البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة
وقع فيها كثير من المغازي والسرايا ومن أعظمها وأجلها بدر الكبرى التي كانت في رمضان منها، وقد فرق الله بها بين الحق والباطل، والهدى والغي.
وهذا أوان ذكر المغازي والبعوث فنقول وبالله المستعان
كتاب المغازي
قال الامام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة بعد ذكر أحبار اليهود ونصبهم العداوة للاسلام وأهله وما نزل فيهم من الآيات، فمنهم حيي بن أخطب وأخواه أبو ياسر وجدي، وسلام (1) بن مشكم، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وسلام بن أبي الحقيق وهو أبو رافع الاعور، تاجر أهل الحجاز وهو الذي قتله الصحابة بأرض خيبر كما سيأتي، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وعمرو بن جحاش، وكعب بن الاشرف وهو من طئ ثم أحد بني نبهان وأمه من بني النضير، وقد قتله الصحابة قبل أبي رافع كما سيأتي، وحليفاه الحجاج بن عمرو وكردم بن قيسم لعنهم الله فهؤلاء من بني النضير، ومن بني ثعلبة بن الفطيون عبد الله بن صوريا، ولم يكن
بالحجاز - بعد - أعلم بالتوراة منه.
قلت: وقيل إنه أسلم، وابن صلوبا ومخيريق وقد أسلما يوم أحد كما سيأتي وكان حبر قومه، ومن بني قينقاع زيد بن اللصيت، وسعد بن حنيف، ومحمود بن شيخان (2) وعزيز بن أبي عزيز وعبد الله بن ضيف، وسويد بن الحارث، ورفاعة بن قيس، وفنحاص وأشيع ونعمان بن ضا، وبحري بن عمرو، وشاش بن عدى، وشاش بن قيس، وزيد بن الحارث، ونعمان بن عمير (3) وسكين بن أبي سكين، وعدي بن زيد، ونعمان بن أبي أوفى أبو أنس، ومحمود بن
__________
(1) سلام: يروى بتخفيف اللام كما يروى بتشديدها.
ومن رواها بالتخفيف استشهد بقول الشاعر: سقاني فأرواني كميتا مدامة * على عجل مني سلام بن شكم (2) في ابن هشام: محمود بن سبحان (3) في ابن هشام: عمرو.
(*)

(3/289)


