البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها
قال الواقدي لما تحولت اليهود من حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلعة
الزبير حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام فجاء رجل من
اليهود يقال له غزال (2) فقال: يا أبا القاسم، تؤمنني على أن أدلك على
ما تستريح به من أهل النطاة وتخرج إلى أهل الشق، فإن أهل الشق قد هلكوا
رعبا منك ؟ قال: فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهله وماله،
فقال له اليهودي: إنك لو أقمت شهرا تحاصرهم ما بالوا بك، إن لهم تحت
الارض دبولا (3) يخرجون بالليل فيشربون منها ثم يرجعون إلى قلعتهم.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع دبولهم فخرجوا فقاتلوا أشد
القتال، وقتل من المسلمين يومئذ نفر وأصيب من اليهود عشرة وافتتحه رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر حصون النطاة.
وتحول إلى الشق وكان به حصون ذوات عدد، فكان أول حصن بدأ به منها حصن
أبي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلعة يقال لها سموان (4)
فقاتل عليها أشد القتال فخرج منهم رجل يقال له عزول (5) فدعا إلى
البراز، فبرز إليه الحباب بن المنذر فقطع يده اليمنى من نصف ذراعه ووقع
السيف من يده وفر اليهودي راجعا فاتبعه الحباب فقطع عرقوبه وبرز منهم
آخر، فقام إليه رجل من المسلمين فقتله اليهودي فنهض إليه أبو دجانة
فقتله، وأخذ سلبه وأحجموا عن البراز، فكبر المسلمون ثم تحاملوا على
الحصن فدخلوه، وأمامهم أبو دجانة فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما
وهرب من كان فيه
__________
(1) يسيرهم: ينفيهم.
(2) من مغازي الواقدي: وفي الاصل: عزال.
(3) في الواقدي: ذيول.
والصواب ما أثبتناه، والدبول: جمع دبل وهو الجدول (القاموس).
(4) في مغازي الواقدي: سمران.
(5) في الواقدي: غزال.
(*)
(4/225)
من المقاتلة،
وتقحموا الجزر كأنهم الضباب (1) حتى صاروا إلى حصن البزاة (2) بالشق
وتمنعوا أشد الامتناع، فزحف إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه فتراموا ورمى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة
حتى أصاب نبلهم بنانه عليه الصلاة والسلام فأخذ عليه السلام كفا من
الحصا فرمى حصنهم بها فرجف بهم حتى ساخ في الارض وأخذهم المسلمون أخذا
باليد.
قال الواقدي: ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الاخبية
(3) والوطيح والسلالم حصني [ ابن ] (4) أبي الحقيق وتحصنوا أشد التحصن،
وجاء إليهم كل من كان انهزم من النطاة إلى الشق فتحصنوا معهم في القموص
وفي
الكتيبة وكان حصنا منيعا، وفي الوطيح والسلالم، وجعلوا لا يطلعون من
حصونهم حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم،
فلما أيقنوا بالهلكة وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر
يوما نزل إليه ابن أبي الحقيق فصالحه على حقن دمائهم ويسيرهم ويخلون
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من الارض والاموال
والصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى البز، إلا ما كان على ظهر
إنسان - يعني لباسهم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرئت منكم
ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتم شيئا فصالحوه على ذلك (5).
قلت: ولهذا لما كتموا وكذبوا وأخفوا ذلك المسك (6) الذي كان فيه أموال
جزيلة تبين أنه لا عهد لهم فقتل ابني أبي الحقيق وطائفة من أهله بسبب
نقض العهود منهم والمواثيق.
وقال الحافظ البيهقي: حدثني أبو الحسن علي بن محمد المقري الاسفرايني،
حدثنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب، حدثنا عبد الواحد
بن غياث، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عبيدالله بن عمر فيما يحسب أبو
سلمة عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل أهل
خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الارض والزرع والنخل فصالحوه على
أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم
الصفراء والبيضاء [ والحلقة ] ويخرجون منها واشترط عليهم أن لا يكتموا
ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا فلا ذمة لهم، ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال
وحلى لحيي بن أخطب، وكان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ [ لعم حيي ]: ما فعل مسك حيي الذي
جاء به من النضير ؟ فقال: أذهبته النفقات والحروب، فقال: العهد قريب
والمال أكثر من ذلك، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الزبير
__________
(1) في الواقدي: تقحموا الجدر كأنهم الظباء.
