البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
فصل فيما ورد في صفة خلق العرش والكرسي.
قال الله تعالى (رفيع الدرجات ذو العرش) [ غافر: 15 ] وقال تعالى
(فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم) [ المؤمنون:
116 ] وقال الله (لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [ المؤمنون: 86 ]
وقال (وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد) [ البروج: 14 ].
وقال تعالى (الرحمن على العرش استوى) [ طه: 5 ] وقال (استوى على العرش)
[ الرعد: 2 ] في غير ما آية من القرآن، وقال تعالى (الذين يحملون العرش
ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به
ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما) [ غافر: 7 ] وقال
تعالى (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) [ الحاقة: 17 ] وقال تعالى
(وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضى بينهم بالحق
وقيل الحمد لله رب العالمين) [ الزمر: 75 ] وفي الدعاء المروي في
الصحيح في دعاء الكرب " لا إله إلا الله العظيم الحليم.
لا إله إلا الله رب العرش الكريم.
لا إله إلا الله رب السموات ورب الارض رب العرش الكريم ".
وقال الامام أحمد (2) حدثنا عبد الرزاق حدثنا يحيى بن العلاء عن عمه
شعيب بن
__________
(1) قال ابن العربي: " وكان عرشه على الماء " والذي عندي أنه أراد
بالعرش الخلق كله - وهو بهذا المعنى وعلى الماء بمعنى يمسكه بقدرته لا
بعمد ترافده وأساس يعاضده.
(2) مسند أحمد ج 1 / 206 وسقط فيه الاحنف بن قيس.
[ * ]
(1/10)
خالد حدثني
سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الاحنف بن قيس عن عباس بن عبد
المطلب قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت
سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدرون ما هذا قال قلنا
السحاب قال والمزن قال قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل
تدرون كم بين السماء والارض قال قلنا الله ورسوله أعلم.
قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة،
وكشف كل سماء (1) مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله
وأعلاه كما بين السماء والارض، ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين ركبهن
واظلافهن كما بين السماء والارض ثم على ظهورهم (2) العرش بين أسفله
وأعلاه كما بين السماء والارض والله فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال
بني آدم شئ ".
هذا لفظ الامام أحمد.
ورواه أبو داود وابن ماجة والترمذي من حديث سماك باسناده نحوه.
وقال الترمذي هذا حديث حسن، وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك ووقفه
ولفظ أبي داود " وهل تدرون بعد ما بين السماء والارض ؟ قالوا لا ندري "
قال " بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتين أو ثلاثة وسبعون سنة "
والباقي نحوه.
وقال أبو داود حدثنا عبد الاعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن
بشار، وأحمد بن سعيد
الرباطي قالوا حدثنا وهب بن جرير.
قال أحمد كتبناه من نسخته وهذا لفظه.
قال حدثنا أبي قال سمعت محمد بن اسحاق يحدث عن يعقوب بن عقبة عن جبير
بن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم اعرابي فقال يارسول الله جهدت الانفس وجاعت العيال (3) ونهكت
الاموال وهلكت الانعام.
فاستسق الله لنا فانا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك " قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحك أتدري ما تقول " وسبح رسول الله
صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه.
ثم قال " ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من
ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته لهكذا " وقال بأصابعه مثل
القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الزحل بالراكب.
قال ابن بشار في حديثه " ان الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته " وساق
الحديث.
وقال عبد الاعلى وابن المثنى وابن بشار عن يعقوب بن عقبة وجبير بن محمد
بن جبير عن أبيه عن جده، قال أبو داود والحديث بإسناد أحمد بن سعيد وهو
الصحيح.
وافقه عليه جماعة منهم يحيى بن معين وعلي بن المديني ورواه جماعة منهم
عن ابن اسحاق كما قال أحمد أيضا، وكان سماع عبد الاعلى وابن المثنى
وابن بشار في نسخة واحدة فيما بلغني.
تفرد بإخراجها أبو داود، وقد صنف الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي
جزءا في الرد على هذا الحديث.
سماه (ببيان الوهم والتخليط الواقع في حديث الاطيط) واستفرغ وسعه في
الطعن على محمد بن إسحاق بن بشار راويه.
وذكر كلام الناس فيه، ولكن قد روى هذا اللفظ من طريق أخرى عن غير محمد
بن
__________
(1) كذا في الاصل، وفي المسند وكيف بالياء، ولعل الصواب كثف.
(2) في المسند: ثم فوق ذلك.
(3) كذا في الاصل، وفي سنن أبي داود: وضاعت العيال.
