البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
باب في هواتف الجان
وقد تقدم كلام شق وسطيح لربيعة بن نصر ملك اليمن في البشارة بوجود رسول
الله صلى الله عليه وسلم، رسول ذكي يأتي إليه الوحي من قبل العلي.
وسيأتي في المولد قول سطيح لعبد المسيح: إذا كثرت التلاوة وغاضت بحيرة
ساوة وجاء صاحب الهراوة يعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
سيأتي بيانه مفصلا.
وقال البخاري (4) حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثني ابن وهب حدثني
عمرو - هو محمد بن زيد - أن سالما حدثه عن عبد الله بن عمر قال: ما
سمعت عمر يقول لشئ قط إني لاظنه إلا كان كما يظن.
بينما عمر بن الخطاب جالس إذ مر به رجل جميل، فقال لقد أخطأ ظني أو إن
هذا على دينه في الجاهلية أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل، فدعي به فقال
له ذلك فقال: ما
__________
(1) الوثيمة: الحجارة.
(2) المعلهج: الرجل الاحمق الهذر اللئيم (اللسان).
(3) في الخصائص: عمري بدل أمري.
وهو مناسب أكثر.
(4) صحيح البخاري، فتح الباري (7 / 177) كتاب مناقب الانصار (63).
(35) باب إسلام عمر بن الخطاب.
[ * ]
(2/405)
رأيت كاليوم
استقبل به رجلا مسلما.
قال فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني قال كنت كاهنهم في الجاهلية، قال
فما أعجب ما جاءتك به جنيتك ؟ قال بينما أنا في السوق يوما جاءتني أعرف
فيها الفزع.
فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها * ويلسها من بعد أنكاسها ؟ ولحوقها
بالقلاص وأحلاسها
قال عمر صدق بينا أنا نائم عند آلهتهم جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ
لم أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول: يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح، يقول
لا إله إلا الله فوثب القوم، فقلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا.
ثم نادى يا جليح أمر نجيح، رجل فصيح يقول لا إله إلا الله، فقمت فما
نشبنا أن قيل هذا نبي.
تفرد به البخاري (1).
وهذا الرجل هو سواد بن قارب الازدي.
ويقال السدوسي من أهل السراة من جبال البلقاء له صحبة ووفادة.
قال أبو حاتم وابن منده روى عنه سعيد بن جبير، وأبو جعفر محمد بن علي،
وقال البخاري له صحبة.
وهكذا ذكره في أسماء الصحابة أحمد بن روح البرذعي الحافظ، والدارقطني،
وغيرهما وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد المصري سواد بن قارب بالتخفيف.
وقال عثمان الوقاصي عن محمد بن كعب القرظي كان من أشراف أهل اليمن ذكره
أبو نعيم في الدلائل (1)، وقد روى حديثه من وجوه أخر مطولة بالبسط من
رواية البخاري.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان
بن عفان أنه حدث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما هو جالس في
الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من العرب داخل
المسجد يريد عمر بن الخطاب.
فلما نظر إليه عمر قال أن الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد، أو لقد كان
كاهنا في الجاهلية فسلم عليه الرجل ثم جلس، فقال له عمر: هل أسلمت ؟
قال نعم يا أمير المؤمنين.
قال: فهل كنت كاهنا في الجاهلية ؟ فقال الرجل سبحان الله يا أمير
المؤمنين، لقد خلت في واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لاحد من رعيتك منذ
وليت ما وليت.
فقال عمر: اللهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من هذا نعبد الاصنام
ونعتنق الاوثان حتى أكرمنا الله برسوله وبالاسلام.
قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية قال
فأخبرني ما جاء به صاحبك.
قال جاءني قبل الاسلام بشهر أو شيعه (2) فقال: ألم تر إلى الجن
__________
(1) سواد بن قارب الدوسي على ما رواه ابن أبي خيثمة ; من بني سدوس.
كان يتكهن في الجاهلية ; وكان شاعرا.
ذكره ابن حجر في الاستيعاب، والذهبي في تجريد أسماء الصحابة.
وذكره ابن حجر في الاصابة.
وذكره ابن الاثير في أسد الغابة.
قال ابن الكلبي وسعيد بن جبير: الازدي الدوسي.
(2) شيعه: أي دونه بقليل.
[ * ]
(2/406)
وابلاسها،
واياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص واحلاسها.
قال ابن إسحاق (1): هذا الكلام سجع ليس بشعر.
قال عبد الله بن كعب: فقال عمر عند ذلك يحدث الناس: والله إني لعند وثن
من أوثان الجاهلية في نفر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا، فنحن
ننتظر قسمه أن يقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا
قط أشد منه، وذلك قبل الاسلام بشهر أو شيعه يقول: يا ذريح أمر نجيح رجل
يصيح يقول لا إله إلا الله.
قال ابن هشام ويقال رجل يصيح بلسان فصيح يقول لا إله إلا الله قال
وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر: عجبت للجن وابلاسها * وشدها العيس
بأحلاسها تهوي إلى مكة، تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن كأنجاسها وقال
الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا يحيى بن حجر بن النعمان الشامي حدثنا
علي بن منصور الانباري عن محمد (2) بن عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن
كعب القرظي.
قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم جالس إذ مر به رجل.
فقيل يا أمير المؤمنين أتعرف هذا المار ؟ قال ومن هذا ؟ قالوا هذا سواد
بن قارب الذي أتاه رئيه بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأرسل
إليه عمر.
فقال له أنت سواد بن قارب قال نعم.
قال فأنت على ما كنت عليه من كهانتك ؟ قال فغضب.
وقال ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت يا أمير المؤمنين، فقال عمر يا
سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، فأخبرني
ما أنبأك رئيك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم يا أمير
المؤمنين بينما أنا ذات ليلة بين النائم واليقظان إذ أتاني رئيي فضربني
برجله وقال قم يا سواد بن قارب، واسمع مقالتي واعقل إن كنت تعقل، إنه
قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ يقول:
عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما صادق الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من
هاشم * ليس قدامها كأذنابها قال قلت دعني أنام فإني أمسيت ناعسا.
قال فلما كانت الليلة الثانية أتاني فضربني برجله وقال قم يا سواد بن
قارب واسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه بعث رسول من لؤي بن غالب
يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول:
__________
(1) في سيرة ابن هشام: قال ابن هشام.
(2) في دلائل البيهقي: أبو عبد الرحمن الوقاصي ; ولم أجد ترجمة لمحمد،
إنما ذكر عثمان في التقريب، والوقاصي نسبة لسعد بن أبي وقاص.
وفي نسخة للدلائل: ابن عبد الرحمن الوقاصي دون ذكر اسمه.
وفي رواية أخرى للبيهقي: عثمان بن عبد الرحمن.
[ * ]
(2/407)
عجبت للجن
وتحيارها (1) * وشدها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما
مؤمنو الجن ككفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين روابيها وأحجارها
قال قلت دعني أنام، فإني أمسيت ناعسا، فلما كانت الليلة الثالثة أتاني
فضربني برجله.
وقال: قم يا سواد بن قارب، فاسمع مقالتي، واعقل إن كنت تعقل، إنه قد
بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته ثم أنشأ يقول: عجبت
للجن وتحساسها * وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما
خير الجن كأنجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى راسها
قال فقمت وقلت: قد امتحن الله قلبي،، فرحلت ناقتي ثم أتيت المدينة -
يعني مكة - فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فدنوت فقلت:
اسمع مقالتي يارسول الله.
قال هات فأنشأت أقول: أتاني نجيي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد تلوث
بكاذب (2)
ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب فشمرت عن ذيلي
الازار ووسطت * بي الدعلب الوجناء غبر السباسب (3) فأشهد أن الله لا شئ
غيره * وأنك مأمون على كل غالب (4) وأنك أدني المرسلين وسيلة * إلى
الله يا بن الاكرمين الاطايب فمرنا بما يأتيك ياخير من مشى * وإن كان
فيما جاء شيب الذوائب وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة * سواك بمغن عن
سواد بن قارب (5) قال ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
بمقالتي فرحا شديدا، حتى رئي الفرح في وجوههم.
قال فوثب إليه عمر بن الخطاب فالتزمه وقال قد كنت أشتهي أن أسمع هذا
الحديث منك فهل يأتيك رئيك اليوم ؟ قال أما منذ قرأت القرآن فلا، ونعم
العوض كتاب الله من الجن.
ثم قال
__________
(1) في دلائل البيهقي: وتخبارها.
(2) في الدلائل ورد البيت: أتاني رئي بعد ليل وهجعة * ولم يك فيما قد
بلوت بكاذب (3) في البيهقي: فشمرت عن ذيلي الازار ووسطت * بي الدعلب
الوجناء غبر السباسب (4) في البيهقي: على كل غايب.
(5) ورد في سبل الهدى: وكن لي شفيعا حين لا ذو قرابة * بمغن فتيلا عن
سواد بن قارب [ * ]
(2/408)
عمر: كنا يوما
في حي من قريش يقال لهم آل ذريح وقد ذبحوا عجلا لهم والجزار يعالجه، إذ
سمعنا صوتا من جوف العجل - ولا نرى شيئا - قال يا آل ذريح، أمر نجيح
(1) صائح يصيح بلسان فصيح يشهد أن لا إله إلا الله، وهذا منقطع من هذا
الوجه ويشهد له رواية البخاري.
وقد تساعدوا على أن السامع الصوت من العجل هو عمر بن الخطاب والله
أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتابه الذي جمعه
في هواتف الجان: حدثنا أبو موسى عمران بن موسى المؤدب حدثنا محمد بن
عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثنا سعيد بن عبيدالله
الوصابي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي.
قال: دخل سواد بن قارب السدوسي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:
نشدتك بالله يا سواد بن قارب، هل تحسن اليوم من كهانتك شيئا ؟ فقال:
سبحان الله يا أمير المؤمنين، ما استقبلت أحدا من جلسائك بمثل ما
استقبلتني به قال سبحان الله يا سواد ما كنا عليه من شركنا أعظم مما
كنت عليه من كهانتك، والله يا سواد لقد بلغني عنك حديث إنه لعجيب من
العجب، قال إي والله يا أمير المؤمنين إنه لعجب من العجب.
قال فحدثنيه قال: كنت كاهنا في الجاهلية، فبينا أنا ذات ليلة نائم إذ
أتاني نجيي فضربني برجله.
ثم قال يا سواد اسمع أقل لك، قلت هات.
قال: عجبت للجن وأنجاسها (2) * ورحلها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة
تبغي الهدى * ما مؤمنوها مثل أرجاسها فارحل إلى الصفوة من هاشم * واسم
بعينيك إلى رأسها قال فنمت ولم أحفل بقوله شيئا، فلما كانت الليلة
الثانية أتاني فضربني برجله ثم قال لي قم يا سواد بن قارب اسمع أقل لك،
قلت هات قال: عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة
تبغي الهدى * ما صادق الجن ككذابها فارحل إلى الصفوة من هاشم * ليس
المقاديم كأذنابها قال فحرك قوله مني شيئا ونمت فلما كانت الليلة
الثالثة أتاني فضربني برجله ثم قال يا سواد بن قارب أتعقل أم لا تعقل ؟
قلت وما ذاك ؟ قال ظهر بمكة نبي يدعو إلى عبادة ربه فالحق به، اسمع أقل
لك.
قلت هات قال: عجبت للجن وتنفارها * ورحلها العيس بأكوارها
__________
(1) يا آل ذريح: لعله نداء للعجل المذبوح.
جليح: لغة ما تطاير من رؤوس النبات وخف.
الواحدة: جليحة.
ويقال: جليح اسم شيطان.
(2) في ابن هشام: وإبلاسها.
[ * ]
(2/409)
تهوي إلى مكة
تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن ككفارها فارحل إلى الصفوة من هاشم * بين
روابيها وأحجارها قال فعلت أن الله قد أراد بي خير.
فقمت إلى بردة لي ففتقتها ولبستها ووضعت رجلي في غرز ركاب الناقة.
