البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

غزوة أوطاس
وكان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم فيهم الرئيس مالك بن عوف النصري فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها، وسارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه عليهم أبو عامر الاشعري فقاتلوهم فغلبوهم، ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة فحاصر أهل الطائف كما سيأتي.
قال ابن إسحاق: ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم إلى نخلة، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك الثنايا قال: فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهان (3) السلمي ويعرف بابن الدغنة - وهي أمه - دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه في شجار لهم، فإذا برجل، فأناخ به، فإذا شيخ كبير، وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام، فقال له دريد: ماذا تريد بي ؟ قال: أقتلك، قال: ومن أنت ! قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا، قال: بئس ما سلحتك أمك ! خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار، ثم أضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ، فإني كذلك كنت أضرب الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة، قرب والله يوم منعت فيه نساءك، فزعم بنو سليم أن ربيعة قال: لما ضربته فوقع تكشف، فإذا عجانه (4) وبطون
__________
(1) متقصفون: مزدحمون.
(2) العسيف: الاجير، والعبد المستعان به.
(3) في ابن هشام: ابن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس.
(4) عجانه: ما بين الخصية والدبر.
(*)

(4/386)


فخذيه مثل القراطيس، من ركوب الخيل أعراء، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت: أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا.
ثم ذكر ابن إسحاق ما رثت به عمرة بنت دريد أباها فمن ذلك قولها: قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال ينحدر لولا الذي قهر الاقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف يأتمر إذن لصبحهم غبا وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر قال ابن اسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الاشعري، فأدرك من الناس بعض من أنهزم، فناوشوه القتال، فرمي أبو عامر فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الاشعري وهو ابن عمه، فقاتلهم ففتح الله عليهم وهزمهم الله عزوجل، ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الاشعري بسهم فأصاب ركبته فقتله وقال: إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير (1) لمن توسمه أضرب بالسيف رؤس المسلمه قال ابن إسحاق: وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر وحديثه: أن أبا عامر الاشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول: اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر، ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة، وبقي العاشر فحمل على أبي عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه، فقال الرجل: اللهم لا تشهد علي فكف
عنه أبو عامر، فأفلت، فأسلم بعد فحسن إسلامه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال: " هذا شريد أبي عامر " قال: ورمى أبا عامر، أخوان: العلاء وأوفى ابنا الحارث، من بني جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته فقتلاه، وولى الناس أبا موسى، فحمل عليهما فقتلهما، فقال رجل من بني جشم [ بن معاوية ] (2) يرثيهما: إن الرزية قتل العلا * ء وأوفى جميعا ولم يسندا هما القاتلان أبا عامر * وقد كان داهية أربدا (3)
__________
(1) سمادير: أم سلمة بن دريد.
(2) من ابن هشام.
(3) في ابن هشام: ذا هبة، وهبة السيف اهتزازه.
(*)

(4/387)


هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا (1) فلم ير في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا وقال البخاري: ثنا محمد بن العلاء، وحدثنا أبو أسامة، عن يزيد (2) بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه، قال أبو موسى: وبعثني مع أبي عامر، فرمي أبو عامر في ركبته، رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته، قال: فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك ؟ فأشار إلى أبي موسى فقال: ذاك قاتلي الذي رماني، فقصدت له، فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له: ألا تستحي ألا تثبت ؟ فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته، ثم قلت: لابي عامر قتل الله صاحبك، قال: فانتزع هذا السهم، فنزعته فنزا منه الماء.
قال: يا ابن أخي اقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وقل له: استغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم مات، فرجعت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته على سرير مرمل وعليه فراش قد أثر رمال السرير بظهره وجنبيه، فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر وقوله: قل له استغفر
لي، قال: فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال " اللهم اغفر لعبيد أبي عامر " ورأيت بياض إبطيه ثم قال " اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك - أو من الناس " فقلت ولي فاستغفر، فقال: " اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما " قال أبو بردة: إحداهما لابي عامر والاخرى لابي موسى رضي الله عنهما (3).
ورواه مسلم عن أبي كريب محمد بن العلاء وعبد الله بن براد (4) عن أبي أسامة به نحوه وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأ سفيان - هو الثوري - عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) [ النساء: 24 ] قال فاستحللنا بها فروجهن.
وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث عثمان البتي به.
وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي سعيد الخدري.
وقد رواه الامام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، زاد مسلم وشعبة والترمذي من حديث همام
__________
(1) المجسد: الثوب المصبوغ بالجساد، وهو الزعفران.
(2) من البخاري وفي الاصل يزيد بن عبد الله.
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (55) باب الحديث 4323 فتح الباري 8 / 41.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (38) باب.
الحديث (165).
ورواه البيهقي في الدلائل في باب ما جاء في جيش أوطاس: ج 5 / 152 - 153.
(4) من صحيح مسلم، وفي الاصل عبد الله بن أبي براد وهو تحريف.
وعبد الله بن براد هو أبو عامر الاشعري (*)

(4/388)


