البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
باب بسط البيان لما أحرم به عليه السلام في
حجته هذه من الافراد والتمتع أو القران (2)
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك: قال أبو عبد الله محمد بن إدريس
الشافعي: أنبأنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
ورواه مسلم عن إسماعيل عن أبي أويس، ويحيى بن يحيى بن مالك.
ورواه الامام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني المنكدر بن محمد، عن ربيعة بن
أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد عن عائشة: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفرد الحج.
وقال الامام أحمد: ثنا شريح، ثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة عن
عائشة.
وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة.
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أفرد الحج: تفرد به أحمد من هذه الوجوه عنها.
وقال الامام أحمد: حدثني عبد الاعلى بن حماد،
__________
(1) الفرع: قرية بينها وبين المدينة ثمانية برد على طريق مكة.
(2) الافراد: قال النووي: الافراد أن يحرم بالحج في أشهره ويفرغ منه ثم
يعتمر.
وزاد ابن حجر: وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه.
والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء.
التمتع، قال ابن حجر: هو الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك
العمرة والاهلال بالحج في تلك السنة، زاد الكرماني: دون العودة إلى
الميقات.
وزاد ابن حجر: ويطلق التمتع في عرف السلف على القرآن أيضا.
القران: في رواية أبي ذر الاقران، وهو غلط من حيث اللغة كما قاله عياض
وغيره، وصورته الاهلال بالحج والعمرة معا، قال ابن حجر: وهذا لا خلاف
في جوازه.
وقال الكرماني: أن يحرم بهما (أي الحج والعمرة).
وتباينت أراء وأقوال العلماء في أي من هذه الانواع الثلاثة أفضل ؟
وتفاوتت أيضا وتباينت اراؤهم في حجة النبي صلى الله عليه وآله هل كان
مفردا أم متمتعا أم قارنا.
وكل فئة منهم رجحت نوعا مستندة في حجتها على العديد من الاحاديث التي
سنقف عليها بمختلف رواياتها وطرقها فيما سيأتي من أبواب.
(*)
(5/138)
قال: قرأت على
مالك بن أنس، عن أبي الاسود، عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أفرد الحج.
وقال: حدثنا روح، ثنا مالك، عن أبي الاسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل
- وكان يتيما في حجر عروة - عن عروة بن الزبير عن عائشة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أفرد الحج.
ورواه ابن ماجه عن أبي مصعب عن مالك كذلك.
ورواه النسائي عن قتيبة، عن مالك عن أبي الاسود عن عروة عن عائشة: أن
رسول الله أهل بالحج.
وقال أحمد أيضا: ثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن أبي الاسود عن عروة عن
عائشة.
قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج، ومنا
من أهل بالعمرة، ومنا من أهل بالحج والعمرة وأهل رسول الله بالحج، فأما
من أهل بالعمرة، فأحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة، وأما من أهل
بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر.
وهكذا رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف والقعيني وإسماعيل بن أبي أويس
عن مالك.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك به.
وقال أحمد: حدثنا سفيان: عن الزهري، عن
عروة عن عائشة: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وأهل ناس بالحج
والعمرة وأهل ناس بالعمرة.
ورواه مسلم عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة به نحوه.
فأما الحديث الذي قال الامام أحمد: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد العزيز
بن محمد، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه عن عائشة: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر الناس في حجة الوداع فقال من أحب أن يبدأ بعمرة قبل
الحج فليفعل، وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر.
فإنه حديث غريب جدا.
تفرد به أحمد بن حنبل وإسناده لا بأس به، ولكن لفظه فيه نكارة شديدة
وهو قوله: فلم يعتمر.
فإن أريد بهذا أنه لم يعتمر مع الحج ولا قبله هو قول من ذهب إلى
الافراد، وإن أريد أنه لم يعتمر بالكلية لا قبل الحج ولا معه ولا بعده،
فهذا مما لا أعلم أحدا من العلماء قال به، ثم هو مخالف لما صح عن عائشة
وغيرها من أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلهن في ذي القعدة
إلا التي مع حجته.
وسيأتي تقرير هذا في فصل القرآن مستقصى والله أعلم.
وهكذا الحديث الذي رواه الامام أحمد قائلا في مسنده: حدثنا روح، ثنا
صالح بن أبي الاخضر، ثنا ابن شهاب ان عروة أخبره أن عائشة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم قالت: أهل رسول الله بالحج والعمرة في حجة الوداع
وساق معه الهدي، وأهل ناس معه بالعمرة وساقوا الهدي، وأهل ناس بالعمرة
ولم يسوقوا هديا.
قالت عائشة: وكنت ممن أهل بالعمرة ولم أسق هديا، فلما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: من كان منكم أهل بالعمرة فساق معه الهدي فليطف
بالبيت وبالصفا والمروة، ولا يحل منه شئ حرم منه حتى يقضي حجه وينحر
هديه يوم النحر، ومن كان منكم أهل بالعمرة ولم يسق معه هديا فليطف
بالبيت وبالصفا والمروة ثم ليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم
يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
قالت عائشة: فقدم رسول الله الحج الذي خاف فوته وأخر العمرة.
فهو حديث من أفراد الامام أحمد وفي بعض ألفاظه نكارة ولبعضه شاهد في
الصحيح، وصالح بن أبي الاخضر ليس من علية أصحاب الزهري لا سيما إذا
خالفه غيره كما ههنا في بعض ألفاظ سياقه هذا.
وقوله فقدم الحج
(5/139)
الذي يخاف فوته
وأخر العمرة لا يلتئم مع أول الحديث أهل بالحج والعمرة، فإن أراد أنه
أهل بهما
في الجملة وقدم أفعال الحج ثم بعد فراغه أهل بالعمرة كما يقول من ذهب
إلى الافراد فهو ما نحن فيه ههنا، وإن أراد أنه أخر العمرة بالكلية بعد
إحرامه بها فهذا لا أعلم أحدا من العلماء صار إليه، وإن أراد أنه
المقضي بأفعال الحج عن أفعال العمرة ودخلت العمرة في الحج، فهذا قول من
ذهب إلى القرآن وهم يؤولون قول من روى أنه عليه الصلاة والسلام أفرد
الحج أي أفرد أفعال الحج وإن كان قد نوى معه العمرة قالوا: لانه قد روى
القرآن كل من روى الافراد كما سيأتي بيانه.
والله تعالى أعلم.
رواية جابر بن عبد الله في الافراد.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية ثنا الاعمش، عن أبي سفيان، عن جابر
بن عبد الله: قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بالحج.
إسناده جيد على شرط مسلم.
ورواه البيهقي عن الحاكم وغيره عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي
معاوية عن الاعمش، عن أبي سفيان عن جابر.
قال: أهل رسول الله في حجته بالحج ليس معه عمرة، وهذه الزيادة غريبة
جدا ورواية الامام أحمد بن حنبل أحفظ والله أعلم.
وفي صحيح مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
قال: وأهللنا بالحج لسنا نعرف العمرة.
وقد روى ابن ماجه: عن هشام بن عمار عن الدراوردي وحاتم بن إسماعيل
كلاهما عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أفرد الحج، وهذا إسناد جيد.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا حبيب - يعني المعلم - عن
عطاء حدثني جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هو
وأصحابه بالحج ليس مع أحد منهم هدي إلا النبي صلى الله عليه وسلم
وطلحة.
وذكر تمام الحديث وهو في صحيح البخاري بطوله كما سيأتي عن محمد بن
المثنى عن عبد الوهاب.
رواية عبد الله بن عمر للافراد.
قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل بن محمد ثنا عباد - يعني ابن عباد -
حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.
قال: أهللنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا.
ورواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عون، عن عباد بن عباد، عن عبيد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل
بالحج مفردا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن عبد العزيز ومحمد بن مسكين.
قالا: ثنا بشر بن بكر، ثنا سعيد بن
عبد العزيز بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أهل بالحج - يعني مفردا - اسناده جيد ولم يخرجوه.
رواية ابن عباس للافراد.
روى الحافظ البيهقي: من حديث روح بن عبادة، عن شعبة، عن أيوب، عن أبي
العالية البراء عن ابن عباس.
أنه قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فقدم لاربع مضين من
ذي الحجة فصلى بنا الصبح بالبطحاء.
ثم قال: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها.
ثم قال: رواه مسلم عن ابراهيم بن دينار، عن ابن روح.
وتقدم من رواية قتادة عن أبي حسان الاعرج عن ابن عباس: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم أتى ببدنة
(5/140)
فأشعر صفحة سنامها الايمن، ثم أتى براحلته فركبها فلما استوت به على
البيداء أهل بالحج، وهو في صحيح مسلم أيضا.
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو
هشام، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا أبو حصين، عن عبد الرحمن بن الاسود عن
أبيه.
قال: حججت مع أبي بكر فجرد، ومع عمر فجرد، ومع عثمان فجرد.
تابعه الثوري عن أبي حصين وهذا إنما ذكرناه ههنا لان الظاهر أن هؤلاء
الائمة رضي الله عنهم إنما يفعلون هذا عن توقيف والمراد بالتجريد ههنا
الافراد والله أعلم.
وقال الدارقطني: ثنا أبو عبيد الله القاسم بن اسماعيل ومحمد بن مخلد.
قالا: ثنا علي بن علي بن محمد بن معاوية الرزاز، ثنا عبد الله بن نافع،
عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم
استعمل عتاب بن أسيد على الحج فأفرد، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد
الحج، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد الحج، ثم توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فبعث عمر فأفرد الحج، ثم
حج أبو بكر فأفرد الحج، وتوفي أبو بكر واستخلف عمر فبعث عبد الرحمن بن
عوف فأفرد الحج، ثم حج فأفرد الحج، ثم حصر عثمان فأقام عبد الله بن
عباس للناس فأفرد الحج.
في أسناده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف لكن قال الحافظ البيهقي له
شاهد بإسناد صحيح.
ذكر ما قاله إنه صلى الله عليه وسلم حج متمتعا
قال الامام أحمد: حدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: تمتع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهل فساق الهدي من ذي
الحليفة، وبدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل
بالحج، وكان من الناس من أهدى فساق الهدي من ذي الحليفة ومنهم من لم
يهد.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: " من كان منكم
أهدى فإنه لا يحل من شئ حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن أهدى فليطف
بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد
هديا فليصم ثلاثة أيام وسبعة إذا رجع إلى أهله ".
وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، استلم الحجر أول شئ ثم
خب ثلاثة أشواط من السبع، ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضى طوافه
بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف، فأتى الصفا فطاف بالصفا
والمروة ثم لم يحلل من شئ حرم منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر
وأفاض فطاف بالبيت، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أهدى فساق الهدي من الناس.
قال الامام أحمد: وحدثنا حجاج، ثنا ليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، عن
عروة بن الزبير: أن عائشة أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
تمتعه بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم بن عبد
الله عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى هذا الحديث
البخاري: عن يحيى بن بكير، ومسلم وأبو داود عن عبد الملك بن شعيب، عن
الليث عن أبيه، والنسائي عن
(5/141)
محمد بن عبد
الله بن المبارك المخرمي، عن حجين بن المثنى ثلاثتهم عن الليث بن سعد،
عن عقيل عن الزهري، عن عروة عن عائشة كما ذكره الامام أحمد رحمه الله.