دحية، ومالك بن صيف (1) وكعب بن راشد، وعازر ورافع بن أبي رافع، وخالد وازار بن أبي ازار.
قال ابن هشام: ويقال آزر بن أبي آزر، ورافع بن حارثة، ورافع بن حريملة، ورافع بن خارجة، ومالك بن عوف، ورفاعة بن زيد بن التابوت، وعبد الله بن سلام.
قلت: وقد تقدم إسلامه رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: وكان حبرهم وأعلمهم، وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله.
قال ابن إسحاق: ومن بني قريظة الزبير بن باطا بن وهب، وعزال بن شموال وكعب بن أسد وهو صاحب عقدهم الذي نقضوه عام الاحزاب وشمويل بن زيد، وجبل بن عمرو بن سكينة، والنحام بن زيد، وكردم بن كعب (2) ووهب بن زيد ونافع بن أبي نافع، [ وأبو نافع ] (3) وعدي بن زيد، والحارث بن عوف، وكردم بن زيد، وأسامة بن حبيب، ورافع بن زميلة (4)، وجبل بن أبي قشير، ووهب بن يهوذا.
قال ومن بني زريق، لبيد بن أعصم وهو الذي سحر (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يهود بني حارثة، كنانة بن صوريا.
ومن يهود بني عمرو بن عوف قردم بن عمرو، ومن يهود بني النجار، سلسلة
ابن برهام.
قال ابن إسحاق: فهؤلاء أحبار يهود وأهل الشرور والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، وأصحاب المسألة الذين يكثرون الاسئلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التعنت والعناد والكفر قال وأصحاب النصب لامر الاسلام ليطفئوه إلا ما كان من عبد الله بن سلام ومخيريق، ثم ذكر إسلام عبد الله بن سلام (6) واسلام عمته خالدة [ بنت الحارث ] كما قدمناه وذكر إسلام مخيريق يوم أحد كما سيأتي وأنه قال لقومه - وكان يوم السبت - يا معشر يهود والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال لا سبت لكم.
ثم أخذ سلاحه وخرج
__________
(1) ويروى: الضيف وهما روايتان فيه.
(2) في ابن هشام: قردم بن كعب.
(3) من ابن هشام، سقطت من الاصل.
(4) في ابن هشام: رميلة بالراء.
(5) في ابن هشام: أخذ، وأخد من الاخذة وهو ضرب من السحر.
قال السهيلي: وهذا الحديث مشهور عند الناس ثابت عند أهل الحديث غير أني لم أجد في الكتب المشهورة لم لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك السحر حتى شفي منه.
ووجدت في جامع معمر بن راشد: روى معمر عن الزهري قال: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة.
والحديب أخرجه البخاري عن أنس بن عياض في 80 كتاب الدعوات 57 باب فتح الباري 11 / 192 ورواه البخاري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرجاه من أوجه أخر عن هشام ورواه البيهقي في الدلائل عن الكلبي عن أبي صالح، أبي النضر الكوفي، عن ابن عباس ج 6 / 247 - 248.
(6) قال السهيلي: سلام بتخفيف اللام ولا يوجد من اسمه سلام بالتخفيف في المسلمين ويقال سلام بالتشديد، وسلام بالتخفيف في اليهود.
(*)

(3/290)


وعهد إلى من وراءه من قومه إن قتلت هذا اليوم فأموالي لمحمد يرى فيها ما أراه الله - وكان كثير الاموال - ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه، قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
فيما بلغني " مخيريق خير يهود " (1).
فصل ثم ذكر ابن إسحاق من مال إلى هؤلاء الاضداد من اليهود من المنافقين من الاوس والخزرج فمن الاوس زوى بن الحارث، وجلاس بن سويد بن الصامت الانصاري وفيه نزل: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) [ التوبة: 74 ] وذلك أنه قال حين تخلف عن غزوة تبوك لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر، فنماها ابن امرأته عمير بن سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر الجلاس ذلك وحلف ما قال فنزل فيه ذلك.
قال وقد زعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الاسلام والخير قال وأخوه الحارث بن سويد، وهو الذي قتل المجذر بن ذياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد، خرج مع المسلمين وكان منافقا فلما التقى الناس عدا عليهما فقتلهما ثم لحق بقريش.
قال ابن هشام: وكان المجذر قد قتل أباه سويد بن الصامت في بعض حروب (2) الجاهلية فأخذ بثأر أبيه منه يوم أحد، كذا قال ابن هشام.
وقد ذكر ابن إسحاق أن الذي قتل سويد بن الصامت إنما هو معاذ بن عفراء قتله في غير حرب قبل يوم بعاث رماه بسهم فقتله.
وأنكر ابن هشام أن يكون الحارث قتل قيس بن زيد، قال لان ابن إسحاق لم يذكره في قتلى أحد.
قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمر عمر بن الخطاب بقتله ان هو ظفر به، فبعث الحارث إلى أخيه الجلاس يطلب له التوبة ليرجع إلى قومه، فأنزل الله - فيما بلغني عن ابن عباس (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين) [ آل عمران: 86 ] إلى آخر القصة.
قال: وبجاد بن عثمان بن عامر، ونبتل بن الحارث وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا " وكان جسيما أدلم (3) ثائر شعر الرأس أحمر العينين أسفع الخدين، وكان يسمع الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينقله إلى المنافقين وهو الذي قال: إنما محمد أذن، من حدثه بشئ صدقه.
__________
(1) علل السهيلي قوله: مخيريق خير يهود قال: ومخيريق مسلم، ولا يجوز أن يقال في مسلم: هو خير النصارى ولا
خير اليهود، فإن قيل وكيف جاز هذا ؟ قلنا: لانه قال:: خير يهود، ولم يقل: خير اليهود، ويهود اسم علم كثمود..(2) تقدم التعليق على مقتله، وكان ذلك يوم بعاث.
(3) الادلم: الاسود الطويل، وقيل هو المسترحي الشفتين.
(*)

