البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

فصل في ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبلغ سنه حال وفاته وفي كيفية غسله عليه السلام والصلاة عليه ودفنه، وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه
لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين.
قال ابن عباس: ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين،
ونبئ يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين.
ودخل المدينة يوم الاثنين، ومات يوم الاثنين.
رواه الامام أحمد والبيهقي (1).
وقال سفيان الثوري.
عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت يوم الاثنين.
فقال: إني لارجو أن أموت فيه فمات فيه.
رواه البيهقي من حديث الثوري به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا هريم حدثني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الاربعاء تفرد به أحمد.
وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه أرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صدر عائشة وفي يومها: يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول.
وقد قال أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا ابن عيينة عن الزهري عن أنس.
قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم الاثنين كشف الستارة والناس خلف أبي بكر فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن أمكثوا وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم.
وهذا الحديث في الصحيح وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال.
والله أعلم.
وروى يعقوب بن سفيان: عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، وعن صفوان، عن عمر بن عبد الواحد جميعا عن الاوزاعي.
أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن كامل (2)، ثنا الحسن بن علي البزار، ثنا محمد بن عبد الاعلى، ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه وهو سليمان بن طرخان التيمي في كتاب المغازي.
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له، يقال لها ريحانة، كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض [ فيه ] يوم السبت، وكانت وفاته عليه السلام [ اليوم العاشر ] يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة (3).
وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس.
قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
__________
(1) دلائل البيهقي 7 / 233 وفتح الباري 3 / 252.
(2) من الدلائل 7 / 234 وفي نسخ البداية المطبوعة حنبل تحريف.
(3) ما بين معكوفتين في الحديث زيادة من الدلائل.
(*)

(5/275)


الاربعاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول سنة إحدى عشرة.
وقال الواقدي: وقالوا بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول.
وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه، وزاد - ودفن يوم الثلاثاء.
قال الواقدي: وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الابيض عن المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدئ في بيت ميمونة.
وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أحمد بن يونس ثنا أبو معشر عن محمد بن قيس.
قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما فكان إذا وجد خفة صلى وإذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه.
وقال محمد بن إسحاق: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول، في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا، واستكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته عشر سنين كوامل.
قال الواقدي وهو المثبت عندنا وجزم به محمد بن سعد كاتبه، وقال يعقوب بن سفيان عن يحيى بن بكير عن الليث.
إنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الاول وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه.
وقال سعد بن إبراهيم الزهري: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة، رواه ابن عساكر ورواه الواقدي عن أبي معشر عن محمد بن قيس مثله سواء.
وقاله خليفة بن خياط أيضا.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الاول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة، ورواه ابن عساكر أيضا.
وقد تقدم قريبا عن عروة وموسى بن عقبة والزهري مثله فيما نقلناه عن مغازيهما.
فالله أعلم.
والمشهور قول ابن إسحاق والواقدي.
ورواه الواقدي عن ابن عباس عن عائشة رضي الله عنها فقال: حدثني إبراهيم بن يزيد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس.
وحدثني محمد بن عبد الله
عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالا: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول.
ورواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه مثله - وزاد ودفن ليلة الاربعاء.
وروى سيف بن عمر عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس.
قال: لما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة والوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا، ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الاول.
وروى أيضا عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة.
وفي حديث فاطمة عن عمرة عن عائشة مثله إلا أن ابن عباس قال في أوله لايام مضين منه وقالت عائشة بعدما مضى أيام منه (1).
فائدة: قال أبو القاسم السهيلي في الروض ما مضمونه.
لا يتصور وقوع وفاته عليه السلام يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول من سنة إحدى عشرة وذلك لانه عليه السلام وقف في حجة الوداع
__________
(1) انظر في تاريخ وفاته: المغازي للواقدي 3 / 1120 الطبري 3 / 207 دلائل البيهقي ج 7 / 233 سيرة ابن هشام 4 / 303 ابن سعد 2 / 272.
(*)

(5/276)


سنة عشر يوم الجمعة فكان أول ذي الحجة يوم الخميس فعلى تقدير أن تحسب الشهور تامة أو ناقصة أو بعضها تام وبعضها ناقص، لا يتصور أن يكون يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول وقد اشتهر هذا الايراد على هذا القول.
وقد حاول جماعة الجواب عنه ولا يمكن الجواب عنه إلا بمسلك واحد وهو اختلاف المطالع بأن يكون أهل مكة رأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، وأما أهل المدينة فلم يروه إلا ليلة الجمعة ويؤيد هذا قول عائشة وغيرها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة - يعني من المدينة - إلى حجة الوداع ويتعين بما ذكرناه أنه خرج يوم السبت وليس كما زعم ابن حزم انه خرج يوم الخميس لانه قد بقي أكثر من خمس بلا شك ولا جائز أن يكون خرج يوم الجمعة لان أنسا قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين.
فتعين أنه خرج يوم السبت لخمس بقين فعلى هذا إنما رأى أهل المدينة هلال ذي الحجة ليلة الجمعة وإذا كان أول ذي الحجة عند أهل المدينة الجمعة وحسبت الشهور بعده كوامل يكون أول ربيع الاول يوم
الخميس فيكون ثاني عشره يوم الاثنين والله أعلم.
وثبت في الصحيحين من حديث مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالابيض الامهق (1) ولا بالادم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله عز وجل على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين (2)، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.
وهكذا رواه ابن وهب عن عروة عن الزهري عن أنس، وعن قرة بن ربيعة عن أنس مثل ذلك.
قال الحافظ ابن عساكر: حديث قرة عن الزهري غريب.
وأما من رواية ربيعة عن أنس فرواها عنه جماعة كذلك ثم أسند من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين وكذلك رواه ابن البربري، ونافع بن أبي نعيم، عن ربيعة عن أنس به قال: والمحفوظ عن ربيعة عن أنس ستون.
ثم أورده ابن عساكر: من طريق مالك والاوزاعي ومسعر وإبراهيم بن طهمان وعبد الله بن عمر، وسليمان بن بلال، وأنس بن بلال، وأنس بن عياض، والدراوردي ومحمد بن قيس المدني كلهم عن ربيعة عن أنس.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة وقال البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو عمرو بن السماك، ثنا حنبل بن إسحاق ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو، حدثنا عبد الوارث، ثنا أبو غالب الباهلي قال: قلت لانس بن مالك: ابن أي الرجال [ كان ] رسول الله إذ بعث ؟ قال: كان ابن أربعين سنة.
قال ثم كان ماذا ؟ قال كان بمكة عشر سنين
__________
(1) الامهق: الابيض لا تخالطه حمرة.
والقطط: الشديد جعودة الشعر.
والسبط، ضد الجعودة.
قال ابن الاثير: أي لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما.
(2) الصحيح انه أقام في مكة ثلاث عشرة سنة، ولكنه لم ينزل عليه إلا في عشر، فالوحي - كما تقدم - فتر في ابتدائه سنتين ونصفا، وأقام ستة أشهر يرى رؤيا صالحة.
فهذه ثلاث سنين لم يوح إليه.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المناقب (23) باب صفة النبي صلى الله عليه وآله.
ومسلم في كتاب الفضائل 31 باب في صفة النبي صلى الله عليه وآله الحديث (113).
(*)

