البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
وفد جعفي
(1) ذكر أنهم كانوا يحرمون أكل القلب، فلما أسلم وفدهم أمرهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بأكل القلب وأمر به فشوي وناوله رئيسهم وقال لا يتم
إيمانكم حتى تأكلوه (ه ؟) حذه ويده ترعد فأكله وقال: على أني أكلت
القلب كرها * وترعد حين مسته بناني
بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في قدوم الازد على رسول الله صلى الله
عليه وسلم
ذكر أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة والحافظ أبو موسى المديني من حديث
أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني قال: حدثني علقمة
بن مرثد (2) بن سويد الازدي، قال: حدثني أبي عن جدي عن سويد بن الحارث.
قال: وفدت سابع سبعة من قومي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخلنا عليه وكلمناه فأعجبه ما رأى
من سمتنا وزينا فقال: ما أنتم ؟ قلنا مؤمنون فتبسم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال " إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم وإيمانكم " قلنا
خمس عشرة خصلة، خمس منها أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن
نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها
شيئا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما الخمسة التي أمرتكم بها رسلي
أن تؤمنوا بها ؟ " قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
والبعث بعد الموت.
قال: " وما الخمسة التي أمرتكم أن تعملوا بها ؟ " قلنا أمرتنا أن نقول:
لا إله إلا الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت
من استطاع إليه سبيلا.
فقال: " وما الخمسة التي (3) تخلقتم بها في الجاهلية ؟ ".
قالوا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضى بمر القضاء،
والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالاعداء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حكماء علماء كادوا من فقههم أن
يكونوا أنبياء " ثم قال: " وأنا أزيدكم خمسا فيتم لكم عشرون خصلة إن
كنتم كما تقولون، فلا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما تسكنون، ولا
تنافسوا في شئ أنتم عنه غدا تزولون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون
وعليه تعرضون، وارغبوا فيما
__________
(1) بنو جعفى: بطن من سعد العشيرة من القحطانية والنسبة إليهم جعفي،
وفد منهم إلى النبي صلى الله عليه وآله قيس بن سلمة، وسلمة بن يزيد،
وكتب لقيس كتابا ذكره ابن سعد في الطبقات ج 1 / 325.
وبنو جعفى في مخلافهم باليمن بينه وبين اليمن اثنان وثمانون فرسخا.
(2) في أسد الغابة والاصابة: علقمة بن يزيد.
(3) من أسد الغابة، وفي الاصل: الذي.
(*)
(5/109)
عليه تقدمون،
وفيه تخلدون ".
فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظوا وصيته وعملوا
بها.
ثم ذكر: وفد كندة وأنهم كانوا بضعة عشر راكبا عليهم الاشعث بن قيس وأنه
أجازهم بعشر أواق وأجاز
الاشعث ثنتي عشرة أوقية وقد تقدم.
وفد الصدف (1) قدموا في بضعة عشر
راكبا فصادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر، فجلسوا
ولم يسلموا فقال: " أمسلمون أنتم ؟ " قالوا: نعم ! قال " فهلا سلمتم "
فقاموا قياما فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فقال: " وعليكم السلام، أجلسوا " فجلسوا وسألوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن أوقات الصلوات.
وفد خشين قال: وقدم أبو ثعلبة
الخشني ورسول الله يجهز إلى خيبر فشهد معه خيبر، ثم قدم بعد ذلك بضعة
(2) عشر رجلا منهم فأسلموا.
وفد بني سعد ثم ذكر وفد بني سعد
هذيم وبلي وبهراء وبني عذرة وسلامان وجهينة وبني كلب والجرميين.
وقد تقدم الحديث عمرو بن سلمة الجرمي في صحيح البخاري.
وذكر: وفد الازد وغسان والحارث بن كعب وهمدان وسعد العشيرة وقيس (3)،
ووفد الداريين والرهاووين، وبني عامر والمسجع وبجيلة وخثعم وحضرموت.
وذكر فيهم وائل بن حجر وذكر فيهم الملوك الاربعة حميدا ومخوسا ومشرجا
وأبضعه (4).
وقد ورد في مسند أحمد لعنهم مع أختهم العمردة (5) وتكلم الواقدي كلاما
فيه طول.
__________
(1) بنو الصدف: حي من حضرموت.
والصدف هو ابن مالك بن مراتع بن كندة، سمي الصدف لانه صدف عن قومه حين
أتاهم سيل العرم، ثم لحق بكندة فنزل بهم، والنسبة إليهم صدفي.