عن يحيى ثلاثتهم عن قتادة، عن أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا من غشيانهن، فنزلت هذه الآية في ذلك (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) وهذا لفظ أحمد بن حنبل فزاد في هذا الاسناد أبا علقمة الهاشمي وهو ثقة
وكان هذا هو المحفوظ والله أعلم.
وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن بيع الامة طلاقها.
روى ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وخالفهم الجمهور مستدلين بحديث بريرة حيث بيعت ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقاءه، فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت، وقد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير بما فيه كفاية وسنذكره إن شاء الله في الاحكام الكبير، وقد استدل جماعة من السلف على إباحة الامة المشركة بهذا الحديث في سبايا أوطاس، وخالفهم الجمهور وقالوا هذه قضية عين فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات وموضع تقرير ذلك في الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى.
من استشهد يوم حنين وأوطاس أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أيمن بن عبيد، وزيد (1) بن زمعة بن الاسود ابن المطلب بن أسد جمح به فرسه الذي يقال له الجناح فمات، وسراقة بن مالك بن الحارث بن عدي الانصاري من بني العجلان، وأبو عامر الاشعري أمير سرية أوطاس، فهؤلاء أربعة رضي الله عنهم.
ما قيل من الاشعار في غزوة هوازن
فمن ذلك قول بجير بن زهير بن أبي سلمى: لولا الاله وعبده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان (2) بالجزع يوم حبالنا أقراننا * وسوابح يكبون للاذقان (3) من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنابك ولبان (4) والله أكرمنا وأظهر ديننا * وأعزنا بعبادة الرحمن والله أهلكهم وفرق جمعهم * وأذلهم بعبادة الشيطان
__________
(1) في ابن هشام: يزيد، والواقدي وابن سعد لم يذكراه بل ذكرا: رقيم بن ثعلبة بن زيد بن لوذان (انظر ابن حزم ومغازي الواقدي 3 / 922 - طبقات ابن سعد 2 / 152).
(2) جيان، وتروى جنان، والجنان: القلب.
(3) الجزع: ما انعطف من الوادي.
(4) مقطر: مرمي على قطره، وهو جنبه، والسنابك: جمع سنبك وهو طرف مقدم الحافر.
واللبان: الصدر (*)

(4/389)


قال ابن هشام ويروي فيها بعض الرواة: إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون: يا لكتيبة الايمان أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان (1) وقال عباس بن مرداس السلمي: فإني والسوابح يوم جمع * وما يتلو الرسول من الكتاب لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب هم رأس العدو من أهل نجد * فقتلهم ألذ من الشراب هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحلت بركها ببني رئاب وصرما من هلال غادرتهم * بأوطاس تعفر بالتراب ولو لاقين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الاورال تنحط بالتهاب (2) بذي لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب وقال عباس بن مرداس أيضا: يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا إن الاله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمدا سماكا ثم الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا رجلا به ذرب (3) السلاح كأنه * لما تكنفه العدو يراكا يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغي رضا الرحمن ثم رضاكا أنبئك أني قد رأيت مكره * تحت العجاجة يدمغ الاشراكا
طورا يعانق باليدين وتارة * يفري الجماجم صارما فتاكا (4) وبنو سليم معنقون أمامه * ضربا وطعنا في العدو دراكا يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا ما يرتجون من القريب قرابة * إلا لطاعة ربهم وهواكا
__________
(1) العريض: واد بالمدينة.
(2) بس: موضع في أرض بني جشم، والاورال: أجيل ثلاثة سود، وفي نسخ البداية المطبوعة أوراد وهو تحريف.
(3) ذرب السلاح: حدته ومضاؤه، وفي نسخ البداية المطبوعة درب بالدال وهو تحريف.
(4) بعده في ابن هشام: يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفاكا (*)

(4/390)


هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا وقال عباس بن مرداس أيضا (1): عفا مجدل من أهله فمتالع * فمطلا أريك قد خلا فالمصانع (2) ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدهر للحي جامع حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع فإن تبتغي الكفار غير ملومة * فإني وزير للنبي وتابع دعانا إليه خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع نبايعه بالاخشبين وإنما * يد الله بين الاخشبين نبايع فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع علانية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع ويوم حنين حين سارت هوازن * إلينا وضاقت بالنفوس الاضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الاعادي منهم والوقائع أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف (3) السحابة لامع عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع (4) نذود أخانا عن أخينا ولو ترى (5) * مصالا لكنا الاقربين نتابع ولكن دين الله، دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لامر حمه الله دافع وقال عباس أيضا: تقطع باقي وصل أم مؤمل * بعاقبة واستبدلت نية خلفا (6) وقد حلفت بالله لا تقطع القوى * فما صدقت فيه ولا برت الحلفا
__________
(1) هذه القصائد من هنا إلى آخرها سقطت من نسخة التيمورية.
(2) مجدل ومتالع وأربك: اسماء مواضع.
(3) خذروف السحابة: طرفها، يريد به: سرعة تحرك هذا اللواء واضطرابه.
(4) معتص: ضارب، وكانع: قريب.
(5) يريد أنه من بني سليم.
وسليم من قيس: كما أن هوازن من قيس.
(6) النية: ما ينويه الانسان من وجه ويقصده.
وقال السهيلي: النية من النوى: البعد.
(*)