(5/277)


وبالمدينة عشر سنين فتمت له ستون سنة يوم قبضه الله عز وجل وهو كأشد (1) الرجال وأحسنهم وأجملهم وألحمهم.
ورواه الامام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به.
وقد روى مسلم عن أبي غسان محمد بن عمرو الرازي الملقب برشح عن حكام بن مسلم (2)، عن عثمان بن زائدة عن الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين [ وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين ] (3) وقبض عمر وهو ابن ثلاث وستين.
انفرد به مسلم.
وهذا لا ينافي ما تقدم عن أنس لان العرب كثيرا ما تحذف الكسر وثبت في الصحيحين من حديث الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب مثله وروى موسى بن عقبة وعقيل ويونس بن يزيد وابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة.
قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب مثل ذلك.
وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة وابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشر سنين يتنزل عليه القرآن، وبالمدينة عشرا.
لم يخرجه مسلم.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: ثنا شعبة عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن جرير بن عبد الله عن معاوية بن أبي سفيان.
قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وعمر وهو ابن ثلاث وستين.
وهكذا رواه مسلم من حديث غندر، عن شعبة وهو من إفراده دون البخاري.
ومنهم من يقول عن عامر بن سعد عن معاوية والصواب ما ذكرناه عن عامر بن سعد عن جرير عن معاوية فذكره.
وروينا من طريق عامر بن شراحيل، عن الشعبي، عن جرير بن عبد الله البجلي عن معاوية فذكره.
وروى الحافظ ابن عساكر: من طريق القاضي أبي يوسف، عن يحيى بن سعيد الانصاري عن أنس.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي عمر وهو ابن ثلاث وستين.
وقال ابن لهيعة: عن أبي الاسود، عن عروة عن عائشة قالت: تذاكر رسول الله وأبو بكر ميلادهما عندي فكان رسول الله أكبر من أبي بكر فتوفي رسول الله وهو ابن ثلاث وستين، وتوفي أبو بكر بعده وهو ابن ثلاث وستين.
وقال الثوري عن الاعمش، عن
القاسم بن عبد الرحمن.
قال: توفي رسول الله وأبو بكر وعمر وهم بنو ثلاث وستين.
وقال حنبل حدثنا الامام أحمد ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا، وهذا غريب عنه وصحيح إليه.
وقال أحمد: ثنا هشيم، ثنا داود أبي هند، عن الشعبي قال: نبئ رسول الله وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث سنين، ثم بعث إليه جبريل بالرسالة ثم مكث بعد ذلك عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة، فقبض
__________
(1) في الدلائل: 7 / 237: كأشب.
(2) مسلم: ابن سلم.
وفي رواية البيهقي: الملقب بزنيج قال حدثنا حكام بن سالم.
(3) من صحيح مسلم.
ج 4 / 1825 والبيهقي 7 / 237.
(*)

(5/278)


وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الامام أبو عبد الله أحمد بن حنبل: الثابت عندنا ثلاث وستون.
قلت وهكذا: روى مجاهد، عن الشعبي، وروى من حديث إسماعيل بن أبي خالد عنه.
وفي الصحيحين: من حديث روح بن عبادة، عن زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وفي صحيح البخاري: من حديث روح بن عبادة أيضا عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ثم مات وهو ابن ثلاث وستين.
وكذلك رواه الامام أحمد: عن روح بن عبادة، ويحيى بن سعيد، ويزيد بن هارون كلهم عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس به.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي، عن الحسن بن عمر بن شقيق، عن جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس فذكر مثله.
ثم أورده من طرق عن ابن عباس مثل ذلك.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة، عن أبي حمزة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة يوحى إليه: وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وقد أسند الحافظ ابن عساكر من طريق مسلم بن جنادة، عن عبد الله بن عمر، عن كريب عن ابن عباس.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث
وستين.
ومن حديث أبي نضرة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس مثله وهذا القول هو الاشهر وعليه الاكثر.
وقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل عن خالد الحذاء، حدثني عمار مولى بني هاشم سمعت ابن عباس يقول: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة.
ورواه مسلم من حديث خالد الحذاء به.
وقال أحمد ثنا حسن بن موسى، ثنا حماد بن سلمة، عن عمارة بن أبي عمار عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة ثماني سنين - أو سبع - يرى الضوء ويسمع الصوت، وثمانية أو سبعا يوحى إليه، وأقام بالمدينة عشرا.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، ثنا يزيد بن زريع، ثنا يونس، عن عمار مولى بني هاشم.
قال: سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ؟ قال: ما كنت أرى مثلك في قومه يخفى عليك ذلك.
قال قلت: إني قد سألت فاختلف علي فأحببت أن أعلم قولك فيه.
قال أتحسب ؟ قلت: نعم ! قال: أمسك أربعين بعث لها وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف وعشرا مهاجرا بالمدينة.
وهكذا رواه مسلم من حديث يزيد بن زريع وشعبة بن الحجاج كلاهما عن يونس بن عبيد عن عمار عن ابن عباس بنحوه.
وقال الامام أحمد ثنا ابن نمير، ثنا العلاء بن صالح، ثنا المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير.
أن رجلا أتى ابن عباس فقال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرا بمكة وعشرا بالمدينة.
فقال من يقول ذلك ؟ لقد أنزل عليه بمكة خمس عشرة.
وبالمدينة عشرا خمسا وستين وأكثر وهذا من إفراد أحمد إسنادا ومتنا.
وقال الامام أحمد: ثنا هشيم، نثا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس.
قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة تفرد به أحمد وقد روى الترمذي في كتاب الشمائل وأبو يعلى الموصلي والبيهقي: من حديث

