البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ذكر ارتجاس ايوان كسرى وسقوط الشرفات وخمود النيران ورؤيا الموبذان
وغير ذلك من الدلالات
قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتاب هواتف الجان:
حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران - من آل جرير بن عبد
الله البجلي - حدثني مخزوم بن هاني المخزومي عن أبيه - وأتت عليه خمسون
ومائة سنة - قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها
(2/327)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار
فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان
إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح
كسرى أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته
فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره.
ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده.
قال: أتدرون فيم بعثت إليكم ؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك [ ذلك ]،
فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غما إلى غمه، ثم
أخبرهم بما رأى وما هاله، يقال الموبذان وأنا - أصلح الله الملك - قد
رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الابل، يقال أي شئ يكون
هذا يا موبذان ؟ قال حدث يكون في ناحية العرب - وكان أعلمهم من انفسهم
- فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر ; أما بعد
فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح بن
عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني، فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما
أريد أن أسألك عنه ؟ فقال لتخبرني أو ليسألني الملك عما أحب، فإن كان
عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم.
فأخبره بالذي وجه به إليه فيه.
قال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح، قال فائته
فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره.
فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضريح.
فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيخ جوابا فانشأ يقول: أصم أم يسمع
غطريف اليمن * أم فاد فار لم به شأو العنن يا فاصل الخطة أعيت من ومن *
أتاك شيخ الحي من آل سنن وأمه من آل ذئب بن حجن * أزرق نهم الناب صرار
الاذن أبيض فضفاض الرداء والبدن * رسول قيل العجم يسري للوسن يجوب بي
الارض علنداة شزن * لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ترفعني وجنا وتهوي بي
وجن * حتى أتى عاري الجآجي والقطن تلفه في الريح بوغاء الدمن * كأنما
حثحث من حضني ثكن
قال فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: عبد المسيح، على جمل مشيح، أتى
سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الايوان،
وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا، قد
قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر
صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس،
فليس الشام لسطيح شاما.
يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت.
ثم قصى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول: شمر فإنك ماضي
العزم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم *
فإن ذا الدهر أطوار دهارير
(2/328)
فربما ربما
أضحوا بمنزلة * يخاف صولهم الاسد المهاصير منهم أخو الصرح بهرام وإخوته
* والهرمزان وشابور وسابور والناس أولاد علات فمن علموا * أن قد أقل
فمحقور ومهجور ورب قوم لهم صحبان ذي اذن * بدت تلهيهم فيه المزامير وهم
بنو الام إما إن رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور والخير والشر
مقرونان في قرن * فالخير متبع والشر محذور قال فلما قدم عبد المسيح على
كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى ألى أن يملك منا أربعة عشر ملكا
كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة
عثمان رضي الله عنه.
ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن محمد بن إدريس عن علي بن حرب
الموصلي بنحوه.
قلت: كان آخر ملوكهم - الذي سلب منه الملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز
بن هرمز بن أنوشروان وهو الذي انشق الايوان في زمانه.
وكان لاسلافه في الملك ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربعة وستون سنة.
وكان أول ملوكهم خيومرت بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح.
أما سطيح هذا فقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه هو الربيع ربيعة بن
مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن الازد.
ويقال الربيع بن مسعود وأمه ردعا بنت سعد بن الحارث الحجوري وذكر غير
ذلك في نسبه.
قال وكان يسكن الجابية ثم روى عن أبى حاتم السجستاني قال سمعت المشيخة
منهم أبو عبيدة وغيره قالوا وكان من بعد لقمان بن عاد.
ولد في زمن سيل العرم وعاش إلى ملك ذي نواس وذلك نحو من ثلاثين قرنا
وكان مسكنه البحرين وزعمت عبد القيس أنه منهم وتزعم الازد أنه منهم
وأكثر المحدثين يقولون هو من الازد ولا ندري ممن هو غير أن ولده يقولون
إنه من الازد.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لم يكن شئ من بني آدم يشبه سطيحا إنما كان
لحما على وضم ليس فيه عظم ولا عصب إلا في رأسه وعينيه وكفيه وكان يطوى
كما يطوى الثوب من رجليه إلى عنقه.
ولم يكن فيه شئ يتحرك إلا لسانه.
وقال غيره إنه كان إذا غضب انتفخ وجلس.
ثم ذكر ابن عباس أنه قدم مكة فتلقاه جماعة من رؤسائهم منهم عبد شمس
وعبد مناف أبناء قصي فامتحنوه في أشياء فأجابهم فيها بالصدق، فسألوه
عما يكون في آخر الزمان.
فقال خذوا مني ومن إلهام الله إياي: أنتم الآن يا معشر العرب في زمان
الهرم سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم، وينشأ من
عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم فيكسرون الصنم، ويتبعون الردم،
ويقتلون العجم، يطلبون الغنم.
ثم قال والباقي الابد، والبالغ الامد ليخرجن من ذا البلد، نبي مهتد،
يهدي إلى الرشد، يرفض بغوث والفند، يبرأ عن عبادة الضدد، يعبد ربا
انفرد، ثم يتوفاه الله بخير دار محمودا، من الارض مفقودا، وفي
(2/329)
السماء مشهودا،
ثم يلي أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم يلي
أمره الحنيف، مجرب غطريف، قد أضاف المضيف، وأحكم التحنيف.
ثم ذكر عثمان ومقتله وما يكون بعد ذلك من أيام بني أمية ثم بني العباس.
وما بعد ذلك من الفتن والملاحم ساقه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس
بطوله.
وقد قدمنا قوله لربيعة بن نصر ملك اليمن حين أخبره برؤياه قبل أن يخبره
بها ثم ما يكون في بلاد اليمن من الفتن وتغيير الدول حتى يعود إلى سيف
بن ذي يزن
فقال له: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع ؟ قال بل ينقطع.
قال ومن يقطعه ؟ قال نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي قال وممن هذا
النبي ؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه
إلى آخر الدهر قال وهل للدهر من آخر ؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الاولون
والآخرون، يسعد فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون.
قال أحق ما تخبرني ؟ قال نعم والشفق والغسق والقمر إذا اتسق إن ما
أنبأتك عليه لحق.
