البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ما أصاب المسلمين من المصيبة بوفاته صلى الله عليه وسلم
قال البخاري: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، ثنا ثابت عن أنس.
قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب.
فقالت فاطمة: واكرب أبتاه.
فقال لها: " ليس على أبيك كرب بعد اليوم " فلما مات قالت: وا أبتاه
أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل
ننعاه.
فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم التراب (2) ؟ تفرد به البخاري رحمه الله.
وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا حماد بن زيد، ثنا ثابت البناني.
قال أنس: فلما دفن النبي صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة: يا أنس أطابت
أنفسكم أن دفنتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التراب ورجعتم.
وهكذا رواه ابن ماجه مختصرا من حديث حماد بن زيد به.
وعنده قال حماد: فكان ثابت إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى تختلف أضلاعه.
وهذا لا يعد نياحة بل هو من باب ذكر فضائله الحق عليه أفضل الصلاة
والسلام، وإنما قلنا هذا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
النياحة.
وقد روى الامام أحمد والنسائي من حديث شعبة، سمعت قتادة، سمعت مطرفا
يحدث عن حكيم بن قيس بن عاصم عن أبيه - فيما أوصى به إلى بنيه - أنه
قال: ولا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح
عليه.
وقد رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في النوادر عن عمرو بن ميمون عن شعبة
به.
ثم رواه عن علي بن المديني، عن المغيرة بن سلمة، عن الصعق بن حزن، عن
القاسم بن مطيب، عن الحسن البصري عن قيس بن عاصم به.
قال: لا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه، وقد
سمعته ينهى عن النياحة.
ثم رواه عن علي، عن محمد بن الفضل، عن الصعق، عن القاسم، عن يونس بن
عبيد، عن الحسن، عن عاصم به.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا عقبة بن سنان، ثنا عثمان بن عثمان،
ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لم ينح عليه.
وقال الامام أحمد: ثنا عفان، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا ثابت، عن أنس.
قال: لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
أضاء منها كل شئ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شئ.
قال: وما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الايدي حتى أنكرنا
قلوبنا (3).
وهكذا رواه الترمذي
__________
(1) في الطبري: أمر الوليد سنة 88 بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه
وآله وهدم بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وادخالها في
المسجد.
وفيها ابتدأ عمر بن عبد العزيز في بناء المسجد.
(2) أخرجه البخاري في المغازي (83) باب.
وابن سعد في طبقاته 2 / 311.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 7 / 265 ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 278
وعزاه لابن سعد والحاكم والبيهقي.
(*)
(5/294)
وابن ماجه
جميعا عن بشر بن هلال الصواف عن جعفر بن سليمان الضبعي به وقال الترمذي
هذا حديث صحيح غريب.
قلت: وأسناده على شرط الصحيحين، ومحفوظ من حديث جعفر بن سليمان وقد
أخرج له الجماعة رواه الناس عنه كذلك.
وقد أغرب الكديمي وهو محمد بن يونس رحمه الله في روايته له حيث قال:
ثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ثنا جعفر بن سليمان الضبعي،
عن ثابت، عن أنس.
قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر
بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها - أو لا يبصرها، وما
فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
وراه البيهقي من طريقه كذلك، وقد رواه من طريق غيره من الحفاظ عن أبي
الوليد الطيالسي كما قدمنا وهو المحفوظ والله
أعلم.
وقد روى الحافظ الكبير وأبو القاسم بن عساكر من طريق أبي حفص بن شاهين،
ثنا حسين بن أحمد بن بسطام بالابلة، ثنا محمد بن يزيد الرواسي، ثنا
سلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري.
قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أضاء منها كل شئ،
فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شئ.
وقال ابن ماجه: ثنا إسحاق بن منصور، ثنا عبد الوهاب بن عطاء العجلي، عن
ابن عون عن الحسن عن أبي بن كعب.
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما وجهنا واحد، فلما قبض
نظرنا هكذا وهكذا.
