمقام إبراهيم وما يليه
هناك؛ فلما انقضت صلاته للصبح حمل الفراش الشمع ليوصله إلى القبة
المعدة لذلك، بين سقاية العباس، وقبة زمزم؛ فإذا الماء في صحن المسجد
يعلوه قليلا قليلا، ولم يتمكن من إيصال الشمع للقبة إلا بعسر، وكان بعض
أهل السقاية بها؛ فدخل عليه الماء من بابها، ثم زاد فرقى على دكة هناك،
ثم زاد فرقى على صندوق وضعه فوق الدكة، فبلغه الماء، فخاف وخرج من
السقاية فارا إلى صوب الصفا، وما نجا إلا بجهد، وكان السيل قد دخل
المسجد الحرام، وقل أن يعهد دخول الماء منه، وصار المسجد مغمورا بالماء
الكثير المرتفع نحو القامة، وكان به خشب كالصندوق الكبير ليس له رأس
يستره، كان فوق بعض الأساطين التي أزيلت في هذه السنة لعمارتها؛ فأخذه
بعض الناس وركب فيه، وصار يقذف به، حتى أخرج به من السيل الجديد عند
زمزم شخصا كان بالسيل متعلقا ببعض شبابيك السبيل خوفا من الغرق، لما
دخل الماء السبيل، ووصلا فيه للمحل الذي أرادا، وفعل مثل ذلك بغير
واحد، وما خرج السيل من المسجد حتى هدمت عتبة باب إبراهيم لعلوها،
وألقى السيل في المسجد لأجله، وأفسد الناس أشياء كثيرة من المتاجر في
الدرر التي بمسيل وادي مكة بناحية سوق الليل والصفا، والمسفلة، وما مات
فيه أحد فيما علمناه ولكن مات في هذه الليلة أربعة نفر بمكان يقال له:
"الطنبداوية" بأسفل مكة، بصاعقة وقعت عليهم هناك؛ فسبحان الفعال لما
يريد.
ومما تخرب بهذا السيل: موضع الدرب الجديد بسور باب المعلاة وألقاه
للأرض، وما بين هذا الباب والباب القديم، وذلك ثمانية وعشرون ذرعا1.
ومنها: سيل يقارب هذا السيل، دخل المسجد الحرام من أبوابه التي بالجانب
اليماني، وقارب الحجر الأسود؛ زاده الله شرفا، وألقى بالمسجد من
الأوساخ والزبل شيئا كثيرا، وذلك بعد المغرب من ليلة ثالث جمادى الأولى
سنة سبع وعشرين وثمانمائة، عقيب مطر عظيم، وكان ابتداؤه بعد العصر من
ثاني الشهر المذكور، وأخرب هذا السيل باب الماجن، وجانبًا كبيرًا من
سورة، ثم عمر ذلك، والله أعلم2.
ولا شك أن الأخبار في هذا المعنى كثيرة، ولكن لم نظفر منها إلا بهذه
النبذة اليسيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 588.
2 إتحاف الورى 3/ 607، السلوك للمقريزي: 4/ 2: 663، العقد الثمين 1/
208.
ج / 2 ص -325-
ذكر شيء من أخبار الغلاء والرخص
والوباء بمكة المشرفة على ترتيب ذلك في السنين:
فمن ذلك: أنه في سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وقع بمكة غلاء، وأصاب
الناس مجاعة شديدة، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، والمد الذرة بعشرين
درهما؛ ذكر ذلك صاحب الكامل1 ولم يبين مقدار المد، والله أعلم بذلك.
ومن ذلك: أنه في سنة إحدى وخمسين ومائتين بلغ الخبز بمكة ثلاث أواق
برهم، واللحم رطل بأربعة دراهم، وشربة ماء بثلاثة دراهم؛ ذكر ذلك صاحب
الكامل أيضا2.
ومن ذلك: أنه في سنة ستين ومائتين -على ما قال صاحب "الكامل" أيضا-
اشتد الغلاء في عامة بلاد الإسلام، فانجلى من أهل مكة الكثير، ورحل عنه
عاملها3.
ومن ذلك: أنه في سنة ست وستين ومائتين -على ما قال صاحب "الكامل" أيضا-
عم الغلاء سائر بلاد الإسلام من الحجاز، والعراق، والموصل، والجزيرة،
والشام، وغير ذلك؛ إلا أنه لم يبلغ الشدة التي بالمدينة4.
