البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
باب بيان أنه عليه والسلام لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة وإنه اعتمر
قبلها ثلاث عمر
كما رواه البخاري ومسلم: عن هدبة، عن همام، عن قتادة عن أنس.
قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة
إلا التي في حجته.
الحديث.
وقد رواه يونس بن بكير، عن عمر بن ذر، عن مجاهد عن أبي هريرة مثله وقال
سعد بن منصور، عن الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر: عمرة في شوال
وعمرتين في ذي القعدة وكذا رواه ابن بكير: عن مالك عن هشام بن عروة.
وروى الامام أحمد: من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله
اعتمر ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة.
وقال أحمد: ثنا أبو النضر ثنا داود - يعني العطار - عن عمرو، عن عكرمة
عن ابن عباس.
قال: اعتمر رسول الله أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من
الجعرانة والرابعة التي مع حجته.
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث داود العطار وحسنه الترمذي.
وقد تقدم هذا الفصل عند عمرة الجعرانة.
وسيأتي في فصل من قال إنه عليه السلام حج قارنا وبالله المستعان.
فالاولى، من هذه العمرة عمرة الحديبية التي صد عنها.
ثم بعدها عمرة القضاء ويقال عمرة القصاص ويقال عمرة القضية.
ثم بعدها عمرة الجعرانة مرجعه من الطائف حين قسم غنائم حنين، وقد قدمنا
ذلك كله في مواضعه، والرابعة عمرته مع حجته وسنبين اختلاف الناس في
عمرته هذه مع الحجة هل كان متمتعا بأن أوقع العمرة قبل الحجة وحل منها
أو منعه من الاحلال منها سوقه الهدي أو كان قارنا لها مع الحجة كما
نذكره من الاحاديث الدالة على ذلك أو كان مفردا لها عن الحجة بأن
أوقعها بعد قضاء الحجة قال: وهذا هو الذي يقوله من يقول بالافراد كما
هو المشهور عن الشافعي وسيأتي بيان هذا عند ذكرنا إحرامه صلى الله عليه
وسلم كيف كان مفردا أو
متمتعا أو قارنا.
قال البخاري: ثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير، ثنا أبو إسحاق، حدثني زيد بن
أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما
هاجر حجة واحدة، قال أبو إسحاق
(5/126)
وبمكة أخرى
(1).
وقد رواه مسلم من حديث زهير وأخرجاه من حديث شعبة.
زاد البخاري وإسرائيل ثلاثتهم عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي،
عن زيد به.
وهذا الذي قال أبو إسحاق من أنه عليه السلام حج بمكة حجة أخرى أي أراد
أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة ما هو ظاهر لفظه فهو بعيد (2) فإنه
عليه السلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج ويدعو الناس إلى الله
ويقول: " من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ
كلام ربي عز وجل " حتى قيض الله جماعة الانصار يلقونه ليلة العقبة أي
عشية يوم النحر، عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات، حتى إذا كانوا
آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهي ثالث اجتماعه لهم به ثم كانت
بعدها الهجرة إلى المدينة كما قدمنا ذلك مبسوطا في موضعه.
والله أعلم.
وفي حديث جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد
الله.
قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسع سنين لم يحج، ثم
أذن في الناس بالحج فاجتمع بالمدينة بشر كثير، فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة أو لاربع، فلما كان بذي الحليفة صلى
ثم استوى على راحلته فلما أخذت به في البيداء لبى، وأهللنا لا ننوي إلا
الحج.
وسيأتي الحديث بطوله وهو في صحيح مسلم وهذا لفظ البيهقي (3) من طريق
أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن طهمان عن جعفر بن محمد به.
باب خروجه عليه السلام من المدينة لحجة
الوداع بعد ما استعمل عليها أبا دجانة بن حرشة الساعدي، ويقال
سباع بن عرفطة الغفاري قال محمد بن إسحاق: فلما دخل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج،
وأمر الناس بالجهاز له فحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن
محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة وهذا إسناد جيد،
وروى الامام مالك في موطائه: عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عمرة، عن
عائشة.
ورواه الامام أحمد عن عبد الله بن نمير، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن
عمرة عنها.