وأقبلت حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعرض علي الاسلام
فأسلمت، وأخبرته الخبر فقال " إذا اجتمع المسلمون فأخبرهم " فلما اجتمع
المسلمون قمت فقلت: أتاني نجيي بعد هدء ورقدة * ولم يك فيما قد بلوت
بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة * أتاك رسول من لؤي بن غالب فشمرت عن
ذيلي الازار ووسطت * بي الذعلب الوجناء غبر السباسب (1) وأعلم أن الله
لا رب غيره * وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين وسيلة * إلى
الله يابن الاكرمين الاطايب فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل * وإن كان
فيما جاء شيب الذوائب قال فسر المسلمون بذلك، فقال عمر هل نحس اليوم
منها بشئ ؟ قال أما إذ علمني الله القرآن فلا وقد رواه محمد بن السائب
الكلبي عن أبيه عن عمر بن حفص.
قال لما ورد سواد بن قارب على عمر قال: يا سواد بن قارب ما بقي من
كهانتك ؟ فغضب وقال: ما أظنك يا أمير المؤمنين استقبلت أحدا من العرب
بمثل هذا، فلما رأى ما في وجهه من الغضب، قال: انظر سواد للذي كنا عليه
قبل اليوم من الشرك أعظم.
ثم قال يا سواد حدثني حديثا كنت أشتهي أسمعه منك، قال نعم، بين أنا في
إبل لي بالسراة (2) ليلا وأنا نائم وكان لي نجي من الجن أتاني فضربني
برجله فقال لي قم يا سواد بن قارب فقد ظهر بتهامة نبي يدعو إلى الحق
وإلى طريق مستقيم، فذكر
القصة كما تقدم وزاد في آخر الشعر: وكن لي شفيعا يوم لا ذو قرابة *
سواك بمغن عن سواد بن قارب (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
سر في قومك وقل هذا الشعر فيهم ".
ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق سليمان بن عبد الرحمن عن الحكم بن يعلى
بن عطاء المحاربي عن عباد بن عبد المصد عن سعيد بن جبير قال أخبرني
سواد بن قارب الازدي.
قال: كنت نائما على جبل من جبال السراة (4) فأتاني آت فضربني برجله -
وذكر القصة أيضا.
__________
(1) الذعلب: الناقة السريعة، والوجناء: الشابة.
(2) في البخاري: التاريخ الكبير: الشراة.
(3) تقدم الشعر في سبل الهدى: بمغن فتيلا عن سواد بن قارب.
(4) في التاريخ الكبير وفيه الشراة.
وهي الرواية التي ذكرها البخاري في التاريخ الكبير (2: 2 / 202) وعقب
بقوله: ولا يصح الحكم بن يعلى.
[ * ]
(2/410)
ورواه أيضا من
طريق محمد بن البراء (1) عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن البراء.
قال قال سواد بن قارب: كنت نازلا بالهند فجاءني رئيي ذات ليلة فذكر
القصة.
وقال بعد انشاد الشعر الاخير فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
بدت نواجذه وقال: " أفلحت يا سواد ".
وقال أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر
حدثنا عبد الرحمن بن الحسن (2) حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو المنذر هشام
بن محمد بن السائب عن أبيه عن عبد الله العماني.
قال كان منا رجل يقال له مازن بن العضوب (3) يسدن صنما بقرية يقال لها
سمايا (4)، من عمان، وكانت تعظمه بنو الصامت وبنو حطامة ومهرة وهم
أخوال مازن.
أمه زينب بنت عبد الله بن ربيعة بن خويص أحد بني نمران قال مازن:
فعترنا يوما عند الصنم عتيرة - وهي الذبيحة (5) - فسمعت صوتا من الصنم
يقول: يا مازن اسمع تسر، ظهر خير وبطن شر، بعث نبي من مضر، بدين الله
الاكبر، فدع نحيتا من حجر.
تسلم من حر سقر.
ففزعت لذلك
فزعا شديدا.
ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى، فسمعت صوتا من الصنم يقول: أقبل إلي
أقبل، تسمع مالا تجهل، هذا نبي مرسل، جاء بحق منزل، فآمن به كي تعدل عن
حر نار تشعل وقودها الجندل.
قال مازن: فقلت إن هذا لعجب وإن هذا لخير يراد بي وقدم علينا رجل من
الحجاز فقلت ما الخبر وراءك ؟ فقال ظهر رجل يقال له أحمد، يقول لمن
أتاه أجيبوا داعي الله، فقلت هذا نبأ ما سمعت، فثرت إلى الصنم فكسرته
جذاذا وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرح
الله صدري للاسلام فأسلمت، وقلت: كسرت باجر أجذاذا وكان لنا * ربا نطيف
به ضلا بتضلال فالهاشمي هدانا من ضلالتنا * ولم يكن دينه مني على بال
يا راكبا بلغن عمرا وإخوتها * إني لمن قال ربي باجر قالي (6)
__________
(1) أخرج الحديث البيهقي في الدلائل ج 2 / 249 وفيه عن محمد بن تراس
الكوفي.
(2) في دلائل البيهقي ج 2 / 258: أبو أحمد بن أبي الحسن عن عبد الرحمن
بن محمد الحنظلي.
(3) في رواية البيهقي: مازن بن الغضوبة، وهو مازن بن الغضوبة بن غراب
بن بشر الطائي ذكره ابن السكن في الصحابة وقال ابن حبان: يقال له صحبة،
وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وابن حجر في الاصابة 3 / 336.
(4) في رواية البيهقي: السمال وفى رواية أخرى السمايل.
لم أجد لسمايا في معاجم البلدان.
وردت في معجم البلدان سمال بفتح أوله وآخره وهو اسم موضع.
وفي معجم ما استعجم سمويل بلد كثير الطير.
(5) الذبيحة: شاة تذبح في رجب أو ذبيحة تذبح للاصنام فيصب دمها على
رأسها.
عن النهاية لابن الاثير.
(6) في الدلائل للبيهقي: يا راكبا بلغا عمرا واخوته * أني لمن قال ديني
ناجر قالي [ * ]
(2/411)
يعني يعمرو
الصامت وأخوتها حطامة (1).
فقلت يا رسول الله إني امرؤ مولع بالطرب وبالهلوك من النساء وشرب
الخمر.
وألحت علينا السنون فأذهبن الاموال وأهزلن السراري (2)
وليس لي ولد، فأدعو الله أن يذهب عني ما أجد ويأتينا بالحيا، ويهب لي
ولدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أبدله بالطرف قراءة
القرآن، وبالحرام الحلال وبالاثم وبالعهر عفة وآته بالحيا وهب له ولدا
" قال فاذهب الله عني ما أجد واخصبت عمان وتزوجت أربع حرائر وحفظت شطر
القرآن، ووهب لي حيان بن مازن وأنشأ يقول: اليك رسول الله خبت مطيتي *
تجوب الفيافي من عمان إلى العرج لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى * فيغفر
لي ربي فأرجع بالفلج إلى معشر خالفت في الله دينهم * فلا رأيهم رأيي
ولا شرجهم شرجي وكنت امرءا بالخمر والعهر مولعا * شبابي حتى آذن الجسم
بالنهج فبدلني بالخمر خوفا وخشية * وبالعهر إحصانا فحصن لي فرجي فأصبحت
همي في الجهاد ونيتي (3) * فلله ما صومي ولله ما حجي قال فلما أتيت
قومي أنبوني وشتموني، وأمروا شاعرا لهم فهجاني، فقلت إن رددت عليه
فإنما أهجو نفسي.
فرحلت عنهم فأتتني منهم زلفة عظيمة وكنت القيم بأمورهم فقالوا يابن عم:
عبنا عليك أمرا وكرهنا ذلك فإن أبيت ذلك فارجع وقم بأمورنا وشأنك وما
تدين به.
فرجعت معهم وقلت: لبغضكم عندنا مر مذاقته * وبغضنا عندكم يا قومنا لبن
لا يفطن الدهر إن بثت معائبكم * وكلكم حين يثني عيبنا فطن شاعرنا مفحم
عنكم وشاعركم * في حدبنا مبلغ في شتمنا لسن ما في القلوب عليكم فاعلموا
وغر * وفي قلوبكم البغضاء والاحن (4) قال مازن: فهداهم الله بعد إلى
الاسلام جميعا.
وروى الحافظ أبو نعيم (5) من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن
عبد الله قال إن أول خبر كان بالمدينة بمبعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن امرأة بالمدينة كان لها تابع من الجن، فجاء في صورة طائر أبيض
فوقع على حائط لهم، فقالت له لم لا تنزل إلينا فتحدثنا ونحدثك، وتخبرنا
__________
(1) عبارة البيهقي: يعني بعمرو واخوته: بني خطامة.
(2) عبارة البيهقي: واهزلن الذراري والرجال.
(3) في البيهقي: فأصبحت همي في جهاد ونية..(4) وردت الابيات في دلائل
البيهقي بتغيير في الالفاظ.
ج 2 / 257 - 258 (5) دلائل النبوة ص 29.
وأخرجه أحمد والطبراني في الاوسط ورجاله وثقوا - كما قال الهيثمي في
مجمع الزوائد (8 / 243) وأخرجه ابن سعد بنحوه 1 / 190.
[ * ]
(2/412)
ونخبرك ؟ فقال
لها إنه قد بعث نبي بمكة حرم الزنا ومنع منا القرار (1).
وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن الزهري عن علي بن
الحسين.
قال: إن أول خبر قدم المدينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة
تدعى فاطمة كان لها تابع، فجاءها ذات يوم، فقام على الجدار فقالت ألا
تنزل ؟ فقال: لا إنه قد بعث الرسول الذي حرم الزنا.
وأرسله بعض التابعين أيضا وسماه بابن لوذان وذكر أنه كان قد غاب عنها
مدة، ثم لما قدم عاتبته فقال إني جئت الرسول فسمعته يحرم الزنا فعليك
السلام.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة.
قال قال عثمان بن عفان: خرجنا في عير إلى الشام - قبل أن يبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم - فلما كنا بأفواه الشام - وبها كاهنة -
فتعرضتنا، فقالت أتاني صاحبي فوقف على بابي، فقلت ألا تدخل فقال لا
سبيل إلى ذلك، خرج أحمد وجاء أمر لا يطاق، ثم انصرفت فرجعت إلى مكة
فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة يدعو إلى الله عزوجل
(2) وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله الزهري.
قال: كان الوحي يسمع فلما كان الاسلام منعوا وكانت امرأة من بني أسد
يقال لها سعيرة لها تابع من الجن، فلما رأى الوحي لا يستطاع أتاها فدخل
في صدرها فضج في صدرها فذهب عقلها فجعل يقول من صدرها: وضع العناق ومنع
الرفاق وجاء أمر لا يطاق وأحمد حرم الزنا.
وقال الحافظ أبو بكر الخرائطي: حدثنا عبد الله بن محمد البلوي (3) -
بمصر - حدثنا عمارة بن زيد حدثنا عيسى بن يزيد عن صالح بن كيسان عمن
حدثه عن مرداس بن قيس السدوسي قال حضرت النبي صلى الله عليه وسلم - وقد
ذكرت عنده الكهانة وما كان من تغييرها عند مخرجه - فقلت يا رسول الله
قد كان عندنا في ذلك شئ أخبرك أن جارية منا يقال لها الخلصة لم يعلم
عليها إلا خيرا، إذ جاءتنا فقالت يا معشر دوس العجب العجب لما أصابني،
هل علمتم إلا خيرا ؟ قلنا وما ذاك ؟ قالت إني لفي غنمي إذ غشيتني ظلمة
ووجدت كحس الرجل مع المرأة فقد خشيت أن أكون قد حبلت.
حتى إذا دنت ولادتها وضعت غلاما أغضف (4) له أذنان كأذني الكلب فمكث
فينا حتى إنه ليلعب مع الغلمان إذ وثب وثبة وألقى إزاره وصاح بأعلى
صوته وجعل يقول: يا ويلة يا ويلة، يا عولة يا عولة، يا ويل غنم، يا ويل
فهم، من قابس النار.
الخيل والله وراء العقبة، فيهن فتيان حسان نجبة.
قال فركبنا وأخذنا للاداة وقلنا يا ويلك ما ترى فقال هل من جارية
__________
(1) منع منا القرار: أي الاستقرار في الارض.
(2) أخرجه أبو نعيم في الدلائل ص 29 من طريق الواقدي نحوه.
(3) نسبة إلى بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، اللباب 1 / 144.