[ * ]
(1/11)
اسحاق، فرواه
عبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما، وابن أبي عاصم والطبراني في كتابي
السنة لهما، والبزار في مسنده والحافظ الضياء المقدسي في مختارته من
طريق أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال " أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
ادع الله أن يدخلني الجنة قال فعظم الرب تبارك وتعالى وقال " إن كرسيه
وسع السموات والارض وإن له أطيطا كأطيط الزحل الجديد من ثقله.
عبد الله بن خليفة هذا ليس بذاك المشهور.
وفي سماعه من عمر نظر.
ثم منهم من يرويه موقوفا ومرسلا، ومنهم من يزيد فيه زيادة غريبة والله
أعلم * وثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
" إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس فانه أعلى الجنة وأوسط الجنة
وفوقه عرش الرحمن ".
يروى وفوقه بالفتح على الظرفية، وبالضم.
قال شيخنا الحافظ المزي وهو أحسن، أي وأعلاها عرش الرحمن.
وقد جاء في بعض الآثار (أن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش وهو تسبيحه
وتعظيمه) وما ذاك إلا لقربهم منه.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لقد اهتز عرش الرحمن
لموت سعد بن معاذ (1).
وذكر الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب صفة العرش
عن بعض السلف " أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء بعد ما بين قطريه مسيرة
خمسين ألف سنة " وذكرنا عند قوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه في
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) [ المعارج: 4 ] أنه بعد ما بين العرش
إلى الارض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وإتساعه خمسون ألف سنة.
وقد ذهب طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه
محيط بالعالم من كل جهة ولذا سموه الفلك التاسع والفلك الاطلس والاثير.
وهذا ليس بجيد لانه قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة،
والفلك لا يكون له قوائم ولا يحمل، وأيضا فانه فوق الجنة والجنة فوق
السموات وفيها مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض
فالبعد الذي بينه وبين الكرسي ليس هو نسبة فلك إلى فلك.
وأيضا فإن العرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك كما قال تعالى
(ولها عرش عظيم) [ النمل: 23 ].
وليس هو فلكا ولا تفهم منه العرب ذلك.
والقرآن إنما نزل بلغة العرب فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو
كالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات.
قال الله تعالى (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون
به ويستغفرون للذين آمنوا) [ غافر: 7 ] وقد تقدم في حديث الاوعال أنهم
ثمانية، وفوق ظهورهن العرش،
وقال تعالى: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) [ الحاقة: 17 ] وقال
شهر بن حوشب " حملة العرش ثمانية أربعة منهم يقولون سبحانك اللهم
وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد
__________
(1) قال أبو علي بن محمد بن مهدي الطبري: الصحيح من التأويل في هذا أن
يقال الاهتزاء هو الاستبشار والسرور (الاسماء والصفات ص 503).
[ * ]
(1/12)
علمك " وأربعة
يقولون " سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك " فأما
الحديث الذي رواه الامام أحمد حدثنا عبد الله بن محمد هو أبو بكر بن
أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن اسحاق عن يعقوب بن عقبة (1)
عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أمية يعني
ابن أبي الصلت في بيتين من شعره فقال: رجل وثور تحت رجل يمينه * والنسر
للاخرى وليث مرصد (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق.
فقال: والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء مطلع لونها متورد (3) تأبى فلا
تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " صدق " فانه حديث صحيح الاسناد رجاله ثقات.
وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة، فيعارضه حديث الاوعال.
اللهم إلا أن يقال إن اثبات هؤلاء الاربعة على هذه الصفات لا ينفي ما
عداهم.
والله أعلم.
ومن شعر أمية بن أبي الصلت في العرش قوله: مجدوا الله فهو للمجد أهل *
ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء العالي الذي بهر النا * س وسوى فوق
السماء سريرا شرجعا لا يناله بصر العي * ن ترى حوله الملائك صورا صور
جمع أصور وهو المائل العنق لنظره إلى العلو (4) والشرجع هو العالي
المنيف.
والسرير هو العرش في اللغة.
ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الذي عرض به عن القراءة
لامرأته
حين اتهمته بجاريته.
شهدت بأن وعد الله حق * وأن النار مثوى الكافرينا وأن العرش فوق الماء
طاف * وفوق العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام * ملائكة الآله
مسومينا
__________
(1) مسند أحمد ج 1 / 256 وفيه يعقوب بن عتيبة ; وفي التقريب أبن عتبة
وفي الكاشف ابن عتبة الثقفي ثقة من العلماء مات سنة 128 ه.
وقال إبراهيم بن سعد: كان ورعا مسلما يستعمل على الصدقات ويستعين به
الولاة.
وكذلك هو ابن عتبة في الطبري والاغاني.
(2) قال الجاحظ في الحيوان 6 / 68 طبع مصر: وقد جاء في الخبر أن من
الملائكة من هو في صورة الرجال ومنهم من هو في صورة الثيران، ومنهم من
هو في صورة النسور ويدل على ذلك تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لامية.