(5/279)


قتادة، عن الحسن البصري عن دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين.
ثم قال الترمذي: دغفل لا يعرف له سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد كان في زمانه رجلا.
وقال البيهقي: وهذا يوافق رواية عمار ومن تابعه عن ابن عباس.
ورواية الجماعة عن ابن عباس في ثلاث وستين أصح فهم أوثق وأكثر وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن عروة عن عائشة
وإحدى الروايتين عن أنس والرواية الصحيحة عن معاوية وهي قول سعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنهم.
قلت: وعبد الله بن عقبة، والقاسم بن عبد الرحمن، والحسن البصري وعلي بن الحسين وغير واحد.
ومن الاقوال الغريبة ما رواه خليفة بن خياط: عن معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة.
ورواه يعقوب بن سفيان: عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة مثله.
ورواه زيد العمي، عن يزيد عن أنس.
ومن ذلك ما رواه محمد بن عابد، عن القاسم بن حميد، عن النعمان بن المنذر الغساني، عن مكحول.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر.
ورواه يعقوب بن سفيان: عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن النعمان بن المنذر، عن مكحول.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة ونصف.
وأغرب من ذلك كله ما رواه الامام أحمد عن روح، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن.
قال: نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين بمكة وعشرا بعدما هاجر.
فإن كان الحسن ممن يقول بقول الجمهور وهو أنه عليه السلام أنزل عليه القرآن وعمره أربعون سنة فقد ذهب إلى أنه عليه السلام عاش ثمانيا وخمسين سنة.
وهذا غريب جدا، لكن روينا من طريق مسدد عن هشام بن حسان، عن الحسن.
أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة.
وقال خليفة بن خياط: حدثنا أبو عاصم، عن أشعث عن الحسن قال: بعث رسول الله وهو ابن خمس وأربعين، فأقام بمكة عشرا وبالمدينة ثمانيا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين.
وهذا بهذا الصفة غريب جدا.
والله أعلم.
صفة غسله عليه السلام قد قدمنا أنهم رضي الله عنهم اشتغلوا ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين وبعض يوم الثلاثاء فلما تمهدت وتوطدت وتمت شرعوا بعد ذلك في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين في كل ما أشكل عليهم بأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قال ابن إسحاق: فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء وقد تقدم من حديث ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن
عائشة: أن رسول الله توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، ثنا أبو بردة، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة عن أبيه.
قال: لما أخذوا في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداهم مناد من الداخل أن لا تجردوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه.
ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة - واسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفي.
وقال محمد بن

(5/280)


إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه، كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه ؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، أن غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميص يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم.
فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه (1).
رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق.
وقال الامام أحمد، حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، والفضل بن عباس وقثم بن العباس، وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه.
فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس بن خولي الانصاري أحد بني عوف بن الخزرج - وكان بدريا - علي بن أبي طالب.
فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال له علي: أدخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا، فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي.
وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما يرى من الميت.
وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله، - وكان يغسل بالماء والسدر - جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت.
ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة، قال ثم دعا العباس رجلين.
فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي
عبيدة بن الجراح - وكان أبو عبيدة يضرح لاهل مكة.
وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الانصاري - وكان أبو طلحة يلحد لاهل المدينة.
قال: ثم قال العباس حين سرحهما: اللهم خر لرسولك ! قال فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم انفرد به أحمد (2).
وقال يونس بن بكير: عن المنذر بن ثعلبة، عن الصلت عن العلباء بن أحمر قال: كان علي والفضل يغسلان رسول الله.
فنودي علي أرفع طرفك إلى السماء وهذا منقطع.
قلت: وقد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا علي لا تبد فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ".
وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 7 / 242، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 59 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ".
ونقله السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 27 وعزاه لابن سعد ولابي داود والبيهقي.
(2) مسند أحمد حديث رقم 2358 والقسم الاخير منه في سيرة ابن هشام ج 4 / 270.
(*)

(5/281)


يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا ضمرة (1) ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب.
قال قال علي غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجه من حديث معمر به، زاد البيهقي في روايته قال سعيد بن المسيب: وقد ولي دفنه عليه السلام أربعة علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحدوا له لحدا ونصبوا عليه اللبن نصبا.
وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبي، ومحمد بن قيس وعبد الله بن الحارث وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها ها هنا.
وقال البيهقي: وروى أبو عمرو بن كيسان، عن يزيد بن بلال سمعت عليا يقول: أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري.
فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.
قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قال علي: فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله (2).
وقد اسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده.
فقال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا كيسان أبو عمرو عن يزيد بن بلال.
قال: قال علي بن أبي طالب: أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يغسله أحد غيري فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.
قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.
قلت: هذا غريب جدا.
وقال البيهقي: أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل، ثنا أبو العباس الاصم، ثنا أسيد بن عاصم، ثنا الحسين بن حفص (3) عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج: سعمت محمد بن علي - أبا جعفر - قال: غسل النبي صلى الله عليه وسلم بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال لها الغرس (4) بقباء كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله يشرب منها، وولي غسله علي والفضل يحتضنه، والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول ارحني قطعت وتيني إني لاجد شيئا يترطل علي.
وقال الواقدي: ثنا عاصم بن عبد الله الحكمي، عن عمر بن عبد الحكم.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه ".
وكان رسول الله يستعذب له منها وغسل من بئر غرس.
وقال سيف بن عمر عن محمد بن عون، عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر، أخذ العباس في غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عليه كلة (5) من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت، فدخل الكلة ودعا عليا والفضل فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله ورجال من بني هاشم من وراء الكلة، ومن أدخل من الانصار حيث ناشدوا أبي وسألوه: منهم أوس بن خولى رضي الله عنهم أجمعين.
ثم
__________
(1) في الدلائل 7 / 243: حدثنا مسدد.
(2) انظر الخبر في الدلائل ج 7 / 244 وطبقات ابن سعد 2 / 277 ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 276.
(3) في الدلائل 7 / 244: جعفر.
(4) في الدلائل: الغرث، والصواب ما أثبتناه وهي بئر معروفة بالمدينة.
(5) كلة: غشاء رقيق يتوقى به من البعوض.
(*)

(5/282)


قال سيف، عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي عن ابن عباس، فذكر ضرب الكلة وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان وأسامة، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت، فذكر أنهم ألقى عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول لا تغسلوا رسول الله فإنه كان طاهرا فقال العباس ألا بلى وقال أهل البيت صدق فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو ؟ وغشيهم النعاس ثانية فناداهم أن غسلوه وعليه ثيابه.
فقال أهل البيت ألا لا.
وقال العباس إلا نعم ! فشرعوا في غسله وعليه قميص ومجول مفتوح، فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتصر قميصه ومجوله ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عودا وندا (1) ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه وهذا السياق فيه غرابة جدا.
صفة كفنه عليه الصلاة والسلام قال الامام أحمد: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الاوزاعي، حدثني الزهري، عن القاسم عن عائشة.
قالت: أدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه.
قال القاسم: إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد.
وهذا الاسناد على شرط الشيخين.
وإنما رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل والنسائي عن محمد بن مثنى ومجاهد بن موسى فروهما كلهم عن الوليد بن مسلم به.
وقال الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: ثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة (2).
وكذا رواه البخاري: عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن هشام، عن أبيه عن عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض.
وأخرجه مسلم: من حديث سفيان بن عيينة.
وأخرجه البخاري: عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري كلاهما عن هشام بن عروة به.
وقال أبو داود: ثنا قتيبة، ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة.
قال: فذكر لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة، فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردوه ولم
يكفنوه فيه.
وهكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن سلمة (3) ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله في ثلاثة
__________
(1) الند: العنبر، وقيل أي نوع من الطيب.
(2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (19) باب.
ومسلم في كتاب الجنائز 130 باب.
ومالك في الموطأ في كتاب الجنائز (2) باب.
والنسائي وابن ماجه في الجنائز.
وأحمد في مسنده: 6 / 40، 93، 118، 123، 231.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: مسلم تحريف.
(*)

(5/283)


أثواب بيض، سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها إنما اشتريت له حلة ليكفن فيها فتركت.
وأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لاحبسنها حتى أكفن فيها.
ثم قال: لو رضيها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لكفنه فيها، فباعها وتصدق بثمنها.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره عن أبي معاوية، ثم رواه البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة.
قالت: كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبي بكر، ولف فيها ثم نزعت عنه (1)، فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه، حتى يكفن فيها إذا مات.
ثم قال بعد أن أمسكها: ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكفن فيه، فتصدق بثمنها عبد الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة عن عائشة قالت: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية بيض.
ورواه النسائي: عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق.
قال الامام أحمد: حدثنا مسكين بن بكير، عن سعيد يعني ابن عبد العزيز قال قال مكحول حدثني عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية.
انفرد به أحمد.
وقال أبو يعلى الموصلي: ثنا سهل بن حبيب الانصاري، ثنا عاصم بن هلال، إمام مسجد أيوب، ثنا أيوب عن نافع عن
ابن عمر.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية.
وقال سفيان، عن عاصم بن عبيد الله عن سالم عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب، ووقع في بعض الروايات، ثوبين صحاريين (2) وبرد حبرة.
وقال الامام أحمد: ثنا ابن إدريس، ثنا يزيد عن مقسم عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب في قميصه الذي مات فيه، وحلة نجرانية - الحلة ثوبان - ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة وابن ماجه عن علي بن محمد ثلاثتهم عن عبد الله بن أدريس عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس بنحوه.
وهذا غريب جدا.
وقال الامام أحمد أيضا: حدثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وبرد حمراء.
انفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال أبو بكر الشافعي: ثنا علي بن الحسن، ثنا حميد بن الربيع، ثنا بكر - يعني ابن عبد الرحمن - ثنا عيسى - يعني المختار - عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس.
قال: كفن رسول الله في ثوبين أبيضين وبرد حمراء.
وقال أبو يعلى: ثنا سليمان الشاذ كوني، ثنا يحيى بن أبي الهيثم، ثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين سحوليين، زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وبرد أحمر.
وقد رواه غير واحد عن إسماعيل المؤدب عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه عن ابن عباس عن
__________
(1) في البيهقي: في بردين حبرة...ولف فيهما ثم نزعا عنه (7 / 248).
(2) صحاريين: نسبة إلى صحار وهي مدينة باليمن كما في لسان العرب، وفي معجم ما استعجم: هي بلاد بني تميم من اليمامة أو ما يليها.
(*)

(5/284)


