البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر
قال البخاري: رواه عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث حدثني سعيد عن أبي هريرة قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، هكذا أورده ها هنا مختصرا (1).
وقد قال الامام أحمد: حدثنا حجاج ثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجمعوا لي من كان ها هنا من يهود " فجمعوا له فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني سائلكم عن شئ فهل أنتم صادقي عنه ؟ " قالوا نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أبو كم ؟ " قالوا أبو نا فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كذبتم بل أبو كم فلان " قالوا صدقت وبررت فقال " هل أنتم صادقي عن شئ إذا سألتكم عنه ؟ " قالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " " من أهل النار ؟ " فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله لا نخلفكم فيها أبدا " ثم قال لهم " هل أنتم صادقي عن شئ إذا سألتكم ؟ " فقالوا نعم يا أبا القاسم، فقال " هل جعلتم في هذه الشاة سما " فقالوا: نعم ! قال " ما حملكم على ذلك ؟ " قالوا أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك (2).
وقد رواه البخاري في الجزية عن عبد الله بن يوسف، وفي المغازي أيضا عن قتيبة كلاهما عن الليث به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم [ قال: حدثنا العباس بن محمد، قال ] (3) حدثنا سعيد بن سليمان، ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن امرأة من يهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فقال لاصحابه " أمسكوا فإنها مسمومة " وقال لها: " ما حملك على ما صنعت ؟ " قالت: أردت أن أعلم إن كنت نبيا فسيطلعك الله عليه، وإن كنت كاذبا أريح الناس منك.
قال: فما عرض لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن سعيد بن سليمان به.
ثم روى البيهقي عن طريق عبد الملك بن
__________
(1) أخرجه البخاري في المغازي، غزوة خيبر، فتح الباري 7 / 400.
(2) أخرجه البحاري في 58 كتاب الجزية (7) باب فتح الباري 6 / 272.
وفي كتاب الطب 55 باب ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) سقطت من الاصل واستدركت من دلائل البيهقي.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 4 / 259 - 260.
(*)

(4/237)


أبي نضرة عن أبيه عن جابر بن عبد الله نحو ذلك.
وقال الامام أحمد: حدثنا شريح ثنا عباد عن هلال هو ابن خباب - عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة، فأرسل إليها فقال " ما حملك على ما صنعت ؟ " قالت أحببت - أو أردت - إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه، وإن لم تكن نبيا أريح الناس منك.
قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم، قال فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم.
تفرد به أحمد وإسناده حسن.
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك: أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجئ بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك ؟ قالت أردت لاقتلك، فقال " ما كان الله ليسلطك علي " أو قال " على ذلك " قالوا: ألا تقتلها قال " لا " قال أنس فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية (1) ثم أهدتها لرسول الله صلى الله عليه وآله، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فأكل منها، وأكل رهط من أصحابه معه، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارفعوا أيديكم " وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فقال لها " أسممت هذه الشاة ؟ " قالت اليهودية من أخبرك ؟ قال " أخبرتني هذه التي في يدي " وهي الذراع، قالت نعم قال " فما أردت بذلك ؟ " قالت: قلت إن كنت نبيا فلن تضرك، وإن لم تكن نبيا استرحنا منك.
فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها، وتوفي بعض أصحابه الذين
أكلوا من الشاة واحتجم النبي صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبني بياضة من الانصار.
ثم قال أبو داود حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية نحو حديث جابر، قال: فمات بشر بن البراء بن معرور، فأرسل إلى اليهودية فقال " ما حملك على الذي صنعت ؟ " فذكر نحو حديث جابر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ولم يذكر أمر الحجامة.
قال البيهقي: ورويناه من حديث حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
قال: ويحتمل أنه لم يقتلها في الابتداء، ثم لما مات بشر بن البراء أمر بقتلها (2).
وروى البيهقي: من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية بخيبر فقال: " ما هذه ؟ " قالت هدية، وحذرت أن تقول صدقة فلا يأكل، قال: فأكل وأصحابه ثم قال " امسكوا " ثم قال للمرأة " هل سممت ؟ " قالت من أخبرك هذا ؟ قال " هذا العظم " لساقها وهو في يده، قالت: نعم قال
__________
(1) مصلية: مشوية.
(2) نقل البيهقي جملة الاحاديث التي وردت في دلائله ج 4 / 256 وما بعدها في باب: ما جاء في الشاة التي سمت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وما ظهر في ذلك من عصمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ضرر ما أكل منه.
(*)