" وأورد البيت.
(3) في المسند: حمراء يصبح لونها بتورد.
(4) صور جمع أصور وهو المائل العنق لثقل حمله.
(اللسان).
[ * ]
(1/13)
ذكره ابن عبد
البر وغير واحد من الائمة * وقال أبو داود حدثنا أحمد بن حفص بن عبد
الله حدثني أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن محمد بن
المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أذن لي
أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش أن ما بين شحمة
أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام.
ورواه ابن أبي عاصم ولفظه محقق الطير (1) مسيرة سبعمائة عام.
وأما الكرسي فروى ابن جرير من طريق
جويبر (2) وهو ضعيف - عن الحسن البصري أنه كان يقول لكرسي هو العرش
وهذا لا يصح عن الحسن بل الصحيح عنه وعن غيره من الصحابة والتابعين أنه
غيره وعن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا في قوله تعالى (وسع كرسيه
السموات والارض) (3) أي علمه والمحفوظ عن ابن عباس كما رواه الحاكم في
مستدركه.
وقال إنه على شرط
الشيخين ولم يخرجاه من طريق سفيان الثوري عن عمار الدهني عن مسلم
البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال الكرسي موضع القدمين
والعرش لا يقدر قدره إلا الله عزوجل.
وقد رواه شجاع بن مخلد الفلاس في تفسيره عن أبي عاصم النبيل عن الثوري
فجعله مرفوعا والصواب انه موقوف على ابن عباس وحكاه ابن جرير عن أبي
موسى الاشعري والضحاك بن مزاحم واسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير
ومسلم البطين وقال السدي عن أبي مالك " الكرسي تحت العرش.
وقال السدي السموات والارض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش " وروى
ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه قال: " لو أن
السموات السبع والارضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعة
الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة " وقال ابن جرير حدثني يونس حدثنا
ابن وهب قال: قال ابن زيد حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "
قال وقال أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما الكرسي
في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الارض " أول الحديث
مرسل.
وعن أبي ذر منقطع.
وقد روي عنه من طريق أخرى موصولا فقال الحافظ أبو بكر بن مردوية في
تفسيره أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني أنبأنا عبد الله بن وهيب
المغربي أنبأنا محمد بن أبي سري العسقلاني أنبأنا محمد بن عبد الله
التميمي عن القاسم بن محمد الثقفي عن أبي ادريس الخولاني عن أبي ذر
الغفاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
__________
(1) قوله محقق الطير، كذا بالاصول ولم نعثر له على معنى..(2) يقال اسمه
جابر وجويبر لقب، ابن سعيد الازدي أبو قاسم البلخي نزيل الكوفة.
تركوه.
قال ابن حجر: ضعيف جدا مات بعد المائة والاربعين (التقريب 1 / 136)
(الكاشف 1 / 133).
(3) سورة البقرة الآية: 255.
[ * ]
(1/14)
الكرسي فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ما السموات السبع
والارضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش
على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة * وقال
ابن جرير في تاريخه حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن الاعمش
عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قوله عزوجل
وكان عرشه على الماء على أي شئ كان الماء ؟ قال: على متن الريح قال:
والسموات والارضون وكل ما فيهن من شئ تحيط بها البحار ويحيط بذلك كله
الهيكل ويحيط بالهيكل فيما قيل الكرسي.
وروى (1) عن وهب ابن منبه نحوه.
وفسر وهب الهيكل فقال شئ من أطراف السموات يحدق بالارضين والبحار
كأطناب الفسطاط * وقد زعم بعض من ينتسب إلى علم الهيئة أن الكرسي عبارة
عن الفلك الثامن الذي يسمونه فلك الكواكب الثوابت.
وفيما زعموه نظر لانه قد ثبت أنه أعظم من السموات السبع بشئ كثير ورد
الحديث المتقدم بأن نسبتها إليه كنسبة حلقة ملقاة بأرض فلاة وهذا ليس
نسبة فلك إلى فلك.
فإن قال قائلهم فنحن نعترف بذلك ونسميه مع ذلك فلكا فنقول الكرسي ليس
في اللغة عبارة عن الفلك وإنما هو كما قال غير واحد من السلف بين يدي
العرش كالمرقاة إليه.
ومثل هذا لا يكون فلكا.
وزعم أن الكواكب الثوابت مرصعة فيه لا دليل لهم عليه.
هذا مع اختلافهم في ذلك أيضا كما هو مقرر في كتبهم والله أعلم.