(3/291)


فأنزل الله فيه: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) [ التوبة: 61 ] الآية.
قال: وأبو حبيبة بن الازعر وكان ممن بنى مسجد الضرار، وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير، وهما اللذان عاهدا الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ثم نكثا، فنزل فيهما ذلك، ومعتب هو الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الامر شئ ما قتلنا ههنا فنزل فيه (1) الآية.
وهو الذي قال يوم الاحزاب كان محمد يعدنا أنا نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يؤمن أن يذهب إلى الغائط فنزل فيه: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا).
قال ابن إسحاق: والحراث بن حاطب.
قال ابن هشام.
ومعتب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب، وهما من بني أمية بن زيد من أهل بدر وليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم.
قال وقد ذكر ابن إسحاق ثعلبة والحارث في بني أمية بن زيد في أسماء أهل بدر (2).
قال ابن إسحاق: وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وبخرج وكان ممن بنى مسجد الضرار وعمرو بن حرام (3) وعبد الله بن نبتل، وجارية بن عامر بن العطاف، وابناه يزيد (4) ومجمع ابنا جارية وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع غلاما حدثا قد جمع أكثر القرآن و [ كان ] يصلي بهم فيه، فلما خرب مسجد الضرار - كما سيأتي بيانه بعد غزوة تبوك - وكان في أيام عمر سأل أهل قباء عمر أن يصلي بهم مجمع فقال: لا والله، أو ليس إمام المنافقين في مسجد الضرار ؟ فحلف بالله ما علمت بشئ من أمرهم فزعموا أن عمر تركه فصلى بهم.
قال ووديعة بن ثابت وكان ممن بنى مسجد الضرار وهو الذي قال: إنما كنا نخوض ونلعب فنزل فيه ذلك (5).
قال
وخذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره.
قال ابن هشام مستدركا على ابن إسحاق في منافقي بني النبيت من الاوس وبشر ورافع ابنا زيد.
قال ابن إسحاق: ومربع بن قيظي - وكان أعمى - وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه وهو ذاهب إلى أحد: لا أحل لك إن كنت نبيا أن تمر في حائطي وأخذ في يده حفنة من تراب ثم قال: والله لو أعلم أني لا
__________
(1) نزل فيه قوله تعالى: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون لو كان لنا من الامر شئ...).
(2) ذكرهما الواقدي في المغازي في أهل بدر، وقال: الحارث بن حاطب رده من الروحاء وضرب له بسهمه وأجره 1 / 159.
(3) في ابن هشام: عمرو بن خذام.
(4) في ابن هشام: زيد.
(5) نزل فيه قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون).
(*)

(3/292)