ومن ذلك: أنه في سنة ثمان وستين ومائتين -على ما قال صاحب "الكامل"
أيضا- صار الخبز بمكة أوقيتين بدرهم، وذكر أن سبب ذلك أن أبا المغيرة
المخزومي صار إلى مكة؛ فجمع عاملها جمعا احتمى بهم، فصار أبو المغيرة
إلى المشاش -عين مكة- فغورها، وإلى جدة فنهب الطعام وأحرق بيوت أهلها،
ثم ذكر ما سبق من سعر الخبز5.
ومن ذلك: أنه في سنة أربعين وأربعمائة -على ما ذكر صاحب "الكامل"- كان
الغلاء والوباء عاما في جميع البلاد، بمكة، والعراق، والموصل،
والجزيرة، والشام، ومصر، وغيرها من البلاد6.
ومن ذلك: أنه في سنة سبع وأربعين وأربعمائة -على ما قال صاحب "الكامل"
أيضا- كان بمكة غلاء شديد، بلغ الخبز عشرة أرطال بدينار مغربي، ثم تعذر
وجوده،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكامل لابن الأثير 4/ 352، إتحاف الورى 2/ 91.
2 الكامل لابن الأثير 7/ 166، إتحاف الورى 2/ 330.
3 الكامل لابن الأثير 7/ 272، إتحاف الورى 2/ 336، وكان عامل مكة:
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الهاشمي المعروف ببرية.
4 الكامل لابن الأثير 7/ 336، إتحاف الورى 2/ 341.
5 الكامل لابن الأثير 7/ 372، إتحاف الورى 2/ 342.
6 الكامل لابن الأثير 8/ 552، إتحاف الورى 2/ 412.
ج / 2 ص -326-
فأشرف الناس والحجاج على الهلاك؛ فأرسل
الله -عز وجل- عليهم من الجراد ما ملأ الأرض فتعوض الناس به، ثم عاد
الحجاج فسهل الأمر على أهل مكة، قال: وكان سبب هذا الغلاء عدم زيادة
النيل بمصر -على العادة- فلم يحمل منها الطعام إلى مكة1... انتهى.
ومن ذلك: أنه في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة -على ما ذكر صاحب
"الكامل"- عم الوباء والغلاء سائر البلدان من الشام، والجزيرة،
والموصل، والحجاز، واليمن، وغيرها2.
ومن ذلك: أنه في سنة سبع وستين وخمسمائة -على ما وجدت بخط جمال الدين
بن البرهان الطبري- بلغ الحب بمكة خمسة أمداد بدينار، ولم يجئ مير، لا
في رجل، ولا في شعبان، إلى أن وصلت جلبتان صدقة مشحونتان من عند صلاح
الدين -رحمه الله- فأحيت المسلمين وفرجت عنهم3... انتهى.
وما عرفت مقدار المد المشار إليه، هل هو مد الطائف، أو مد أهل بجيلة
وما والاها، الذي يقال له الزبيدي، وهو الأقرب، لأنه مد المير المشار
إليهم، وهم الجالبون للميرة إلى مكة، والله أعلم.
ومقدار هذا المد: ربعية، وهي ربع الربع المكي الذي يكتال الناس به بمكة
الآن، ويبعد كل البعد أن يكون المد المشار إليه في هذه الحادثة -وفيما
يذكر من الحوادث- المد المكي لكثرته ويسارة الثمن عنه؛ إلا أن يكون
المشار إليه ذهبا، وهو بعيد، والله أعلم.
ومن ذلك: أنه في سبع تسع وستين وخمسمائة -على ما وجدت بخط ابن البرهان
أيضا- بلغ الحب فيها صاعا بدينار، وصاعا إلا ربع، وأكل الناس الدم
والجلود والعظام، ومات أكثر الناس؛ فلما كان الثامن والعشرون من جماد
الآخرة، وجه الخليفة المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين بالصدقات لأهل
مكة والمجاورين، وفرج عنهم، فرج الله عنه.
ثم قال بعد أن ذكر المطر الذي كان بمكة في هذه السنة -وقد تقدم ذكره:
وجاء شهر رجب الميرة، وابتاعوا الحب ثلاثة أصوع ومدين بدينار4...
انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكامل لابن الأثير 9/ 614، إتحاف الورى 2/ 464، در الفرائد "ص:
254".
2 الكامل لابن الأثير 9/ 631، إتحاف الورى 2/ 464، البداية والنهاية
12/ 68، در الفرائد "ص255".
3 إتحاف الورى 2/ 533.
4 إتحاف الورى 2/ 534، در الفرائد "ص: 263".
