البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
فصل فيما وقع من الايات ليلة مولده عليه الصلاة والسلام
قد ذكرنا في باب هواتف الجان ما تقدم من خرور كثير من الاصنام ليلتئذ
لوجوهها وسقوطها عن أماكنها، وما رآه النجاشي ملك الحبشة، وظهور النور
معه حتى أضاءت له قصور الشام حين ولد، وما كان من سقوطه جائيا رافعا
رأسه إلى السماء، وانفلاق تلك البرمة عن وجهه الكريم، وما شوهد من
النور في المنزل الذي ولد فيه ودنو النجوم منهم وغير ذلك.
حكى السهيلي عن تفسير بقي بن مخلد الحافظ أن ابليس رن أربع رنات: حين
لعن، وحين أهبط، وحين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين أنزلت
الفاتحة.
قال محمد بن إسحاق: وكان هشام بن
عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت: كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها فلما
كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس
من قريش: يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ فقال القوم والله ما
نعلمه فقال الله أكبر، أما إذا أخطأكم فلا بأس انظروا واحفظوا ما أقول
لكم: ولد هذه الليلة نبي هذه الامة الاخيرة، بين كتفيه علامة فيها
شعرات متواترات كأنهن عرف فرس.
لا يرضع ليلتين وذلك أن عفريتا من الجن ادخل أصبعه في فمه فمنعه الرضاع
فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه فلما صاروا إلى
منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا قد والله ولد لعبد الله بن عبد
المطلب غلام سموه محمدا فالتقى القوم فقالوا هل سمعتم حديث اليهودي وهل
بلغكم مولد هذا الغلام ؟ فانطلقوا حتى جاؤوا اليهودي فأخبروه الخبر.
قال فاذهبوا معي حتى أنظر إليه، فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقالوا
اخرجي إلينا ابنك فاخرجته وكشفوا له عن ظهره.
فرأى تلك الشامة.
فوقع اليهودي مغشيا عليه.
فلما أفاق قالوا له مالك ويلك ؟ قال قد ذهبت والله النبوة من بني
إسرائيل، فرحتم بها يا معشر قريش.
والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني صالح بن إبراهيم عن يحيى بن عبد الرحمن بن
أسعد
(2/326)
بن زرارة قال حدثني من شئت من رجال قومي ممن لا أتهم عن حسان بن ثابت.
قال: إني لغلام يفعة ابن سبع سنين - أو ثمان سنين - أعقل ما رأيت وسمعت
إذا بيهودي في يثرب يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه - وأنا
أسمع - فقالوا ويلك مالك ؟ قال قد طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه
الليلة.
وروى الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة من حديث أبي بكر بن عبد
الله العامري عن سليمان بن سحيم وذريح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد
الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال سمعت أبي مالك بن سنان يقول جئت بني
عبد الاشهل يوما لاتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب، فسمعت يوشع
اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم.
فقال له خليفة بن ثعلبة الاشهلي - كالمستهزئ به ما صفته ؟ فقال رجل ليس
بالقصير ولا
بالطويل في عينيه حمرة يلبس الشملة ويركب الحمار.
سيفه على عاتقه وهذا البلد مهاجره.
قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع فأسمع
رجلان منا يقول ويوشع يقول هذا وحده ! ؟ كل يهود يثرب يقولون هذا.
قال أبي مالك بن سنان فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا
النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الاحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي
أو ظهوره ولم يبق أحد إلا أجمد وهذا مهاجره.
قال أبو سعيد فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أبي هذا الخبر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أسلم الزبير لاسلم ذووه من
رؤساء اليهود إنما هم له تبع " وقال أبو نعيم: حدثنا عمر بن محمد حدثنا
ابراهيم بن السندي حدثنا النضر بن سلمة حدثنا إسماعيل بن قيس بن سليمان
بن زيد بن ثابت عن أم سعد بنت سعد بن الربيع سمعت زيد بن ثابت يقول:
كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم
فلما طلع الكوكب الاحمر أخبروا أنه نبي وأنه لا نبي بعده.
واسمه أحمد ومهاجره إلى يثرب فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة أنكروا وحسدوا وكفروا.
وقد أورد هذه القصة الحافظ أبو نعيم في كتابه من طرق أخرى ولله الحمد.
وقال أبو نعيم ومحمد بن حبان: حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم حدثنا وهب بن
بقية حدثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن
حاطب عن أسامة بن زيد، قال قال زيد بن عمرو بن نفيل قال لي حبر من
أحبار الشام: قد خرج في بلدك نبي - أو هو خارج - قد خرج نجمه فارجع
فصدقه واتبعه. |