ووافقه على ذلك شق سوآ بسواء بعبارة أخرى كما تقدم.
ومن شعر سطيح قوله: عليكم بتقوى الله في السر والجهر * ولا تلبسوا صدق
الامانة بالغدر وكونوا لجار الجنب حصنا وجنة * إذا ماعرته النائبات من
الدهر وروى ذلك الحافظ ابن عساكر ثم أورد ذلك المعافى بن زكريا الجريري
فقال: وأخبار سطيح كثيرة وقد جمعها غير واحد من أهل العلم.
والمشهور أنه كان كاهنا وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته
ومبعثه.
وروى لنا بإسناد الله به أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سطيح
فقال: " نبي ضيعه قومه ".
قلت: أما هذا الحديث فلا أصل له في شئ من كتب الاسلام المعهودة ولم أره
بإسناد أصلا.
ويروى مثله في خبر خالد بن سنان العبسي ولا يصح أيضا وظاهر هذه
العبارات تدل على علم جيد لسطيح وفيها روائح التصديق لكنه لم يدرك
الاسلام كما قال الجريري.
فإنه قد ذكرنا في هذا الاثر أنه قال لابن أخته: يا عبد المسيح إذا كثرت
التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة،
وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطح شاما بملك منهم ملوك وملكات، على عدد
الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه وكان ذلك بعد مولد رسول
الله صلى الله عليه وسلم بشهر - أو شية - أي أقل منه - وكانت وفاته
بأطراف الشام مما يلي أرض العراق - فالله أعلم بأمره وما صار إليه.
وذكر ابن طرار الحريري أنه عاش سبعمائة سنة.
وقال غيره خمسمائة سنة، وقيل ثلاثمائة سنة فالله أعلم.
وقد روى ابن عساكر أن ملكا سأل سطيحا عن نسب غلام اختلف فيه فأخبره على
الجلية في كلام طويل مليح فصيح.
فقال له الملك ياسطيح ألا تخبرني عن
علمك هذا ؟ فقال إن علمي هذا ليس مني ولا بجزم ولا بظن ولكن أخذته عن
أخ لي قد سمع الوحي بطور سيناء.
فقال له أرأيت أخاك هذا الجني أهو معك لا يفارقك، فقال انه ليزول حيث
أزول، ولا أنطق إلا بما يقول.
وتقدم أنه ولد هو وشق بن مصعب بن يشكر بن رهم بن بسر بن
(2/330)
عقبة الكاهن
الآخر ولدا في يوم واحد، فحملا إلى الكاهنة طريفة بنت الحسين الحميدية
فتفلت في أفواههما فورثا منها الكهانة وماتت من يومها.
وكان نصف إنسان ويقال إن خالد بن عبد الله القسري من سلالته، وقد مات
شق قبل سطيح بدهر.
وأما عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حبان بن نفيلة الغساني النصراني
فكان من المعمرين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخ وقال هو الذي
صالح خالد بن الوليد على.
وذكر له معه قصة طويلة وأنه أكل من يده سم ساعة فلم يصبه سوء لانه لما
أخذه قال: بسم الله وبالله رب الارض والسماء الذي لا يضر مع اسمه أذى.
ثم أكله فعلته غشية فضرب بيديه على صدره ثم عرق وأفاق رضي الله عنه
وذكر لعبد المسيح أشعارا غير ما تقدم.
وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن
أبي شيبه حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا المسيب بن شريك حدثنا محمد بن شريك
عن شعيب بن شعيب عن أبيه عن جده.
قال: كان بمر الظهران راهب من الرهبان يدعى عيصا من أهل الشام وكان
متخفرا بالعاص بن وائل وكان الله قد آتاه علما كثيرا وجعل فيه منافع
كثيرة لاهل مكة من طيب ورفق وعلم.
وكان يلزم صومعة له ويدخل مكة في كل سنة فيلقى الناس ويقول إنه يوشك أن
يولد فيكم مولود يا أهل مكة يدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه ومن
أدركه واتبعه أصاب حاجته ومن أدركه فخالفه أخطأ حاجته وبالله ما تركت
أرض الخمر والخمير والامن ولا حللت بأرض الجوع والبؤس والخوف إلا في
طلبه وكان لا يولد بمكة مولود إلا يسأل عنه فيقول ما جاء بعد.
فيقال له فصفه فيقول لا.
ويكتم ذلك للذي قد علم أنه لاق من قومه مخافة على نفسه أن يكون ذلك
داعية إلى أدنى ما يكون إليه من الاذى يوما.
ولما كان صبيحة اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
عبد الله بن عبد المطلب حتى أتى عيصا فوقف في أصل صومعته ثم نادى: يا
عيصاه.
فناداه من هذا ؟ فقال أنا عبد الله فأشرف عليه فقال كن أباه فقد ولد
المولود الذي كنت أحدثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم
الاثنين قال فإنه قد ولد لي مع الصبح مولود.
قال فما سميته ؟ قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهي أن يكون هذا
المولود فيكم أهل البيت لثلاث خصال نعرفه بها منها أن نجمه طلع البارحة
وأنه ولد اليوم وأن اسمه محمد.
انطلق إليه فإن الذي كنت أخبركم عنه ابنك.
قال فما يدريك أنه ابني ولعله أن يولد في هذا اليوم مولود غيره ؟ قال
قد وافق ابنك الاسم ولم يكن الله ليشبه علمه على العلماء فإنه حجة.
وآية ذلك أنه الآن وجع فيشتكي أياما ثلاثة، فيظهر به الجوع ثلاثا ثم
يعافى.
فاحفظ لسانك فإنه لم يحسد أحد حسده قط ولم يبغ على أحد كما يبغى عليه.
إن تعش حتى يبدو مقاله ثم يدعو لظهر لك من قومك ما لا تحتمله إلا على
صبر وعلى ذلك فاحفظ لسانك ودار عنه قال فما عمره ؟ قال إن طال عمره وإن
قصر لم يبلغ السبعين، يموت في وتر دونها من الستين في إحدى وستين أو
ثلاث وستين في أعمار جل أمته.
قال
(2/331)
وحمل برسول
الله صلى الله عليه وسلم في عاشر المحرم.