وهذا الحديث من المشكلات على كل من الاقوال الثلاثة، أما قول الافراد
ففي هذا إثبات عمرة أما قبل الحج أو معه، وأما على قول التمتع الخاص
فلانه ذكر أنه لم يحل من إحرامه بعد ما طاف بالصفا والمروة.
وليس هذا شأن المتمتع، ومن زعم أنه إنما منعه من التحلل سوق الهدي كما
قد يفهم من حديث ابن عمر عن حفصة أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس
حلوا من العمرة، ولم تحل أنت من
عمرتك ؟ فقال: إني لبدت رأسي، وقلدت هدي فلا أحل حتى أنحر.
فقولهم بعيد لان الاحاديث الواردة في إثبات القران ترد هذا القول،
وتأبى كونه عليه السلام إنما أهل أولا بعمرة ثم بعد سعيه بالصفا
والمروة أهل بالحج، فإن هذا على هذه الصفة لم ينقله أحد بأسناد صحيح بل
ولا حسن ولا ضعيف.
وقوله في هذا الحديث: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
بالعمرة إلى الحج، إن أريد بذلك التمتع الخاص وهو الذي يحل منه بعد
السعي فليس كذلك فإن في سياق الحديث ما يرده ثم في إثبات العمرة
المقارنة لحجه عليه السلام ما يأباه، وإن أريد به التمتع العام دخل فيه
القرآن وهو المراد.
وقوله: وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج،
إن أريد به بدأ بلفظ العمرة على لفظ الحج بأن قال: لبيك اللهم عمرة
وحجا فهذا سهل ولا ينافي القرآن وإن أريد به أنه أهل بالعمرة أولا ثم
أدخل عليها الحج متراخ ولكن قبل الطواف قد صار قارنا أيضا، وإن أريد به
أنه أهل بالعمرة ثم فرغ من أفعالها تحلل أو لم يتحلل بسوق الهدي كما
زعمه زاعمون، ولكنه أهل بحج بعد قضاء مناسك العمرة وقبل خروجه إلى منى،
فهذا لم ينقله أحد من الصحابة كما قدمنا، ومن ادعاه من الناس فقوله
مردود لعدم نقله ومخالفته الاحاديث الواردة في إثبات القرآن كما سيأتي،
بل والاحايث الواردة في الافراد كما سبق والله أعلم.
والظاهر والله أعلم أن حديث الليث هذا عن عقيل، عن الزهري، عن سالم عن
ابن عمر يروى من الطريق الاخرى عن ابن عمر حين أفرد الحج ومن محاصرة
الحجاج لابن الزبير فقيل له: إن الناس كائن بينهم شئ فلو أخرت الحج
عامك هذا.
فقال: إذا أفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يعني زمن حصر عام
الحديبية فأحرم بعمرة من ذي الحليفة، ثم لما علا شرف البيداء قال ما
أرى أمرهما إلا واحدا، فأهل بحج معها فاعتقد الراوي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم هكذا فعل سواء، بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فرووه
كذلك وفيه نظر لما سنبينه وبيان هذا في الحديث الذي رواه عبد الله بن
وهب: أخبرني مالك بن أنس وغيره أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر خرج
في الفتنة معتمرا وقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فخرج فأهل بالعمرة، وسار حتى إذا ظهر على ظاهر البيداء
التفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج
مع العمرة، فخرج
حتى جاء البيت فطاف به وطاف بين الصفا والمروة سبعا لم يزد عليه، ورأى
أن ذلك مجزيا عنه وأهدى.
وقد أخرجه صاحب الصحيح من حديث مالك.
وأخرجاه من حديث عبيد الله عن نافع
(5/142)
به.
ورواه عبد الرزاق، عن عبيد الله وعبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع به
نحوه، وفيه ثم قال في آخره: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيما رواه البخاري حيث قال: حدثنا قتيبة، ثنا ليث.
عن نافع: أن ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير، فقيل له:
إن الناس كائن بينهم قتال، وإنا نخاف أن يصدوك.
قال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة.
ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء: قال: ما أرى شأن الحج والعمرة إلا
واحدا أشهدكم أني أوجبت حجا مع عمرتي فأهدى هديا اشتراه بقديد، ولم يزد
على ذلك، ولم ينحر ولم يحل من شئ حرم منه، ولم يحلق ولم يقصر، حتى كان
يوم النحر فنحر وحلق، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول.
قال ابن عمر كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا ابن علية، عن أيوب، عن
نافع: أن ابن عمر دخل عليه ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره في المدار
فقال: إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت فلو
أقمت.
قال، قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش بينه وبين
البيت، فإن حيل (1) بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
فقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إني أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا ثم قدم فطاف لهما
طوافا واحدا.
وهكذا رواه البخاري: عن أبي النعمان.
عن حماد بن زيد، عن أيوب بن تميمة السختياني عن نافع به.
ورواه مسلم من حديثهما عن أيوب به.
فقد اقتدى ابن عمر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم في
التحلل عند حصر العدو والاكتفاء بطواف واحد عن الحج والعمرة، وذلك لانه
كان قد أحرم أولا بعمرة ليكون متمتعا، فخشي أن يكون حصر فجمعهما وأدخل
الحج قبل العمرة قبل الطواف فصار قارنا، وقال: ما أرى أمرهما إلا واحدا
- يعني لا فرق بين أن يحصر الانسان عن الحج أو العمرة أو عنهما - فلما
قدم مكة اكتفى عنهما
بطوافه الاول كما صرح به في السياق الاول الذي أفردناه، وهو قوله: ورأى
أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الاول.
قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني أنه اكتفى
عن الحج والعمرة بطواف واحد - يعني بين الصفا والمروة، وفي هذا دلالة
على أن ابن عمر روى القران، ولهذا روى النسائي: عن محمد بن منصور، عن
سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع: أن ابن عمر قرن الحج
والعمرة فطاف طوافا واحدا، ثم رواه النسائي عن علي بن ميمون الرقي، عن
سفيان بن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، وأيوب بن موسى، وأيوب السختياني،
وعبد الله بن عمر أربعتهم عن نافع: أن ابن عمر أتى ذا الحليفة فأهل
بعمرة فخشي أن يصد عن البيت.
فذكر تمام الحديث من إدخاله الحج على العمرة وصيرورته قارنا.
والمقصود أن بعض الرواة لما سمع قول ابن عمر إذا أصنع كما صنع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقوله كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج
فأدخله
__________
(1) من البخاري: وفي الاصل: فإن يحل.
(*)
(5/143)
عليها قبل
الطواف فرواه بمعنى ما فهم، ولم يرد ابن عمر ذلك وانما أراد ما ذكرناه
والله أعلم بالصواب، ثم بتقدير أن يكون أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها
الحج قبل الطواف فإنه يصير قارنا لا متمتعا التمتع الخاص فيكون فيه
دلالة لمن ذهب إلى أفضلية التمتع والله تعالى أعلم.
وأما الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا
همام، عن قتادة، حدثني مطرف، عن عمران.
قال: تمتعنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال رجل
برأيه ما شاء.
فقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن همام
عن قتادة به، والمراد به المتعة التي أعم من القران والتمتع الخاص ويدل
على ذلك ما رواه مسلم: من حديث شعبة وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن
مطرف، عن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة وذكر تمام الحديث.
وأكثر السلف يطلقون المتعة على القران كما قال البخاري: حدثنا قتيبة،
ثنا حجاج بن محمد الاعور عن شعبة،
عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب.
قال: اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال
علي: ما تريد إلا (1) أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أهل بهما جميعا.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن الحكم بن عيينة، عن علي بن الحسين عن
مروان بن الحكم عنهما به.
وقال علي: ما كنت لادع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من
الناس.
ورواه مسلم من حديث شعبة أيضا عن قتادة، عن عبد الله بن شقيق عنهما
فقال له علي: لقد علمت إنما تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال أجل ! ولكنا كنا خائفين (2).
وأما الحديث الذي رواه مسلم: من حديث غندر، عن شعبة، وعن عبيد الله بن
معاذ، عن أبيه عن شعبة عن مسلم بن مخراق القري (3) سمع ابن عباس يقول:
أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة وأهل أصحابه بحج فلم يحل رسول
الله ولا من ساق الهدي من أصحابه وحل بقيتهم.
فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وروح بن عبادة عن شعبة عن مسلم
القري عن ابن عباس.
قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج - وفي رواية أبي داود -
أهل رسول الله وأصحابه بالحج، فمن كان منهم لم يكن له متعة هدي حل ومن
كان معه هدي لم يحل الحديث.
فإن صححنا الروايتين جاء القران وإن توقفنا في كل منهما وقف الدليل،
وان رجحنا رواية مسلم في صحيحه في رواية العمرة فقد تقدم عن ابن عباس
أنه روى الافراد وهو الاحرام بالحج فتكون هذه زيادة على الحج فيجئ
القول بالقران لاسيما وسيأتي عن ابن عباس ما يدل على ذلك.
وروى مسلم: من حديث غندر ومعاذ بن معاذ، عن شعبة، عن الحكم عن مجاهد،
عن ابن عباس: أن رسول الله قال هذه
__________
(1) من البخاري، وفي الاصل إلى أن، وهي رواية سعيد بن المسيب.
(2) ولكنا كنا خائفين: قال النووي لعله أشار إلى عمرة القضية سنة سبع،
لكن لم يكن في تلك السنة حقيقة تمتع إنما كان عمرة وحدها.
وقال القرطبي: قوله خائفين: أي من يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من
تمتع.
(3) من صحيح مسلم، وفي الاصل المقبري وهو تحريف.
(*)
(5/144)
عمرة استمتعنا
بها فمن لم يكن معه هدي فليحل الحل كله، فقد دخلت العمرة في الحج إلى
يوم
القيامة، وروى البخاري: عن آدم بن أبي اياس، ومسلم من حديث غندر كلاهما
عن شعبة عن أبي جمرة قال: تمتعت فنهاني ناس، فسألت ابن عباس فأمرني
بها، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول [ لي ] (1) حج مبرور ومتعة (2)
متقبلة، فأخبرت ابن عباس فقال: الله أكبر سنة أبي القاسم صلوات الله
وسلامه عليه، والمراد بالمتعة ههنا القران.
وقال القعيني وغيره عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله
بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه حدثه: أنه سمع سعد بن
أبي وقاص، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع
بالعمرة إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا بن أخي، فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان
ينهى عنها.
فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
ورواه الترمذي والنسائي: عن قتيبة، عن مالك.
وقال الترمذي صحيح.
وقال عبد الرزاق: عن معتمر بن سليمان، وعبد الله بن المبارك كلاهما عن
سليمان التيمي: حدثني غنيم بن قيس، سألت سعد بن أبي وقاص: عن التمتع
بالعمرة إلى الحج قال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا
يومئذ كافر في العرش (3) - يعني مكة - ويعني به معاوية.
ورواه مسلم من حديث شعبة وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد ومروان الفزاري
أربعتهم عن سليمان التيمي: سمعت غنيم بن قيس، سألت سعدا عن المتعة
فقال: قد فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعرش.