(2) في الواقدي: النزار.
(3) في المغازي: إلى الكتيبة.
(4) من الواقدي.
(5) مغازي الواقدي 2 / 669 - 671.
(6) في الواقدي: مسك الجمل: وهو الجلد (كما في الصحاح).
وفي حله: أسورة الذهب، ودمالج الذهب، وخلاخل الذهب وقرطة ونظم من جوهر
وزمرد وخواتم وفتح (خاتم كبير).
(*)
(4/226)
فمسه بعذاب،
وقد كان حيي قبل ذلك دخل خربة فقال: قد رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا،
فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة، فقتل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب، وسبى رسول
الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وذراريهم، وقسم أموالهم بالنكث الذي
نكثوا، وأراد إجلاءهم منهما، فقالوا: يا محمد دعنا نكون في هذه الارض
نصلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لاصحابه
[ غلمان ] (1) يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها،
فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخيل وشئ ما بدا لرسول الله
صلى الله عليه وسلم.
وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام فيخرصها (2) عليهم ثم يضمنهم
الشطر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة خرصه، وأرادوا أن
يرشوه، فقال: يا أعداء الله تطعموني السحت، والله لقد جئتكم من عند أحب
الناس إلي ولانتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملني
بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم.
فقالوا: بهذا قامت السموات والارض.
قال فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية خضرة فقال: يا صفية
ما هذه الخضرة ؟ فقالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة
فرأيت كأن قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك فلطمني، وقال: تتمنين ملك
يثرب.
قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض الناس إلي قتل زوجي
وأبي، فما زال يعتذر إلي ويقول إن أباك ألب علي العرب، وفعل ما فعل حتى
ذهب ذلك من نفسي.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا
من تمر كل عام وعشرين وسقا من شعير، فلما كان في زمان عمر غشوا
المسلمين وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه، فقال عمر: من كان له
سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها فقسمها بينهم.
فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبو بكر.
فقال عمر: أتراني سقط علي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف بك إذا
وقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما.
وقسمها عمر
بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية.
وقد رواه أبو داود مختصرا من حديث حماد بن سلمة.
قال البيهقي: وعلقه البخاري في كتابه فقال: ورواه حماد بن سلمة (3).
قلت: ولم أره في الاطراف فالله أعلم وقال أبو داود: وحدثني سليمان بن
داود المهري، حدثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد الليثي، عن نافع عن
عبد الله بن عمر قال: لما فتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن نقرهم على أن يعملوا على النصف مما خرج منها فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أقركم فيها على ذلك ما شئنا، فكانوا على ذلك وكان
التمر يقسم على السهمان من نصف خيبر، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل غلال وهو تحريف.
(2) من البيهقي: وفي الاصل فيخرجها.
(3) الحديث بتمامه في دلائل البيهقي ج 4 / 228 - 231، وما بين معكوفين
في الحديث زيادة من الدلائل.
وأخرج شطره الاول أبو داود في كتاب الخراج والامارة.
باب ما جاء في حكم أرض خيبر (ح: 3006) والبخاري في 54 كتاب الشروط (14)
إذا اشترط في المزارعة.
(*)
(4/227)
الخمس، وكان
أطعم كل امرأة من أزواجه من الخمس مائة وسق من تمر وعشرين وسقا من
شعير.
فلما أراد عمر إخراج اليهود أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لهن: من أحب منكن أن أقسم لها مائة وسق فيكون لها أصلها وأرضها
وماؤها ومن الزرع مزرعة عشرين وسقا من شعير فعلنا، ومن أحب أن نعزل
الذي لها في الخمس كما هو فعلنا.
وقد روى أبو داود: من حديث محمد بن إسحاق حدثني نافع عن عبد الله بن
عمر: أن عمر قال أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود
خيبر على أن يخرجهم إذا شاء فمن كان له مال فليلحق به فإني مخرج يهود.
فأخرجهم.
وقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر،
وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة منك.
فقال: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد.
قال جبير بن مطعم ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني
نوفل شيئا.
تفرد به
دون مسلم.
وفي لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بني هاشم وبني عبد
المطلب شئ واحد، انهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام (1).
قال الشافعي دخلوا معهم في الشعب وناصروهم في إسلامهم وجاهليتهم.