الفضل.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين أبيضين وفي رواية سحولية.
فالله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر: من طريق أبي طاهر المخلص، ثنا أحمد بن إسحاق البهلول، ثنا عباد بن يعقوب.
ثنا شريك عن أبي إسحاق.
قال: وقعت على مجلس بني عبد المطلب وهم متوافرون، فقلت لهم: في كم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا قباء ولا عمامة قلت: كم أسر
منكم يوم بدر ؟ قالوا: العباس ونوفل وعقيل.
وقد روى البيهقي من طريق الزهري عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب أحدها برد حمراء حبرة.
وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر عن علي بن أبي طالب.
قال: كفنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين وبرد حبرة.
وقد قال أبو سعيد بن الاعرابي: حدثنا إبراهيم بن الوليد ثنا محمد بن كثير، ثنا هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
قال: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ريطتين وبرد نجراني.
وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام وعمران القطان عن قتادة عن سعيد، عن أبي هريرة به.
وقد رواه الربيع بن سليمان عن أسد بن موسى، ثنا نصر بن طريف، عن قتادة ثنا ابن المسيب عن أم سلمة: أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد نجراني.
وقال البيهقي: وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس وأن الحبرة أخرت عنه.
والله أعلم، ثم روى الحافظ البيهقي من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعيد.
قال: كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به، وقال هو من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
ورواه من طريق إبراهيم بن موسى عن حميد عن حسن عن هارون عن أبي وائل عن علي فذكره.
كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الاشعث بن طليق، والبزار من حديث الاصبهاني كلاهما عن مرة عن ابن مسعود: في وصية النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسله رجال أهل بيته، وأنه قال: كفنوني في ثيابي هذه أو في يمانية أو بياض مصر، وأنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم الناس بعدهم فرادى.
الحديث بتمامه وفي صحته نظر كما قدمنا.
والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا، لم يأمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحد (2).
وقال الواقدي: حدثني أبي بن عياش بن سهل بن سعد، عن أبيه عن جده قال: لما أدرج
__________
(1) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 7 / 249.
(2) رواه ابن هشام في السيرة ج 4 / 314.
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 250.
(*)

(5/285)


رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقاء رفقاء لا يؤمهم عليه أحد.
قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم قال: وجدت كتابا بخط أبي، فيه أنه لما كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ومعهما نفر من المهاجرين والانصار بقدر ما يسع البيت.
فقالا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والانصار كما سلم أبو بكر وعمر ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد.
فقال أبو بكر وعمر - وهما في الصف الاول حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم - اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لامته، وجاهد في سيبل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، وأجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، لا نبتغي بالايمان به بديلا، ولا نشتري به ثمنا أبدا.
فيقول الناس: آمين آمين ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان (1).
وقد قيل إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه كما سيأتي بيان ذلك قريبا.
والله أعلم.
وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله.
فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه.
وليس لاحد أن يقول لانه لم يكن لهم إمام، لانا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وقد قال بعض العلماء إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونساءهم وصبيانهم حتى العبيد
والاماء.
وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وملائكته يصلون عليه، وأمر كل واحد من المؤمنين أن يباشر الصلاة عليه منه إليه، والصلاة عليه بعد موته من هذا القبيل.
قال وأيضا: فإن الملائكة لنا في ذلك أئمة.
فالله أعلم.
وقد اختلف المتأخرون من أصحاب الشافعي في مشروعية الصلاة على قبره لغير الصحابة.
فقيل نعم ! لان جسده عليه السلام طري في قبره لان الله قد حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء كما ورد بذلك الحديث في السنن وغيرها فهو كالميت اليوم، وقال آخرون: لا يفعل لان السلف ممن بعد الصحابة لم يفعلوه، ولو كان مشروعا لبادروا إليه ولثابروا عليه.
والله أعلم.
صفة دفنه عليه السلام وأين دفن قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج أخبرني أبي - وهو عبد العزيز بن جريج:
__________
(1) رواه الواقدي في آخر مغازيه 3 / 1120.
(*)

(5/286)


أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يدروا أين يقبروا النبي صلى الله عليه وسلم.
حتى قال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لم يقبرني إلا حيث يموت، فأخروا فراشه وحفروا تحت فراشه صلى الله عليه وسلم.
وهذا فيه انقطاع بين عبد العزيز بن جريج وبين الصديق فإنه لم يدركه.
لكن رواه الحافظ أبو يعلى: من حديث ابن عباس وعائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم.
فقال: حدثنا أبو موسى الهروي، ثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر، عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
قالت: اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حين قبض، فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يقبض النبي إلا في أحب الامكنة إليه " فقال أدفنوه حيث قبض.
وهكذا رواه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته.
قال: " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ".
أدفنوه في موضع فراشه، ثم إن الترمذي ضعف المليكي ثم قال وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه رواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الاموي عن أبيه عن ابن
إسحاق عن رجل حدثه عن عروة عن عائشة: إن أبا بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض " قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني محمد بن سهل التميمي، ثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان بالمدينة حفاران فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا أين ندفنه ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه في المكان الذي مات فيه، وكان أحدهما يلحد والآخر يشق، فجاء الذي يلحد فلحد للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه منقطعا.
وقال أبو يعلى: حدثنا جعفر بن مهران، ثنا عبد الاعلى، عن محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال لما أرادوا أن يحفروا للنبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة الجراح يضرح كحفر أهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي كان يحفر لاهل المدينة وكان يلحد، فدعا العباس رجلين فقال لاحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة: وقال للآخر اذهب إلى أبي طلحة.
اللهم خره لرسولك.
قال: فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، وضع على سريره في بيته، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه.
فقال قائل ندفنه في مسجده.
وقال قائل: ندفنه مع أصحابه.
فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض ".
فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه فحفروا له تحته، ثم أدخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالا [ دخل ] (1) الرجال حتى إذا فرغ منهم، أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء، أدخل الصبيان ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد.
فدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل ليلة الاربعاء.
وهكذا رواه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي، عن وهب بن جرير، عن أبيه عن محمد بن إسحاق فذكر بإسناده مثله.
وزاد في آخره ونزل في حفرته علي بن أبي طالب
__________
(1) من سيرة ابن هشام ج 4 / 314.
(*)