(4) أغضف: المتثني والمسترخي الاذنين.
[ * ]
(2/413)
طامث فقلنا ومن
لنا بها ؟ فقال شيخ منا هي والله عندي عفيفة الام فقلنا فعجلها فأتى
بالجارية وطلع الجبل وقال للجارية اطرحي ثوبك واخرجي في وجوههم، وقال
للقوم اتبعوا أثرها، وقال لرجل منا يقال له أحمد بن حابس يا أحمد بن
حابس عليك أول فارس.
فحمل أحمد فطعن أول فارس فصرعه وانهزموا فغنمناهم.
قال فابتنينا عليهم بيتا وسميناه ذا الخلصة، وكان لا يقول لنا شيئا إلا
كان كما يقول حتى إذا كان مبعثك يا رسول الله قال لنا يوما يا معشر دوس
نزلت بنوا الحارث بن كعب فركبنا فقال لنا أكدسوا الخيل كدسا، أحشوا
القوم رمسا، أنفوهم غدية واشربوا الخمر عشية.
قال فلقيناهم فهزمونا وغلبونا فرجعنا إليه فقلنا ما حالك وما الذي صنعت
بنا فنظرنا إليه وقد احمرت عيناه وانتصبت أذناه وانبرم غضبانا حتى كاد
أن ينفطر وقام فركبنا واغتفرنا هذه له ومكثنا بعد ذلك حينا ثم دعانا
فقال هل لكم في غزوة تهب لكم عزا وتجعل لكم حرزا ويكون في أيديكم كنزا
؟ فقلنا ما أحوجنا إلى ذلك فقال اركبوا فركبنا فقلنا ما نقول فقال بنو
الحارث بن مسلمة، ثم قال قفوا فوقفنا ثم قال عليكم بفهم، ثم قال ليس
لكم فيهم دم، عليكم بمضرهم أرباب خيل ونعم ثم قال لا، رهط دريد بن
الصمة قليل العدد وفي الذمة ثم قال لا، ولكن عليكم بكعب بن ربيعة
وأسكنوها ضيعة عامر بن صعصعة فليكن بهم الوقيعة قال فلقيناهم فهزمونا
وفضحونا فرجعنا وقلنا ويلك ماذا تصنع بنا قال: ما أدري كذبني الذي كان
يصدقني.
أسجنوني في بيتي ثلاثا ثم ائتوني ففعلنا به ذلك ثم أتيناه بعد ثالثة
ففتحنا عنه فإذا هو كأنه حجرة نار، فقال يا معشر دوس حرست السماء وخرج
خير الانبياء قلنا أين ؟ قال بمكة وأنا ميت فادفنوني في رأس جبل فإني
سوف أضطرم نارا، وإن تركتموني كنت عليكم عارا فإذا رأيتم اضطرامي
وتلهبي فاقذفوني بثلاثة أحجار ثم قولوا مع كل حجر بسمك اللهم فإني أهدي
وأطفي.
قال وإنه مات فاشتعل نارا ففعلنا به ما أمر وقد قذفناه بثلاثة أحجار
نقول مع كل حجر بسمك اللهم فخمد وطفى وأقمنا حتى قدم علينا الحاج
فأخبرونا بمبعثك يا رسول الله، غريب جدا.
وروى الواقدي، عن أبيه، عن ابن أبي ذئب، عن مسلم بن جندب، عن النضر بن
سفيان الهذلي، عن أبيه.
قال: خرجنا في عير لنا إلى الشام فلما كنا بين الزرقا ومعان قد (1)
عرسنا من الليل فإذا بفارس يقول وهو بين السماء والارض: أيها النيام
هبوا فليس هذا بحين رقاد قد خرج أحمد فطردت (2) الجن كل مطرد ففزعنا
ونحن رفقة حزورة (3) كلهم قد سمع بهذا فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون
اختلافا بمكة بين قريش في نبي قد خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه
أحمد.
ذكره أبو نعيم.
__________
(1) في الوفاء: وقد (2) في الوفاء: وطردت.
(3) في دلائل أبي نعيم: الحزاورة جمع حزور وهو الرجل القوي.
[ * ]
(2/414)
وقال الخرائطي:
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي - بمصر - حدثنا عمارة بن زيد حدثني عبد
الله بن العلاء حدثني يحيى بن عروة عن أبيه أن نفرا من قريش منهم ورقة
بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي (1)، وزيد بن عمرو بن نفيل (2)
وعبد الله (3) بن جحش بن رئاب وعثمان بن الحويرث (4) كانوا عند صنم لهم
يجتمعون إليه، قد اتخذوا ذلك اليوم من كل سنة عيدا كانوا يعظمونه
وينحرون له الجزور، ثم يأكلون ويشربون الخمر، ويعكفون عليه فدخلوا عليه
في الليل فرأوه مكبوبا على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوه فردوه إلى حاله،
فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا، فأخذوه فردوه إلى حاله فانقلب
الثالثة فلما رأوا ذلك اغتموا له وأعظموا ذلك.
فقال عثمان بن الحويرث ماله قد أكثر التنكس إن هذا الامر قد حدث وذلك
في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل عثمان
يقول: أبا صنم العيد الذي صف حوله * صناديد وفد من بعيد ومن قرب تنكست
مغلوبا فما ذاك قل لنا * أذاك سفيه أم تنكست للعتب فإن كان من ذنب
أتينا فإننا * نبوء بإقرار ونلوي عن الذنب وإن كنت مغلوبا ونكست صاغرا
* فما أنت في الاوثان بالسيد الرب قال فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله
فلما استوى هتف بهم هاتف من الصنم بصوت جهير وهو يقول: تردى لمولود
أنارت بنوره * جميع فجاج الارض في الشرق والغرب وخرت له الاوثان طرا
وأرعدت * قلوب ملوك الارض طرا من الرعب
__________
(1) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى.
من حكماء قريش في الجاهلية، اعتزل عبادة الاصنام قبل الاسلام، ثم تنصر،
وأدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة، وهو ابن عم خديجة زوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
بعض المؤرخين يعده في الصحابة.
قال البخاري في وفاته بعد بدء الوحي بقليل ; وقال عروة بن الزبير أنه
أدرك اسلام بلال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عنه: يبعث يوم القيامة أمة
وحده.
(2) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن عبد الله بن قرط بن رياح بن
رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، من حكماء قريش في الجاهلية،
وهو ابن عم عمر بن الخطاب.
لم يدرك الاسلام.
ترك عبادة الاوثان والاصنام ; ولم يستمله لا اليهودية ولا النصرانية ;
عبد الله على دين إبراهيم وجاهر بمكة بدينه وعدائه للاوثان.
توفي قبل المبعث بخمس سنين ; سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يبعث يوم القيامة أمة وحده.
(3) في سيرة ابن هشام عبيدالله بن جحش، وهو ابن رئاب بن يعمر بن صبرة
بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة.
وفي بلوغ الارب للالوسي: عبيد.
(4) وهو عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
[ * ]
(2/415)
ونار جميع
الفرس باخت وأظلمت * وقد بات شاه الفرس في أعظم الكرب وصدت عن الكهان
بالغيب جنها * فلا مخبر عنهم بحق ولا كذب فيا لقصي ارجعوا عن ضلالكم *
وهبوا إلى الاسلام والمنزل الرحب قال فلما سمعوا ذلك خلصوا نجيا (1)
فقال بعضهم لبعض تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقالوا أجل، فقال لهم
ورقة بن نوفل تعلمون والله ما قومكم على دين ولقد اخطئوا الحجة وتركوا
دين إبراهيم ما حجر تطيفون به لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر يا
قوم التمسوا لانفسكم الدين [ فإنكم والله ما أنتم على شئ ].
قال فخرجوا عند ذلك يضربون في الارض ويسألون عن الحنيفية دين إبراهيم
عليه السلام فأما ورقة بن نوفل فتنصر وقرأ الكتب حتى علم علما، وأما
عثمان بن الحويرث فسار إلى قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده.
وأما زيد بن عمرو بن نفيل فأراد الخروج فحبس (2) ثم إنه خرج بعد ذلك
فضرب في الارض حتى بلغ الرقة (3) من أرض الجزيرة فلقي (4) بها راهبا
عالما فأخبره بالذي يطلب فقال له الراهب إنك لتطلب دينا ما تجد من
يحملك عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلدك يبعث بدين الحنيفية
فلما قال له ذلك رجع
يريد مكة فغارت عليه لخم فقتلوه، وأما عبد الله بن جحش فأقام بمكة حتى
بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج مع من خرج إلى أرض الحبشة، فلما
صار بها تنصر وفارق الاسلام فكان بها حتى هلك هنالك نصرانيا.
تقدم في ترجمة زيد بن عمر بن نفيل له شاهد (5) وقد قال الخرائطي: حدثنا
أحمد بن إسحاق بن صالح أبو بكر الوراق، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثني أبي
حدثنا عبد الله بن عبد العزيز (6) حدثني محمد بن عبد العزيز، عن
الزهري، عن عبد الرحمن بن أنس السلمي، عن العباس بن مرداس أنه كان يعر
(7) في لقاح له نصف النهار إذ طلعت عليه نعامة بيضاء عليها راكب عليه
ثياب بياض مثل اللبن فقال: يا عباس بن مرداس ألم تر أن السماء قد كفت
أحراسها، وأن الحرب تجرعت أنفاسها، وأن الخيل وضعت أحلاسها، وأن الذي
نزل بالبر والتقوى، يوم الاثنين ليلة الثلاثاء، صاحب الناقة القصوى.
قال: فرجعت
__________
(1) نجيا: من النجى، الجماعة يتحدثون سرا عن غيرهم، ويقع للاثنين
والجماعة بلفظ واحد.
(2) كان الخطاب عمه قد أوكل بن صغبة بنت الحضرمي تراقبه فيما يهم به من
أمور فتأذن الخطاب به، حتى أن الخطاب آذاه كثيرا وكرهه وقومه كراهية
شديدة.
(راجع ابن هشام).
(3) في سيرة ابن هشام: الموصل والجزيرة كلها.
(4) في سيرة ابن هشام: في ميفعة من أرض البلقاء.
(5) الخبر في سيرة ابن هشام ج 1 / 238 ; وما بين معكوفين من السيرة.
ونقله الالوسي في بلوغ الارب.
2 / 250.
(6) عبد الله بن عبد العزيز - أبو عبد العزيز - الليثي ضعفه الجمهور
ووثقه سعيد بن منصور وقال: كان مالك يرضاه ; وضعفه أبو حاتم الكاشف 2 /
94.
(7) يعر: يتغوط من العرة وهي عذرة الناس.
وفي مجمع الزوائد: بعمرة.
[ * ]
(2/416)
مرعوبا قد
راعني ما رأيت وسمعت حتى جئت وثنا لنا يدعى الضماد (1) وكنا نعبده
ونكلم من جوفه فكنست ما حوله ثم تمسحت به وقبلته فإذا صائح من جوفه
يقول: قل للقبائل من سليم كلها * هلك الضماد وفاز أهل المسجد (2)
هلك الضماد وكان يعبد مرة * قبل الصلاة مع النبي محمد (3) إن الذي ورث
النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد قال فخرجت مرعوبا حتى أتيت
قومي فقصصت عليهم القصة وأخبرتهم الخبر وخرجت في ثلاثمائة من قومي بني
حارثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة فدخلنا المسجد
فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: " يا عباس كيف كان
إسلامك ؟ " فقصصت عليه القصة.
قال فسر بذلك وأسلمت أنا وقومي (4).
ورواه الحافظ أبو نعيم في الدلائل (5) من حديث أبي بكر بن أبي عاصم عن
عمرو بن عثمان به.
ثم رواه أيضا من طريق الاصمعي حدثني الوصافي (6) عن منصور بن المعتمر
عن قبيصة بن عمرو بن اسحاق الخزاعي عن العباس بن مرداس السلمي.