وولد يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة
أصحاب الفيل.
هكذا رواه أبو نعيم وفيه غرابة.
حواضنه ومراضعه عليه الصلاة والسلام كانت أم أيمن واسمها بركة تحضنه،
وكان قد ورثها عليه الصلاة والسلام من أبيه فلما كبر أعتقها وزوجها
مولاه زيد بن حارثة (1)، فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنهم.
وأرضعته مع أمه عليه الصلاة والسلام مولاة عمه أبي لهب ثويبة (2) قبل
حليمة السعدية.
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما (3) من حديث الزهري عن عروة بن الزبير
عن زينب بنت أم سلمة (4) عن أم حبيبة بنت أبي سفيان.
قالت: يارسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان - ولمسلم عزة بنت أبي سفيان
-.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أو تحبين ذلك ؟ " قلت نعم ! لست
لك بمخلية، وأحب من
شاركني في خير أختي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن ذلك لا يحل لي " قالت فإنا نحدث
انك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة - وفي رواية درة بنت أبي سلمة قال: "
بنت أم سلمة ؟ " قلت نعم قال: " إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت
لي.
إنها لابنة أخي من الرضاعة.
أرضعتني وأبا سلمة ثويبة.
فلا تعرضن علي بناتكن ولا اخواتكن " زاد البخاري قال عروة.
وثويبة مولاة لابي لهب أعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر خيبة (5).
فقال له ماذا لقيت ؟ فقال أبو لهب لم ألق بعدكم خيرا غير أني سقيت في
هذه بعتاقتي ثويبة - وأشار إلى النقرة (6) التي بين الابهام والتي
تليها من الاصابع -.
وذكر السهيلي وغيره: أن الرائي له هو أخوه العباس.
وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر.
وفيه أن أبا لهب قال للعباس إنه ليخفف علي في مثل يوم الاثنين.
قالوا لانه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله أعتقها
من ساعته فجوزي بذلك لذلك.
__________
(1) في طبقات ابن سعد ج 8 / 223 أن أم أيمن تزوجت عبيد بن زيد من بني
الحارث بن الخزرج فولدت له أيمن، وقتل يوم حنين ثم تزوجت زيد بن حارثة،
مولى خديجة، بعد النبوة، فولدت له أسامة.
(2) وهي أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن أبن لها يقال
له مسروح وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وبعده أبا سلمة بن
عبد الاسد المخزومي - وقيل معه -.
(3) البخاري - كتاب النكاح - باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم..وباب:
وربائبكم اللاتي في حجوركم ومسلم في 17 كتاب الرضاع (4) باب تحريم
الربيبة ح 16 ص 1073.
(4) زينب بنت أبي سلمة - وأمها أم سلمة -.
(5) في البخاري ودلائل البيهقي: حبيبة.
(6) في البيهقي: النقير وفي ابن سعد النقيرة.
[ * ]
(2/332)
رضاعه عليه
الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وما ظهر عليه من البركة
وآيات النبوة
قال محمد بن إسحاق: فاسترضع له عليه الصلاة والسلام من حليمة بنت أبي
ذؤيب، واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة (1)
بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس عيلان بن مضر
قال واسم أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرضعه - يعني زوج
حليمة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة (1) بن سعد بن
بكر بن هوازن (2).
وأخوته عليه الصلاة والسلام - يعني من الرضاعة - عبد الله بن الحارث
وأنيسة بنت الحارث وحذافة (3) بنت الحارث وهي الشيماء وذكروا (4) أنها
كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذا كان عندهم.
قال ابن إسحاق: حدثني جهم بن أبي جهم مولى [ لامرأة من بني تميم كانت
عند الحارث ابن حاطب، ويقال له مولى الحارث بن حاطب ] (5).
قال حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال حدثت عن حليمة بنت
الحارث أنها قالت ! قدمت مكة في نسوة وذكر الواقدي بإسناده انهن كن
عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يلتمسن بها الرضعاء من بني سعد نلتمس بها
الرضعاء في سنة شهباء فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب (6)
ومعي صبي (7) لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة.
وما ننام ليلتنا ذلك أجمع (8) مع صبينا ذاك ما نجد في ثديي ما
__________
(1) في ابن هشام: ابن ناصرة ابن قصية بن نصر وفي الطبري باسقاط نصر وفي
السهيلي فصية بالفاء.
(الروض الانف - الطبقات - الطبري - شرح السيرة).
(2) قدم الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حين أنزل عليه
القرآن، فأتاه فقال: أي بني مالك ولقومك يشكونك ويزعمون أنك تقول: إن
الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار..ثم أسلم وحسن
إسلامه..(الاصابة - الروض الانف).
(3) في الاصابة: خذامة، وفي الطبري جذامة والطبقات: جدامة.
(4) الطبري - ابن هشام في السيرة - الطبقات.
(5) ما بين معقوفين ليس في ابن هشام، وهذا ما عودنا عليه ابن كثير في
نقله عن ابن هشام وغيره ; فإنه يلخص المعنى بعبارته فيزيد ويحذف ولا
يلتزم النص إلا قليلا، وأحيانا كثيرة يخلط نقله بما يفسد المعنى.
(6) في ابن هشام: ادمت وفي الطبري اذمت.
قال أبو ذر في شرح السيرة: أدمت أي أطلت عليهم المسافة لتمهلهم عليها.
وأذمت، ويروى أذممت: أي أعيت وتخلف بالركب بسببها ولم تستطع اللحاق به.
(7) وهو عبد الله بن الحارث، وكانت ترضعه (الطبقات 8 / 110).
(8) في ابن هشام والطبري: وما ننام للينا أجمع من صبينا الذي معنا =
معي = من بكائه من الجوع.
[ * ]
(2/333)
يغنيه ولا في
شارفنا ما يغذيه.
ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.
فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا.
فقدمنا مكة فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل إنه يتيم، تركناه.
قلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه ؟ إنما نرجو المعروف من أبي الولد،
فأما أمه فماذا عسى أن تصنع الينا، فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا
أخذت رضيعا غيري.
فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى
والله إني لاكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع.
لانطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
فقال لا عليك أن تفعلي فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة.
