البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
باب ذكر عبيده عليه الصلاة والسلام وإمائه وخدمه وكتابه وأمنائه ولنذكر
ما أورده مع الزيادة والنقصان وبالله المستعان.
فمنهم أسامة بن زيد بن حارثة أبو زيد الكلبي، ويقال أبو يزيد ويقال أبو
محمد مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه، وحبه وابن حبه، وأمه أم أيمن،
واسمها بركة كانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صغره، وممن
آمن به قديما بعد بعثته، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر
أيام حياته، وكان عمره إذ ذاك
__________
(1) في ابن سعد روى عن الواقدي: أم بردة 1 / 144.
(*)
(5/332)
ثماني عشرة أو
تسع عشرة، وتوفي وهو أمير على جيش كثيف منهم عمر بن الخطاب، ويقال وأبو
بكر الصديق وهو ضعيف.
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نصبه للامامة، فلما توفي عليه السلام
وجيش أسامة مخيم بالجرف كما قدمناه، استطلق أبو بكر من أسامة عمر بن
الخطاب في الاقامة عنده ليستضئ برأيه فأطلقه له، وأنفذ أبو بكر جيش
أسامة بعد مراجعة كثيرة من الصحابة له في ذلك، وكل ذلك يأبى عليهم
ويقول: والله لا أحل راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساروا
حتى بلغوا تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قتل أبوه زيد، وجعفر بن أبي
طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم، فأغار على تلك البلاد وغنم
وسبى وكر راجعا سالما مؤيدا كما سيأتي.
فلهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يلقى أسامة إلا قال له:
السلام عليك أيها الامير.
ولما عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم راية الامرة طعن بعض الناس
في إمارته، فخطب رسول الله فقال فيها: " إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم
في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للامارة، وإن كان لمن
أحب الخلق إلي بعده " (1) وهو في الصحيح من حديث موسى بن عقبة عن سالم
عن أبيه.
وثبت في صحيح البخاري: عن أسامة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول " اللهم إني أحبهما فأحبهما "
(2) وروي عن الشعبي عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "
من أحب الله ورسوله فليحب أسامة بن زيد " ولهذا لما فرض عمر بن الخطاب
للناس في الديوان فرض لاسامة في خمسة آلاف.
وأعطى ابنه عبد الله بن عمر في أربعة آلاف.
فقيل له في ذلك فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله من أبيك.
وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري عن عروة عن أسامة: أن رسول
الله أردفه خلفه على حمار عليه قطيفة حين ذهب يعود سعد بن عبادة، قبل
وقعة بدر.
قلت: وهكذا أردفه وراءه على ناقته حين دفع من عرفات إلى المزدلفة كما
قدمنا في حجة الوداع وقد ذكر غير واحد أنه رضي الله عنه لم يشهد مع علي
شيئا من مشاهده، واعتذر إليه بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين قتل ذلك الرجل وقد قال لا إله إلا الله، فقال " من لك بلا إله إلا
الله يوم القيامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ من لك بلا إله
إلا الله يوم القيامة " الحديث.
وذكر فضائله كثيرة رضي الله عنه.
وقد كان أسود كالليل، أفطس حلوا حسنا كبيرا فصيحا عالما ربانيا، رضي
الله عنه.
وكان أبوه كذلك إلا أنه كان أبيض شديد البياض، ولهذا طعن بعض من لا
يعلم في نسبه منه.
ولما مر مجزز المدلجي عليهما وهما نائمان في قطيفة وقد بدت أقدامهما،
أسامة بسواده وأبوه زيد ببياضه قال: سبحان الله إن بعض هذه الاقدام لمن
بعض، أعجب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل على عائشة مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال " ألم تر أن مجززا نظر
آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن
__________
(1) فتح الباري 7 / 86 حديث رقم 3730.
(2) فتح الباري 7 / 88 حديث رقم 3736.
(*)
(5/333)
زيد فقال إن
بعض هذه الاقدام لمن بعض ".
ولهذا أخذ فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد من هذا الحديث من حيث التقرير
عليه والاستبشار به، العمل بقول القافة في اختلاط الانساب واشتباهها
كما هو مقرر في موضعه، والمقصود أنه رضي الله عنه توفي سنة أربع وخمسين
مما صححه أبو عمر.
وقال غيره سنة ثمان أو تسع وخمسين، وقيل مات بعد مقتل عثمان.
فالله أعلم.
وروى له الجماعة في كتبهم الستة.
ومنهم أسلم وقيل إبراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز أبو رافع القبطي أسلم قبل
بدر ولم يشهدها لانه كان بمكة مع سادته آل العباس، وكان ينحت القداح،
وقصته مع الخبيث أبي لهب حين جاء خبر وقعة بدر تقدمت ولله الحمد.
ثم هاجر وشهد أحدا وما بعدها، وكان كاتبا، وقد كتب بين يدي علي بن أبي
طالب بالكوفة، قاله المفضل بن غسان الغلابي.