ج / 2 ص -327-
والصاع هو الزبيدي -فيما أحسب- وهو ربع
المد المكي. أو صاع طائفي؛ وهو نحو نصف المد المكي، وفيه بعد، وليس هو
الصاع المكي بلا ريب؛ لكثرته ويسارة الثمن، والله أعلم.
ومن ذلك: أنه على رأس سنة ستمائة، كان بمكة غلاء شديد ووباء، ذكر ذلك
الشيخ أبو العباس الميورقي؛ لأني وجدت بخطه: أن القاضي عثمان بن عبد
الواحد العسقلاني المكي، أخبره أنه ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة، قال:
وهذا تاريخ غلاء مصر الكبير، بقي نحو سنتين، ثم كان بأثره غلاء الحجاز
المعروف بحوطته نحو سنتين، ثم أمطر الله البلاد؛ فوقع وباء الميلة سنين
أيضا على رأس الستمائة... انتهى.
ومن ذلك: أنه في سنة ثلاثين وستمائة، أو في التي بعدها كان بمكة غلاء
يقال له: "غلاء ابن مجلى"؛ لأن الميورقي قال -فيما وجدت بخطه، بعد أن
ذكر فتنة كانت بمكة في سنة تسع وعشرين وستمائة: ثم جاء غلاء ابن مجلى
بأثر ذلك... انتهى، ولم يبين الميورقي ابن مجلى هذا، وهو أمير كان بمكة
من جهة الملك الكامل.
ومن ذلك على ما قال ابن محفوظ: في سنة تسع وأربعين وستمائة: وقع بمكة
غلاء عظيم، وأقام الغلاء سنة1... انتهى.
ومن ذلك: أنه في عشر السبعين وستمائة، كان بمكة غلاء شديد، ذكر
الميورقي؛ لأني وجد بخطه: فاشتد العلاء من آخر سنة ثلاث في الموسم،
واستمر سنة أربع وستين، وتمادى إلى سنة خمس وستين ما لم يسمع بمثله في
هذا العصر قط. قال: وسمعت علي بن الحسين يتذاكر مع مسعود بن جميل؛
فقالا: إن سنة الغلاء الكبير بالحجاز المعروفة بسنة حوطة، ما دامت،
وذكر أن فوقها كان الميلة بالطائف والحجاز، على رأس الستمائة؛ فوجدت
الغلاء الكبير؛ فلما فرغ كانت حوطة، وذكر لفي في هذا الغلاء سنة أربع
وستين شيخ مصري أن هذا الغلاء اليوم في الحجاز مضاعف على الغلاء الذي
الكبير الذي كان بمصر على قرب رأس الستمائة، أباد عالما من المصريين،
وأكلوا فيه بعضهم بعضا.
وكان يعجب من صبر أهل الحجاز، وعدم افتضاحهم وكثرة مروءتهم في هذه
الشدة، فصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الإيمان في أهل الحجاز".
ووجدت بخطه: وفي أواخر جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة في شهر تماز
لطلوع الفجر بالفزع اشتد الخوف على البادية لتمام قحط السنين عليهم،
وغلاء السعر بالطائف، وبلغ السعر في مكة: الشعير: ربع وثلثيه بدينار،
وكان في رمضان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 70، السلوك للمقريزي 1/ 2: 382.
ج / 2 ص -328-
وبخطه أيضا: الغلاء الدائم بالحجاز سنة ست
وستين وستمائة.
ووجدت بخطه: سنة سبع وستين وستمائة: رابع سنة من سنين جدب قحط الحجاز،
وذكر حادثة في هذه السنة.
ووجدت بخطه: وقعت زلزلة على نحو ثلث الليل بالطائف، وبغتهم غرة ربيع
الأول سنة خامس قحط الحجاز سنة ثمان وستين وستمائة، ثم جاءت الميرة سنة
تسع وستين في ليلة، وسنة سبعين.
ومن ذلك: أنه في إحدى وسبعين وستمائة، كان بمكة فناء عظيم. قال
الميورقي: وسمعت الفقيه جمال الدين محمد بن أبي بكر التونسي إمام بني
عوف يقول: في آخر رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة قال الزوار: خرج من مكة
-شرفها الله تعالى- في يوم واحد اثنان وعشرون جنازة، وفي يوم خمسون
جنازة، وعد أهل مكة ما بين العمرتين من أول رجب إلى سبع وعشرين من رجب
نحو ألف جنازة1.