قال: أول إسلامي أن مرداسا أبي لما حضرته الوفاة أوصاني بصنم له يقال [
له ] ضماذ فجعلته في بيت وجعلت آتيه كل يوم مرة فلما ظهر النبي صلى
الله عليه وسلم سمعت صوتا مرسلا في جوف الليل راعني فوثبت إلى ضماد
مستغيثا وإذا بالصوت من جوفه وهو يقول: قل للقبيلة من سليم كلها * هلك
الانيس وعاش أهل المسجد أودى ضماد وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى
النبي محمد إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتد قال
فكتمته الناس فلما رجع الناس من الاحزاب بينا أنا في إبلي بطرف العقيق
من ذات عرق راقدا سمعت صوتا وإذا برجل على جناح نعامة وهو يقول: النور
الذي وقع ليلة الثلاثاء مع
__________
(1) في سيرة ابن هشام: ضمار بالبناء على الكسر كحذام ورقاش.
(2) في ابن هشام: وعجزه: أودى ضمار وعاش أهل المسجد.
(3) في ابن هشام: أودى ضمار وكان يعبد مرة قبل الكتاب إلى النبي محمد
أودى: هلك، والمسجد هنا: مسجد مكة أو مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
(4) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 / 247 وقال: رواه الطبراني وفيه
عبد الله بن عبد العزيز الليثي ضعفه
الجمهور.
وبقية رجاله وثقوا.
(5) دلائل النبوة ص 34.
(6) نسبة إلى وصاف، وهو اسم جماعة منهم وصاف بن عامر العجلي، وينسب
إليه عبيد الله بن الوليد بن عبد الرحمن بن قيس الوصافي ; روى عن عطية
وعطاء وسمع منه وكيع ويعلى بن عبيد اللباب 3 / 275.
[ * ]
(2/417)
صاحب الناقة
العضباء (1) في ديار إخوان بني العنقاء، فأجابه هاتف من شماله وهو
يقول: بشر الجن وابلاسها * أن وضعت المطي أحلاسها وكلات السماء أحراسها
قال فوثبت مذعورا وعلمت أن محمدا مرسل، فركبت فرسي واحتثثت (2) السير
حتى انتهيت إليه فبايعته ثم انصرفت إلى ضماد فأحرقته بالنار ثم رجعت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته شعرا أقول فيه: لعمرك إني
يوم أجعل جاهلا * ضمادا لرب العالمين مشاركا وتركي رسول الله والاوس
حوله * أولئك أنصار له ما أولئكا كتارك سهل الارض والحزن يبتغي * ليسلك
في وعث الامور المسالكا (3) فآمنت بالله الذي أنا عبده * وخالفت من
أمسى يريد المهالكا (4) ووجهت وجهي نحو مكة قاصدا * أبايع نبي الاكرمين
المباركا نبي أتانا بعد عيسى بناطق * من الحق فيه الفصل فيه كذلكا أمين
على القرآن أول شافع * وأول مبعوث يجيب الملائكا تلافى عرى الاسلام بعد
انتقاضها * فأحكمها حتى أقام المناسكا عنيتك يا خير البرية كلها *
توسطت في الفرعين والمجد مالكا وانت المصفى من قريش إذا سمت * على
ضمرها تبقى القرون المباركا إذا انتسب الحيان كعب ومالك * وجدناك محضا
والنساء العواركا (5)
قال الخرائطي: وحدثنا عبد الله بن محمد البلوي بمصر، حدثنا عمارة بن
زيد، حدثنا إسحاق بن بشر، وسلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، حدثني شيخ
من الانصار يقال له:
__________
(1) هي ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2) في الدلائل: وأجشمت: أي أسرعت (3) الحزن: الارض الصعبة.
(4) خالفت من أمسى: أي تركت عبادة الاصنام، والحجر الذي أوصاه أبوه
بعبادته، يعني ضمار.
(5) قال في هامش سيرة ابن كثير ج 1 / 360: على ذلك الشعر - مع ما فيه
من ركاكة - علامات الصنعة والافتراء منها: - لم يخص الاوس بالذكر مع
أنهم بعد الاسلام لم يعد لهم ذكر مستقل بل هم والخزرج الانصار.
- قوله ووجهت وجهي نحو مكة..مع أنه تحدث عن النبي والاوس حوله وذلك في
المدينة، ومع أنه ذكر في حديثه أنه كان بعد رجوع الناس من الاحزاب.
- كيف علم ابن مرداس - وهو حديث الاسلام - أن رسول الله أول شافع.
[ * ]
(2/418)
عبد الله بن
محمود من آل محمد بن مسلمة قال بلغني أن رجالا من خثعم كانوا يقولون:
إن مما دعانا إلى الاسلام أنا كنا قوما نعبد الاوثان فبينا نحن ذات يوم
عند وثن لنا إذ أقبل نفر يتقاضون إليه يرجون الفرج من عنده لشئ شجر
بينهم إذ هتف بهم هاتف يقول: يا أيها الناس ذوو الاجسام * من بين أشياخ
إلى غلام ما أنتم وطائش الاحلام * ومسند الحكم إلى الاصنام أكلكم في
حيرة نيام * أم لا ترون ما الذي أمامي من ساطع يجلو دجى الظلام * قد
لاح للناظر من تهام ذاك نبي سيد الانام * قد جاء بعد الكفر بالاسلام
أكرمه الرحمن من امام * ومن رسول صادق الكلام
أعدل ذي حكم من الاحكام * يأمر بالصلاة والصيام والبر والصلات للارحام
* ويزجر الناس عن الآثام والرجس والاوثان والحرام * من هاشم في ذروة
السنام مستعلنا في البلد الحرام قال فلما سمعنا ذلك تفرقنا عنه وآتينا
النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمنا (1).
وقال الخرائطي: حدثنا عبد الله البلوي، حدثنا عمارة، حدثني عبيد الله
بن العلاء، حدثنا محمد بن عكبر، عن سعيد بن جبير، أن رجلا من بني تميم
يقال له رافع بن عمير - وكان أهدى الناس للطريق وأسراهم بليل، وأهجمهم
على هول، وكانت العرب تسميه لذلك دعموص العرب لهدايته وجراوته على
السير - فذكر عن بدء إسلامه قال: إني لاسير برمل عالج (2) ذات ليلة إذ
غلبني النوم، فنزلت عن راحلتي ونختها وتوسدت ذراعها، ونمت وقد تعوذت
قبل نومي فقلت: أعوذ بعظيم هذا الوادي (3) من الجن من أن أوذى أو أهاج
فرأيت في منامي رجلا شايا يرصد ناقتي وبيده حربة يريد أن يضعها في
نحرها، فانتبهت لذلك فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا، فقلت هذا
حلم ثم عدت فغفوت فرأيت في منامي مثل رؤياي الاولى فانتبهت فدرت حول
ناقتي فلم أر شيئا وإذا ناقتي ترعد، ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت
فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب كالذي رأيت في المنام بيده
حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرده عنها وهو يقول: يا مالك بن مهلل بن دثار
* مهلا فدى لك مئزري وإزاري
__________
(1) الخبر نقله أبو نعيم في الدلائل ص 33 عن رجل من خثعم مختصرا.
(2) رمل عالج: رمل مرتفع.
(3) وهو قول أهل الجاهلية.
[ * ]
(2/419)
عن ناقة الانسي
لا تعرض لها * واختر بها ما شئت من أثواري
ولقد بدا لي منك ما لم أحتسب * ألا رعيت قرابتي وذماري (1) تسمو إليه
بحربة مسمومة * تبا لفعلك يا أبا الغفار لولا الحياء وأن أهلك جيرة *
لعلمت ما كشفت من أخباري قال فأجابه الشاب وهو يقول: أأردت أن تعلو
وتخفض ذكرنا * في غير مزرية أبا العيزار ما كان فيهم سيد فيما مضى * إن
الخيار همو بنو الاخيار فاقصد لقصدك يا معكبر أنما * كان المجير مهلهل
بن دثار قال فبينما هما يتنازعان إذ طلعت ثلاثة أنوار من الوحش فقال
الشيخ للفتى قم يا ابن أخت فخذ أيها شئت فداء لناقة جاري الانسي، فقام
الفتي فأخذ منها ثورا وانصرف.
ثم التفت إلى الشيخ فقال يا هذا إذا نزلت واديا من الاودية فخفت هوله
فقل أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي ولا تعذ بأحد من الجن فقد
بطل أمرها، قال فقلت له: ومن محمد هذا ؟ قال نبي عربي، لا شرقي ولا
غربي بعث يوم الاثنين.
قلت وأين مسكنه ؟ قال: يثرب ذات النخل.
قال: فركبت راحلتي حين برق لي الصبح، وجددت السير حتى تقحمت المدينة
فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له منه
شيئا ودعاني إلى الاسلام فأسلمت.
قال سعيد بن جبير وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه: (وإنه كان رجال
من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) [ الجن: 6 ] وروى
الخرائطي من طريق إبراهيم بن اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، عن داود بن
الحسين، عن عكرمة، عن ابن عباس عن علي ; قال: إذا كنت بواد تخاف السبع
فقل: أعوذ بدانيال والجب، من شر الاسد.
وروى البلوي عن عمارة بن زيد، عن إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق:
حدثني يحيى بن عبد الله بن الحارث، عن أبيه، عن ابن عباس قصة قتال علي
الجن بالبئر ذات العلم التي بالجحفة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه
وسلم يستقي لهم الماء فأرادوا منعه وقطعوا الدلو فنزل إليهم، وهي قصة
مطولة منكرة جدا.
والله أعلم.
وقال الخرائطي: حدثني أبو الحارث: محمد بن مصعب الدمشقي وغيره، حدثنا
سليمان بن بنت شرحبيل الدمشقي، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج، حدثنا خالد
بن سعيد، عن الشعبي، عن رجل قال: كنت في مجلس عمر بن الخطاب وعنده
جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتذاكرون فضائل القرآن فقال
بعضهم خواتيم سورة النحل، وقال بعضهم سورة يس، وقال علي فأين أنتم عن
فضيلة آية الكرسي أما إنها سبعون كلمة في كل كلمة بركة.
قال وفي القوم عمرو بن معدي كرب لا يحير جوابا، فقال أين أنتم عن بسم
الله الرحمن الرحيم ؟ فقال عمر
__________
(1) الذمار: ما يلزم حفظه ورعايته.
[ * ]
(2/420)
حدثنا يا أبا
ثور.
قال بينا أنا في الجاهلية إذ جهدني الجوع فأقحمت فرسي في البرية فما
أصبت الابيض النعام، فبينا أنا أسير إذا أنا بشيخ عربي في خيمة، وإلى
جانبه جارية كأنها شمس طالعة ومعه غنيمات له، فقلت له استأسر ثكلتك
أمك.
فرفع رأسه إلي وقال: يا فتى إن أردت قرى فانزل ؟ وإن أردت معونة اعناك
؟ فقلت له استأسر فقال: عرضنا عليك النزل منا تكرما * فلم ترعوي جهلا
كفعل الاشائم (1) وجئت ببهتان وزور ودون ما * تمنيته بالبيض حز الغلاصم
(2) قال ووثب إلي وثبة وهو يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
فكأني مثلت تحته.
ثم قال اقتلك أم أخلي عنك ؟ قلت بل خل عني قال فخلي عني.
ثم إن نفسي جاذبتني بالمعاودة.
فقلت استأسر ثكلتك أمك فقال: ببسم الله والرحمن فزنا * هنالك والرحيم
به قهرنا وما تغني جلادة ذي حفاظ * إذا يوما لمعركة برزنا ثم وثب لي
وثبة كأني مثلت تحته.
فقال أقتلك أم أخلي عنك ؟ قال: قلت: بل خل عني.
فخلى عني فانطلقت غير بعيد.
ثم قلت في نفسي يا عمرو أيقهرك هذا الشيخ.
والله للموت خير لك من الحياة، فرجعت إليه فقلت له استأسر ثكلتك أمك.
فوثب إلي وثبة وهو يقول بسم الله الرحمن الرحيم، فكأني مثلت تحته، فقال
أقتلك أم أخلي عنك ؟ قلت بل خل عني
فقال: هيهات، يا جارية إئتيني بالمدية فأتته بالمدية فجز ناصيتي، وكانت
العرب إذا ظفرت برجل فجزت ناصيته استعبدته، فكنت معه أخدمه مدة.
ثم إنه قال يا عمرو أريد أن تركب معي البرية وليس بي منك وجل، فإني
ببسم الله الرحمن الرحيم لواثق، قال: فسرنا حتى أتينا واديا أشبا مهولا
مغولا.
