البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
قصة سقيفة بني ساعدة
قال الامام أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى الطباع، ثنا مالك بن أنس: حدثني
ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره
أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى
رحله - قال ابن عباس وكنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف فوجدني وأنا أنتظره -
وذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب فقال عبد الرحمن بن عوف: إن
رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا
فقال عمر: إني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط
الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.
قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع
الناس وغوغاءهم وأنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس، فأخشى
أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها ولا يضعوها مواضعها ولكن حتى
تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم
فتقول ما قلت متمكنا فيعون مقالتك ويضعوها مواضعها.
قال عمر: لئن قدمت المدينة صالحا لاكلمن بها الناس في أول مقام أقومه
فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة وكان يوم الجمعة عجلت الرواح صكة
الاعمى قلت
(5/265)
لمالك: وما صكة
الاعمى (1) ؟ قال إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد أو نحو
هذا.
فوجدت سعيد بن زيد، عند ركن المنبر الايمن قد سبقني فجلست حذاءه تحك
ركبتي ركبته فلم أنشب أن طلع عمر فلما رأيته قلت: ليقولن العشية على
هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله.
قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد ؟
فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام: فأثنى على الله بما هو أهله
ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قائل مقالة وقد قدر لي أن أقولها لا
أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به
راحلته، ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي، إن الله بعث محمدا بالحق
وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها
وعقلناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال
بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك
فريضة قد أنزلها الله عز وجل، فالرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا
أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ألا
وإنا قد كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن
آبائكم، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري
عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد
الله ورسوله.
وقد بلغني أن قائلا منكم يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن
امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة (2) فتمت ألا وأنها كانت كذلك
إلا إن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الاعناق مثل أبي
بكر، وأنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عليا
والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتخلف عنها الانصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع
المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من
الانصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع
القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلت نريد إخواننا من
الانصار فقالا: لا عليكم.
أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين.
فقلت: والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم
مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا ؟ قالوا: سعد بن عبادة
فقلت ماله قالوا: وجع فلما جلسنا قام خطيبهم: فأثنى على الله بما هو
أهله وقال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة.
الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا وقد دفت دافة منكم تريدون
أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا (3) من الامر فلما سكت أردت أن أتكلم
وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري
منه بعض الحد وهو كان أحكم مني، وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في
تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حين سكت.
فقال: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم
__________
(1) صكة الاعمى، وفي النهاية صكة عمى.
والصكة شدة الهاجرة، وعمى رجل من العمالقة أغار على قوم في الظهيرة
فاجتاحهم، فقيل صكة عمى.
(2) في الكامل: فتنة.
(3) يغصبونا (الطبري - ابن الاثير).
(*)
(5/266)
أهله، وما تعرف
العرب هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد
رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم.
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره مما قال غيرها كان والله
أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم
فيهم أبو
بكر إلا أن تعير نفسي عند الموت.
فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (1) منا أمير
ومنكم أمير يا معشر قريش فقلت لمالك: ما يعني أنا جديلها المحكك
وعذيقها المرجب ؟ قال: كأنه يقول أنا داهيتها.
قال: فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشينا الاختلاف.
فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه
الانصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعدا فقلت قتل
الله سعدا.
قال عمر: أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أرفق من مبايعة أبي
بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما
نبايعهم على مالا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد.
فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه
تغرة (2) أن يقتلا.
قال مالك: فأخبرني ابن شهاب عن عروة: أن الرجلين اللذين لقياهما عويم
بن ساعدة ومعن بن عدي.
قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال أنا جذيلها المحكك
وعذيقها المرجب هو الحباب بن المنذر.
وقد أخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طرق عن مالك وغيره عن الزهري
به.
وقال الامام أحمد: حدثنا معاوية، عن عمرو، ثنا زائدة، ثنا عاصم، وحدثني
حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زر عن عبد الله - هو ابن مسعود -
قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت الانصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الانصار،
ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم
الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر.
فقالت الانصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
ورواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، وهناد بن السري، عن حسين بن علي
الجعفي عن زائدة به.