وهو ثابت في الصحيحين وسنن النسائي وابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة: من
طرق عن يحيى بن
__________
(1) فتح الباري باب حجة الوداع الحديث 4404.
(2) كانت قريش في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، إلا من لم يكن بمكة
أو عاقه ضعف، وكانوا يرون إقامة الحج من مفاخرهم التي امتازوا بها على
العرب، فكيف بالنبي أن يتركه ؟ قال ابن حجر: إنه صلى الله عليه وآله لم
يترك الحج وهو بمكة قط.
(3) دلائل النبوة ج 5 / 432.
(*)
(5/127)
سعيد الانصاري
عن عمرة عن عائشة.
قالت: خرجنا مع رسول الله لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج
الحديث بطوله كما سيأتي.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا
موسى بن عقبة: أخبرني كريب عن ابن عباس.
قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وأدهن،
ولبس إزاره ورداءه، ولم ينه عن شئ من الاردية ولا الازر، إلا المزعفرة
التي تردع الجلد (1) فأصبح بذي الحليفة ركب راحلته حتى استوى على
البيداء وذلك لخمس بقين من ذي القعدة فقدم مكة لخمس (2) خلون من ذي
الحجة تفرد به البخاري فقوله - وذلك لخمس بقين من ذي القعدة - إن أراد
به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه صلى الله عليه
وسلم خرج من المدينة يوم الخميس وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة وأصبح
بها يوم الجمعة وهو اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وإن أراد ابن
عباس بقوله وذلك لخمس من ذي القعدة يوم انطلاقه عليه السلام من المدينة
بعدما ترجل وأدهن ولبس إزاره ورداءه كما قالت عائشة وجابر أنهم خرجوا
من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة بعد قول ابن حزم وتعذر
المصير إليه وتعين القول بغيره ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة إن
كان شهر ذي القعدة كاملا ولا يجوز أن يكون خروجه عليه السلام من
المدينة كان يوم الجمعة لما روى البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا
وهيب، ثنا أيوب، عن أبي قلابة عن أنس بن مالك.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه الظهر بالمدينة أربعا
والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به
راحلته على البيداء حمد الله عز وجل وسبح ثم أهل بحج وعمرة.
وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن
أبي قلابة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر
بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
وقال أحمد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن محمد - يعني ابن المنكدر -
وإبراهيم بن ميسرة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
ورواه البخاري: عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي: من حديث سفيان بن عيينة، عن محمد بن
المنذر، وابراهيم بن ميسرة، عن أنس به.
وقال أحمد: ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جريج، عن محمد بن المنذر، عن أنس
قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا
والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب
راحلته واستوت به أهل.
وقال أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق حدثني محمد بن المنذر
التيمي، عن أنس بن مالك الانصاري: قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة
ركعتين آمنا لا يخاف في حجة الوداع تفرد به أحمد من هذين الوجهين
الآخرين وهما على شرط الصحيح وهذه ينفي كون خروجه عليه السلام يوم
الجمعة قطعا ولا يجوز على هذا
__________
(1) الردع: تغير اللون إلى الصفرة.
(2) في البخاري: لاربع.
انظر الحديث رقم (1545) كتاب الحج.
(*)
(5/128)
أن يكون خروجه
يوم الخميس كما قال ابن حزم لانه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة
لانه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس لما ثبت بالتواتر
والاجماع من أنه عليه السلام وقف
بعرفة يوم الجمعة وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع، فلو كان خروجه يوم
الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة لبقي في الشهر ست ليال قطعا ليلة
الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء فهذه ست ليال.
وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر: أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة وتعذر
أنه يوم الجمعة لحديث أنس فتعين على هذا أنه عليه السلام خرج من
المدينة يوم السبت وظن الراوي أن الشهر يكون تاما فاتفق في تلك السنة
نقصانه فانسلخ يوم الاربعاء واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس ويؤيده ما
وقع في رواية جابر لخمس بقين أو أربع وهذا التقرير على هذا التقدير لا
محيد عنه ولابد منه.
والله أعلم.
باب صفة خروجه عليه السلام من المدينة إلى
مكة للحج
قال البخاري: حدثنا ابراهيم بن المنذر، ثنا أنس بن عياض عن عبيد الله
هو ابن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المعرس (1)، وأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة،
وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتى يصبح (2).
