البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

سنة سبع من الهجرة
غزوة خيبر (1) في أولها
قال شعبة: عن الحاكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله (وأثابهم فتحا قريبا) قال
خيبر.
وقال موسى بن عقبة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها.
وحكى موسى عن الزهري أن افتتاح خيبر في سنة ست (2)، والصحيح أن ذلك في أول سنة سبع كما قدمنا: قال ابن إسحاق.
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية، ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر.
وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور قالا: انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فنزلت عليه سورة الفتح بين مكة والمدينة، فقدم المدينة في ذي الحجة فأقام بها حتى سار إلى خيبر فنزل بالرجيع واد بين [ خيبر و ] (3) غطفان
__________
(1) خيبر: بخاء معجمة فتحتية فموحدة وهي اسم ولاية تشتمل على عدة حصون ومزارع ونخل كثير، تقع على ثلاثة أيام من المدينة على يسار حاج الشام.
والخيبر تعني الحصن بلسان اليهود.
وقبل سميت خيبر على اسم خيبر أخو يثرب بن قانية بن مهلاييل بن آدم.
(2) الخبر في الدرر لابن عبد البر 196 عن موسى بن عقبة، وعنه رواه البيهقي في الدلائل 4 / 195.
(3) في الاصل بياض، واستدرك النقص من رواية البيهقي 4 / 197.
(*)

(4/206)


فتخوف أن تمدهم غطفان [ فبات به ] (1) حتى أصبح فغدا عليهم.
قال البيهقي: وبمعناه رواه الواقدي عن شيوخه في خروجه أول سنة سبع من الهجرة (2) وقال عبد الله بن إدريس، عن [ ابن ] (3) إسحق: حدثني عبد الله بن أبي بكر قال: كان (4) افتتاح خيبر في عقيب المحرم وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر صفر.
قال ابن هشام واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي (5).
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا خيثم، يعني ابن عراك، عن أبيه أن أبا هريرة قدم المدينة في رهط من قومه والنبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة يعني الغطفاني على المدينة قال فانتهيت إليه وهو يقرأ في صلاة الصبح في الركعة الاولى كهيعص وفي الثانية ويل للمطففين، فقلت في نفسي ويل لفلان إذا اكتال [ اكتال ] (6) بالوافي وإذا كال كال بالناقص قال: فلما صلى رددنا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.
قال فكلم المسلمين
فأشركونا في سهامهم.
وقد رواه البيهقي من حديث سليمان بن حرب، عن وهيب، عن خيثم بن عراك، عن أبيه عن نفر من بني غفار قال: إن أبا هريرة قدم المدينة فذكره.
قال ابن إسحاق.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر وبنى له فيها مسجدا ثم على الصهباء (7) ثم أقبل بجيشه حتى نزل به بواد يقال له الرجيع، فنزل بينهم وبين غطفان، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغني أن غطفان لما سمعوا بذلك جمعوا ثم خرجوا ليظاهروا اليهود عليه، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حسا، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أموالهم وأهليهم، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بشير، أن سويد بن النعمان أخبره: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء - وهي من أدنى خيبر - صلى العصر ثم دعا بالازواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثرى فأكل وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ثم صلى ولم يتوضأ (8).
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي
__________
(1) سقطت من الاصل، واستدركت من دلائل البيهقي.
(2) دلائل البيهقي 4 / 197 ومغازي الواقدي 2 / 632.
(3) من البيهقي.
(4) في الاصل لما كان تحريف.
(5) في مغازي الواقدي وابن سعد: سباع بن عرفطة.
(6) من رواية البيهقي في الدلائل ج 4 / 198.
في باب: استخلافه على المدينة حين خرج إلى خيبر: سباع بن عرفطة.
(7) عصر: بالكسر.
جبل بين المدينة ووادي الفرع.
والصهباء موضع بينه وبين خيبر روحة (معجم البلدان).
(8) أخرجه في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4195) وأخرجه في الطهارة عن خالد بن مخلد وفي الجهاد عن محمد بن المثنى.
(*)

(4/207)