فنادى بأعلى صوته: بسم الله الرحمن الرحيم.
فلم يبق طير في وكره إلا طار.
ثم أعاد القول فلم يبق سبع في مربضه إلا هرب، ثم أعاد الصوت فإذا نحن
بحبشي قد خرج علينا من الوادي كالنخلة السحوق، فقال لي: يا عمرو إذا
رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي ببسم الله الرحمن الرحيم.
قال فلما رأيتهما قد اتحدا قلت غلبه صاحبي باللات والعزى فلم يصنع
الشيخ شيئا، فرجع إلي وقال: قد علمت أنك قد خالفت قولي.
قلت أجل ولست بعائد، فقال إذا رأيتنا قد اتحدنا فقل غلبه صاحبي: ببسم
الله الرحمن الرحيم، فقلت أجل فلما رأيتهما قد اتحدا قلت غلبه صاحبي
ببسم الله الرحمن الرحيم، فاتكأ عليه الشيخ فبعجه بسيفه باشتق بطنه
فاستخرج منه شيئا كهيئة القنديل الاسود ثم قال يا عمرو هذا غشه وغله
(3).
ثم قال أتدري من
__________
(1) ارعوى: اهتدى بعد ضلال.
(2) الغلاصم: اللحم بين الرأس والعنق.
والبيض: المراد هنا: ابنته وحريمه.
(3) الغل: الحقد ; والغش.
[ * ]
(2/421)
تلك الجارية ؟
قلت لا، قال تلك الفارعة بنت السليل الجرهمي من خيار الجن.
وهؤلاء أهلها بنو عمها يغزونني منهم كل عام رجل ينصرني الله عليه ببسم
الله الرحمن الرحيم.
ثم قال قد رأيت ما كان مني إلى الحبشي.
وقد غلب علي الجوع فائتني بشئ آكله، فأقحمت فرسي البرية فما أصبت
الابيض النعام، فأتيته به فوجدته نائما، وإذا تحت رأسه شئ كهيئة
الحشبة، فاستللته فإذا هو سيف عرضه شبر في سبعة أشبار، فضربت ساقيه
ضربة أبنت الساقين مع القدمين، فاستوى على قفا ظهره وهو يقول قاتلك
الله ما اغدرك يا غدار.
قال عمر: ثم ماذا صنعت ؟ قلت فلم أزل أضربه بسيفي حتى قطعته إربا إربا.
قال فوجم لذلك ثم أنشأ يقول:
بالغدر نلت أخا الاسلام عن كثب * ما إن سمعت كذا بي سالف العرب والعجم
تأنف مما جئته كرما * تبا لما جئته في السيد الارب (1) إني لاعجب أني
نلت قتلته * أم كيف جازاك عند الذنب لم تنب ؟ قرم عفا عنك مرات وقد
علقت * بالجسم منك يداه موضع العطب لو كنت آخذ في الاسلام ما فعلوا *
في الجاهلية أهل الشرك والصلب إذ لنالتك من عدلي مشطبة * تدعو لذائقها
بالويل والحرب (2) قال ثم ما كان من حال الجارية ؟ قلت ثم إني أتيت
الجارية.
فلما رأتني قالت: ما فعل الشيخ ؟ قلت: قتله الحبشي، فقالت كذبت بل
قتلته أنت بغدرك ثم أنشأت تقول: يا عين جودي للفارس المغوار * ثم جودي
بواكفات غزار (3) لا تملي البكاء إذ خانك الد * هر بواف حقيقة صبار
وتقي وذي وقار وحلم * وعديل الفخار يوم الفخار لهف نفسي على بقائك عمرو
* أسلمتك الاعمار للاقدار ولعمري لو لم ترمه بغدر * رمت ليثا كصارم
بتار (4) قال فأحفظني قولها فاستللت سيفي ودخلت الخيمة لاقتلها فلم أر
في الخيمة أحدا فاستقت الماشية وجئت إلى أهلي.
وهذا أثر عجيب.
والظاهر أن الشيخ كان من الجان وكان ممن أسلم وتعلم القرآن، وفيما
تعلمه بسم الله الرحمن الرحيم.
وكان يتعوذ بها.
__________
(1) الارب: العاقل.
(2) مشطبة: أي مهلكة.
والعدل: الجزاء.
(3) واكفات: الدموع المنسكبة.
(4) أقول: بل هو أسطورة لا سبيل إلى تصديقها ; وإن كان الاقدمون لا
يجدون غضاضة في نقل هذه الاخبار وروايتها، فنحن لسنا ملزمين بتصديقها ;
إلا بعد نقدها وتمحيصها فمثل هذه الاخبار والاشعار لا تثبت أمام النقد
العقلي والعلمي.
[ * ]
(2/422)
وقال الخرائطي:
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي حدثنا عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد
الله بن العلاء عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر
قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل يذكران انهما أتيا
النجاشي بعد رجوع أبرهة من مكة، قالا فلما دخلنا عليه قال لنا أصدقائي
أيها القرشيان هل ولد فيكم مولود أراد أبوه ذبحه فضرب عليه بالقداح
فسلم ونحرت عنه إبل كثيرة ؟ قلنا نعم.
قال فهل لكما علم به ما فعل ؟ قلنا تزوج امرأة يقال لها آمنة بنت وهب
تركها حاملا وخرج، قال فهل تعلمان ولد أم لا ؟ قال ورقة بن نوفل أخبرك
أيها الملك أني ليلة قد بث عند وثن لنا كنا نطيف به، ونعبده إذ سمعت من
جوفه هاتفا يقول: ولد النبي فدلت الاملاك * ونأى الضلال وأدبر الاشراك
ثم انتكس الصنم على وجهه.
فقال زيد بن عمرو بن نفيل عندي كخبره أيها الملك.
قال هات قال أتا في مثل هذه الليلة التي ذكر فيها حديثه خرجت من عند
أهلي وهم يذكرون حمل آمنة حتى أتيت جبل أبي قيس أريد الخلو فيه لامر
رابني إذ رأيت رجلا نزل من السماء له جناحان أخضران، فوقف على أبي قبيس
ثم أشرف على مكة فقال: ذل الشيطان وبطلت الاوثان ولد الامين.
ثم نشر ثوبا معه وأهوى به نحو المشرق والمغرب فرأيته قد جلل ما تحت
السماء وسطع نور كاد أن يختطف بصري وهالني ما رأيت.
وخفق الهاتف بجناحيه حتى سقط على الكعبة.
فسطع له نور أشرقت له تهامة.
وقال: ذكت الارض وأدت ربيعها.
وأومأ إلى الاصنام التي كانت على الكعبة فسقطت كلها.
قال النجاشي ويحكما أخبر كما عما أصابني، إني لنائم في الليلة التي
ذكرتما في قبة وقت خلوتي، إذ خرج على من الارض عنق ورأس، وهو يقول حل
الويل بأصحاب الفيل، رمتهم طير أبابيل، بحجارة من سجيل هلك الاشرم
المعتدي المجرم، وولد النبي الامي، المكي الحرمي، من أجابه سعد، ومن
أباه عتد.
ثم دخل الارض فغاب فذهبت أصيح فلم أطق الكلام، ورمت القيام فلم أطق
القيام، فصرعت القبة بيدي ؟ فسمع بذلك أهلي فجاؤوني فقلت
احجبوا عني الحبشة فحجبوهم عني ثم أطلق عن لساني ورجلي.
وسيأتي (1) إن شاء الله تعالي في قصة المورد رؤيا كسرى في سقوط أربع
عشرة شرافة من إيوانه، وخمود نيرانه ورؤياه مومذانة، وتفسيره سطيح لذلك
على يدي عبد المسيح.
وروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه في ترجمة الحارث بن هانئ بن
المدلج بن المقداد بن زمل بن عمرو العذري عن أبيه عن جده عن أبيه عن
زمل بن عمرو العذري قال: كان لبني عذرة صنم يقال له حمام وكانوا
يعظمونه وكان في بني هند بن حرام بن ضبة بن عبد بن كثير (2) بن عذرة
وكان سادنه
__________
(1) قد تقدم ذلك، فليراجع في مكانه.
(2) كذا في الاصول والصواب: كبير كما في أسد الغابة 1 / 205 والاصابة ج
1 / [ * ]
(2/423)
رجلا يقال له
طارق وكانوا يعترون عنده.
فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعنا صوتا يقول يا بني هند بن
حرام.
ظهر الحق وأودى صمام ودفع الشرك الاسلام.
قال ففزعنا لذلك وهالنا فمكثنا أياما.
ثم سمعنا صوتا وهو يقول: يا طارق يا طارق.
بعث النبي الصادق، يوحى ناطق، صدع صادع بأرض تهامة، لناصريه السلامة،
ولخاذليه الندامة، هذا الوداع مني إلى يوم القيامة.
قال زمل فوقع الصنم لوجهه.
قال فابتعت راحلة ورحلت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع نفر من
قومي وأنشدته شعرا قلته: اليك رسول الله أعملت نصها * وكلفتها حزنا
وغورا من الرمل لانصر خير الناس نصرا مؤزرا * وأعقد حبلا من حبالك في
حبلي وأشهد أن الله لا شئ غيره * أدين به ما أثقلت قدمي نعلي قال
فأسلمت وبايعته.
وأخبرناه بما سمعنا فقال: " ذاك من كلام الجن ".
ثم قال: " يا معشر العرب إني رسول الله إليكم وإلى الانام كافة، أدعوهم
إلى عبادة الله وحده، وإني رسوله وعبده، وأن تحجوا البيت وتصوموا شهرا
من إثني عشر شهرا وهو شهر رمضان، فمن أجابني فله الجنة نزلا، ومن عصاني
كانت النار له منقلبا ".
قال فأسلمنا وعقد لنا لواء.
وكتب لنا كتابا
نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لزمل بن عمرو ومن
أسلم معه خاصة إني بعثته إلى قومه عامدا (1) فمن أسلم ففي حزب الله
ورسوله.
ومن أبى فله أمان شهرين.
شهد علي بن أبي طالب ومحمد بن مسلمة الانصاري " (2) ثم قال ابن عساكر:
غريب جدا.
وقال سعيد بن يحيى بن سعيد الاموي في مغازيه: حدثني محمد بن سعيد -
يعني عمه -.
قال قال محمد بن المنكدر إنه ذكر لي عن ابن عباس قال هتف هاتف من الجن
على أبي قبيس فقال: قبح الله رأيكم آل فهر * ما أدق العقول والافهام
(3) حين تعصى لمن يعيب عليها * دين آبائها الحماة الكرام حالف الجن جن
بصرى عليكم * ورجال النخيل والآطام (4) توشك الخيل أن تردها تهادى *
تقتل القوم في حرام بهام (5)
__________
(1) في مكاتيب الرسول: عامة.
(2) في ترجمته في أسد الغابة والاصابة: ذكرا أنه صلى الله عليه وسلم
عقد له لواء على قومه وكتب له كتابا ولم يزل معه ذلك اللواء حتى شهد به
صفين مع معاوية ; وذكر الكتاب في زاد المعاد وذكرت الكتاب في مجموعة
الوثائق منقولا عن رسالات نبوية.
لابن القيم.
(3) في دلائل أبي نعيم ص (30): قبح الله رأي كعب بن فهر * ما أرق
العقول والاحلام (4) أي رجال الانصار، والمراد هنا أهل المدينة.
(5) في الدلائل: في بلاد التهام ; أي تهامة.
[ * ]
(2/424)
هل كريم منكم
له نفس حر * ماجد الوالدين والاعمام ضارب ضربة تكون نكالا * ورواحا من
كربة واغتمام قال ابن عباس فأصبح هذا الشعر حديثا لاهل مكة يتناشدونه
بينهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا شيطان يكلم الناس في الاوثان
يقال له مسعر، والله مخزيه " فمكثوا ثلاثة
أيام فإذا هاتف يهتف على الجبل يقول: نحن قتلنا في ثلاث مسعرا * إذ سفه
الجن وسن المنكرا قنعته سيفا حساما مشهرا * بشتمه نبينا المطهرا (1)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا عفريت من الجن اسمه سمج (2)
آمن بي سميته عبد الله أخبرني أنه في طلبه ثلاثة أيام " فقال علي جزاه
الله خيرا يا رسول الله.