فذهبت فأخذته فوالله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره، فما هو إلا أن
أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن.
فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي.
وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى
روينا.
فبتنا بخير ليلة.
فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لاراك قد أخذت نسمة مباركة.
ألم تري ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه.
فلم يزل الله عزوجل يزيدنا خيرا.
ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتأتي بالركب حتى ما يتعلق
بها حمار حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب هذه أتانك التي
خرجت عليها معنا ؟ فأقول نعم والله إنها لهي فقلن والله إن لها لشأنا.
حتى قدمنا أرض بني سعد.
وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح
شباعا لبنا فتحلب ما شئنا وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة
لين وإن أغنامهم لتروح جياعا حتى إنهم ليقولون لرعائهم - أو لرعيانهم -
ويحكم انظروا
حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فاسرحوا معهم.
فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن وتروح
أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا.
فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا
تشبه الغلمان.
فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا (1) فقدمنا به على أمه ونحن
أضن شئ به مما رأينا فيه من البركة.
فلما رأته أمه قلت لها دعينا نرجع بابننا هذه السنة الاخرى فإنا نخشى
عليه وباء (2) مكة.
فوالله ما زلنا بها حتى قالت نعم.
فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة (3).
فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك
يشتد، فقال ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا
بطنه.
فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده فائما منتقعا لونه.
فاعتنقه أبوه وقال يا بني ما شأنك ؟ قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض
أضجعاني وشقا بطني ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم رداه كما كان فرجعنا
به معنا.
فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده
__________
(1) الجفر: الغليط الشديد، هنا استجفر أي قوي على الاكل.
(2) كذا في الاصل وابن هشام والطبري.
والوبأ يهمز ويقصر والوباء بالمد: الطاعون.
(3) في ابن هشام والطبري وابن سيد الناس: بأشهر.
والبهم: الصغار من الغنم واحدتها بهمة.
[ * ]
(2/334)
إلى أهله قبل
أن يظهر به ما نتخوف.
قالت حليمة فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به.
فقدمنا به عليها فقالت ما ردكما به ياظئر ؟ فقد كنتما عليه حريصين ؟
فقالا لا والله إلا أن الله قد أدى عنا، وقضينا الذي علينا، وقلنا نخشى
الاتلاف والاحداث نرده إلى أهله.
فقالت ما ذاك بكما فاصدقاني شأنكما ؟ فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره،
فقالت أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل.
والله إنه لكائن لابني هذا شأن ألا أخبركما خبره ؟ قلنا بلى ! قالت
حملت به فما حملت حملا قط أخف [ علي ] منه فأريت في النوم حين حملت به
كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه
المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء،
فدعاه عنكما.
وهذا الحديث قد روي من طرق أخر وهو من الاحاديث المشهورة المتداولة بين
أهل السير والمغازي (1).
وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال
خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت البهم تقيل فوجدته
مع أخته فقالت في هذا الحر ؟ فقالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا.
رأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلى هذا
الموضع.
وقال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له أخبرنا عن نفسك.
قال: " نعم أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى [ أخي ] عيسى عليهما السلام،
ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت
في بني سعد بن بكر، فبينا أنا [ مع أخ لي ] في بهم لنا أتاني رجلان
عليهما ثياب بيض معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجاني فشقا بطني، ثم
استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها.
ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا ألقياه (2) رداه كما كان، ثم
قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال زنه
بمائة من أمته فوزنني بمائة فوزنتهم.
ثم قال زنه بألف من أمته فوزنني بألف فوزنتهم، فقال دعه عنك، فلو وزنته
بأمته لوزنهم " وهذا إسناد جيد قوي (3).
__________
(1) ورد حادث شق الصدر في كتب السيرة، فقد رواه ابن هشام في السيرة (1
/ 176) طبقات ابن سعد (1 / 112) دلائل النبوة لابي نعيم (1 / 111)
دلائل النبوة للبيهقي 1 / 135 - 136 الخصائص الكبرى للسيوطي (1 / 54).
وقد أشار له أصحاب التفاسير في تفسير قوله عزوجل (ألم نشرح لك صدرك).
وفي الاحاديث أن حادثة شق الصدر هذه تكررت ; لما أصبح عمره صلى الله
عليه وسلم عشر سنين، ولما جاوز صلى الله عليه وسلم الخمسين من عمره
(راجع أحمد - ابن حبان - ابن عساكر - مسلم - الحاكم).
(2) في الطبري وابن هشام: أنقياه.
(3) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 1 / 146 والطبري ج 1 / 128 والحاكم في
المستدرك 2 / 600 وقال: صحيح.
[ * ]
(2/335)
وقد روى أبو
نعيم الحافظ في الدلائل من طريق عمر بن الصبح وهو أبو نعيم عن ثور بن
يزيد عن مكحول عن شداد بن أوس هذه القصة مطولة جدا ولكن عمر بن صبح هذا
متروك كذاب متهم بالوضع.
فلهذا لم نذكر لفظ الحديث إذ لا يفرح به ثم قال: وحدثنا أبو عمرو بن
حمدان حدثنا الحسن بن نفير حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا بقية بن الوليد
عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن
عتبة بن عبد الله (1) أنه حدثه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله ؟ قال: " كانت حاضنتي من بني سعد
بن بكر فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا فقلت يا
أخي اذهب فائتنا بزاد من عند أمنا فانطلق أخي ومكث عند البهم فأقبل [
إلي ] طائران أبيضان كأنهما نسران، فقال أحدهما لصاحبه أهو هو ؟ فقال
نعم ! فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني ثم استخرجا
قلبي فشقاه.
فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه ائتني بماء ثلج فغسلا
به جوفي ثم قال ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة
فذرها (2) في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه خطه فخاطه وختم على قلبي بخاتم
النبوة، فقال أحدهما لصاحبه اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة،
فإذا أنا أنظر إلى الالف فوقي اشفق أن يخر علي بعضهم.
فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا فتركاني وفرقت فرقا شديدا،
ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت أن يكون قد لبس (3) بي
فقالت أعيذك بالله.
فرحلت بعيرا لها، وحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي،
فقالت أديت أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها.