عبيد، عن سلمة بن الاكوع، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر ألا تسمعنا من هنياتك - وكان عامر رجلا شاعرا - فنزل يحدوا بالقوم يقول: لا هم (1) لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما أبقينا * وألقين سكينة علينا وثبت الاقدام إن لاقينا * إنا إذا صيح بنا أبينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا السائق ؟ قالوا عامر بن الاكوع، قال: يرحمه الله.
فقال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله لولا امتعتنا به.
فأتينا خيبر فناصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة.
ثم ان الله فتحها عليهم، فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه النيران على أي شئ توقدون ؟ قالوا: على لحم قال: على أي لحم ؟ قالوا: لحم الحمر الانسية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اهريقوها واكسروها فقال رجل: يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها فقال أو ذاك.
فلما تصاف الناس كان سيف عامر قصيرا، فتناول به ساق يهودي ليضربه فيرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه.
فلما قفلوا، قال سلمة رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي قال مالك ؟ قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامرا حبط عمله قال النبي صلى الله عليه وسلم: كذب من قاله، إن له لاجرين - وجمع بين أصبعيه - إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله (2).
ورواه مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل وغيره عن يزيد بن أبي عبيد مثله.
ويكون منصوبا على الحالية من نكرة وهو سائغ إذا دلت على تصحيح معنى كما جاء في الحديث فصلى وراءه رجل قياما.
وقد روى ابن إسحاق قصة عامر بن الاكوع من وجه آخر فقال حدثني: محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الاسلمي أن أباه حدثه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الاكوع وهو عم سلمة بن عمرو بن الاكوع: انزل يا بن الاكوع فخذ لنا من هناتك، فقال: فنزل يرتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا فأنزلن سكينة علينا * وثبت الاقدام إن لاقينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمك ربك.
فقال عمر بن الخطاب: وجبت يا رسول الله، لو أمتعتنا به.
فقتل يوم خيبر شهيدا.
ثم ذكر صفة قتله كنحو ما ذكره البخاري.
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي مروان الاسلمي، عن أبيه عن أبي معتب بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لاصحابه وأنا فيهم: قفوا، ثم قال: اللهم رب السموات
__________
(1) في البخاري: اللهم.
(2) فتح الباري 7 / 373 ومسلم في 34 كتاب الصيد (5) باب (ح: 33).
(*)

(4/208)


وما أظللن، ورب الارضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها، نعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله.
وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه.
وقد رواه الحافظ البيهقي: عن الحاكم عن الاصم عن العطاردي عن يونس بن بكير عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن صالح بن كيسان، عن أبي مروان الاسلمي، عن أبيه عن جده قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا، وأشرفنا عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس: قفوا فوقف الناس فقال: اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الارضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن، فإنا نسألك خير هذه القرية، وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله الرحمن الرحيم (1).
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانا أمسك، وإن لم يسمع أذانا أغار، فنزلنا خيبر ليلا، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح لم يسمع أذانا، فركب وركبنا معه، وركبت خلف أبي
طلحة، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقبلنا عمال خيبر غادين، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش قالوا: محمد والخميس معه ! فأدبروا هرابا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين (2)، قال ابن إسحاق حدثنا هرون عن حميد عن أنس بمثله.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا مالك، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر بهم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بسماحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله.
محمد والخميس ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين (3).
تفرد به دون مسلم.
وقال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا أبو عيينة، حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: صبحنا خيبر بكرة فخرج أهلها بالمساحي فلما بصروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والله، محمد والخميس ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
قال فأصبنا من لحوم الحمر فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله
__________
(1) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 343 ودلائل البيهقي 4 / 204.
(2) سيرة ابن هشام: 4 / 344.
(3) في 64 كتاب المغازي (38) باب غزوة خيبر (ح: 4197) فتح الباري 7 / 375.
(*)

(4/209)


ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس (1).
تفرد به البخاري دون مسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن قتادة عن أنس قال: لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فوجدهم حين خرجوا إلى زرعهم ومساحيهم فلما رأوه ومعه الجيش نكصوا فرجعوا إلى حصنهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
تفرد به أحمد وهو على شرط الصحيحين.
وقال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: [ صلى النبي ] (2) صلى الله عليه وسلم: الصبح قريبا من خيبر بغلس، ثم قال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
فخرجوا يسعون بالسكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عتقها صداقها.
قال عبد العزيز بن صهيب لثابت: يا أبا محمد أأنت قلت لانس: ما أصدقها، فحرك ثابت رأسه تصديقا له (3).
تفرد به دون مسلم.
وقد أورد البخاري ومسلم النهي عن لحوم الحمر الاهلية من طرق تذكر في كتاب الاحكام.
وقد قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو طاهر الفقيه، أنبأنا حاجب (4) بن أحمد الطوسي، حدثنا محمد بن حميد الابيوردي، حدثنا محمد بن الفضيل (5) عن مسلم الاعور الملائي، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار، وكان يوم بني قريظة والنضير على حمار، ويوم خيبر على حمار مخطوم برسن ليف وتحته إكاف من ليف.
وقد روى هذا الحديث بتمامه الترمذي: عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، وابن ماجة: عن محمد بن الصباح عن سفيان، وعن عمر بن رافع عن جرير كلهم عن مسلم وهو ابن كيسان الملائي الاعور الكوفي عن أنس به.
وقال الترمذي لا نعرفه إلا من حديثه وهو يضعف.
قلت: والذي ثبت في الصحيح عند البخاري عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى في رفاق خيبر حتى انحسر الازار عن فخذه، فالظاهر أنه كان يومئذ على فرس (6) لا على حمار.
ولعل
__________
(1) أخرجه في كتاب المغازي (ح: 4197).
(2) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(3) رواه البخاري في كتاب المغازي 38 باب (ح: 4199).
- قوله فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة...قال ابن حجر: فيه اختصار كبير لانه يوهم أن ذلك وقع عقب الاغارة عليهم وليس كذلك..فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة وقيل أكثر.
(4) من البيهقي، وفي الاصل خطاب.
(5) من البيهقي: وفي الاصل الفضل.
والخبر في الدلائل ج 4 / 204.
(6) في مغازي الواقدي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الفتح على فراس يقال له الظرب: 2 / 653.
(*)