قلت وقد ذم أبو طالب بني عبد شمس ونوفلا حيث يقول: جزى الله عنا عبد
شمس ونوفلا * عقوبة شر عاجلا غير آجل وقال البخاري: حدثنا الحسن بن
اسحاق، ثنا محمد بن ثابت، ثنا زائدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
ابن عمر قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين
وللراجل سهما.
قال فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، وإن لم يكن
معه فرس فله سهم (2).
وقال البخاري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن جعفر أخبرني زيد عن
أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك
آخر الناس ببانا (3) ليس لهم شئ ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم
النبي صلى الله عليه وسلم، خيبر، ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها.
وقد رواه البخاري أيضا من حديث مالك.
وأبو داود عن أحمد بن حنبل عن ابن مهدي عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه
عن عمر به.
وهذا السياق يقتضي أن خيبر بكمالها قسمت بين الغانمين.
وقد قال أبو داود: ثنا ابن السرح، أنبأنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن
شهاب قال:
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي 38 غزوة خيبر.
وأبو داود في الخراج عن القواريري، وابن ماجه في الجهاد عن يونس بن عبد
الا على.
(2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة خيبر.
وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق سليم بن أخضر ج 4 / 238، وبإسناد
البيهقي أخرجه مسلم في كتاب الجهاد.
باب كيفية قسمة الغنيمة (ح.
57) وأخرجه الترمذي في السير وقال: حسن صحيح.
(3) ببانا: أي على وتيرة واحدة، وهي كلمة غير عربية.
(*)
(4/228)
بلغني أن رسول
الله صلى الله عليه وآله افتتح خيبر عنوة بعد القتال وترك من ترك من
أهلها [ على الجلاء ] بعد القتال، وبهذا قال الزهري خمس رسول الله صلى
الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها.
وفيما
قاله الزهري نظر فإن الصحيح أن خيبر جميعها لم تقسم وإنما قسم نصفها
بين الناس كما سيأتي بيانه، وقد احتج بهذا مالك ومن تابعه على أن
الامام مخير في الاراضي المغنومة إن شاء قسمها وإن شاء أرصدها لمصالح
المسلمين وإن شاء قسم بعضها وأرصد بعضها لما ينوبه في الحاجات
والمصالح.
قال أبو داود (1): حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ثنا أسد بن موسى
حدثنا يحيى بن زكريا، حدثني سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار،
عن سهل بن أبي حثمة قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين،
نصفا لنوائبه، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما.
تفرد به أبو داود، ثم رواه أبو داود من حديث بشير بن يسار مرسلا فعين
نصف النوائب الوطيح والكتيبة والسلالم وما حيز معها، ونصف المسلمين
الشق والنطاة وما حيز معهما وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما
حيز معهما (2).
وقال أيضا: حدثنا حسين بن علي ثنا محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد عن
بشير بن يسار مولى الانصار، عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر فقسمها على ستة
وثلاثين سهما، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله صلى الله عليه
وسلم وللمسلمين النصف من ذلك، وعزل النصف الثاني لمن نزل به من الوفود
والامور ونوائب الناس.
تفرد به أبو داود (3).
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد
الانصاري سمعت أبي يعقوب بن مجمع يقول، عن عمه عبد الرحمن بن يزيد
الانصاري عن عمه مجمع بن حارثة الانصاري - وكان أحد القراء الذين قرأوا
القرآن - قال قسمت خيبر على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله
عليه وسلم على ثمانية عشر سهما، وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلثمائة
فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهما (4).
تفرد به أبو داود.
وقال مالك عن الزهري أن سعيد بن المسيب أخبره أن النبي صلى الله عليه
وسلم افتتح بعض خيبر عنوة.
ورواه أبو داود ثم قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد
أخبركم ابن وهب: حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب أن خيبر بعضها كان عنوة
وبعضها صلحا والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح، قلت لمالك: وما الكتيبة ؟
قال: أرض خيبر وهي أربعون ألف
عذق (5).
قال أبو داود والعذق النخلة.
والعذق العرجون.
ولهذا قال البخاري: حدثنا محمد بن
__________
(1) سنن أبي داود كتاب الخراج حديث 3010 ج 3 / 159.
(2) سنن أبي داود - كتاب الخراج ح 3013.
(3) المصدر السابق حديث 3012.
(4) سنن أبي داود - كتاب الخراج - حديث 3015.