وقالت " إني رأيت خرج مني نور أضاءت منه قصور الشام " ورواه أحمد من
حديث بقية بن الوليد به.
وهكذا رواه عبد الله بن المبارك وغيره عن بقية بن الوليد به.
وقد رواه ابن عساكر من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا جعفر بن عبد الله
بن عثمان القرشي أخبرني عمير بن عمر بن عروة بن الزبير.
قال سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا رسول
الله: كيف علمت أنك نبي حين
علمت ذلك واستيقنت أنك نبي ؟ قال: " يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببعض
بطحاء مكة وقع أحدهما على الارض، وكان الآخر بين السماء والارض فقال
أحدهما لصاحبه أهو هو ؟ قال هو هو.
قال
__________
= الاسناد، ولم يخرجاه.
وأقره الذهبي.
وهو في السيرة 1 / 177 وما بين معقوفين في الحديث زيادة من ابن هشام
والطبري.
ثور بن يزيد الكلاعي أبو خالد الحمصي أحد الحفاظ العلماء مات سنة 153 ه
وقيل سنة 155 ه.
وخالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي أبو عبد الله الشامي الحمصي توفي
سنة 103 وقيل غير ذلك.
(تراجم الرجال - تهذيب التهذيب).
(1) في دلائل البيهقي: عتبة بن عبد.
(2) في البيهقي: فذراها.
(3) في البيهقي: التبس بي: أي أصابني مس.
[ * ]
(2/336)
زنه برجل
فوزنني برجل فرجحته " وذكر تمامه، وذكر شق صدره وخياطته وجعل الخاتم
بين كتفيه قال: " فما هو إلا أن وليا عني فكأنما أعاين الامر معاينة "
ثم أورد ابن عساكر عن أبي بن كعب بنحو ذلك.
ومن حديث شداد بن أوس بأبسط من ذلك.
وثبت في صحيح مسلم (1) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع
الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب واستخرج منه علقة سوداء
فقال هذا حظ الشيطان [ منك ]، ثم غسله في طشت من ذهب بماء زمزم، ثم
لامه، ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره -
فقالوا إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون.
قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
وقد رواه ابن عساكر من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن
سعيد عن ثابت البناني عن أنس أن الصلاة فرضت بالمدينة، وأن ملكين أتيا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبا به إلى زمزم فشقا بطنه فأخرجا
حشوته في طشت من ذهب فغسلاه بماء زمزم ثم لبسا جوفه حكمة وعلما.
ومن طريق ابن وهب أيضا عن يعقوب بن
عبد الرحمن الزهري عن أبيه عبد الرحمن بن عامر بن عتبة بن أبي وقاص عن
أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال قال خذوا خيرهم
وسيدهم، فأخذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمد به إلى زمزم فشق
جوفه ثم أتى بتور من ذهب فغسل جوفه ثم ملئ حكمة وإيمانا.
وثبت من رواية سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.
وفي الصحيحين من طريق شريك [ بن عبد الله ] بن أبي نمر عن أنس وعن
الزهري عن أنس عن أبي ذر وقتادة عن أنس وعن مالك بن صعصعة عن النبي صلى
الله عليه وسلم في حديث الاسراء كما سيأتي قصة شرح الصدر ليلتئذ وإنه
غسل بماء زمزم، ولا منافاة لاحتمال وقوع ذلك مرتين مرة وهو صغير ومرة
ليلة الاسراء ليتأهب للوفود إلى الملا الاعلى ولمناجاة الرب عزوجل
والمثول بين يديه تبارك وتعالى (2).
وقال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لاصحابه: "
أنا أعربكم، أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر " وذكر ابن إسحاق: أن
حليمة لما أرجعته إلى أمه بعد فطامه مرت به على ركب من النصارى (3)
فقاموا إليه عليه الصلاة والسلام فقبلوه وقالوا إنا سنذهب بهذا
__________
(1) أخرجه بطوله الحاكم في المستدرك 2 / 616 - 617 - وقال: هذا حديث
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
والامام أحمد في مسنده 3 / 149.
4 / 184 وأخرجه مسلم في صحيحه في 1 كتاب الايمان (74) باب الاسراء
برسول الله صلى الله عليه وسلم ح 261 ص (1 / 147).
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 2 / 5 وما بعدها.
لامه: جمعه وضم بعضه إلى بعض.
ظئره: أي مرضعته.
المخيط: هي الابرة ; وفي رواية بقية حصه فحاصه.
قال أبو الفضل (أحد الرواة) يحصه: يخيطه.
(2) انظر دلائل النبوة للبيهقي ج 2 / 136 - 137.
(3) في دلائل البيهقي: أن أمه التي ترضعه نزلت به سوق عكاظ، فرآها كاهن
من الكهان فقال: يا أهل عكاظ = [ * ]
(2/337)
الغلام إلى
ملكنا فإنه كائن له شأن فلم تكد تنفلت منهم إلا بعد جهد.
وذكر أنها لما ردته حين تخوفت عليه أن يكون أصابه عارض، فلما قربت من
مكة افتقدته فلم تجده فجاءت جده
عبد المطلب فخرج هو وجماعة في طلبه، فوجده ورقة بن نوفل ورجل آخر من
قريش فأتيا به جده، فأخذه على عاتقه وذهب فطاف به يعوذه ويدعو له ثم
رده إلى أمه آمنة.
وذكر الاموي من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي - وهو ضعيف - عن
الزهري عن سعيد بن المسيب قصة مولده عليه الصلاة والسلام ورضاعه من
حليمة على غير سياق محمد بن إسحاق.
وذكر أن عبد المطلب أمر ابنه عبد الله أن يأخذه فيطوف به في أحياء
العرب ليتخذ له مرضعة فطاف حتى استأجر حليمة على رضاعه وذكر أنه أقام
عندها ست سنين تزيره جده في كل عام فلما كان من شق صدره عندهم ما كان
ردته إليهم فأقام عند أمه حتى كان عمره ثماني سنين ماتت فكفله جده عبد
المطلب فمات وله عليه الصلاة والسلام عشر سنين، فكفله عماه شقيقا أبيه
الزبير وأبو طالب، فلما كان له بضع عشرة سنة خرج مع عمه الزبير إلى
اليمن.