(نهاية الارب - القلقشندي 68).
(2) في ابن سعد: سبعة نفر.
وبنو خشين بطن من قضاعة من القحطانية، وهم بنو خشين بن وبرة بن تغلب بن
حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة.
(نهاية الارب 229).
(3) في رواية ابن سعد عن الواقدي: وعنس.
(4) في ابن سعد: حمدة ومخوس ومشرح وأبضعة وهم ملوك بني وليعة.
(5) في الاصل: مع أخيهم الغمر، وأثبتنا ما في القاموس ولعله الاصح.
(*)
(5/110)
وذكر وفد أزد
عمان وغافق وبارق وثمالة والحدار (1) وأسلم وجذام ومهرة وحمير ونجران
وحيسان (2).
وبسط الكلام على هذه القبائل بطول جدا، وقد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك
وفيما أوردناه كفاية والله أعلم.
ثم قال الواقدي.
وفد السباع حدثني شعيب بن عبادة عن
المطلب بن عبد الله بن حنظب قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جالس بالمدينة في أصحابه أقبل ذئب فوقف بين يديه فعوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا وافد السباع إليكم، فإن
أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره وإن أحببتم تركتموه
وتحذرتم منه فما أخذ فهو رزقه ".
قالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشئ، فأومأ إليه النبي صلى الله
عليه وسلم بأصابعه الثلاث: أي خالسهم فولى وله عسلان.
وهذا مرسل من هذا الوجه ويشبه هذا الذئب الذئب الذي ذكر في الحديث الذي
رواه الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا القاسم بن الفضل الحداني
(3)، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري.
قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبها الراعي، فانتزعها منه فأقعى
الذئب على ذنبه فقال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي،
فقال: يا عجبا ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الانس.
فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق.
قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه، حتى دخل المدينة فزاواها إلى زاوية من
زواياها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للاعرابي:
أخبرهم، فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق والذي نفس
محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الانس وتكلم الرجل عذبة سوطه
وشراك نعله وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده " (4).
وقد رواه الترمذي عن سفيان بن وكيع بن الجراح، عن أبيه عن القاسم بن
الفضل به، وقال حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث
القاسم بن الفضل به وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدي.
قلت: وقد رواه الامام أحمد أيضا: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب هو ابن
أبي حمزة حدثني عبد الله بن أبي الحسين، حدثني مهران، أنبأنا أبو سعيد
الخدري حدثه، فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق.
ثم رواه أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد بن بهرام، ثنا شهر،
__________
(1) والحدان في ابن سعد.
(2) جيشان في رواية الواقدي، وقد ذكر وفاداتهم ابن سعد في طبقاته عن
الواقدي ج 1 / 329 - 359.
(3) في نسخ البداية المطبوعة الحراني، تحريف.
والحداني نسبة إلى محلة بالبصرة نزلها لطن من الازد يقال لهم حدان.
اللباب 1 / 284.
(4) رواه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 83 - 84، وروى الترمذي جزء منه في
كتاب الفتن - باب ما جاء في كلام السباع (4 / 476)، ورواه البيهقي في
الدلائل ج 6 / 41.
(*)
(5/111)
قال: وحدث أبو
سعيد فذكره وهذا السياق أشبه والله أعلم وهو إسناد على شرط أهل السنن
ولم يخرجوه (1).
فصل وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل
الهجرة، وقد تقصينا الكلام في ذلك عند قوله تعالى في سورة
الاحقاف * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) * فذكرنا ما
ورد من الاحاديث في ذلك والآثار وأوردنا حديث سواد بن قارب الذي كان
كاهنا فأسلم.
وما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر حين أسلم [ الرئي ] (2) حين
قال له: عجبت للجن وانجاسها * وشدها العيس بأحلاسها تهوي إلى مكة تبغي
الهدى * ما مؤمن الجن كأرجاسها فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك
إلى راسها ثم قوله:
عجبت للجن وتطلابها * وشدها العيس باقتابها تهوي إلى مكة تبغى الهدى *
ليس قدامها كأذنابها فانهض إلى الصفوة من هاشم * واسم بعينيك إلى بابها
عجبت للجن وتخبارها * وشدها العيس بأكوارها ثم قوله: تهوي إلى مكة تبغي
الهدى * ليس ذوو الشر كأخيارها فانهض إلى الصفوة من هاشم * ما مؤمنوا
الجن ككفارها وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة وقد
قررنا ذلك هنالك بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة وبه التوفيق.