ذكر اللوح المحفوظ
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا
منجاب بن الحارث حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا زياد بن عبد الله عن ليث
عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أن نبي الله صلى
الله عليه وسلم قال " ان الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء صفحاتها من
ياقوتة حمراء، قلمه نور وكتابه نور لله فيه في كل يوم ستون وثلثمائة
لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحيى ويعز ويذل ويفعل ما يشاء " وقال اسحاق بن
بشر أخبرني مقاتل وابن جريج عن مجاهد عن ابن عباس قال " إن في صدر
اللوح لا إله إلا الله وحده دينه الاسلام ومحمد عبده ورسوله.
فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة " قال " واللوح
المحفوظ لوح من درة بيضاء: طوله ما بين السماء والارض، وعرضه ما بين
المشرق والمغرب.
وحافتاه الدر والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء، وقلمه نور، وكلامه معقود
بالعرش، واصله في حجر ملك " وقال أنس بن مالك، وغيره
من السلف " اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل " وقال مقاتل هو عن يمين
العرش.
ما ورد في خلق السموات والارض وما بينهما
قال الله تعالى (الحمد لله الذي خلق السموات والارض، وجعل الظلمات
والنور ثم
__________
(1) أي ابن جرير.
[ * ]
(1/15)
الذين كفروا
بربهم يعدلون) [ الانعام: 1 ] وقال تعالى (خلق السموات والارض وما
بينهما في ستة أيام) [ هود: 7 ] في غير ما آية من القرآن وقد اختلف
المفسرون في مقدار هذه الستة الايام على قولين.
فالجمهور على أنها كأيامنا هذه.
وعن ابن عباس، ومجاهد والضحاك، وكعب الاحبار: أن كل يوم منها كألف سنة
مما تعدون.
رواهن ابن جرير، وابن أبي حاتم، واختار هذا القول الامام أحمد بن حنبل
في كتابه الذي رد فيه على الجهمية، وابن جرير وطائفة من المتأخرين
والله أعلم.
وسيأتي ما يدل على هذا القول.
وروى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم، وغيره أن أسماء الايام الستة " أبجد
هوز حطي كلمن سعفص قرشت " وحكى ابن جرير في أول الايام ثلاثة أقوال،
فروى عن محمد بن اسحاق أنه قال " يقول أهل التوراة ابتدأ الله الخلق
يوم الاحد، ويقول أهل الانجيل: ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين، ونقول
نحن المسلمون فيما انتهى إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدأ
الله الخلق يوم السبت " وهذا القول الذي حكاه ابن اسحاق عن المسلمين
مال إليه طائفة من الفقهاء من الشافعية، وغيرهم.
وسيأتي فيه حديث أبي هريرة (خلق الله التربة يوم السبت) والقول بأنه
الاحد رواه ابن جرير عن السدي عن أبي مالك، وأبي صالح عن ابن عباس، وعن
مرة عن ابن مسعود، وعن جماعة من الصحابة ورواه أيضا عن عبد الله بن
سلام، واختاره ابن جرير.
وهو نص التوراة، ومال إليه طائفة آخرون من الفقهاء.
وهو أشبه بلفظ الاحد ولهذا كمل الخلق في ستة أيام فكان آخرهن الجمعة
فاتخذه المسلمون عيدهم في الاسبوع وهو اليوم الذي أضل الله عنه أهل
الكتاب قبلنا كما سيأتي بيانه ان شاء الله.
وقال تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء
فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم)
[ البقرة: 29 ] وقال تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في
يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها
وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين.
ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها
قالتا أتينا طائعين.
فقضاهن سبع سموات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء
الدنيا بمصابيح، وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) [ فصلت: 9 ] فهذا يدل
على أن الارض خلقت قبل السماء لانها كالاساس للبناء كما قال تعالى:
(الله الذي جعل لكم الارض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم
ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين) [ غافر: 64
] قال تعالى (ألم نجعل الارض مهادا والجبال أوتادا إلى أن قال وبنينا
فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا) [ المرسلات: 25 ] وقال [ تعالى ]
(أو لم ير الذين كفروا أن السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا
من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) [ الانبياء: 30 ] أي فصلنا ما بين
السماء والارض حتى هبت الرياح ونزلت الامطار وجرت العيون، والانهار
وانتعش الحيوان.
ثم قال (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون) [ الانبياء:
32 ] أي عما خلق فيها من الكواكب الثوابت، والسيارات والنجوم
(1/16)
الزاهرات
والاجرام النيرات، وما في ذلك من الدلالات على حكمة خالق الارض
والسموات كما قال تعالى * (وكأين من آية في السموات والارض يمرون عليها
وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * [ يوسف: 105
] فأما قوله تعالى (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها
وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها
ومرعاها، والجبال أرساها متاعا لكم ولانعامكم) [ النازعات: 28 ] فقد
تمسك بعض الناس بهذه الآية على تقدم خلق السماء على خلق الارض.