فذكر أنهم رأوا منه آيات في تلك السفرة منها أن فحلا من الابل كان قد
قطع بعض الطريق في واد ممرهم عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم برك حتى حك بكلكله الارض فركبه عليه الصلاة والسلام.
ومنها أنه خاض بهم سيلا عرما فأيبسه الله تعالى حتى جاوزوه ثم مات عمه
الزبير وله أربع عشرة سنة فانفرد به أبو طالب.
والمقصود أن بركته عليه الصلاة والسلام حلت على حليمة السعدية وأهلها
وهو صغير ثم عادت على هوازن بكمالهم فواضله حين أسرهم بعد وقعتهم، وذلك
بعد فتح مكة بشهر.
فمتوا إليه برضاعه فأعتقهم وتحنن عليهم وأحسن إليهم كما سيأتي مفصلا في
موضعه إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن إسحاق: في وقعة هوازن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [
عبد الله بن عمرو ].
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين فلما أصاب من أموالهم
وسباياهم أدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا، فقالوا يا رسول الله
إنا أهل (1) وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا
من الله عليك.
وقال خطيبهم زهير بن صرد (2) فقال: يارسول الله إن ما في الحظائر من
السبايا خالاتك وحواضنك (3) اللاتي كن يكفلنك، فلو أنا ملحنا (4) ابن
أبي شمر، أو
__________
= اقتلوا هذا الغلام، فإن له ملكا، فزاغت به أمه التي ترضعه، فأنجاه
الله تعالى، 1 / 88.
(1) في سيرة ابن هشام: إنا أصل وعشيرة.
(2) كذا في الاصل ودلائل البيهقي وطبقات ابن سعد، وهو زهير يكنى أبو
صرد كما في سيرة ابن هشام.
وفي الواقدي 3 / 950: أبو صرد زهير بن صرد وفي هامش السيرة الحلبية أبو
صرد ويكنى أبو برقان ج 2 / 307.
(3) حواضنك: النساء اللاتي أرضعنك، فحاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم
من بني سعد بن بكر وهم من هوازن.
(4) ملحنا: وفي رواية مالحنا، يعني أرضعنا، وابن أبي شمر هو الحارث
الغساني ملك الغساسنة.
[ * ]
(2/338)
النعمان بن
المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك رجونا عائدتهما وعطفهما،
وأنت خير المكفولين.
ثم أنشد: أمنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وندخر امنن
على بيضة قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير أبقت لنا الدهر هتافا
على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم تداركها نعماء تنشرها * يا
أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد كنت ترضعها * إذ فوك يملاه
من محضها درر (1) امنن على نسوة قد كنت ترضعها * وإذ يزينك ما تأتي وما
تذر (2) لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا فانا معشر زهر (3) إنا
لنشكر للنعمى وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر وقد رويت هذه القصة
من طريق عبيدالله بن رماحس الكلبي الرملي عن زياد بن طارق الجشمي عن
أبي صرد زهير بن جرول - وكان رئيس قومه - قال لما أسرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم حنين فبينا هو يميز بين الرجال والنساء وثبت حتى
قعدت بين يديه وأسمعته شعرا، أذكره حين شب ونشأ في هوازن حيث أرضعوه:
امنن علينا رسول الله في دعة * فانك المرء نرجوه وننتظر امنن على بيضة
قد عاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير
أبقت لنا الحرب هتافا على حزن * على قلوبهم الغماء والغمر إن لم
تداركها نعماء تنشرها * يا أرجح الناس حلما حين يختبر امنن على نسوة قد
كنت ترضعها * إذ فوك تملاه من محضها الدرر إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها
* وإذ يزينك ما تأتي وما تذر لا تجعلنا كمن شالت نعامته * واستبق منا
فإنا معشر زهر إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت * وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
فألبس العفو من قد كنت ترضعه * من أمهاتك إن العفو مشتهر إنا نؤمل عفوا
منك تلبسه * هذي البرية إذ تعفو وتنتصر فاغفر عفا الله عما أنت راهبه *
يوم القيامة إذ يهدي لك الظفر
__________
(1) في دلائل البيهقي: مخضها الدرر.
وفي الواقدي: محضها الدرر وفيه مملوءة بدل يملاه.
(2) صدره في الواقدي: اللائي إذ كنت طفلا كنت ترضعها.
(3) شالت نعامته: أي تفرقت كلمتهم أو ذهب عزهم (القاموس المحيط).
[ * ]
(2/339)
قال (1) فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو
لله ولكم " فقالت الانصار: وما كان لنا فهو لله ولرسوله صلى الله عليه
وسلم.
وسيأتي أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم الذرية وكانت ستة آلاف ما بين
صبي وامرأة، وأعطاهم أنعاما وأناسى كثيرا.
حتى قال أبو الحسين بن فارس فكان قيمة ما أطلق لهم يومئذ خمسمائة ألف
ألف درهم.
فهذا كله من بركته العاجلة في الدنيا، فكيف ببركته على من اتبعه في
الدار الآخرة.
فصل قال ابن إسحاق: بعد ذكر رجوعه
عليه الصلاة والسلام إلى أمه آمنة بعد رضاعة حليمة له.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب، وجده عبد
المطلب في كلاءة الله وحفظه، ينبته الله نباتا حسنا لما يريد به من
كرامته فلما بلغ ست سنين توفيت أمه آمنة بنت وهب.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن
أم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنة توفيت وهو ابن ست سنين بالابواء
بين مكة والمدينة، كانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار
تزيره إياهم.
فماتت وهي راجعة به إلى مكة (2).
وذكر الواقدي بأسانيده أن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت به أمه إلى
المدينة ومعها أم أيمن وله ست سنين، فزارت أخواله.
قالت أم أيمن فجاءني ذات يوم رجلان من يهود المدينة فقالا لي أخرجي
إلينا أحمد ننظر إليه، فنظر إليه وقلباه فقال أحدهما لصاحبه هذا نبي
هذه الامة وهذه دار هجرته، وسيكون بها من القتل والسبي أمر عظيم.
فلما سمعت أمه خافت وانصرفت به، فماتت بالابواء وهي راجعة.
