البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ذكر ما يتعلق بخلق السموات وما فيهن من الآيات
قد قدمنا أن خلق الارض قبل خلق السماء كما قال تعالى (هو الذي خلق لكم
ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ
عليم) [ البقرة: 29 ] وقال تعالى (قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في
يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها
وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى
إلى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا
طائعين * فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا
السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) [ فصلت: 9 ]
وقال تعالى (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش
ليلها وأخرج ضحاها والارض بعد ذلك دحاها) (1) فان الدحي غير الخلق، وهو
بعد
__________
(1) سورة النازعات الآيات 27 - [ * ]
(1/30)
خلق السماء
وقال تعالى (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير الذي خلق الموت
والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور * الذي خلق سبع
سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من
فطور.
ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير * ولقد زينا
السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب
السعير) [ الملك: 5 ] وقال تعالى (وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا
سراجا وهاجا) [ النبأ: 12 ] وقال تعالى (ألم تروا كيف خلق الله سبع
سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا
وجعل الشمس سراجا) [ نوح: 15 ] وقال تعالى (الله الذي خلق سبع سموات
والارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن
الله قد أحاط بكل شئ علما) [ الطلاق: 12 ] وقال تعالى (تبارك الذي جعل
في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا.
وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) [
الفرقان: 61 ] وقال تعالى (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا
من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا
ولهم عذاب واصب.
إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب) [ الصافات: 6 ] وقال تعالى (ولقد
جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم.
إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) [ الحجر: 16 ] وقال تعالى
(والسماء بنيناها بايد وإنا لموسعون) [ الانبياء: 32 ] وقال تعالى
(وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل
والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) [ يس: 37 ] وقال تعالى: (وآية
لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون.
والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم.
والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن
تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) [ الانعام: 96 ]
وقال تعالى (فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك
تقدير العزيز العليم.
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا
الآيات لقوم يعلمون) [ الاعراف: 54 ] وقال تعالى (إن ربكم الله الذي
خلق السموات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار
يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر
تبارك الله رب العالمين) [ الذاريات: 7 ] والآيات في هذا كثيرة جدا وقد
تكلمنا على كل منها في التفسير * والمقصود أنه تعالى يخبر عن خلق
السموات وعظمة إتساعها وإرتفاعها وأنها في غاية الحسن والبهاء والكمال
والسناء كما قال تعالى (والسماء ذات الحبك) أي الخلق الحسن وقال تعالى
__________
= دحاها أي بسطها، وهذا يشير إلى كون الارض بعد السماء ; والعرب تقول:
دحوت الشئ أدحوه دحوا:
بسطته.
وقيل: دحاها سواها وقيل دحاها: حرثها وشقها ومهدها الاقوات.
[ * ]
(1/31)
(فارجع البصر
هلى ترى من فطور.
ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) [ الملك: 3 ]
(1) أي خاسئا عن أن يرى فيها نقصا أو خللا وهو حسير أي كليل ضعيف ولو
نظر حتى يعى ويكل ويضعف لما اطلع على نقص فيها ولا عيب لانه تعالى قد
أحكم خلقها وزين بالكواكب أفقها كما قال (والسماء ذات البروج) [
البروج: 1 ] (2) أي النجوم * وقيل محال الحرس التي يرمي منها بالشهب
لمسترق السمع ولا منافاة بين القولين وقال تعالى (ولقد جعلنا في السماء
بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم) [ الحجر: 16 ] فذكر
أنه زين منظرها بالكواكب الثوابت والسيارات (الشمس والقمر والنجوم
الزاهرات) وأنه صان حوزتها عن حلول الشياطين بها وهذا زينة معنى * فقال
وحفظناها من كل شيطان رجيم كما قال (إنا زينا السماء الدنيا بزينة
الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملا الاعلى) [
الصافات: 6 ].
قال البخاري في كتاب بدء الخلق وقال قتادة (ولقد زينا السماء الدنيا
بمصابيح) [ فصلت: 12 ] خلق هذه النجوم الثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما
للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه
وتكلف ما لا علم له به.
