البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

غزوة بني النضير
وفيها سورة الحشر في صحيح البخاري عن ابن عباس: أنه كان يسميها سورة بني النضير.
وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال: كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد.
وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره: عن أبيه، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري
به، وهكذا روى حنبل بن إسحاق عن هلال بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن مطرف بن مازن اليماني، عن معمر، عن الزهري فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة
__________
= ربيعة قد كان مات قبل ذلك لا كما قال بعضهم من أجل القافية.
(1) قال السهيلي: واسمها ليلى بنت عامر.
(2) أشواه: أخطأ مقتله.
وقيل انه بعدما وقع وثب قوم عامر عليه فأخذوه وقالوا لعامر: اقتص فأخرجه من الحي، ثم حفر بئرا وقال: اشهدوا اني قد جعلت ديته في هذه البئر ثم رد فيها ترابها، قال الزرقاني: وعامر بن الطفيل ابن أخي أبي براء ملاعب الاسنة.
(3) الخبر في ابن هشام ج 3 / 195 ونقله صاحب الدرر ص 162.
وقال: سياق ابن اسحاق أحسن وأبين.
(4) عجزه في الديوان: مناياهم ولاقتهم بقدر.
(*)

(4/85)


ثنتين، قال ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحدا في شوال سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع.
وقال البيهقي: وقد كان الزهري يقول هي قبل أحد، قال وذهب آخرون إلى أنها بعدها وبعد بئر معونة أيضا (5).
قلت: هكذا ذكر ابن إسحاق كما تقدم فإنه بعد ذكره بئر معونة ورجوع عمرو بن أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد قتلت رجلين لادينهما ".
قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية للعهد الذي كان صلى الله عليه وسلم أعطاهما، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف، فلما أتاهم صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك عى ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي.
فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام
وخرج راجعا إلى المدينة.
فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة.
فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر، بما كانت يهود أرادت من الغدر به (2)، قال الواقدي: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده فبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر، فقويت عند ذلك نفوسهم وحمى حيي بن أحطب وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يخرجون ونابذوه بنقض العهود فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم، قال الواقدي: فحاصروهم خمس عشرة ليلة (3).
وقال ابن إسحاق: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيوء لحربهم والمسير إليهم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في شهر ربيع الاول.
قال ابن إسحاق فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر حينئذ، وتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها، قال وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ووديعة ومالك [ بن أبي قوقل ] وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وان أخرجتم خرجنا معكم.
فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا
__________
(1) دلائل النبوة ج 3 / 354.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 201.
(3) في الواقدي 1 / 374: يوما.
(*)

(4/86)


رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الابل من أموالهم إلا الحلقة (1).
وقال العوفي عن ابن عباس أعطى كل ثلاثة بعيرا يعتقبونه وسقا (2) رواه البيهقي وروى: من طريق يعقوب بن محمد عن الزهري (3) عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليه بني النضير، وأمره أن
يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.
وروى البيهقي وغيره أنه كانت لهم ديون مؤجلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوا وتعجلوا.
وفي صحته نظر، والله أعلم.
قال ابن إسحاق: فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف (4) بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.
فكان من أشراف من ذهب منهم إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها.
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث: انهم استقبلوا بالنساء والابناء والاموال، معهم الدفوف والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر ما رؤي مثله لحي من الناس في زمانهم.
قال: وخلوا الاموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني النخيل والمزارع - فكانت له خاصة، يضعها حيث شاء فقسمها على المهاجرين الاولين دون الانصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما (5) (وأضاف بعضهم إليهما الحارث بن الصمة حكاه السهيلي).
قال ابن إسحاق: ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: وهما يامين بن عمير، أبو (6) كعب ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب فأحرزا أمو الهما.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني ؟ فجعل يامين لرجل جعلا على أن يقتل عمرو بن جحاش فقتله لعنه الله.
قال ابن إسحاق: فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكمالها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله، وما عمل به فيهم.
ثم شرع ابن إسحاق يفسرها وقد تكلمنا عليها بطولها مبسوطة في كتابنا التفسير ولله الحمد قال الله تعالى: (سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر (8) ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم
__________
(1) الحلقة: السلاح كله، أو خاص بالدروع.
(2) في البيهقي: وسقاء قال والجلاء: إخراجهم من أراضيهم إلى أرض أخرى.
(3) في رواية البيهقي ج 3 / 360: يعقوب بن محمد الزهري.
(4) النجاف: العتبة التي بأعلى الباب.
والاسكفة: العتبة التي بأسفله.
(5) زاد الواقدي: انه أعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق.
(6) في الاصول بن وهو تحريف، والتصويب عن شرح السيرة لابي ذر الخشني.
(7) كانت أخت يامين: الرواع بنت عمير تحت عمرو بن جحاش ابن عم يامين الذي جعل لرجل من قيس عشرة دنانير على أن يقتل عمرو فاغتاله فقتله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك (الواقدي 1 / 374).
(8) قوله أول الحشر: عن عروة عن عائشة: كان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.
(*)