وقال أيضا ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا خالد بن (1) محمد بن
إبراهيم بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة السهمي، حدثني موسى بن عبد
الله بن أبي أمية المخزومي، حدثني مصعب بن عبد الله عن أم سلمة بنت أبي
أميه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان الناس في عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع
قدميه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر فكان الناس
إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه فتوفي أبو بكر وكان
عمر فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة.
فتوفي عمر - وكان عثمان وكانت الفتنة فتلفت الناس يمينا وشمالا.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد، عن ثابت عن أنس: أن أم
أيمن بكت لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما يبكيك ؟
على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: إني قد علمت أن رسول الله
سيموت، ولكني إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا.
هكذا رواه مختصرا.
وقد قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله
محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن نعيم ومحمد بن النضر الجاوردي.
قالا: ثنا الحسن بن علي الخولاني (2) ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، ثنا
سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.
قال: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن زائرا وذهبت معه،
فقربت إليه شرابا.
فإما كان صائما وأما كان لا يريده، فرده.
فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تضاحكه.
فقال أبو بكر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من ابن ماجه حديث رقم 1634، وفي الاصل: ثنا خالي محمد.
تحريف.
(2) في الدلائل 7 / 266: الحلواني.
(*)
(5/295)
لعمر: انطلق
بنا إلى أم يمن نزورها، فلما انتهينا إليها بكت.
فقالا لها: ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله.
قالت: والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن
أبكي أن الوحي انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان (1).
ورواه مسلم منفردا به عن زهير بن حرب عن عمرو بن عاصم به.
وقال موسى بن عقبة في قصة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبة أبي
بكر فيها.
قال: ورجع الناس حين فرغ أبو بكر من الخطبة وأم أيمن قاعدة تبكي، فقيل
لها ما يبكيك ؟ قد أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم فأدخله جنته،
وأراحه من نصب الدنيا.
فقالت: إنما أبكي على خبر السماء، كان يأتينا غضا جديدا كل يوم وليلة،
فقد انقطع ورفع، فعليه أبكي.
فعجب الناس من قولها.
وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه وحدثت عن أبي أسامة.
وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا أبو أسامة حدثني يزيد
بن عبد الله عن أبي برد عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها فجعله لها
فرطا وسلفا يشهد لها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو
ينظر إليها فأقر عينه بهلكها حين كذبوه وعصوا أمره ".
تفرد به مسلم إسنادا ومتنا.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، ثنا عبد الحميد بن
عبد العزيز بن أبي رواد، عن سفيان، عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن
عبد الله - هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام ".
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث
لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله
عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ".
ثم قال البزار لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه.
قلت: وأما أوله وهو قوله عليه السلام: " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني
عن أمتي السلام " فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن
الاعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب عن أبيه به.
وقد قال الامام أحمد حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر، عن أبي الاسود الصنعاني عن أوس بن أوس.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أفضل أيامكم يوم الجمعة،
فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفي النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من
الصلاة فيه، فإن
صلاتكم معروضة علي ".
قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت - يعني قد بليت -.
قال: " إن الله قد حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء عليهم السلام
".
وهكذا رواه أبو داود عن هارون بن عبد الله، وعن الحسن بن علي، والنسائي
عن إسحاق بن منصور ثلاثتهم عن حسين بن علي به.
ورواه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حسين بن علي (2)، عن جبر،
عن أبي الاشعث عن شداد (3) بن أوس فذكره.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي وذلك وهم من
__________
(1) رواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة (18) باب.
حديث (103).
(2) في ابن ماجه: عن الحسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر.
(3) في ابن ماجه حديث 1636 عن أوس بن أوس.
(*)
(5/296)
ابن ماجه،
والصحيح أوس بن أوس وهو الثقفي رضي الله عنه.
قلت: وهو عندي في نسخة جيدة مشهورة على الصواب.
كما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن أوس بن أوس.