ومن ذلك: أنه في سنة ست وسبعين وستمائة، كان الغلاء بمكة مستمرا2؛ لأجل
الفتنة التي كانت بين صاحب مكة وصاحب المدينة، مع اتصال الجلاب من
سواحل اليمن وعيذاب وسواكن؛ ذكر ذلك: زيد بن هاشم الحسني وزير المدينة
النبوية في كتاب كتبه للميورقي، على ما وجدت بخطه فيه.
ومن ذلك: أنه في سنة إحدى وتسعين وستمائة، على ما وجدت بخط ابن محفوظ:
وكانت الحنطة ربعا بدينار... انتهى. والربع المشار إليه هو الربع المد
المكي في غالب الظن، والله أعلم3.
ومن ذلك: أنه في سنة خمس وتسعين وستمائة -على ما وجدت بخط ابن الجزري
الدمشقي في "تاريخه"- وصلت الأخبار بأن الغلاء كان بمكة والحجاز، وأن
غرارة القمح بيعت بألف ومائتين درهما... انتهى بالمعنى باختصار.
ولم يبين ابن الجزري الغرارة المشارة إليها، ويحتمل أن تكون الغرارة
الشامية، ومقدارها، غرارتان مكيتان، ونحو نصف غرارة، ويحتمل أن تكون
الغرارة المكية، والأول أقرب، والله أعلم4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 در الفرائد "ص: 284"، وإتحاف الورى 3/ 102.
2 إتحاف الورى 3/ 108.
3 إتحاف الورى 3/ 102، ودر الفرائد "ص: 287".
4 إتحاف الورى 3/ 128، والسلوك للمقريزي 1/ 3: 815.
ج / 2 ص -329-
ومن ذلك: أنه في سنة سبع وسبعمائة -على ما
قال البرزالي في تاريخه: كان في وسط هذه السنة بمكة غلاء شديد بيعت
غرارة الحنطة بألف وخمسمائة درهم، والذرة بأكثر من تسعمائة، وكان سبب
الغلاء أن صاحب اليمن الملك المؤيد قطع الميرة عن مكة، لما بينه وبين
صاحب مكة حميضة1 وميثة2 ابني أبي نمي، ولم يزل الحال شديدا إلى أن وصل
الركب الرجبي؛ فنزل السعر، ثم ورد من اليمن السبلات بعد منعها، فعاش
الناس، وكان وصول الركب الرجبي مكة في رمضان، وتوجهوا من القاهرة في
سابع عشر من رجب، فكان فيه فوق ألفي جمل وراحلة، وكان الماء في هذه
السنة يسيرا يحمل إليها من بطن مر، ومن أبي عروة وغيره، وسبب ذلك: قلة
المطر بمكة سنين متوالية... انتهى بالمعنى.
والغرارة المشار إليها هي الغرارة الشامية في غالب ظني، والله أعلم3.
ومن ذلك: أنه في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة -على ما قال البرزالي في
"تاريخه": اشتد الغلاء بالحجاز وبمكة وما حولها؛ فبلغ القمح الأردب
المصري مائتين وأربعين درهما، وأما التمر فعدم بالكلية، والأسمان
تلاشت؛ حتى قيل إن السمن بلغت منهم كل أوقية خمسة دراهم، واللحم كذلك،
المن بخمسه دراهم... انتهى بالمعنى4.
والوقية المشار إليها هي في غالب ظني الوقية المكية، ومقدارها رطلان
مصريان ونصف رطل، ويقال: رطلان وثلث، والأول هو الذي عليه عمل الناس
اليوم، والمن المشار إليه سبعة أرطال مصرية إلا ثلث، ويحتمل أن يكون
المراد بالوقية الوقية الشامية، وهي خمسون درهما وفيه بعد، والله أعلم.
والرطل المصري مائة وأربعة وأربعون درهما.
ومن ذلك: أنه في سنة خمس وعشرين وسبعمائة بيع القمح الأردب في جدة ساحل
مكة، بمبلغ ثمانية عشر وسبعة عشر درهما كاملية، والشعير بمبلغ اثني
عشر، نقلت ذلك من خط ابن الجزري في "تاريخه"، وذكر أن المحدث شهاب
الدين المعروف بابن القدسية أخبره بذلك، لما عاد من مجاورته بمكة في
هذه السنة5.
ومنها: أنه في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة -على ما قال البرزالي في
"تاريخه" نقلا عن كتاب عفيف الدين المطري- كانت مكة في غاية الطيبة
والأمن والرخاء، القمح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الدر الكامنة 2/ 78-81 ترجمة رقم 1627.
2 الدر الكامنة 2/ 111-112 ترجمة رقم 1728.