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال الحافظ أبو بكر البزار وجدت في كتابي: عن عمرو بن مالك، عن يزيد
بن زريع، عن هشام، عن عروة، عن ثابت عن ثمامة عن أنس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم: حج على رحل رث وتحته قطيفة وقال حجة لا
رياء فيها ولا سمعة.
وقد علقه البخاري في صحيحه فقال: وقال محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا
يزيد بن زريع، عن عروة عن ثابت عن ثمامة قال: حج أنس على رحل رث ولم
يكن شحيحا وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج على رحل وكانت
زاملته.
هكذا ذكره البزار والبخاري معلقا مقطوع الاسناد من أوله وقد أسنده
الحافظ البيهقي في سننه فقال: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي
المقرئ أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق ثنا يوسف بن يعقوب
القاضي، ثنا محمد بن ابي بكر ثنا يزيد زريع فذكره.
وقد رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده من وجه آخر عن أنس بن مالك.
فقال حدثنا
علي بن الجعد أنبأنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: حج
رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) الشجرة والمعرس: موضعان معروفان على طريق مكة المدينة، وكل من
الشجرة والمعرس على ستة أميال من المدينة والمعرس أقرب.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الحج (15) باب الحديث 1533 فتح الباري 3 /
392.
(*)
(5/129)
على رحل رث
وقطيفة تساوي - أو لا تساوي - أربعة دراهم.
فقال: " اللهم حجة لا رياء فيها " (1).
وقد رواه الترمذي في الشمائل (2) من حديث أبي داود الطيالسي، وسفيان
الثوري وابن ماجه من حديث وكيع بن الجراح ثلاثتهم عن الربيع بن صبيح به
وهو إسناد ضعيف، من جهة يزيد بن أبان الرقاشي فإنه غير مقبول الرواية
عند الائمة.
وقال الامام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه.
قال: صدرت مع ابن عمر، فمرت بنا رفقة يمانية ورحالهم الادم، وخطم إبلهم
الخرز (3).
فقال عبد الله: من أحب أن ينظر إلى أشبه رفقة وردت العام برسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا قدموا في حجة الوداع فلينظر إلى هذه
الرفقة.
ورواه أبو داود: عن هناد، عن وكيع، عن إسحاق، عن سعيد بن عمرو بن سعيد
بن العاص عن أبيه عن ابن عمر.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو طاهر
الفقيه، وأبو زكريا بن أبي إسحاق، وأبو بكر بن الحسن وأبو سعيد بن أبي
عمرو قالوا: ثنا أبو العباس هو الاصم، أنبأنا محمد بن عبد الله بن
الحكم، أنبأنا سعيد بن بشير القرشي، حدثنا عبد الله بن حكيم الكناني -
رجل من أهل اليمن من مواليهم - عن بشر بن قدامة الضبابي.
قال: أبصرت عيناي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع
الناس على ناقة له حمراء قصواء تحته قطيفة بولانية وهو يقول: " اللهم
اجعلها حجة غير رياء ولا مما (4) ولا سمعة ".
والناس يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس، ثنا ابن إسحاق، عن يحيى بن
عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه.
أن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجاجا
حتى أدركنا بالعرج (5) نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة
إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلست إلى
جنب أبي، وكانت زمالة (6) رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبي بكر
واحدة مع غلام أبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه فطلع عليه
وليس معه بعيره.
فقال: أين بعيرك ؟ فقال أضللته البارحة، فقال أبو بكر: بعير واحد تضله
فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول: " انظروا إلى
هذا المحرم وما يصنع ".
وكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد العزيز أبي رزمة.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس
به.
فأما الحديث الذي رواه أبو بكر البزار في مسنده قائلا: حدثنا إسماعيل
بن حفص، ثنا يحيى بن اليمان، ثنا حمزة الزيات،
__________
(1) في رواية البيهقي عن أبي يعلى: زاد لا رياء فيها ولا سمعة.
دلائل النبوة ج 5 / 444.
(2) الشمائل - باب ما جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وآله ج 2 /
120.
(3) الخرز: نبات من النجيل منظوم من أعلاه إلى أسفله.