(4/87)


حصونهم من الله فأتاهم من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار ولولا أن كتب عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار وذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب.
ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ولنجزى الفاسقين).
سبح سبحانه وتعالى نفسه الكريمة وأخبر أنه يسبح له جميع مخلوقاته العلوية والسفلية وأنه العزيز وهو منيع الجناب فلا ترام عظمته وكبرياؤه وانه الحكيم في جميع ما خلق وجميع ما قدر وشرع، فمن ذلك تقديره وتدبيره وتيسيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين في ظفرهم بأعدائهم اليهود الذين شاقوا الله ورسوله وجانبوا رسوله وشرعه وما كان من السبب المفضي لقتالهم كما تقدم حتى حاصرهم المؤيد بالمرعب والرهب مسيرة شهر ومع هذا فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال فذهب بهم الرعب كل مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به ركابهم على أنهم لا يصحبون شيئا من السلاح إهانة لهم واحتقارا فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار.
ثم ذكر تعالى أنه لو لم يصبهم الجلاء وهو التسيير والنفي من جوار الرسول من المدينة لاصابهم ما هو أشد منه من العذاب الدنيوي وهو القتل مع ما ادخر لهم في الآخرة من العذاب الاليم المقدر لهم.
ثم ذكر تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم وترك ما بقي لهم وأن ذلك كله سائغ فقال ما قطعتم من لينة - وهو جيد الثمر - أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله.
إن الجميع قد أذن فيه شرعا وقدرا فلا حرج عليكم فيه ولنعم ما رأيتم من ذلك
وليس هو بفساد كما قاله شرار العباد إنما هو إظهار للقوة واخزاء للكفرة الفجرة.
وقد روى البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين) (1).
وعند البخاري: من طريق جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير [ وقطع وهي البويرة ] (2) ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير (3)
__________
(1) سورة الحشر آية 5.
والحديث رواه البخاري في تفسير سورة الحشر، ومسلم في 32 كتاب الجهاد والسير 10 باب ح 29.
(2) ما بين معكوفين سقطت من الصحيح، واثبتت في رواية الليث.
والحديث أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 14 باب حديث بني النضير، فتح الباري (7 / 329).
(3) سراة القوم: سادتهم.
بني لؤي: يريد بهم شجعان قريش.
قال الكرماني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاربه، وذلك لان قريشا هم الذين حملوا كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة على نقض العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج معهم إلى الخندق.
(*)

(4/88)


فأجابه أبو سفيان بن الحارث (1) أنه يقول: أدام الله ذلك من صنيع * وحرق في نواحيها السعير ستعلم أينا منها بستر * وتعلم أي.
أرضينا نضير قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الاشرف فالله أعلم.
لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذاك الدهر ذو صرف يدور (2) وذلك أنهم كفروا برب * عظيم أمره أمر كبير
وقد أتوا معا فهما وعلما * وجاءهم من الله النذير نذير صادق أدى كتابا * وآيات مبينة تنير فقالوا ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير فقال: بلى لقد أديت حقا * يصدقني به الفهم الخبير فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يخز الكفور فلما أشربوا غدرا وكفرا * وجد بهم عن الحق النفور (3) أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور بأمر محمد إذ دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير فما كره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير (4) غداة أتاهم في الزحف رهوا * رسول الله وهو بهم بصير وغسان الحماة مؤازروه * على الاعداء وهم لهم وزير فقال السلم ويحكم فصدوا * وخالف أمرهم كذب وزور (5) فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير
__________
(1) أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان على كفره وقد أسلم بعد في الفتح وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) الحبور: جمع حبروهم علماء اليهود.
(3) في شرح السيرة لابي در: وحاد بهم بدل وجد بهم: أي مال بهم.
(4) أبارهم: أهلكهم.
(5) في رواية أبي ذر: وحالف: أي صاحب.
(*)