أصيب بها غيرك لرميتك بها، فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه فهذا الاعمى أعمى القلب أعمى البصر " (1) وقد ضربه سعد بن زيد الاشهلي بالقوس فشجه.
قال وأخوه أوس بن قيظي وهو الذي قال [ لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ] (2): إن بيوتنا عورة.
قال الله: (وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) [ الاحزاب: 13 ] قال وحاطب بن أمية بن رافع وكان شيخا جسيما قد عسا (3) في جاهليته، وكان له ابن من خيار المسلمين يقال له يزيد بن حاطب أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحمل إلى دار بني ظفر.
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة فأنه اجتمع إليه من بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو يموت فجعلوا يقولون: أبشر بالجنة يا ابن حاطب.
قال: فنجم نفاق أبيه فجعل يقول: أجل جنة من حرمل، غررتم والله هذا المسكين من نفسه.
قال وبشير بن أبيرق أبو طعمة سارق الدرعين الذي أنزل الله فيه: (ولا تجادل عن
الذين يختانون أنفسهم) الآيات (4).
قال وقزمان حليف لبني ظفر الذي قتل يوم أحد سبعة (5) نفر، ثم لما آلمته الجراحة قتل نفسه وقال: والله ما قاتلت إلا حمية على قومي ثم مات لعنه الله.
قال ابن إسحاق: ولم يكن في بني عبد الاشهل منافق ولا منافقة يعلم إلا أن الضحاك بن ثابت كان يتهم بالنفاق وحب يهود فهؤلاء كلهم من الاوس.
قال ابن إسحاق: ومن الخزرج رافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس، وقيس بن عمرو بن سهل، والجد بن قيس وهو الذي قال: [ يا محمد ] ائذن لي ولا تفتني، وعبد الله بن أبي بن سلول، وكان رأس المنافقين ورئيس الخزرج والاوس أيضا، كانوا قد أجمعوا على أن يملكوه عليهم في الجاهلية، فلما هداهم الله للاسلام قبل ذلك شرق اللعين بريقه وغاظه ذلك جدا، وهو الذي قال (6): لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الاعز منها الاذل، وقد نزلت فيه آيات كثيرة جدا، وفيه وفي وديعة - رجل من بني عوف - ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس وهتم من رهطة نزل قوله تعالى: (لئن أخرجوا لا يخرجون
__________
(1) في ابن هشام: أعمى البصيرة.
(2) من ابن هشام.
(3) عسا: أي كبر وأسن.
(4) وأما قصة نزول هذه الآيات فهي: أن بني ابيرق - بشر ومبشر وبشير، نقب أحدهم أو كلهم مشربة لرفاعة بن زيد وسرقوا له طعاما وادراعا، فجاء ابن أخيه قتادة يشكو الامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أحد بني الابيرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغربا هذه التهمة ومدافعا ومنكرا وطالب بالبينة وجعل يجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أغضبه على قتادة ورفاعة فأنزل الله تعالى (ولا تجادل) وكان البرئ الذي اتهم بالسرقة لبيد بن سهل وقد رماه بالسرقة بنو الابيرق، فبرأه الله فهرب بنو الابيرق - هرب من سرق منهم - إلى مكة ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيب..فقال فيها حسان شعرا، فأخرجته من بيتها فهرب إلى خيبر..حيث مات وهو يسرق بيتا وقع حائطه عليه فقتله.
(5) في نسخة لابن هشام: تسعة.
وفي نسخة أخرى: بضعة نفر.
(6) وكان ذلك في غزوة بني المصطلق، وفي قوله ذلك نزلت سورة المنافقين بأسرها فيه وفي رهطه المنافقين.
(*)

(3/293)


