البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

باب زوجاته صلوات الله وسلامه عليه وأولاده صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) * [ الاحزاب:
32 - 33 ] لا خلاف أنه عليه السلام توفي عن تسع وهن، عائشة بنت أبي بكر الصديق التيمية، وحفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الاموية، وزينب بنت جحش الاسدية، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وسودة بنت زمعة العامرية، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، وصفية بنت حيي بن أخطب النضرية الاسرائيلية الهارونية، رضي الله عنهم وأرضاهن.
وكانت له
__________
(1) الحديث أخرجه البخاري في كتاب فرض الخمس (3) باب حديث 3096، وفي كتاب الفرائض حديث 6729.
قال ابن حجر: اختلف في المراد بقوله (عاملي) فقيل الخليفة بعده وهذا هو المعتمد، وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري.
وقيل المراد: حافر قبره، وهو بعيد.
وقيل خادمه وقيل العامل على الصدقة، والعامل فيها كالاجير.
(*)

(5/312)


سريتان وهما، مارية بنت شمعون القبطية المصرية من كورة أنصنا وهي أم ولده إبراهيم عليه السلام، وريحانة بنت (1) شمعون القرظية أسلمت ثم أعتقها فلحقت بأهلها.
ومن الناس من يزعم أنها احتجبت عندهم.
والله أعلم.
وأما الكلام على ذلك مفصلا ومرتبا من حيث ما وقع أولا فأولا مجموعا من كلام الائمة رحمهم الله فنقول وبالله المستعان.
روى الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي: من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة امرأة، دخل منهن بثلاث عشرة، واجتمع عنده إحدى عشرة، ومات عن تسع (2) ثم ذكر هؤلاء التسع اللاتي ذكرناهن رضي الله عنهن.
ورواه سيف بن عمر عن سعيد عن قتادة عن أنس والاول أصح (3).
ورواه سيف بن عمر التميمي، عن سعيد، عن قتادة عن أنس وابن عباس مثله.
وروي عن سعيد بن عبد الله، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة مثله.
قالت فالمرأتان اللتان لم يدخل بهما فهما، عمرة بنت يزيد الغفارية والشنباء (4)، فأما عمرة فإنه خلا بها وجردها فرأى بها وضحا فردها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره، وأما الشنباء فلما أدخلت عليه لم تكن يسيرة فتركها ينتظر بها اليسر، فلما مات ابنه إبراهيم على بغتة ذلك قالت: لو كان نبيا لم
يمت ابنه، فطلقها وأوجب لها الصداق وحرمت على غيره، قالت: فاللاتي اجتمعن عنده، عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وجويرية وصفية وميمونة وأم شريك.
قلت: وفي صحيح البخاري: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه وهن إحدى عشرة امرأة.
والمشهور أن أم شريك لم يدخل بها كما سيأتي بيانه ولكن المراد بالاحدى عشرة اللاتي كان يطوف عليهن التسع المذكورات والجاريتان مارية وريحانة.
وروى يعقوب بن سفيان الفسوي
__________
(1) في هامش الاصل: قوله ريحانة بنت شمعون غلط، قال ابن سعد هي ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة بن سمعون بن زيد من بني النضير، وكانت متزوجة رجلا من بني قريضة يقال له الحكم فنسبها الرواة إلى بني قريظة 8 / 129.
(2) الخبر في دلائل النبوة ج 7 / 289.
(3) في هامش الاصل: ورواه بحير بن كثير عن قتادة عن أنس والاول أصح.
(4) اختلف في المرأتين اللتين لم يدخل بهما رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: - قال الزهري فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها (وافقه عائشة وابن مناح).
- قال ابن أبي عون طلقها لبياض كان بها.
وكذا قال ابن عمر إنما ذكر عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواس بن كلاب.
- قال أبو أسيد الساعدي هي: أسماء بنت النعمان بن أبي الجون الكندي استعاذت منه فطلقها.
ووافقه ابن ابزي، وعبد الله بن جعفر وقال: أمية بنت النعمان.
وذكرها ابن عباس اسماء، تعوذت منه فطلقها.
قال ابن سعد: لم تكن إلا كلابية واحدة اختلفوا في اسمها وهي عمرة بنت يزيد.
استعاذت منه.
(*)

(5/313)


عن الحجاج بن أبي منيع، عن جده عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري - وقد علقه البخاري في صحيحه عن الحجاج هذا - وأورد له الحافظ ابن عساكر طرفا عنه أن أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن قصي، زوجه إياها أبوها قبل البعثة.
وفي
رواية قال الزهري: وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تزوج خديجة إحدى وعشرين سنة، وقيل خمسا وعشرين سنة، زمان بنيت الكعبة وقال الواقدي وزاد: ولها خمس وأربعون سنة.
وقال آخرون من أهل العلم: كان عمره عليه السلام يومئذ ثلاثين سنة.
وعن حكيم بن حزام.
قال: كان عمر رسول الله يوم تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، وعمرها أربعون سنة.
وعن ابن عباس كان عمرها ثمانيا وعشرين سنة.
رواهما ابن عساكر.
وقال ابن جرير: كان عليه اسلام ابن سبع وثلاثين سنة، فولدت له القاسم وبه كان يكنى والطيب والطاهر، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة.
قلت: وهي أم أولاده كلهم سوى إبراهيم فمن مارية كما سيأتي بيانه.
ثم تكلم على كل بنت من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تزوجها، وحاصله: أن زينب تزوجها العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وهو ابن أخت خديجة أمة هالة بنت خويلد فولدت له ابنا اسمه علي، وبنتا اسمها أمامة بنت زينب، وقد تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة ومات وهي عنده، ثم تزوجت بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
وأما رقية فتزوجها عثمان بن عفان فولدت له ابنه عبد الله وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو، وماتت رقية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، ولما قدم زيد بن حارثة بالبشارة وجدهم قد ساووا التراب عليها، وكان عثمان قد أقام عندها يمرضها، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره.
ثم زوجه بأختها أم كلثوم، ولهذا كان يقال له ذو النورين، فتوفيت عنده أيضا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما فاطمة فتزوجها ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فدخل بها بعد وقعة بدر كما قدمنا، فولدت له حسنا وبه كان يكنى، وحسينا وهو المقتول شهيدا بأرض العراق.
قلت: ويقال ومحسنا.
قال وزينب وأم كلثوم، وقد تزوج زينب هذه ابن عمها عبد الله بن جعفر فولدت له عليا وعونا وماتت عنده، وأما أم كلثوم فتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فولدت له زيدا ومات عنها، فتزوجت بعده ببني عمها جعفر واحدا بعد واحد، تزوجت بعون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فخلف عليها أخوهما عبد الله بن جعفر
فماتت عنده.
قال الزهري: وقد كانت خديجة بنت خويلد تزوجت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين، الاول منهما عتيق بن عابد (1) بن مخزوم فولدت منه جارية (2) وهي أم محمد بن صيفي، والثاني أبو
__________
(1) في رواية ابن هشام وابن سعد: عابد كما في الاصل.
وإنما جعله ابن سعد بعد زواجها أبي هالة.
وفي السهيلي: عائذ.
(2) واسمها هند تزوجها صيفي بن أمية بن عابد وهو ابن عمها فولدت له محمدا (ابن سعد، شرح المواهب).
(*)

(5/314)