(4/210)


هذا الحديث إن كان صحيحا محمول على أنه ركبه في بعض الايام وهو محاصرها.
والله أعلم.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي، حدثنا زياد بن الربيع، عن أبي عمران الجوني قال: نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة فقال كأنهم الساعة يهود خيبر.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الاكوع قال: كان علي بن أبي طالب تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان رمدا فقال: أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فلحق به.
فلما بتنا الليلة التي فتحت خيبر قال: لاعطين الراية غدا (أو ليأخذن الراية غدا) رجل يحب الله ورسوله يفتح عليه.
فنحن نرجوها.
فقيل هذا علي فأعطاه ففتح عليه (1).
وروى البخاري أيضا ومسلم عن قتيبة عن حاتم به.
ثم قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: أخبرني سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لاعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قال فبات الناس يدوكون (2) ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسل إليه فأتى فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم (3).
وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة به.
وفي صحيح مسلم والبيهقي من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله عليه، قال عمر: فما أحببت الامارة إلا يومئذ، فدعا عليا فبعثه ثم
قال: اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت.
قال علي: على ما أقاتل الناس ؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (4) لفظ البخاري.
وقال الامام أحمد: حدثنا مصعب بن المقدام، وجحش بن المثنى قالا: حدثنا إسرائيل، حدثنا عبد الله بن عصمة العجلي: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها ثم قال: من يأخذها بحقها ؟ فجاء فلان فقال: أنا، قال:
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر، ومسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة (4) باب (ح: 34).
(2) يدوكون: أي يخوضون ويموجون.
(3) البخاري، الموضع السابق، ومسلم في الموضع السابق.
(4) مسلم (ح: 33) كتاب 44.
ودلائل البيهقي 4 / 206.
(*)

(4/211)


امض، ثم جاء رجل آخر فقال امض، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد لاعطينها رجلا لا يفر، فقال هاك يا علي.
فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتها وقديدها.
تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به، وفيه غرابة وعبد الله بن عصمة، ويقال ابن أعصم، وهكذا يكنى بأبي علوان العجلي وأصله من اليمامة سكن الكوفة وقد وثقه ابن معين، وقال أبو زرعة لا بأس به، وقال أبو حاتم شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال يخطئ كثيرا وذكره في الضعفاء، وقال يحدث عن الاثبات مما لا يشبه حديث الثقات حتى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الاسلمي عن أبيه عن سلمة بن عمرو بن الاكوع رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد.
ثم بعث عمر رضي الله عنه فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله
ورسوله يفتح الله على يديه وليس بفرار.
قال سلمة: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يومئذ أرمد فتفل في عينيه ثم قال: خذ الراية وامض بها حتى يفتح الله عليك، فخرج بها والله يصول (1) يهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب.
فقال اليهودي: غلبتم وما أنزل على موسى، فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم الاصم أنبأنا العطاردي (2) عن يونس بن بكير عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة أخبرني أبي قال: لما كان يوم خيبر أخذ اللواء أبو بكر، فرجع ولم يفتح له [ ولما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له ] (3) وقتل محمود بن مسلمة، ورجع الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لادفعن لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لن يرجع حتى يفتح الله له، فبتنا طيبة نفوسنا أن الفتح غدا، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، ثم دعا باللواء وقام قائما فما منا من رجل له منزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنا لها ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، فدعا علي بن أبي طالب وهو يشتكي عينيه قال فمسحها ثم دفع إليه اللواء ففتح له، فسمعت عبد الله بن بريدة يقول: حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب.
قال يونس قال ابن إسحاق: كان أول حصون خيبر حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقيت عليه رحى منه فقتلته.
__________
(1) في ابن هشام: يأنح.
قال السهيلي: هو من الانيح.
وهو علو النفس من شدة العدو.
(2) وهو أحمد بن عبد الجبار.
(3) ما بين معكوفين سقط من الاصل واستدرك من دلائل البيهقي.
(*)