(4/89)


وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور وقد ذكر ابن إسحاق جوابها لسمال (1) اليهودي، فتركناها قصدا.
قال ابن إسحاق: وكان مما قيل في بني النضير قول ابن لقيم العبسي، ويقال قالها قيس بن بحرين طريف الاشجعي: أهلي فداء لامرئ غير هالك * أحل اليهود بالحسي المزنم (2) يقيلون في خمر العضاه وبدلوا * أهيضب عودا بالودي المكمم (3) فإن يك ظني صادقا بمحمد * تروا خيلة بين الضلا ويرمرم (4) يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم * عدو وما حي صديق كمجرم عليهن أبطال مساعير في الوغى * يهزون أطراف الوشيج المقوم وكل رقيق الشفرتين مهند * توورثن من أزمان عاد وجرهم فمن مبلغ عني قريشا رسالة * فهل بعدهم في المجد من متكرم بأن أخاهم فاعلمن محمدا * تليد الندى بين الحجون وزمزم فدينوا له بالحق تجسم أموركم * وتسمو من الدنيا إلى كل معظم نبي تلافته من الله رحمة * ولا تسألوه أمر غيب مرجم فقد كان في بدر لعمري عبرة * لكم يا قريش والقليب الملمم غداة أتى في الخزرجية عامدا * إليكم مطيعا للعظيم المكرم معانا بروح القدس ينكى عدوه * رسولا من الرحمن حقا بمعلم (5) رسولا من الرحمن يتلو كتابه * فلما أنار الحق لم يتلعثم أرى أمره يزداد في كل موطن * علوا لامر حبه الله محكم قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب، وقال ابن هشام قالها رجل من المسلمين ولم أر أحدا يعرفها لعلي:
عرفت ومن يعتدل يعرف * وأيقنت حقا ولم أصدف عن الكلم المحكم.
اللاء من * لدى الله ذي الرأفة الاراف
__________
(1) في ابن هشام: سماك اليهودي.
(2) الحسى والحساء: مياه تغور في الرمل وتمسكها صلابة الارض قاله أبو ذر.
وقال السهيلي: ما يحس من الطعام والمزنم: المقلل اليسير قال السهيلي: يريد أحلهم دار غربة في غير عشائرهم.
والمزنم هنا: الرجل يكون في القوم وليس منهم، أي المبعد الطريد.
(الروض الانف 2 / 177).
(3) في ابن هشام: جمر بدل خمر.
والودي: صغار النخل.
(4) الصلا ويرمرم: موضعان.
(5) معلم: الموضع المرتفع المشرف.
(*)

(4/90)


رسائل تدرس في المؤمنين * بهن اصطفى أحمد المصطفى فأصبح أحمد فينا عزيزا * عزيز المقامة والموقف فيا أيها الموعدوه سفاها * ولم يأت جورا ولم يعنف ألستم تخافون أدنى العذاب * وما آمن الله كالاخوف وان تصرعوا تحت أسيافه * كمصرع كعب أبي الاشرف غداة رأى الله طغيانه * وأعرض كالجمل الاجنف فأنزل جبريل في قتله * بوحي إلى عبده ملطف فدس الرسول رسولا له * بأبيض ذي هبة مرهف فباتت عيون له معولات * متى ينع كعب لها تذرف وقلن لاحمد ذرنا قليلا * فإنا من النوح لم نشتف فجلاهم ثم قال: اظعنوا * دحورا على رغم الآنف وأجلى النضير إلى غربة * وكانوا بدار ذوي زخرف
إلى أذرعات ردافا وهم * على كل ذي دبر أعجف (1) وتركنا جوابها أيضا من سماك (2) اليهودي قصدا ثم ذكر تعالى حكم الفئ وأنه حكم بأموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وملكها له فوضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراه الله تعالى كما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فكان يعزل نفقه أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عزوجل (3).
ثم بين تعالى حكم الفئ وأنه للمهاجرين والانصار والتابعين لهم باحسان على منوالهم وطريقتهم ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
قال الامام أحمد: حدثنا عارم وعفان قالا: حدثنا معتمر، سمعت أبي يقول: حدثنا أنس بن
__________
(1) أدرعات: موضع بالشام.
أعجف: هزيل ضعيف.
(2) في الاصل سمال وهو تحريف.
(3) أخرجه البخاري في تفسير سورة الحشر 3 باب ح 4885 من طريق سفيان بن عيينة.
وأخرجه مسلم في 32 كتاب المغازي 15 باب ح 48.
والنسائي في عشرة النساء وأبو داود في الامارة والترمذي في الجهاد وقال: حسن صحيح.
والبيهقي في الدلائل ج 3 / 185.
الكراع: الدواب الصالحة للحرب عدة للحوادث.
- وفي رواية البيهقي: فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ينفق منها على أهله نفقة سنة..(*)