(4) هكذا في الاصول، ولا هنا، وفي الاصابة في ترجمة بشر بن قدامة: "
اللهم غير رياء ولا سمعة " وفي سيرة ابن كثير: ولا مباهاة ولعلها
الاقرب للصواب.
(5) العرج: منزل بطريق مكة.
(6) الزمالة: المركوب والاداة، وما كان معهما في السفر (النهاية).
(*)
(5/130)
عن حمران بن
أعين، عن أبي الطفيل عن أبي سعيد.
قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد
ربطوا أوساطهم ومشيهم خلط الهرولة.
فإنه حديث منكر ضعيف الاسناد.
وحمزة بن حبيب الزيات ضعيف وشيخه متروك الحديث.
وقد قال البزار لا يروى إلا من هذا الوجه وإن كان إسناده حسنا عندنا،
ومعناه أنهم كانوا في عمرة إن ثبت الحديث لانه عليه السلام إنما حج حجة
واحدة وكان راكبا وبعض أصحابه مشاة.
قلت: ولم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من عمره ماشيا لا في
الحديبية ولا في القضاء ولا الجعرانة ولا في حجة الوداع، وأحواله عليه
السلام أشهر وأعرف من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذ لا
يثبت مثله والله أعلم.
فصل تقدم أنه عليه السلام صلى الظهر
بالمدينة أربعا ثم ركب منها إلى الحليفة وهي وادي العقيق، فصلى
بها العصر ركعتين، فدل على أنه جاء الحليفة نهارا في وقت العصر، فصلى
بها العصر قصرا وهي من المدينة على ثلاثة أميال ثم صلى بها المغرب
والعشاء وبات بها حتى أصبح فصلى بأصحابه وأخبرهم أنه جاءه الوحي من
الليل بما يعتمده في الاحرام كما قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم،
ثنا زهير عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن
عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتى في المعرس من ذي الحليفة
فقيل له إنك ببطحاء مباركة.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث موسى بن عقبة به وقال البخاري: حدثنا
الحميدي ثنا الوليد وبشر بن بكر.
قالا: ثنا الاوزاعي ثنا يحيى، حدثني عكرمة أنه سمع ابن عباس أنه سمع
(1) عمر يقول: سمعت رسول الله بوادي العقيق يقول: " أتاني الليلة آت من
ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة " (2) تفرد به دون
مسلم فالظاهر إن أمره عليه السلام بالصلاة في وادي العقيق هو أمر
بالاقامة به إلى أن يصلي صلاة الظهر لان الامر إنما جاءه في الليل
وأخبرهم بعد صلاة الصبح فلم يبق إلا صلاة الظهر فأمر أن يصليها هنالك
وأن يوقع الاحرام بعدها ولهذا قال: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فقل
صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة، وقد احتج به على الامر
بالقرآن في الحج وهو من أقوى الادلة على ذلك كما سيأتي بيانه قريبا
والمقصود أنه عليه السلام أمر بالاقامة بوادي العقيق إلى صلاة الظهر،
وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فأقام هنالك وطاف على نسائه في
تلك الصبيحة وكن تسع نسوة وكلهن خرج معه ولم يزل هنالك حتى صلى الظهر،
كما سيأتي في حديث أبي حسان الاعرج، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلى
__________
(1) من البخاري، وفي الاصل ابن عمر.
(2) في كتاب الحج 61 باب الحديث 1534.
(*)
(5/131)
الظهر بذي
الحليفة ثم أشعر بدنته ثم ركب فأهل وهو عند مسلم.
وهكذا قال الامام أحمد:
حدثنا روح ثنا أشعث - هو ابن عبد الملك، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا شرف
البيداء أهل.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل والنسائي عن إسحاق بن راهويه، عن النضر
بن شميل، عن أشعث بمعناه، وعن أحمد بن الازهر عن محمد بن عبد الله
الانصاري عن أشعث اتم منه، وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أن ذلك في
صدر النهار وله أن يعتضد بما رواه البخاري: من طريق أيوب عن رجل عن
أنس: أن رسول الله بات بذي الحليفة حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته
حتى إذا استوت به البيداء أهل العمرة وحج.
ولكن في إسناده رجل مبهم والظاهر أنه أبو قلابة والله أعلم.
قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، ثنا خالد - يعني ابن
الحارث، ثنا شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، سمعت أبي يحدث عن
عائشة أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على
نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا.