3 إتحاف الورى 3/ 144.
4 إتحاف الورى 3/ 173، ودرر الفرائد "ص: 299، 300"، والسلوك للمقريزي
"2/ 1: 238".
5 إتحاف الورى 3/ 180.
ج / 2 ص -330-
الأردب بأربعين درهما، والدقيق بثمانية،
واللحم كل من بأربعة دراهم مسعودية، والعسل الهاجر المليح كل من
بدرهمين، والسمن الوقية بثلاثة دراهم، والجبن كل من بدرهمين، وبها من
الخير، وكثرة المجاورين ما لا يسمع بمثله... انتهى1.
والمن المشار إليه هنا في العسل والجبن ثلاثة أرطال مصرية.
ومن ذلك: أنه في سبع وأربعين وسبعمائة، على ما قال ابن محفوظ، حصل على
الناس غلاء عظيم في أيام الموسم والحج، ابتيعت الغرارة الذرة بمائة
وأربعين، والحنطة بمائة وسبعين، والتمر بثلاثة دراهم المن، والملح
سدسية بدرهم كاملي، ثم قال: ودام الغلاء في الناس شهرين بعد الحج2...
انتهى.
ومن التمر المشار إليه، هو ثلاثة أرطال مصرية.
ومن ذلك: أنه في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة -على ما قال ابن محفوظ- وقع
الغلاء في الموسم، ولم يبين ابن محفوظ مقدار هذا الغلاء، والله -سبحانه
وتعالى- أعلم بحقيقة ذلك3.
ومن ذلك: أنه في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، كان الوباء الكبير بمكة
وغيرها، وسائر الأقطار، وعظم أمره بديار مصر4.
ومن ذلك: أنه في سنة تسع وخمسين وسبعمائة -على ما قال ابن محفوظ- حصل
على الناس الغلاء في المأكول جميعه، ولم يبين ابن محفوظ مقدار هذا
الغلاء، ثم قال: ورحلت الحواج جميعها في اليوم الثالث وقت الظهر من
منى5... انتهى.
ومن ذلك: أنه في سنة ستين وسبعمائة -على ما ذكر ابن محفوظ- كان الغلاء
مع الناس من أول السنة وخلت مكة خلوا عظيما، وتفرق الناس في سائر
الأقطار لأجل الغلاء وجور الحكام بها... انتهى ملخصا بالمعنى.
ومن ذلك: أنه في آخر السنة -على ما أخبرني به من اعتمده من الفقهاء
المكيين- أن الغرارة الحنطة بيعت بمكة بستين درهما كاملية، بعد وصول
العسكر من مصر إلى مكة في هذه السنة.
وذكر ابن محفوظ: أنه بعد وصول هذا العسكر إلى مكة أسقط المكس في سائر
المأكولات، وارتفع من مكة الظلم، وانتشر العدل والأمان، وذلك ما أظهر
مقدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 187، والعقود اللؤلؤية 2/ 51، والسلوك للمقريزي 2/ 1:
303.
2 إتحاف الورى 3/ 232، ودر الفرائد "ص: 308".
3 إتحاف الورى 3/ 225.
4 إتحاف الورى 3/ 238.
5 إتحاف الورى 3/ 274، ودرر الفرائد "ص: 310".
ج / 2 ص -331-
العسكر الأمير "جركتم المارديني" من الأمور
المقتضيى لذلك، وقد ذكرنا شيئا من خبر هذا العسكر في ترجمة محمد بن
عطيفة الحسني، الذي قدم مع هذا العسكر من مصر إلى مكة متوليا أمرها.
ومن ذلك: أنه في سنة ست وستين وسبعمائة، كان بمكة غلاء عظيم، حصل للناس
منه مشقة عظيمة؛ بحيث أكل الناس الميتة -على ما قيل- وذلك أنه وجد بمكة
حمار ميت، وفيه أثر السكاكين، وأصيبت المواضي بالجرب، وتعرف هذه السنة
بسنة أم الجرب، واستسقى الناس بالمسجد الحرام، فلم يسقوا، وأحضرت
المواشي إلى المسجد للاستسقاء، وأدخلت فيه، ووقفت في جهة باب العمرة
إلى مقام المالكية، ثم فرج الله -عز وجل- هذه الشدة عن الناس بالأمير
يلبغا العمري المعروف بالخاصكي مدبر المملكة الشريفة بالديار المصرية،
تغمده الله برحمته؛ لأنه أرسل بقمح فرق على المجاورين بمكة؛ وذلك أن
بعض خواصه ممن أرسله لعمارة المسجد الحرام عرفه بما الناس فيثه من
الشدة بمكة؛ فلما بلغه الخبر أمر من فوره بألف أردب قمح طيب، فجهزت إلى
مكة في البر، غير ما أمر بتجهيزه في البحر، وفرقت على من بها من الناس
أحسن تفرقة، وما شعر الناس بها إلا وهي معهم1.