(4/238)


" لم ؟ " قالت: أردت إن كنت كاذبا أن نستريح منك، وإن كنت نبيا لم يضرك.
قال فاحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكاهل وأمر أصحابه فاحتجموا.
ومات بعضهم.
قال الزهري فأسلمت (1) فتركها النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي: هذا مرسل ولعله قد يكون عبد الرحمن حمله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
وذكر ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة وكذلك موسى بن عقبة عن الزهري قالوا: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقتل منهم من قتل، أهدت زينب بنت الحارث اليهودية وهي ابنة أخي مرحب لصفية شاة مصلية وسمتها، وأكثرت في الكتف والذراع لانه بلغها أنه أحب أعضاء الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية
ومعه بشر بن البراء بن معرور وهو أحد بني سلمة، فقدمت إليهم الشاة المصلية، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وانتهش منها، وتناول بشر عظما فانتهش منه، فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر بن البراء ما في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارفعوا أيد يكم فإن كتف هذه الشاة يخبرني أني نعيت (2) فيها " فقال بشر بن البراء والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أني أعظمتك أن أبغضك (3) طعامك، فلما أسغت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون استرطتها وفيها نعي (4)، فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان، وماطله وجعه حتى كان لا يتحول حتى يحول (5).
قال الزهري: قال جابر: واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حجمه مولى بني بياضة بالقرن والشفرة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفي فيه فقال " ما زلت أجد من الاكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع أبهري " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا.
__________
(1) اختلفوا في المرأة التي أهدت الشاة المسمومة للنبي صلى الله عليه وسلم: هل كان عملها تصرفا شخصيا انفردت بالتفكير فيه وتنفيذه ؟ ولماذا قصدت قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- هل كان تصرفها مخططا له من شخص أو فئة أو مجموعة من الناس ؟ هل أسلمت أم لا ؟ - هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟.
(2) في رواية البيهقي: أن قد بغيت فيها.
(3) في البيهقي: أنغصك.
(4) في البيهقي: بغي.
(5) الخبر في الدرر لابن عبد البرص (204) ونقله البيهقي في الدلائل 4 / 263 ولم يذكر ابن عقبة قول جابر في الحجامة إنما ذكره البخاري في صحيحه: فتح الباري 8 / 131.
والحجامة: يطلق عليها اسم " كاسات الهوا " وهي فصد قليل من الدم من على سطح الجلد باستخدام كأس زجاجي خاص.
وهي نوعان: حجامة جافة وحجامة رطبة.
تفيد الحجامة في بعض حالات الروماتيزم وأوجاع الصدر، وتخفيف الاحتقان الدموي في بعض أمراض القلب وبعض آلام المفاصل.
(*)

(4/239)