هالة التميمي فولدت له هند بن هند (1) وقد سماه ابن إسحاق فقال ثم خلف عليها بعد هلاك عابد أبو هالة (2) النباش بن زرارة أحد بني عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له بناته الاربع، ثم بعدهن القاسم والطيب والطاهر، فذهب الغلمة جميعا وهم يرضعون.
قلت: ولم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياتها امرأة، كذلك رواه عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن عروة عن عائشة أنها قالت ذلك.
وقد قدمنا تزويجها في موضعه وذكرنا شيئا من فضائلها بدلائلها.
قال الزهري: ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة بعائشة بنت أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ولم يتزوج بكرا غيرها.
قلت: ولم يولد له منها ولد، وقيل بل أسقطت منه ولدا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، ولهذا كانت تكنى بأم عبد الله، وقيل إنما كانت تكنى بعبد الله ابن اختها أسماء من الزبير بن العوام رضي الله عنهم.
قلت: وقد قيل إنه تزوج سودة قبل عائشة، قاله ابن إسحاق وغيره كما قدمنا ذكر الخلاف في ذلك فالله أعلم.
وقد قدمنا صفة تزويجه عليه السلام بهما قبل الهجرة وتأخر دخوله بعائشة إلى ما بعد الهجرة، قال وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن حذافة (3) بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، مات عنها مؤمنا.
قال وتزوج أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت قبله تحت ابن عمها أبو سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، قال وتزوج سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو بن عبد شمس مات عنها مسلما بعد رجوعه وإياها من أرض الحبشة إلى مكة رضي الله عنهما، قال وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وكانت قبله تحت عبد الله (4) بن جحش بن رئاب من بني أسد بن خزيمة مات بأرض الحبشة نصرانيا، بعث إليها رسول الله عمرو بن أمية
__________
(1) وهو هند بن أبي هالة التميمي الصحابي راوي حديث صفة النبي صلى الله عليه وآله وله ولد اسمه أيضا هند شرح المواهب 3 / 220، وفي ابن سعد كان لخديجة منه أيضا ولدا اسمه هالة.
(2) ذكر ابن سعد نسبه: أبو هالة واسمه هند بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم.
(3) في ابن سعد: سعد.
(4) كذا في الاصل عبد الله، وفي ابن هشام وابن سعد وشرح المواهب عبيد الله.
وهو الصواب.
(*)

(5/315)


الضمري إلى أرض الحبشة فخطبها عليه فزوجها منه عثمان بن عفان، كذا قال.
والصواب عثمان بن أبي العاص وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وقد قدمنا ذلك كله مطولا ولله الحمد.
قال: وتزوج زينب بنت جحش بن رئاب بن أسد بن خزيمة وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام، وهي أول نسائه لحوقا به، وأول من عمل عليها النعش صنعته أسماء بنت عميس عليها كما رأت ذلك بأرض الحبشة، قال وتزوج زينب بنت خزيمة وهي من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ويقال لها أم المساكين، وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش بن رئاب قتل يوم أحد فلم تلبث عنده عليه السلام إلا يسيرا حتى توفيت رضي الله عنها، وقال يونس، عن محمد بن
إسحاق كانت قبله عند الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، أو عند أخيه الطفيل بن الحارث (1).
قال الزهري: وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة قال: وهي التي وهبت نفسها.
قلت: الصحيح أنه خطبها وكان السفير بينهما أبو رافع مولاه كما بسطنا ذلك في عمرة القضاء.
قال الزهري.
وقد تزوجت قبله رجلين أولهما ابن عبد ياليل، وقال سيف بن عمر في روايته كانت تحت عمير (2) بن عمرو أحد بني عقدة بن ثقيف بن عمرو الثقفي مات عنها، ثم خلف عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي.
قال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار (3) بن الحارث بن عامر بن مالك بن المصطلق من خزاعة يوم المريسيع فأعتقها وتزوجها، ويقال بل قدم أبوها الحارث وكان ملك خزاعة فأسلم ثم تزوجها منه، وكانت قبله عند ابن عمها صفوان بن أبي السفر (4).
قال قتادة: عن سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن إسحاق وغيرهم قالوا: وكان هذا البطن من خزاعة حلفاء لابي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا يقول حسان: وحلف الحارث بن أبي ضرار * وحلف قريظة فيكم سواء وقال سيف بن عمر في روايته عن سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: وكانت جويرية تحت ابن عمها مالك بن صفوان بن تولب ذي الشفر بن أبي السرح بن مالك بن
__________
(1) في رواية ابن هشام كانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، وكانت قبل عبيدة عند جهم بن عمرو بن الحارث وهو ابن عمها.
وقال ابن سعد: كانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلقها فتزوجها بعده عبيدة بن الحارث (أخوه) فقتل عنها شهيدا يوم بدر (8 / 115).
(2) في ابن سعد: مسعود بن عمرو، ولم يذكر ابن اسحاق غير أبي رهم فقط.
(3) ذكر ابن سعد في نسبها: ابن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة بن المصطلق من خزاعة.
(4) في ابن سعد: مسافع بن صفوان ذي الشفر بن سرح بن مالك بن جذيمة.
(*)

(5/316)


المصطلق.
قال وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير يوم خيبر وهي عروس بكنانة (1) بن أبي الحقيق، وقد زعم سيف بن عمر في روايته أنها كانت قبل كنانة عند سلام بن مشكم.
فالله أعلم.
قال فهذه إحدى عشرة امرأة دخل بهن، قال: وقد قسم عمر بن الخطاب في خلافته لكل امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفا، وأعطى جويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف، بسبب أنهما سبيتا.
قال الزهري: وقد حجبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم لهما.
قلت: وقد بسطنا الكلام فيما تقدم في تزويجه عليه السلام كل واحدة من هذه النسوة رضي الله عنهن في موضعه.
قال الزهري: وقد تزوج العالية بنت ظيبان بن عمرو من بني بكر بن كلاب ودخل بها وطلقها.
قال البيهقي: كذا في كتابي وفي رواية غيره ولم يدخل بها فطلقها.
وقد قال محمد بن سعد عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني رجل من بني أبي بكر بن كلاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب فمكثت عنده دهرا ثم طلقها، وقد روى يعقوب بن سفيان، عن حجاج بن أبي منيع، عن جده عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن الضحاك بن سفيان الكلابي هو الذي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وأنا أسمع من وراء الحجاب، قال يا رسول الله هل لك في أخت أم شبيب، وأم شبيب مرأة الضحاك.
وبه قال الزهري تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عمرو بن كلاب فأنبئ أنبها بياضا فطلقها ولم يدخل بها.
قلت: الظاهر أن هذه هي التي قبلها.
والله أعلم.
قال: وتزوج أخت بني الجون الكندي (2) وهم حلفاء بني فزارة فاستعاذت منه فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك " فطلقها ولم يدخل بها.
قال: وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرية يقال لها مارية فولدت له غلاما اسمه إبراهيم، فتوفي وقد ملا المهد، وكانت له وليدة يقال لها ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من خناقة وهم بطن من بني قريظة (3) أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنها قد احتجبت.
وقد روى الحافظ ابن عساكر بسنده عن علي بن مجاهد أن رسول الله تزوج خولة بنت الهذيل بن هبيرة التغلبي وأمها حرنق (4) بنت
خليفة أخت دحية بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق، فتزوج خالتها شراف بنت
__________
(1) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق.
(2) سماها السهيلي في الروض: اسماء بنت النعمان بن الجون الكندية، وقال اتفقوا على تزويجها من النبي صلى الله عليه وآله واختلفوا في سبب فراقه لها.
وذكرها ابن سعد: اسماء بنت النعمان بن أبي الجون بن الاسود بن الحارث بن شراحيل بن الجون بن آكل المرار الكندي.
(3) الصواب من بني النضير، وكانت ريحانة قد تزوجت برجل اسمه الحكم من بني قريظة فألحقت بهم لذلك.
(4) قال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أن خرنق بنت خليفة كانت ربيبتها.
(*)