ومن ذلك: غلاء شديد وقع في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة بيعت فيه الحنطة:
الغرارة بمكة بخمسمائة درهم كاملية وأربعين درهما، وأكل الناس سائر
الحبوب واختبزوها، ثم فرج الله -تبارك وتعالى- على الناس بصدقة قمح،
أنفذها الملك الظاهر برقوق، رحمه الله2.
وحصل في هذه السنة أيضا بمكة وباء، وبلغ الموتى فيه في بعض الأيام
أربعين، على ما قيل3.
ومن ذلك: رخاء في سنة ست وتسعين وسبعمائة بيعت فيه الغرارة الحنطة
بسبعين درهما كاملية في زمن الموسم4.
ومن ذلك: غلاء كان بمكة في آخر سنة سبع وتسعين وسبعمائة بعد الحج، ولم
يبلغ مقدار الغلاء الذي كان في سنة ثلاث وتسعين، وإنما بلغت فيه
الغرارة الحنطة ثلاثمائة درهم وثلاثين درهما5.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 302، والبداية والنهاية 14/ 309، والسلوك للمقريزي 3/
97.
2 إتحاف الورى 3/ 379، والعقد الثمين 1/ 210.
3 إتحاف الورى 3/ 379، والعقد الثمن 1/ 210، ودرر الفرائد "ص: 315".
4 إتحاف الورى 3/ 391، ودرر الفرائد "ص: 315"، والسلوك للمقريزي 3/ 2:
819.
5 إتحاف الورى 3/ 196.
ج / 2 ص -332-
ومن ذلك: غلاء كان في أثناء خمس وثمانمائة
بيعت فيه الغرارة الحنطة بنحو خمسمائة درهما كاملية، والذرة بنحو
ثلاثمائة وخمسين درهما كاملية، ودام ذلك أياما يسيرة1، ثم فرج الله علي
بالناس قريبا بجلاب وصلت من سواكن، وبلغ المن السمن في هذه السنة مائة
وخمسين درهما كاملية، والمن المشار إليه اثنتي عشرة أوقية، وقد تقدر
مقدار الأوقية، وهذا أغلا قدر بلغ إليه سعر السمن فيما رأينا، وأرخص
شيء بلغ إليه السمن فيما رأيناه، أن بيع المن السمن بنحو ثلاثين درهما
كاملية، وخزنه الناس كثيرا بهذا المقدار، وبلغ في بعض السنين أيام الحج
بمنى دون ذلك، وبلغني عن بعض المشايخ أنه رأى السمن يباع بمكة، كل من
سمن باثني عشر درهما كاملية، كل أوقية بدرهم، قال: وخزنه الناس كثيرا
بهذا السعر، وأما القمح فلم نره بلغ في الرخص ما بلغ في سنة ست وتسعين
وسبعمائة، بيعت الغرارة الحنطة بسبعين درهما كاملية.
وبلغني عن بعض المشايخ، أن رآها بيع بمكة بأربعين درهما كاملية، وهذا
يقرب من الرخص الذي نقله ابن الجزري عن ابن القدسية، وأما الذرة
فرأيناها بيعت بمكة بأربعين درهما كاملية، وربما بيعت كل ثلاث غراير
ذرة بمائة درهم كاملية وتسعين درهما، بتقديم التاء؛ وذلك بعد التسعين
وسبعمائة، وهذا أرخص شيء رأيناه في سعر الذرة بمكة، ثم بلغت بعد ذلك
بنحو الستين والسبعين في أوائل هذا القرن، ثم ارتفعت عن ذلك في آخر سنة
إحدى عشرة وثمانمائة، وبلغت قريبا من مائة وخمسين ثم ارتفع سعرها وسعر
الدخن، والحنطة، والشعير، والدقة، وسائر المأكولات في آخر سنة خمس عشرة
وثمانمائة.
وفي سنة ست عشرة وثمانمائة ارتفع ارتفاعا لم يعهد مثله؛ لأن الغرارة
الحنطة بكيل مكة قد بيعت في الجملة بعشرين إفرنتيا، وبيعت بعرفة بأزيد
من عشرين كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى.