ورواه علي بن المديني، عن حسين بن علي وقال صحيح لا أحفظه إلا من حديث
زائدة، عن عاصم.
وقد رواه النسائي أيضا من حديث سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن
نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد عن عمر مثله وقد روي عن عمر بن الخطاب
نحوه من طريق آخر.
وجاء من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، عن
عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر.
أنه قال قلت: يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين
إذ هما في الغار وأبو بكر السباق المسن ثم أخذت بيده وبدرني رجل من
الانصار فضرب على يده قبل أن أضرب
على يده، ثم ضربت على يده وتبايع الناس.
وقد روى محمد بن سعد: عن عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن
سعيد، عن القاسم بن محمد فذكر نحوا من هذه القصة وسمى هذا
__________
(1) الجذيل: عود ينصب للجربى لتحتك به، يريد أنه يشتفي برأيه.
والعذيق: تصغير عذق، وهو النخلة بما عليها.
والمرجب الذي ضم أعذاقه إلى سعفاته وشدت بالخوص لئل تنفضها الريح.
(2) تغرة: مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر، أي خوف التغرة.
(*)
(5/267)
الرجل الذي
بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب.
فقال: هو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير.
اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة قال الامام أحمد:
حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله الاودي، عن حميد بن
عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله
عنه في صائفه من المدينة.
قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله.
وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، مات محمد ورب الكعبة.
فذكر الحديث.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتعادان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك
شيئا أنزل في الانصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره.
وقال: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس
واديا وسلكت الانصار واديا سلكت وادي الانصار.
ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - وأنت قاعد -
قريش ولاة هذا الامر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم.
فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الامراء.
وقال الامام أحمد: حدثنا علي بن عباس، ثنا الوليد بن مسلم، أخبرني يزيد
بن سعيد بن ذي عضوان العبسي، عن عبد الملك بن عمير.
اللخمي، عن رافع الطائي رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل قال:
وسألته عما قيل في بيعتهم.
فقال: وهو يحدثه عما تقاولت به الانصار وما كلمهم به وما كلم به عمر بن
الخطاب الانصار وما ذكرهم به من إمامتي إياهم بأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم في مرضه فبايعوني لذلك وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة
بعدها ردة.
وهذا إسناد جيد قوي ومعنى هذا: أنه رضي الله عنه إنما قبل الامام تخوفا
أن يقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه.
قلت كان هذا في بقية يوم
الاثنين فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتممت
البيعة من المهاجرين والانصار قاطبة وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى
الله عليه وسلم تسليما.
قال البخاري: أنبأنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن معمر، عن الزهري:
أخبرني أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الاخيرة حين جلس على المنبر، وذلك
الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر صامت لا
يتكلم.
قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد
بذلك أن يكون آخرهم - فإن يك محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم
نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأن أبا بكر صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أولى المسلمين بأموركم،
فقدموا فبايعوه وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة
وكانت بيعة العامة على المنبر.
قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول يومئذ لابي بكر: اصعد المنبر
! فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه عامة الناس وقال محمد بن إسحاق:
حدثني الزهري، حدثني أنس بن مالك.
قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر،
وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالامس مقالة ما كانت [ إلا عن رأيي ]
(1) وما وجدتها في كتاب
__________
(1) من الطبري.
(*)
(5/268)
الله ولا كانت
عهدا عهدها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني كنت أرى أن رسول
الله سيدبر أمرنا - يقول يكون آخرنا - وأن الله قد أبقى فيكم كتابه
الذي هدى به رسول الله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله
له، وأن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر
بيعة العامة بعد بيعة السقيفة، ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه
بما هو أهله.
ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت
فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.
الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم (1) قوي عندي حتى أزيح علته
إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع
قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط
الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء،
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله، فلا طاعة لي
عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
وهذا إسناد صحيح فقوله رضي الله عنه: - وليتكم ولست بخيركم - من باب
الهضم والتواضع فإنهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنهم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الحافظ
الاسفراييني، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد
بن إسحاق بن خزيمة، وابن إبراهيم بن أبي طالب.
قالا: حدثنا ميدار بن يسار.
وحدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، حدثنا داود بن أبي هند حدثنا
أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري.
قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الناس في دار سعد بن
عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قال فقام خطيب الانصار فقال: أتعلمون أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين، ونحن
كنا أنصار رسول الله ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره.
قال فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم ! أما لو قلتم على غير هذا لم
نبايعكم، وأخذ بيد أبي بكر.
وقال: هذا صاحبكم فبايعوه.
فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والانصار.
قال: فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير.
قال: فدعا بالزبير فجاء.
فقال: قلت ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق
عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقام فبايعه.
ثم نظر وجوه القوم فلم ير عليا فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء.
فقال: قلت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته أردت
أن تشق عصا المسلمين.
قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه.
هذا أو معناه.
وقال أبو علي الحافظ، سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة، يقول: جاءني مسلم
بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه، وهذا
حديث يسوي بدنة بل يسوي بدرة ! وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد
بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب، الاصم، عن جعفر بن
محمد بن شاكر، عن عفان بن سلم عن وهيب به ولكن ذكر أن الصديق هو القائل
لخطيب الانصار بدل عمر.
وفيه: أن زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، ثم
انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا،
فسأله عنه فقام ناس من
__________
(1) في الطبري وابن الاثير: فيكم.
(*)
(5/269)
الانصار فأتوا
به فذكر نحو ما تقدم، ثم ذكر قصة الزبير بعد علي.
فالله أعلم.
وقد رواه علي بن عاصم عن الجريري عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري فذكر
نحو ما تقدم، وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة المنذر بن مالك
بن قطعة، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري وفيه فائدة جليلة وهي
مبايعة علي بن أبي طالب أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة.
وهذا حق فإن علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الاوقات، ولم
ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره وخرج معه إلى ذي القصة لما
خرج الصديق شاهرا سيفه يريد قتال أهل الردة كما سنبينه قريبا، ولكن لما
حصل من فاطمة رضي الله عنها عتب على الصديق بسبب ما كانت متوهمة من
أنها تستحق ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعلم بما أخبرها به
الصديق رضي الله عنه.
أنه قال: " لا نورث من تركنا فهو صدقة " فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه
عن الميراث بهذا النص الصريح كما سنبين ذلك في موضعه، فسألته أن ينظر
علي في صدقة الارض التي بخيبر وفدك فلم يجبها إلى ذلك.
لانه رأى أن حقا عليه أن يقوم في جميع ما كان يتولاه رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
هو الصادق البار الراشد التابع للحق رضي الله عنه، فحصل لها - وهي
امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة - عتب وتغضب ولم تكلم الصديق حتى
ماتت، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشئ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من
وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم رأى علي أن يجدد البيعة مع أبي بكر رضي
الله عنه كما سنذكره من الصحيحين وغيرهما فيما بعد إن شاء الله تعالى
معما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم حدثني
أبي، أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف
الزبير.
ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: ما كنت حريصا على الامارة يوما
ولا ليلة، ولا سألتها في سر ولا علانية فقبل المهاجرون مقالته.
وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لانا أخرنا عن المشورة وإنا نرى أن أبا
بكر أحق الناس بها، إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخبره، ولقد أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو حي.
إسناد جيد.
ولله الحمد والمنة
فصل ومن تأمل ما ذكرناه ظهر له
إجماع الصحابة المهاجرين منهم والانصار على تقديم أبي بكر، وظهر برهان
قوله عليه السلام: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وظهر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينص على الخلافة عينا لاحد
من الناس، لا لابي بكر كما قد زعمه طائفة من أهل السنة، ولا لعلي كما
يقوله طائفة من الرافضة.
ولكن أشار إشارة ! قوية يفهمها كل ذي لب وعقل إلى الصديق كما قدمنا
وسنذكره.
ولله الحمد كما ثبت في الصحيحين من حيث هشام بن عروة عن أبيه عن ابن
عمر: أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له إلا تستخلف يا أمير المؤمنين ؟
فقال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني.
يعني - أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني، يعني - رسول
(5/270)
الله صلى الله
عليه وسلم -.
قال ابن عمر: فعرفت حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غير
مستخلف.
وقال سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن عمرو بن سفيان.
قال: لما ظهر علي على الناس.