(5/317)


فضالة بن خليفة فحملت إليه من الشام فماتت في الطريق أيضا.
وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أسماء بنت كعب الجونية فلم يدخل بها حتى طلقها، وتزوج عمرة بنت زيد إحدى نساء بني كلاب ثم من بني الوحيد وكانت قبله عند الفضل بن عباس بن عبد المطلب فطلقها ولم يدخل بها.
قال البيهقي: فهاتان هما اللتان ذكرهما الزهري ولم يسمهما، إلا أن ابن إسحاق لم يذكر العالية.
وقال البيهقي (1): أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال: وهبن لرسول الله صلى الله عليه وسلم نساء أنفسهن، فدخل ببعضهن وأرجى بعضهن، فلم يقربهن حتى توفي، ولم ينكحن بعده، منهن أم شريك فذلك قوله تعالى: * (ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) * [ الاحزاب: 51 ].
قال البيهقي: وقد روينا عن هشام بن عروة عن أبيه.
قال: كانت خولة - يعني بنت حكيم - ممن وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البيهقي: وروينا في حديث أبي أسيد (2) الساعدي في قصة الجونية التي استعاذت، فألحقها بأهلها أن اسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل، كذا قال.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، عن أبيه وعباس بن سهل عن أبيه قالا: مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب له فخرجنا معه حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط حتى انتهينا إلى حائطين
فجلسنا بينهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجلسوا " ودخل هو وقد أتي بالجونية فعزلت في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها داية لها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هبي لي نفسك، قالت وهل تهب الملكة نفسها للسوقة، وقالت إني أعوذ بالله منك قال لقد عذت بمعاذ.
ثم خرج علينا فقال: " يا أبا أسيد اكسها دراعتين وألحقها بأهلها ".
وقال غير أبي أحمد امرأة من بني الجون يقال لها أمينة.
وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم، ثنا عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد قال: خرجنا مع رسول الله حتى انطلقنا إلى حائط يقال له الشوط، حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما فقال " اجلسوا ها هنا " فدخل وقد أتي بالجونية فأنزلت في محل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها، فلما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: " هبي لي نفسك ".
قالت: وهل تهب الملكة نفسها لسوقة ؟ ! قال فأهوى بيده يضع يده عليها لتسكن، فقالت أعوذ بالله منك.
قال: " لقد عذت بمعاذ ".
ثم خرج علينا فقال: " يا أبا أسيد أكسها رازقتين وألحقها بأهلها ".
قال البخاري: وقال الحسين بن الوليد عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه وأبي أسيد.
قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل، فلما أدخلت عليه بسط يده إليها، فكأنها كرهت ذلك.
فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقتين.
ثم قال لبخاري: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إبراهيم بن الوزير ثنا عبد الرحمن بن حمزة، عن أبيه، وعن
__________
(1) دلائل النبوة: 7 / 287.
(2) من الدلائل وابن سعد، وفي الاصل رشيد تحريف.
(*)

(5/318)


عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه بهذا.
انفرد البخاري بهذه الروايات من بين أصحاب الكتب.
وقال البخاري: ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الاوزاعي، سألت الزهري أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه ؟ فقال: أخبرني عروة عن عائشة أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله قالت: أعوذ بالله منك، فقال: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك " وقال ورواه حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري أن عروة أخبره أن عائشة قالت (الحديث) انفرد به دون مسلم.
قال البيهقي: ورأيت في
كتاب المعرفة لابن منده (1) أن اسم التي استعاذت منه أميمة بنت النعمان بن شراحيل.
ويقال فاطمة بنت الضحاك (2)، والصحيح أنها أميمة.
والله أعلم.
وزعموا أن الكلابية اسمها عمرة وهي التي وصفها أبوها بأنها لم تمرض قط، فرغب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى محمد بن سعد عن محمد بن عبد الله، عن الزهري.
قال: هي فاطمة بنت الضحاك بن سفيان استعاذت منه فطلقها، فكانت تلقط البعر وتقول: أنا الشقية.
قال وتزوجها في ذي القعدة سنة ثمان، وماتت سنة ستين (3).
وذكر يونس عن ابن إسحاق فيمن تزوجها عليه السلام ولم يدخل بها أسماء بنت كعب الجونية وعمرة بنت يزيد الكلابية.
وقال ابن عباس وقتادة: أسماء بنت النعمان بن أبي الجون.
فالله أعلم.
قال ابن عباس لما استعاذت منه خرج من عندها مغضبا، فقال له الاشعث: لا يسؤك ذلك يا رسول الله فعندي أجمل منها، فزوجه أخته قتيلة.
وقال غيره كان ذلك في ربيع سنة تسع.
وقال سعيد بن أبي عروة عن قتادة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، فذكر منهن أم شريك الانصارية النجارية قال: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لاحب أن أتزوج من الانصار ولكني أكره غيرتهن " ولم يدخل بها.
قال وتزوج أسماء (4) بنت الصلت من بني حرام ثم من بني سلم ولم يدخل بها، وخطب حمزة (5) بنت الحارث المزنية.
وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوج رسول الله ثماني عشرة امرأة، فذكر منهن قتيلة بنت قيس أخت الاشعث بن قيس، فزعم بعضهم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه.
قال ولم يكن قدمت عليه ولا رآها ولم يدخل بها.
قال: وزعم آخرون أنه عليه السلام أوصى أن تخير قتيلة فإن شاءت يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين، وإن شاءت فلتنكح من شاءت، فاختارت
__________
(1) في الدلائل: ابن منبه.
(2) دلائل النبوة 7 / 288 وزاد في الدلائل: ويقال إنها: مليكة الليثية.
(3) طبقات ابن سعد 8 / 141.
(4) ذكرها ابن سعد والطبري: سنا بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي، ومات قبل أن يصل إليها.
وذكرها ابن الاثير: شنبا بنت اسماء بن الصلت وفي رواية السهيلي:
سنى بنت الصلت أو سنا بنت اسماء بنت الصلت.
وقال الطبري في رواية هي: سبا بنت اسماء بن الصلت من بني حرام من بني سليم.
(5) في رواية الكامل: جمرة بنت الحارث بن أبي حارثة خطبها فقال أبوها: بها سوء، ولم يكن بها، فرجع إليها فوجدها قد برصت.
(ابن الاثير 2 / 158 - الطبري 3 / 180).
(*)

(5/319)