وقال محمد بن اسحاق: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما بشر فأساغها، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال " إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم " ثم دعا بها فاعترفت، فقال " ما حملك على ذلك ؟ " قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان كذابا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيخبر.
قال فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بشر من أكلته التي أكل.
قال ابن اسحاق وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه - ودخلت عليه أخت (1) بشر بن البراء بن معرور - " يا أم بشر إن هذا الاوان وجدت [ فيه ] انقطاع أبهري من الاكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر ".
قال ابن هشام: الابهر العرق المعلق بالقلب.
قال: فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا، مع ما أكرمه الله به من النبوة (2).
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا هلال بن بشر وسليمان بن يوسف الحراني قالا: ثنا أبو غياث سهل بن حماد، ثنا عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري: أن يهودية أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة سميطا، فلما بسط القوم أيديهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسكوا فإن عضوا من أعضائها يخبرني أنها مسمومة " فأرسل إلى صاحبتها " أسممت طعامك ؟ " قالت: نعم، قال: " ما حملك على ذلك ؟ " قالت إن كنت كاذبا أن أريح الناس منك، وإن كنت صادقا علمت أن الله سيطلعك عليه.
فبسط يده وقال " كلوا بسم الله " قال: فأكلنا وذكرنا اسم الله فلم يضر أحدا منا.
ثم قال
لا يروى عن عبد الملك بن أبي نضرة إلا من هذا الوجه.
قلت: وفيه نكارة وغرابة شديدة والله أعلم.
وذكر الواقدي: أن عيينة بن حصن قبل أن يسلم رأى في منامه رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر خيبر، فطمع من رؤياه أن يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظفر به، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وجده قد افتتحها، فقال: يا محمد أعطني ما غنمت من حلفائي - يعني أهل خيبر - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " كذبت رؤياك " وأخبره بما رأى (3)، فرجع عيينة فلقيه الحارث بن عوف فقال: ألم أقل إنك توضع في غير شئ،
__________
(1) في ابن هشام: أم بشر.
وسياق الخبر يفهم منه: أنها أخته.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام 3 / 253.
(3) كان عيينة قد أري انه أعطي ذا الرقيبة - جبل بخيبر - وأنه أخذ برقبة محمد صلى الله عليه وسلم ولما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم قال له: اعطني مما غنمت من حلفائي فإني انصرفت عنك وعن قتالك وخذلت حلفائي ولم أكثر عليك ورجعت عنك بأربعة = (*)

(4/240)


والله ليظهرن محمد على ما بين المشرق والمغرب، وإن يهود كانوا يخبروننا بهذا، أشهد لسمعت أبا رافع سلام بن أبي الحقيق يقول: إنا لنحسد محمدا على النبوة حيث خرجت من بني هارون، إنه لمرسل، ويهود لا تطاوعني على هذا.
ولنا منه ذبحان، واحد بيثرب وآخر بخيبر.
قال الحارث: قلت لسلام يملك الارض ؟ قال نعم والتوراة التي أنزلت على موسى وما أحب أن تعلم يهود بقولي فيه.
فصل
قال ابن إسحاق: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى، فحاصر أهلها ليال ثم انصرف راجعا إلى المدينة.
ثم ذكر من قصة مدعم وكيف جاءه سهم غارب فقتله، وقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر لم يصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ".
وقد تقدم في صحيح البخاري نحو ما ذكره ابن إسحاق والله أعلم.
وسيأتي ذكر قتاله عليه السلام بوادي القرى.
قال الامام أحمد: حدثنا
يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا من أشجع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " صلوا على صاحبكم " فتغير وجوه الناس من ذلك، فقال " إن صاحبكم غل في سبيل الله " ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين (1).
وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث يحيى ابن سعيد القطان.
ورواه أبو داود وبشر بن المفضل وابن ماجه من حديث الليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الانصاري به.
وقد ذكر البيهقي: أن بني فزارة أرادوا أن يقاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من خيبر وتجمعوا لذلك فبعث إليهم يواعدهم موضعا (2) معينا فلما تحققوا ذلك هربوا كل مهرب، وذهبوا من طريقه كل مذهب وتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلت صفية من استبرائها دخل بها بمكان يقال له سد الصهباء في أثناء طريقه إلى المدينة، وأولم عليها بحيس، وأقام ثلاثة أيام يبنى عليه بها، وأسملت فأعتقها وتزوجها وجعل عناقها صداقها، وكانت إحدى أمهات المؤمنين كما فهمه الصحابة لما مد عليها الحجاب وهو مردفها وراءه رضي الله عنها.
وذكر محمد بن إسحاق في السيرة قال: لما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بخيبر - أو ببعض الطريق - وكانت التي جملتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان أم
__________
= آلاف مقاتل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذبت (مغازي الواقدي 2 / 675).
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 114 و 5 / 192 ومالك في الموطأ في الجهاد، باب الغلول 2 / 458 وأبو داود في الجهاد باب في تعظيم الغلول.
والنسائي في كتاب الجنائز 66 باب الصلاة على من غل.
وابن ماجه في الجهاد 24 باب الغلول.
(2) ذكره البيهقي في الدلائل 4 / 248 والموضع: جنفا: وهو ماء من مياه بني فزارة بين خيبر وفدك (*)