وقد روى الحافظ أبو نعيم في الدلائل قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن
جعفر حدثنا أبو الفضل محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن أبي حرب الصفار.
حدثنا عباس بن الفرج الرياشي، حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت،
عن أبيه، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس عن سعد
بن عبادة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضرموت في حاجة
قبل الهجرة، حتى إذا كنت في بعض الطريق ساعة من الليل فسمعت هاتفا
يقول: أبا عمرو تناوبني (3) السهود * وراح النوم وامتنع الهجود لذكر
عصابة سلفوا وبادوا * وكل الخلق قصرهم يبيد تولوا واردين إلى المنايا *
حياضا ليس منهلها الورود مضوا لسبيلهم وبقيت خلفا * وحيدا ليس يسعفني
وحيد سدى لا أستطيع علاج أمر * إذا ما عالج الطفل الوليد فلايا ما بقيت
إلى أناس * وقد باتت بمهلكها ثمود وعاد والقرون بذي شعوب * سواء كلهم
إرم حصيد قال ثم صاح به آخر: يا خرعب ذهب بك العجب إن العجب كل العجب
بين زهرة
__________
(1) في الاصابة ج 2 / 78 عن الفاكهي في كتاب مكة ورد البيتان: نحن
قتلنا مسعرا * لما طغى واستكبرا وصغر الحق وسن المنكرا * بشتمه نبينا
المطهرا (2) في الاصابة: سمحج.
والخبر في دلائل النبوة لابي نعيم ص 30 وأخرجه الفاكهي في كتاب مكة عن
ابن عباس عن عامر بن ربيعة ومن طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه
بنحوه كما في الاصابة ج 2 / 78.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: ناوبني، والصواب ما أثبتناه.
[ * ]
(2/425)
ويثرب.
قال وما ذاك يا شاحب ؟ قال نبي السلام، بعث بخير الكلام إلى جميع
الانام، فاخرج من البلد الحرام إلى نخيل وآطام.
قال ما هذا النبي المرسل والكتاب المنزل، والامي المفضل ؟ قال رجل من
ولد لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
قال هيهات فات عن هذا سني، وذهب عنه زمني لقد رأيتني والنضر بن كنانة
نرمي غرضا واحدا، ونشرب حلبا باردا، ولقد خرجت به من دوحة في غداة شبمة
(1) وطلع مع الشمس وغرب معها، يروى ما يسمع ويثبت ما يبصر.
ولئن كان هذا من ولده لقد سل السيف وذهب الخوف، ودحض الزنا، وهلك
الربا.
قال فاخبرني ما يكون ؟ قال ذهبت الضراء والبؤس والمجاعة، والشدة
والشجاعة، إلا بقية في خزاعة.
وذهبت الضراء والبؤس، والخلق المنفوس إلا بقية من الخزرج والاوس.
وذهبت الخيلاء والفخر، والنميمة والغدر، إلا بقية في بني بكر.
يعني ابن هوازن.
وذهب الفعل المندم والعمل المؤثم، إلا بقية في خثعم.
قال أخبرني ما يكون ؟ قال إذا غلبت البرة، وكظمت الحرة، فاخرج من بلاد
الهجرة، وإذا كف السلام، وقطعت الارحام فاخرج من البلد الحرام.
قال أخبرني ما يكون ؟ قال لولا أذن تسمع، وعين تلمع لاخبرتك بما تفزع.
ثم قال: لا منام هدأته بنعيم * يا ابن غوط ولا صباح أتانا قال ثم صرصر
صرصرة كأنها صرصرة حبلى، فذهب الفجر فذهبت لانظر فإذا عظاية (2) وثعبان
ميتان.
قال فما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة إلا
بهذا الحديث.
ثم رواه عن محمد بن جعفر عن إبراهيم بن علي عن النضر بن سلمة عن حسان
بن عبادة بن موسى عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر عن ابن عباس عن سعد بن
عبادة.
قال: لما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة خرجت إلى
حضرموت لبعض الحاج، قال فقضيت حاجتي ثم أقبلت حتى إذا كنت
ببعض الطريق نمت، ففزعت من الليل بصائح يقول: أبا عمرو تناوبني السهود
* وراح النوم وانقطع الهجود وذكر مثله بطوله.
وقال أبو نعيم: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا إبراهيم بن علي حدثنا النضر
بن سلمة حدثنا أبو غزية محمد بن موسى عن العطاف بن خالد الوصابي عن
خالد بن سعيد عن أبيه قال سمعت تميما الداري يقول: كنت بالشام حين بعث
النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت لبعض حاجتي فأدركني الليل.
فقلت أنا في جواز عظيم هذا الوادي الليلة.
قال فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي - لا أراه - عذبا لله فإن
الجن لا تجير أحدا على الله فقلت أيم الله تقول ؟ فقال قد خرج رسول
الاميين رسول الله وصلينا خلفه بالحجون (3).
فأسلمنا واتبعناه وذهب كيد الجن ورميت بالشهب.
فانطلق
__________
(1) شبحة: باردة.
(2) عظاية: دويبة ملساء تمشي مشيا سريعا ثم تقف.
(3) الحجون: جبل بأعلى مكة.
وقال السكري: مكان من البيت على ميل ونصف.
ياقوت 2 / 225.
[ * ]
(2/426)
إلى محمد رسول
رب العالمين فأسلم.
قال تميم فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب (1) فسألت راهبا وأخبرته الخبر.
فقال الراهب: قد صدقوك يخرج من الحرم مهاجره الحرم وهو خير الانبياء
فلا تسبق إليه.
قال تميم فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
وقال حاتم بن إسماعيل عن عبد الله بن يزيد الهذلي عن عبد الله بن ساعدة
الهذلي، عن أبيه قال: كنا عند صنمنا سواع، وقد جلبنا إليه غنما لنا
مائتي شاة قد أصابها حرب، فأدنيناها منه لنطلب بركته فسمعت مناديا من
جوف الصنم ينادي قد ذهب كيد الجن، ورمينا بالشهب لنبي اسمه أحمد.
قال فقلت غويت والله.
فصدقت وجه غنمي منجدا إلى أهلي فرأيت رجلا.
فخبرني بظهور النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكره أبو نعيم هكذا معلقا ثم قال: حدثنا عمر بن محمد بن جعفر حدثنا
إبراهيم بن السندي حدثنا النضر بن سلمة حدثنا محمد بن مسلمة المخزومي
حدثنا يحيى بن
سليمان عن حكيم بن عطاء الظفري - من بني سليم من ولد راشد بن عبد ربه -
عن أبيه عن جده عن راشد بن عبد ربه قال كان الصنم الذي يقال له سواع
بالمعلاة من رهط تدين له هذيل وبنو ظفر بن سليم فأرسلت بنو ظفر راشد بن
عبد ربه بهدية من سليم إلى سواع قال راشد فألقيت مع الفجر إلى صنم قبل
صنم سواع، فإذا صارخ يصرخ من جوفه: العجب كل العجب من خروج نبي من بني
عبد المطلب، يحرم الزنا والربا والذبح للاصنام.
وحرست السماء ورمينا بالشهب العجب كل العجب.
ثم هتف صنم آخر من جوفه ترك الضمار وكان يعبد، خرج النبي أحمد، يصلى
الصلاة ويأمر بالزكاة والصيام، والبر والصلات للارحام.
ثم هتف من جوف صنم آخر هاتف يقول: إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن
مريم من قريش مهتد نبي أتى يخبر بما سبق * وبما يكون اليوم حقا أو غد
(2) قال راشد: فألفيت سواعا مع الفجر وثعلبان يلحسان ما حوله، ويأكلان
ما يهدي له، ثم يعوجان عليه ببولهما، فعند ذلك يقول راشد بن عبد ربه:
أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب وذلك عند مخرج
النبي صلى الله عليه وسلم ومهاجره إلى المدينة وتسامع الناس به فخرج
راشد حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومعه كلب له، واسم راشد
يومئذ ظالم، واسم كلبه راشد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما اسمك
" قال ظالم.
قال: " فما اسم كلبك ؟ " قال راشد، قال: " اسمك راشد، واسم
__________
(1) دير أيوب: قرية بحوران بنواحي دمشق وبها قبر أيوب عليه السلام.
ياقوب 2 / 499.
(2) البيت الثاني لم يرد في سبل الهدى والرشاد ولا في سيرة ابن هشام
وورد قبل البيت الاول بيتان تقدما: قل للقبائل من سليم كلها..أو دى
ضماد وكان يعبد مرة.
[ * ]
(2/427)
كلبك ظالم "
وضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
وبايع النبي صلى الله عليه وسلم وأقام بمكة معه ثم طلب من رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
قطيعة برهاط - ووصفها له - فاقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمعلاة (1) من رهاط (2) شأو الفرس، ورميته ثلاث مرات بحجر، وأعطاه
إداوة مملوءة من ماء وتفل فيها وقال له " فرغها في أعلا القطيعة ولا
تمنع الناس فضلها " ففعل فجعل الماء معينا يجري إلى اليوم فغرس عليها
النخل.
ويقال إن رهاط كلها تشرب منه فسماها الناس ماء الرسول صلى الله عليه
وسلم.
وأهل رهاط يغتسلون بها وبلغت رمية راشد الركب الذي يقال له ركب الحجر،
وغدا راشد على سواع فكسره.
وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا علي بن إبراهيم الخزاعي
الاهوازي حدثنا أبو محمد عبد الله بن داود بن دلهاث بن اسماعيل بن مسرع
بن ياسر بن سويد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أبي عن أبيه
دلهاث عن أبيه اسماعيل أن أباه عبد الله حدثه عن أبيه مسرع بن ياسر أن
أباه ياسر حدثه عن عمرو بن مرة الجهني أنه كان يحدث قال: خرجت حاجا في
جماعة من قومي في الجاهلية.
فرأيت في المنام وأنا بمكة نورا ساطعا من الكعبة حتى أضاء في جبل يثرب
وأشعر (3) جهينة.
فسمعت صوتا في النور وهو يقول: انقشعت الظلماء، وسطح الضياء، وبعث خاتم
الانبياء ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة وأبيض المدائن.
فسمعت صوتا في النور وهو يقول: ظهر الاسلام وكسرت الاصنام، ووصلت
الارحام فانتبهت فزعا، فقلت لقومي والله ليحدثن في هذا الحي من قريش
حدث، وأخبرتهم بما رأيت.
فلما انتهينا إلى بلادنا جاءنا رجل فأخبرنا أن رجلا يقال له أحمد قد
بعث فأتيته فأخبرته بما رأيت فقال " يا عمرو بن مرة إني (4) المرسل إلى
العباد كافة أدعوهم إلى الاسلام، وآمرهم بحقن الدماء وصلة الارحام،
وعبادة الله [ وحده ] ورفض الاصنام، وحج البيت.
وصيام شهر من اثني عشر شهرا وهو شهر رمضان، فمن أجاب فله الجنة.
ومن عصى فله النار، فآمن يا عمرو بن مرة يؤمنك من نار (5) جهنم " فقلت
أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
آمنت بكل ما جئت
__________
(1) المصلاة: موضع بين مكة وبدر بينه وبين بدر الاثيل.
(2) في نسخ البداية المطبوعة وهاط وهو تحريف، والصواب رهاط: قال ابن
الكلبي اتخذت هذيل سواعا ربا برهاط من أرض ينبع، وينبع عرض من أعراض
المدينة.
وقال عرام رهاط: قرية بقرب مكة على طريق المدينة ياقوت 3 / 107.
(3) أشعر جهينة: في مجمع الزوائد: أسعر.
وهو جبل جهينة بين المدينة والشام ينحدر على ينبع.
ياقوت 1 / 198.
(4) عند الروياني وابن عساكر ومجمع الزوائد: أنا النبي المرسل.
(5) في المصادر السابقة: هول.
[ * ]
(2/428)
به من حلال
وحرام، وإن أرغم ذلك كثيرا من الاقوام، ثم أنشدته أبياتا قلتها حين
سمعت به وكان لنا صنم وكان أبي سادنا له فقمت إليه فكسرته ثم لحقت
النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: شهدت بأن الله حق وأنني * لآلهة
الاحجار أول تارك فشمرت عن ساقي إزار مهاجر * اليك أدب الغور بعد
الدكادك (1) لاصحب خير الناس نفسا ووالدا * رسول مليك الناس فوق
الحبائك (2) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مرحبا بك يا عمرو بن مرة
".
فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي إبعث بي إلى قومي، لعل الله أن يمن بي
عليهم كما من بك علي، فبعثني إليهم وقال: " عليك بالقول السديد ولا تكن
فظا ولا متكبرا ولا حسودا " فأتيت قومي فقلت لهم: يا بني رفاعة ثم يا
بني جهينة إني رسول من رسول الله إليكم أدعوكم إلى الجنة، وأحذركم
النار، وآمركم بحقن الدماء، وصلة الارحام، وعبادة الله، ورفض الاصنام،
وحج البيت، وصيام شهر رمضان، شهر من إثني عشر شهرا.
فمن أجاب فله الجنة.
ومن عصى فله النار.
يا معشر جهينة إن الله - وله الحمد - جعلكم خيار من أنتم منه (3) وبغض
اليكم في جاهليتكم ما حبب إلى غيركم من الرفث، لانهم كانوا يجمعون بين
الاختين، ويخلف الرجل [ منهم ] على امرأة أبيه، والترات (4) في الشهر
الحرام.
فأجيبوا هذا النبي المرسل صلى الله عليه وسلم من بني لؤي بن غالب.
تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة، سارعوا
سارعوا في ذلك يكون لكم فضيلة عند الله.
فأجابوا إلا رجلا منهم قام فقال: يا عمرو بن مرة أمر الله عليك عيشك،
أتأمرنا أن نرفض آلهتنا ونفرق جماعتنا بمخالفة دين آبائنا إلى ما يدعو
هذا القرشي من أهل تهامة ؟ لا ولا مرحبا ولا كرامة، ثم أنشأ [ الخبيث ]
يقول: إن ابن مرة قد أتى بمقالة * ليست مقالة من يريد صلاحا إني لاحسب
قوله وفعاله * يوما وإن طال الزمان رياحا أتسفه الاشياخ ممن قد مضى *
من رام ذلك لا أصاب فلاحا فقال عمرو بن مرة: الكاذب مني ومنك أمر الله
عيشه، وأبكم لسانه، وأكمه بصره.
قال عمرو بن مرة والله ما مات حتى سقط فوه وكان لا يجد طعم الطعام،
وعمي وخرس.
وخرج عمرو بن مرة ومن أسلم من قومه حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم،
فرحب بهم وحباهم وكتب لهم كتابا هذه نسخته:
__________
(1) في مجمع الزوائد: وشمرت عن ساق الازار مهاجرا * إليك أحوز الفوز
بعد الدكادك (2) الحبائك: جمع حبيكة ؟ وهي الطريقة بين النجوم ;
والمراد: السماوات.
(3) أي من العرب.
(4) في ابن عساكر ومجمع الزوائد: والغزاة.
[ * ]
(2/429)
" بسم الله
الرحمن الرحيم، هذا كتاب من الله على لسان رسول الله بكتاب صادق، وحق
ناطق، مع عمرو بن مرة الجهني لجهينة بن زيد إن لكم بطون الارض وسهولها،
وتلاع الاودية وظهورها، ترعون نباته وتشربون صافيه.
على أن تقروا بالخمس، وتصلوا الصلوات الخمس، وفي التبعة والصريمة شاتان
إن اجتمعتا، وإن تفرقتا فشاة شاة.
ليس على أهل الميرة صدقة، ليس الوردة اللبقة " (1).
وشهد من حضرنا من المسلمين بكتاب، قيس بن شماس رضي الله عنهم.
وذلك حين يقول عمرو بن مرة:
ألم تر أن الله أظهر دينه * وبين برهان القرآن لعامر (2) كتاب من
الرحمن نور لجمعنا * وإحلافنا في كل باد وحاضر (3)
__________
(1) نص الكتاب كما ورد عن ابن عساكر في جمع الجوامع للسيوطي ورسالات
نبوية لعبد المنعم خان ومجمع الزوائد 8 / 245.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من الله عزيز على لسان رسول بحق صادق وكتاب ناطق مع عمرو بن
مرة، لجهينة بن زيد: إن لكم بطون الارض وسهولها، وتلاع الاودية
وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها.
على أن تؤدوا الخمس.
وتصلوا الخمس.
وفي التبعة والصريمة شاتان إذا اجتمعتا، فإن تفرقتا فشاة شاة.
ليس على أهل المثيرة صدقة ولا على الواردة لبقة ".
والله شهيد على ما بيننا ومن حضر من المسلمين كتاب قيس بن شماس ".
المعاني: - بطون الارض: البطون خلاف الظهر في كل شئ، ويقال للجهة
السفلى بطن وللجهة العليا ظهر.
ويقال لكل غامض بطن ولكل ظاهر ظهر.
والمراد أن لكم الوهدة من الارض.
- تلاع الاودية: مسائل الماء من العلو إلى السفل.
فتلاعها ما انحدر من الاودية.
- التيعة: بكسر التاء وسكون الياء، وهي أدنى ما يجب فيه الزكاة ; من
الحيوان الحيوان كالخمس في الابل.
- الصريمة: تصغير الصرمة، وهي القطيع من الابل والغنم، قيل من العشرين
إلى الثلاثين إلى الاربعين كأنها إذا بلغت هذا القدر تستقل بنفسها،
فيقطعها صاحبها عن معظم إبله وغنمه.
والمراد: عن مائة وإحدى وعشرين إلى المائتين إذا اجتمعت ففيها شاتان
وإن كانت لرجلين وفرق بينهما فعلى كل واحد منهما شاة.
- المثيرة: لانها تثير الارض وذلك إرفاقا بهم ومداراة.
- ولا على الواردة لبقة: الوارد: الذي يتقدم القوم فيسقي لهم.
واللبقة: بفتح اللام وسكون الباء الظرف أي ليس عليهم أن يعطوا لمن يرد
مياههم من المسلمين الظروف ; ولعل المراد: أنه لا يجب عليهم قرى
العساكر المسلمين وإعانتهم حتى لبقة للماء التي لا كلفة في إعطائها.
(2) في رسالة من يسمى عمرا من الشعراء لابن الجراح: فرقان الفرقان.
(3) في مجمع الزوائد: كتاب من الرحمن يجعلنا معا * وأخلافنا في كل باد
وحاضر [ * ]
(2/430)
إلى خير من
يمشي على الارض كلها * وأفضلها عن اعتكار الصرائر (1) أطعنا رسول الله
لما تقطعت * بطون الاعادي بالظبي والخواطر (2) فنحن قبيل قد بني المجد
حولنا * إذا اجتلبت في الحرب هام الاكابر بنو الحرب نفريها بأيد طويلة
* وبيض تلالا في أكف المغاور ترى حوله الانصار تحمي أميرهم * بسمر
العوالي والصفاح البواتر (3) إذا الحرب دارت عند كل عظيمة * ودارت
رحاها بالليوث الهواصر تبلج منه اللون وازداد وجهه * كمثل ضياء البدر
بين الزواهر (4) وقال أبو عثمان سعيد بن يحيى الاموي في مغازيه: حدثنا
عبد الله حدثنا أبو عبد الله حدثنا المجالد بن سعيد والاجلح عن الشعبي،
حدثني شيخ من جهينة قال: مرض منا رجل مرضا شديدا فنقل حتى حفرنا له
قبره وهيأنا أمره فأغمي عليه ثم فتح عينيه وأفاق فقال أحفرتم لي ؟
قالوا نعم، قال فما فعل الفصل - وهو ابن عم له - قلنا صالح مر آنفا
يسأل عنك، قال أما إنه يوشك أن يجعل في حفرتي إنه أتاني آت حين أغمي
علي فقال ابك هبل ؟ أما ترى حفرتك تنتثل، وأمك قد كادت تثكل ؟ أرأيتك
أن حولناها عنك بالمحول، ثم ملاناها بالجندل، وقذفنا فيها الفصل، الذي
مضى فأجزأك، وظن أن لن يفعل.
أتشكر لربك، تصل وتدع دين من أشرك وضل ؟ قال قلت نعم.
قال قم قد برئت.
قال فبرئ الرجل.
ومات الفصل فجعل في حفرته.
قال الجهيني: فرأيت الجهيني بعد ذلك يصلي ويسب الاوثان ويقع فيها.
وقال الاموي: حدثنا عبد الله قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
مجلس يتحدثون عن الجن، فقال خريم بن فاتك الاسدي [ لعمر بن الخطاب: يا
أمير المؤمنين ]: ألا أحدثك
كيف كان اسلامي ؟ قال بلى، قال إني يوما في طلب ذود (5) لي أنا منها
على أثر تنصب وتصعد، حتى إذا كنت بأبرق العراق (6) انخت راحلتي وقلت
أعوذ بعظيم (7) هذه البلدة أعوذ برئيس هذا
__________
(1) الضرائر ; في الوفا ومجمع الزوائد.
واعتكار الصرائر: تمازج الاصول ; والمراد هنا أنه صلى الله عليه وسلم
أصفى الناس أصلا وأشرفهم نسبا.
(2) في مجمع الزوائد: بالظباء الخواطر.
(3) في مجمع الزوائد: والسيوف البواتر.
وفي الوفا: يحمون سربه بدل تحمي أميرهم.
(4) في مجمع الزوائد: وازدان بدل وازداد.
(5) في مجمع الزوائد في رواية ابن عباس: في بغاء إبل لي - وفي رواية
أبي هريرة: نعم لي.
(6) كذا في الاصل: أبرق العراق وهو تحريف والصواب أبرق العزاف وهو رمل
لبني سعد بجبيل هناك (من جبال الدهناء) وإنما سمي العزاف لانهم يسمعون
به عزيف الجن وهو صوتهم.
وعن السكري: العزاف على اثني عشر ميلا من المدينة قال حسان: لمن الديار
والرسوم العوافي * بين سلع فأبرق العزاف [ * ]
(2/431)
الوادي [ من
سفهاء قومه ]، فإذا بهاتف يهتف بي: ويحك، عذ بالله ذي الجلال * والمجد
والعلياء والافضال (1) ثم اتل آيات من الانفال * ووحد الله ولا تبالي
(2) قال فذعرت ذعرا شديدا ثم رجعت إلى نفسي فقلت: يا أيها الهاتف ما
تقول * أرشد عندك أم تضليل ؟ (3) * بين هداك الله ما الحويل * قال:
فقال: هذا رسول الله ذو الخيرات * بيثرب يدعو إلى النجاة يأمر بالبر
وبالصلاة * ويزع الناس عن الهنات (4)
قال: قلت له: والله لا أبرح حتى آتيه.
وأومن به، فنصبت رجلي في غرز راحلتي وقلت أرشدني أرشدني هديتا (5) * لا
جعت ما عشت ولا عريتا ولا برحت سيدا مقيتا * لا تؤثر الخير الذي أتيتا
(6)
__________
= مععم البلدان 4 / 118 معجم ما استعجم 3 / 94.
(7) في رواية ابن عباس: بعظيم هذا الوادي ; وهو قول أهل الجاهلية.
(1) في ابن عساكر: والنعماء والافضال.
وفي الاصابة ومجمع الزوائد: منزل الحلال والحرام.
(2) الابيات في مجمع الزوائد: ووحد الله ولا تبالي * ما هول ذي الجن من
الاهوال إذ يذكر الله على الاميال * وفي سهول الارض والجبال وصار كبد
الجن في سفال * إلا التقى وصالح الاعمال (3) في الاصابة ومجمع الزوائد:
يا أيها الداعي ما تحيل.
(4) في رواية ابن عباس: هذا رسول الله ذو الخيرات * جاء بياسمين
وحاميمات وسور بعده مفصلات * محرمات ومحللات يأمر بالصوم وبالصلاة *
ويزجر الناس عن الهنات قد كن في الايام منكرات في الاصابة جاء البيت
الثاني: محرمات محلالات * يأمرنا بالصوم وبالصلاة (5) في دلائل أبي
نعيم، أرشدني بها هديتا..(6) في دلائل أبي نعيم: [ * ]
(2/432)
* على جميع
الجن ما بقيتا * فقال (1): صاحبك الله وأدى رحلكا * وعظم الاجر وعافا
نفسكا آمن به أفلج ربي حقكا * وانصره نصرا عزيزا نصركا قال قلت من أنت
عافاك الله، حتى أخبره إذا قدمت عليه ؟ فقال أنا ملك بن ملك (2)، وأنا
نقيبه على جن نصيبين.