وفي رواية يحيى بن سعيد - يعني معاوية - وهذا كله من باب إطلاق التمتع
على ما هو أعم من التمتع الخاص، وهو الاحرام بالعمرة والفراغ منها ثم
الاحرام بالحج ومن القران بل كلام سعد فيه دلالة على إطلاق التمتع على
الاعتمار في أشهر الحج وذلك أنهم اعتمروا ومعاوية بعد كافر بمكة قبل
الحج أما عمرة الحديبية أو عمرة القضاء وهو الاشبه، فأما عمرة الجعرانة
فقد كان معاوية أسلم مع أبيه ليلة الفتح وروينا أنه قصر من شعر النبي
صلى الله عليه وسلم يمشقص في بعض عمره وهي عمرة الجعرانة لا محالة.
والله أعلم.
ذكر حجة من ذهب إلى أنه عليه السلام كان
قارنا رواية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قد تقدم
ما رواه البخاري من حديث
أبي عمرو الاوزاعي: سمعت يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس عن
عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق
يقول: أتاني آت من ربي عز وجل فقال صل في
__________
(1) من البخاري.
(2) في البخاري: وعمرة.
(3) العرش: بيوت مكة، قال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عرشا لانها عيدان
تنصب وتظلل، قال: ويقال لها عروش، واحدها عرش.
ومن قال عرش: واحدها عريش.
(*)
(5/145)
هذا الوادي
المبارك وقل عمرة في حجة.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقبري
ببغداد، أنبأنا أحمد بن سليمان قال قرئ على عبد الملك بن محمد وأنا
أسمع: حدثنا أبو زيد الهروي، ثنا علي بن المبارك، ثنا يحيى بن أبي
كثير، ثنا عكرمة، حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبرائيل عليه السلام وأنا بالعقيق
فقال: صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل عمرة في حجة، فقد دخلت
العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
ثم قال البيهقي رواه البخاري عن أبي زيد الهروي.
وقال الامام أحمد: ثنا هاشم، ثنا سيار، عن أبي وائل أن رجلا كان
نصرانيا يقال له الصبى بن معبد، فأراد الجهاد فقيل له إبدأ بالحج فأتى
الاشعري فأمره أن يهل بالحج والعمرة جميعا ففعل، فبينما هو يلبي إذ مر
بزيد بن صوحان، وسلمان بن ربيعة.
فقال أحدهما لصاحبه: لهذا أضل من بعير أهله، فسمعها الصبى فكبر ذلك
عليه فلما قدم أتى عمر بن الخطاب فذكر ذلك له.
فقال له عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
قال وسمعته مرة أخرى يقول وفقت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الامام أحمد: عن يحيى بن سعيد القطان، عن الاعمش، عن شقيق، عن
أبي وائل، عن الصبي بن معبد، عن عمر بن الخطاب فذكره.
وقال: إنهما لم يقولا شيئا، هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ورواه عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور عن أبي وائل به.
ورواه أيضا عن غندر عن شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل، وعن سفيان بن
عيينة عن عبدة بن أبي لبابة، عن أبي وائل.
قال قال: الصبى بن معبد كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فأهللت بحج وعمرة
فسمعني زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما.
فقالا: لهذا أضل من بعير أهله، فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل، فقدمت على
عمر فأخبرته فأقبل عليهما فلامهما وأقبل علي فقال: هديت لسنة النبي صلى
الله عليه وسلم قال عبدة قال أبو وائل: كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى
الصبى ابن معبد نسأله عنه وهذه أسانيد جيدة على شرط الصحيح.
وقد رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة
به.
وقال النسائي في كتاب الحج من سننه: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن
شقيق، ثنا أبي عن جمرة السكري، عن مطرف، عن سلمة بن كهيل، عن طاوس عن
ابن عباس عن عمر.
أنه قال: والله إني لانهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله وقد فعلها
النبي صلى الله عليه وسلم إسناد جيد.
رواية أميري المؤمنين عثمان وعلي رضي الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن
سعيد بن المسيب.
قال: اجتمع علي وعثمان بعسفان وكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة
فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى
عنه، فقال عثمان: دعنا منك.
هكذا رواه الامام أحمد مختصرا: وقد أخرجاه في الصحيحين: من حديث شعبة
عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن المسيب.
قال: اختلف علي وعثمان وهما بعسفان في المتعة.
فقال علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلما رأى ذلك علي بن أبي
(5/146)
طالب أهل بهما
جميعا وهكذا لفظ البخاري.
وقال البخاري: ثنا محمد بن يسار، ثنا غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن علي
بن الحسين، عن مروان بن الحكم.
قال: شهدت عثمان وعليا، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، فلما
رأى علي أهل بهما: لبيك بعمرة وحج.
قال: ما كنت لادع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد.
ورواه النسائي من حديث شعبة به، ومن حديث الاعمش، عن مسلم البطين، عن
علي بن الحسين به.
وقال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة.
قال: قال عبد الله بن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة وعلي يأمر بها.
فقال
عثمان لعلي: إنك لكذا وكذا.
ثم قال علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: أجل ولكنا كنا خائفين.
ورواه مسلم من حديث شعبة فهذا اعتراف من عثمان رضي الله بما رواه علي
رضي الله عنهما ومعلوم أن عليا رضي الله عنه أحرم عام حجة الوداع
بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد ساق الهدي وأمره عليه
السلام أن يمكث حراما وأشركه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه كما
سيأتي بيانه.
وروى مالك في الموطأ: عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن المقداد بن الاسود
دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات (1) له دقيقا وخبطا.
فقال: هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة، فخرج علي
وعلى يده أمر الدقيق والخبط - ما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه -
حتى دخل على عثمان.
فقال: أنت تنهى أن يقرن بين الحج والعمرة.
فقال عثمان: ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول: لبيك اللهم لبيك بحجة
وعمرة معا وقد قال أبو داود في سننه: ثنا يحيى بن معين، ثنا حجاج، ثنا
يونس، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب.
قال: كنت مع علي حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فذكر
الحديث في قدوم علي.
قال علي: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت.
قال قلت: إنما أهللت باهلال النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: إني قد سقت الهدي وقرنت.
وقد رواه النسائي من حديث يحيى بن معين بإسناده وهو على شرط الشيخين،
وعلله الحافظ البيهقي: بأنه لم يذكر هذا اللفظ في سياق حديث جابر
الطويل وهذا التعليل فيه نظر لانه قد روى القران من حديث جابر بن عبد
الله كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
وروى ابن حبان في صحيحه عن علي بن أبي طالب.
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وخرجت أنا من اليمن.
وقلت لبيك باهلال كإهلال النبي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أهللت بالحج والعمرة جميعا.
رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: وقد رواه عنه جماعة من التابعين ونحن
نوردهم مرتبين على حروف المعجم.
بكر بن عبد الله المزني عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا هشيم، ثنا حميد الطويل، أنبأنا بكر بن عبد الله
المزني.
قال: سمعت أنس بن مالك يحدث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يلبي
__________
(1) ينجع: يسقي.
بكرات: الابل الفتية.
والخبط: ورق الشجر ينفض ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق وغيره، ثم تسقاه
الابل.
(*)
(5/147)
بالحج والعمرة
جميعا، فحدثت بذلك ابن عمر.
فقال: لبى بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر.
فقال: ما تعدونا إلا صبيانا.
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجا.
ورواه البخاري عن مسدد، عن بشر بن الفضل عن حميد به.
وأخرجه مسلم عن شريح بن يونس عن هشيم به.
وعن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع، عن حبيب بن الشهيد عن بكر بن عبد
الله المزني به.
ثابت البناني عن أنس.
قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن ثابت، عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: لبيك بعمرة وحجة معا.
تفرد به من هذا الوجه الحسن البصري عنه.
قال: الامام أحمد: ثنا روح، ثنا أشعث، عن أنس بن مالك: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة وقد لبوا بحج وعمرة، فأمرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة أن يحلوا
وأن يجعلوها عمرة فكأن القوم هابوا ذلك.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أني سقت هديا لاحللت، فأحل
القوم وتمتعوا.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا الحسن بن قزعة، ثنا سفيان بن حبيب،
ثنا أشعث، عن الحسن عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل هو
وأصحابه بالحج والعمرة، فلما قدموا مكة طافوا بالبيت وبالصفا والمروة،
أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا فهابوا ذلك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحلوا فلولا أن معي الهدي لاحللت.
فحلوا حتى حلوا إلى النساء.
ثم قال: البزار لا نعلم رواه عن الحسن إلا أشعث بن عبد الملك.
حميد بن تيرويه الطويل عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد، سمعت أنسا سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: لبيك بحج وعمرة وحج.
هذا أسناد ثلاثي على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ولا أحد من أصحاب الكتب
من هذا الوجه، لكن رواه مسلم: عن يحيى بن يحيى، عن هشيم، عن يحيى بن
أبي إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد أنهم سمعوا أنس بن مالك.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل بهما جميعا لبيك عمرة
وحجا لبيك عمرة وحجا.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعمر بن يسر، ثنا عبد الله، أنبأنا حميد
الطويل، عن أنس بن مالك.
قال: ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنا كثيرة وقال: لبيك بعمرة
وحج وإني لعند فخذ ناقته اليسرى.
تفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا.
حميد بن هلال العدوي البصري عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد
الوهاب، عن أيوب، عن أبي قلابة عن أنس بن مالك.
وحدثناه سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن أيوب، عن أبي
قلابة وحميد بن هلال، عن أنس.
قال: إني ردف أبي طلحة وان ركبته لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يلبي بالحج والعمرة.
وهذا اسناد جيد قوي على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
وقد تأوله البزار على أن الذي كان يلبي بالحج والعمرة أبو طلحة قال:
ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا التأويل فيه نظر ولا حاجة إليه لمجئ ذلك من طرق عن أنس كما مضى
وكما سيأتي ثم عود الضمير إلى أقرب المذكورين أولى وهو
(5/148)
في هذه الصورة
أقوى دلالة.
والله أعلم وسيأتي في رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس صريح الرد على
هذا التأويل.
زيد بن أسلم عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار روى سعيد بن عبد العزيز التنوخي، عن زيد بن
أسلم عن أنس بن مالك.
أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بحج وعمرة.
حدثناه الحسن بن عبد العزيز الجروي، ومحمد بن مسكين.
قالا: حدثنا بشر بن بكر، عن سعيد بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم، عن
أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقد رواه الحافظ، أبو بكر البيهقي بأبسط من هذا السياق.
فقال: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي.
قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأنا العباس بن الوليد بن يزيد،
أخبرني أبي ثنا شعيب بن عبد العزيز، عن زيد بن أسلم وغيره.
أن رجلا أتى ابن عمر فقال: بم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال
ابن عمر: أهل بالحج فانصرف، ثم أتاه
من العام المقبل.
فقال: بم أهل رسول الله ؟ قال ألم تأتني عام أول.
قال: بلى ! ولكن أنس بن مالك يزعم أنه قرن قال ابن عمر إن أنس بن مالك
كان يدخل على النساء وهن مكشفات الرؤوس، وإني كنت تحت ناقة رسول الله
صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها اسمعه يلبي بالحج.
سالم بن أبي الجعد الغطفاني الكوفي عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك، عن منصور، عن سالم بن
أبي الجعد، عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه
جمع بين الحج والعمرة فقال: لبيك بعمرة وحجة معا، حسن ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا أبو عوانة، ثنا عثمان بن المغيرة، عن
سالم بن أبي الجعد، عن سعد مولى الحسن بن علي.
قال: خرجنا مع علي فأتينا ذا الحليفة.