(4/241)


أنس بن مالك، وبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له وبات أبو أيوب متوشحا بسيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطيف بالقبة، حتى أصبح، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه قال " مالك يا أبا أيوب ؟ " قال خفت عليك من هذه المرأة وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت
حديثة عهد بكفر فخفتها عليك، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني " ثم قال: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب فذكر نومهم عن صلاة الصبح مرجعهم من خيبر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولهم استيقاظا فقال " ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ " قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال " صدقت " ثم اقتاد ناقته غير كثير ثم نزل فتوضأ وصلى كما كان يصليها قبل ذلك.
وهكذا رواه مالك عن الزهري عن سعيد مرسلا وهذا مرسل من هذا الوجه.
وقد قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من غزوة خيبر، فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس (1) وقال لبلال " اكلا لنا الليل " (2) قال فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا بلال " قال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا فأقام الصلاة وصلى لهم الصبح، فلما أن قضى الصلاة قال " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول (وأقم الصلاة لذكري) (3) قال يونس وكان ابن شهاب يقرأها كذلك.
وهكذا رواه مسلم عن حرملة بن يحيى عن عبد الله بن وهب به وفيه أن ذلك كان مرجعهم من خيبر.
وفي حديث شعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن أبي علقمة عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من الحديبية، ففي رواية عنه أن بلالا هو الذي كان يكلؤهم، وفي رواية عنه أنه هو الذي كان يكلؤهم (4).
قال الحافظ البيهقي: فيحتمل أن ذلك كان مرتين.
قال: وفي حديث عمران بن حصين وأبي قتادة نومهم عن الصلاة وفيه حديث الميضاة فيحتمل أن ذلك إحدى هاتين المرتين أو مرة ثالثة.
قال وذكر الواقدي في حديث أبي قتادة أن ذلك كان مرجعهم من غزوة تبوك.
قال وروى زافر بن سليمان عن شعبة عن جامع بن شداد عن عبد الرحمن عن ابن مسعود أن ذلك كان مرجعهم من تبوك فالله أعلم (5).
ثم أورد البيهقي ما رواه
__________
(1) التعريس: نزول المسافرين آخر الليل للنوم والاستراحة.
قال أبو زيد: هو النزول أي وقت كان من ليل أو نهار.
(2) أي ارقبه وأحفظه وأحرسه.
(3) سورة طه: 14 والحديث نقله البيهقي في الدلائل 4 / 272.
وقوله.
كان يقرأها كذلك أي: أقم الصلاة لذكري.
وأخرجه مسلم في 5 كتاب المساجد 55 باب (ح: 309).
(4) أخرجه أبو داود في الصلاة (ح: 447) ص (1 / 122).
(5) دلائل البيهقي 4 / 275 (*)

(4/242)