وقد رواه البخاري من حديث شعبة وأخرجاه من حديث أبي عوانة زاد مسلم
ومسعر وسفيان بن سعيد الثوري أربعتهم عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر
به.
وفي رواية لمسلم عن ابراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: سألت عبد
الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرما.
قال: ما أحب أني أصبح محرما أنضح طيبا لان أطلي القطران أحب إلي من أن
أفعل ذلك.
فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله عند إحرامه ثم طاف في نسائه ثم أصبح
محرما.
وهذا اللفظ الذي رواه مسلم يقتضي أنه كان صلى الله عليه وسلم يتطيب قبل
أن يطوف على نسائه ليكون ذلك أطيب لنفسه وأحب اليهن، ثم لما اغتسل من
الجنابة وللاحرام تطيب أيضا للاحرام طيبا آخر.
كما رواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه،
عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم تجرد لاهلاله واغتسل وقال الترمذي حسن غريب.
وقال الامام أحمد حدثنا زكريا بن عدي، أنبأنا عبيد الله بن عمرو، عن
عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمى واشنان (1) ودهنه بشئ
من زيت غير كثير.
الحديث تفرد به أحمد وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي، رحمه الله، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن عروة: سمعت
أبي يقول: سمعت عائشة تقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه
ولحله قلت لها بأي طيب ؟ قالت: بأطيب الطيب.
وقد رواه مسلم: من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجه البخاري من حديث وهب عن هشام بن عروة عن أخيه، عثمان، عن أبيه
عروة، عن عائشة به.
وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن عبد الرحمن بن
القاسم، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كنت أطيب
__________
(1) خطمى وأشنان: نوعان من النبات.
(*)
(5/132)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم لاحرامه حين يحرم، ولحله أن يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثنا عبد به حميد، أنبأنا محمد بن أبي بكر، أنبأنا ابن
جريج أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة، أنه سمع عروة والقاسم يخبرانه عن
عائشة قالت: طيبت رسول الله بيدي بذريرة (1) في حجة الوداع للحل
والاحرام.
وروى مسلم من حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ولحله أن
يطوف بالبيت.
وقال مسلم: حدثني أحمد بن منيع، ويعقوب الدورقي قالا: ثنا هشيم، أنبأنا
منصور، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: كنت أطيب
النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويحل ويوم النحر قبل أن يطوف
بالبيت بطيب فيه مسك.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب (2).
قالا: ثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عائشة قالت:
كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يلبي.
ثم رواه مسلم من حديث الثوري وغيره: عن الحسن بن عبيد الله عن ابراهيم،
عن الاسود، عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو محرم.
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري ومسلم من حديث الاعمش كلاهما عن
منصور عن ابراهيم عن الاسود عنها.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة عن الحكم بن ابراهيم عن الاسود عن
عائشة.
وقال أبو داود الطيالسي: أنبأنا أشعث عن منصور عن ابراهيم عن الاسود عن
عائشة.
قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في أصول شعر رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو محرم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان.
ثنا حماد بن سلمة، عن إبراهيم النخعي، عن الاسود، عن عائشة.
قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم بعد
أيام وهو محرم.
وقال عبد الله بن الزبير الحميدي.
ثنا سفيان بن عيينة، ثنا عطاء بن السائب، عن إبراهيم النخعي، عن الاسود
عن عائشة.
قالت: رأيت الطيب في مفرق رسول الله بعد ثالثة وهو محرم.
فهذه الاحاديث دالة على أنه عليه السلام تطيب بعد الغسل، إذ لو كان
الطيب قبل الغسل لذهب به الغسل ولما بقي له أثر ولاسيما بعد ثلاثة أيام
من يوم الاحرام.
وقد ذهب طائفة من السلف منهم: ابن عمر إلى كراهة التطيب عند الاحرام،
وقد روينا هذا الحديث من طريق ابن عمر عن عائشة فقال الحافظ البيهقي:
أنبأنا أبو الحسين بن بشران - ببغداد - أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد
المصري، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا عبد الرحمن بن أبي العمر، ثنا
يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة.
أنها قالت: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند
إحرامه.
وهذا إسناد غريب عزيز المخرج.