فقال علي: إني أريد أن أجمع بين الحج والعمرة، فمن أراد ذلك فليقل كما
أقول، ثم لبى قال: لبيك بحجة وعمرة معا.
قال وقال سالم: وقد أخبرني أنس بن مالك.
قال: والله إن رجلي لتمس رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليهل
بهما جميعا.
وهذا أيضا إسناد جيد من هذا الوجه ولم يخرجوه، وهذا السباق يرد على
الحافظ البزار ما تأول به حديث حميد بن هلال عن أنس كما تقدم.
والله أعلم.
سليمان بن طرخان التيمي عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، ثنا المعتمر
بن سليمان، سمعت أبي، يحدث عن أنس بن مالك.
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا.
ثم قال البزار: لم يروه عن التيمي إلا ابنه المعتمر ولم يسمعه إلا من
يحيى بن حبيب العربي عنه.
قلت وهو على شرط الصحيح ولم يخرجوه.
سويد بن حجير عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي قزعة سويد بن
حجير، عن أنس بن مالك قال: كنت رديف أبي طلحة فكانت ركبة أبي طلحة تكاد
أن تصيب ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يهل بهما.
وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد ولم
(5/149)
يخرجوه وفيه رد
على الحافظ البزار صريح.
عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا
معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة عن أنس: قال: كنت رديف أبي طلحة وهو يساير
النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن رجلي لتمس غرز النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يلبي بالحج
والعمرة معا.
وقد رواه البخاري: من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال.
صلى صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة
ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب راحلته حتى استوت به على البيداء
حمد الله وسبح وكبر، وأهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما جميعا.
وفي رواية له: كنت رديف أبي طلحة وأنهم ليصرخون بهما جميعا الحج
والعمرة.
وفي رواية له عن أيوب عن رجل عن أنس.
قال: ثم بات حتى أصبح فصلى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به
البيداء أهل بعمرة وحج.
عبد العزيز بن صهيب تقدمت روايته عنه مع رواية حميد الطويل عنه عند
مسلم.
علي بن زيد بن جدعان عنه.
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا ابراهيم بن سعيد، ثنا علي بن حكيم،
عن شريك، عن علي بن زيد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى
بهما جميعا.
هذا غريب من هذا الوجه ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن وهو على شرطهم.
قتادة بن دعامة السدوسي عنه: قال الامام أحمد: حدثنا بهز وعبد الصمد
المعني.
قالا: أخبرنا همام بن يحيى، ثنا قتادة.
قال: سألت أنس بن مالك قلت: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: جحة
واحدة واعتمر أربع مرات عمرته زمن الحديبية وعمرته في ذي القعدة من
المدينة، وعمرته من الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنيمة حنين وعمرته
مع حجته.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث همام بن يحيى به.
مصعب بن سليم الزبيري مولاهم عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا مصعب بن سليم، سمعت أنس بن مالك
يقول: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة وعمرة، تفرد به أحمد.
يحيى بن إسحاق الحضرمي عنه.
قال الامام أحمد: ثنا هشيم: أنبأنا يحيى بن إسحاق وعبد العزيز بن صهيب،
وحميد الطويل عن أنس أنهم سمعوه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا، لبيك عمرة وحجا
وقد تقدم أن مسلما رواه عن يحيى بن يحيى، عن هشيم به.
وقال الامام أحمد أيضا: ثنا عبد الاعلى، عن يحيى عن أنس.
قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة قال فسمعته يقول
لبيك عمرة وحجا.
أبو الصيقل عنه قال الامام أحمد: حدثنا حسن، ثنا زهير.
وحدثنا أحمد بن عبد الملك، ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي أسماء
الصيقل، عن أنس بن مالك.
قال: خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن نجعلها عمرة.
وقال: لو استقبلت من أمري ما
(5/150)
استدبرت
لجعلتها عمرة ولكني سقت الهدي وقرنت الحج بالعمرة.
ورواه النسائي عن هناد، عن أبي الاحوص، عن أبي إسحاق عن أبي أسماء
الصيقل، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي
بهما.
أبو قدامة الحنفي ويقال: إن اسمه محمد بن عبيد عن أنس.
قال الامام أحمد: ثنا روح بن عبادة، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن
أبي قدامة الحنفي.
قال قلت: لانس بأي شئ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي فقال:
سمعته سبع مرات يلبي بعمرة وحجة، تفرد به الامام أحمد، وهو اسناد جيد
قوي ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة، وروى ابن حبان في صحيحه عن
أنس بن مالك.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وقرن
القوم معه.
وقد أورد الحافظ البيهقي بعض الطرق عن أنس بن مالك ثم شرع يعلل ذلك
بكلام فيه نظر وحاصله أنه قال: والاشتباه وقع لانس لا لمن دونه ويحتمل
أن يكون سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم غيره كيف يهل بالقران،
لا أنه يهل بهما عن نفسه والله أعلم.
قال: وقد روي ذلك عن غير أنس بن مالك وفي ثبوته نظر، قلت: ولا يخفى ما
في هذا الكلام من النظر الظاهر لمن تأمله وربما أنه كان ترك هذا الكلام
أولى منه، إذ فيه تطرق احتمال إلى حفظ الصحابي مع تواتره عنه كما رأيت
آنفا وفتح هذا يفضي إلى محذور كبير والله تعالى أعلم.
حديث البراء بن عازب في القران.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، أنبأنا علي
بن محمد المصري، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى، ثنا يزيد بن هارون،
أنبأنا زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب.
قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
عمر كلهن في ذي القعدة.
فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر بعمرته التي حج معها.
قال: البيهقي ليس هذا بمحفوظ قلت سيأتي بأسناد صحيح إلى عائشة نحوه.
رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن
جعفر بن رميس، والقاسم بن إسماعيل، أو عبيد، وعثمان بن جعفر اللبان
وغيرهم.
قالوا: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، ثنا زيد بن حباب، ثنا سفيان الثوري،
عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر بن عبد الله.
قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر، وحجة
قرن معها عمرة.
وقد روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن سعيد الثوري
به، وأما الترمذي فرواه عن عبد الله بن أبي زياد بن حباب عن سفيان به
ثم قال: غريب من حديث سفيان لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب.
ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن، يعني الرازي، روى هذا الحديث في كتبه عن
عبد الله بن أبي زياد، وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه ورأيته لا يعده
محفوظا.
قال: وإنما روي عن الثوري، عن أبي اسحاق، عن مجاهد مرسلا.
وفي السنن الكبير للبيهقي قال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن
(5/151)
إسماعيل
البخاري عن هذا الحديث فقال هذا حديث خطأ وإنما روي هذا عن الثوري
مرسلا.
قال البخاري: وكان زيد بن الحباب إذا روى خطأ ربما غلط في الشئ وأما
ابن ماجه فرواه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، عن عبد الله بن
داود الخريبي (1).
عن سفيان به وهذه طريق لم يقف عليها الترمذي ولا البيهقي وربما ولا
البخاري حيث تكلم في زيد بن الحباب ظانا أنه انفرد به وليس كذلك.
والله أعلم.
طريق أخرى عن جابر.
قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا ابن أبي عمر حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن
أبي الزبير عن جابر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن الحج والعمرة وطاف لهما طوافا
واحدا.
ثم قال: هذا حديث حسن وفي نسخة صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه عن جابر
قال: لم يطف للنبي صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا لحجه ولعمرته.
قلت: حجاج هذا هو ابن أرطاة.
وقد تكلم
فيه غير واحد من الائمة، ولكن قد روي من جه آخر عن أبي الزبير، عن جابر
بن عبد الله أيضا كما قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا مقدم
بن محمد، حدثني عمي القاسم بن يحيى بن مقدم، عن عبد الرحمن بن عثمان بن
خيثم، عن أبي الزبير عن جابر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم فقرن بين الحج والعمرة وساق
الهدي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يقلد الهدي فليجعلها عمرة.
ثم قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه
بهذا الاسناد انفرد بهذه الطريق البزار في مسنده وإسنادها غريبة جدا
وليست في شئ من الكتب الستة من هذا الوجه.
والله أعلم.
رواية أبي طلحة زيد بن سهل الانصاري رضي الله عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا حجاج - هو ابن أرطأة - عن
الحسن بن سعد، عن ابن عباس.
قال: أخبرني أبو طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج
والعمرة.
ورواه ابن ماجه، عن علي بن محمد، عن أبي معاوية بإسناده ولفظه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة.
الحجاج بن أرطاة فيه ضعف والله أعلم.
رواية سراقة بن مالك بن جعشم.
قال الامام أحمد: حدثنا مكي بن إبراهيم ثنا داود - يعني ابن سويد -
سمعت عبد الملك الزراد.
يقول سمعت النزال بن سبرة صاحب علي يقول: سمعت سراقة يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قال وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
رواية سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمتع بالحج
والعمرة وهو القران.
قال الامام مالك عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث
بن عبد المطلب، أنه حدثه أنه
__________
(1) الخريبي: نسبة إلى محلة بالبصرة تدعى الخريبة، وكانت وفاته سنة 211
ه.
اللباب 1 / 359.
(*)
(5/152)
سمع سعد بن أبي
وقاص، والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان يذكر التمتع بالعمرة
إلى الحج.
فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا مجهل أمر الله.
فقال سعد: بئس ما قلت يا بن
أخي.
فقال الضحاك: فإن عمر بن الخطاب كان ينهى عنها، فقال سعد: قد صنعها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه.
ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن مالك به.
وقال: الترمذي هذا حديث صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سليمان - يعني التيمي - حدثني
غنيم.
قال: سألت ابن أبي وقاص عن المتعة فقال: فعلناها وهذا كافر بالعرش -
يعني معاوية - هكذا رواه مختصرا.
وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث سفيان بن سعيد الثوري، وشعبة ومروان
الفزاري، ويحيى بن سعيد القطان أربعتهم عن سليمان بن طرخان التيمي سمعت
غنيم بن قيس سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة ؟ فقال: قد فعلناها وهذا
يومئذ كافر بالعرش.
قال: يحيى بن سعيد في روايته - يعني معاوية - ورواه عبد الرزاق عن
معتمر بن سليمان وعبد الله بن المبارك كلاهما عن سليمان التيمي، عن
غنيم بن قيس سألت سعدا: عن التمتع بالعمرة إلى الحج.
فقال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يومئذ كافر بالعرش
- يعني مكة ويعني به معاوية - وهذا الحديث الثاني أصح اسنادا وإنما
ذكرناه اعتضادا لا اعتمادا والاول صحيح الاسناد وهذا أصرح في المقصود
من هذا.
والله أعلم.
رواية عبد الله بن أبي أوفى.
قال الطبراني: حدثنا سعيد بن محمد بن المغيرة المصري، حدثنا سعيد بن
سليمان، حدثنا يزيد بن عطاء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن
أبي أوفى.
قال: إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لانه علم
أنه لم يكن حاجا بعد ذلك العام.
رواية عبد الله بن عباس في ذلك.
قال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا داود - يعني القطان - عن عمرو، عن
عكرمة، عن ابن عباس قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر:
عمرة الحديبية، وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة التي مع
حجته.
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن داود بن عبد الرحمن
العطار المكي، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة عن ابن عباس به وقال الترمذي
حسن غريب ورواه الترمذي: عن سعيد بن عبد الرحمن، عن سفيان بن عيينة، عن
عمرو، عن عكرمة مرسلا.