فخالفوا صريح الآيتين المتقدمين ولم يفهموا هذه الآية الكريمة فان
مقتضى هذه الآية أن دحي الارض وإخراج الماء والمرعى منها بالفعل بعد
خلق السماء.
وقد كان ذلك مقدرا فيها بالقوة كما قال تعالى (وبارك فيها وقدر فيها
أقواتها) [ فصلت: 10 ] أي هيأ أماكن الزرع ومواضع العيون والانهار ثم
لما أكمل خلق صورة العالم السفلي والعلوي دحى الارض أخرج منها ما كان
مودعا فيها فخرجت العيون وجرت الانهار، ونبت الزرع والثمار ولهذا فسر
الدحي بإخراج الماء والمرعى منها وإرسال الجبال فقال (والارض بعد ذلك
دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها) وقوله (والجبال أرساها) [ المرسلات: 30
- 32 ] أي قررها في أماكنها التي وضعها فيها وثبتها وأكدها وأطدها
وقوله (والسماء بنيناها بايد وإنا لموسعون، والارض فرشناها فنعم
الماهدون، ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) [ الذاريات: 37 ] بأيد
أي بقوة.
وأنا لموسعون، وذلك أن كل ما علا اتسع فكل سماء أعلى من التي تحتها فهي
أوسع منها.
ولهذا كان الكرسي أعلى من السموات.
وهو أوسع منهن كلهن.
والعرش أعظم من ذلك كله بكثير.
وقوله بعد هذا (والارض فرشناها) أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة
ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم.
ولهذا قال (فنعم الماهدون) والواو لا تقتضي الترتيب في الوقوع.
وإنما يقتضي الاخبار المطلق في اللغة والله أعلم * وقال البخاري حدثنا
عمر بن جعفر بن غياث حدثنا أبي حدثنا الاعمش حدثنا جامع بن شداد عن
صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين قال " دخلت على النبي صلى
الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال اقبلوا
البشرى يا بني تميم " قالوا قد بشرتنا فاعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من
اليمن فقال " اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إن لم يقبلها بنو تميم "
قالوا قد قبلنا يارسول الله قالوا جئناك نسألك عن هذا الامر.
قال " كان الله ولم يكن شئ غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل
شئ وخلق السموات والارض " فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت
فإذا هي تقطع دونها السراب فوالله لوددت اني كنت تركتها " هكذا رواه
هاهنا وقد رواه في كتاب المغازي وكتاب التوحيد وفى بعض ألفاظه (ثم خلق
السموات والارض) وهو لفظ النسائي أيضا.
وقال الامام أحمد بن حنبل (1) حدثنا حجاج حدثني ابن جريج أخبرني
إسماعيل بن
__________
(1) مسند أحمد ج 2 / 327.
[ * ]
(1/17)
مية عن أيوب بن
خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال " أخذ رسول
الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق
الجبال [ فيها ] يوم الاحد وخلق لشجر [ فيها ] يوم الاثنين وخلق
المكروه يوم الثلاث (1) وخلق النور يوم الاربعاء وبث [ فيها ] لدواب
يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر خلق خلق في آخر ساعة من
ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل " وهكذا رواه مسلم عن سريج بن
يونس وهرون بن عبد الله والنسائي عن هرون ويوسف بن سعيد ثلاثتهم عن
حجاج بن محمد المصيصي الاعور عن ابن جريج به مثله سواء.
وقد رواه النسائي في التفسير عن ابراهيم ين يعقوب الجوزجاني عن محمد
ابن الصباح عن أبي عبيدة الجداد عن الاخضر بن عجلان عن ابن جريح عن
عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ
بيدي فقال يا أبا هريرة " إن الله خلق السموات والارض وما بينهما في
ستة أيام ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت " وذكر
تمامه بنحوه فقد اختلف فيه على ابن جريج وقد تكلم في هذا الحديث على
ابن المديني والبخاري والبيهقي وغيرهم من الحفاظ قال البخاري في
التأريخ، وقال بعضهم عن كعب وهو أصح يعني أن هذا الحديث مما سمعه أبو
هريرة وتلقاه من كعب الاحبار فإنهما كانا يصطحبان ويتجالسان للحديث،
فهذا يحدثه عن صحفه، وهذا يحدثه بما يصدقه عن النبي صلى الله عليه
وسلم، فكان هذا الحديث مما تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه، فوهم بعض
الرواة فجعله مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأكد رفعه بقوله "
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي " ثم في متنه غرابة شديدة.
فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الارض وما فيها في
سبعة أيام.
وهذا خلاف القرآن لان الارض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السموات في
يومين من دخان.