وقد أورد الحافظ أبو بكر البيهقي هاهنا حديثا غريبا جدا بل منكرا أو
موضوعا ولكن مخرجه عزيز أحببنا أن نورده كما أورده والعجب منه فإنه قال
في دلائل النبوة (3): باب [ ما روي في ] قدوم هامة بن هيم (4) بن لاقيس
بن إبليس على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه.
أخبرنا أبو الحسين (5) محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله أنبأنا
أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل القاري المروزي، ثنا
__________
(1) رواه أحمد في مسنده ج 3 / 88.
ونقل قصة الذئب السيوطي في الخصائص الكبرى (2 / 61) وعزاها لاحمد،
ولابن سعد والبزار، وللحاكم وللبيهقي ولابي نعيم من طرق عن أبي سعيد
الخدري.
(2) من سيرة ابن كثير.
(3) دلائل النبوة ج 5 / 418، وما بين معكوفتين في الخبر زيادة استدركت
من الدلائل.
(4) من الدلائل، وفي الاصل هيثم.
(5) من الدلائل وفي الاصل: أبو الحسن.
(*)
(5/112)
عبد الله بن
حماد الآملي، ثنا محمد بن أبي معشر، أخبرني أبي، عن نافع عن ابن عمر.
قال: قال عمر رضي الله عنه: بينا نحن قعود مع النبي صلى الله عليه وسلم
على جبل من جبال تهامة إذ أقبل شيخ بيده
عصا، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد [ عليه السلام ] ثم قال: "
نغمة جن وغمغمتهم من أنت ؟ " قال أنا هامة بن هيم بن لاقيس بن إبليس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فما بينك وبين إبليس إلا أبوان، فكم
أتى لك من الدهر " قال: قد افنيت الدنيا عمرها إلا قليلا ليالي قتل
قابيل هابيل كنت غلاما ابن أعوام أفهم الكلام، وأمر بالآكام، وآمر
بافساد الطعام، وقطيعة الارحام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بئس عمل الشيخ المتوسم، والشباب
المتلوم " قال ذرني من الترداد إني تائب إلى الله عز وجل، إني كنت مع
نوح في مسجده مع من آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه
حتى بكى وأبكاني، وقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله
أن أكون من الجاهلين.
قال: قلت: يا نوح إني كنت ممن اشترك في دم السعيد الشهيد هابيل بن آدم
فهل تجد لي عندك توبة ؟ قال: يا هام هم بالخير وافعله قبل الحسرة
والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله علي أنه ليس من عبد تاب إلى الله
بالغ أمره ما بلغ إلا تاب الله عليه، قم فتوضأ وأسجد لله سجدتين.
قال: ففعلت من ساعتي ما أمرني به.
فناداني: أرفع رأسك فقد نزلت توبتك من السماء فخررت لله ساجدا، قال:
وكنت مع هود في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته
على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني، فقال: لا جرم إني على ذلك من النادمين
وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، قال: وكنت مع صالح في مسجده، مع من
آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني
وقال: أنا على ذلك من النادمين، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وكنت
أزور يعقوب، وكنت مع يوسف في المكان الامين، ومنت ألقى الياس في
الاودية وأنا القاه الآن، وإني لقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة
وقال: إن لقيت عيسى ابن مريم فأقره مني السلام.
وإني لقيت عيسى ابن مريم فأقرأته عن موسى السلام، وإن عيسى قال: إن
لقيت محمدا صلى الله عليه وسلم فأقرئه مني السلام، فأرسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عينيه فبكى ثم قال: وعلى عيسى السلام، ما دامت الدنيا،
وعليك السلام يا هام بأدائك الامانة.
قال: يا رسول الله افعل بي ما فعل موسى إنه علمني من التوراة، قال:
فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعت الواقعة والمرسلات، وعم
يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وقل هو الله أحد، وقال:
" ارفع إلينا حاجتك يا هامة، ولا تدع زيارتنا ".
قال عمر: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعد إلينا فلا ندري
الآن أحي هو أم ميت ؟ ثم قال البيهقي: ابن أبي معشر هذا قد روى عنه
الكبار إلا أن أهل العلم بالحديث يضعفونه.
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر هو أقوى منه والله أعلم (1).
__________
(1) رواه العقيلي في الضعفاء وقال: لا أصل له.
وابن مردويه في التفسير، وأبو نعيم في الحلية والدلائل، و عبد الله بن
الامام أحمد في زوائد الزهد.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأشار إليه في مقدمة كتابه (الوفاء)
والسيوطي في اللالئ المصنوعة 1 / 174 (*)
(5/113)
|