صاحب الصحيح من قصة عوف الاعرابي عن أبي رجاء عن عمران بن حصين في قصة نومهم عن الصلاة وقصة المرأة صاحبة السطيحتين وكيف أخذوا منهما ماء روى الجيش بكماله ولم ينقص ذلك منهما شيئا.
ثم ذكر ما رواه مسلم من حديث ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة وهو حديث طويل وفيه نومهم عن الصلاة وتكثير الماء من تلك الميضاة (1).
وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة.
وقال البخاري: حدثنا موسى بن اسماعيل، ثنا عبد الواحد عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي موسى الاشعري قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبرا، وقال لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم " وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعني وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال " يا عبد الله بن قيس " قلت لبيك يا رسول الله قال " ألا ادلك على كلمة من كنز الجنة " قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال " لا حول ولا قوة إلا بالله ".
وقد رواه بقية الجماعة من طرق عن عبد الرحمن بن مل أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الاشعري، والصواب أنه كان مرجعهم من خيبر فإن أبا موسى إنما قدم بعد فتح خيبر كما تقدم.
قال ابن اسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد أعطى ابن لقيم العبسي حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة أو داجن، وكان فتح خيبر في صفر، فقال ابن لقيم في فتح خيبر:
رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار (2) واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار جرت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح بالاسحار ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد الاشهل أو بني النجار ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار (3) فرت يهود عند ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الابصار (4)
__________
(1) راجع تفاصيل الخبرين في الدلائل: باب ذكر حديث عمران بن حصين وما ظهر في خبر النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبة المزادتين ج 4 / 276.
وفي باب ذكر حديث أبي قتادة الانصاري في أمر الميضأة.
ج 4 / 282.
(2) نطاة: حصن بخيبر، وقيل عين بها، والفيلق: الكتيبة.
فقار: شديدة.
(3) أصفار: جمع صفر.
(4) الغمائم: جفون العين.
وقال السهيلي: وهو بيت مشكل، غير أن في بعض النسخ وهي قليلة عن ابن هشام انه قال: فرت: فتحت من قولك: فرت الدابة: إذا فتحت فاها.
(*)

(4/243)


فصل من استشهد بخيبر من الصحابة على ما ذكره ابن اسحاق بن يسار رحمه الله وغيره من أصحاب المغازي.
فمن خير المهاجرين ربيعة بن أكثم بن سخبرة الاسدي مولى بني أمية، وثقيف بن عمرو (1) ورفاعة بن سروح حلفاء بني أمية، وعبد الله بن الهبيب (2) بن أهيب بن سحيم بن غيرة من بني سعد بن ليث حليف بني أسد وابن أختهم، ومن الانصار بشر بن البراء بن معرور من أكلة الشاة المسمومة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وفضيل بن النعمان السلميان، ومسعود بن سعد بن
قيس بن خالد (3) بن عامر بن زريق الزرقي، ومحمود بن مسلمة الاشهلي، وأبو ضياح (4) حارثة بن ثابت بن النعمان العمري، والحارث بن حاطب، وعروة (5) بن مرة بن سراقة، وأوس [ بن ] الفائد (6) وأنيف بن حبيب (7)، وثابت بن أثلة وطلحة (8)، وعمارة بن عقبة رمي بسهم فقتله، وعامر بن الاكوع ثم سلمة بن عمرو بن الاكوع أصابه طرف سيفه في ركبته فقتله رحمه الله كما تقدم، والاسود الراعي.
وقد أفرد ابن اسحاق ها هنا قصته وقد أسلفناها في أوائل الغزوة ولله الحمد والمنة.
قال ابن اسحاق: وممن استشهد بخيبر فيما ذكره ابن شهاب من بني زهرة مسعود بن ربيعة حليف لهم من القارة، ومن الانصار ثم من بني عمرو بن عوف أوس بن قتادة رضي الله عنهم أجمعين.
خبر الحجاج بن علاط البهزي قال ابن اسحاق: ولما فتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي فقال: يارسول الله إن لي بمكة مالا عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده،
__________
= وغمائم الابصار: هي مفعول فرت.
وهي جفون أعينهم.
(الروض الانف).
(1) في الواقدي: ثقف بن عمرو بن سميط.
(2) في الواقدي: عبد الله بن أبي أمية.
(3) في ابن هشام: خلدة.
(4) في الطبري والاستيعاب: النعمان، وفي الاستيعاب: قيل: عمير.
(5) في الواقدي: عدي بن مرة.
(6) في ابن هشام: أوس بن القائد.
وفي الاصل: أوس الفارض واثبتنا ما في الاصابة.
(7) في الواقدي: أنيف بن وائلة.
(8) وهو طلحة بن يحيى بن مليل بن ضمرة قاله أبو ذر في شرح السيرة.
وذكره الواقدي باسم: عمارة (*)