وهذا الذي قاله قتادة مصرح به في قوله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا
بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) وقال تعالى (وهو الذى جعل لكم النجوم
لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) [ الانعام: 97 ] فمن تكلف غير هذه
الثلاث أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها ومقارناتها في سيرها وأن
ذلك يدل على حوادث أرضية فقد أخطأ.
وذلك أن أكثر كلامهم في هذا الباب ليس فيه إلا حدس وظنون كاذبة ودعاوى
باطلة.
وذكر تعالى أنه خلق سبع سموات طباقا أي واحدة فوق واحدة * واختلف أصحاب
الهيئة هل هن متراكمات أو متفاصلات بينهن خلاء على قولين.
والصحيح الثاني لما قدمنا من حديث عبد الله بن عميرة عن الاحنف عن
العباس في حديث الاوعال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
أتدرون كم بين السماء والارض قلنا الله ورسوله أعلم، قال بينهما مسيرة
خمسمائة عام.
ومن كل سماء إلى سماء خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة * الحديث
بتمامه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه * وفي الصحيحين
من حديث أنس في حديث الاسراء قال فيه (ووجد في السماء الدنيا آدم فقال
له جبرئيل هذا أبوك آدم فسلم عليه فرد عليه السلام.
وقال
__________
(1) سورة الملك الآية 3.
قال القرطبي 17 / 31 في الحبك سبعة أقوال: الخلق الحسن المستوي - ذات
الزينة - ذات النجوم - ذات الطرائق - ذات الشدة - ذات الصفافة - المجرة
التي في السماء.
(2) سورة البروج الآية 1.
قال القرطبي: ج 19 / 283 قسم أقسم به الله وجل وعز وفي البروج أربعة
أقوال: النجوم - القصور - البروج فيها الحرس - البروج هي ذات الخلق
الحسن - المنازل.
[ * ]
(1/32)
مرحبا وأهلا
بابني نعم الابن أنت - إلى أن قال - ثم عرج إلى السماء الثانية * وكذا
ذكر في الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة) فدل على التفاصل
بينها لقوله ثم عرج بنا حتى أتينا السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا
(الحديث) * وهذا يدل على ما قلناه والله أعلم.
وقد حكى ابن حزم وابن المنير وأبو الفرج ابن الجوزى وغير واحد من
العلماء الاجماع على أن السموات كرة مستديرة * واستدل على ذلك بقوله كل
في فلك يسبحون.
قال الحسن يدورون، وقال ابن عباس في فلكة مثل فلكة المغزل.
قالوا ويدل على ذلك أن الشمس تغرب كل ليلة من المغرب ثم تطلع في آخرها
من المشرق كما قال أمية ابن أبي الصلت.
والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء مطلع لونها متورد * تأبى فلا تبدو لنا
في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فأما الحديث الذي رواه البخاري حيث قال
حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي ذر حين غربت
الشمس تدرى أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها
تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل
منها وتستأذن فلا يؤذن لها.
يقال لها إرجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: (والشمس
تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) [ يس: 38 ].
هذا لفظه في بدء الخلق ورواه في التفسير * وفي التوحيد من حديث الاعمش
أيضا ورواه مسلم في الايمان من طريق الاعمش ومن طريق يونس بن عبيد وأبو
داود من طريق الحكم بن عتبة كلهم عن إبراهيم بن يزيد بن شريك عن أبيه
عن أبي ذر به نحوه.
وقال الترمذي حسن صحيح * إذا علم هذا فإنه حديث لا يعارض ما ذكرناه من
إستدارة الافلاك التي هي السموات على أشهر القولين ولا يدل على كرية
العرش كما زعمه زاعمون.
قد أبطلنا قولهم فيما سلف ولا يدل على أنها تصعد إلى فوق السموات من
جهتنا حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها
الذي هي فيه وهو الرابع فيما قاله غير واحد من علماء التفسير.