(4/212)


ثم روى البيهقي عن يونس بن بكير، عن المسيب بن مسلمة الازدي، حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة (1) فلبث اليوم واليومين لا يخرج، فلما
نزل خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الاول ثم رجع، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لاعطينها غدا [ رجلا ] (2) يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة.
وليس ثم علي، فتطاولت لها قريش ورجا كل رجل منهم أن يكون صاحب ذلك، فأصبح وجاء علي بن أبي طالب على بعير له حتى أناخ قريبا وهو أرمد قد عصب عينه بشقة برد قطري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك ؟ قال: رمدت بعدك، قال ادن مني فتفل في عينه فما وجعها حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بها وعليه جبة أرجوان حمراء، قد أخرج خملها فأتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يماني، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاك سلاحي بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب * وأحجمت عن صولة المغلب فقال علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات شديد القسوره أكيلكم بالصاع كيل السندره قال: فاختلفا ضربتين، فبدره علي بضربة فقد الحجر والمغفر ورأسه ووقع في الاضراس، وأخذ المدينة (3).
وقد روى الحافظ البزار: عن عباد بن يعقوب، عن عبد الله بن بكر، عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قصة بعث أبي بكر ثم عمر يوم خيبر ثم بعث علي فكان الفتح على يديه.
وفي سياقه غرابة ونكارة وفي إسناده من هو متهم بالتشيع.
والله أعلم.
وقد روى مسلم والبيهقي واللفظ له: من طريق عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة بن الاكوع عن أبيه فذكر حديثا طويلا وذكر فيه رجوعهم من غزوة بني فزارة قال: فلم نمكث إلا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر.
قال: وخرج عامر فجعل يقول:
والله لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
__________
(1) الشقيقة: صداع يعرض في مقدم الرأس وإلى أحد جانبيه.
(2) من البيهقي، سقطت من الاصل (3) الحديث بتمامه في دلائل البيهقي ج 4 / 210 - 212 وأخرج الجزء الاول منه الحاكم في المستدرك (3 / 37) وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
ووافقه الذهبي.
(4) في البيهقي: يسفل له: أي يضربه من أسفله.
(*)

(4/213)


ونحن من فضلك ما استغنينا * فأنزلن سكينة علينا وثبت الاقدام إن لاقينا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا القائل ؟ فقالوا عامر.
فقال غفر لك ربك.
قال: وما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أحدا به إلا استشهد.
فقال عمر وهو على جمل: لولا متعتنا بعامر.
قال فقدمنا خيبر فخرج مرحب وهو يخطر بسيفه ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال: فبرز له عامر رضي الله عنه وهو يقول: قد علمت خيبر أني عامر * شاكي السلاح بطل مغامر قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب يسعل (1) له فرجع على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه، قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه.
قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال مالك ؟ فقلت قالوا: إن عامرا بطل عمله.
فقال من قال ذلك ؟ فقلت نفر من أصحابك.
فقال: كذب أولئك بل له الاجر مرتين.
قال وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي رضي الله عنه يدعوه وهو أرمد وقال لاعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله.
قال: فجئت به أقوده قال: فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم
في عينه فبرأ فأعطاه الراية فبرز مرحب وهو يقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب قال فبرز له علي وهو يقول: أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره (2) قال فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله.
وكان الفتح.
هكذا وقع في هذا السياق أن عليا هو الذي قتل مرحبا اليهودي لعنه الله (3).
وقال أحمد: حدثنا حسين بن حسن الاشقر، حدثني قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه عن جده عن علي قال: لما قتلت مرحبا جئت برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري أن الذي قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة.
وكذلك
__________
(1) في البيهقي: يسفل له: أي يضربه من أسفله.
(2) أوفيهم بالصاع كيل السندرة: السندرة: مكيال واسع، معناه أقتل العدو قتلا سريعا عاجلا.
(3) الحديث في دلائل البيهقي 4 / 208 و 209.
ورواه مسلم عن اسحاق بن ابراهيم عن أبي عامر في 32 كتاب الجهاد باب غزوة ذي قرد ص 1439.
(*)

(4/214)