وكان ابتداء مشقة هذا الغلاء على الناس في آخر شهر رمضان، عن استقبال
عيد الفطر المبارك من سنة خمس وعشرة ثمانمائة2، بلغ ربع الحب الحنطة في
هذا التاريخ اثني عشر مسعوديا، بعد أن كان بثمانية ونحوها، ثم صار
يرتفع قليلا قليلا؛ حتى بلغ الربع: ثمانية عشر مسعوديا، ودام على ذلك
إلى الموسم من سنة خمس عشرة وثمانمائة، وربما بلغ في ذي القعدة من هذه
السنة سبعة وعشرين مسعوديا، وعند وصول المراكب إلى مكة من اليمن، ولم
يكن ذلك إلا أياما قليلة، ثم عاد السعر إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 3/ 432.
2 إتحاف الورى 3/ 498، ونزهة النفوس 2/ 319، والسلوك 4/ 1: 253.
ج / 2 ص -333-
الثمانية عشر وأزيد، وسبب ذلك: أن متولي
أمر المراكب اليمانية القاضي أمي الدين مفلح التركي الملكي الناصري
-أعزه الله- أمر ببيع بعض ما معه من الطعام، وأرخص في البيع، وتصدق
أيضا ببعضه، ثم ترك لاحتياجه إلى ما معه، وعندما حصل هذا النقص في
السعر، ترك الإمام القنوت في الصلاة، وكانت قد قنت فيها شهرا أو نحوه،
وكان ابتداء القنوت في يوم الجمعة عاشر شوال سنة خمس عشر -وثمانمائة،
ولما وصل الحجاج في هذه السنة تهافتوا على جميع المأكولات، فارتفعت
الأسعار في جميعها ارتفاعا لم يعهد مثله في زمن الموسم، وأرخص ما بيع
الحب به بعد تكامل وصول الأعراب من بجيلة وغيرها؛ الجالبين للأطعمة إلى
مكة، كل غرارة مكسية بعشرة إفرنتية؛ وذلك في اليوم السادس من ذي الحجة
الحرام من هذه السنة. ثم ارتفعت الأسعار بعرفة ومنى؛ فببيع الدقيق كل
ويبة مصرية بإفرنتيتين وعشرين درهما، والشعير كل ويبة بإفرنتيتين،
والحب كل ربع مد مكي بسبعة وعشرين درهما مسعودية، وتسقيم الغرارة من
هذا السعر بتسعة عشر إفرنتية ونحوها؛ لأن الإفرنتي كان يباع في زمن
الموسم بمنى بسبعة وخمسين مسعوديا ونحوها، والغرارة هي أربعون ربعا
مكيا، ونزل الإفرنتي إلى خمسين مسعوديا ونحوها.
فلما توجه الحاج من مكة بيع الحب الحنطة كل ربع مد مكي بسبعة وعشرين
مسعوديا، ونزل الإفرنتي إلى خمسين مسعوديا أو نحوها، والمثقال الذهب
الهبرجي إلى ستين مسعوديا أو نحوها، وتستقيم الغرارة على ما ذكرناه من
سعر الحب بإحدى وعشرين إفرنتيا وأزيد، وبالمثاقيل بثمانية عشر مثقالا،
وبيع الغرارة في أثر سفر الحجاج في السوق بالمسعى بعشرين إفرنتيا، ودام
سعر الحب كل ربع بسبعة وعشرين مسعوديا، والذهب على ما ذكرناه من السعر،
إلى أثناء المحرم من سنة ست عشرة وثمانمائة ثم صار ينقص درهما ودرهمين،
وشبه ذلك في بقية المحرم وصفر، ثم نقص أكثر من ذلك عند طيب النخل وقت
الصيف، من سنة ستة عشرة وثمانمائة، وبيع الرع في هذا التاريخ بنحو
عشرين مسعوديا؛ لاكتفاء كثير من الناس بالبلح، ثم نزل بعد ذلك إلى ستة
عشر مسعوديا ونحوها، ورأى الناس ذلك رخيصا بالنسبة إلى ما كان عليه في
الموسم سنة خمس عشرة وثمانمائة وبعده، وهو غلاء بالنسبة إلى ما كانوا
يعهدونه من السعر في الحنطة وغيرها، في أول سنة خمس عشرة، والغرارة من
حساب ستة عشر، بنحو من عشرة إفرنتية؛ لأن صرف الإفرنتي في شهر رمضان
سنة ست عشرة: ستون مسعوديا ونحوها، وهي على ذلك في شهر رمضان في سنة ست
عشرة، وبيعت الدقسة بأثر الموسم، كل ربع باثني عشر مسعوديا، والشعير
بمثل ذلك، الذرة والدخن سعرهما يقارب سعر الحنطة من ابتداء الغلاء،
وإلى تاريخه، وبيع التمر بأثر الموسم كل من بتسعة مسعودية، وربما بيع
بأكثر
ج / 2 ص -334-
من ذلك في الموسم، وبيع فيه الأرزد بأربعة
إفرنتية، الويبة والنوى لعلف الجمال، كل ويبة مصرية بإفرنتي وربع.