ورواه الحافظ البيهقي من طريق أبي الحسن علي بن عبد العزيز البغوي، عن
الحسن بن الربيع، وشهاب بن عباد كلاهما عن داود بن
عبد الرحمن العطار فذكره.
وقال: الرابعة التي قرنها مع حجته ثم قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز:
ليس أحد يقول في هذا الحديث عن ابن عباس إلا داود بن عبد الرحمن ثم حكى
البيهقي عن البخاري أنه قال: داود بن عبد الرحمن صدوق إلا أنه ربما يهم
في الشئ.
وقد تقدم ما رواه البخاري من طريق ابن عباس عن عمر أنه قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول بوادي العقيق: أتاني آت من ربي فقال: صل
في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة.
فلعل هذا مستند ابن عباس فيما حكاه.
والله أعلم.
(5/153)
رواية عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما.
قد تقدم فيما رواه البخاري ومسلم: من طريق الليث، عن عقيل عن الزهري.
عن سالم، عن ابن عمر.
أنه قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهدى فساق
الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة
ثم أهل بالحج، وذكر تمام الحديث في عدم إحلاله بعد السعي.
فعلم كما قررناه أولا إنه عليه السلام لم يكن متمتعا التمتع الخاص
وإنما كان قارنا لانه حكى أنه عليه السلام لم يكن متمتعا اكتفى بطوف
واحد بين الصفا والمروة عن حجه وعمرته.
وهذا شأن القارن على مذهب الجمهور كما سيأتي بيانه والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو خيثمة، ثنا يحيى بن يمان، عن
سفيان، عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لاقرانه لم يحل
بينهما واشترى من الطريق - عني الهدي - وهذا إسناد جيد رجاله كلهم
ثقاة، إلا أن يحيى بن يمان وإن كان من رجال مسلم في أحاديثه عن الثوري
نكارة شديدة والله أعلم، ومما يرجح أن ابن عمر أراد بالافراد الذي رواه
إفراد أفعال الحج لا الافراد الخاص الذي يصير إليه أصحاب الشافعي وهو
الحج ثم الاعتمار بعده في بقية في الحجة قول الشافعي: أنبأنا مالك، عن
صدقة بن يسار عن ابن عمر.
أنه قال: لان أعتمر قبل الحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي
الحجة.
رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا يونس بن
الحارث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنما قرن
خشية أن يصد عن البيت، وقال: إن لم يكن حجة فعمرة وهذا حديث غريب سندا
ومتنا تفرد بروايته الامام أحمد.
وقد قال أحمد في يونس بن الحارث الثقفي هذا كان مضطرب الحديث وضعفه
وكذا ضعفه يحيى بن معين في رواية عنه والنسائي، وأما من حيث المتن
فقوله إنما قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يصد عن البيت فمن
الذي كان يصده عليه السلام عن البيت وقد أطد الله له (1) الاسلام وفتح
البلد الحرام وقد نودي برحاب منى أيام الموسم في العام الماضي أن لا
يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان وقد كان معه عليه السلام في
حجة الوداع قريب من أربعين ألفا فقوله: خشية أن يصد عن البيت، وما هذا
بأعجب من قول أمير المؤمنين عثمان لعلي بن أبي طالب حين قال له علي:
لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله فقال: أجل ولكنا كنا خائفين ولست
أدري على م يحمل هذا الخوف من أي جهة كان ؟ إلا أنه تضمن رواية الصحابي
لما رواه وحمله على معنى ظنه فما رواه صحيح مقبول وما اعتقده ليس
بمعصوم فيه فهو موقوف عليه وليس بحجة على غيره ولا يلزم منه رد الحديث
الذي رواه: هكذا قول عبد الله بن عمرو.
لو صح السند إليه.
والله أعلم.
رواية عمران بن حصين رضي الله عنه.
قال الامام أحمد: ثنا محمد بن جعفر وحجاج
__________
(1) أطد: ثبت.
(*)
(5/154)
قالا، ثنا
شعبة، عن حميد بن هلال سمعت مطرفا قال: قال لي عمران بن حصين: إني
محدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
جمع بين حجته وعمرته، ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل قرآن فيه يحرمه،
وأنه كان يسلم علي فلما اكتويت أمسك عني فلما تركته عاد إلي.
وقد رواه مسلم عن محمد بن المثنى، ومحمد بن يسار، عن غندر عن عبيد الله
بن معاذ عن أبيه، والنسائي عن محمد بن عبد الاعلى، عن خالد بن الحارث
ثلاثتهم عن شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف عن عمران به.
ورواه مسلم: من حديث شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف بن
عبد الله بن الشخير، عن عمران بن الحصين: أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم جمع
بين حج وعمرة الحديث.
قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني، حديث شعبة، عن حميد بن هلال، عن مطرف
صحيح، وأما حديثه عن قتادة عن مطرف فإنما رواه عن شعبة كذلك بقية بن
الوليد.
وقد رواه غندر وغيره عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قلت: وقد رواه أيضا النسائي في سننه: عن عمرو بن علي الفلاس، عن خالد
بن الحارث عن شعبة، وفي نسخة عن سعيد بدل شعبة عن قتادة عن مطرف، عن
عمران بن الحصين فذكره.
والله أعلم.
وثبت في الصحيحين: من حديث همام، عن قتادة، عن مطرف عن عمران بن الحصين
قال: تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم ينزل قرآن
يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواية الهرماس بن زياد الباهلي: قال عبد الله بن الامام أحمد: حدثنا
عبد الله بن عمران بن علي أبو محمد من أهل الري وكان أصله أصبهاني،
حدثنا يحيى بن الضريس.
حدثنا عكرمة بن عمار، عن الهرماس.
قال: كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعير وهو
يقول: " لبيك بحجة وعمرة معا " وهذا على شرط السنن ولم يخرجوه.
رواية حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر عن
حفصة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: مالك لم تحل من عمرتك ؟ قال:
" إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " وقد أخرجاه في الصحيحين
من حديث مالك وعبيد الله بن عمر زاد البخاري وموسى بن عقبة زاد مسلم
وابن جريج كلهم عن نافع عن ابن عمر به.
وفي لفظهما أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم
تحل أنت من عمرتك ؟ فقال: " إني قلدت هديي ولبدت (1) رأسي فلا أحل حتى
أنحر " وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا شعيب بن أبي حمزة.
قال قال نافع: كان عبد الله بن عمر يقول: أخبرتنا حفصة زوج النبي صلى
الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن
عام حجة الوداع.
فقالت له فلانة: ما يمنعك أن تحل.
قال: " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلست أحل حتى أنحر هديي " وقال أحمد
__________
(1) التلبيد: أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من الصمغ ليجتمع شعره لئل
يشعث في الاحرام.
ويقال: لبد الرجل إذا جمع شعره على رأسه ولطخه بالصمغ لئلا يقع فيه
القمل.
(*)
(5/155)
أيضا: حدثنا
يعقوب بن ابراهيم، حدثنا أبي، عن أبي إسحاق، حدثني نافع عن عبد الله بن
عمر بن حفصة بنت عمر.
أنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن
بعمرة.
قلنا: فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ؟ قال: " إني أهديت ولبدت
فلا أحل حتى أنحر هديي " ثم رواه أحمد: عن كثير بن هشام، عن جعفر بن
برقان، عن نافع، عن ابن عمر عن حفصة فذكره فهذا الحديث فيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان متلبسا بعمرة ولم يحل منها، وقد علم بما
تقدم من أحاديث الافراد أنه كان قد أهل بحج أيضا فدل مجموع ذلك أنه
قارن مع ما سلف من رواية من صرح بذلك.
والله أعلم.
رواية عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك عن ابن شهاب، عن عروة
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خرجنا مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي، فليهل بالحج مع
العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا، فقدمت مكة وأنا حائض فلم أطف
بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال انقضي (1) رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة.
ففعلت، فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد
الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت.
فقال: هذه مكان عمرتك.
قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم
حلوا، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج
والعمرة، فإنما طافوا طوافا واحدا (2).
وكذلك رواه مسلم عن حديث مالك، عن الزهري فذكره.
ثم رواه عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن عروة عن
عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع،
فأهللت بعمرة، ولم أكن سقت الهدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من كان معه هدي فليهل بالحج مع عمرته، لا يحل حتى يحل منهما جميعا وذكر
تمام الحديث كما تقدم.
والمقصود من إيراد هذا الحديث ههنا قوله صلى الله عليه وسلم من كان معه
هدي فليهل بحج وعمرة.
ومعلوم أنه عليه السلام قد كان معه هدي فهو أول وأولى من أئتمر
بهذا لان المخاطب داخل في عموم متعلق خطابه على الصحيح.
وأيضا فإنها قالت: وأما الذين جمعوا الحج والعمرة، فإنما طافوا طوافا
واحدا يعني بين الصفا والمروة.
وقد روى مسلم عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما طاف بين
الصفا والمروة طوافا واحدا، فعلم من هذا أنه كان قد جمع بين الحج
والعمرة.
وقد روى مسلم من حديث حماد بن زيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه
عن عائشة قالت: فكان الهدي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
وذوي اليسار، وأيضا فإنها ذكرت أن
__________
(1) انقضي رأسك: قال ابن حجر: يحتمل أن يكون لاجل الغسل لتهل بالحج،
لاسيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر، وأما الامتشاط فلعل المراد
به تسريحها شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شئ ثم تضفره كما كان.
(2) فتح الباري - كتاب الحج - الحديث: 1556.
(*)
(5/156)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم لم يتحلل من النسكين فلم يكن متمتعا وذكرت أنها سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمرها من التنعيم.
وقالت: يا رسول الله ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج، فبعثها مع أخيها
عبد الرحمن بن أبي بكر فأعمرها من التنعيم، ولم يذكر أنه عليه السلام
اعتمر بعد حجته فلم يكن مفردا.
فعلم أنه كان قارنا لانه كان باتفاق الناس قد اعتمر في حجة الوداع.
والله أعلم.
وقد تقدم ما رواه الحافظ البيهقي: من طريق يزيد بن هارون، عن زكريا بن
أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب أنه قال: اعتمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
ثلاث عمر كلهن في ذي القعدة فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عمر
بعمرته التي حج معها.
وقال البيهقي: في الخلافيات.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا أبو محمد بن حبان الاصبهاني،
أنبأنا إبراهيم بن شريك، أنبأنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا أبو
إسحاق، عن مجاهد قال: سئل ابن عمر كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؟ فقال مرتين.
فقالت عائشة لقد علم ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر
ثلاثا سوى العمرة التي قرنها مع حجة الوداع.
ثم قال البيهقي: وهذا إسناد لا بأس به لكن فيه إرسال - مجاهد لم يسمع
من عائشة في قول بعض المحدثين.
قلت كان شعبة ينكره، وأما
البخاري ومسلم فإنهما أثبتاه والله أعلم.
وقد روي من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر، وعروة بن الزبير
وغير واحد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه الهدي عام
حجة الوداع وفي إعمارها من التنعيم ومصادقتها له منهبطا على أهل مكة
وبيتوته بالمحصب حتى صلى الصبح بمكة، ثم رجع إلى المدينة.
وهذا كله مما يدل على أنه عليه السلام لم يعتمر بعد حجته تلك ولم أعلم
أحدا من الصحابة نقله.