ثم قال ابن ماجه: حدثنا عمرو بن سواد المصري، ثنا عبد الله بن وهب، عن
عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسي
عن أبي الدرداء.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة
فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدا لن يصلي (1) علي إلا عرضت علي
صلاته حتى يفرغ منها ".
قال قلت: وبعد الموت ؟ قال: " إن الله حرم على الارض أن تأكل أجساد
الانبياء عليهم السلام - نبي الله حي ويرزق (2) " وهذا من إفراد ابن
ماجه رحمه الله.
وقد عقد الحافظ ابن عساكر ها هنا بابا في إيراد الاحاديث المروية في
زيارة قبره الشريف صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، وموضع
استقصاء ذلك في كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله تعالى.
ما ورد من التعزية به عليه الصلاة والسلام
قال ابن ماجه: حدثنا الوليد بن عمرو بن السكين، ثنا أبو همام، وهو محمد
بن الزبرقان الاهوازي ثنا موسى بن عبيدة ثنا مصعب بن محمد، عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن عن عائشة.
قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس - أو كشف
سترا - فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن
حالهم رجاء أن يخلفه فيهم بالذي رآهم.
فقال: " يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة
فليتعز بمصيبته بي، عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن
يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي " تفرد به ابن ماجه (3).
وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه، ثنا
شافع بن محمد، ثنا أبو جعفر بن سلامة الطحاوي، ثنا المزني ثنا الشافعي،
عن القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن
رجالا من قريش دخلوا على أبيه علي بن الحسين.
فقال: ألا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: بلى !
فحدثنا عن أبي القاسم.
قال: لما أن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال: يا
محمد إن الله أرسلني إليك تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما
هو أعلم به منك.
يقول كيف تجدك ؟ قال: " أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا
" ثم جاءه اليوم الثاني فقال له، ذلك فرد عليه النبي صلى الله عليه
وسلم كما رد أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم
ورد عليه كما رد، وجاء معه ملك يقال له: إسماعيل على مائة ألف ملك كل
ملك على مائة ألف ملك، فاستأذن عليه، فسأل عنه.
ثم قال جبريل: هذا ملك الموت يستأذن عليك، ما
__________
(1) من ابن ماجه وفي الاصل: ليصل.
(2) في ابن ماجه حديث 1637: فنبي الله حي يرزق.
(3) رواه ابن ماجه في الجنائز حديث 1599 وفيه موسى بن عبيدة الربذي وهو
ضعيف.
(*)
(5/297)
استأذن على
آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: إيذن له فأذن
له فدخل فسلم عليه، ثم قال: يا محمد إن الله أرسلني إليك، فإن أمرتني
أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتني أن أتركه تركته.
فقال رسول الله: " أو تفعل يا ملك الموت ؟ " قال: نعم ! وبذلك أمرت،
وأمرت أن أطيعك.
قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل.
فقال له جبريل: يا محمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لملك الموت: " امض لما أمرت به " فقبض روحه، فلما
توفي
النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا صوتا من ناحية البيت،
السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته، إن في الله عزاء من كل
مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا، وإياه
فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب.
فقال علي رضي الله عنه: أتدرون من هذا ؟ هذا الخضر عليه السلام (1).
وهذا الحديث مرسلا وفي إسناده ضعف بحال القاسم العمري هذا فإنه قد ضعفه
غير واحد من الائمة، وتركه بالكلية آخرون.
وقد رواه الربيع عن الشافعي عن القاسم عن جعفر عن أبيه عن جده فذكر منه
قصة التعزية - فقط موصولا - وفي الاسناد العمري المذكور قد نبهنا على
أمره لئلا يغتر به.
على أنه قد رواه الحافظ البيهقي عن الحاكم عن أبي جعفر البغدادي، حدثنا
عبد الله بن الحارث أو عبد الرحمن بن المرتعد الصغاني (2) ثنا أبو
الوليد المخزومي ثنا أنس بن عياض، عن جعفر بن محمد [ عن أبيه ] (3) عن
جابر بن عبد الله.
قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عزتهم الملائكة ] (4)
يسمعون الحس ولا يرون الشخص.
فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته.
إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، ودركا من كل هالك،
فبالله فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المحروم من حرم الثوب، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم قال البيهقي: هذان الاسنادان وإن كانا ضعيفين فأحدهما يتأكد بالآخر
ويدل على أن له أصلا من حديث جعفر والله أعلم.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن بالويه، ثنا محمد
بن بشر بن مطر، ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن
مالك.
قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا
حوله، واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح، فتخطى رقابهم فبكى، ثم
التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن في الله عزاء
من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا
وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلايا فانظروا، فإن المصاب من لم
يجبر، فانصرف.
فقال بعضهم لبعض تعرفون الرجل ؟ فقال أبو بكر وعلي: نعم ! هذا أخو رسول
الله صلى الله عليه وسلم الخضر، ثم قال البيهقي: عباد بن عبد الصمد
ضعيف وهذا منكر بمرة.
وقد روى الحارث بن أبي أسامة، عن محمد بن سعد: أنبأنا هشام بن
__________
(1) دلائل البيهقي 7 / 267 ونقل الخبر السيوطي في الخصائص 2 / 273
وعزاه لابن سعد والبيهقي.
(2) في البيهقي 7 / 269: عبد الله بن عبد الرحمن بن المرتعد الصنعاني.
(3) سقطت من الاصل، واستدركت من الدلائل.
(4) من الدلائل، سقطت من الاصل.
(*)
(5/298)
القاسم، ثنا
صالح المري، عن أبي حازم المدني: أن رسول الله حين قبضه الله عز وجل
دخل المهاجرون فوجا فوجا يصلون عليه ويخرجون، ثم دخلت الانصار على مثل
ذلك، ثم دخل أهل المدينة حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء فكان منهم
صوت وجزع كبعض ما يكون منهن، فسمعن هزة في البيت فعرفن (1) فسكتن، فإذا
قائل يقول: إن في الله عزاء من كل هالك، وعوض من كل مصيبة، وخلف من كل
فائت، والمجبور من جبرة الثواب والمصاب من لم يجبره الثواب.
فصل فيما روي من معرفة أهل الكتاب بيوم
وفاته صلى الله عليه وسلم
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي
خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله البجلي.
قال: كنت باليمن، فلقينا رجلين من أهل اليمن، ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت
أحدثهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فقالا لي: إن كان ما تقول
حقا فقد مضى صاحبك على أجله منذ ثلاث.
قال: فأقبلت وأقبلا حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من [ قبل ]
المدينة فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف
أبو بكر والناس صالحون.
قال فقالا لي: أخبر صاحبك أنا قد جئنا، ولعلنا سنعود إن شاء الله عز
وجل.
قال ورجعا إلى اليمن، فلما أتيت أخبرت أبا بكر بحديثهم.
قال أفلا جئت بهم.
فلما كان بعد قال لي ذو عمرو: يا جرير إن لك علي كرامة، وإني مخبرك
خبرا، أنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في
آخر، وإذا كانت بالسيف كنتم ملوكا تغضبون غضب الملوك وترضون رضى
الملوك.
هكذا رواه الامام أحمد والبخاري عن أبي بكر بن أبي شيبة وهكذا رواه
البيهقي عن الحاكم عن عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن سفيان عنه (2).
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا علي بن
المتوكل (3) ثنا محمد بن يونس، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا زائدة،
عن زياد بن علاقة عن جرير.
قال: لقيني حبر باليمن وقال لي: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات يوم
الاثنين، هكذا رواه البيهقي.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو سعيد، ثنا زائدة، ثنا زياد بن علاقة عن
جرير.
قال قال لي حبر باليمن: إن كان صاحبكم نبيا فقد مات اليوم.