(5/287)


والفضل وقثم ابنا عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أوس بن خولى - وهو أبو ليلى - لعلي بن أبي طالب: أنشدك الله ! وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له علي: انزل وكان شقران مولاه أخذ
قطيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها فدفنها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك ! فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الامام أحمد: عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن ابن إسحاق مختصرا.
وكذلك رواه يونس بن بكير وغيره عن إسحاق به.
وروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين عن عكرمة، عن ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما قبض الله نبيا إلا ودفن حيث قبض ".
وروى البيهقي: عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين (1) أو محمد بن جعفر بن الزبير.
قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقالوا: كيف ندفنه، مع الناس أو في بيوته ؟ فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما قبض الله نبيا إلا دفن حيث قبض ".
فدفن حيث كان فراشه رفع الفراش وحفر تحته.
وقال الواقدي: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عثمان بن محمد الاخنسي، عن عبد الرحمن بن سعيد - يعني ابن يربوع - قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا في موضع قبره.
فقال قائل: في البقيع فقد كان يكثر الاستغفار لهم، وقال قائل: عند منبره، وقال قائل: في مصلاه.
فجاء أبو بكر فقال: إن عندي من هذا خبرا وعلما، سمعت رسول الله يقول: " ما قبض نبي إلا دفن حيث توفي ".
قال الحافظ البيهقي: وهو في حديث يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وفي حديث ابن جريج عن أبيه كلاهما عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال البيهقي: عن الحاكم عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن سلمة بن نبيط بن شريط، عن أبيه عن سالم بن عبيد - وكان من أصحاب الصفة -.
قال: دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مات ثم خرج، فقيل له: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ! فعلموا أنه كما قال وقيل له: أنصلي عليه وكيف نصلي عليه ؟ قال: تجيئون عصبا عصبا فتصلون فعلموا أنه كما قال.
قالوا: هل يدفن وأين ؟ قال: حيث قبض الله روحه فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، فعلموا أنه كما قال (2).
وروى البيهقي: من حديث سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب.
قال: عرضت عائشة على أبيها رؤيا وكان من أعبر الناس، قالت: رأيت ثلاثة أقمار وقعن في حجري، فقال لها: إن صدقت رؤياك
دفن في بيتك من خير أهل الارض ثلاثة، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة: هذا خير أقمارك (3).
ورواه مالك عن يحيى بن سعيد عن عائشة منقطعا.
وفي الصحيحين عنها أنها قالت:
__________
(1) في الدلائل 7 / 260: الحسين.
والحديث نقله السيوطي 2 / 278 عن ابن سعد وعن البيهقي، وقال: له عدة طرق موصولة ومرسلة.
(2) دلائل البيهقي 7 / 259 وابن سعد 2 / 275 ونقله السيوطي في خصائصه 2 / 278.
(3) دلائل النبوة 7 / 262.
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 60 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".
(*)

(5/288)


توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وجمع الله بين ريقي وريقه في آخر ساعة من الدنيا، وأول ساعة من الآخرة.
وفي صحيح البخاري، من حديث أبي عوانة من هلال الوراق، عن عروة عن عائشة.
قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه يقول: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
قالت عائشة، ولولا ذلك لابرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.
وقال ابن ماجه: حدثنا محمود بن غيلان، ثنا هاشم بن القاسم، ثنا مبارك بن فضالة حدثني حميد الطويل، عن أنس بن مالك.
قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بالمدينة (1) رجل يلحد والآخر يضرح فقالوا نستخير الله ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم.
تفرد به ابن ماجه، وقد رواه الامام أحمد: عن أبي النضر هاشم بن القاسم به.
وقال ابن ماجه أيضا: حدثنا عمر بن شبة عن عبيدة بن زيد (2) ثنا عبيد بن طفيل، ثنا عبد الرحمن بن أبي مليكة، حدثني ابن أبي مليكة عن عائشة.
قالت: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في اللحد والشق حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم.
فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا - أو كلمة نحوها - فأرسلوا إلى الشقاق واللاحد جميعا فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن، تفرد به ابن ماجه.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا العمري عن نافع، عن ابن عمر وعن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحد له
لحد تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن شعبة، وابن جعفر، ثنا شعبة، حدثني أبو حمزة عن ابن عباس.
قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء، وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة به.
وقد رواه وكيع عن شعبة وقال وكيع: كان هذا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن عساكر.
وقال ابن سعد: أنبأنا محمد بن عبد الله الانصاري، ثنا أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته قطيفة حمراء كان يلبسها، قال: وكانت أرضا ندية.
وقال هشيم بن منصور عن الحسن قال: جعل في قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء كان أصابها يوم حنين قال الحسن: جعلها لان المدينة أرض سبخة.
وقال محمد بن سعد: ثنا حماد بن خالد الخياط، عن عقبة بن أبي الصهباء سمعت الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افرشوا لي قطيفة في لحدي فإن الارض لم تسلط على أجساد الانبياء " (3).
وروى الحافظ البيهقي: من حديث مسدد، ثنا عبد الواحد، ثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال قال علي: غسلت النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت أنظر إلى ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا.
قال: وولي دفنه عليه الصلاة والسلام وإجنانه دون الناس أربعة، علي والعباس والفضل وصالح مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ولحد للنبي صلى الله عليه وسلم لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا.
وذكر البيهقي عن بعضهم: أنه نصب
__________
(1) في سنن ابن ماجه: لما توفي النبي صلى الله عليه وآله كان بالمدينة.
حديث: 1557.
(2) من ابن ماجه، وفي الاصل يزيد تحريف.
(3) خبر القطيفة في ابن سعد ج 2 / 299.
(*)