وليس في الشرع ما ينفيه بل في الحس وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه
فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصف الليل مثلا في إعتدال الزمان
بحيث يكون بين القطبين الجنوبي والشمالي فإنها تكون أبعد ما يكون من
العرش لانه مقبب من جهة وجه العالم وهذا محل سجودها كما يناسبها كما
أنها أقرب ما تكون من العرش وقت الزوال من جهتنا فإذا كانت في محل
سجودها استأذنت الرب جل جلاله في طلوعها من الشرق فيؤذن لها فتبدو من
جهة الشرق وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم ولهذا قال
أمية.
تأبى فلا تبدو لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد فإذا كان الوقت الذي
يريد الله طلوعها من جهة مغربها تسجد على عادتها وتستأذن في
(1/33)
الطلوع من
عادتها فلا يؤذن لها فجاء أنها تسجد أيضا ثم تستأذن فلا يؤذن لها ثم
يسجد فلا يؤذن لها وتطول تلك الليلة كما ذكرنا في التفسير، فتقول يا رب
إن الفجر قد اقترب وأن المدى بعيد فيقال لها إرجعي من حيث جئت فتطلع من
مغربها فإذا رآها الناس آمنوا جميعا.
وذلك حين لا ينفع نفسا
إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، وفسروا بذلك قوله
تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها) قيل لوقتها الذي تؤمر فيه تطلع من
مغربها * وقيل مستقرها موضعها الذي تسجد فيه تحت العرش.
وقيل منتهى سيرها وهو آخر الدنيا.
وعن ابن عباس أنه قرأ والشمس تجري لا مستقر لها أي ليست تستقر فعلى هذا
تسجد وهي سائرة.
ولهذا قال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق
النهار وكل في فلك يسبحون) أي لا تدرك الشمس القمر فتطلع في سلطانه
ودولته ولا هو أيضا ولا الليل سابق النهار أي ليس سابقه بمسافة يتأخر
ذاك عنه فيها بل إذا ذهب النهار جاء الليل في أثره متعقبا له كما قال
في الآية الاخرى (يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم
مسخرات بأمره ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين) وقال تعالى
(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) [
الفرقان: 62 ] أي يخلف هذا لهذا وهذا لهذا كما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس
فقد أفطر الصائم " فالزمان المحقق ينقسم إلى ليل ونهار وليس بينهما
غيرهما * ولهذا قال تعالى (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل
وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى) [ لقمان: 29 ] فيولج من هذا في
هذا، أي يأخذ من طول هذا في قصر هذا فيعتدلان كما في أول فصل الربيع
يكون الليل قبل ذلك طويلا والنهار قصيرا فلا يزال الليل ينقص والنهار
يتزايد حتى يعتدلا وهو أول الربيع * ثم يشرع النهار يطول ويتزايد
والليل يتناقص حتى يعتدلا أيضا في أول فصل الخريف * ثم يشرع الليل يطول
ويقصر النهار إلى آخر فصل الخريف * ثم يترجح النهار قليلا قليلا
ويتناقص الليل شيئا فشيئا حتى يعتدلا في أول فصل الربيع كما قدمنا،
وهكذا في كل عام.
ولهذا قال تعالى (وله اختلاف الليل والنهار) [ المؤمنون: 80 ] أي هو
المتصرف في ذلك كله الحاكم الذي لا يخالف ولا يمانع ولهذا يقول في ثلاث
آيات (1) عند ذكر السموات والنجوم والليل والنهار (ذلك تقدير العزيز
العليم) أي العزيز الذي قد قهر كل شئ ودان له كل شئ فلا يمانع ولا
يغالب العليم بكل شئ فقدر كل شئ تقديرا
على نظام لا يختلف ولا يضطرب.
وقد ثبت في الصحيحين (2) من حديث سفيان بن عيينة عن
__________
(1) يقول تعالى: (والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم)
الانعام 96.
(والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) يس 38.
(وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم فصلت 12.