قال محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن سهل أحد بني حارثة، عن جابر بن عبد الله قال: خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر وهو يرتجز ويقول: قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذا الليوث أقبلت تلهب إن حماي للحمى لا يقرب (1) قال: فأجابه كعب بن مالك:
قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغماء جري صلب إذ شبت الحرب وثار الحرب * معي حسام كالعقيق عضب يطأكمو حتى يذل الصعب * بكف ماض ليس فيه عيب (2) قال وجعل مرحب يرتجز ويقول: هل من مبارز.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا: فقال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور والثائر قتلوا أخي بالامس.
فقال: قم إليه، اللهم أعنه عليه.
قال: فلما دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية (3) من شجر العشر (4) المسد فجعل كل واحد منهما يلوذ من صاحبه بها، كلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما فيها فنن، ثم حمل على محمد بن مسلمة فضربه.
فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها، فعضت فاستله وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله (5).
وقد رواه الامام أحمد: عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن ابن إسحاق بنحوه.
قال ابن إسحاق: وزعم بعض الناس أن محمدا ارتجز حين ضربه وقال: قد علمت خيبر أني ماض * حلو إذا شئت وسم قاض وهكذا رواه الواقدي: عن جابر وغيره من السلف: أن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا ثم ذكر الواقدي أن محمدا قطع رجلي مرحب فقال له أجهز علي.
فقال: لاذق الموت كما ذاقه محمود بن مسلمة.
فمر به علي وقطع رأسه فاختصما في سلبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة سيفه ورمحه ومغفره وبيضته.
قال وكان مكتوبا على سيفه: هذا سيف مرحب * من يذقه يعطب (6) ثم ذكر ابن إسحاق: أن أخا مرحب وهو ياسر خرج بعده وهو يقول، هل من مبارز ؟
__________
(1) في نسخة لابن هشام زاد شطرا رابعا: يحجم عن صولتي المجرب.
(2) قبل هذا الشطر في ابن هشام: نعطي الجزاء أو يفئ النهب.
(3) عمرية: قديمة.
(4) العشر: شجر أملس له صمغ.
(5) سيرة ابن هشام ج 4 / 348 ونقله البيهقي عنه في الدلائل ج 4 / 215.
(6) مغازي الواقدي: 2 / 656.
(*)

(4/215)


فزعم هشام بن عروة أن الزبير خرج له، فقالت أمه (1) صفية بنت عبد المطلب: يقتل ابني يا رسول الله ! فقال: بل ابنك يقتله إن شاء الله فالتقيا فقتله الزبير.
قال فكان الزبير إذا قيل له والله إن كان سيفك يومئذ صارما يقول: والله ما كان بصارم ولكني أكرهته.
وقال يونس عن ابن إسحاق [ حدثني عبد الله بن الحسن ] (2) عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي إلى خيبر، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل منهم من يهود، فطرح ترسه من يده، فتناول علي باب الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده.
فلقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه.
وفي هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر.
ولكن روى الحافظ البيهقي والحاكم من طريق مطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر الباقر عن جابر: أن عليا حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فافتتحوها وانه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.
وفيه ضعف أيضا.
وفي رواية ضعيفة عن جابر ثم اجتمع عليه سبعون رجلا وكان جهدهم أن أعادوا الباب (3).
وقال البخاري: حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة ؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة (4).
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه عن سهل قال: التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا، فمال كل قوم إلى عسكرهم، وفي
المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفإ، فقيل يا رسول الله ما أجزأ منا أحد ما أجزأ فلان.
قال إنه من أهل النار.
فقالوا أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار ؟ فقال رجل من القوم: لاتبعنه فإذا أسرع وأبطأ كنت معه، حتى جرح فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه بالارض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه.
فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله.
وقال وما ذاك ؟ فأخبره فقال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وأنه من أهل الجنة (5).
__________
(1) من ابن هشام.
وفي الاصل أم تحريف.
(2) سقطت من الاصل.
واستدركت من سيرة ابن هشام.
(3) دلائل النبوة للبيهقي 4 / 212.
(4) أخرجه في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4206).
وأخرجه أبو داود في الطب عن أحمد بن أبي سريح الرازي والبيهقي في الدلائل 4 / 251.
(5) في 64 كتاب المغازي 38 باب غزوة خيبر (ح: 4207) وح (4202) (*)

(4/216)