ثم
__________
(1) ذريرة: نوع من الطيب، قال النووي: هي فتات قصب طيب يجاء به من
الهند.
(2) زاد مسلم: وأبو سعيد الاشج قالوا:...الخ كتاب الحج شرح النووي ج 8
/ 101.
(*)
(5/133)
إنه عليه
السلام لبد رأسه ليكون أحفظ لما فيه من الطيب وأصون له من استقرار
التراب والغبار.
قال مالك عن نافع عن ابن عمر.
إن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله ما شأن الناس
حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك.
قال: " إني لبدت رأسي، وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر ".
وأخرجاه في الصحيحين من حديث مالك وله طرق كثيرة عن نافع.
قال البيهقي: أنبأنا الحكام، أنبأنا الاصم، أنبأنا يحيى، ثنا عبيد الله
بن عمر القواريري، ثنا عبد الاعلى ثنا محمد بن إسحاق، عن نافع عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبد رأسه بالعسل.
وهذا إسناد جيد ثم أنه عليه السلام أشعر (1) الهدي وقلده وكان معه بذي
الحليفة.
قال الليث عن عقيل عن الزهري عن سالم عن أبيه تمتع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدي من ذي
الحليفة.
وسيأتي الحديث بتمامه وهو في الصحيحين والكلام عليه إن شاء الله.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام، هو الدستوائي،
حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي حسان عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها
الايمن، وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته.
وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق عن قتادة.
وهذا يدل على أنه عليه السلام تعاطى هذا الاشعار والتقليد بيده الكريمة
في هذه البدنة وتولى إشعار بقية الهدي وتقليده غير، فإنه قد كان هدي
كثير أما مائة بدنة أو أقل منها بقليل، وقد ذبح بيده الكريمة ثلاثا
وستين بدنة وأعطى عليا فذبح ما غبر (2) وفي حديث جابر أن عليا قدم من
اليمن ببدن للنبي صلى الله عليه وسلم وفي سياق ابن إسحاق أنه عليه
السلام أشرك عليا في بدنه والله أعلم.
وذكر غيره أنه ذبح هو وعلي يوم النحر مائة بدنة فعلى هذا يكون قد ساقها
معه من ذي الحليفة وقد يكون اشترى بعضها بعد ذلك وهو محرم.
باب بيان الموضع الذي أهل منه عليه السلام
واختلاف الناقلين لذلك وترجيح الحق في ذلك
تقدم الحديث الذي رواه البخاري من حديث الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير،
عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني آت من ربي
فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
وقال البخاري (3) باب الاهلال عند مسجد ذي
__________
(1) أشعر الهدي: الاشعار هو جرح الهدي في صفحة سنامها اليمنى بحربة أو
سكين أو حديدة أو نحوها وأصل الاشعار والشعور الاعلام والعلامة، وإشعار
الهدي لكونه علامة له، ليعلم أنه هدي.
(2) ما غبر: ما بقي.
(3) في كتاب الحج - 20 باب الحديث 1541.
(*)
(5/134)
الحليفة -
حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا موسى بن عقبة سمعت سالم بن عبد
الله.
وحدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا مالك، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد
الله أنه سمع أباه يقول: ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من
عند المسجد - يعني مسجد ذي الحليفة.
وقد رواه الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن موسى بن عقبة وفي رواية لمسلم
عن موسى بن عقبة عن سالم، ونافع، وحمزة بن عبد الله بن عمر ثلاثتهم عن
عبد الله بن عمر فذكره.
وزاد فقال لبيك.
وفي رواية لهما من طريق مالك عن موسى بن عقبة عن سالم قال قال عبد الله
بن عمر: بيداؤكم (1) هذه التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه
وسلم، أهل رسول الله من عند المسجد وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا كما
يأتي في الشق الآخر وهو ما أخرجاه في الصحيحين: من طريق مالك عن سعيد
المقبري عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر فذكر حديثا فيه أن عبد الله قال:
وأما الاهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث
به راحلته.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني خصيف
بن عبد الرحمن الجزري، عن سعيد بن جبير.
قال قلت: لعبد الله بن عباس يا أبا العباس عجبا لاختلاف أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
أوجب.