(4/391)


خفافية بطن العقيق مصيفها * وتحتل في البادين وجرة فالعرفا (1) فإن تتبع الكفار أم مؤمل * فقد زودت قلبي على نأيها شغفا وسوف ينبئها الخبير بأننا * أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا وإنا مع الهادي النبي محمد * وفينا ولم يستوفها معشر ألفا بفتيان صدق من سليم أعزة * أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا خفاف وذكوان وعوف تخالهم * مصاعب زافت في طروقتها كلفا
كأن نسيج الشهب والبيض ملبس * أسودا تلاقت في مراصدها غضفا بنا عز دين الله غير تنحل * وزدنا على الحي الذي معه ضعفا بمكة إذ جئنا كأن لواءنا * عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا على شخص الابصار تحسب بينها * إذا هي جالت في مراودها عزقا (2) غداة وطئنا المشركين ولم نجد * لامر رسول الله عدلا ولا صرفا بمعترك لا يسمع القوم وسطه * لنا زحمة إلا التذامر والنقفا ببيض تطير الهام عن مستقرها * وتقطف أعناق الكماة بها قطفا فكائن تركنا من قتيل ملحب * وأرملة تدعو على بعلها لهفا رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي * ولله ما يبدو جميعا وما يخفى وقال عباس أيضا رضي الله عنه: ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر (3) عين تأوبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طورا وينحدر كأنه نظم در عند ناظمه * تقطع السلك منه فهو منتثر يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر (4) دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والزعر (5) واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لاهل الفخر مفتخر قوم هموا نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * ولا تخاور في مشتاهم البقر
__________
(1) العقيق ووجرة والعرف: اسماء مواضع.
(2) مراود: جمع مرود وهو الوتد، قال السهيلي: يجوز أن يكون جمع مراد، وهو حيث ترود الخيل.
(3) العائر: كل ما أعل العين من رمد أو قذى.
والحماطة: تبن الذرة.
والشغر: أصل منبت الشعر في الجفن (4) الصمان والحفر: موضعان.
(5) الزعر: قلة الشعر.
(*)

(4/392)


إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الاخطار والعكر (1) تدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر (2) الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والارواح تبتدر حتى رفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر إذ نركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر في مأزق من مجر الحرب كلكلها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا فما ترى معشرا قلوا ولا كثروا * إلا وقد أصبح منا فيهم أثر وقال عباس أيضا رضي الله عنه: يا أيها الرجل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس (3) إما أتيت على النبي فقل له * حقا عليك إذا اطمأن المجلس ياخير من ركب المطي ومن مشى * فوق التراب إذا تعد الانفس إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس (4) حتى صبحنا أهل مكة فيلقا * شهباء يقدمها الهمام الاشوس من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * ونخاله أسدا إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس (5) وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد به الرسول عرندس
__________
(1) في نسخ البداية المطبوعة: مغرية أثبتنا مقربة من ابن هشام، والعكر: الابل الكثيرة.
والاخطار: الجماعات من الابل.
(2) خفاف وعوف وذكوان: قبائل.
(3) الوجناء: الناقة الضخمة الوجنات، والمناسم: جمع منسم وهو مقدم طرف خف البعير.
العرمس الشديدة القوية.
(4) بهثة: حي من سليم.
والمخارم: الطرق في الجبال.
(5) مدعس: السريع الطعن، وغصب: السيف القاطع.
(*)

(4/393)


كانوا أمام المؤمنين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس (1) نمصي ويحرسنا الاله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس ولقد حبسنا بالمناقب محبسا * رضي الآله به فنعم المحبس وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها يا احبسوا تدعو هوازن بالاخوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس حتى تركنا جمعهم وكأنه * عير تعاقبه السباع مفرس وقال أيضا رضي الله عنه: من مبلغ الاقوام أن محمدا * رسول الاله راشد حيث يمما دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما سرينا وواعدنا قديدا محمدا * يؤم بنا أمرا من الله محكما تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتيانا وغابا مقوما (2) على الخيل مشدودا علينا دروعنا * ورجلا كدفاع الاتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما وجند من الانصار لا يخذلونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما فإن تك قد أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما حلفت يمينا برة لمحمد * فأكملتها ألفا من الخيل ملجما وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن نكون المقدما وبتنا بنهي المستدير ولم يكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما (3) يضل الحصان الابلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما سمونا لهم ورد القطا زفه ضحى * وكل تراه عن أخيه قد أحجما لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوامعه دما إذا شئت من كل رأيت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونحرما
__________
(1) دريئة: الكتيبة المدافعة.
(2) الغاب: هنا الرماح.
(3) يلملم: ميقات الحاج القادم من جهة اليمن، وهو جبل على مرحلتين من مكة (*).

(4/394)


هكذا أورد الامام محمد بن إسحاق هذه القصائد من شعر عباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه وقد تركنا بعض ما أورده من القصائد خشية الاطالة وخوف الملامة، ثم أورد من شعر غيره أيضا وقد حصل ما فيه كفاية من ذلك والله أعلم.