(5) سنن أبي داود كتاب الخراج حديث 3017.
(*)
(4/229)
بشار ثنا حرمى،
ثنا شعبة ثنا عمارة، عن عكرمة عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا الآن
نشبع من التمر.
حدثنا الحسن ثنا قرة بن حبيب ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن
أبيه عن ابن عمر قال: ما شبعنا - يعني من التمر - حتى فتحنا خيبر.
وقال محمد بن إسحاق: كانت الشق والنطاة في سهمان المسلمين الشق ثلاثة
عشر سهما ونطاة خمسة أسهم قسم الجميع على ألف وثمانمائة سهم ودفع ذلك
إلى من شهد الحديبية من حضر خيبر ومن غاب عنها، ولم يغب عن خيبر ممن
شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله فضرب له بسهمه (1)، قال وكان أهل
الحديبية ألفا وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس لكل فرس سهمان فصرف إلى
كل مائة رجل سهم من ثمانية عشر سهما، وزيد المائتا فارس أربعمائة سهم
لخيولهم (2).
وهكذا رواه البيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن صالح بن
كيسان أنهم كانوا ألفا وأربعمائة معهما مائتا فرس (3).
قلت: وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم بسهم وكان أول سهم من
سهمان الشق مع عاصم ابن عدي.
قال ابن اسحاق: وكانت الكتيبة خمسا لله تعالى وسهم للنبي صلى الله عليه
وسلم وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعمة أزواج
النبي صلى الله عليه وسلم وطعمة أقوام مشوا في صلح أهل فدك، منهم محيصة
بن مسعود أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقا من تمر
وثلاثين وسقا من شعير، قال وكان وادياها اللذان قسمت عليه يقال لهما:
وادي السرير ووادي خاص (4).
ثم ذكر ابن اسحاق
تفاصيل الاقطاعات منها فأجاد وأفاد رحمه الله.
قال وكان الذي ولي قسمتها وحسابها جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أخو
بني سلمة وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
قلت: وكان الامير على خرص نخيل خيبر عبد الله بن رواحة فخرصها سنتين،
ثم لما قتل رضي الله عنه كما سيأتي في يوم مؤتة ولي بعده جبار بن صخر
(5) رضي الله عنه وقد قال البخاري: حدثنا اسماعيل حدثني مالك عن عبد
المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاء بتمر جنيب،
فقال رسول صلى الله عليه وآله " أكل تمر خيبر هكذا ؟ " قال: لا والله
يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا
__________
(1) قال الواقدي: تخلف عنها: مرى بن سنان، وأيمن بن عبيد، وسباع بن
عرفطة - خلفه على المدينة - وجابر بن عبد الله ومات منهم رجلان فأسهم
رسول الله لمن تخلف منهم ومن مات.
واسهم لثلاثة مرضى لم يحضروا القتال: سويد بن النعمان وعبد الله بن سعد
بن خيثمة ورجل من بني خطامة.
واسهم للذين قتلوا من المسلمين.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 363 ونقله البيهقي عنه في الدلائل 4 / 237.
(3) دلائل البيهقي 4 / 238.
(4) خاص: في الاصل وفي معجم البلدان.
وقال السهيلي خاص تحريف وصوابه خلص.
(5) في الواقدي: أبا الهيثم بن التيهان بعثه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد ابن رواحة يخرص عليهم.
(*)
(4/230)
بالصاعين
والصاعين بالثلاثة، فقال " لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم
جنيبا ".
قال البخاري: وقال الدراوردي عن عبد المجيد عن سعيد بن المسيب أن أبا
سعيد وأبا هريرة حدثاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني
عدي من الانصار إلى خيبر وأمره عليها، وعن عبد المجيد عن أبي صالح
السمان عن أبي سعيد وأبي هريرة مثله.
قلت: كان سهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي أصاب مع المسلمين مما قسم
بخيبر وفدك بكمالها وهي طائفة كبيرة من أرض خيبر نزلوا من شدة رعبهم
منه صلوات الله وسلامه عليه فصالحوه.