فقال: إني لاعلم الناس بذلك، إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه
وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه، أوجب في مجلسه فأهل بالحج
حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه قوم فحفظوا عنه، ثم ركب فلما استقلت
به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون
أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا: إنما أهل رسول الله حين
استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله فما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك
منه أقوام، فقالوا: أنما أهل رسول الله حين علا شرف البيداء، وأيم الله
لقد أوجب في مصلاه، وأهل حين استقلت به ناقته، وأهل حين علا شرف
البيداء.
فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أنه أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه.
وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة، عن عبد السلام بن حرب، عن
خصيف به نحوه وقال الترمذي حسن غريب لا نعرف أحد رواه غير
عبد السلام كذا قال وقد تقدم رواية الامام أحمد له من طريق محمد ابن
إسحاق عنه - وكذلك رواه الحافظ البيهقي، عن الحاكم، عن القطيعي، عن عبد
الله بن أحمد، عن أبيه ثم قال خصيف الجزري غير قوي، وقد رواه الواقدي
باسناد له عن ابن عباس.
قال البيهقي: إلا أنه لا ينفع متابعة الواقدي والاحاديث التي وردت في
ذلك عن عمر وغيره مسانيدها قوية ثابتة.
والله تعالى أعلم.
__________
(1) المراد ببيداء هنا: موضع فوق ذي الحليفة لمن صعد من الوادي (قاله
البكري في معجم ما استعجم).
(*)
(5/135)
قلت: فلو صح
هذا الحديث، لكان فيه جمع لما بين الاحاديث من الاختلاف وبسط لعذر من
نقل خلاف الواقع ولكن في إسناده ضعف ثم قد روي عن ابن عباس وابن عمر
خلاف ما تقدم عنهما كما سننبه عليه ونبينه وهكذا ذكر من قال: أنه عليه
السلام أهل حين استوت به راحلته.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا هشام بن يوسف، أنبأنا ابن
جريج، حدثني محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك.
قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة
ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل.
وقد رواه البخاري ومسلم وأهل السنن من طرق عن محمد بن المنكدر،
وابراهيم بن ميسرة، عن أنس، وثابت في الصحيحين من حديث مالك عن سعيد
المقبري، عن عبيد بن جريج، عن ابن عمر.
قال: وأما الاهلال فإني لم أر رسول الله يهل حتى تنبعث به راحلته
وأخرجا في الصحيحين من رواية ابن وهب عن يونس عن الزهري عن سالم عن
أبيه: أن رسول الله كان يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حين تستوي به
قائمة.
وقال البخاري (1): باب من أهل حين استوت به راحلته.
حدثنا أبو عاصم، ثنا ابن جريج، أخبرني صالح بن كيسان عن نافع عن ابن
عمر.
قال: أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة.
وقد رواه مسلم والنسائي من حديث ابن جريج به.
وقال مسلمم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله
عن نافع عن ابن عمر.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز (2)
وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة.
انفرد به
مسلم من هذا الوجه، وأخرجاه من وحه آخر عن عبيد الله بن عمر عن نافع
عنه.
ثم قال البخاري باب الاهلال مستقبل القبلة: قال أبو معمر حدثنا عبد
الوارث، حدثنا أيوب، عن نافع قال: كان ابن عمر إذا صلى الغداة بذي
الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما
ثم يلبي حتى يبلغ الحرم، ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح،
فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
ثم قال: تابعه إسماعيل عن أيوب في الغسل (3).
وقد علق البخاري أيضا هذا الحديث في كتاب الحج عن محمد بن عيسى، عن
حماد بن زيد، وأسنده فيه عن يعقوب بن ابراهيم الدورقي، عن إسماعيل هو
ابن علية.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب د عن إسماعيل وعن أبي الربيع الزهراني وغيره
عن حماد بن زيد ثلاثتهم عن أيوب، عن أبي تميمة السختياني به.
ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن إسماعيل بن علية به.
ثم قال البخاري: حدثنا سليمان أبو الربيع، ثنا فليح، عن نافع قال: كان
ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي
مسجد ذي الحليفة فيصلي، ثم يركب فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، ثم
قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) في كتاب الحج 28 باب الحديث 1552.
(2) الغرز: فتح الغين واسكان الراء: ركاب كور البعير إذا كان من جلد أو
خشب، وقيل هو الكور مطلقا.