النكاح فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما.
فقال عمر بن الخطاب: ما هي من أمهات المؤمنين ولا دخل بها ولا ضرب عليها الحجاب قال أبو عبيدة: وزعم بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشئ، وأنها ارتدت بعده فاحتج عمر على أبي بكر بارتدادها أنها ليست من أمهات المؤمنين.
وذكر ابن منده أن التي ارتدت هي البرحاء من بني عوف بن سعد بن ذيبان.
وقد روى الحافظ ابن عساكر من طرق عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله تزوج قتيلة أخت الاشعث بن قيس، فمات قبل أن يخيرها فبرأها الله منه.
وروى حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، أن عكرمة بن أبي جهل لما تزوج قتيلة أراد أبو بكر أن يضرب عنقه، فراجعه عمر بن الخطاب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل بها وأنا ارتدت مع أخيها، فبرئت من الله ورسوله.
فلم يزل به حتى كف عنه.
قال الحاكم وزاد أبو عبيدة في العدد فاطمة بنت شريح، وسبأ بنت أسماء بن الصلت السلمية.
هكذا روى ذلك ابن عساكر من طريق ابن منده بسنده عن قتادة فذكره.
وقال محمد بن سعد عن ابن الكلبي مثل ذلك.
قال ابن سعد: وهي سبأ (1).
قال ابن عساكر: ويقال سبأ بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف السلمي.
قال ابن سعد: وأخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني العرزمي عن نافع عن ابن عمر قال: كان في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم سبأ بنت سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب.
وقال ابن عمر: إن رسول الله بعث أبا أسيد يخطب عليه امرأة من بني عامر يقال لها عمرة بنت يزيد بن عبيد [ بن رواس ] (2) بن كلاب، فتزوجها فبلغه أن بها بياضا فطلقها.
وقال محمد بن سعد: عن الواقدي حدثني أبو معشر.
قال:
تزوج رسول الله مليكة بنت كعب وكانت تذكر بجمال بارع، فدخلت عليها عائشة فقالت ألا تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ؟ فاستعاذت منه فطلقها، فجاء قومها.
فقالوا: يا رسول الله إنها صغيرة، ولا رأي لها، وإنها خدعت فارتجعها، فأبى.
فاستأذنوه أن يزوجوها بقريب لها من بني عذرة فأذن لهم، قال وكان أبوها قد قتله خالد بن الوليد يوم الفتح.
قال الواقدي: وحدثني عبد العزيز الجندعي عن أبيه عن عطاء بن يزيد قال: دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان سنة ثمان، وماتت عنده.
قال الواقدي وأصحابنا ينكرون ذلك (3).
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر أنبأنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد الماهاني، أنبأنا شجاع بن علي بن شجاع، أنبأنا أبو عبد الله بن منده، أنبأنا الحسن بن محمد بن حكيم المروزي، ثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري: أنبأنا عبد الله بن عثمان، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة، وكانت قبله تحت عتيق بن عائذ (4)
__________
(1) في الطبقات: سنا، وانظر الحاشية 4 صفحة 319.
(2) من ابن سعد 8 / 143.
(3) في زواجه مليكة بنت كعب الليثية انظر الطبقات 8 / 148.
(4) في الطبري: عابد.
(*)

(5/320)


المخزومي، ثم تزوج بمكة عائشة بنت أبي بكر، ثم تزوج بالمدينة حفصة بنت عمر، وكانت قبله تحت خنيس بن حذافة السهمي، ثم تزوج سودة بنت زمعة وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي بني عامر بن لؤي، ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الاسدي أحد بني خزيمة، ثم تزوج أم سلمة بنت أبي أمية وكان اسمها هند وكانت قبله تحت أبي سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن عبد العزي، ثم تزوج زينب بنت خزيمة الهلالية، وتزوج العالية بنت ظبيان من بني بكر بن عمرو بن كلاب، وتزوج امرأة من بني الحون من كندة، وسبى جويرية - في الغزوة التي هدم فيها مناة غزوة المريسيع - ابنة الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق من
خزاعة، وسبى صفية بنت حيي بن أخطب من بني النضير وكانتا مما أفاء الله عليه فقسمهما له، واستسر مارية القبطية فولدت له إبراهيم، واستسر ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها واحتجبت وهي عند أهلها، وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية بنت ظبيان، وفارق أخت بني عمرو بن كلاب، وفارق أخت بني الجون الكندية من أجل بياض كان بها، وتوفيت زينب بنت خزيمة الهلالية ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وبلغنا أن العالية بنت ظبيان التي طلقت تزوجت قبل أن يحرم الله النساء، فنكحت ابن عم لها من قومها وولدت فيهم.
سقناه بالسند لغرابة ما فيه من ذكره تزويج سودة بالمدينة، والصحيح أنه كان بمكة قبل الهجرة كما قدمناه.
والله أعلم.
قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق.
قال: فماتت خديجة بنت خويلد قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين لم يتزوج عليها امرأة حتى ماتت هي وأبو طالب في سنة، فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت زمعة، ثم تزوج بعد سودة عائشة بنت أبي بكر لم يتزوج بكرا غيرها ولم يصب منها ولدا حتى مات، ثم تزوج بعد عائشة حفصة بنت عمر، ثم تزوج بعد حفصة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين، ثم تزوج بعدها أم حبيبة بنت أبي سفيان، ثم تزوج بعدها أم سلمة هند بنت أبي أمية، ثم تزوج بعدها زينب بنت جحش، ثم تزوج بعدها جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، قال ثم تزوج بعد جويرية صفية بنت حيي بن أخطب، ثم تزوج بعدها ميمونة بنت الحارث الهلالية.
فهذا الترتيب أحسن وأقرب مما رتبه الزهري.
والله أعلم.
وقال يونس بن بكير، عن أبي يحيى عن حميل بن زيد الطائي، عن سهل بن زيد الانصاري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار (1)، فدخل بها فأمرها فنزعت ثوبها، فرأى بها بياضا من برص عند ثدييها، فانماز رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " خذي ثوبك " وأصبح فقال لها " الحقي بأهلك " فأكمل لها صداقها.
وقد رواه أبو نعيم، من حديث حميل بن زيد عن سهل بن زيد الانصاري وكان ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غفار فذكر مثله.
__________
(1) ذكرها الطبري وسماها: الشنباء بنت عمرو الغفارية قال وبعضهم يزعم انها قرظية وفي سبب فراقه لها قال: قالت لما مات ابراهيم: لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه.
(ج 3 / 178 والكامل لابن الاثير: 2 / 309).
(*)

(5/321)


قلت: وممن تزوجها صلى الله عليه وسلم ولم يدخلها بها أم شريك الازدية.
قال الواقدي: والمثبت أنها دوسية وقيل الانصارية، ويقال عامرية وأنها خولة بنت حكيم السلمي.
وقال الواقدي: اسمها غزية بنت جابر بن حكيم.
قال محمد بن إسحاق: عن حكيم بن حكيم، عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال: كان جميع ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة امرأة، منهن أم شريك الانصارية وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: وتزوج أم شريك الانصارية من بني النجار.
وقال " إني أحب أن أتزوج من الانصار لكني أكره غيرتهن " ولم يدخل بها.
وقال ابن إسحاق عن حكيم عن محمد بن علي عن أبيه قال: تزوج صلى الله عليه وسلم ليلى بنت الخطيم الانصارية وكانت غيورا فخافت نفسها عليه فاستقالته فأقالها.
فصل فيمن خطبها عليه السلام ولم يعقد عليها
قال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي عن أم هانئ فاختة (1) بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فذكرت أن لها صبية صغارا فتركها، وقال: " خير نساء ركبن الابل، صالح نساء قريش، أحناه على ولد طفل في صفره، وأرعاه على زوج في ذات يده ".
وقال عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني قد كبرت ولي عيال.
وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا عبد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح، عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني.
ثم أنزل الله * (إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك) * الآية [ الاحزاب: 50 ].
قالت فلم أكن أحل له لاني لم أهاجر كنت من الطلقاء.
ثم قال هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث السدي.
فهذا يقتضي أن من لم تكن من المهاجرات لا تحل له صلى الله عليه وسلم.
وقد نقل هذا المذهب مطلقا القاضي الماوردي
في تفسيره عن بعض العلماء.
وقيل المراد بقوله * (اللاتي هاجرن معك) * أي من القرابات المذكورات.
وقال قتادة * (اللاتي هاجرن معك) * أي أسلمن معك.
فعلى هذا لا يحرم عليه إلا الكفار وتحل له جميع المسلمات، فلا ينافي تزويجه من نساء الانصار إن ثبت ذلك، ولكن لم يدخل بواحدة منهن أصلا.
وأما حكاية الماوردي: عن الشعبي أن زينب بنت خزيمة أم المساكين أنصارية فليس بجيد.
فإنها هلالية بلا خلاف كما تقدم بيانه.
والله أعلم.
وروى محمد بن سعد: عن هشام بن الكلبي، عن أبيه، عن أبي صالح، عن ابن عباس.
قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم إلى
__________
(1) كذا في الاصل وابن سعد.
وفي الطبري: هند.
(*)