وهو بخار الماء الذي ارتفع حين اضطرب الماء العظيم الذي خلق من ربذة
الارض بالقدرة العظيمة البالغة كما قال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي
الكبير في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة
الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
هو الذي خلق لكم ما في الارض
جميعا ثم استوى إلى (2) السماء فسواهن سبع سموات " قال إن الله كان
عرشه على الماء ولم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق
الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء * ثم
أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين (الاحد
والاثنين) وخلق الارض على حوت وهو النون قال الله تعالى (نون والقلم
وما يسطرون) (3) والحوت
__________
(1) في المسند: الثلاثاء وما بين معكوفين في الحديث زيادة من المسند.
(2) قال البيهقي في الاسماء ص 520: قال يحيى بن زياد الفراء: الاستواء
في كلام العرب على جهتين: احداهما: ان يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته
; أو يستوي من اعوجاج، ووجه ثالث: أن تقول كان مقبلا علي فلان يشاتمني
والي سواء على معنى أقبل إلي وعلي.
وعن ابن عباس قال: استوى: صعد.
(3) سورة القلم الآية 1.
[ * ]
(1/18)
في الماء
والماء على صفات والصفات على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في
الريح.
وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الارض فتحرك الحوت
فاضطرب فتزلزلت الارض فأرسى عليها الجبال فقرت.
وخلق الله يوم الثلاثاء الجبال وما فيهن من المنافع.
وخلق يوم الاربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب وفتق السماء
وكانت رتقا فجعلها سبع سموات في يومين الخميس والجمعة.
وإنما سمي يوم الجمعة لانه جمع فيه خلق السموات والارض وأوحى في كل
سماء أمرها.
ثم قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والبحار وجبال البرد وما لا
يعلمه غيره.
ثم زين السماء بالكواكب فجعلها زينة وحفظا يحفظ من الشياطين.
فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش.
هذا الاسناد يذكر به السدي أشياء كثيرة فيها غرابة وكان كثير منها
متلقى من الاسرائيليات.
فإن كعب الاحبار لما أسلم في زمن عمر كان يتحدث بين يدي عمر بن الخطاب
رضي الله عنه بأشياء من علوم أهل الكتاب فيستمع له عمر تأليفا له،
وتعجبا مما عنده مما يوافق كثير منه الحق الذي ورد به الشرع المطهر
فاستجاز كثير من الناس نقل ما يورده كعب الاحبار لهذا، ولما جاء من
الاذن في التحديث عن بني إسرائيل لكن كثيرا ما يقع مما يرويه غلط كبير
وخطأ
كثير * وقد روى البخاري في صحيحه (1) عن معاوية أنه كان يقول في كعب
الاحبار (وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب) أي فيما ينقله لا أنه يتعمد
ذلك والله أعلم.
ونحن نورد ما نورده من الذي يسوقه كثير من كبار الائمة المتقدمين عنهم.
ثم نتبع ذلك من الاحاديث بما يشهد له بالصحة أو يكذبه ويبقى الباقي مما
لا يصدق ولا يكذب وبه المستعان وعليه التكلان.
قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي زناد
عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لما
قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي "
وكذا رواه مسلم (3) والنسائي عن قتيبة به.
ثم قال البخاري: (3)
__________
(1) صحيح البخاري - من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن انه سمع
معاوية " يحدث رهطا من قريش بالمدينة.
وذكر كعب الاحبار فقال: انه كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون
عن أهل الكتاب وإن كنا لنبلو مع ذلك عليه الكذب.
(2) البخاري - كتاب بدء الخلق - ج 4 / 73.
عند مسلم في 49 كتاب التوبة ج 14 (2751) عن قتيبة بن سعد وفيه: لما خلق
الله.
وقوله عنده: قال العيني في شرح البخاري: والعندية ليست مكانية بل إشارة
إلى كمال كونه مكنونا عن الخلق، مرفوعا عن حيز إدراكهم.
(3) في كتاب بدء الخلق.
باب ما جاء في سبع أرضين.
(1/19)
ما جاء في سبع
أرضين وقوله تعالى (والله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل
الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير ; وان الله قد أحاط بكل شئ
علما) (1) ثم قال حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا ابن علية عن علي بن
المبارك حدثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن وكانت بينه وبين ناس خصومة في أرض فدخل على
عائشة فذكر لها ذلك.
فقالت: يا أبا سلمة اجتنب الارض فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين " ورواه أيضا في كتاب المظالم
ومسلم من طرق عن يحيى بن كثير به * ورواه أحمد من حديث محمد بن إبراهيم
عن أبي سلمة به، ورواه أيضا عن يونس عن إبان عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة عن عائشة بمثله.
ثم قال البخاري حدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله عن موسى بن عقبة
عن سالم عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " من أخذ شيئا من
الارض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " ورواه في المظالم
أيضا عن مسلم بن إبراهيم عن عبد الله هو ابن المبارك عن موسى بن عقبة
به وهو من أفراده.