(4/244)


له منها معوض بن الحجاج - ومالا متفرقا في تجار أهل مكة، فأذن لي يا رسول الله فأذن له، فقال إنه لابد لي يا رسول الله من أن أقول، قال: قل، قال الحجاج، فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء (1) رجالا من قريش يستمعون الاخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا، وهم يتجسسون الاخبار من الركبان، فلما رأوني قالوا: الحجاج بن علاط - قال ولم يكونوا علموا باسلامي - عنده والله الخبر.
أخبرنا يا أبا محمد فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر، وهي بلد يهود وريف الحجاز ؟ قال: قلت: قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم، قال فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون: إيه يا حجاج ؟ قال: قلت: هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط.
وقد قتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط، وأسر محمد أسرا وقالوا: لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة [ فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال: فقاموا وصاحوا بمكة ] (2) وقالوا: قد جاءكم الخبر، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم، قال: قلت: أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي، فاني أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك.
قال فقاموا فجمعوا لي ما كان لي كأحث جمع سمعت به، قال: وجئت صاحبتي فقلت: مالي، وكان [ لي ] (2) عندها مال موضوع، فلعلي الحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار، قال: فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر وما جاءه عني، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيم التجار، فقال: يا حجاج ما هذا الذي جئت به ؟ قال: قلت: وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ؟ قال: نعم ! قال: قلت: فاستأخر حتى ألقاك على خلاء، فإني في جمع مالي كما ترى فانصرف حتى أفرغ.
قال: حتى إذا فرغت من جمع كل شئ كان لي بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت احفظ علي حديثي يا أبا الفضل فإني أخشى الطلب ثلاثا ثم قل: ما شئت، قال: أفعل.
قلت: فإني والله تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم - يعني صفية بنت حيي - وقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولاصحابه، قال: ما تقول يا حجاج ؟ ! قال قلت أي والله فاكتم عني ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا عليه
من أن أغلب عليه، فإذا مضت ثلاث فاظهر أمرك فهو والله على ما تحب، قال حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له، وتخلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها، فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة ! قال كلا والله الذي حلفتم به، لقد افتتح محمد خيبر ونزل عروسا على بنت ملكهم، وأحرز أموالهم وما فيها وأصبحت له ولاصحابه قالوا من جاءك بهذا الخبر ؟ قال الذي جاءكم بما جاءكم به ولقد دخل عليكم مسلما وأخذ أمواله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه، فقالوا يا لعباد الله انفلت عدو الله أما والله لو علمنا لكان لنا
__________
(1) في ياقوت: " البيضاء ثنية التنعيم بمكة، لها ذكر في كتاب السيرة ".
(2) سقطت من الاصل واستدركت من ابن هشام.
(*)

(4/245)


وله شأن، قال ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك.
هكذا ذكر ابن اسحاق هذه القصة منقطعة، وقد أسند ذلك الامام أحمد بن حنبل فقال: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، سمعت ثابتا يحدث عن أنس قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط يا رسول الله إن لي بمكة مالا وإن لي بها أهلا وإني أريد أن آتيهم أفأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا ؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء.
فأتى امرأته حين قدم فقال: اجمعي لي ما كان عندك فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم.
قال وفشى ذلك بمكة فانقمع المسلمون وأظهر المشركون فرحا وسرورا، قال وبلغ الخبر العباس فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم.
قال معمر: فأخبرني عثمان الخزرجي (1) عن مقسم قال: فأخذ ابنا يقال له قثم واستلقى ووضعه على صدره وهو يقول.
حبي قثم * شبه ذي الانف الاشم * بني ذي النعم * بزعم من زعم قال ثابت عن أنس: ثم أرسل غلاما له إلى حجاج بن علاط فقال: ويلك ما جئت به وماذا تقول ؟ فما وعد الله خير مما جئت به، فقال حجاج بن علاط: أقرأ على أبي الفضل السلام وقل له: فليخل لي في بعض بيوته لآتيه فإن الخبر على ما يسره، فجاء غلامه فلما بلغ الدار،
قال: أبشر يا أبا الفضل، قال فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه، فأخبره ما قال حجاج فأعتقه، قال ثم جاءه الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر، وغنم أموالهم، وجرت سهام الله في أموالهم، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي واتخذها لنفسه، وخيرها أن يعتقها وتكون زوجه أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته، قال ولكني جئت لمال كان ها هنا أردت أن أجمعه فاذهب به فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت، فاخف علي ثلاثا ثم اذكر ما بدا لك.
قال فجمعت امرأته ما كان عندها من حلى أو متاع فجمعته ودفعته إليه ثم انشمر به، فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال ما فعل زوجك ؟ فأخبرته أنه ذهب يوم كذا وكذا، وقالت لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك، قال: أجل لا يحزنني الله ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله خيبر على رسوله، وجرت فيها سهام الله واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به.
قالت: أظنك والله صادقا ؟ قال: فإني صادق والامر على ما أخبرتك، ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم: لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل، قال لم يصبني إلا خير بحمد الله، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله وجرت فيها سهام الله واصطفى صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا، وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شئ هاهنا ثم يذهب، قال فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون من
__________
(1) في رواية البيهقي: الجزري.
(*)

(4/246)


كان دخل بيته مكتئبا حتى أتى العباس فأخبرهم الخبر، فسر المسلمون ورد ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين (1).
وهذا الاسناد على شرط الشيخين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى النسائي عن اسحاق بن ابراهيم عن عبد الرزاق به نحوه.
ورواه الحافظ البيهقي من طريق محمود بن غيلان عن عبد الرزاق.
ورواه أيضا من طريق يعقوب بن سفيان عن زيد بن المبارك عن محمد بن ثور عن معمر به نحوه.
وكذلك ذكر موسى بن عقبة في مغازيه: أن قريشا
كان بينهم تراهن عظيم وتبايع، منهم من يقول يظهر محمد وأصحابه، ومنهم من يقول: يظهر الحليفان ويهود خيبر، وكان الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي قد أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر، وكان تحته أم شيبة (2) أخت عبد الدار بن قصي، وكان الحجاج مكثرا من المال، وكانت له معادن أرض بني سليم، فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر استأذن الحجاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى مكة يجمع أمواله فأذن له نحو ما نقدم والله أعلم (3).
قال ابن إسحاق: ومما قيل من الشعر في غزوة خيبر قول حسان: بئس ما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل الذميم الذليل أمن الموت يهربون فإن المو * ت موت الهزال غير جميل وقال كعب بن مالك فيما ذكره ابن هشام عن أبي زيد الانصاري: ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الاشاجع مزود جواد لدى الغايات لا واهن القوى * جرئ على الاعداء في كل مشهد عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزا بأحمد يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد يصدق بالانباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك العز والفوز في غد
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده 3 / 138 - 139 ونقله الصالحي في السيرة الشامية 5 / 216 والبيهقي في الدلائل 4 / 266.
عن أنس.
(2) في الواقدي: أم شيبة بنت عمير بن هاشم أخت مصعب العبدي.
(3) رواه عن موسى بن عقبة وعروة البيهقي في الدلائل 4 / 265.
(*)

(4/247)