(5/322)


رسول الله وهو مول ظهره إلى الشمس، فضربت [ على ] (1) منكبه فقال: " من هذا أكله الاسود " فقالت: أنا بنت مطعم الطير، ومباري الريح، أنا ليلى بنت الخطيم، جئتك لاعرض عليك نفسي تزوجني ؟ قال: " قد فعلت " فرجعت إلى قومها فقالت: قد تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: بئس ما صنعت ! أنت امرأة غيرى ورسول الله صاحب نساء تغارين عليه، فيدعو الله عليك فاستقيليه، فرجعت فقالت: أقلني يا رسول الله.
فأقالها.
فتزوجها مسعود بن أوس بن سواد بن ظفر فولدت له، فبينما هي يوما تغتسل في بعض حيطان المدينة إذ وثب عليها ذئب أسود فأكل بعضها، فماتت.
وبه عن ابن عباس: أن ضباعة بنت عامر بن قرط كانت تحت عبد الله بن جدعان فطلقها، فتزوجها بعده هشام بن المغيرة فولدت له سلمة، وكانت امرأة ضخمة جميلة لها شعر غزير يجلل جسمها، فخطبها رسول الله من ابنها سلمة، فقال: حتى استأمرها ؟ فاستأذنها فقالت يا بني أفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذن ؟ فرجع ابنها فسكت ولم يرد جوابا، وكأنه رأى أنها قد طعنت في السن، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنها (2).
وبه عن ابن عباس قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري، وكان أصابها سبي فخيرها رسول الله فقال: " إن شئت أنا وإن شئت زوجك " فقالت: بل زوجي فأرسلها فلعنتها بنو تميم.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا الواقدي، ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي قد وهبت نفسها من
رسول الله، فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت ؟ قال محمد بن سعد: وأنبأنا وكيع عن شريك عن جابر عن الحكم عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم شريك الدوسية.
قال الواقدي: الثبت عندنا أنها من دوس من الازد.
قال محمد بن سعد: واسمها غزية بنت جابر بن حكيم (3).
وقال الليث بن سعد: عن هشام بن محمد عن أبيه قال قال متحدث أن أم شريك كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت امرأة صالحة.
وممن خطبها ولم يعقد عليها حمزة (4) بنت الحارث بن عون بن أبي حارثة المري فقال أبوها: إن بها سوءا - ولم يكن بها - فرجع إليها وقد تبرصت وهي أم شبيب بن البرصاء الشاعر.
هكذا ذكره سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
قال: وخطب حبيبة بنت العباس بن عبد المطلب فوجد أباها أخوه من الرضاعة أرضعتهما ثوبية مولاة أبي لهب.
فهؤلاء نساؤه وهن ثلاثة أصناف، صنف دخل بهن ومات عنهن وهن التسع المبدأ بذكرهن، وهن حرام على الناس بعد موته عليه السلام بالاجماع المحقق المعلوم من الدين ضرورة، وعدتهن بإنقضاء أعمارهن.
قال الله تعالى * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند
__________
(1) من ابن سعد 8 / 150.
وليلى هي أخت قيس بن الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن الاوس.
(2) الخبر رواه ابن سعد في الطبقات 1 / 152.
(3) طبقات ابن سعد 1 / 154 - 155.
(4) في الطبري جمرة.
قال في القاموس والبرصاء لقب أم شبيب الشاعر واسمها أمامة أو قرصافة.
(*)

(5/323)


الله عظيما) * [ الاحزاب: 53 ].
وصنف دخل بهن وطلقهن في حياته فهل يحل لاحد أن يتزوجهن بعد انقضاء عدتهن منه عليه السلام ؟ فيه قولان للعلماء، أحدهما لا لعموم الآية التي ذكرناها.
والثاني نعم بدليل آية التخيير وهي قوله * (يأيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحصنات منكن أجرا عظيما) * قالوا: فلولا أنها تحل لغيره أن يتزوجها بعد فراقه إياها لم
يكن في تخييرها بين الدنيا والآخرة فائدة إذ لو كان فراقه لها لا يبحها لغيره لم يكن فيه فائدة لها، وهذا قوي والله تعالى أعلم.
وأما الصنف الثالث وهي من تزوجها وطلقها قبل أن يدخل بها، فهذه تحل لغيره أن يتزوجها.
ولا أعلم في هذا القسم نزاعا.
وأما من خطبها ولم يعقد عقده عليها فأولى لها أن تتزوج، وأولى.
وسيجئ فصل في كتاب الخصائص يتعلق بهذا المقام.
والله أعلم.
فصل في ذكر سراريه عليه السلام
كانت له عليه السلام سريتان، إحداهما مارية بنت شمعون القبطية أهداها له صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا، وأهدى معها أختها شيرين وذكر أبو نعيم أنه أهداها في أربع جوار والله أعلم.
وغلاما خصيا اسمه مابور، وبغلة يقال لها الدلدل فقبل هديته واختار لنفسه مارية وكانت من قرية ببلاد مصر يقال لها حفن من كورة أنصنا، وقد وضع عن أهل هذه البلدة معاوية بن أبي سفيان في أيام إمارته الخراج إكراما لها من أجل أنها حملت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بولد ذكر وهو إبراهيم عليه السلام، قالوا: وكانت مارية جميلة بيضاء أعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبها وحضيت عنده، ولا سيما بعدما وضعت إبراهيم ولده.
وأما أختها شيرين فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان، وأما الغلام الخصي وهو مابور فقد كان يدخل على مارية وشيرين بلا إذن كما جرت به عادته بمصر، فتكلم بعض الناس فيها بسبب ذلك ولم يشعروا أنه خصي حتى انكشف الحال على ما سنبينه قريبا إن شاء الله.
وأما البغلة فكان عليه السلام يركبها، والظاهر والله أعلم أنها التي كان راكبها يوم حنين.
وقد تأخرت هذه البغلة وطالت مدتها حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام إمارته، ومات فصارت إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكبرت حتى كان يجش (1) لها الشعير لتأكله.
قال أبو بكر بن خزيمة: حدثنا محمد بن زياد بن عبيد الله، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة بن الخصيب، عن أبيه قال: أهدى أمير القبط إلى رسول الله جاريتين أختين.
وبغلة فكان يركب البغلة بالمدينة.
واتخذ إحدى الجاريتين فولدت له إبراهيم ابنه، ووهب الاخرى.
وقال الواقدي: حدثنا يعقوب بن
__________
(1) يجش: يطحن.
(*)