وذكر البخاري هاهنا حديث محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن
أبيه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الزمان قد استدار كهيئته
يوم خلق الله السموات والارض السنة اثني عشر شهرا " الحديث ومراده
والله أعلم تقرير قوله تعالى (الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض
مثلهن) أي في العدد كما أن عدة الشهور الآن اثني عشر مطابقة لعدة
الشهور عند الله في كتابه الاول فهذه مطابقة في الزمن كما أن تلك
مطابقة في المكان.
ثم قال البخاري حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه
عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنه خاصمته أروى (2) في حق زعمت أنه
ائتقصه لها إلى مروان فقال سعيد رضي الله عنه أنا انتقص من حقها شيئا ؟
أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من أخذ شبرا من الارض
ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين " ورواه (3).
وقال الامام أحمد حدثنا حسن وأبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الله
ابن لهيعة حدثنا عبد الله (4) بن أبي جعفر عن أبي عبد الرحمن عن ابن
مسعود قال " قلت يارسول الله أي الظلم أعظم ؟ قال: ذراع من الارض
ينتقصه المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الارض يأخذها
__________
(1) سورة الطلاق الآية 12.
(2) أروى بفتح الهمزة وسكون الراء وهي أروى بنت أبي أوس.
(3) قوله ورواه هكذا بالاصل: وفي البخاري: قال ابن أبي الزناد عن هشام
عن أبيه (عروة) قال قال لي سعيد بن
زيد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم.
(4) مسند أحمد ج 1 / 397 وفيه: عبيد الله بدل عبد الله.
[ * ]
(1/20)
أحد إلا طوقها
يوم القيامة إلى قعر الارض، ولا يعلم قعرها إلا الذي خلقها " تفرد به
أحمد.
وهذا إسناد لا بأس به.
وقال الامام أحمد حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أخذ شبرا من الارض
بغير حقه طوقه من سبع أرضين " تفرد به من هذا الوجه وهو على شرط مسلم.
وقال أحمد حدثنا يحيى عن ابن عجلان حدثني أبي عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " من اقتطع شبرا من الارض بغير حقه طوقه
إلى سبع أرضين " تفرد به أيضا وهو على شرط مسلم.
وقال أحمد أيضا حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أخذ من الارض شبرا
بغير حقه طوقه من سبع أرضين " تفرد به أيضا وقد رواه الطبراني من حديث
معاوية بن قرة عن ابن عباس مرفوعا مثله * فهذه الاحاديث كالمتواترة في
إثبات سبع أرضين والمراد بذلك أن كل واحدة فوق الاخرى والتي تحتها في
وسطها عند أهل الهيئة حتى ينتهي الامر إلى السابعة وهي صماء لا جوف
لها، وفي وسطها المركز وهي نقطة مقدرة متوهمة.
وهو محط الاثقال، إليه ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يعاوقه مانع.
واختلفوا هل هن متراكمات بلا تفاصل أو بين كل واحدة والتي تليها خلاء
على قولين وهذا الخلاف جار في الافلاك أيضا.
والظاهر أن بين كل واحدة والتي تليها خلاء على قولين.
وهذا الخلاف جار في الافلاك أيضا.
والظاهر أن بين كل واحدة منهن وبين الاخرى مسافة لظاهر قوله تعالى
(الله الذي خلق سبع سموات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن) الآية
وقال الامام أحمد حدثنا شريح حدثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن
الحسن عن أبي هريرة قال " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ مرت سحابة فقال " أتدرون ما هذه قلنا الله ورسوله أعلم قال العنان
وزوايا الارض تسوقه إلى من لا يشكرونه من عباده ولا يدعونه أتدرون ما
هذه فوقكم: قلنا الله ورسوله أعلم قال الرفيع موج مكفوف وسقف محفوظ
أتدرون كم بينكم وبينها قلنا الله ورسوله أعلم.
قال مسيرة خمسمائة سنة.
ثم قال أتدرون ما الذي فوقها قلنا الله ورسوله أعلم قال مسيرة خمسمائة
عام حتى عد سبع سموات * ثم قال أتدرون ما فوق ذلك قلنا الله ورسوله
أعلم قال العرش أتدرون كم بينه وبين السماء السابعة قلنا الله ورسوله
أعلم.
قال مسيرة خمسمائة عام.
ثم قال أتدرون ما هذه تحتكم قلنا الله وروسله أعلم قال أرض أتدرون ما
تحتها قلنا الله ورسوله أعلم قال أرض أخرى أتدرون كم بينهما قلنا الله
ورسوله أعلم.
قال مسيرة سبعمائة عام حتى عد سبع أرضين ثم قال وأيم الله لو دليتم
أحدكم إلى الارض السفلى السابعة لهبط.