وأموال بني النضير المتقدم ذكرها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا
ركاب، فكانت هذه الاموال لرسول
الله صلى الله عليه وسلم خاصة وكان يعزل منها نفقة أهله لسنة ثم يجعل
ما بقي مجعل مال الله يصرفه في الكراع والسلاح ومصالح المسلمين، فلما
مات صلوات الله وسلامه عليه اعتقدت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه
وسلم - أو أكثرهن - أن هذه الاراضي تكون موروثة عنه ولم يبلغهن ما ثبت
عنه من قوله صلى الله عليه وسلم " نحن معشر الانبياء لا نورث، ما
تركناه فهو صدقة " ولما طلبت فاطمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم
والعباس نصيبهم من ذلك وسألوا الصديق أن يسلمه إليهم، وذكر لهم قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا نورث ما تركنا صدقة " وقال: أنا
أعول من كان يعول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لقرابة رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وصدق رضي الله عنه
وأرضاه فإنه البار الراشد في ذلك التابع للحق، وطلب العباس وعلي على
لسان فاطمة إذ قد فاتهم الميراث أن ينظرا في هذه الصدقة وأن يصرفا ذلك
في المصارف التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفها فيها، فأبى عليهم
الصديق ذلك ورأى أن حقا عليه أن يقوم فيما كان يقوم فيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأن لا يخرج من مسلكه ولا عن سننه.
فتغضبت فاطمة رضي الله عنها عليه في ذلك ووجدت في نفسها بعض الموجدة
ولم يكن لها ذلك.
والصديق من قد عرفت هي والمسلمون محله ومنزلته من رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقيامه في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد
وفاته فجزاه الله عن نبيه وعن الاسلام وأهله خيرا، وتوفيت فاطمة رضي
الله عنها بعد ستة أشهر ثم جدد على البيعة بعد ذلك، فلما كان أيام عمر
بن الخطاب سألوه أن يفوض أمر هذه الصدقة إلى علي والعباس وثقلوا عليه
بجماعة من سادات الصحابة ففعل عمر رضي الله عنه ذلك، وذلك لكثرة اشغاله
واتساع مملكته وامتداد رعيته، فتغلب على علي عمه العباس فيها ثم تساوقا
يختصمان إلى عمر، وقدما بين أيديهما جماعة من الصحابة وسألا منه أن
يقسمها بينهما فينظر كل منهما فيما لا ينظر فيه الآخر فامتنع عمر من
ذلك أشد الامتناع وخشي أن تكون هذه القسمة تشبه قسمة المواريث، وقال:
انظرا فيها وأنتما جميع فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي، والذي تقوم
السماء والارض بأمره لا أقضي فيها قضاء غير هذا.
فاستمرا فيها ومن بعدهما إلى ولدهما إلى أيام بني العباس تصرف في
المصارف التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصرفها فيها، أموال
بني النضير وفدك وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر.
(*)
(4/231)
فصل وأما من شهد خيبر من العبيد والنساء
فرضخ (1) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الغنيمة ولم يسهم
لهم.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، ثنا بشر بن الفضل، عن محمد بن زيد
حدثني عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأمر بي فقلدت سيفا، فإذا أنا أجره، فأخبر أني
مملوك فأمر لي بشئ من طريق (2) المتاع.
ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن بشر بن المفضل به وقال
الترمذي حسن صحيح.
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع عن هشام بن سعد عن محمد بن زيد
بن المهاجر عن منقذ عن عمير به.
وقال محمد بن إسحاق: وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء
فرضخ لهن [ من الفئ ] (3) ولم يضرب لهن بسهم.
حدثني سليمان بن سحيم، عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد
سماها لي، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني
غفار، فقلنا: يا رسول الله قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا - وهو
يسير إلى خيبر - فنداوي الجرحى، ونعين المسلمين بما استطعنا، فقال "
على بركة الله " قالت فخرجنا معه، قالت وكنت جارية حدثة السن، فأردفني
رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله، [ قالت فوالله لنزل رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح ونزلت عن حقيبة رحله، قالت ] (3)
وإذا بها دم مني، وكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة
واستحيت.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال " مالك ؟
لعلك نفست " قالت: قلت: نعم، قال " فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء
فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمركبك "
قالت: فلما فتح الله خيبر رضخ لنا من الفئ، وأخذ هذه القلادة التي ترين
في عنقي فأعطانيها، وعلقها بيده في عنقي، فوالله لا تفارقني أبدا.
وكانت في عنقها حتى ماتت، ثم أوصت أن تدفن معها، قالت: وكانت لا تطهر
من حيضها إلا جعلت في طهورها ملحا وأوصت به أن يجعل في غسلها
حين ماتت.