(5/324)


محمد بن أبي صعصعة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجب بمارية القبطية، وكانت بيضاء جعدة جميلة، فأنزلها وأختها على أم سليم بنت ملحان (2)، فدخل عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فأسلمتا هناك، فوطئ مارية بالملك، وحولها إلى مال له بالعالية كان من أموال بني النضير، فكانت فيه في الصيف، وفي خزافة النخل.
فكان يأتيها هناك، وكانت حسنة الدين، ووهب أختها شيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن، وولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما سماه إبراهيم، وعق عنه بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الارض، وسماه إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى (3) مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما، فجاء أبو رافع إلى رسول الله فبشره فوهب له عقدا (4)، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزق منها الولد.
وروى الحافظ أبو الحسن الدار قطني: عن أبي عبيد القاسم بن إسماعيل، عن زياد بن أيوب، عن سعيد بن زكريا المدائني، عن ابن أبي سارة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اعتقها ولدها ".
ثم قال الدارقطني: تفرد به زياد بن أيوب وهو ثقة.
وقد رواه ابن ماجه: من حديث حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة عن ابن عباس بمثله.
ورويناه من وجه آخر.
وقد أفردنا لهذه المسألة وهي بيع أمهات الاولاد مصنفا مفردا على حدته، وحكينا فيه أقوال العلماء بما حاصله يرجع إلى ثمانية أقوال، وذكرنا مستند كل قول ولله الحمد والمنة.
وقال يونس بن بكير: عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب قال: أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذ هذا السيف فانطلق فإن وجدته عندها فاقتله " قال: قلت يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شئ حتى أمضي لما أمرتني به، أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب " فأقبلت متوشحا
السيف فوجدته عندها، فاخترطت السيف فلما رآني عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي فيها ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه فإذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان، حدثني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي قال: قلت يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة أم الشاهد يرى مالا يرى الغائب ؟ قال " الشاهد يرى
__________
(1) في رواية لابن سعد عن الواقدي: كان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان.
(2) كذا في الاصل، وفي رواية الطبري وابن سعد عن الواقدي: ان حاطب بن أبي بلتعة - وكان جاء بهما من المقوقس - قد دعاهما إلى الاسلام قبل أن يقدم بهما فأسلمتا هناك (ابن سعد 8 / 212 - الطبري 3 / 99).
(3) في القاموس: وأم سلمى امرأة أبي رافع.
(4) في رواية ابن سعد: عبدا.
(*)

(5/325)


ما لا يرى الغائب " هكذا رواه مختصرا.
وهو أصل الحديث الذي أوردناه وإسناده رجال ثقات.
وقال الطبراني: حدثني محمد بن عمرو بن خالد الحراني، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعقيل عن الزهري عن أنس قال: لما ولدت مارية إبراهيم كاد أن يقع في النبي صلى الله عليه وسلم منه شئ حتى نزل جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا أبا إبراهيم.
وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو بكر بن أبي عاصم، حدثنا محمد بن يحيى الباهلي، حدثنا يعقوب بن محمد، عن رجل سماه عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: أهدى ملك من بطارقة الروم يقال له المقوقس جارية قبطية من بنات الملوك يقال لها: مارية وأهدى معها ابن عم لها شابا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ذات يوم يدخل خلوته فأصابها حملت بإبراهيم، قالت عائشة فلما استبان حملها جزعت من ذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن لها لبن فاشترى لها ضأنة لبونا تغذي منها الصبي، فصلح إليه جسمه وحسن لونه، وصفا لونه، فجاءته ذات يوم تحمله على عاتقها فقال: " يا عائشة كيف ترين الشبه ؟ " " فقلت أنا وغيري: ما أرى شبها "، فقال " ولا
اللحم ؟ " فقلت لعمري من تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه.
قال الواقدي: ماتت مارية في المحرم سنة خمس عشرة (1) فصلى عليها عمر ودفنها في البقيع، وكذا قال المفضل بن غسان الغلابي (2).
وقال خليفة وأبو عبيدة ويعقوب بن سفيان: ماتت سنة ستة عشرة.
رحمها الله.
ومنهن ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال من بني قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير ويقال من بني قريظة.
قال الواقدي: كانت ريحانة بنت زيد من بني النضير وكانت مزوجة فيهم (3)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذها لنفسه صفيا، وكانت جميلة فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسلم فأبت إلا اليهودية، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه، فأرسل إلى ابن شعبة (4) فذكر له ذلك فقال ابن شعبة فداك أبي وأمي هي تسلم، فخرج حتى جاءها فجعل يقول لها: لا تتبعي قومك فقد رأيت ما أدخل عليهم حيي بن أخطب فأسلمي يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ سمع وقع نعلين فقال: " أن هاتين لنعلا ابن شعبة يبشرني بإسلام ريحانة " فجاء يقول: يا رسول الله قد أسلمت ريحانة، فسر بذلك.
وقال محمد بن إسحاق: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قريظة اصطفى لنفسه ريحانة بنت عمرو بن خناقة فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه، وكان عرض عليها الاسلام ويتزوجها فأبت إلا اليهودية ثم ذكر من إسلامها ما تقدم.
قال الواقدي فحدثني عبد الملك بن سليمان، عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي
__________
(1) في رواية الطبري وابن سعد عن الواقدي: ست عشرة.
(ابن سعد 8 / 216، الطبري 4 / 188).
(2) الغلابي: نسب إلى امرأة، وهي أم خالد بن الحارث بن أوس بن النابغة.
عن اللباب 2 / 184.
(3) في رواية ابن سعد عن الواقدي سماه الحكم، ولاحظ ابن سعد أن الحكم من بني قريظة.
(4) من ابن هشام وابن سعد.
وفي الاصل دون نقط، وفي الاصابة: ثعلبة بن شعبة.
وفي رواية البيهقي عن ابن اسحاق هو: ثعلبة بن سعية.
(*)

(5/326)


صعصعة، عن أيوب بن بشير المعاوي قال: فأرسل بها رسول الله إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر، فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها، فجاءت أم المنذر فأخبرت
رسول الله، فجاءها في منزل المنذر فقال لها " إن أحببت أن أعتقك وأتزوجك فعلت، وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطأك بالملك فعلت " فقالت: يا رسول الله إن أخف عليك وعلي أن أكون في ملكك، فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطأها حتى ماتت (1).
قال الواقدي: وحدثني ابن أبي ذئب.
قال سألت الزهري عن ريحانة فقال: كانت أمة رسول الله فأعتقها وتزوجها، فكانت تحتجب في أهلها وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وهذا أثبت الحديثين عندنا، وكان زوجها قبله عليه السلام الحكم.
وقال الواقدي ثنا عاصم بن عبد الله بن الحكم عن عمر بن الحكم قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، وكانت عند زوج لها، وكان محبا لها مكرما، فقالت: لا أستخلف بعده أحدا أبدا، وكانت ذات جمال.
فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي فعزلت، وكان يكون له صفي في كل غنيمة فلما عزلت خار الله لي فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الاسرى وفرق السبي، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجنبت منه حياء، فدعاني فأجلسني بين يديه فقال: إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه فقلت: إني أختار الله ورسوله فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يقسم لي كما يقسم لنسائه، وضرب علي الحجاب.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بها، وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها، فقيل لها ولو كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة لاعتقهم، فكانت تقول: لم يخل بي حتى فرق السبي، ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها، فلم تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع.
فدفنها بالبقيع.
وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة (2).
وقال ابن وهب، عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: واستسر رسول الله ريحانة من بني قريظة ثم أعتقها فلحقت بأهلها، وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى، كانت ريحانة بنت زيد بن شمعون من بني النضير.
وقال بعضهم من بني قريظة وكانت تكون في نخل من نخل الصدقة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل عندها أحيانا، وكان سباها في شوال سنة أربع.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا زهير، عن سعيد عن قتادة قال: كانت لرسول الله
وليدتان، مارية القبطية وريحه أو ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني عمرو بن قريظة، كانت عند ابن عم لها يقال به عبد الحكم فيما بلغني، وماتت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ولائد، مارية القبطية، وريحانة القرظية، كانت له جارية أخرى جميلة فكادها نساؤه وخفن أن تغلبن عليه، وكانت له جارية نفيسة وهبتها له زينب،
__________
(1) الخبر في ابن سعد 8 / 131.
(2) طبقات ابن سعد 8 / 129.
(*)