معهم) الآيات حين مالوا في الباطن إلى بني النضير.
فصل [ في إسلام بعض أحبار يهود نفاقا ] (1) ثم ذكر ابن إسحاق من أسلم من أحبار اليهود على سبيل التقية فكانوا كفارا في الباطن فاتبعهم بصنف المنافقين وهم من شرهم، سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، وهو الذي قال حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله لا أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها فهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها " فذهب رجال من المسلمين فوجدوها كذلك.
قال ونعمان بن أوفى، وعثمان بن أوفى، ورافع بن حريملة، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات - فيما بلغنا -: " قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين " ورفاعة بن زيد بن التابوت: وهو الذي هبت الريح الشديدة يوم موته عند مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك (2) فقال: " إنها هبت لموت عظيم من عظماء الكفار " فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة قد مات في ذلك اليوم وسلسلة بن برهام وكنانة بن صوريا.
فهؤلاء ممن أسلم من منافقي اليهود قال: فكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد ويسمعون أحاديث المسلمين ويسخرون ويستهزئون بدينهم، فاجتمع في المسجد يوما منهم أناس فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم إلى بعض، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا، فقام أبو أيوب إلى عمرو بن قيس أحد بني النجار - وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه وهو يقول - لعنه الله - أتخرجني يا أبا أيوب من مربد بني ثعلبة ؟ ثم أقبل أبو أيوب إلى رافع بن وديعة النجاري فلببه بردائه، ثم نتره نترا شديدا (3) ولطم وجهه فأخرجه من المسجد وهو يقول: أف لك منافقا خبيثا.
وقام عمارة بن حزم إلى زيد بن عمرو - وكان طويل اللحية - فأخذ بلحيته وقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عمارة يديه جميعا فلدمه بهما لدمة في صدره خر منها قال يقول: خدشتني يا عمارة، فقال عمارة.
أبعدك الله يا منافق، فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو محمد مسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار - وكان بدريا - إلى قيس بن عمرو بن سهل وكان شابا - وليس في المنافقين شاب سواه - فجعل يدفع
__________
(1) زيادة استدركت لمزيد من التوضيح.
(2) في ابن هشام: من غزوة بني المصطلق.
(3) في النهاية: النتر جذب فيه قوة وجفوة.
(*)

(3/294)


في قفاه حتى أخرجه.
وقام رجل من بني خدرة (1) إلى رجل يقال له الحارث بن عمرو - وكان ذا جمة - فأخذ بجمته فسحبه بها سحبا عنيفا على ما مر به من الارض حتى أخرجه، فجعل يقول المنافق: قد أغلظت يا أبا (2) الحارث، فقال: إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل فيك، فلا تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك نجس، وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه زوى بن الحارث فأخرجه إخراجا عنيفا وأفف منه وقال: غلب عليك الشيطان وأمره، ثم ذكر ابن إسحاق ما نزل فيهم من الآيات من سورة البقرة، ومن سورة التوبة، وتكلم على تفسير ذلك فأجاد وأفاد رحمه الله (3).
أول المغازي وهي غزوة الابواء أبو غزوة ودان وهو بعث حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث كما سيأتي في المغازي.
قال البخاري " كتاب المغازي " (4).
قال ابن إسحاق: أول ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الابواء.
ثم بواط، ثم العشيرة.
ثم روى عن زيد بن أرقم أنه سئل كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: تسع عشرة شهد منها سبع عشرة أولهن العسيرة - أو العشيرة -.
وسيأتي الحديث باسناده ولفظه والكلام عليه عند غزوة العشيرة إن شاء الله وبه الثقة.
وفي صحيح البخاري عن بريدة قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة ولمسلم عنه أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة، وفي رواية له عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وقاتل في ثماني منهن.
قال الحسين بن واقد عن ابن بريدة
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة وقاتل في ثمان، يوم بدر، وأحد، والاحزاب، والمريسيع، وقديد، وخيبر، ومكة، وحنين.
وبعث أربعا وعشرين سرية وقال يعقوب بن سفيان حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي التنوخي ثنا الهيثم بن حميد أخبرني النعمان عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ثمانية عشر غزوة، قاتل في ثمان غزوات، أولهن بدر، ثم أحد، ثم الاحزاب، ثم قريظة، ثم بئر معونة ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة مكة، ثم حنين والطائف (5) قوله بئر معونة بعد قريظة فيه نظر، والصحيح أنها بعد أحد كما سيأتي.
قال يعقوب حدثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري سمعت سعيد بن المسيب يقول: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة، وسمعته مرة أخرى يقول أربعا
__________
(1) ذكر ابن هشام في السيرة اسم الرجل: عبد الله بن الحارث من بني الخزرج.
(2) في ابن هشام: يا بن الحارث.
(3) راجع سيرة ابن هشام ج 2 / 177 وما بعدها.
(4) في البخاري: كتاب المغازي - باب غزوة العشيرة أو العسيرة ج 5 / 176.
(5) الغزوات المذكورة تسع لا ثماني.
(*)