وهكذا رواه الامام أحمد وأبو داود من حديث محمد بن اسحاق به.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه ورواه الواقدي عن أبي بكر بن أبي
سبرة، عن سليمان بن سحيم، عن أم
__________
(1) رضخ: أعطى من الغنيمة دون تحديد.
قال السهيلي: الرضخ: أن تكسر من الشئ الرطب فتعطيها وأما الرضح: فهو أن
تكسر اليابس.
(2) في أبي داود: خرثى المتاع: أساس البيت واسقاطه كالقدر وغيره.
وقال أبو داود: معناه انه لم يسهم له.
آبي اللحم: قال أبو داود: قال أبو عبيد: كان حرم اللحم على نفسه فسمي
آبي اللحم.
(3) من ابن هشام.
(انظر الخبر في السيرة ج 3 / 357).
(*)
(4/232)
علي بنت أبي
الحكم عن أمية بنت [ قيس بن ] (1) أبي الصلت عن النبي صلى الله عليه
وسلم به.
وقال الامام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، ثنا رافع بن سلمة الاشجعي حدثني
حشرج بن زياد، عن جدته أم أبيه قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزاة خيبر وأنا سادسة ست نسوة، قالت: فبلغ النبي صلى الله عليه
وسلم أن معه نساء، قالت فأرسل إلينا فدعانا.
قالت: فرأينا في وجهه الغضب فقال " ما أخرجكن وبأمر من خرجتن ؟ " قلنا
خرجنا نناول السهام ونسقي السويق، ومعنا دواء للجرحى، ونغزل الشعر
فنعين به في سبيل الله.
قال فمرن فانصرفن، قالت: فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاما كسهام
الرجال، فقلت لها يا جدة وما الذي أخرج لكن ؟ قالت تمرا.
قلت: إنما أعطاهن من الحاصل، فأما أنه أسهم لهن في الارض كسهام الرجال
فلا ! والله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي وفي كتابي عن أبي عبد الله الحافظ بأن عبد الله
الاصبهاني أخبره حدثنا الحسن (2) بن الجهم، ثنا الحسين بن الفرج، ثنا
الواقدي: حدثني عبد السلام بن موسى بن جبير، عن أبيه عن جده عن عبد
الله بن أنيس قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ومعي
زوجتي وهى حبلى فنفست في الطريق، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لي " انقع لها تمرا فإذا انغمر فأمر به لتشربه " ففعلت فما رأت
شيئا تكرهه، فلما فتحنا خيبر أجدى النساء ولم يسهم
لهن، فأجدى (3) زوجتي وولدي الذي ولد، قال عبد السلام: لست أدري غلام
أو جارية (4).
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة
المهاجرون
قال البخاري: حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو أسامة، ثنا يزيد بن عبد
الله (5) " عن أبي بردة عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي صلى الله
عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم
أحدهم أبو بردة والآخر أبو رهم، إما قال في بضع وإما قال في ثلاثة
وخمسين (6) أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا
سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتى
قدمنا جميعا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فكان
أناس من الناس يقولون لنا - يعني لاهل السفينة - سبقناكم بالهجرة،
ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا - على حفصة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى
__________
(1) من مغازي الواقدي.
(2) من البيهقي وفي الاصل: الحسين.
(3) في الواقدي: احذى وفي النهاية والبيهقي فكالاصل.
(4) الخبر في مغازي الواقدي 2 / 686 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 4 /
243.
(5) من البخاري وفي الاصل: يزيد بن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة
وهو تحريف.
(6) قال البلاذري بإسناده عن ابن عباس: انهم كانوا أربعين رجلا.
وقال ابن اسحاق: كانوا ستة عشر رجلا.
وقيل أقل.
(*)
(4/233)
النجاشي فيمن
هاجر، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها فقال حين رأى أسماء: من هذه ؟
قالت أسماء ابنة عميس، قال عمر الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟ قالت أسماء
نعم ! قال سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم
منكم، فغضبت وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار - أو في أرض - البعداء والبغضاء
بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله لا
أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، ووالله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد
عليه، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال
كذا وكذا قالت قال " فما قلت له ؟ " قالت: قلت: كذا وكذا، قال " ليس
بأحق بي منكم وله ولاصحابه هجرة واحدة.
ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان " قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأهل السفينة
يأتوني ارسالا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شئ هم به افرح ولا
أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بردة:
قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وأنه ليستعيد هذا الحديث مني.