رواه أيضا عن قتيبة عن يعقوب عن أبي حازم عن سهل فذكره مثله أو نحوه.
ثم قال البخاري: حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الاسلام هذا من أهل النار.
فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة حتى كاد بعض الناس يرتاب.
فوجد الرجل ألم جراحه فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه فاشتد رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه.
فقال قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر (1).
وقد روى موسى بن عقبة عن الزهري قصة العبد الاسود الذي رزقه الله الايمان والشهادة في ساعة واحدة.
وكذلك رواها ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة قالا: وجاء عبد حبشي أسود من
أهل خيبر كان في غنم لسيده فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح سألهم، قال ما تريدون ؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي.
فوقع في نفسه ذكر النبي فأقبل بغنمه حتى عمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إلى ما تدعو ؟ قال أدعوك إلى الاسلام إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا تعبدوا إلا الله.
قال: فقال العبد: فماذا يكون لي إن شهدت بذلك وآمنت بالله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة إن مت على ذلك.
فأسلم العبد فقال: يا نبي الله إن هذه الغنم عندي أمانة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصا فإن الله سيؤدي عنك أمانتك.
ففعل فرجعت الغنم إلى سيدها فعرف اليهودي أن غلامه أسلم.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظ الناس فذكر الحديث في إعطائه الراية عليا ودنوه من حصن اليهود وقتله مرحبا وقتل مع علي ذلك العبد الاسود فاحتمله المسلمون إلى عسكرهم فأدخل في الفسطاط فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في الفسطاط ثم اطلع على أصحابه فقال: لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الاسلام في قلبه حقا وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين (2) وقد روى الحافظ البيهقي: من طريق ابن وهب عن حيوة بن شريح، عن ابن الهاد عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فخرجت سرية فأخذوا إنسانا معه غنم يرعاها، فذكر نحو قصة هذا العبد الاسود وقال فيه: قتل شهيدا وما سجد لله سجدة.
ثم قال البيهقي: حدثنا محمد بن محمد بن محمد (3) الفقيه: حدثنا أبو بكر القطان، حدثنا
__________
(1) المصدر السابق: فتح الباري 7 / 471.
(2) رواه البيهقي عن موسى بن عقبة في الدلائل ج 4 / 219.
(3) في البيهقي: محمش.
(*)

(4/217)


أبو الازهر، حدثنا موسى (1) بن اسمعيل، حدثنا حماد، حدثنا ثابت عن أنس: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل أسود اللون قبيح الوجه لا مال لي فإن قاتلت هؤلاء حتى
أقتل أدخل الجنة ؟ قال:: نعم، فتقدم فقاتل حتى قتل فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقتول فقال: لقد حسن الله وجهك وطيب روحك وكثر مالك وقال: لقد رأيت زوجتيه من الحور العين يتنازعان جبته عليه يدخلان فيما بين جلده وجبته.
ثم روى البيهقي من طريق ابن جريج: أخبرني عكرمة بن خالد، عن ابن أبي عمار عن شداد بن الهاد: أن رجلا من الاعراب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه، وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه، فقال ما هذا ؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فأخذه فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا محمد ؟ قال: قسم قسمته لك ] (2) فقال: ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمي هاهنا وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك.
ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل وقد أصابه سهم حيث أشار فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو هو ؟ قالوا: نعم.
قال صدق الله فصدقه.
وكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدمه فصلى عليه وكان مما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك قتل شهيدا وأنا عليه شهيد (3).
وقد رواه النسائي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن ابن جريج به نحوه.
فصل
قال ابن إسحاق: وتدنى (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم الاموال يأخذها مالا مالا ويفتتحها حصنا حصنا، وكان أول حصونهم فتح حصن ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه رحى منه فقتله، ثم القموص حصن بني أبي الحقيق.
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا منهن صفية بنت حيي بن أخطب وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وبنتي عم لها، فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه وكان دحية بن خليفة قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها.
قال: وفشت السبايا من خيبر في المسلمين وأكل الناس لحوم الحمر، فذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم عن أكلها (5).
وقد اعتنى البخاري بهذا الفصل فأورد النهي عنها من طرق جيدة وتحريمها مذهب جمهور العلماء سلفا وخلفا وهو مذهب الائمة الاربعة.
وقد ذهب بعض
__________
(1) في البيهقي: مؤمل.
(2) من البيهقي.
(3) الاخبار رواها البيهقي في الدلائل ج 4 / 220 - 222.
(4) تدنى: أي أخذ الادنى فالادنى.
(5) سيرة ابن هشام 3 / 345.
(*)

(4/218)