(3/295)


وعشرين.
فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعه بعد ذلك.
وقد روى الطبراني عن الدبري (1) عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة وقال عبد الرحمن بن حميد في مسنده: حدثنا سعيد بن سلام ثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير عن جابر.
قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين غزوة.
وقد روى الحاكم من طريق هشام عن قتادة: أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه كانت ثلاثا وأربعين.
ثم قال الحاكم: لعله أراد السرايا (2) دون الغزوات، فقد ذكرت في الاكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه زيادة على المائة.
قال وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد الله بن نصر، السرايا والبعوث دون الحروب نيفا وسبعين.
وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا، وحمله كلام قتادة على
ما قال فيه نظر.
وقد روى الامام أحمد: عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي عن قتادة أن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه ثلاث وأربعون: أربع وعشرون بعثا، وتسع عشرة غزوة.
خرج في ثمان منها بنفسه، بدر، وأحد، والاحزاب، والمريسيع، وخيبر، وفتح مكة وحنين.
وقال موسى بن عقبة عن الزهري: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها، يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق - وهو يوم الاحزاب وبني قريظة - في شوال من سنة أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس، ثم قاتل يوم خيبر سنة ست، ثم قاتل يوم الفتح في رمضان سنة ثمان، ثم قاتل يوم حنين وحاصر أهل الطائف في شوال سنة ثمان (3)، ثم حج أبو بكر سنة تسع، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر، وغزا ثنتي عشرة غزوة ولم يكن فيها قتال، وكانت أول غزاة غزاها
__________
(1) في الاصل: الدري، والصواب الدبري وهو إسحاق بن إبراهيم الدبري.
(2) اتفق أصحاب السير والرواة أن الغزوة هي الحرب التي يحضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ويقاتل فيها، وأما البعث أو السرية فيكلف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه أو طائفة منهم.
وقد اختلف أصحاب السير في عدد غزواته وسراياه.
والاقرب للصحة أنه خرج في سبع وعشرين غزوة قاتل في تسع منها - وقال ابن سعد ويقال قاتل في بني النضير ووادي القرى وقاتل في الغابة - وبلغ عدد بعوثه وسراياه سبعا وأربعين.
وذكر الصالحي أسماء الغزوات في السيرة الشامية 4 / 16 قال هي: غزوة الابواء - (ودان) - غزوة بواط - غزوة سفوان - بدر الاولى - غزوة العشيرة - غزوة بدر الكبرى - غزوة بني سليم - (قرقر الكدر) غزوة السويق، غزوة غطفان، غزوة الفرع، غزوة بني قينقاع، غزوة أحد، غزوة حمراء الاسد، غزوة بني النضير، غزوة بدر الموعد، غزوة دومة الجندل، غزوة المريسيع، غزوة الخندق، غزوة بني قريظة، غزوة بني لحيان، غزوة الحديبية، غزوة ذي قرد، غزوة خيبر، غزوة ذات الرقاع، غزوة عمرة القضاء، غزوة فتح مكة، غزوة حنين، غزوة الطائف، غزوة تبوك.
(3) قال الواقدي في المغازي 1 / 6: وحج الناس سنة ثمان، ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن أسيد على
الحج، ويقال حج الناس أوزاعا (متفرقين) بلا أمير.
(*)

(3/296)