ومعلوم أنه لم يتحلل بين النسكين، ولا روى أحد أنه عليه السلام بعد
طوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة حلق ولا قصر ولا تحلل بل استمر
على إحرامه باتفاق، ولم ينقل أنه أهل بحج لما سار إلى منى فعلم أنه لم
يكن متمتعا.
وقد اتفقوا على أنه عليه السلام اعتمر عام حجة الوداع، فلم يتحلل بين
النسكين ولا أنشأ إحراما للحج ولا اعتمر بعد الحج فلزم القران، وهذا
مما يعسر الجواب عنه والله أعلم.
وأيضا فإن رواية القران مثبتة لما سكت عنه أو نفاه من روى الافراد
والتمتع فهي مقدمة عليها كما هو مقرر في علم الاصول.
وعن أبي عمران أنه حج مع مع مواليه.
قال: فأتيت أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين إني لم احج قط، فأيهما أبدأ
بالعمرة أم بالحج ؟ قالت: ابدأ بأيهما شئت.
قال: ثم أتيت صفية أم المؤمنين فسألتها فقالت: لي مثل ما قالت لي، ثم
جئت أم سلمة فأخبرتها بقول صفية فقالت لي أم سلمة: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة.
رواه ابن حبان في صحيحه وقد رواه ابن حزم في حجة الوداع من حديث الليث
بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم، عن أبي عمران عن أم سلمة به.
فصل إن قيل: قد رويتم عن جماعة من
الصحابة أنه عليه السلام أفرد الحج ثم رويتم عن هؤلاء
(5/157)
بأعيانهم وعن
غيرهم أنه جمع بين الحج والعمرة فما الجمع من ذلك.
فالجواب: أن رواية من روى أنه أفرد الحج محمولة على أنه أفرد أفعال
الحج، ودخلت العمرة فيه نية وفعلا ووقتا وهذا يدل على أنه اكتفى بطواف
الحج، وسعيه عنه وعنها كما هو مذهب الجمهور في القارن خلافا لابي حنيفة
رحمه الله حيث ذهب إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين واعتمد على
ما روي في ذلك عن علي بن أبي طالب وفي الاسناد إليه نظر.
وأما من روى التمتع ثم روى القران فقد قدمنا الجواب عن ذلك بأن التمتع
في كلام السلف أعم من التمتع الخاص والقران بل ويطلقونه على الاعتمار
في أشهر الحج وإن لم يكن معه حج.
كما قال سعد بن أبي وقاص: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا
- يعني معاوية - يومئذ كافر بالعرش - يعني بمكة - وإنما يريد بهذا إحدى
العمرتين، إما الحديبية أو القضاء.
فأما عمرة الجعرانة فقد كان معاوية قد أسلم لانها كانت بعد الفتح وحجة
الوداع بعد ذلك سنة عشر وهذا بين واضح والله أعلم.
فصل إن قيل: فما جوابها عن الحديث
الذي رواه أبو داود الطيالسي في مسنده.
حدثنا هشام عن قتادة عن أبي سيح الهنائي (1)، واسمه صفوان بن خالد، أن
معاوية قال لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعلمون أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صفف (2) النمور قالوا: اللهم نعم
! قال.
وأنا أشهد قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس
الذهب إلا مقطعا (3) قالوا: اللهم نعم ! قال: أتعلمون أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهى أن يقرن بين الحج والعمرة قالوا: اللهم لا ! قال:
والله إنها لمعهن.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان ثنا همام، عن قتادة، عن أبي سيح الهنائي
قال: كنت في ملاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند معاوية
فقال معاوية: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن جلود النمور أن يركب عليها قالوا: اللهم نعم ! قال: وتعلمون أنه
نهى عن لباس الذهب إلا مقطعا قالوا: اللهم نعم ! قال: وتعلمون أنه نهى
عن الشرب في آنية الذهب والفضة قالوا: اللهم نعم ! قال: وتعلمون أنه
نهى عن المتعة - يعني متعة الحج - قالوا: اللهم لا ! وقال أحمد: ثنا
محمد بن جعفر، ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي سيح الهنائي أنه شهد معاوية
وعنده جمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم معاوية: أتعلمون
أن رسول الله نهى عن ركوب جلود النمور قالوا: نعم ! قال: تعلمون أن
رسول الله نهى عن لبس الحرير ؟ قالوا: اللهم نعم ! قال: أتعلمون أن
رسول الله نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة ؟ قالوا: اللهم
نعم ! قال أتعلمون أن رسول الله نهى عن جمع بين حج وعمرة ؟ قالوا:
اللهم لا ! قال فو الله إنها
__________
(1) في المشتبه: 1 / 279: السبائي.
(2) الصفف: جمع صفة وهي ما يفرش تحت السرج.
(3) المقطع: الشئ اليسير منه كالحلقة (عن النهاية).
(*)
(5/158)
لمعهن.
وكذا رواه حماد بن سلمة، عن قتادة وزاد ولكنكم نسيتم، وكذا رواه أشعث
بن نزار وسعيد بن أبي عروبة وهمام عن قتادة بأصله.
ورواه مطر الوراق، وبهيس بن فهدان عن أبي سيح في متعة الحج.
فقد رواه أبو داود، والنسائي من طرق عن أبي سيح الهنائي به وهو حديث
جيد الاسناد.
ويستغرب منه رواية معاوية رضي الله عنه النهي عن الجمع بين الحج
والعمرة ولعل أصل الحديث النهي عن المتعة، فاعتقد الراوي أنها متعة
الحج، وإنما هي متعة النساء، ولك يكن عند أولئك الصحابة رواية في النهي
عنها أو لعل النهي عن الاقران في التمر كما في حديث ابن عمر فاعتقد
الراوي أن المراد القران في الحج وليس كذلك أو لعل معاوية رضي الله عنه
قال إنما قال أتعلمون أنه نهي عن كذا فبناه بما لم يسم فاعله فصرح
الراوي بالرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووهم في ذلك فإن الذي كان
ينهى عن متعة الحج، إنما هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن نهيه
عن ذلك على وجه التحريم والحتم كما قدمنا، وانما كان ينهى عنها لتفرد
عن الحج، بسفر آخر ليكثر زيارة البيت، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم
يهابونه كثيرا، فلا يتجاسرون على مخالفته غالبا وكان ابنه عبد الله
يخالفه، فيقال له: إن أباك كان ينهى عنها، فيقول لقد خشيت أن يقع عليكم
حجارة من السماء قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أفسنة رسول
الله تتبع أم سنة عمر بن الخطاب، وكذلك كان عثمان بن عفان رضي الله عنه
ينهى عنها، وخالفه علي بن أبي طالب كما تقدم.
وقال لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس.
وقال عمران بن حصين: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم
ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات
أخرجاه في الصحيحين.
وفي صحيح مسلم عن سعد: أنه أنكر على معاوية إنكاره المتعة، وقال: قد
فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا
يومئذ كافر بالعرش يعني معاوية أنه كان حين فعلوها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم كافرا بمكة يومئذ.
قلت: وقد تقدم أنه عليه السلام حج قارنا بما ذكرناه من الاحاديث
الواردة في ذلك، ولم يكن بين حجة الوداع وبين وفاة رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحد وثمانون يوما وقد شهد الحجة ما ينيف عن أربعين ألف صحابي
قولا منه وفعلا فلو كان قد نهى عن القران في الحج الذي شهده منه الناس
لم ينفرد به واحد من الصحابة ويرده عليه جماعة منهم ممن سمع منه ولم
يسمع، فهذا كله مما يدل على أن هذا هكذا ليس محفوظا عن معاوية رضي الله
عنه والله أعلم.
وقال أبو داود ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني حيوة أخبرني أبو
عيسى الخراساني، عن عبد الله بن القاسم خراساني، عن سعيد بن المسيب أن
رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة
قبل الحج وهذا الاسناد لا يخلو عن نظر.
ثم إن كان هذا الصحابي عن معاوية فقد تقدم الكلام على ذلك ولكن في هذا
النهي عن المتعة لا القران.
وان كان في غيره فهو مشكل في الجملة لكن لا على القران.
والله أعلم.
ذكر مستند من قال: أنه عليه الصلاة والسلام
أطلق الاحرام ولم يعين حجا، ولا عمرة أولا.
ثم بعد ذلك صرفه إلى معين.
وقد حكي عن الشافعي أنه الافضل إلا أنه قول ضعيف.
(5/159)
قال الشافعي
رحمه الله: أنبأنا سفيان، أنبأنا ابن طاوس، وابراهيم بن ميسرة، وهشام
بن حجير سمعوا طاوسا يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المدينة لا يسمي حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين
الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم من أهل بالحج ولم يكن معه هدي
أن يجعلها عمرة.
وقال: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي ولكن لبدت رأسي
وسقت هديي، فليس لي محل إلا محل هديي، فقام إليه سراقة بن مالك فقال:
يا رسول الله أقض لنا قضاء كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا
أم للابد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بل للابد دخلت العمرة في الحج
إلى يوم القيامة " قال: فدخل علي من اليمن فسأله النبي صلى الله عليه
وسلم بم أهللت ؟ فقال أحدهما: لبيك إهلال النبي صلى الله عليه وسلم،.
وقال الآخر: لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم
وهذا مرسل طاوس وفيه غرابة.
وقاعدة الشافعي رحمه الله أنه لا يقبل المرسل بمجرده حتى يعتضد بغيره.
اللهم إلا أن يكون عن كبار التابعين كما عول عليه كلامه في الرسالة،
لان الغالب أنهم لا يرسلون إلا عن الصحابة.
والله أعلم.
وهذا المرسل ليس من هذا القبيل بل هو مخالف للاحاديث المتقدمة كلها،
أحاديث الافراد، وأحاديث التمتع، وأحاديث القران وهي مسندة صحيحة.
كما تقدم فهي مقدمة عليه ولانها مثبتة أمرا نفاه هذا المرسل والمثبت
مقدم على النافي لو تكافئا.
فكيف والمسند صحيح والمرسل من حيث لا ينهض حجة لانقطاع سنده والله
تعالى أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو
العباس الاصم، حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا محاضر، حدثنا الاعمش،
عن ابراهيم عن الاسود عن عائشة.
قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجا ولا عمرة
فلما قدمنا أمرنا أن نحل فلما كانت ليلة النفر حاضت صفية بنت حيي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " حلقى عقرى " (1) ما أراها إلا
حابستكم.
قال: هل كنت طفت يوم النحر ؟ قالت: نعم ! قال: فانفري.
قالت قلت: يا رسول الله إني لم أكن أهللت قال: " فاعتمري من التنعيم "
قال فخرج معها أخوها.
قالت: فلقينا مدلجا فقال: موعدكن كذا وكذا.
هكذا رواه البيهقي.
وقد رواه البخاري: عن محمد، قيل هو ابن يحيى الذهلي، عن محاضر بن
المورع به إلا أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر
إلا الحج وهذا أشبه بأحاديثها المتقدمة لكن روى مسلم عن سويد بن سعيد،
عن علي بن مسهر، عن الاعمش عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة قالت: خرجنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر حجا ولا عمرة.
وقد أخرجه البخاري ومسلم: من حديث منصور، عن ابراهيم، عن الاسود عنها.
قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنه الحج
وهذا أصح وأثبت.
والله أعلم.
وفي
__________
(1) عقرى حلقى: قال النووي: هكذا يرويه المحدثون بالالف التي هي ألف
التأنيث ويكتبونه بالياء ولا ينونونه.