قال: يا أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في
هذه الامارة شيئا، حتى رأينا من الرأي أن يستخلف أبا بكر فأقام واستقام
حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام
واستقام حتى مضى لسبيله - أو قال حتى ضرب الدين بجرانه (1) - إلى آخره.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن الاسود بن قيس، عن عمرو
بن سفيان.
قال: خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي فقال علي: هذا الخطيب السجسج (2)،
سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر، ثم خبطتنا
فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر محمد
بن أحمد الزكي بمرو، ثنا عبد الله بن روح المدائني، ثنا شبابة بن سوار،
ثنا شعيب بن ميمون، عن حصين بن عبد الرحمن، عن الشعبي عن أبي وائل.
قال: قيل لعلي بن أبي طالب، ألا تستخلف علينا ؟ فقال ما استخلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا
فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم.
إسناد جيد ولم يخرجوه.
وقد قدمنا ما ذكره البخاري: من حديث الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك
عن ابن عباس: أن
عباسا وعليا لما خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل
كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال علي: أصبح بحمد الله
بارئا.
فقال العباس: إنك والله عبد العصا بعد ثلاث، إني لاعرف في وجوه بني
هاشم الموت، واني لارى في وجه رسول الله الموت فاذهب بنا إليه فنسأله
فيمن هذا الامر ؟ فإن كان فينا عرفناه، وإن كان في غيرنا أمرناه فوصاه
بنا.
فقال علي: إني لا أسأله ذلك، والله إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده
أبدا.
وقد رواه محمد بن إسحاق عن الزهري به فذكره.
وقال فيه: فدخلا عليه في يوم قبض صلى الله عليه وسلم فذكره.
وقال في آخره فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من
ذلك اليوم.
قلت: فهذا يكون في يوم الاثنين يوم الوفاة، فدل على أنه عليه السلام
توفي من غير وصية في الامارة.
وفي الصحيحين عن ابن عباس أن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب ذلك الكتاب، وقد قدمنا أنه عليه
السلام كان طلب أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده فلما أكثروا اللغط
والاختلاف عنده.
قال: " قوموا عني فما أنا في خير مما تدعونني إليه " وقد قدمنا أنه قال
بعد ذلك: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ".
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عون، عن إبراهيم التيمي، عن الاسود
قال: قيل لعائشة إنهم يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إلى
علي.
فقالت: بما أوصى إلى علي ؟ لقد دعا بطست ليبول فيها وأنا مسندته إلى
صدري فانحنف (3) فمات
__________
(1) الجران: مقدم عنق البعير، والمراد هنا: قوي أمره واشتد.
(2) السجسج: الارض التي ليست بصلبة ولا لينة.
(3) في رواية البيهقي انخنث وقيل انخنس أي مال.
والحديث في مسند الامام أحمد 6 / 32 والبخاري في الوصايا.
ومسلم في كتاب الوصية (5) باب.
(*)
(5/271)
وما شعرت، فيم
يقول هؤلاء إنه أوصى إلى علي ؟.
وفي الصحيحين من حديث مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، قال: سألت عبد
الله بن أبي أوفى، هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا !
قلت فلم أمرنا بالوصية، قال: أوصى بكتاب الله عز وجل.
قال طلحة بن مصرف وقال هذيل بن شرحبيل ! أبو بكر يتأمر على وصي رسول
الله صلى الله عليه وسلم ود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى
الله عليه وسلم فخرم
أنفه بخرامة.
وفي الصحيحين أيضا من حديث الاعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه.
قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقال من زعم أنه عندنا شيئا نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة -
لصحيفة معلقة في سيفه فيها أسنان الابل وأشياء من الجراحات - فقد كذب.
وفيها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عير
إلى ثور (1) من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، ومن ادعى
إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة
المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم في أخفى مسلما فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا "
(2).
وهذا الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه يرد على
فرقة الرافضة في زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى إليه
بالخلافة، ولو كان الامر كما زعموا لما رد ذلك أحد من الصحابة فإنهم
كانوا أطوع لله ولرسوله في حياته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته من أن
يقتاتوا عليه فيقدموا غير من قدمه ويؤخروا من قدمه بنصه، حاشا وكلا
ولما، ومن ظن بالصحابة رضوان الله عليهم ذلك فقد نسبهم بأجمعهم إلى
الفجور والتواطؤ على معاندة الرسول صلى الله عليه وسلم ومضادتهم في
حكمه ونصه، ومن وصل من الناس إلى هذا المقام فقد خلع ربقة الاسلام وكفر
بإجماع الائمة الاعلام، وكان إراقة دمه أحل من إراقة المدام.