(5/289)


على لحده عليه السلام تسع لبنات.
وروى الواقدي: عن ابن أبي سبرة، عن [ عباس بن ] (1) عبد الله بن معبد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعا على سريره من حين زاغت الشمس من يوم الاثنين، إلى أن زاغت الشمس يوم الثلاثاء، يصلي الناس عليه، وسريره على شفير قبره.
فلما أرادوا أن يقبروه عليه السلام نحوا السرير قبل رجليه، فأدخل من هناك.
ودخل في حفرته العباس وعلي وقثم والفضل وشقران.
وروى البيهقي من حديث إسماعيل
السدي، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: دخل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس وعلي والفضل وسوى لحده رجل من الانصار وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر.
قال ابن عساكر: صوابه يوم أحد.
وقد تقدم رواية ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: كان الذين نزلوا في قبر رسول الله علي والفضل وقثم وشقران، وذكر الخامس وهو أوس بن خولى، وذكر قصة القطيفة التي وضعها في القبر شقران.
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو طاهر المحمد آبادي، ثنا أبو قلابة، ثنا أبو عاصم، ثنا سفيان بن سعيد هو الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال حدثني أبو مرحب.
قال: كأني أنظر إليهم في قبر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أحدهم عبد الرحمن بن عوف.
وهكذا رواه أبو داود: عن محمد بن الصباح، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد به.
ثم رواه أحمد بن يونس، عن زهير، عن إسماعيل عن الشعبي حدثني مرحب أو أبو مرحب: أنهم أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف، فلما فرغ علي قال: إنما يلي الرجل أهله.
وهذا حديث غريب جدا.
وإسناده جيد قوي ولا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقد قال أبو عمر بن عبد البر في استيعابه أبو مرحب: اسمه سويد بن قيس، وذكر أبا مرحب آخر وقال لا أعرف خبره.
قال ابن الاثير في [ أسد ] الغابة: فيحتمل أن يكون راوي هذا الحديث أحدهما أو ثالثا غيرهما.
ولله الحمد.
آخر الناس به عهدا عليه الصلاة والسلام قال الامام أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن مقسم، أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل عن مولاه عبد الله بن الحارث.
قال: اعتمرت مع علي في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب، فلما فرغ من عمرته رجع فسكبت له غسلا فاغتسل، فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا: يا أبا حسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه.
قال: أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: أجل ! عن ذلك جئنا نسألك.
قال (2): أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به مثله سواء إلا أنه قال قبله عن ابن إسحاق: وكان المغيرة بن شعبة يقول:
__________
(1) من ابن سعد والبيهقي في روايتهما عن الواقدي.
(الدلائل 7 / 253 - طبقات ابن سعد 2 / 291).
(2) في ابن هشام والبيهقي عنه.
فقال: كذب.
(*)

(5/290)


أخذت خاتمي فألقيته في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت حين خرج القوم: إن خاتمي قد سقط في القبر، وإنما طرحته عمدا لامس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون آخر الناس عهدا به.
قال ابن إسحاق فحدثني والدي إسحاق بن يسار عن مقسم عن مولاه عن عبد الله بن الحارث.
قال: اعتمرت مع علي فذكر ما تقدم.
وهذا الذي ذكر عن المغيرة بن شعبة لا يقتضي أنه حصل له ما أمله فإنه قد يكون علي رضي الله عنه لم يمكنه من النزول في القبر بل أمر غيره فناوله إياه، وعلى ما تقدم يكون الذي أمره بمناولته له قثم بن عباس.
وقد قال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
قال: ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال علي: إنما ألقيته لتقول نزلت في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل فأعطاه أو أمر رجلا فأعطاه (1).
وقد قال الامام أحمد: حدثنا بهز وأبو كامل.
قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني عن أبي عسيب (2) أو أبي غنم قال بهز: إنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: كيف نصلي ؟ قال: ادخلوا أرسالا أرسال، فكانوا يدخلون من هذا الباب فيصلون عليه ثم يخرجون من الباب الآخر، قال فلما وضع في لحده قال المغيرة: قد بقي من رجليه شئ لم تصلحوه قالوا: فادخل فأصلحه فدخل وأدخل يده فمس قدميه عليه السلام.
فقال: اهيلوا علي التراب فأهالوا عليه حتى بلغ إلى أنصاف ساقيه ثم خرج.
فكان يقول: أنا أحدثكم عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
متى وقع دفنه عليه الصلاة والسلام
وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثتني فاطمة بنت محمد (3) امرأة عبد الله بن أبي بكر وأدخلني عليها حتى سمعته منها من عمرة عن عائشة.
إنها قالت: ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الاربعاء.
وقال الواقدي حدثنا ابن أبي سبرة، عن الحليس بن هشام، عن عبد الله بن وهب، عن أم سلمة.
قالت بينا نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا
ونحن نتسلى برؤيته على السرير، إذا سمعنا صوت الكرازين (4) في السحر.
قالت أم سلمة: فصحنا وصاح أهل المسجد فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال بالفجر، فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وبكى وانتحب، فزادنا حزن، وعالج الناس الدخول إلى قبره فغلق دونهم، فيا لها من مصيبة ما أصبنا بعدها بمصيبة إلا هانت إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الامام أحمد: من حديث محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء وقد تقدم مثله في غير ما حديث.
وهو الذي نص عليه غير واحد من الائمة سلفا وخلفا،
__________
(1) في رواية لابن سعد قال: أمر علي ابنه الحسن فدخل فناول المغيرة خاتمه.
(2 / 302).
(2) في ابن سعد: أبو عسيم 2 / 302.
(3) في ابن هشام: فاطمة بنت عمارة، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن اسعد بن زرارة.
(4) الكرازين جمع كرزين وهو الفأس الكبيرة.
(*)

(5/291)