(2) رواه مسلم في 40 كتاب الالفاظ من الادب - 1 - باب النهي عن سب
الدهر ح 2246 / ص 1762 والبخاري ح [ * ]
(1/34)
الزهري عن سعيد
بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال
الله يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الامر أقلب الليل
والنهار " وفي رواية فأنا الدهر أقلب ليله ونهاره * قال العلماء
كالشافعي وأبي عبيد القاسم بن سلام وغيرهما يسب الدهر أي يقول فعل بنا
الدهر كذا يا خيبة الدهر، أيتم الاولاد، أرمل النساء.
قال الله تعالى (وأنا الدهر) أي أنا الدهر الذي يعنيه فإنه فاعل ذلك
الذي أسنده إلى الدهر والدهر مخلوق، وإنما فعل هذا هو الله فهو يسب
فاعل ذلك ويعتقده الدهر.
والله هو الفاعل لذلك الخالق لكل شئ المتصرف في كل شئ كما قال وأنا
الدهر بيدي الامر أقلب ليله ونهاره وكما قال تعالى (قل اللهم مالك
الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من
تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير * تولج الليل في النهار وتولج
النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من
تشاء بغير حساب) [ آل عمران: 27 ] وقال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء
والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب.
ما خلق الله ذلك إلا بالحق.
يفصل الآيات لقوم يعلمون إن في إختلاف الليل والنهار وما خلق الله في
السموات والارض لآيات لقوم يتقون) [ يونس: 5.
6 ] أي فاوت بين الشمس والقمر في نورهما وفي شكلهما وفي وقتهما وفي
سيرهما فجعل هذا ضياء وهو شعاع الشمس برهان ساطع وضوء باهر والقمر نورا
أي أضعف من برهان الشمس وجعله مستفادا من ضوئها وقدره منازل أي يطلع
أول ليلة من الشهر صغيرا ضئيلا قليل النور لقربه من الشمس وقلة مقابلته
لها فبقدر مقابلته لها يكون نوره ولهذا في الليلة الثانية يكون
أبعد منها بضعف ما كان في الليلة الاولى فيكون نوره بضعف النور أول
ليلة * ثم كلما بعد إزداد نوره حتى يتكامل إبداره ليلة مقابلته إياها
من المشرق وذلك ليلة أربع عشرة من الشهر * ثم يشرع في النقص لاقترابه
إليها من الجهة الاخرى إلى آخر الشهر فيستتر حتى يعود كما بدأ في أول
الشهر الثاني.
فبه تعرف الشهور وبالشمس تعرف الليالي والايام وبذلك تعرف السنين
والاعوام ولهذا قال تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره
منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) وقال تعالى (وجعلنا الليل والنهار
آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم
ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا) [ الاسراء: 12 ]
وقال تعالى (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) [ البقرة:
189 ].
وقد بسطنا القول على هذا كله في التفسير.
فالكواكب التي في السماء منها سيارات وهي المتخيرة في إصطلاح علماء
التفسير وهو علم غالبه صحيح بخلاف علم الاحكام فإن غالبه باطل
__________
= رقم 2042.
وعند مسلم بيدي الليل والنهار بدل بيدي الامر.
أنا الدهر: قال العلماء هو مجاز وسببه أن العرب كان من شأنها أن تسب
الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلة بها.
وأما الدهر بمعنى الزمان فلا فعل له بل مخلوق من جملة خلق الله.
[ * ]
(1/35)
ودعوى ما لا
دليل عليه وهي سبعة.
القمر في سماء الدنيا وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في
الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة.
وبقية الكواكب يسمونها الثوابت وهي عندهم في الفلك الثامن وهو الكرسي
في إصطلاح كثير من المتأخرين.
وقال آخرون بل الكواكب كلها في السماء الدنيا ولا مانع من كون بعضها
فوق بعض * وقد يستدل على هذا بقوله تعالى (ولقد زينا السماء الدنيا
بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) (1) وبقوله [ تعالى ]: (فقضاهن سبع
سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح
وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم) [ فصلت: 12 ] فخص سماء الدنيا من بينهن
بزينة الكواكب فإن دل هذا على كونها مرصعة فيها فذاك وإلا فلا مانع مما
قاله الآخرون والله أعلم.