الابواء.
وقال حنبل بن هلال عن إسحاق بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرفى (الرقى) عن مطرف بن مازن اليماني عن معمر عن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) الآية بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يوم الجمعة لسبع عشرة من رمضان، إلى أن قال ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحدا في شوال - يعني من سنة ثلاث - ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع (1)، ثم قاتل بني لحيان في شعبان سنة خمس (2)، ثم قاتل يوم خيبر سنة ست (3)، ثم قاتل يوم الفتح في شعبان (4) سنة ثمان، وكانت حنين في رمضان (5) سنة ثمان.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة غزوة لم يقاتل فيها، فكانت أول غزوة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم الابواء.
ثم العشيرة، ثم غزوة غطفان، ثم غزوة بني سليم، ثم غزوة الابواء (6) ثم غزوة بدر الاولى، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة الحديبية، ثم غزوة الصفراء، ثم غزوة تبوك آخر غزوة.
ثم ذكر البعوث، هكذا كتبته من تاريخ الحافظ ابن عساكر وهو غريب جدا، والصواب ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله مرتبا.
وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به والاعتبار بأمره والتهيؤ له كما رواه محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي عن أبيه سمعت علي بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن.
قال الواقدي: وسمعت محمد بن عبد الله يقول سمعت عمي الزهري يقول: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا وقال محمد بن إسحاق (رح) في المغازي بعد ذكره ما تقدم مما سقناه عنه من تعيين رؤس الكفر من اليهود والمنافقين لعنهم الله أجمعين وجمعهم في أسفل سافلين.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهيأ لحربه وقام فيما أمره الله به من جهاد عدوه وقتال من أمره به ممن يليه من المشركين، قال: وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثلاث وخمسين سنة، وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة فأقام بقية شهر ربيع الاول، وشهر ربيع الآخر وجمادين ورجبا وشعبان وشهر
رمضان وشوالا وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون.
والمحرم، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا في صفر على رأس اثني عشر (7) شهرا من مقدمه المدينة.
قال ابن
__________
(1) في مغازي الواقدي: في ذي القعدة سنة خمس.
(2) في الواقدي: في ربيع الاول سنة ست.
(3) في الواقدي: في جمادي الاولى سنة سبع.
(4) في الواقدي: لثلاث عشرة مضت من رمضان.
(5) في الواقدي: في شوال.
(6) كذا في الاصل: كرر غزوة الابواء مرتين، وفي ابن هشام: الابواء، بواط، العشيرة..الخ.
(7) في الواقدي: أحد عشر شهرا، وفي كامل ابن الاثير أنه صلى الله عليه وسلم عقد لسعد بن أبي وقاص وسيره إلى الايواء في ذي القعدة من السنة الاولى لمقدمه المدينة.
وقال الطبري في تاريخه: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول جميع أهل السير فيها ؟ - أي في السنة الثانية - في ربيع الاول بنفسه غزوة الابواء.
وقال الواقدي: غاب خمس عشرة ليلة.
(*)

(3/297)


هشام: واستعمل على المدينة سعد بن عبادة.
قال ابن إسحاق: حتى بلغ ودان (1) وهي غزوة الابواء (2)، قال ابن جرير: ويقال لها غزوة ودان أيضا، يريد قريشا وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه (3) منهم مخشى بن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك.
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الاول.
قال ابن هشام: وهي أول غزوة غزاها عليه السلام.
قال الواقدي وكان لواؤه مع عمه حمزة، وكان أبيض.
[ سرية عبيدة بن الحارث ] (4) قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين - أو ثمانين - راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد، فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش، فلم يكن بينهم
قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله في الاسلام.
ثم انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية.
وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار قال ابن إسحاق: وكان على المشركين يومئذ عكرمة بن أبي جهل.
وروى ابن هشام عن أبي عمرو بن العلاء (5) عن أبي عمرو المدني أنه قال: كان عليهم مكرز بن حفص.
قلت: وقد تقدم عن حكاية الواقدي قولان، أحدهما أنه مكرز، والثاني أنه أبو سفيان صخر بن حرب وأنه رجح أنه أبو سفيان فالله أعلم.
ثم ذكر ابن إسحاق القصيدة المنسوبة إلى أبي [ بكر ] الصديق في هذه السرية التي أولها: أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث * أرقت وأمر في العشيرة حادث
__________
(1) ودان: بفتح الواو: قرية جامعة من أمهات القرى من عمل الفرع، وقيل: واد على الطريق يقطعه المصعدون من حجاج المدينة.
وتبعد عن الابواء ستة أميال هي بحذائها: قاله الطبري.
(2) الابواء: قرية من عمل الفرع بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلا.
(3) في مغازي الواقدي: وادعهم على ألا يكثروا عليه، ولا يعينوا عليه أحدا، ثم كتب بينهم وبينه كتابا.
أنظر في غزوة الابواء ابن هشام ج 2 وابن سعد ج 2 والواقدي ج 1 والطبري ج 2 والدرر لابن عبد البر 96 وسبل الهدى ج 4 ودلائل البيهقي ج 3.
(4) سقط من الاصل، عنوان استدركناه من كتب السير والمغازي.
لمزيد من التوضيح والتبويب.
(5) في سيرة ابن هشام: قال ابن هشام: حدثني ابن أبي عمرو بن العلاء.
(*)