(4/91)


مالك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم: أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات أو كما شاء الله حتى فتحت عليه قريظة والنضير قال: فجعل يرد بعد ذلك.
قال: وإن أهلي أمروني أن آتي نبي الله صلى الله عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله.
قال: فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأعطانيهن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول: كلا والله الذي لا
إله إلا هو لا أعطيكهن وقد أعطانيهن أو كما قالت.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لك كذا وكذا وتقول كلا والله ويقول لك كذا وكذا وتقول كلا والله قال ويقول لك كذا وكذا حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله أو قال قريبا من عشرة أمثاله أو كما قال أخرجاه بنحوه من طرق عن معتمر به.
ثم قال تعالى ذاما للمنافقين الذين مالوا إلى بني النضير في الباطن كما تقدم ووعدوهم النصر فلم يكن من ذلك شئ بل خذلوهم أحوج ما كانوا إليهم وغروهم من أنفسهم فقال (ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وأن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون.
لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبار ثم لا ينصرون) [ الحشر: 11 - 12 ] ثم ذمهم تعالى على جبنهم وقلة علمهم وخفة عقلهم النافع ثم ضرب لهم مثلا قبيحا شنيعا بالشيطان حين قال للانسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين.
قصة عمرو بن سعدى القرظي حين مر على ديار بني النضير وقد صارت يبابا ليس بها داع ولا مجيب وقد كانت بنو النضير أشرف من بني قريظة، حتى حداه ذلك على الاسلام وأظهر صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوراة.
قال الواقدي حدثنا إبراهيم بن جعفر عن أبيه قال: لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها وفكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة فنفخ في بوقهم فاجتمعوا فقال الزبير بن باطا: يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم لم تزل (1) وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهودية.
قال رأيت اليوم عبرا قد عبرنا بها، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد والشرف الفاضل، والعقل البارع قد تركوا أموالهم وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذل.
ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة وقد أوقع قبل ذلك بابن الاشرف ذي عزهم ثم بيته في بيته آمنا، وأوقع بابن سنينة سيدهم، وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم أهل جد يهود، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان منهم
رأسه حتى سباهم وكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب.
يا قوم قد رأيتم ما رأيتم
__________
(1) في البيهقي: لم ترك.
(*)

(4/92)


فأطيعوني، وتعالوا نتبع محمدا والله إنكم لتعلمون أنه نبي، قد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان أبو عمير، وابن حراش وهما أعلم يهود جاءانا يتوكفان قدومه وأمرانا باتباعه، جاءانا من بيت المقدس وأمرانا أن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما ودفناهما بحرتنا هذه، فأسكت القوم فلم يتكلم منهم متكلم، ثم أعاد هذا الكلام ونحوه وخوفهم بالحرب والسباء والجلاء.
فقال الزبير بن باطا: قد والتوراة قرأت صفته في كتاب باطا التوراة التي نزلت على موسى، ليس في المثاني الذي أحدثنا، قال فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه ؟ قال: أنت يا كعب.
قال كعب: فلم والتوراة ما حلت بينك وبينه قط، قال الزبير: بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتبعته اتبعناه، وإن أبيت أبينا.
فأقبل عمرو بن سعدى على كعب فذكر ما تقاولا في ذلك إلى أن قال عمرو ما عندي في أمره إلا ما قلت: ما تطيب نفسي أن أصير تابعا.
رواه البيهقي (1).