وعندهم أن الافلاك السبعة بل الثمانية تدور بما فيها من الكواكب
الثوابت والسيارات تدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق.
فالقمر يقطع فلكه في شهر والشمس تقطع فلكها وهو الرابع في سنة.
فإذا كان السيران ليس بينهما تفاوت وحركاتهما متقاربة كان قدر السماء
الرابعة بقدر السماء الدنيا ثنتي عشرة مرة وزحل يقطع فلكه وهو السابع
في ثلاثين سنة فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلثمائة وستين مرة *
وقد تكلموا على مقادير أجرام هذه الكواكب وسيرها وحركاتها وتوسعوا في
هذه الاشياء حتى تعدوا إلى علم الاحكام وما يترتب على ذلك من الحوادث
الارضية ومما لا علم لكثير منهم به.
وقد كان اليونانيون الذين كانوا يسكنون الشام قبل زمن المسيح عليه
السلام بدهور لهم في هذا كلام كثير يطول بسطه، وهم الذين بنوا مدينة
دمشق وجعلوا لها أبوابا سبعة وجعلوا على رأس كل باب هيكلا على صفة
الكواكب السبعة، يعبدون كل واحد في هيكله، ويدعونه بدعاء يأثره عنهم
غير واحد من أهل التواريخ وغيرهم.
وذكره صاحب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم وغيره من
علماء الحرنانيين (2) (فلاسفة حران في قديم الزمان).
وقد كانوا مشركين يعبدون الكواكب السبعة وهم طائفة من الصابئين * ولهذا
قال الله تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا
للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون) [ فصلت:
37 ] وقال تعالى إخبارا عن الهدهد أنه قال لسليمان عليه السلام مخبرا
عن بلقيس وجنودها ملكة سبأ في اليمن وما والاها (إني وجدت امرأة تملكهم
وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله
وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون.
أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والارض ويعلم ما يخفون
وما يعلنون.
الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) [ النمل: 23 ] وقال تعالى
__________
(1) سورة الملك الآية 5.
(2) الحرنانيين: علماء حران، حران بتشديد الراء وآخره نون اسم بلد وهو
فعال، ويجوز أن يكون فعلان والنسبة إليه حرناني، وحراني على ما عليه
العامة وهو القياس (معجم البلدان - لسان العرب مادة حرن).
[ * ]
(1/36)
(ألم تر أن
الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم
والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن
الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) [ الحج: 18 ] وقال تعالى
(أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل
سجدا لله وهم داخرون * ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة
والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) [
النحل: 48 ] وقال تعالى (والله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها
وظلالهم بالغدو والآصال) [ الرعد: 15 ] وقال تعالى (تسبح له السموات
السبع والارض ومن فيهن وإن من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون
تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) [ الاسراء: 44 ] والآيات في هذا كثيرة
جدا.
ولما كان أشرف الاجرام المشاهدة في السموات والارض هي الكواكب وأشرفهن
منظرا وأشرفهن معتبرا الشمس والقمر استدل الخليل على بطلان آلهية شئ
منهن.
وذلك في قوله تعالى (فلما جن الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال
لا أحب الآفلين) [ الانعام: 76 ] أي الغائببين (فلما رأى القمر بازغا
قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين.
فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني
برئ مما تشركون.
إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين) [
الانعام: 77 ] فبين بطريق البرهان القطعي أن هذه الاجرام المشاهدات من
الكواكب والقمر والشمس لا يصلح شئ منها للالهية لانها كلها مخلوقة
مربوبة مدبرة مسخرة في سيرها لا تحيد عما خلقت له ولا تزيغ عنه إلا
بتقدير متقن محرر لا تضطرب ولا تختلف * وذلك دليل على كونها مربوبة
مصنوعة مسخرة مقهورة ولهذا قال تعالى (ومن آياته الليل والنهار والشمس
والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسحدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه
تعبدون) (1) وثبت في الصحيحين في صلاة الكسوف من حديث ابن عمر وابن
عباس وعائشة وغيرهم من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في خطبته يومئذ: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عزوجل
وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته " (2).