وقال أبو بردة: عن أبي موسى قال النبي صلى الله عليه وسلم " إني لاعرف
أصوات رفقة الاشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من
أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار،
ومنهم حكيم بن حزام إذا لقي العدو أو قال الخيل - قال لهم إن أصحابي
يأمرونكم أن تنظروهم " (1).
وهكذا رواه مسلم عن أبي كريب وعبد الله بن براد عن أبي أسامة به.
ثم قال البخاري: قال: حدثنا اسحاق بن ابراهيم ثنا حفص بن غياث ثنا [
بريد بن عبد الله عن ] (2) أبي بردة عن أبي موسى قال: قدمنا على النبي
صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا ولم يقسم لاحد لم يشهد
الفتح غيرنا.
تفرد به البخاري دون مسلم.
ورواه أبو داود والترمذي وصححه من حديث يزيد به.
وقد ذكر محمد بن اسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن
أمية الضمري إلى النجاشي يطلب منه من بقي من أصحابه بالحبشة، فقدموا
صحبة جعفر وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.
قال: وقد ذكر سفيان بن عيينة عن الاجلح عن الشعبي أن جعفر بن أبي طالب
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى
الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه وقال " ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح
خيبر أم بقدوم جعفر " (3).
وهكذا رواه سفيان الثوري عن الاجلح عن الشعبي مرسلا.
وأسند البيهقي من طريق حسن بن حسين العرزمي عن الاجلح عن الشعبي عن
جابر قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قدم جعفر من
الحبشة، فتلقاه وقبل جبهته وقال " والله ما أدري بأيهما أفرح، بفتح
خيبر أم بقدوم جعفر " ثم قال البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا
الحسين بن أبي اسماعيل العلوي، ثنا أحمد
__________
(1) رواه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر (ح: 23) فتح الباري 7 /
390.
وفي المناقب باب هجرة الحبشة.
وأخرجه مسلم في 44 كتاب فضائل الصحابة 41 باب (ح: 169).
(2) من البخاري، وفي الاصل: يزيد بن أبي بردة.
وهو تحريف.
كتاب المغازي - باب غزوة خيبر.
(3) الخبر في دلائل البيهقي ج 4 / 246.
ونقله الصالحي في السيرة الشامية 5 / 212.
وسيرة ابن هشام ج 4 / 3.
(*)
(4/234)
ابن محمد
البيروتي، ثنا محمد بن أحمد بن أبي طيبة، حدثني مكي بن ابراهيم
الرعيني، ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال: لما قدم جعفر بن
أبي طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر
جعفر إليه حجل - قال مكي: يعني مشى على رجل واحدة - إعظاما لرسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه.
ثم قال البيهقي: في إسناده من لا يعرف إلى الثوري (1).
قال ابن اسحاق: وكان الذين تأخروا مع جعفر من أهل مكة إلى أن قدموا معه
خيبر: ستة عشر رجلا، وسرد أسماءهم وأسماء نسائهم وهم، جعفر بن أبي طالب
الهاشمي، وامرأته أسماء بنت عميس، وابنه عبد الله ولد بالحبشة، وخالد
بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وامرأته أمينة (2) بنت خلف بن
أسعد، وولداه سعيد، وأمة بنت خالد ولدا بأرض الحبشة، وأخوه عمرو بن
سعيد بن العاص (3) ومعيقيب بن أبي فاطمة وكان إلى آل سعيد بن العاص،
قال وأبو موسى الاشعري عبد الله بن قيس حليف آل عتبة بن ربيعة، وأسود
بن نوفل بن خويلد بن أسد الاسدي، وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل العبدري،
وقد ماتت امرأته أم حرملة بنت عبد الاسود بأرض الحبشة، وابنه عمرو،
وابنته خزيمة ماتا بها (4) رحمهم الله، وعامر بن أبي وقاص الزهري،
وعتبة بن مسعود حليف لهم من هذيل، والحارث بن خالد بن صخر التيمي، وقد
هلكت بها امرأته ريطة بنت الحارث رحمها الله، وعثمان بن ربيعة بن أهبان
الجمحي، ومحمية بن جزء الزبيدي حليف بني سهم، ومعمر بن عبد الله بن
نضلة العدوي، وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، ومالك بن ربيعة بن قيس بن
عبد شمس العامريان، ومع مالك هذا امرأته عمرة بنت السعدي، والحارث بن
عبد شمس (5) بن لقيط الفهري.