قال أبو عبيد: معنى عقرى: عقرها الله تعالى، يعني عقر جسدها وأصابها
بوجع في حلقها.
وقال: إنما هو عقرا وحلقا وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشئ من
غير إرادة وقوعه، وعقرى تجئ نعتا وهي لا تجوز في الدعاء.
(*)
(5/160)
رواية لها من
هذا الوجه خرجنا نلبي، ولا نذكر حجا ولا عمرة وهو محمول على أنهم لا
يذكرون ذلك من التلبية وإن كانوا قد سموه حال الاحرام كما في حديث أنس
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لبيك اللهم حجا وعمرة ".
وقال أنس: وسمعتهم يصرخون بهما جميعا.
فأما الحديث الذي رواه مسلم من حديث داود بن أبي هند، عن أبي نضرة عن
جابر وأبي سعيد الخدري.
قالا: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا
فإنه حديث مشكل على هذا.
والله أعلم.
ذكر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الشافعي: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن تلبية رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك اللهم لبيك.
لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك لك لا شريك لك "
وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لك وسعديك، والخير في يديك لبيك،
والرغباء إليك والعمل.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن
مالك به.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن عباد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن موسى بن عقبة،
عن سالم بن عبد الله بن عمر، [ و ] عن نافع مولى عبد الله بن عمرو
وحمزة بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم: كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل،
فقال: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك،
والملك لك لا شريك لك ".
قالوا: وكان عبد الله يقول: [ هذه ] (1) تلبية رسول الله.
قال نافع: وكان عبد الله يزيد مع هذا: لبيك لبيك لبيك، وسعديك والخير
بيديك [ لبيك ] والرغباء إليك والعمل.
حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن [ عبيد الله ] (2)
أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: تلقفت التلبية، من [ في ] رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكر بمثل حديثهم.
حدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب.
قال: [ فإن ] (3) سالم بن عبد الله بن عمر: أخبرني عن أبيه.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا (4) يقول: " لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك لك " لا يزيد على هؤلاء الكلمات وان عبد
الله بن عمر كان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي
الحليفة ركعتين، فإذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل
بهؤلاء الكلمات.
وقال عبد الله بن عمر: كان عمر بن الخطاب يهل باهلال النبي صلى الله
عليه وسلم من هؤلاء الكلمات وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، وسعديك والخير
في يديك لبيك والرغباء إليك
__________
(1) من مسلم، وفي الاصل: في.
(2) من مسلم: وفي الاصل عبد الله.
(3) من مسلم، وفي الاصل: قال.
(4) من مسلم، وفي الاصل ملبيا.
(*)
(5/161)
والعمل (1).
هذا لفظ مسلم.
وفي حديث جابر من التلبية كما في حديث ابن عمر وسيأتي مطولا قريبا رواه
مسلم منفردا به.
وقال البخاري بعد إيراده من طريق مالك، عن نافع عن ابن عمر ما تقدم:
حدثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عمارة، عن أبي عطية عن
عائشة.
قالت: إني لاعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي: " لبيك اللهم
لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك " تابعه أبو معاوية
عن الاعمش وقال شعبة: أخبرنا سليمان، سمعت خيثمة عن أبي عطية سمعت
عائشة.
تفرد به البخاري.
وقد رواه الامام أحمد: عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن
سليمان بن مهران الاعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عطية الوادي، عن
عائشة فذكر مثل ما رواه البخاري سواء ورواه أحمد: عن أبي معاوية، وعبد
الله بن نمير عن الاعمش كما ذكره البخاري سواء ورواه أيضا عن محمد بن
جعفر وروح بن عبادة، عن شعبة، عن سليمان بن مهران الاعمش به كما ذكره
البخاري وكذلك رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة سواء.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الاعمش، عن عمارة بن
عمير، عن أبي عطية.
قال قالت عائشة: إني لاعلم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي.
قال: ثم سمعتها تلبي.
فقالت: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك
لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك.
فزاد في هذا السياق وحده والملك لا شريك لك.
وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أنبأنا الاصم، ثنا محمد بن عبد الله بن
عبد الحكم، أنبأنا ابن وهب: أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي
سلمة، أن عبد الله بن الفضل، حدثه عن عبد الرحمن الاعرج، عن أبي هريرة
أنه قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لبيك إله الحق
".
وقد رواه النسائي عن قتيبة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد العزيز بن
أبي سلمة.
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، كلاهما عن وكيع عن عبد
العزيز به.
قال النسائي: ولا أعلم أحدا أسنده عن عبد الله بن الفضل إلا عبد
العزيز.
ورواه إسماعيل بن أمية مرسلا.
وقال الشافعي أنبأنا سعيد بن سالم القداح، عن ابن جريج، أخبرني حميد
الاعرج عن مجاهد أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر التلبية
لبيك اللهم لبيك فذكر التلبية.
قال حتى إذا كان ذات يوم والناس يصرفون عنه كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد
فيها: لبيك إن العيش عيش الآخرة.
قال ابن جريج وحسبت أن ذلك يوم عرفة.
هذا مرسل من هذا الوجه.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا عبد الله الحافظ، أخبرني أبو
أحمد يوسف بن محمد بن محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا
نصر بن علي الجهضمي، ثنا محبوب بن الحسن، ثنا داود، عن عكرمة عن ابن
عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات فلما قال: لبيك اللهم
لبيك.
قال: إنما الخير خير الآخرة.
وهذا إسناد غريب وإسناده على شرط السنن ولم يخرجوه.
__________
(1) الاحاديث أخرجها مسلم في صحيحه - شرح النووي - كتاب الحج - باب
التلبية وصفاتها 8 / 87.
وما بين معكوفتين زيادات استدركت من صحيح مسلم.
(*)
(5/162)
وقال الامام
أحمد: حدثنا روح، ثنا أسامة بن زيد، حدثني عبد الله بن أبي لبيد، عن
المطلب بن عبد الله بن حنطب، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمرني جبرائيل برفع الصوت في الاهلال فإنه من شعائر
الحج.
تفرد به أحمد.
وقد رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن
عبد الله بن عمرو بن عثمان، وعبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب، عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقد قال عبد الرزاق:
أخبرنا الثوري، عن ابن أبي لبيد، عن المطلب بن حنطب، عن خلاد، عن
السائب، عن زيد بن خالد قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج.
وكذا رواه ابن ماجه: عن علي بن محمد، عن وكيع عن الثوري به.
وكذلك رواه شعبة وموسى بن عقبة عن عبد الله بن أبي لبيد به.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا سليمان، عن عبد الله بن أبي لبيد،
عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن خلاد بن السائب، عن زيد بن خالد
الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جاءني جبرائيل فقال:
يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي في كتابه الاطراف: وقد رواه معاوية عن هشام
وقبيصة عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن المطلب، عن خلاد
بن السائب، عن أبيه عن زيد بن خالد به.
وقال أحمد: ثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك
بن أبي بكر بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن السائب بن خلاد، عن أبيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبرائيل فقال: مر أصحابك فليرفعوا
أصواتهم بالاهلال.
وقال أحمد: قرأت على عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك، وحدثنا روح: ثنا
مالك يعني ابن أنس، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن
عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن خلاد بن
السائب الانصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني
جبرائيل فأمرني أن آمر أصحابي - أو من معي - أن يرفعوا أصواتهم
بالتلبية أو بالاهلال - يريد أحدهما وكذلك رواه الشافعي عن مالك ورواه
أبو داود عن القعنبي عن مالك به.
ورواه الامام أحمد أيضا: من حديث ابن جريج والترمذي والنسائي وابن ماجه
من حديث سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر به.
وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحافظ البيهقي ورواه ابن جريج قال: كتب إلى عبد الله بن أبي بكر
فذكره ولم يذكر أبا خلاد في إسناده قال والصحيح رواية مالك وسفيان بن
عيينة عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الملك، عن خلاد بن السائب، عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك
قال البخاري وغيره كذا قال.
وقد قال الامام أحمد في مسنده: حدثنا السائب بن خلاد بن سويد أبي سهلة
الانصاري، ثنا محمد بن بكر، أنبأنا ابن جريج.
وثنا روح ثنا ابن جريج قال: كتب إلى عبد الله بن أبي بكر محمد بن عمرو
بن حزم، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن
خلاد بن السائب الانصاري، عن أبيه السائب بن خلاد.
أنه سمع
(5/163)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: أتاني جبرائيل فقال إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك
أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية والاهلال.
وقال روح بالتلبية أو الاهلال.
قال: لا أدري أينا وهل أنا أو عبد الله أو خلاد في الاهلال أو التلبية
هذا لفظ أحمد في مسنده.
وكذلك ذكر شيخنا في أطرافه عن ابن جريج كرواية مالك وسفيان بن عيينة.
فالله أعلم.
فصل في إيراد حديث جابر بن عبد الله رضي
الله عنه في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحده منسك
مستقل رأينا أن إيراده ههنا أنسب لتضمنه التلبية وغيرها كما سلف، وما
سيأتي فنورد طرقه وألفاظه ثم نتبعه بشواهده من الاحاديث الواردة في
معناه وبالله المستعان.
قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا جعفر بن محمد حدثني أبي.
قال: أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة، فسألناه عن حجة رسول
الله صلى الله عليه وسلم فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث
في المدينة تسع سنين لم يحج، ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حاج في هذا العام.
قال: فنزل المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله
عليه وسلم ويفعل ما يفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس (1)
بقين من ذي القعدة، وخرجنا معه حتى إذا أتى ذا الحليفة نفست أسماء بنة
عميس بمحمد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف
أصنع قال: اغتسلي ثم استثفري بثوب (2) ثم أهلي فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم
لبيك.
لبيك لا شريك لك لبيك.
إن الحمد والنعمة لك.
والملك، لا شريك لك.
ولبى الناس والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله
عليه وسلم يسمع فلم يقل لهم شيئا فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم من
راكب وماش ومن خلفه كذلك وعن يمينه مثل ذلك وعن شماله مثل ذلك.
قال جابر: ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا عليه ينزل القرآن،
وهو يعرف تأويله وما عمل به من شئ عملناه، فخرجنا لا ننوي إلا الحج،
حتى إذا أتينا الكعبة فاستلم نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجر الاسود
ثم رمل ثلاثة، ومشى أربعة حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم، فصلى خلفه
ركعتين ثم قرأ * (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) * [ البقرة: 125 ].
قال أحمد: وقال أبو عبد الله - يعني جعفرا - فقرأ فيهما بالتوحيد وقل
يا أيها الكافرون، ثم استلم الحجر وخرج إلى الصفا ثم قرأ * (إن الصفا
والمروة من شعائر الله) *.
[ البقرة: 158 ] ثم قال: نبدأ بما بدأ الله به فرقي على الصفا حتى إذا
__________
(1) في المسند: لعشر، وقد تقدم أنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة،
والارجح أنه يوم السبت كما قال الواقدي ولم يوقت مسلم خروجه.
(2) في المسند: واستذفري.
والاستثفار هو أن تشد في وسطها شدا، وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل
الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها، في ذلك المشدود في وسطها، وهو
شبيه بثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها.
(*)
(5/164)
نظر إلى البيت
كبر.
ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، [ له ] الملك وله الحمد، وهو
على كل شئ قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده وصدق وعده وهزم - أو
غلب - الاحزاب وحده.
ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي
رمل، حتى إذا صعد مشى حتى إذا أتى المروة فرقي عليها حتى نظر إلى البيت
فقال عليها كما قال على الصفا، فلما كان السابع عند المروة.
قال: يا أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لم أسق الهدي
ولجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل وليجعلها عمرة.
فحل الناس كلهم فقال سراقة بن مالك بن جعشم وهو في أسفل الوادي: يا
رسول الله ألعامنا هذا أم للابد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم
أصابعه فقال: للابد.
ثلاث مرات.
ثم قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
قال: وقد علي من اليمن بهدي وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه من
هدي المدينة هديا فإذا فاطمة قد حلت
ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها فقالت: أمرني به أبي.
قال: قال علي بالكوفة: قال جعفر قال إلى هذا الحرف لم يذكره جابر.
فذهبت محرشا (1) أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت
فاطمة.
قلت: إن فاطمة لبست ثيابا صبيغا واكتحلت وقالت أمرني أبي.
قال: صدقت صدقت أنا أمرتها به.
وقال جابر وقال لعلي بم أهللت ؟ قال قلت: اللهم إني أهل بما أهل به
رسولك.
قال: ومعي الهدي، قال: فلا تحل.
قال: وكان جماعة الهدي الذي أتى به علي من اليمن، والذي أتى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم مائة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده
ثلاثا وستين، ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل
بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحرت ههنا ومنى كلها منحر،
ووقف بعرفة فقال: وقفت ههنا.
وعرفة كلها موقف ووقف بالمزدلفة.
وقال وقفت ههنا.
والمزدلفة كلها موقف.
هكذا أورد الامام أحمد هذا الحديث وقد اختصر آخره جدا (2).
ورواه الامام مسلم بن الحجاج في المناسك من صحيحه عن أبي بكر بن أبي
شيبة، وإسحاق بن ابراهيم كلاهما عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جابر بن عبد الله
فذكره.
وقد أعلمنا على الزيادات المتفاوتة من سياق أحمد ومسلم إلى قوله عليه
السلام لعلي صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحج.
قال قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك صلى الله عليه وسلم.
قال: فإن معي الهدي.
قال: فلا تحل قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي
أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة.
قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه
هدي، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية
__________
(1) محرشا: قال النووي: التحريش الاغراء، والمراد هنا أن يذكر له ما
يقتضي عتابها.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 320 - 321.
(*)
(5/165)
له من شعر،
فضربت له بنمرة (1) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش
إلا أنه واقف عند المشعر
الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا
زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له [ فركب ] (2) فأتى بطن الوادي، فخطب
الناس.
وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في
بلدكم هذا، ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية
موضوعة.
وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن (3) ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في
بني سعد فقتلته هذيل.
ورباء الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه من ربانا ربا العباس بن عبد
المطلب، فإنه موضوع كله واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة
الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحدا
تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن
وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب
الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت
ونصحت وأديت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس، اللهم اشهد
اللهم اشهد ثلاث مرات.
ثم أذن [ بلال ] (4) ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل
بينهما شيئا ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل
بطن ناقته القصوى إلى الصخرات (5) وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل
القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا، حتى غاب
القرص وأردف أسامة بن زيد خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
شنق للقصواء الزمام، حتى أن رأسها لتصيب مورك (6) رحله ويقول بيده
اليمنى.
أيها الناس السكينة السكينة.
كلما أتى جبلا (7) من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة
فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حتى تبين له
الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل
القبلة فدعا فحمد الله وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا
ودفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر
أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت ظعن بجرين، فطفق
__________
(1) نمرة: بفتح النون وكسر الميم - وهي موضع بجنب عرفات وليست من
عرفات.
(2) من رواية جابر في البيهقي.
(3) قال السهيلي: واسمه آدم.
قال الدارقطني وهو تصحيف قال النووي اسمه إياس وقيل حارثة وقيل اسمه
تمام.
قال الزبير بن بكار: آدم وكان طفلا صغيرا يحبو بين البيوت فأصابه حجر
في حرب كانت بين بني سعد وبني ليث بن بكر.
(4) من دلائل البيهقي.
(5) وهي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي بوسط أرض
عرفات.
(6) مورك: قال أبو عبيد: المورك والموركة الموضع الذي يثني الراجب رجله
عليه قدام واسطة الرحل.
(7) في مسلم: حبلا من الحبال.
والحبل: التل اللطيف من الرمل الضخم.
(*)
(5/166)
الفضل ينظر
إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل
يده إلى الشق الآخر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق
الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى إذا أتى بطن
محسر، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى،
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة
منها حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثا
وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة
ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها، ثم ركب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد
المطلب، وهم يستقون على زمزم فقال: أنزعوا بني عبد المطلب فلولا أن
يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم.
فناولوه دلوا فشرب منه (1).
ثم رواه مسلم: عن عمر بن حفص.
عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فذكره بنحوه.
وذكر قصة أبي سيارة (2) وأنه كان يدفع بأهل الجاهلية على حمار عرى وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا
في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف.
وقد رواه أبو داود بطوله عن النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار
وسليمان بن عبد الرحمن وربما زاد بعضهم على
بعض الكلمة والشئ أربعتهم عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بنحو من رواية
مسلم وقد رمزنا لبعض زياداته عليه ورواه أبو داود أيضا والنسائي عن
يعقوب بن ابراهيم عن يحيى بن سعيد القطان عن جعفر به.
ورواه النسائي أيضا عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد ببعضه عن
إبراهيم بن هارون البلخي: عن حاتم بن إسماعيل ببعضه.
ذكر الاماكن التي صلى فيها صلى الله عليه
وسلم وهو ذاهب من المدينة إلى مكة في عمرته وحجته
قال البخاري (3) - باب المساجد التي على طريق المدينة والمواضع التي
صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم - حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي،
قال: ثنا فضيل بن سليمان، قال: ثنا موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبد
الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها،
وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الامكنة.
وحدثني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي في تلك الامكنة.
وسألت سالما فلا أعلمه إلا وافق نافعا في الامكنة كلها إلا أنهما
__________
(1) صحيح مسلم - كتاب الحج (19) باب حجة النبي صلى الله عليه وآله
الحديث 147 ص 886 - 892.
وشرح النووي ج 8 / 170 - 195.
(2) من صحيح مسلم، وفي الاصل أبي سنان تحريف.
(3) في كتاب الصلاة 89 باب الحديث 483 وما بعده فتح الباري ج 1 / 567.
(*)
(5/167)
اختلفا في مسجد
بشرف الروحاء (1).
قال: حدثنا ابراهيم بن المنذر، ثنا أنس بن عياض، قال: ثنا موسى بن
عقبة، عن نافع أن عبد الله أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
ينزل بذي الحليفة حين يعتمر وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد
الذي بذي الحليفة.
وكان إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق أو في حج أو عمرة هبط من بطن
واد فإذا ظهر من بطن واد أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية
فعرس (2) ثم حتى يصبح، ليس عند المسجد الذي بحجارة ولا على الاكمة التي
عليها المسجد، كان ثم خليج يصلي عبد الله عنده في بطنه كثب كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي، فدحى السيل فيه بالبطحاء حتى
دفن ذلك المكان الذي كان عبد الله يصلي فيه، وأن عبد الله بن عمر حدثه
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حيث المسجد الصغير الذي دون المسجد
الذي بشرف الروحاء، وقد كان عبد الله يعلم المكان الذي كان صلى فيه
النبي صلى الله عليه وسلم يقول، ثم عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلي،
وذلك المسجد على حافة الطريق اليمنى، وأنت ذاهب إلى مكة بينه وبين
المسجد الاكبر رمية بحجر أو نحو ذلك، وان ابن عمر كان يصلي إلى العرق
(3) الذي عند منصرف الروحاء، وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق
دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتنى ثم
مسجد فلم يكن عبد الله يصلي في ذلك المسجد، كان يتركه عن يساره ووراءه
ويصلي أمامه إلى العرق نفسه، وكان عبد الله يروح من الروحاء فلا يصلي
الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلي فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة فإن مر
به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر عرس حتى يصلي بها الصبح، وأن عبد
الله حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون
الرويثة (4) عن يمين الطريق ووجاه الطريق في مكان بطح سهل حتى يفضي من
أكمة دوين بريد الرويثة بميلين وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها وهي
قائمة على ساق وفي ساقها كثب كثيرة.
وان عبد الله بن عمر حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في طرف تلعة
من وراء العرج (5) وأنت ذاهب إلى هضبة عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة
على القبور رضم من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق، بين أولئك
السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة فيصلي
الظهر في ذلك المسجد.
وان عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عند
سرحات عن يسار الطريق في مسيل دون هرشى، ذلك المسيل لاصق بكراع هرشى
(6) بينه وبين الطريق قريب من غلوة، وكان عبد الله يصلي إلى سرحة هي
أقرب السرحات إلى الطريق
__________
(1) شرف الروحاء: قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيالة
للمتوجه إلى مكة.
(2) عرس: قال الخطابي التعريس: نزول استراحة لغير إقامة، وأكثر ما يكون
في آخر الليل.
(3) العرق: قال أبو عبيد البكري: هو عرق الظبية.
(4) الرويثة: قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخا.
(5) العرج: بسكون الراء: قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو
أربعة عشر ميلا.
(6) هرشى: جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب الجحفة، وكراع هرشى
طرفها (قاله البكري).
(*)
(5/168)
وهي أطولهن.
وان عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل في
المسيل الذي في أدنى مر الظهران قبل المدينة حين يهبط من الصفراوات (1)
ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة ليس بين منزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إلا رمية بحجر، وأن عبد الله
بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طوى ويبيت
حتى يصبح يصلي الصبح حين يقدم مكة ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذلك على أكمة غليظة ليس في المسجد الذي بني ثم ولكن أسفل من ذلك على
أكمة غليظة.
وأن عبد الله حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل فرضتي الجبل
الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة فجعل المسجد الذي بني ثم يسار
المسجد بطرف الاكمة ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم أسفل منه على
الاكمة السوداء تدع من الاكمة عشرة أذرع أو نحوها ثم تصلي مستقبل
الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة.
تفرد البخاري رحمه الله بهذا الحديث بطوله وسياقه إلا أن مسلما روى منه
عند قوله في آخره: وأن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان ينزل بذي طوى إلى آخر الحديث عن محمد بن إسحاق المسيبي
عن أنس بن عياض.
عن موسى بن عقبة، عن نافع.
عن ابن عمر فذكره.
وقد رواه الامام أحمد بطوله عن أبي قرة موشى بن طارق، عن موسى بن عقبة،
عن نافع عن ابن عمر به نحوه.
وهذه الاماكن لا يعرف اليوم كثير منها أو أكثرها لانه قد غير أسماء
أكثر هذه البقاع اليوم عند هؤلاء الاعراب الذين هناك فإن الجهل قد غلب
على أكثرهم (2).
وإنما أوردها البخاري رحمه الله في كتابه لعل أحدا يهتدي إليها بالتأمل
والتفرس والتوسم أو لعل أكثرها أو كثيرا منها كان معلوما في زمان
البخاري.
والله تعالى أعلم. |