(5/327)


وكان هجرها في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة والمحرم وصفر، فلما كان شهر ربيع الاول الذي قبض فيه رضي عن زينب ودخل عليها، فقالت ما أدري ما أجزيك ؟ فوهبتها له صلى الله عليه وسلم.
روى سيف بن عمر: عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم لمارية وريحانة مرة، ويتركهما مرة.
وقال أبو نعيم: قال أبو محمد بن عمر الواقدي: توفيت ريحانة سنة عشرة وصلى عليها عمر بن الخطاب ودفنها بالبقيع ولله الحمد.
فصل في ذكر أولاده عليه الصلاة والسلام
لا خلاف أن جميع أولاده من خديجة بنت خويلد سوى إبراهيم فمن مارية بنت شمعون القبطية، قال محمد بن سعد: أنبأنا هشام بن الكلبي أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
قال: كان أكبر (1) ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، ثم زينب (2)، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم - وهو أول ميت من ولده بمكة - ثم مات عبد الله فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله عز وجل * (إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر) * قال ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، فمات ابن ثمانية عشر شهرا.
وقال أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري: ثنا عبد الباقي بن نافع، ثنا محمد بن زكريا، ثنا العباس بن بكار: حدثني محمد بن زياد والفرات بن السائب، عن
ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: ولدت خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن محمد، ثم أبطأ عليه الولد من بعده، فبينا رسول الله يكلم رجلا والعاص بن وائل ينظر إليه إذ قال له رجل من هذا ؟ قال له هذا الابتر.
وكانت قريش إذا ولد للرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا هذا الابتر، فأنزل الله * (إن شانئك هو الابتر) * أي مبغضك هو الابتر من كل خير.
قال ثم ولدت له زينب، ثم ولدت له رقية، ثم ولدت له القاسم، ثم ولدت الطاهر، ثم ولدت المطهر، ثم ولدت الطيب، ثم ولدت المطيب، ثم ولدت أم كلثوم، ثم ولدت فاطمة.
وكانت أصغرهم.
وكانت خديجة إذا ولدت ولدا دفعته إلى من يرضعه.
فلما ولدت فاطمة لم يرضعها غيرها.
وقال الهيثم بن عدي: حدثنا هشام بن عروة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم ابنان، طاهر والطيب.
وكان يسمي أحدهما عبد شمس.
والآخر عبد العزى وهذا فيه نكارة.
والله أعلم.
وقال محمد بن عائذ: أخبرني الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، أن خديجة ولدت القاسم والطيب والطاهر ومطهر وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم.
وقال الزبير بن بكار: أخبرني عمي مصعب بن
__________
(1) في ابن سعد: أول من ولد.
(2) في ابن سعد: زينب، ثم رقية ثم قاطمة ثم أم كلثوم ثم ولد له في الاسلام فسمي الطيب، والطاهر.
(الطبقات ج 1 / 133).
(*)

(5/328)


عبد الله قال: ولدت خديجة القاسم والطاهر وكان يقال له الطيب، وولد الطاهر بعد النبوة، ومات صغيرا واسمه عبد الله، وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.
قال الزبير وحدثني إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الاسود: أن خديجة ولدت القاسم والطاهر والطيب وعبد الله وزينب ورقية وفاطمة وأم كلثوم.
وحدثني محمد بن فضالة: عن بعض من أدرك من المشيخة قال: ولدت خديجة القاسم وعبد الله، فأما القاسم فعاش حتى مشى (1)، وأما عبد الله فمات وهو صغير.
وقال الزبير بن بكار: كانت خديجة تذكر في الجاهلية الطاهرة بنت خويلد، وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده وبه كان يكنى، ثم زينب، ثم عبد الله وكان يقال له الطيب، ويقال
له الطاهر، ولد بعد النبوة ومات صغيرا.
ثم ابنته أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية.
هكذا الاول فالاول.
ثم مات القاسم بمكة - وهو أول ميت من ولده - ثم مات عبد الله.
ثم ولدت له مارية بنت شمعون إبراهيم وهي القبطية التي أهداها المقوقس صاحب اسكندرية، وأهدى معها أختها شيرين وخصيا يقال له مابور، فوهب شيرين لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن.
وقد انقرض نسل حسان بن ثابت.
وقال أبو بكر بن الرقي: يقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله، ويقال إن الطيب والمطيب ولدا في بطن، والطاهر والمطهر ولدا في بطن.
وقال المفضل بن غسان عن أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج، عن مجاهد قال: مكث القاسم بن النبي صلى الله عليه وسلم سبع ليال ثم مات قال المفضل وهذا خطأ، والصواب أنه عاش سبعة عشر شهرا.
وقال الحافظ أبو نعيم: قال مجاهد مات القاسم وله سبعة أيام.
وقال الزهري وهو ابن سنتين.
وقال قتادة: عاش حتى مشى.
وقال هشام بن عروة: وضع أهل العراق ذكر الطيب والطاهر، فأما مشايخنا فقالوا: عبد العزى وعبد مناف والقاسم، ومن النساء رقية وأم كلثوم وفاطمة.
هكذا رواه ابن عساكر وهو منكر، والذي أنكره هو المعروف.
وسقط ذكر زينب ولا بد منها.
والله أعلم.
فأما زينب فقال عبد الرزاق: عن ابن جريج قال لي، غير واحد: كانت زينب أكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت فاطمة أصغرهن وأحبهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج زينب أبو العاص بن الربيع فولدت منه عليا وأمامة، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة، فإذا سجد وضعها.
وإذا قام حملها.
ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي وقتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهم، وكأنها كانت طفلة صغيرة.
فالله أعلم.
وقد تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد موت فاطمة على ما سيأتي إن شاء الله، وكانت وفاة زينب رضي الله عنها في سنة ثمان.
قاله قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وخليفة بن خياط وأبو بكر بن أبي خيثمة وغير واحد.
وقال قتادة عن ابن حزم في أول سنة ثمان.
وذكر حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنها لما هاجرت دفعها رجل فوقعت على صخرة فأسقطت حملها، ثم لم تزل وجعة حتى ماتت.
فكانوا يرونها ماتت شهيدة، وأما رقية فكان قد تزوجها أولا ابن عمها عتبة بن أبي لهب كما تزوج أم كلثوم أخوه
__________
(1) قال الواقدي: مات وهو ابن سنتين.
(*)

(5/329)