قلت: ولم يذكر ابن اسحاق أسماء الاشعريين الذين كانوا مع أبي موسى
الاشعري وأخويه أبا بردة وأبا رهم وعمه أبا عامر، بل لم يذكر من
الاشعريين غير أبي موسى ولم يتعرض لذكر أخويه وهما أسن منه كما تقدم في
صحيح البخاري.
وكأن ابن اسحاق رحمه الله لم يطلع على حديث أبي موسى في ذلك والله
أعلم.
قال: وقد كان معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك من المسلمين
هنالك.
وقد حرر هاهنا شيئا كثيرا حسنا.
قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان سمعت الزهري وسأله
اسماعيل بن أمية قال أخبرني عنبسة بن سعيد: أن أبا هريرة أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي ج 4 / 246.
(2) في الاصابة: أميمة، وقال ابن هشام: همينة.
(3) في ابن هشام: معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني
هلكت بأرض الحبشة.
(4) في ابن هشام: ان امرأته فقط هلكت في الحبشة وجاء معه ابناه منها.
(5) في ابن هشام: ابن عبد قيس.
انظر تفاصيل الخبر في السيرة 4 / 3 - 5.
(*)
(4/235)
وسأله - يعني
أن يقسم له - فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه، فقال أبو هريرة هذا
قاتل ابن قوقل فقال: واعجبا لو بر تدلى من قدوم الضأل (1).
تفرد به دون مسلم.
قال البخاري ويذكر عن الزبيدي عن الزهري أخبرني عنبسة بن سعيد أنه سمع
أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبانا على سرية من المدينة قبل نجد، قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه
على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها، وأن حزم خيلهم
لليف.
قال أبو هريرة فقلت يا رسول الله لا تقسم لهم، فقال أبان: وأنت بهذا يا
وبر تحدر من رأس ضأل.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا أبان اجلس " ولم يقسم لهم، وقد
أسند أبو داود هذا الحديث: عن سعيد بن منصور، عن اسماعيل بن عياش، عن
محمد بن الوليد الزبيدي به نحوه (2).
ثم قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد،
أخبرني جدي وهو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أن أبان بن سعيد أقبل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال أبو هريرة يا رسول
الله هذا قاتل ابن قوقل، فقال أبان لابي هريرة: واعجبا لك يا وبر تردي
من قدوم ضأل تنعي على امرءا أكرمه الله بيدي، ومنعه أن يهينني بيده ؟
هكذا رواه منفردا به ها هنا.
وقال في الجهاد بعد حديث الحميدي عن سفيان عن الزهري عن عنبسة بن سعيد
عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد ما
افتتحها، فقلت يا رسول الله أسهم لي، فقال بعض آل سعيد بن العاص: لا
تقسم له، فقلت يا رسول الله هذا قاتل ابن قوقل الحديث.
قال سفيان حدثنيه السعيدي - يعني عمرو بن يحيى بن سعيد - عن جده عن أبي
هريرة بهذا.
ففي هذا الحديث التصريح من أبي هريرة بأنه لم يشهد خيبر وتقدم في أول
هذه الغزوة.
رواه الامام أحمد: من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة وأنه قدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما افتتح خيبر فكلم المسلمين فأشركونا
في أسهامهم وقال الامام أحمد: حدثنا روح، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن
زيد، عن عمار بن أبي عمار قال: ما شهدت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم مغنما قط إلا قسم لي، إلا خيبر فإنها كانت لاهل الحديبية خاصة.
قلت: وكان أبو هريرة وأبو موسى جاءا بين الحديبية وخيبر.
وقد قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد ثنا معاوية بن عمرو ثنا أبو
إسحاق عن مالك بن أنس، حدثني ثور حدثني سالم مولى [ عبد الله ] بن مطيع
أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة، إنما
غنمنا الابل والبقر والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى وادي القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له بعض
بني الضبيب فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه
سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " كلا والذي نفسي
__________
(1) أخرجه البخاري في غزوة خيبر فتح الباري 7 / 393.
(2) سنن أبي داود 3 / 73.
(*)
(4/236)
بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه
نارا " فجاء رجل حين سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو
شراكين فقال: هذا شئ كنت أصبته، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " شراك أو شراكين من نار ". |