وكفيت إبلك حتى أضمها إلى أهلك إن شاء الله.
قال فخرجت حتى أتيت المدينة يوم الجمعة والناس أرسال إلى المسجد والنبي
صلى الله عليه وسلم على المنبر كأنه البدر يخطب الناس، فقلت انيخ على
باب المسجد حتى يصلى وأدخل عليه فأسلم وأخبره عن إسلامي، فلما انخت خرج
إلي أبو ذر فقال مرحبا وأهلا وسهلا قد بلغنا إسلامك، فادخل فصل، ففعلت
ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرني باسلامي قلت: الحمد
لله.
قال: " أما إن صاحبك قد وفى لك وهو أهل ذلك، وأدى ابلك إلى أهلك " (3).
وقد رواه الطبراني في ترجمة خريم بن فاتك من معجمة الكبير قائلا حدثنا
الحسين بن إسحاق اليسيري، حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي، حدثنا عبد
الله بن موسى الاسكندري، حدثنا محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة قال قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب يا أمير
المؤمنين ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي، قال بلى ! فذكره غير أنه قال
فخرج إلي أبو بكر الصديق فقال أدخل، فقد بلغنا إسلامك، فقلت لا أحسن
الطهور، فعلمني فدخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه
البدر وهو يقول: " ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يحفظها
ويعقلها إلا دخل الجنة " فقال لي عمر لتأتيني على هذا ببينة أو لانكلن
بك، فشهد لي شيخ قريش عثمان بن عفان فأجاز شهادته.
ثم رواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن
__________
= ولا صحبت صاحبا مقيتا * لا يثوين الخير إن ثويتا وفي مجمع الزوائد:
ولا برحت سعيدا ما بقيت * ولا تؤثرن على الخير الذي أوتيت
(1) في رواية أبي هريرة: قال فاتبعني وهو يقول: سلمك الله وسلم نفسك *
وبلغ الاهل وأدى رحلكا أمر به أفلح ربي حقك * وانصره أعز ربي نصركا (2)
عند ابن عساكر: أنا عمرو بن أثال.
وأنا عامله على جن نجد المسلمين.
(3) رواه في مجمع الزوائد 8 / 250 - 251 عن ابن عباس.
وقال رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم.
وأخرجه الحاكم 3 / 621 من طريق الحسن بن محمد بن علي عن أبيه.
قال الذهبي: لم يصح.
وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه وأبو القاسم بن بسران كما
في الاصابة ج 3 / 353.
[ * ]
(2/433)
تيم عن محمد بن
خليفة عن محمد بن الحسن عن أبيه قال عمر بن الخطاب بن فاتك حدثني بحديث
يعجبني فذكر مثل السياق الاول سواء.
وقال أبو نعيم: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن
إبراهيم القرشي الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل،
حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن
الديلمي، قال أتى رجل ابن عباس فقال بلغنا أنك تذكر سطيحا تزعم أن الله
خلقه، لم يخلق من بني آدم شيئا يشبهه ؟ قال: قال: نعم إن الله خلق
سطيحا الغساني لحما على وضم (1) ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة،
والكفان.
وكان يطوي من رجليه إلى ترقوته كما يطوى الثوب، ولم يكن فيه شئ يتحرك
إلا لسانه.
فلما أراد الخروج إلى مكة حمل على وضمة فأتي به مكة، فخرج إليه أربعة
من قريش عبد شمس، وهاشم ابنا عبد مناف بن قصي، والاحوص بن فهر، وعقيل
بن أبي وقاص فانتموا إلى غير نسبهم وقالوا نحن أناس من جمح أتيناك
بلغنا قدومك، فرأينا أن إتياننا إياك حق لك واجب علينا وأهدى إليه عقيل
صفيحة هندية، وصعدة ردينية، فوضعت على باب البيت الحرام لينظروا، أهل
يراها سطيح أم لا.
فقال: يا عقيل ناولني يدك فناوله يده فقال: يا عقيل والعالم الخفية،
والغافر الخطية، والذمة الوفية، والكعبة المبنية، إنك للجائي بالهدية،
الصفيحة الهندية، والصعدة
الردينية.
قالوا صدقت يا سطيح، فقال والآتي بالفرح، وقوس قزح، وسائر الفرح،
واللطيم المنبطح، والنخل والرطب والبلح، إن الغراب حيث مر سنح، فأخبر
أن القوم ليسوا من جمح، وإن نسبهم من قريش ذي البطح.
قالوا صدقت يا سطيح نحن أهل البيت الحرام، أتيناك لنزورك لما بلغنا من
علمك.
فأخبرنا عما يكون في زماننا هذا وما يكون بعده فلعل أن يكون عندك في
ذلك علم قال: الآن صدقتم، خذوا مني ومن إلهام الله إياي، أنتم يا معشر
العرب في زمان الهرم، سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا
فهم، وينشو من عقبكم ذوو فهم، يطلبون أنواع العلم، فيكسرون الصنم،
ويبلغون الروم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم، قالو ا يا سطيح فمن يكون
أولئك ؟ فقال لهم: والبيت ذي الاركان، والامن والسكان لينشؤون من عقبكم
ولدان يكسرون الاوثان، وينكرون عبادة الشيطان، ويوحدون الرحمن، وينشرون
دين الديان، يشرفون البنيان، ويستفتون الفتيان، قالوا ياسطيح من نسل من
يكون أولئك ؟ قال: وأشرف الاشراف، والمفضي للاشراف، والمزعزع الاحقاف،
والمضعف الاضعاف، لينشؤون الالاف من عبد شمس وعبد مناف، نشوءا يكون فيه
إختلاف.
قالوا يا سوأتاه يا سطيح مما تخبرنا من العلم بأمرهم ومن أي بلد يخرج
أولئك ؟ فقال والباقي الابد، والبالغ الامد، ليخرجن من ذا البلد، فتى
يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرأ من عبادة الضدد، يعبد ربا
انفرد، ثم
__________
(1) الوضم: شرائح من جريد النخل.
[ * ]
(2/434)
يتوفاه الله
محمودا، من الارض مفقودا، وفي السماء مشهودا.
ثم يلي أمره الصديق إذا قضي صدق، في رد الحقوق لا خرق ولا نزق ثم يلي
أمره الحنيف، مجرب غطريف، ويترك قول العنيف.
قد ضاف المضيف.
وأحكم التحنيف.
ثم يلي أمره داعيا لامره مجربا، فتجتمع له جموعا وعصبا، فيقتلونه نقمة
عليه وغضبا، فيؤخذ الشيخ فيذبح أربا فيقوم به رجال خطبا.
ثم يلي أمره الناصر، يخلط الرأي برأي المناكر، يظهر في الارض العساكر،
ثم يلي بعده ابنه يأخذ جمعه ويقل حمده.
ويأخذ المال ويأكل وحده، ويكثر المال بعقبه من بعده، ثم يلي من بعده
عدة
ملوك، لا شك الدم فيهم مسفوك، ثم بعدهم الصعلوك يطويهم كطي الدرنوك
(1).
ثم يلي من بعده عظهور (2) يقضي الحق ويدني مصر، يفتتح الارض افتتاحا
منكرا، ثم يلي قصير القامة، بظهره علامة يموت موتا وسلامة.
ثم يلي قليلا باكر، يترك الملك بائر يلي أخوه بسنته سابر (3)، يختص
بالاموال والمنابر ثم يلي من بعده أهوج، صاحب دنيا ونعيم مخلج، يتشاوره
معاشره وذووه، ينهضون إليه يخلعونه بأخذ الملك ويقتلونه، ثم يلي أمره
من بعده السابع، يترك الملك محلا ضائع، بنوه في ملكه كالمشوه جامع، عند
ذلك يطمع في الملك كل عريان، ويلي أمره اللهفان.
يرضى نزارا جمع قحطان، إذا التقيا بدمشق جمعان بين بنيان ولبنان، يصنف
اليمن يومئذ صنفان.
صنف المشورة، وصنف المخذول.
لا ترى الاحباء محلول.
وأسيرا مغلول.
بين القراب والخيول.
عند ذلك تخرب المنازل وتسلب الارامل، وتسقط الحوامل وتظهر الزلازل،
وتطلب الخلافة وائل، فتغضب نزار فتدني العبيد والاشرار، وتقصي الامثال
والاخيار.
وتغلو الاسعار في صفر الاصفار يقتل كل حيا منه، ثم يسيرون إلى خنادق
وإنها ذات أشعار وأشجار تصد له الانهار ويهزمهم أول النهار، تظهر
الاخيار فلا ينفعهم نوم ولا قرار.
حتى يدخل مصرا من الامصار، فيدركه القضاء والاقدار.
ثم يجئ الرماة تلف مشاة، لقتل الكماة، وأسر الحماة.
وتهلك الغواة هنالك يدرك في أعلى المياه.
ثم يبور الدين، وتقلب الامور، وتكفر الزبور، وتقطع الجسور، فلا يفلت
إلا من كان في جزائر البحور، ثم تبور الحبوب، وتظهر الاعاريب ليس فيهم
معيب على أهل الفسوق والريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني
المنى.
قالوا ثم ماذا يا سطيح ؟ قال ثم يظهر رجل من أهل اليمن كالشطن (4)،
يذهب الله على رأسه الفتن.
وهذا أثر غريب كتباه لغرابته وما تضمن من الفتن والملاحم.
وقد تقدم قصة شق وسطيح مع ربيعة بن نصر ملك اليمن، وكيف بشر بوجود رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تقدم قصة سطيح مع ابن
__________
(1) الدرنوك: نوع من البسط أو الثياب له خمل.
(2) عظهور: في المعاجم: عظير كإردب، وهو القوي الغليظ.
(3) سابر: واضح.
يومئذ صنفان.
صنف المشورة، وصنف المخذول.
لا ترى الاحباء محلول.
وأسيرا مغلول.
بين القراب والخيول.
عند ذلك تخرب المنازل وتسلب الارامل، وتسقط الحوامل وتظهر الزلازل،
وتطلب الخلافة وائل، فتغضب نزار فتدني العبيد والاشرار، وتقصي الامثال
والاخيار.
وتغلو الاسعار في صفر الاصفار يقتل كل حيا منه، ثم يسيرون إلى خنادق
وإنها ذات أشعار وأشجار تصد له الانهار ويهزمهم أول النهار، تظهر
الاخيار فلا ينفعهم نوم ولا قرار.
حتى يدخل مصرا من الامصار، فيدركه القضاء والاقدار.
ثم يجئ الرماة تلف مشاة، لقتل الكماة، وأسر الحماة.
وتهلك الغواة هنالك يدرك في أعلى المياه.
ثم يبور الدين، وتقلب الامور، وتكفر الزبور، وتقطع الجسور، فلا يفلت
إلا من كان في جزائر البحور، ثم تبور الحبوب، وتظهر الاعاريب ليس فيهم
معيب على أهل الفسوق والريب في زمان عصيب، لو كان للقوم حيا، وما تغني
المنى.
قالوا ثم ماذا يا سطيح ؟ قال ثم يظهر رجل من أهل اليمن كالشطن (4)،
يذهب الله على رأسه الفتن.
وهذا أثر غريب كتباه لغرابته وما تضمن من الفتن والملاحم.
وقد تقدم قصة شق وسطيح مع ربيعة بن نصر ملك اليمن، وكيف بشر بوجود رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكذلك تقدم قصة سطيح مع ابن
__________
(1) الدرنوك: نوع من البسط أو الثياب له خمل.
(2) عظهور: في المعاجم: عظير كإردب، وهو القوي الغليظ.
(3) سابر: واضح.
(4) الشطن: الحبل الطويل، والمراد هنا: الرجل الطويل.
[ * ]
(2/435)
أخته عبد
المسيح حين أرسله ملك بني ساسان، لارتجاس الايوان، وخمود النيران،
ورؤيا الموبذان.
وذلك ليلة مولد الذي نسخ بشريعته سائر الاديان.
* * * تم الجزء الثاني من البداية والنهاية ويليه الجزء الثالث وأوله
باب كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2/436)
|