ثم لو كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه نص فلم لا كان يحتج به على
الصحابة على إثبات إمارته عليهم وإمامته لهم ؟ فإن لم يقدر على تنفيذ
ما معه من النص فهو عاجز والعاجز لا يصلح للامارة وإن كان يقدر ولم
يفعله فهو خائن والخائن الفاسق مسلوب معزول عن الامارة، وإن لم يعلم
بوجود النص فهو جاهل.
ثم وقد عرفه وعلمه من بعده هذا محال وافتراء وجهل وضلال.
وإنما يحسن هذا في أذهان الجهلة الطغام والمغترين من الانام، يزينه لهم
الشيطان بلا دليل ولا برهان، بل بمجرد التحكم والهذيان والافك
والبهتان، عياذا بالله مما هم فيه من التخليط والخذلان والتخبيط
والكفران، وملاذا بالله بالتمسك بالسنة والقرآن والوفاة على الاسلام
والايمان، والموافاة على الثبات والايقان وتثقيل الميزان، والنجاة من
النيران والفوز بالجنان إنه كريم منان رحيم رحمن.
وفي هذا الحديث الثابت في الصحيحين عن علي الذي قدمناه رد على متقولة
كثير من الطرقية
__________
(1) عير وثور: جبلان بالمدينة.
(2) البخاري في باب ذمة المسلمين (4 / 122).
وأحمد في مسنده 1 / 81 وأبو داود في المناسك 2 / 216.
(*)
(5/272)
والقصاص الجهلة
في دعواهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي بأشياء كثيرة
يسوقونها مطولة، يا علي أفعل كذا، يا علي لا تفعل كذا، يا علي من فعل
كذا كان كذا وكذا.
بألفاظ ركيكة ومعان أكثرها سخيفة وكثير منها صحفية لا تساوي تسويد
الصحيفة.
والله أعلم.
وقد أورد الحفظ البيهقي: من طريق حماد بن عمرو النصيبي - وهو أحد
الكذابين الصواغين - عن السري بن خلاد (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
جده عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: يا علي أوصيك بوصية أحفظها فإنك لا تزال بخير ما حفظتها، يا علي
إن للمؤمن ثلاث علامات الصلاة والصيام والزكاة.
قال البيهقي: فذكر حديثا طويلا في الرغائب والآداب وهو حديث موضوع وقد
شرطت في أول الكتاب أن لا أخرج فيه حديثا أعلمه موضوعا، ثم روى من طريق
حماد بن عمرو، هذا عن زيد بن رفيع، عن مكحول الشامي.
قال: هذا ما قال الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حين رجع من
غزوة حنين وأنزلت عليه سورة النصر.
قال البيهقي: فذكر حديثا طويلا في الفتنة وهو أيضا حديث منكر ليس له
أصل، وفي الاحاديث الصحيحة كفاية وبالله التوفيق.
ولنذكر ها هنا ترجمة حماد بن عمرو أبي إسماعيل النصيبي (2) روى عن
الاعمش وغيره وعنه إبراهيم بن موسى، ومحمد بن مهران، وموسى بن أيوب
وغيرهم.
قال يحيى بن معين: هو ممن يكذب ويضع الحديث.
وقال عمرو بن علي الفلاس وأبو حاتم: منكر الحديث ضعيف جدا.
وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان يكذب.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن حبان: يضع الحديث وضعا.
وقال ابن عدي: عامة حديثه مما لا يتابعه أحد من الثقات عليه.
وقال الدارقطني: ضعيف.
وقال الحاكم أبو عبد الله: يروي عن الثقات أحاديث موضوعة، وهو ساقط
بمرة.
فأما الحديث الذي قال الحافظ
البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا حمزة بن
العباس العقبي ببغداد، ثنا عبد الله بن روح المدائني، ثنا سلام بن
سليمان المدائني، ثنا سلام بن سليم الطويل، عن عبد الملك بن عبد
الرحمن، عن الحسن المقبري (3)، عن الاشعث بن طليق، عن مرة بن شراحيل،
عن عبد الله بن مسعود.
قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعنا في بيت عائشة فنظر
إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدمعت عيناه، ثم قال لنا: قد دنا
الفراق، ونعى إلينا نفسه، ثم قال: مرحبا بكم حياكم الله، هداكم الله،
نصركم الله، نفعكم الله، وفقكم الله، سددكم الله، وقاكم الله، أعانكم
الله.
قبلكم الله، أوصيكم بتقوى الله، وأوصي الله بكم، وأستخلفه عليكم، إني
لكم منه نذير مبين، أن لا تعلوا على الله في عبادة وبلاده.
فإن الله قال لي ولكم * (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا
__________
(1) في دلائل البيهقي 7 / 226: خالد.
(2) من أهل نصيبين انظر ترجمة له في التاريخ الكبير 3 / 28 والضعفاء
الكبير للعقيلي 1 / 308 والمجروحين 1 / 252 والميزان 1 / 598.
(3) العرني: في الدلائل ج 7 / 231 - 232.
(*)
(5/273)
يريدون علوا في
الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) * [ القصص: 83 ].
وقال: * (أليس في جهنم مثوى للمتكبرين) * [ العنكبوت: 68 ].
قلنا: فمتى أجلك يا رسول الله ؟ قال: قد دنا الاجل، والمنقلب إلى الله
والسدرة المنتهى والكأس الاوفى والفرش الاعلى.
قلنا: فمن يغسلك يا رسول الله ؟ قال رجال أهل بيتي الادنى فالأدنى مع
ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
قلنا: ففيم نكفنك يا رسول الله ؟ قال: في ثيابي هذه إن شئتم أو في
يمينة أو في بياض مصر.
قلنا: فمن يصلي عليك يا رسول الله ؟ فبكى وبكينا.
وقال: مهلا ! غفر الله لكم، وجزاكم عن نبيكم خيرا، إذا غسلتموني،
وحنطتموني وكفنتموني فضعوني على شفير قبري.
ثم أخرجوا عني ساعة، فإن أول من يصلي علي خليلاي وجليساي جبريل
وميكائيل ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة عليهم السلام،
وليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم ادخلوا علي أفواجا
أفواجا وفرادى فرادى، ولا تؤذوني بباكية ولا برنة ولا بضجة (1) ومن كان
غائبا من أصحابي فأبلغوه عني السلام، وأشهدكم بأني قد سلمت على من دخل
في الاسلام، ومن تابعني في ديني هذا منذ اليوم إلى يوم القيامة.
قلنا: فمن يدخلك قبرك يا رسول الله ؟ قال: رجال أهل بيتي الادنى
فالادنى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم.
ثم قال البيهقي تابعه أحمد بن يونس عن سلام الطويل وتفرد به سلام
الطويل.
قلت: وهو سلام بن مسلم ويقال ابن سليم ويقال ابن سليمان والاول أصح
التميمي السعدي الطويل.
يروي عن جعفر الصادق وحميد الطويل وزيد العمي وجماعة، وعنه جماعة أيضا
منهم: أحمد بن عبد الله بن يونس، وأسد بن موسى، وخلف بن هشام البزار،
وعلي بن الجعد، وقبيصة بن عقبة.
وقد ضعفه علي بن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين والبخاري وأبو
حاتم وأبو زرعة والجوزجاني والنسائي وغير واحد، وكذبه بعض الائمة،
وتركه آخرون.
لكن روى هذا الحديث بهذا السياق بطوله الحافظ أبو بكر البزار من غير
طريق سلام هذا فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي ثنا عبد الرحمن بن
محمد المحاربي عن ابن الاصبهاني أنه أخبره عن مرة عن عبد الله فذكر
الحديث بطوله.
ثم قال البزار: وقد روى هذا عن مرة من غير وجه بأسانيد متقاربة وعبد
الرحمن بن الاصبهاني لم يسمع هذا من مرة وإنما هو عمن أخبره عن مرة،
ولا أعلم أحدا رواه عن عبد الله بن مرة.
__________
(1) بصيمة في البيهقي.
(*)
(5/274)
|