معهم سليمان بن طرخان التيمي، وجعفر بن محمد الصادق، وابن إسحاق، وموسى بن عقبة وغيرهم.
وقد روى يعقوب بن سفيان، عن عبد الحميد (1) بن بكار عن محمد بن شعيب عن الاوزاعي أنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار، ودفن يوم الثلاثاء.
وهكذا روى الامام أحمد: عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في الضحى يوم الاثنين ودفن من الغد في الضحى.
وقال يعقوب (2) حدثنا سفيان، ثنا سعيد بن منصور، ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد عن أبيه وعن ابن جريج عن أبي جعفر: أن رسول الله توفي يوم الاثنين، فلبث ذلك اليوم وتلك الليلة ويوم الثلاثاء إلى آخر النهار، فهو قول غريب والمشهور عن الجمهور ما أسلفناه من أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الاربعاء.
ومن الاقوال الغريبة في هذا أيضا ما رواه يعقوب بن سفيان، عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، عن أبي النعمان عن مكحول قال: ولد رسول الله يوم الاثنين، وأوحى إليه يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين لثنتين وستين سنة ونصف، ومكث ثلاثة أيام لا يدفن يدخل
عليه الناس أرسالا أرسالا يصلون لا يصفون ولا يؤمهم عليه أحد.
فقوله إنه مكث ثلاثة أيام لا يدفن غريبا، والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء بكماله ودفن ليلة الاربعاء كما قدمنا.
والله أعلم.
وضده ما رواه سيف عن هشام عن أبيه قال: توفي رسول الله يوم الاثنين، وغسل يوم الاثنين ودفن ليلة الثلاثاء.
قال سيف: وحدثنا يحيى بن سعيد مرة بجمعيه عن عائشة به، وهذا غريب جدا.
وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون، عن أبي عتيق عن جابر بن عبد الله.
قال: رش على قبر النبي صلى الله عليه وسلم الماء رشا، وكان الذي رشه بلال بن رباح بقربة، بدأ من قبل رأسه من شقه الايمن حتى انتهى إلى رجليه، ثم ضرب بالماء إلى الجدار لم يقدر على أن يدور من الجدار (3).
وقال سعيد بن منصور عن الدراوردي عن يزيد بن عبد الله بن أبي يمن، عن أم سلمة.
قالت: توفي رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء، وقال ابن خزيمة: حدثنا مسلم بن حماد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن كريب عن ابن عباس.
قال: توفي رسول الله يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء وقال الواقدي حدثني أبي بن عباس (4) بن سهل بن سعد، عن أبيه.
قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء وقال أبو بكر بن أبي الدنيا عن محمد بن سعد: توفي رسول الله يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الاول، ودفن يوم الثلاثاء.
وقال عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، ثنا الحسن بن إسرائيل أبو محمد النهرتيري (5) ثنا
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل عن تحريف.
(2) في البيهقي: حدثنا يعقوب بن سفيان.
(3) نقل الخبر عن الواقدي البيهقي في الدلائل 7 / 264 وابن سعد بعضه 2 / 306.
(4) من ابن سعد عن الواقدي 2 / 272 وفيه: عن أبيه عن جده...وقال: فمكث يوم الاثنين والثلاثاء ودفن يوم الاربعاء.
(5) النهرتيري: نسبة إلى نهر تيرى بلد من نواحى الاهواز.
(*)

(5/292)


عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: مات رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فلم يدفن إلا يوم الثلاثاء.
وهكذا قال سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو جعفر الباقر.
صفة قبره عليه الصلاة والسلام
قد علم بالتواتر أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن بعده فيها أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما.
وقد قال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل، ثنا أبو بكر بن عياش، عن سفيان التمار: أنه حدثه أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما، تفرد به البخاري (1).
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، أخبرني عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم.
قال: دخلت على عائشة وقلت لها: يا أمه اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.
فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه عمر رضي الله عنه تفرد به أبو داود.
وقد رواه الحاكم والبيهقي من حديث ابن أبي فديك عن عمرو بن عثمان عن القاسم.
قال: فرأيت النبي عليه السلام مقدما، وأبو بكر رأسه بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر رأسه عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي: وهذه الرواية تدل على أن قبورهم مسطحة لان الحصباء لا تثبت إلا على المسطح (2).
وهذا عجيب من البيهقي رحمه الله فإنه ليس في الرواية ذكر الحصباء بالكلية، وبتقدير ذلك فيمكن أن يكون مسنما وعليه الحصباء مغروزة بالطين ونحوه.
وقد روى الواقدي عن الدراوردي، عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: جعل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا.
وقال البخاري ثنا فروة بن أبي المغراء، ثنا علي بن مسهر، عن هشام، عن عروة عن أبيه قال: لما سقط عليهم الحائط في زمان الوليد بن عبد الملك أخذوا في بنائه فبدت لهم قدم ففزعوا فظنوا أنها قدم النبي صلى الله عليه وسلم فما وجد واحد يعلم ذلك حتى قال لهم عروة لا والله ما هي قدم النبي صلى الله عليه وسلم، ما هي إلا
قدم عمر.
وعن هشام عن أبيه عن عائشة: أنها أوصت عبد الله بن الزبير لا تدفني معهم وادفني مع صواحبي بالبقيع لا أزكى به أبدا.
قلت: كان الوليد بن عبد الملك حين ولي الامارة في سنة ست وثمانين قد شرع في بناء جامع
__________
(1) في كتاب الجنائز (96) باب فتح الباري 3 / 255.
(2) وراه البيهقي في الدلائل ج 7 / 263.
(*)

(5/293)


دمشق وكتب إلى نائبه بالمدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز أن يوسع في مسجد المدينة فوسعه حتى من ناحية الشرق فدخلت الحجرة النبوية فيه (1).
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن زاذان مولى الفرافصة، وهو الذي بنى المسجد النبوي أيام ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة، فذكر عن سالم بن عبد الله نحو ما ذكره البخاري، وحكى صفه القبور كما رواه أبو داود.