وانظر صحيح مسلم شرح النووي 8 / 97.
(3) فتح الباري - كتاب الحج الحديث 1553.
(*)
(5/136)
يفعل (1).
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وروى مسلم عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة، عن سالم عن
أبيه قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيها والله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة حين
قام به بعيره.
وهذا الحديث يجمع بين رواية ابن عمر الاولى وهذه الروايات عنه، وهو أن
الاحرام كان من عند المسجد، ولكن بعد ما ركب راحلته واستوت به على
البيداء، يعني الارض، وذلك قبل أن يصل إلى المكان المعروف بالبيداء،
ثم قال البخاري في موضع آخر (2): حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا
فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة، حدثني كريب عن عبد الله بن عباس
قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعدما ترجل وأدهن ولبس
إزاره هو وأصحابه، ولم ينه عن شئ من الاردية والازر تلبس، إلا المزعفرة
التي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى استوت على
البيداء أهل هو وأصحابه، وقلد بدنه، وذلك لخمس بقين [ من ذي القعدة،
فقدم مكة لاربع خلون ] (3) من ذي الحجة.
فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحل من أجل بدنه لانه قلدها،
لم تزل بأعلا مكة عند الحجون وهو مهل بالحج، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه
بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت وبين الصفا
والمروة، ثم يقصروا من رؤوسهم ثم يحلوا، وذلك لمن لم يكن معه بدنة
قلدها، ومن كانت معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب.
انفرد به البخاري.
وقد روى الامام أحمد: عن بهز بن أسد، وحجاج، وروح بن عبادة، وعفان بن
مسلم كلهم عن شعبة قال: أخبرني.
قتادة، قال: سمعت أبا حسان الاعرج الاجرد وهو مسلم بن عبد الله البصري
عن ابن عباس.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا
ببدنته فأشعر صفحة سنامها الايمن وسلت الدم عنها وقلدها نعلين، ثم دعا
براحلته فلما استوت على البيداء أهل بالحج.
ورواه أيضا عن هشيم أنبأنا أصحابنا منهم شعبة فذكر نحوه.
ثم رواه الامام أحمد أيضا عن روح وأبي داود الطيالسي ووكيع بن الجراح
كلهم عن هشام الدستوائي عن قتادة به نحوه.
ومن هذا الوجه رواه مسلم في صحيحه وأهل السنن في كتبهم فهذه الطرق عن
ابن عباس من أنه عليه السلام أهل حين استوت به راحلته أصح وأثبت من
رواية خصيف الجزري عن سعيد بن حبير عنه والله أعلم وهكذا الرواية
المثبتة المفسرة أنه أهل حين استوت به الراحلة مقدمة على الاخرى
لاحتمال أنه أحرم من عند المسجد حين استوت به راحلته، ويكون رواية
ركوبه الراحلة فيها زيادة علم على الاخرى والله أعلم.
ورواية أنس في ذلك سالمة عن المعارض وهكذا رواية جابر بن عبد الله في
صحيح مسلم من طريق جعفر الصادق، عن أبيه، عن أبي الحسين زين العابدين،
عن جابر في
__________
(1) فتح الباري - الحديث 1554 ج 3 / 413.
(2) في كتاب الحج، 23 باب ما يلبس المحرم من الثياب والاردية - حديث
1545 فتح الباري 3 / 405.
(3) ما بين معكوفين زيادة من البخاري، سقطت من الاصل.
(*)
(5/137)
حديثه الطويل
الذي سيأتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته
سالمة عن المعارض والله أعلم.
وروى البخاري: من طريق الاوزاعي سمعت عطاء، عن جابر بن عبد الله: أن
إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به
راحلته.
فأما الحديث الذي رواه محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي الزناد، عن عائشة
بنت سعد.
قالت قال سعد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع
(1) أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريقا أخرى أهل إذا علا على شرف
البيداء.
فرواه أبو داود والبيهقي من حديث ابن إسحاق وفيه غرابة ونكارة والله
أعلم.
فهذه الطرق كلها دالة على القطع أو الظن الغالب أنه عليه السلام أحرم
بعد الصلاة وبعد ما ركب راحلته وابتدأت به السير زاد ابن عمر في روايته
وهو مستقبل القبلة. |