قال جرير: فمات يوم الاثنين، وقال البيهقي: أنبأنا أبو الحسين بن بشران
المعدل ببغداد، أنبأنا أبو جعفر محمد بن عمرو، ثنا محمد بن الهيثم، ثنا
سعيد بن أبي كثير بن عفير [ بن كعب ]، حدثني عبد الحميد بن كعب بن
علقمة بن كعب بن عدي التنوخي [ عن عمر بن الحارث بن علقمة بن كعب بن
عدي التنوخي ]، عن
__________
(1) من سيرة ابن كثير، وفي الاصل: لعرفنا (2) رواه البخاري في المغازي
فتح الباري 8 / 76 والامام أحمد في مسنده 4 / 363 والبيهقي في الدلائل
7 / 270 وفيه عن: أبي عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو عمرو بن أبي
جعفر، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان...(3) في الدلائل: المؤمل.
ج 7 / 271.
(*)
(5/299)
عمرو بن
الحارث، عن ناعم بن أجيل، عن كعب بن عدي.
قال: أقبلت في وفد من أهل الحيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فعرض علينا الاسلام فأسلمنا ثم انصرفنا إلى الحيرة، فلم نلبث أن جاءتنا
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فارتاب أصحابي وقالوا: لو كان نبيا لم
يمت.
فقلت: قد مات الانبياء قبله، وثبت على إسلامي ثم خرجت أريد المدينة،
فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه، فقلت له: أخبرني عن أمر أردته، نفخ
في صدري منه شئ.
فقال: إئت باسم من الاسماء فأتيته بكعب فقال: القه في هذا السفر لسفر
أخرجه فألقيت الكعب فيه فصفح فيه، فإذا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم
كما رأيته وإذا هو يموت في الحين الذي مات فيه، قال: فاشتدت بصيرتي في
إيماني، وقدمت على أبي بكر رضي الله عنه فأعلمته وقمت عنده، فوجهني إلى
المقوقس فرجعت، ووجهني أيضا عن عمر بن الخطاب، فقدمت عليه بكتابه،
فأتيته وكانت وقعة اليرموك، ولم أعلم بها فقال لي: أعلمت أن الروم قتلت
العرب وهزمتهم ؟ فقلت كلا.
قال: ولم ؟ قلت إن الله وعد نبيه أن يظهره على الدين كله وليس بمخلف
الميعاد قال فإن نبيكم قد صدقكم.
قتلت الروم والله قتل عاد.
قال: ثم سألني عن وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته
وأهدى إلى عمر وإليهم.
وكان ممن أهدى إليه علي وعبد الرحمن والزبير - وأحسبه ذكر العباس - قال
كعب وكنت شريكا لعمر في البز في الجاهلية، فلما أن فرض الديوان فرض لي
في بني عدي بن كعب (1).
وهذا أثر غريب وفيه نبأ عجيب وهو صحيح.
فصل قال محمد بن إسحاق: ولما توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية
والنصرانية ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة
الشاتية لفقد نبيهم، حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه.
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم: أن أكثر أهل مكة
لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام
وأرادوا ذلك، حتى خافهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه فتوارى.
فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر وفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن ذلك لم يزد الاسلام إلا قوة،
فمن رابنا ضربنا عنقه، فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن
أسيد.
فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن
الخطاب - يعني حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الاسارى (2) يوم بدر -
إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه.
قلت: وسيأتي عما قريب إن شاء الله ذكر ما وقع بعد وفاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الردة في أحياء كثيرة من العرب، وما كان من أمر
مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة، والاسود العنسي باليمن،
__________
(1) ما بين معكوفين في الحديث من دلائل البيهقي 7 / 271.
ورواه ابن حجر في الاصابة 3 / 298 في ترجمة كعب بن عدي التنوخي، وقال:
أخرجه البغوي.
(2) يعني سهيل بن عمرو.
(*)
(5/300)
وما كان من أمر الناس حتى فاؤوا ورجعوا إلى الله تائبين نازعين عما
كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم الذي استفزهم
الشيطان به، حتى نصرهم الله وثبتهم وردهم إلى دينه
الحق على يدي الخليفة الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، كما سيأتي
مبسوطا مبينا مشروحا إن شاء الله. |