البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
[ باب ذكر ]
(3) جماعة من انبياء بني اسرائيل بعد داود وسليمان وقبل زكريا ويحيى
عليهم السلام
فمنهم
شعيا بن أمصيا
قال محمد بن إسحاق وكان قبل زكريا ويحيى، وهو ممن بشر بعيسى ومحمد
عليهما السلام وكان في زمانه ملك اسمه حزقيا (4) على بني إسرائيل ببلاد
بيت المقدس وكان سامعا مطيعا لشعيا فيما يأمره به وينهاه عنه من
المصالح، وكانت الاحداث قد عظمت في بني إسرائيل فمرض الملك، وخرجت في
رجله قرحة.
وقصد بيت المقدس ملك بابل في ذلك الزمان وهو سنحاريب قال ابن إسحاق في
ستمائة ألف راية وفزع الناس فزعا عظيما شديدا وقال الملك للنبي شعيا:
ماذا أوحى الله إليك في أمر سنحاريب وجنوده فقال لم يوح إلي فيهم شئ
بعد.
ثم نزل عليه الوحي بالامر للملك حزقيا بأن يوصي ويستخلف على ملكه من
يشاء فإنه قد اقترب أجله فلما أخبره بذلك أقبل الملك على القبلة فصلى
وسبح ودعا وبكى فقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله عزوجل بقلب مخلص وتوكل
وصبر: " اللهم رب الارباب وإله الآلهة [ القدوس المتقدس ] (5) يا رحمن
يا رحيم [ المترحم
__________
(1) في الكامل لابن الاثير: ثلاث وخمسين سنة.
(2) في المسعودي: أرخبعم.
(3) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(4) كذا في رواية الطبري: حزقيا بن أحاز ; وفيه عن ابن إسحاق كان يدعى:
صديقة.
(5) من الطبري.
[ * ]
(2/39)
الرؤوف الذي ]
(1) لا تأخذه سنة ولا نوم، اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني
إسرائيل وذلك كله كان منك فأنت أعلم به من نفسي سري وإعلاني لك " قال:
فاستجاب الله له ورحمه، وأوحى الله إلى شعيا يبشره بأنه قد رحم بكاءه
وقد أخر في أجله خمس عشر سنة وأنجاه من عدوه سنحاريب [ وجنوده ] فلما
قال له ذلك ذهب منه الوجع وانقطع عنه الشر والحزن وخر ساجدا وقال في
سجوده: " [ يا إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبحت وكرمت وعظمت ]، اللهم أنت
الذي تعطي الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء
عالم الغيب والشهادة أنت الاول والآخر والظاهر والباطن وأنت ترحم
وتستجيب دعوة المضطرين [ أنت الذي أجبت دعوتي ورحمت تضرعي ] " فلما رفع
رأسه أوحى الله إلى شعيا أن يأمره أن يأخذ ماء التين فيجعله على قرحته
فيشفى ويصبح قد برئ.
ففعل ذلك فشفي وأرسل الله على جيش سنحاريب الموت (2) فأصبحوا وقد هلكوا
كلهم سوى سنحاريب وخمسة من أصحابه منهم بخت نصر فأرسل ملك بني إسرائيل
فجاء بهم، فجعلهم في الاغلال، وطاف بهم في البلاد على وجه التنكيل بهم
والاهانة لهم سبعين يوما ويطعم كل واحد منهم كل يوم رغيفين من شعير ثم
أودعهم السجن، وأوحى الله تعالى إلى شعيا أن يأمر الملك بإرسالهم إلى
بلادهم لينذروا قومهم ما قد حل بهم فلما رجعوا جمع سنحاريب قومه
وأخربهم بما قد كان من أمرهم فقال له السحرة والكهنة: إنا أخبرناك عن
شأن ربهم وأنبيائهم فلما تطعنا، وهي أمة لا يستطيعها أحد من ربهم فكان
أمر سنحاريب مما خوفهم الله به.
ثم مات سنحاريب بعد سبع سنين.
قال ابن إسحاق ثم لما مات حزقيا ملك بني إسرائيل مرج أمرهم واختلطت
أحداثهم وكثر شرهم فأوحى الله تعالى إلى شعيا فقام فيهم فوعظهم وذكرهم
وأخبرهم عن الله بما هو أهله وأنذرهم بأسه وعقابه إن خالفوه وكذبوه.
فلما فرغ من مقالته عدوا عليه وطلبوه ليقتلوه فهرب منهم فمر بشجرة
فانفلقت له فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة ثوبه فأبرزها فلما رأو
ذلك جاؤوا بالمنشار فوضعوه على الشجرة فنشروها ونشروه معها فإنا لله
وإنا إليه
راجعون (3).
ومنهم ارميا بن حلقيا من سبط لاوى
بن يعقوب وقد قيل إنه الخضر.
رواه الضحاك عن ابن عباس.
وهو غريب وليس بصحيح (4).
قال
__________
(1) من الطبري.
(2) قال ابن قتيبة في المعارف ص 23: سلط عليهم الطاعون فأصبحوا موتى.
(3) نقل الخبر الطبري ج 1 / 280.
ما ورد بين معكوفين في الرواية زيادة - اقتضاها السياق - من تاريخ
الطبري.
(4) ضعفه الطبري في نقله للخبر: واسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم
عن بني اسرائيل أرميا بن حلقيا وكان من سبط هارون.
[ * ]
(2/40)
ابن عساكر: جاء في بعض الآثار أنه وقف على دم يحيى بن زكريا وهو يفور
بدمشق فقال: أيها الدم فتنت الناس فاسكن فسكن.
ورسب حتى غاب (1).
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني علي بن أبي مريم، عن أحمد بن حباب،
عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال أرميا: أي رب أي عبادك أحب إليك ؟
قال: أكثرهم لي ذكرا، الذين يشتغلون بذكري عن ذكر الخلائق، الذين لا
تعرض لهم وساوس الفناء ولا يحدثون انفسهم بالبقاء.
الذين إذا عرض لهم عيش الدنيا قلوه.
وإذا زوى عنهم سروا بذلك.
أولئك أنحلهم محبتي وأعطيهم فوق غاياتهم. |