السلف منهم ابن عباس إلى إباحتها وتنوعت أجوبتهم عن الاحاديث الواردة في النهي عنها فقيل لانها كانت ظهرا يستعينون بها في الحمولة، وقيل لانها لم تكن خمست بعد، وقيل لانها كانت تأكل العذرة يعني جلالة.
والصحيح أنه نهى عنها لذاتها فإن في الاثر الصحيح أنه نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس فاكفئوها والقدور تفور بها.
وموضع تقرير ذلك في كتاب الاحكام.
قال ابن إسحاق: حدثني سلام بن كركرة عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله ولم يشهد جابر خيبر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر، أذن لهم في لحوم الخيل.
وهذا الحديث أصله ثابت في الصحيحين من حديث حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي، عن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في الخيل.
لفظ البخاري.
قال ابن إسحاق: وحدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع: عن إتيان الحبالى من النساء، وعن أكل الحمار الاهلي، وعن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن بيع المغانم حتى تقسم.
وهذا مرسل.
وقال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حسن الصنعاني قال: غزونا مع رويفع بن ثابت الانصاري المغرب، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها جربة (1)، فقام فيها خطيبا فقال: أيها الناس، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فينا يوم خيبر، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماء زرع غيره، يعني إتيان الحبالى من السبي، لا
يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فئ المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس يوما من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه (2).
وهكذا روى هذا الحديث أبو داود من طريق محمد بن إسحاق.
ورواه الترمذي عن حفص بن عمرو الشيباني عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن ربيعة بن سليم عن بشر بن عبيدالله عن رويفع بن ثابت مختصرا.
وقال حسن.
وفي صحيح البخاري عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الاهلية وعن أكل الثوم.
وقد حكى ابن حزم عن علي وشريك بن الحنبل أنهما ذهبا إلى تحريم البصل والثوم النئ.
والذي نقله الترمذي عنهما الكراهة فالله فأعلم.
وقد تكلم الناس في الحديث الوارد في الصحيحين من طريق الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن
__________
(1) جربة: بالكسر: جزيرة بالمغرب من ناحية قابس (معجم البلدان).
(2) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 346.
(*)

(4/219)


لحوم الحمر الاهلية.
هذا لفظ الصحيحين من طريق مالك وغيره عن الزهري وهو يقتضي تقييد تحريم نكاح المتعة بيوم خيبر وهو مشكل من وجهين: أحدهما أن يوم خيبر لم يكن ثم نساء يتمتعون بهن إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسباء عن نكاح المتعة.
الثاني: أنه قد ثبت في صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة عن معبد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في المتعة زمن الفتح، ثم لم يخرج من مكة حتى نهى عنها وقال: إن الله قد حرمها إلى يوم القيامة فعلى هذا يكون قد نهى عنها ثم أذن فيها ثم حرمت فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد.
ومع هذا فقد نص الشافعي على أنه لا يعلم شيئا أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم غير نكاح المتعة وما حداه على هذا رحمه الله إلا اعتماده على هذين الحديثين كما قدمناه (1)...وقد حكى السهيلي وغيره عن بعضهم: أنه ادعى أنها أبيحت ثلاث مرات وحرمت ثلاث مرات وقال آخرون أربع مرات وهذا بعيد جدا والله أعلم.
واختلفوا أي وقت أول ما حرمت فقيل في خيبر وقيل في عمرة القضاء وقيل في عام الفتح وهذا يظهر وقيل في أوطاس وهو قريب من الذي قبله وقيل في تبوك وقيل في حجة الوداع.
رواه أبو داود.
وقد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث علي رضي الله عنه بأنه وقع فيه تقديم وتأخير وإنما المحفوظ فيه ما رواه الامام أحمد: حدثنا سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد عن أبيهما - وكان حسن أرضاهما في أنفسهما - أن عليا قال لابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية زمن خيبر.
قالوا فاعتقدنا الراوي أن قوله خيبر ظرف للمنهى عنهما وليس كذلك، إنما هو ظرف للنهي عن لحوم الحمر، فأما نكاح المتعة فلم يذكر له ظرفا وإنما جمعه معه لان عليا رضي الله عنه بلغه أن ابن عباس أباح نكاح المتعة ولحوم الحمر الاهلية كما هو المشهور عنه، فقال له أمير المؤمنين علي: إنك امرؤ تائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة ولحوم الحمر الاهلية يوم خيبر، فجمع له النهي ليرجع عما كان يعتقده في ذلك من الاباحة.
وإلى هذا التقرير كان ميل شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي تغمده الله برحمته آمين.
ومع هذا ما رجع ابن عباس عما كان يذهب [ إليه ] من [ إباحة ] الحمر والمتعة، أما النهي عن الحمر فتأوله بأنها كانت حمولتهم، وأما المتعة فإنما كان يبيحها عند الضرورة في الاسفار، وحمل النهي على ذلك في حال الرفاهية والوجدان وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه وأتباعهم ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز إلى زمن ابن جريج وبعده.
وقد حكي عن الامام أحمد بن حنبل رواية كمذهب ابن عباس وهي ضعيفة وحاول بعض من صنف في الحلال نقل رواية عن الامام بمثل ذلك ولا يصح أيضا والله أعلم.
وموضع تحرير ذلك في كتاب الاحكام وبالله المستعان.
__________
(1) بياض بالاصول بمقدار سطر.
(*)