وقد قال الامام أحمد (3) حدثنا حسين بن محمد حدثنا أيوب بن جابر عن
سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه قال: خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بودان قال: " مكانكم حتى آتيكم "
فانطلق ثم جاءنا وهو ثقيل، فقال: " إني أتيت قبر أم محمد فسألت ربي
الشفاعة - يعني لها - فمنعنيها، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور
فزوروها، وكنت نهيتكم عن لحوم الاضاحي بعد ثلاثة أيام فكلوا وامسكوا ما
بدا لكم، ونهيتكم عن الاشربة في هذه الاوعية فاشربوا ما بدا لكم " وقد
رواه البيهقي (4) من طريق سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد (5) عن سليمان
بن بريدة
__________
(1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نساؤكم وابناؤكم أحب إليكم، أم
أموالكم ؟ فقالوا: خيرتنا..أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا (ابن هشام -
دلائل البيهقي).
(2) وفي رواية للطبري: أن قبر آمنة في شعب أبي ذر بمكة.
وفي معجم البلدان شعب أبي دب قال: يقال فيه مدفن آمنة بنت وهب أم
الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفيه أيضا أن قبرها بالابواء.
وقال أبو عمر بن عبد البر: وقيل ابن سبع سنين وقال محمد بن حبيب: توفيت
أمه وهو ابن ثماني سنين..(ابن سيد الناس).
(3) مسند أحمد ج 5 / 357.
(4) دلائل النبوة 1 / 189.
(5) في الدلائل وطبقات ابن سعد: علقمة بن مرثد.
[ * ]
(2/340)
عن أبيه قال:
انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبر فجلس وجلس الناس حوله،
فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ثم بكى فاستقبله عمر فقال ما يبكيك يا رسول
الله ؟ قال: هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن
لي، واستأذنته في الاستغفار لها فأبى علي، وأدركتني رقتها فبكيت ".
قال فما رئيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة.
تابعه محارب بن دثار عن بريدة عن أبيه.
ثم روي البيهقي (1) عن الحاكم عن الاصم عن بحر بن نصر عن عبد الله بن
وهب حدثنا ابن جريج عن أيوب بن هاني عن مسروق بن الاجدع عن عبد الله بن
مسعود.
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر، وخرجنا معه،
فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها = فناجاه طويلا
ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فبكينا لبكاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل
إلينا (2) فتلقاه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله ما الذي أبكاك ؟ لقد
أبكانا وأفزعنا.
فجاء فجلس إلينا فقال: " افزعكم بكائي " ؟ قلنا نعم ! قال: " إن القبر
الذي رأيتموني أناجي قبر آمنة بنت وهب، وإني استأذنت ربي في زيارتها
فأذن لي، واستأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه، ونزل علي:
(ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى
من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم، وما كان استغفار إبراهيم لابيه
إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه أن
إبراهيم لاواه حليم) (3) فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك
الذي أبكاني " غريب ولم يخرجوه.
وروى مسلم (4) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن عبيد عن يزيد بن
كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر
أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: " استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن
لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم
الموت ".
وروى مسلم (5) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت
عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي ؟ قال: " في النار " فلما
قفا دعاه فقال: " إن أبي وأباك في النار ".
وقد روى البيهقي (6) من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين عن إبراهيم بن سعد
عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه.
قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي كان يصل
الرحم، وكان، وكان، فأين هو ؟ قال:
" في النار " قال فكأن الاعرابي وجد من ذلك، فقال يا رسول الله أين
أبوك ؟ قال: " حيثما مررت
__________
(1) دلائل النبوة ج 1 / 189 عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي العباس محمد
بن يعقوب.
(2) في الدلائل: إلينا (3) سورة التوبة الآيتان 113 - 114.
(4) 11 كتاب الجنائز 36 باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه في
زيارة قبر أمه ح 105 - 106 ص 671، وأخرجه النسائي في كتاب الجنائز.
وابن ماجه وعند الترمذي بعضه.
(5) كتاب الايمان 1 - 88 باب ح 347 ص 191.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه.
(6) دلائل النبوة ج 1 / 191.
[ * ]
(2/341)
بقبر كافر
فبشره بالنار " قال فأسلم الاعرابي بعد ذلك.
فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا، ما مررت بقبر كافر
إلا بشرته بالنار.
غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه (1).
وقال الامام أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا سعيد - هو ابن أبي أيوب -
حدثنا ربيعة بن سيف المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن
عمرو.
قال بينما نحن نمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بامرأة لا
بظن أنه عرفها، فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه، فإذا فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما أخرجك من بيتك يا فاطمة ؟
فقالت أتيت أهل هذا البيت فترحمت إليهم ميتهم وعزيتهم.
قال: " لعلك بلغت معهم الكدى " (2) قالت معاذ الله أن أكون بلغتها معهم
وقد سمعتك تذكرني في ذلك ما تذكر (3).
قال: " لو بلغتيها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك " ثم رواه
أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (4) من حديث ربيعة بن سيف بن مانع
المعافري الصنمي الاسكندري وقد قال البخاري عنده مناكير.
وقال النسائي: ليس به بأس وقال مرة صدوق، وفي نسخة ضعيف.
وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يخطئ كثيرا.
وقال الدارقطني صالح.
وقال ابن يونس في تاريخ مصر في حديثه مناكير توفي قريبا من سنة عشرين
ومائة، والمراد بالكدى القبور - وقيل النوح -.
والمقصود أن عبد المطلب مات على ما كان عليه من دين الجاهلية خلافا
لفرقة الشيعة فيه وفي ابنه أبي طالب على ما سيأتي في وفاة أبي طالب،
وقد قال البيهقي - بعد روايته هذه الاحاديث في كتابه دلائل النبوة:
وكيف لا يكون أبواه وجده عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة في الآخرة وقد
كانوا يعبدون الوثن، حتى ماتوا ولم يدينوا دين عيسى بن مريم عليه
السلام، وكفرهم لا يقدح في نسبه عليه الصلاة والسلام لان انكحة الكفار
صحيحة.
ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد ولا مفارقتهن إذا
كان مثله يجوز في الاسلام وبالله التوفيق.
انتهى كلامه.