وقال البخاري في بدء الخلق حدثنا مسدد حدثنا عبد العزيز بن المختار
حدثنا عبد الله الداناج
__________
(1) سورة فصلت الآية 37.
(2) صحيح مسلم 10 كتاب الكسوف - 1 - باب صلاة الكسوف ح 901 ص 618 وما
بعدها وصحيح البخاري ح رقم: 584.
يقال كسفت الشمس والقمر، وكسفا، وانكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا بمعنى
وجمهور أهل اللغة وغيرهم على أن الخسوف والكسوف يكون لذهاب ضوئهما كله
أو بعضه.
[ * ]
(1/37)
حدثني أبو سلمة
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشمس والقمر مكوران
يوم القيامة " انفرد به البخاري * وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار
بأبسط من هذا السياق.
فقال: حدثنا إبراهيم بن زياد البغدادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا عبد
العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن
زمن خالد بن عبد الله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن
فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " إن الشمس والقمر ثوران في النار يوم القيامة فقال الحسن وما
دينهما فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما دينهما
ثم قال البزار لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ولم يرو عبد الله
الداناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث * وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي من
طريق يزيد الرقاشي وهو ضعيف عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " الشمس والقمر ثوران عقيران في النار ".
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الاشج وعمر بن عبد الله الازدي حدثنا
أبو أسامة عن مجالد عن شيخ من بجيلة عن ابن عباس (إذا الشمس كورت).
قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله
ريحا دبورا فتضرمها نارا.
فدلت هذه الآثار على أن الشمس والقمر من مخلوقات الله خلقها الله لما
أراد * ثم يفعل فيها ما يشاء، وله الحجة الدافعة والحكمة البالغة فلا
يسأل عما يفعل لعلمه
وحكمته وقدرته ومشيئته النافذة وحكمه الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب
* وما أحسن ما أورده الامام محمد بن إسحاق بن يسار في أول كتاب السيرة
من الشعر لزيد بن عمرو بن نفيل في خلق السماء والارض والشمس والقمر
وغير ذلك * قال ابن هشام هي لامية ابن أبي الصلت.
إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رضيا لا يني الدهر باقيا (1) إلى
الملك الاعلى الذي ليس فوقه * إله ولا رب يكون مدانيا ألا أيها الانسان
إياك والردى * فإنك لا تخفي من الله خافيا (2) وإياك لا تجعل مع الله
غيره * فإن سبيل الرشد أصبح باديا حنانيك إن الجن كانت رجاءهم * وأنت
إلهي ربنا ورجائيا (3) رضيت بك اللهم ربا فلن أرى * أدين إلها غيرك
الله ثانيا (4) وأنت الذي من فضل من ورحمة * بعثت إلى موسى رسولا
مناديا فقلت له إذهب وهرون فادعوا * إلى الله فرعون الذي كان طاغيا
__________
(1) في ابن هشام: رصينا بدل رضيا، والرصين: الثابت.
(2) الردى: الهلاك والموت، والمراد هنا تحذير الانسان مما يأتي به
الموت وما يكشفه من جزاء الاعمال.
(3) حنانيك: أي حنانا بعد حنان، يريد التكرار وليس الاقتصار على اثنين
فقط ; ويقال: حنانا في الدنيا وآخر في الآخرة.