عتيبة بن أبي لهب، ثم طلقاهما قبل الدخول بهما بغضة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله * (تبت ؟ ؟ أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد) * فتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه رقية، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة، ويقال إنه أول من هاجر إليها.
ثم رجعا إلى مكة كما قدمنا وهاجرا إلى المدينة وولدت له ابنه عبد الله فبلغ ست سنين (1)، فنقره ديك في عينيه فمات وبه كان يكنى أولا، ثم اكتنى بابنه عمرو وتوفيت وقد انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان.
ولما أن جاء البشير بالنصر إلى المدينة - وهو زيد بن حارثة - وجدهم قد ساووا على قبرها التراب، وكان عثمان قد أقام عليها يمرضها بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره، ولما رجع زوجه بأختها أم كلثوم أيضا ولهذا كان يقال له ذو النورين، ثم ماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له شيئا.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كانت عندي ثالثة لزوجتها عثمان " وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو كن عشرا لزوجتهن عثمان " وأما فاطمة فتزوجها ابن عمها علي بن أبي طالب في صفر (2) سنة اثنتين، فولدت له الحسن والحسين، ويقال ومحسن، وولدت له أم كلثوم وزينب.
وقد تزوج عمر بن الخطاب في أيام ولايته بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة وأكرمها إكراما زائدا أصدقها أربعين ألف درهم لاجل نسبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب.
ولما قتل عمر بن الخطاب تزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها، فخلف عليها أخوه محمد فمات عنها، فتزوجها أخوهما عبد الله بن جعفر فماتت عنده.
وقد كان عبد الله بن جعفر تزوج بأختها زينب بنت علي وماتت عنده أيضا وتوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر على أشهر الاقوال (3).
وهذا الثابت عن عائشة في الصحيح، وقاله الزهري أيضا وأبو جعفر الباقر وعن الزهري بثلاثة أشهر.
وقال أبو الزبير بشهرين.
وقال أبو بريدة عاشت بعده سبعين من بين يوم وليلة.
وقال عمرو بن دينار مكثت بعده ثمانية أشهر.
وكذا قال عبد الله بن الحارث.
وفي رواية عن عمرو بن دينار بأربعة أشهر.
وأما
إبراهيم فمن مارية القبطية كما قدمنا، وكان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان.
وقد روي عن ابن لهيعة وغيره عن عبد الرحمن بن زياد.
قال: لما حبل بإبراهيم أتى جبريل فقال السلام عليك يا أبا إبراهيم، إن الله قد وهب لك غلاما من أم ولدك مارية، وأمرك أن تسميه إبراهيم، فبارك الله لك فيه وجعله قرة عين لك في الدنيا والآخرة.
وروى الحافظ أبو بكر البزار: عن محمد بن مسكين، عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عقيل، ويزيد بن أبي حبيب عن الزهري عن أنس قال: لما ولد للنبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وقع في نفسه منه شئ، فأتاه جبريل، فقال: السلام عليك يا أبا
__________
(1) في طبقات ابن سعد: سنتين.
(2) قال الواقدي: في رجب.
(3) قال الواقدي: وهو الثبت عندنا - من قال بعده بستة أشهر - وتوفيت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها.
(*)

(5/330)


إبراهيم.
وقال أسباط: عن السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن قال: سألت أنس بن مالك قلت كم بلغ إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم من العمر ؟ قال قد كان ملا مهده، ولو بقي لكان نبيا ولكن لم يكن ليبق لان نبيكم صلى الله عليه وسلم آخر الانبياء.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن السدي عن أنس بن مالك قال: لو عاش إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم لكان صديقا نبيا.
وقال أبو عبيد الله بن منده: ثنا محمد بن سعد، ومحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عثمان العبسي، ثنا منجاب، ثنا أبو عامر الاسدي، ثنا سفيان، عن السدي عن أنس قال: توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهرا.
فقال رسول الله: " ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة " وقال أبو يعلى: ثنا أبو خيثمة، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن عمرو بن سعيد، عن أنس قال: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله.
كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيدخل إلى البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره فينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع.
قال عمرو: فلما توفي إبراهيم قال رسول الله: " إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له
لظئرين تكملان رضاعه في الجنة " (1) وقد روى جرير وأبو عوانة، عن الاعمش، عن مسلم بن صبيح، أبي الضحى، عن البراء قال: توفي إبراهيم بن رسول الله وهو ابن ستة عشر شهرا، فقال: " ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا في الجنة ".
ورواه أحمد من حديث جابر عن عامر عن البراء.
وهكذا رواه سفيان الثوري عن فراس، عن الشعبي، عن البراء بن عازب بمثله.
وكذا رواه الثوري أيضا عن أبي إسحاق عن البراء وأورد له ابن عساكر من طريق عتاب بن محمد بن شوذب، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: توفي إبراهيم فقال رسول الله " يرضع بقية رضاعه في الجنة ".
وقال أبو يعلى الموصلي: ثنا زكريا بن يحيى الواسطي، ثنا هشيم، عن إسماعيل قال: سألت ابن أبي أوفى - أو سمعته يسأل - عن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: مات وهو صغير، ولو قضى أن يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لعاش.
وروى ابن عساكر من حديث أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ، ثنا عبيد بن إبراهيم الجعفي، ثنا الحسن بن أبي عبد الله الفراء، ثنا مصعب بن سلام، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر بن عبد الله.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو عاش إبراهيم لكان نبيا " وروى ابن عساكر: من حديث محمد بن إسماعيل بن سمرة، عن محمد بن الحسن الاسدي، عن أبي شيبة عن أنس قال: لما مات إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه " فجاء فانكب عليه وبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه صلى الله عليه وسلم.
قلت: أبو شيبة هذا لا يتعامل بروايته.
ثم روى من حديث مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن خيثم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: لما توفي إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر وعمر: أنت أحق من علم الله حقه، فقال " تدمع العين ويحزن القلب،
__________
(1) الخبر في ابن سعد ج 1 / 136 و 139.
(*)

(5/331)


ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق، وموعود جامع، وأن الآخر منا يتبع الاول، لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد مما وجدنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " وقال الامام أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، عن جابر عن الشعبي، عن البراء.
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن ستة عشر شهرا.
وقال: " إن له في الجنة من يتم رضاعه وهو صديق " وقد روي من حديث الحكم بن عيينة عن الشعبي، عن البراء.
وقال أبو يعلى: ثنا القواريري، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن ابن أبي أوفى قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه، وصليت خلفه وكبر عليه أربعا.
وقد روى يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: مات إبراهيم بن رسول الله وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه.
وروى ابن عساكر من حديث إسحاق بن محمد الفروي، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن أبي جده عن علي قال: لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب إلى أمة مارية القبطية وهي في مشربة، فحمله علي في سفط وجعله بين يديه على الفرس، ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسله وكفنه وخرج به، وخرج الناس معه، فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد، فدخل علي في قبره حتى سوى عليه ودفنه، ثم خرج ورش على قبره، وأدخل رسول الله يده في قبره فقال " أما والله إنه لنبي ابن نبي " وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تدمع العين ويحزن القلب.
ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ".
وقال الواقدي: مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الاول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار في دار أم برزة (1) بنت المنذر، ودفن بالبقيع.
قلت: وقد قدمنا أن الشمس كسفت يوم موته، فقال الناس كسفت لموت إبراهيم.
فخطب رسول الله فقال في خطبته: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته " قاله الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر.