البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
فصل في إسلام العباس بن عبد المطلب
عم النبي صلى الله عليه وسلم وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة
المخزومي أخي أم سلمة أم المؤمنين وهجرتهم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فوجدوه في أثناء الطريق وهو ذاهب إلى فتح مكة.
قال ابن اسحاق: وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله صلى الله
عليه وسلم ببعض الطريق، قال ابن هشام: لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد
كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه
راض فيما ذكره ابن شهاب الزهري.
قال ابن اسحاق: وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله
بن أبي أمية قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بنيق العقاب،
فيما بين مكة والمدينة والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما
فقالت: يا رسول الله إن ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال " لا حاجة لي بهما
أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال "
(2) قال فلما خرج إليهما الخبر بذلك ومع أبي سفيان بني له فقال: والله
ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الارض ثم نموت عطشا
وجوعا.
فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه
فأسلما (3)، وأنشد أبو سفيان قوله في
__________
(1) في مسلم: " أولئك العصاة أولئك العصاة " هكذا هو مكرر مرتين.
وهذا محمول على من تضرر بالصوم.
أو انهم امروا بالفطر أمرا جازما، لمصلحة بيان جوازه، فخالفوا الواجب،
وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر، عاصيا إذا لم يتضرر به.
(2) قال له يومذاك: والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج
فيه وأنا انظر، ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون ان الله قد
أرسلك.
قاله السهيلي (الروض 2 / 267).
وقال الواقدي في مغازيه: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عاداه
معاداة لم يعاد أحد قط.
ولم يكن دخل الشعب وهجا
رسول الله وهجا أصحابه.
ومكث (على قول الواقدي) عشرين سنة عدوا لرسول الله، لا يتخلف عن موضع
تسير فيه قريش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) الخبر في سيرة ابن هشام 4 / 42 ومغازي الواقدي ج 2 / 810 وقال
الواقدي وجها آخر لاسلام أبي سفيان رواه من = (*)
(4/328)
إسلامة واعتذر
إليه مما كان مضى منه: لعمرك أني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل
محمد لكا لمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدى وأهتدى هدا بي
هاد غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد (1) أصد وأنأى جاهدا عن
محمد * وأدعى وإن لم أنتسب من محمد هموا ما هموا من لم يقل بهواهم *
وإن كان ذا رأي يلم ويفند أريد لارضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم
أهد في كل مقعد فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك عيري أوعدي
فما كنت في الجيش الذي نال عامر * وما كان عن جري لساني ولا يدي قبائل
جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد (2) قال ابن اسحاق:
فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالني مع الله من
طردت كل مطرد، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في صدره وقال "
أنت طردتني كل مطرد ".
فصل
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مر الظهران نزل فيه فأقام
كما روى البخاري: عن يحيى بن بكير عن الليث، ومسلم عن أبي الطاهر عن
ابن وهب كلاهما عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتني الكباث (3)، وإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال " عليكم بالاسود منه فإنه أطيب " قالوا:
يا رسول الله أكنت ترعى الغنم ؟ قال: " نعم وهل من نبي إلا وقد رعاها "
وقال البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد
الجبار، عن يونس بن بكير، عن سنان بن إسمعيل، عن أبي الوليد سعيد بن
مينا قال: لما فرغ أهل مؤتة (4) ورجعوا أمرهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالمسير إلى مكة، فلما انتهى إلى مر الظهران نزل بالعقبة، فأرسل
الجناة يجتنون الكباث، فقلت لسعيد وما هو ؟ قال ثمر الاراك، قال:
فانطلق ابن مسعود فيمن يجتني، قال: فجعل أحدهم إذا أصاب حبة طيبة قذفها
في فيه، وكانوا ينظرون
__________
= طريق عبد الرحمن بن سابط.
راجع المغازي 2 / 806.
(1) لما التقى به رسول الله في نيق العقاب ذكره به قائلا: بل الله طردك
كل مطرد.
فقال: يا رسول الله هذا قول قلته بجهالة وأنت أولى الناس بالعفو
والحلم.
(2) سهام وسردد: موضعان من أرض عك.
(3) الكباث: النضيج من ثمر الاراك، حبة فويق حب الكزبرة في القدر.
(4) من البيهقي: وفي الاصل: أهل مكة ولعله سهو من الناسخ.
(*)
(4/329)
إلى دقة ساقي
ابن مسعود وهو يرقى في الشجرة فيضحكون، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " تعجبون من دقة ساقيه فوالذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من
أحد " وكان ابن مسعود ما اجتنى من شئ جاء به وخياره إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال في ذلك: هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى
فيه (1) وفي الصحيحين عن أنس قال: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى
القوم فلغبوا فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فقبله.
وقال ابن اسحاق: ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، وقد
عميت الاخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يدرون ما رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعل، وخرج في تلك الليالي
أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار
وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به (2).
وذكره ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعث بين يديه عيونا خيلا يقتصون العيون وخزاعة لا تدع أحدا يمضي
وراءها، فلما جاء أبو سفيان وأصحابه
أخذتهم خيل المسلمين وقام إليه عمر يجأ في عنقه حتى أجاره العباس بن
عبد المطلب وكان صاحبا لابي سفيان (3).
قال ابن اسحاق: وقال العباس حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
الظهران، قلت: واصباح قريش ! والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر،
قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء، فخرجت عليها
حتى جئت الاراك فقلت: لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة
يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجوا إليه
فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم عنوة، قال: فوالله إني لاسير عليها وألتمس
ما خرجت له، إذ سمعت كلام أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان
وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا.
قال يقول بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، قال يقول أبو سفيان:
خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
قال فعرفت صوته فقلت يأبا حنظلة ؟ فعرف صوتي، فقال أبو الفضل ؟ قال
قلت: نعم، قال مالك فدى لك أبي وأمي ؟ قال قلت: وحيك يا أبا سفيان هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فقال: واصباح قريش والله، فما
الحيلة فداك أبي وأمي ؟ قال قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب
في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه
لك، قال فركب خلفي ورجع صاحباه (4).
وقال عروة: بل ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما وجعل
يستخبرهما
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي 5 / 29 ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 317
وقال: صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وقال الذهبي: صحيح.
(2) سيرة ابن هشام ج 4 / 42.
(3) الخبر نقله البيهقي في الدلائل ج 5 / 36.
(4) سيرة ابن هشام 4 / 44.
(*)
(4/330)
عن أهل مكة
(1).
وقال الزهري وموسى بن عقبة: بل دخلوا مع العباس على رسول الله صلى الله
عليه وسلم (2).
قال ابن اسحاق: قال فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من
هذا ؟
فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها، قالوا: عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا ؟ وقام إلي، فلما رأى أبا
سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك
بغير عقد ولا عهد ؟ وزعم عروة ابن الزبير أن عمر وجأ في رقبة أبي سفيان
وأراد قتله فمنعه منه العباس.
وهكذا ذكر موسى بن عقبة عن الزهري أن عيون رسول الله صلى الله عليه
وسلم أخذوهم بأزمة جمالهم فقالوا من أنتم ؟ قالوا وفد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلقيهم العباس فدخل بهم على رسول الله فحادثهم عامة
الليل ثم دعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فشهدوا وأن محمدا رسول
الله فشهد حكيم وبديل وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك ثم أسلم بعد الصبح
ثم سألوه أن يؤمن قريشا فقال: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن - وكانت
بأعلا مكة - ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن - وكانت بأسفل مكة - ومن
أغلق بابه فهو آمن " قال العباس: ثم خرج عمر يشتد نحو رسول الله صلى
الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل
البطئ، قال: فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله
منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلاضرب عنقه ؟ قال قلت: يا رسول إني قد
أجرته، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت
والله لا يناجيه الليلة دوني رجل، فلما أكثر عمر في شأنه قال قلت: مهلا
يا عمر فوالله أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد
عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال مهلا يا عباس، فوالله لاسلامك يوم
أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن
إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب [ لو
أسلم ] (3)، فقال رسول الله " اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت
فأتني به " قال: فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي فلما أصبح غدوت به إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما [ رآه قال ] " ويحك يا أبا سفيان
ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ؟ " فقال بأبي أنت وأمي، ما
أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظنتت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى
عني شيئا بعد، قال " ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول
الله ؟ " قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك
وأوصلك أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا، فقال له
العباس: ويحك أسلم واشهد
__________
(1) الدرر لابن عبد البر (216) ونقل الخبر البيهقي في الدلائل 5 / 37.
(2) وهذه رواية الواقدي عن ابن عباس: قال: دخلوا مع العباس (الثلاثة)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الاسلام.
فأما حكيم وبديل فأسلما، وأما أبو سفيان فأرجأها.
2 / 815.
(3) من ابن هشام (*).
(4/331)
أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ؟ قال: فشهد شهادة الحق
فأسلم، قال العباس: فقلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا
الفخر، فاجعل له شيئا ؟ قال: " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " زاد
عروة: ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن " وهكذا قال موسى بن عقبة عن
الزهري " ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن " فلما
ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عباس أحبسه بمضيق
الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها " وذكر موسى بن عقبة
عن الزهري أن أبا سفيان وبديلا وحكيم بن حزام كانوا وقوفا مع العباس
عند خطم الجبل، وذكر أن سعدا لما قال لابي سفيان: اليوم يوم الملحمة.
اليوم تستحل الحرمة، فشكى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعزله عن راية الانصار وأعطاها الزبير بن العوام (1) فدخل بها من أعلا
مكة وغرزها بالحجون، ودخل خالد من أسفل (2) مكة فلقيه بنو بكر وهذيل
فقتل من بني بكر عشرين (3) ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا فقتلوا
بالحزورة (4) حتى بلغ قتلهم باب المسجد قال العباس: فخرجت بأبي سفيان
حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أحبسه، قال ومرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال: يا عباس من
هؤلاء ؟ فأقول سليم فيقول مالي ولسليم، ثم تمر به القبيلة فيقول يا
عباس من هؤلاء ؟ فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة، حتى نفذت القبائل ما
تمر به قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرته قال مالي ولبني فلان حتى مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء وفيها المهاجرون
والانصار
لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد فقال: سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال قلت: هذا رسول الله ص) في المهاجرين والانصار، قال: ما لاحد بهؤلاء
من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة
عظيما ! قال: قلت: يأبا سفيان إنها النبوة، قال: فنعم إذن، قال قلت
النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلا صوته يا معشر قريش، هذا محمد
قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت
إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الاحمس
قبح من طليعة قوم، فقال أبو سفيان: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم،
فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا:
قاتلك الله وما تغني عنا دارك ؟ قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن
دخل المسجد فهو آمن.
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
وذكر عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بأبي
سفيان قال له: إني لارى وجوها كثيرة لا أعرفها لقد كثرت هذه الوجوه علي
؟
__________
(1) في الواقدي: ان رسول الله عزله وأعطاها ابنه قيس بن سعد، وفي رواية
أخرى له، قال: ويقال ان رسول الله أعطاها عليا بن أبي طالب فغرزها عند
الركن.
(2) في الواقدي: من الليط، وهو موضع بأسفل مكة (معجم ما استعجم).
(3) في الواقدي: قتل أربعة وعشرين رجلا من قريش.
(4) الحزورة: سوق مكة وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه.
(معجم البلدان).
(*)
(4/332)
فقال له رسول
الله: " أنت فعلت هذا وقومك إن هؤلاء صدقوني، إذ كذبتموني ونصروني إذ
أخرجتموني " ثم شكى إليه قول سعد بن عبادة حين مر عليه فقال: يا أبا
سفيان: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة.
فقال رسول الله: " كذب سعد بل هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى
فيه الكعبة " وذكر عروة أن أبا سفيان لما أصبح صبيحة تلك الليلة التي
كان عند العباس ورأى الناس يجنحون للصلاة وينتشرون في استعمال الطهارة
خاف وقال للعباس ما بالهم ؟ قال إنهم سمعوا النداء فهم ينتشرون للصلاة،
فلما حضرت الصلاة ورآهم يركعون بركوعه
ويسجدون بسجوده قال: يا عباس ما يأمرهم بشئ إلا فعلوه ؟ قال: نعم والله
لو أمرهم بترك الطعام والشراب لاطاعوه.
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري أنه لما توضأ رسول الله صلى الله عليه
وسلم جعلوا يتكففون، فقال يا عباس ما رأيت كالليلة ولا ملك كسرى وقيصر
(1).
وقد روى الحافظ البيهقي: عن الحاكم وغيره، عن الاصم، عن أحمد بن
الجبار، عن يونس بن بكير، عن ابن اسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن
عبيدالله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس فذكر هذه القصة بتمامها كما
أوردها زياد البكائي عن ابن إسحاق منقطعة فالله أعلم.
على أنه قد روى البيهقي: من طريق أبي بلال الاشعري عن زياد البكائي، عن
محمد بن اسحاق، عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: جاء العباس
بأبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر القصة إلا أنه
ذكر أنه أسلم ليلته قبل أن يصبح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأنه لما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " من دخل دار أبي سفيان
فهو آمن " قال أبو سفيان وما تسع داري ؟ فقال " ومن دخل الكعبة فهو آمن
" قال وما تسع الكعبة ؟ فقال " ومن دخل المسجد فهو آمن " قال وما يسع
المسجد فقال " ومن أغلق عليه بابه فهو آمن " فقال أبو سفيان: هذه
واسعة.
وقال البخاري: حدثنا عبيد بن اسمعيل، ثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه
قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا
خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فإذا
هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه كأنها نيران عرفة
؟ فقال بديل بن ورقاء نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك،
فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركوهم فأخذوهم فأتوا
بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس
" احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين " فحبسه العباس
فجعلت القبائل تمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة
على أبي سفيان، فمرت كتيبة فقال يا عباس من هذه ؟ قال هذه غفار قال:
مالي ولغفار، ثم مرت جهينة فقال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل
ذلك، ومرت سليم فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها فقال من هذه
؟ قال هؤلاء الانصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية،
__________
(1) رواية عروة نقلها البيهقي في الدلائل ج 5 / 38.
ورواية ابن عقبة أخرجها ابن عبد البر في الدرر (217) ونقلها عنه
البيهقي في الدلائل ج 5 / 40.
(*)
(4/333)
فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل
الكعبة.
فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل
الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراية رسول الله
صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة فقال ؟ ما قال
؟ قال كذا وكذا فقال " كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله الكعبة " ويوم
تكسى فيه الكعبة " وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته
بالحجون.
قال عروة: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن
العوام: هاهنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز الراية ؟ قال:
نعم، قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد أن يدخل
من أعلا مكة من كداء ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من كدى فقتل من
خيل خالد بن الوليد يومئذ رجلان حنيش بن الاشعر (1) وكرز بن جابر
الفهري.
وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن آدم، ثنا [ ابن ]
(2) ادريس: عن محمد بن اسحاق، عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن
عتبة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح جاءه
العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان ابن حرب فأسلم بمر الظهران، فقال له
العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فلو جعلت له شيئا
؟ قال " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن "
(3). |