(4) بعده في الاغاني: أدين لرب يستجاب ولا أرى * أدين لمن لم يسمع
الدهر داعيا [ * ]
(1/38)
وقولا له آأنت
سويت هذه * بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا (1) وقولا له آأنت رفعت هذه *
بلا عمد ارفق إذا بك بانيا (2) وقولا له آأنت سويت وسطها * منيرا إذا
ماجنه الليل هاديا وقولا له من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما مست من
الارض ضاحيا
وقولا له من ينبت الحب في الثرى * فيصبح منه البقل يهتز رابيا ويخرج
منه حبه في رؤسه * وفي ذاك آيات لمن كان واعيا وأنت بفضل منك نجيت
يونسا * وقد بات في أضعاف حوت لياليا وإني [ و ] لو سبحت باسمك ربنا *
لاكثر إلا ما غفرت خطائيا (3) فرب العباد ألق سيبا ورحمة * علي وبارك
في بني وماليا فإذا علم هذا فالكواكب التي في السماء من الثوابت
والسيارات الجميع مخلوقة خلقها الله تعالى كما قال [ تعالى ]: (وأوحى
في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز
العليم) (4) وأما ما يذكره كثير من المفسرين في قصة هاروت وماروت من أن
الزهرة كانت امرأة فراوداها على نفسها فأبت إلا أن يعلماها الاسم
الاعظم فعلماها فقالته فرفعت كوكبا إلى السماء فهذا أظنه من وضع
الاسرائيليين وإن كان قد أخرجه كعب الاحبار وتلقاه عنه طائفة من السلف
فذكروه على سبيل الحكاية والتحديث عن بني إسرائيل.
وقد روى الامام أحمد وابن حبان في صحيحه في ذلك حديثا رواه أحمد عن
يحيى بن بكير عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم وذكر القصة بطولها * وفيه: " فمثلت لهما
الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها " وذكر القصة.
وقد رواه عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن
كعب الاحبار به.
وهذا أصح وأثبت.
وقد روى الحاكم في مستدركه وابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس فذكره
وقال فيه وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر
الكواكب وذكر تمامه * وهذا أحسن لفظ روي في هذه القصة والله أعلم.
وهكذا الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الملك
الواسطي حدثنا يزيد بن هرون حدثنا مبشر بن عبيد عن يزيد بن أسلم عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدثنا عمرو بن عيسى حدثنا عبد الاعلى حدثنا إبرهيم بن يزيد عن عمرو بن
دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سهيلا فقال: "
كان عشارا ظلوما فمسخه الله شهابا " ثم قال لم يروه عن
__________
(1) هذه: يريد الارض.
(2) هذه: المراد السماء.
(3) المراد: إني لاكثر من الدعاء: باسمك ربنا إلا ما غفرت..وما "
زائدة.
والتسبيح هنا: الصلاة أي: أنا لا اعتمد في صلاتي إلا على دعائك
واستغفارك.
(4) سورة فصلت الاية 12.
[ * ]
(1/39)
زيد بن أسلم
إلا مبشر بن عبيد وهو ضعيف الحديث ولا عن عمرو بن دينار إلا إبراهيم بن
يزيد وهو لين الحديث * وإنما ذكرناه على ما فيه من علة لانا لم نحفظه
إلا من هذين الوجهين (قلت) أما مبشر بن عبيد القرشي فهو أبو حفص الحمصي
وأصله من الكوفة.
فقد ضعفه الجميع وقال فيه الامام أحمد والدارقطني كان يضع الحديث ويكذب
وأما إبراهيم بن يزيد فهو الخوزي (1) وهو ضعيف باتفاقهم * قال فيه أحمد
والنسائي متروك.
وقال ابن معين ليس بثقة وليس بشئ * وقال البخاري سكتوا عنه.
وقال أبو حاتم وأبو زرعة منكر الحديث ضعيف الحديث.
ومثل هذا الاسناد لا يثبت به شئ بالكلية.
وإذا أحسنا الظن قلنا هذا من أخبار بني إسرائيل كما تقدم من رواية ابن
عمر عن كعب الاحبار.
ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها والله أعلم.
المجرة وقوس قزح قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز
حدثنا عارم أبو النعمان (2) حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس أن هرقل كتب إلى معاوية وقال إن كان بقي فيهم شئ من
النبوة فسيخبرني عما أسألهم عنه.
قال فكتب إليه يسأله عن المجرة وعن القوس وعن بقعة لم تصبها الشمس إلا
ساعة واحدة.