ووقع الغلاء في الموسم في الخضر أيضا، حتى بيعت البطيخة الكبيرة
بإفرنتي وأزيد، بعرفة ومنى، وهذا شيء لم يسمع به، وسبب هذا الغلاء مع
المقدور: قلة الغيث بمكة في سنة خمس عشرة وثمانمائة عما يعهد، ولم يصل
إلى مكة مما كان يصل إليها من الذرة من بلاد سواكن، ومن اليمن، لغلاء
وقع فيهما، ولا سيما بسواكن؛ فسبب الغلاء فيها: أكل الجراد لزرع بلاد
الداع التي يحمل منها الذرة إلى سواكن؛ فبلغ السعر فيها في هذه السنة
ست عشرة وثمانمائة، كل غرارة مكية ذرة بثلاثين مثقالا ذهبا، وهذا شيء
لم يعد فيها مثله من دهر طويل.
وسبب الغلاء ببلاد اليمن: قلة الزرع بها لقلة المطر، وصار أهل اليمن
وأهل سواكن يجلبون الذرة إليها من قرية يقال لها فنونا، بقرب حلي،
ومنها أيضا يجلب ذلك إلى مكة، وما عرفت أن مثل هذه القرية الصغيرة تمير
أهل اليمن وسواكن؛ فسبحان القادر على كل شيء، وهو المسئول في اللطف
وكشف البلاء.
ووقع بعد ذلك بمكة غلاء كثير ورخص كثير.
فمن ذلك: أنه في سنة تسع عشرة -بتقديم التاء- وثمانمائة، كانت الغرارة
الحنطة اللقيمة المليحة بخمسة إفرنتية، والغرارة المابية، وهي نوع دنيء
من الحنطة بأربعة إفرنتية، وربع الغرارة الذرة بثلاثة إفرنتية، وبيعت
في وادي مر بإفرنتيتين وستة دنانير مسعودية، وصرف الإفرنتي خمسة عشر
دينار مسعوديا بالوادي، والسمن كل وقية بسبعة مسعودية، ويستقيم المن
بإفرنتي وثلث ونحو ذلك، واللحم كل من بستة مسعودية، والتمر كل من
بدرهمين مسعوديين. وكان صرف الإفرنتي بمكة بأربعة وخمسين مسعوديا،
وربما زاد قليلا.
ومن ذلك غلاء وقع بعد الموسم من هذه السنة، وامتد إلى أوائل سنة عشرين
وثمانمائة، ولم تطل مدته، وبلغت فيه الغرارة الذرة ثلاثة عشرة إفرنتيا.
ومن ذلك رخاء في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة في الذرة، بيعت الغرارة
بمكة بثلاثة إفرنتية، وبجدة بإفرينيتين وربع وبإفرينيتين ونصف، وبيع في
هذه السنة العسل كل سبعة أمنان بإفرنتي، ولم يعهد مثل ذلك قبله في
العسل، من مدة سنين1، ثم غلا سعره وسعر الذرة في بقية سنة إحدى وعشرين،
وفي سنة اثنين وعشرين وثمانمائة، وبلغت فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إتحاف الورى 2/ 561، واستبدل بالإفرنتي لفظ "الأفلوري".
ج / 2 ص -335-
الغرارة الذرة بمكة ثمانية إفرنتيا، وكذلك
الغرارة الدخن وبلغت فيه الغرارة الحنطة: اثني عشرة إفرنتيا إلا ربع
إفرنتي، ثم نزلت إلى عشرة إفرنتية ودون ذلك، والذرة والدخن لم ينقص
سعرهما عن الثمانية الإفرنتية، إلى جمادى الأولى من سنة اثنين وعشرين
وثمانمائة، ونسأل الله اللطف.
وفيما أشرنا إليه من هذا المعنى كفاية من أمر الغلاء والرخص والوباء
بمكة المشرفة، وقد خفي علينا كثير من ذلك لعدم العناية في كل عصر، ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. |