(3/298)


ترى من لؤي فرقة لا يصدها * عن الكفر تذكير ولا بعث باعث رسول أتاهم صادق فتكذبوا * عليه وقالوا لست فينا بماكث إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا * وهروا هرير المحجرات اللواهث (1)
القصيدة إلى آخرها، وذكر جواب عبد الله بن الزبعري في مناقضتها التي أولها: أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث * بكيت بعين دمعها غير لابث (2) ومن عجيب الايام - والدهر كله * له عجب - من سابقات وحادث لجيش أتانا ذي عرام يقوده * عبيدة يدعى في الهياج ابن حارث لنترك أصناما بمكة عكفا * مواريث موروث كريم لوارث وذكر تمام القصيدة وما منعنا من إيرادها بتمامها إلا أن الامام عبد الملك بن هشام (رح) وكان إماما في اللغة ذكر أن أكثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين (3).
قال ابن إسحاق وقال سعد بن أبي وقاص في رميته تلك فيما يذكرون: ألا هل أتى رسول الله أني * حميت صحابتي بصدور نبلي أذود بها أوائلهم ذيادا * بكل حزونة وبكل سهل فما يعتد رام في عدو * بسهم يا رسول الله قبلي وذلك أن دينك دين صدق * وذو حق أتيت به وفضل (4) ينجى المؤمنون به ويخزى * به الكفار عند مقام مهل فمهلا قد غويت فلا تعبني * غوي الحي ويحك يا ابن جهل (5) قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لسعد.
قال ابن إسحاق: فكانت راية عبيدة - فيما بلغنا - أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام لاحد من المسلمين.
وقد خالفه الزهري وموسى بن عقبة والواقدي فذهبوا إلى أن بعث حمزة قبل بعث عبيدة بن الحارث والله أعلم وسيأتي في حديث سعد بن أبي وقاص أن أول امراء السرايا عبد الله بن جحش الاسدي.
__________
(1) هروا: وثبوا كما تثب الكلاب: المحجرات وفي ابن هشام: المجحرات: وهي الكلاب التي أجحرت أي ألجئت إلى مواضعها.
(2) العثاعث: واحدها عثعث وهي أكداس الرمل التي لا تنبت شيئا.
(3) يرجح قول ابن هشام في نفيه القصيدة ونسبتها إلى أبي بكر، ما روى عروة عن عائشة ابنة أبي بكر أنها قالت:
كذب من أخبركم أن أبا بكر قال بيت شعر في الاسلام.
(4) في ابن هشام: وعدل مكان وفضل.
(5) المراد عكرمة بن أبي جهل، وكان كما في رواية على القوم سيدهم وأميرهم.
(*)

(3/299)


قال ابن إسحاق: وبعض العلماء يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه حين أقبل من غزوة الابواء قبل أن يصل إلى المدينة وهكذا حكى موسى بن عقبة عن الزهري.