(4/220)


قال ابن إسحاق: ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والاموال، فحدثني عبد الله بن
أبي بكر أنه حدثه بعض من أسلم: أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا شئ، فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم إياه، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست لهم قوة وأن ليس بيدي شئ أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غنى، وأكثرها طعاما وودكا.
فغدا الناس، ففتح عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه (1).
قال ابن إسحاق: ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الاموال ما حاز، انتهوا إلى حصنهم الوطيح والسلالم وكان آخر حصون خيبر افتتاحا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشر ليلة.
قال ابن هشام: وكان شعارهم يوم خيبر: يا منصور أمت أمت (2).
قال ابن إسحاق: وحدثني بريدة بن سفيان الاسدي الاسلمي عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو قال: إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم، ونحن محاصروهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم ؟ قال أبو اليسر: فقلت: أنا يا رسول الله قال: فافعل.
قال فخرجت أشتد مثل الظليم (3) فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال: اللهم أمتعنا به قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولها الحصن (4)، فأخذت شاتين من أخراها، فاحتضنتهما تحت يدي، ثم جئت بهما أشتد كأنه ليس معي شئ حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوهما فأكلوهما، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا وكان إذا حدث الحديث بكى، ثم قال: امتعوا بي لعمري حتى كنت من آخرهم (5).
وقال الحافظ البيهقي في الدلائل: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الاصبهاني، حدثنا أبو سعيد بن الاعرابي، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الاحول، عن أبي عثمان النهدي أو عن أبي قلابة قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر قدم والثمرة خضرة قال فأسرع الناس إليها، فحموا فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان (6) ثم يجرونه عليهم إذا أتى الفجر، ويذكرون اسم الله عليه، ففعلوا ذلك فكأنما نشطوا من عقل.
قال البيهقي ورويناه عن
__________
(1) في مغازي الواقدي: حصن النطاة، وكان فيه خمسمائة مقاتل.
وفيه: الطعام والودك والماشية والمتاع (والودك: دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه).
(2) الخبران في ابن هشام 3 / 347.
(3) الظليم: ذكر النعام.
(4) في الواقدي، كان ذلك خلال حصارهم حصن الصعب بن معاذ.
(5) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 350 ومغازي الواقدي: 2 / 660.
(6) يقرسوا: يبردوا.
الشنان: الاسقية الخلقة، وهي أشد تبريدا للماء من الجدد.
(*)

(4/221)


عبد الرحمن بن رافع موصولا وعنه بين صلاتي المغرب والعشاء (1).
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى وبهز قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، حدثنا عبد الله بن مغفل قال: دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي أحدا منه شيئا، قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم (2).
وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا شعبة عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن مغفل قال: كنا نحاصر قصر خيبر فألقي إلينا جراب فيه شحم، فذهبت فأخذته فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيت وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة (3).
ورواه مسلم أيضا عن شيبان بن فروخ، عن عثمان بن المغيرة.
وقال ابن إسحق: وحدثني من لا اتهم عن عبد الله بن مغفل المزني قال: أصبت من فئ خيبر جراب شحم، قال: فاحتملته على عنقي إلى رحلي وأصحابي، قال: فلقيني صاحب المغانم، الذي جعل عليها فأخذ بناحيته وقال: هلم حتى نقسمه بين المسلمين، قال: وقلت لا والله لا أعطيكه قال: وجعل يجاذبني الجراب قال: فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك فتبسم ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم: خل بينه وبينه، قال: فأرسله فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه.
وقد استدل الجمهور بهذا الحديث على الامام مالك في تحريمه شحوم ذبائح اليهود وما كان غلبهم عليه غيرهم من المسلمين لان الله تعالى قال: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال لكم.
قال وليس هذا من طعامهم فاستدلوا عليه
بهذا الحديث وفيه نظر وقد يكون هذا الشحم مما كان حلالا لهم والله أعلم.
وقد استدلوا بهذا الحديث على أن الطعام لا يخمس ويعضد ذلك ما رواه الامام أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا أبو معاوية، حدثنا إسحاق الشيباني، عن محمد بن أبي مجالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قلت: كنتم تخمسون الطعام في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصبنا طعاما يوم خيبر وكان الرجل يجئ فيأخذ منه قدر ما يكفيه ثم ينصرف.
تفرد به أبو داود وهو حسن (4).