ثم قرأ هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم ورواه الترمذي
عن عبد بن حميد، وغير واحد عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد
الرحمن عن قتادة، قال حدث الحسن عن أبي هريرة وذكره إلا أنه ذكر أن بعد
ما بين كل أرضين خمسمائة عام وذكر في آخره كلمة (1) ذكرناها عند تفسير
هذه الآية من
__________
(1) في المسند: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الارض
السفلى لهبط على الله.
قال ابن [ * ]
(1/21)
سورة الحديد ثم
قال الترمذي هذا حديث غريب من هذا الوجه قال ويروى عن أيوب ويونس بن
عبيد وعلي بن زيد أنهم قالوا لم يسمع الحسن من أبي هريرة * ورواه أبو
محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي جعفر الرازي عن
قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر مثل لفظ الترمذي سواء بدون زيادة في
آخره ورواه ابن جرير في تفسيره عن بشر عن يزيد عن سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة مرسلا وقد يكون هذا أشبه والله أعلم.
ورواه الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي من حديث أبي ذر الغفاري عن النبي
صلى الله عليه وسلم ولكن لا يصح إسناده والله أعلم (1) * وقد تقدم عند
صفة العرش من حديث الاوعال ما يخالف هذا في ارتفاع العرش عن السماء
السابعة وما يشهد له.
وفيه وبعد ما بين كل سماءين خمسمائة عام، وكثفها أي سمكها خمسمائة عام
* وأما ما ذهب إليه بعض المتكلمين على حديث (طوقه من سبع أرضين) أنها
سبعة أقاليم.
فهو قول يخالف ظاهر الآية والحديث الصحيح وصريح كثير من ألفاظه مما
يعتمد من الحديث الذي أوردناه من طريق الحسن عن أبي هريرة.
ثم إنه حمل الحديث والآية على خلاف ظاهرهما بلا مستند
ولا دليل والله أعلم.
وهكذا ما يذكره كثير من أهل الكتاب وتلقاه عنهم طائفة من علمائنا من أن
هذه الارض من تراب والتي تحتها من حديد والاخرى من حجارة من كبريت
والاخرى من كذا فكل هذا إذا لم يخبر به ويصح سنده إلى معصوم فهو مردود
على قائله.
وهكذا الاثر المروي عن ابن عباس أنه قال: في كل أرض من الخلق مثل ما في
هذه حتى آدم كآدمكم وإبراهيم كإبراهيمكم فهذا ذكره ابن جرير مختصرا
واستقصاه البيهقي في الاسماء والصفات وهو محمول إن صح نقله عنه على أنه
أخذه ابن عباس رضي الله عنه عن الاسرائيليات والله أعلم * وقال الامام
أحمد حدثنا يزيد حدثنا العوام بن حوشب عن سليمان بن أبي سليمان عن أنس
بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الارض جعلت
تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت فتعجبت الملائكة من خلق الجبال
فقالت يا رب هل من خلقك شئ أشد من الجبال قال نعم الحديد.
قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الحديد قال نعم النار.
قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من النار قال نعم الريح.
قالت يا رب فهل من خلقك شئ أشد من الريح قال نعم ابن آدم يتصدق بيمينه
يخفيها من شماله تفرد به أحمد * وقد ذكر أصحاب الهيئة إعداد جبال الارض
في سائر بقاعها شرقا وغربا، وذكروا طولها وبعد إمتدادها وإرتفاعها
وأوسعوا القول في ذلك بما يطول شرحه هنا.
وقد قال الله تعالى (ومن
__________
= العربي: والمقصود من الخبر ان نسبة الباري من الجهات إلى فوق كنسبته
إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته.
(1) قال البيهقي في الاسماء ص 506: هذه الرواية اشتهرت فيما بين
الناس..والذي روي في آخر الحديث إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى
وان العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء ; وانه
الظاهر.
[ * ]
(1/22)
الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) (1) قال ابن عباس وغير
واحد الجدد الطرائق وقال عكرمة وغيره الغرابيب الجبال الطوال السود.
وهذا هو الشاهد من الجبال في سائر الارض تختلف باختلاف بقاعها
وألوانها.
وقد ذكر الله تعالى في كتابه الجودي على التعيين وهو جبل عظيم
شرقي جزيرة ابن عمر إلى دجلة.
عند الموصل إمتداده من الجنوب إلى الشمال مسيرة ثلاثة أيام وإرتفاعه
مسيرة نصف يوم وهو أخضر لان فيه شجرا من البلوط وإلى جانبه قرية يقال
لها قرية الثمانين لسكني الذين نجوا في السفينة مع نوح عليه السلام في
موضعها فيما ذكره غير واحد من المفسرين والله أعلم. |