قال فلما أتى معاوية الكتاب والرسول قال إن هذا الشئ ما كنت آبه له أن
أسأل عنه إلى يومي هذا من لهذا ؟ قيل: ابن عباس فطوى معاوية كتاب هرقل
فبعث به إلى ابن عباس فكتب إليه " أن القوس أمان لاهل الارض من الغرق.
والمجرة باب السماء الذي تنشق منه الارض.
وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار فالبحر الذي أفرج
عن بني إسرائيل وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه * فأما
الحديث الذي رواه الطبراني
حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج حدثنا إبراهيم بن مخلد حدثنا الفضل بن
المختار عن محمد بن مسلم الطائفي عن ابن أبي يحيى عن مجاهد عن جابر بن
عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معاذ إني مرسلك
إلى قوم أهل كتاب فإذا سئلت عن المجرة التي في السماء فقل هي لعاب حية
تحت العرش " فإنه حديث منكر جدا بل الاشبه أنه موضوع وراويه الفضل بن
المختار هذا أبو سهل البصري * ثم انتقل إلى مصر قال فيه أبو حاتم
الرازي هو مجهول حدث بالاباطيل.
وقال الحافظ أبو الفتح الازدي منكر الحديث جدا.
وقال ابن عدي لا يتابع على أحاديثه لا متنا ولا إسنادا
__________
(1) الخوزي بضم الخاء، أبو اسماعيل المكي مولى بني أمية متروك الحديث
مات سنة 151 ه.
والخوزي ينسب إلى الخوز: شعب بمكة يسمى شعب الخوز - وليس منسوبا إلى
خوزستان قال البخاري: سكتوا عنه وقال أحمد: متروك، تقريب التهذيب ج 1 /
46.
وقال الذهبي: مكى واه الكاشف ج 1 / 51.
(2) هو محمد بن الفضل السدوسي لقبه عارم، أبو الفضل البصري ثقة ثبت
تغير في آخر عمره (تقريب التهذيب 2 / 200) وفي الصحيحين: أبو النعمان.
(والعجلي) في ثقات العجلي: ليس يعرف إلا بعارم متفق على توثيقه (2 ص
411).
[ * ]
(1/40)
وقال الله تعالى (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال
ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء
وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) [ الرعد: 12 ] وقال تعالى (إن في
خلق السموات والارض وإختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر
بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الارض بعد
موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء
والارض لآيات لقوم يعقلون) [ البقرة: 164 ] وروى الامام أحمد عن يزيد
بن هرون عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن شيخ من بني غفار قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله ينشئ السحاب فينطق أحسن النطق
ويضحك أحسن الضحك " وروى موسى بن عبيدة بن سعد بن إبرهيم أنه قال إن
نطقه الرعد وضحكه البرق.
قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام عن عبيدالله الرازي عن
محمد بن مسلم قال بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه وجه إنسان ووجه ثور
ووجه نسر ووجه أسد فإذا مصع بذنبه فذاك البرق * وقد روى الامام أحمد
والترمذي والنسائي والبخاري في كتاب الادب والحاكم في مستدركه من حديث
الحجاج بن أرطأة حدثني ابن مطر عن سالم عن أبيه قال كان رسول الله إذا
سمع الرعد والصواعق قال (اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك
وعافنا قبل ذلك * وروى ابن جرير من حديث ليث عن رجل عن أبي هريرة رفعه
كان إذا سمع الرعد قال: " سبحان من يسبح الرعد بحمده " وعن علي أنه كان
يقول (سبحان من سبحت له) وكذا عن ابن عباس والاسود بن يزيد وطاوس
وغيرهم * وروى مالك عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سمع الرعد ترك
الحديث وقال سبحان ممن يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويقول (إن
هذا وعيد شديد لاهل الارض * وروى الامام أحمد عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال ربكم لو أن عبيدي أطاعوني لاسقيتهم
المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولما أسمعتهم صوت الرعد
فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكرا " * وكل هذا مبسوط في التفسير ولله
الحمد والمنة * |