قلت: واخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من
أهل النار لا ينافي الحديث الوارد عنه من طرق متعددة أن أهل الفترة
والاطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة، كما بسطناه
سندا ومتنا في تفسيرنا عند قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث
رسولا) فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب.
فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة.
__________
(1) أخرجه في مجمع الزوائد عن الطبراني في الكبير وقال: رجاله رجال
الصحيح.
(2) الكدى: المقابر.
(3) إشارة إلى حديث أخرجه أصحاب السنن قال صلى الله عليه وسلم: لعن
الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
(4) مسند أحمد 2 / 169، أبو داود في الجنائز 3 / 261، النسائي 4 / 27
وقال: أبو عبد الرحمن ضعيف واستدركه الحاكم (1 / 373).
[ * ]
(2/342)
وأما الحديث
الذي ذكره السهيلي وذكر أن في إسناده مجهولين إلى ابن أبي الزناد عن
عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه
أن يحيي أبويه، فأحياهما وآمنا به، فإنه حديث منكر جدا.
وإن كان ممكنا بالنظر إلى قدرة الله تعالى.
لكن الذي ثبت في الصحيح يعارضه والله أعلم.
فصل قال ابن إسحاق: وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب بن هاشم - يعني بعد موت أمه آمنة
بنت وهب - فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان ينوه يجلسون
حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر، حتى يجلس
عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه.
فيقول عبد المطلب، إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنا،
ثم يجلسه معه على فراشه ويمسح ظهره بيده ويسره ما يراه يصنع.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري وحدثنا عبد الله بن
جعفر عن عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله.
وحدثنا هاشم بن عاصم الاسلمي عن المنذر بن جهم.
وحدثنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وحدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز عن أبي الحويرث.
وحدثنا ابن أبي سبرة عن سليمان بن سحيم عن نافع عن ابن جبير - دخل حديث
بعضهم في بعض - قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون مع أمه
آمنة بنت وهب، فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة
لم يرقها على ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا وإذا
نام.
وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك دعوا ابني إنه يؤسس
ملكا (1).
وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه
بالقدم الذي في المقام منه.
فقال عبد المطلب لابي طالب: اسمع ما يقول هؤلاء ! فكان أبو طالب يحتفظ
به.
وقال عبد المطلب لام أيمن - وكانت تحضنه - يا بركة لا تغفلي عن ابني
فإني وجدته مع غلمان قريب من السدرة، وإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني
نبي هذه الامة.
وكان عبد المطلب لا يأكل طعاما إلا يقول: علي بابني فيؤتى به إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحياطته ثم مات عبد المطلب ودفن بالحجون.
وقال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين (2)
هلك جده عبد المطلب بن
__________
(1) في الطبقات: إنه ليؤنس ملكا.
(2) الطبري - الطبقات، وفي رواية شكك فيها الطبري قال: وكان بعضهم يقول
توفي عبد المطلب ورسول الله ابن = [ * ]
(2/343)
هاشم.
ثم ذكر جمعه بناته وأمره إياهن أن يرثينه.
وهن أروى وأميمة، وبرة، وصفية، وعاتكة، وأم حكيم البيضاء وذكر أشعارهن
وما قلن في رثاء أبيهن وهو يسمع قبل موته وهذا أبلغ النوح.
وبسط القول في ذلك وقد قال ابن هشام ولم أر أحدا من أهل العلم بالشعر
يعرف هذا الشعر (1) قال ابن إسحاق: فلما هلك عبد المطلب بن هاشم ولي
السقاية وزمزم بعده ابنه العباس، وهو من أحدث إخوته سنا فلم تزل إليه
حتى قام الاسلام وأقرها في يده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده عبد المطلب مع عمه أبي طالب
لوصية عبد المطلب له به، ولانه كان شقيق أبيه عبد الله أمهما فاطمة بنت
عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.
قال فكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بعد
جده ] وكان إليه ومعه.
وقال الواقدي: أخبرنا معمر عن ابن نجيح عن مجاهد.
وحدثنا معاذ بن محمد الانصاري عن عطاء عن ابن عباس.
وحدثنا محمد بن صالح وعبد الله بن جعفر وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي
حبيبة - دخل حديث بعضهم في حديث بعض - قالوا: لما توفي عبد المطلب قبض
أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكون معه، وكان أبو طالب
لا مال له، وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده، وكان لا ينام إلا إلى
جنبه، ويخرج فيخرج معه.
وصب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشئ قط.
وكان يخصه بالطعام وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم
يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا.
فكان إذ أراد أن يغديهم قال كما أنتم حتى يأتي ولدي.
فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم فكانوا يفضلون من
طعامهم، وإن لم يكن منهم (2) لم يشبعوا، فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.
وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا، ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
دهينا كحيلا (3).
وقال الحسن بن عرفة حدثنا علي بن ثابت عن طلحة بن عمرو سمعت عطاء بن
أبي رباح سمعت ابن عباس يقول: كان بنو أبي طالب يصبحون رمصا عمصا ويصبح
رسول الله صلى الله عليه وسلم صقيلا
دهينا وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان صفحتهم أول البكرة، فيجلسون
وينتهبون ويكف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فلا ينتهب معهم.
فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه على حدة.
وقال ابن اسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه
حدثه أن رجلا من لهب (4) كان عائفا فكان إذا قدم مكة أتاه رجال من قريش
بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم.
__________
= عشر سنين.
وقال محمد بن حبيب توفي جده بعد وفاة أمه (وعمره ثماني سنين) بسنة وأحد
عشر شهرا سنة تسع من عام الفيل.
(1) راجع سيرة ابن هشام ج 1 / 179 وما بعدها.
(2) في الطبقات: معهم بدل منهم.
(3) رواه ابن سعد في الطبقات: ج 1 / 119.
(4) بنو لهب من أزد شنوءة.
وقيل هو لهب بن آحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن [
* ]
(2/344)
قال: فأتى أبو طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام، مع من
يأتيه، قال: فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم شغله عنه شئ.
فلما فرغ قال: الغلام، علي به.
فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول ويلكم ردوا علي
الغلام الذي رأيته آنفا فوالله ليكونن له شأن.
قال وانطلق به أبو طالب. |