وشهد فتح مصر في أيام عمر، وقد كان أولا للعباس بن عبد المطلب فوهبه
للنبي صلى الله عليه وسلم وعتقه وزوجه مولاته سلمى، فولدت له أولادا
وكان
يكون على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد ثنا محمد بن جعفر وبهز قالا: ثنا شعبة، عن الحكم، عن
ابن أبي رافع عن أبي رافع أن رسول الله بعث رجلا من بني مخزوم على
الصدقة، فقال لابي رافع أصحبني كيما تصيب منها، فقال لا حتى آتي رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فأتى رسول الله فسأله فقال: " الصدقة
لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم " وقد رواه الثوري، عن محمد بن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم به.
وروى أبو يعلى في مسنده عنه أنه أصابهم برد شديد وهم بخيبر، فقال رسول
الله " من كان له لحاف فليلحف من لا لحاف له " قال أبو رافع: فلم أجد
من يلحفني معه، فأتيت رسول الله فألقى علي لحافه، فنمنا حتى أصبحنا،
فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رجليه حية فقال: " يا أبا رافع
أقتلها أقتلها " وروى له الجماعة في كتبهم، ومات في أيام علي رضي الله
عنه.
ومنهم أنسة بن زيادة بن مشرح، ويقال أبو مسرح (1)، من مولدي السراة
مهاجري شهد بدرا فيما ذكره عروة والزهري وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق
والبخاري وغير واحد.
قالوا: وكان ممن يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس، وذكر
خليفة بن خياط في كتابه: قال قال علي بن محمد، عن عبد العزيز بن أبي
ثابت، عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عباس قال: استشهد يوم بدر
أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وليس هذا بثبت عندنا، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه شهد
أحدا (2) أيضا وبقي زمانا وأنه توفي في حياة أبي بكر رضي الله عنه أيام
خلافته.
ومنهم أيمن بن عبيد بن زيد الحبشي ونسبه ابن منده إلى عوف بن الخزرج
وفيه نظر، وهو ابن أم أيمن بركة أخو أسامة لامه.
قال ابن إسحاق: وكان على مطهرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثبت
يوم
__________
(1) قبل أصله من عجم الفرس كانت أمه حبشية وأبوه فارسيا واسمه
بالفارسية: كردوى بن أشرنيده بن أدوهر بن مهردار بن كحنكان من بني
مهجوار بن يوماست.
(تاريخ الطبري 3 / 181).
(2) قال الطبري: شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله
عليه وآله (*)
(5/334)
حنين، ويقال إن
فيه وفي أصحابه نزل قوله تعالى * (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا
صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * [ الكهف: 110 ].
قال الشافعي: قتل أيمن مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم
حنين.
قال فرواية مجاهد عنه منقطعة - يعني بذلك ما رواه الثوري، عن منصور، عن
مجاهد، عن عطاء عن أيمن الحبشي قال: لم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم
السارق إلا في المجن، وكان ثمن المجن يومئذ دينار - وقد رواه أبو
القاسم البغوي في معجم الصحابة عن هارون بن عبد الله، عن أسود بن عامر،
عن الحسن بن صالح، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد، وعطاء عن أيمن عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وهذا يقتضي تأخر موته عن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن الحديث
مدلسا عنه، ويحتمل أن يكون أريد غيره، والجمهور كابن إسحاق وغيره ذكروه
فيمن قتل من الصحابة يوم حنين.
فالله أعلم.
ولابنه الحجاج بن أيمن مع عبد الله بن عمر قصة (1).
ومنهم باذام وسيأتي ذكره في ترجمة طهمان.
ومنهم ثوبان بن بحدد ويقال ابن جحدر أبو عبد الله، ويقال أبو عبد
الكريم، ويقال أبو عبد الرحمن.
أصله من أهل السراة مكان بين مكة واليمن، وقيل من حمير من أهل اليمن،
وقيل من الهان، وقيل من حكم بن سعد العشيرة من مذحج أصابه سبي في
الجاهلية.
فاشتراه رسول الله فأعتقه وخيره إن شاء أن يرجع إلى قومه، وإن شاء يثبت
فإنه منهم أهل البيت.
فأقام على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه حضرا ولا سفرا
حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشهد فتح مصر أيام عمر ونزل حمص بعد ذلك وابتنى بها دارا، وأقام بها
إلى أن مات سنة أربع وخمسين، وقيل سنة أربع وأربعين - وهو خطأ - وقيل
إنه مات بمصر، والصحيح بحمص كما قدمنا والله أعلم.
روى له البخاري في كتاب الادب، ومسلم في صحيحه وأهل السنن الاربعة.
ومنهم حنين مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد إبراهيم بن عبد الله
بن حنين، وروينا أنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويوضئه، فإذا
فرغ النبي صلى الله عليه وسلم خرج بفضلة الوضوء إلى أصحابه، فمنهم من
يشرب منه، ومنهم من يتمسح به، فاحتبسه حنين فخبأه عنده في جرة حتى شكوه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له " ما تصنع به ؟ " فقال أدخره
عندي أشربه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام " هل
رأيتم غلاما أحصى ما أحصى هذا ؟ " ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وهبه
لعمه العباس فأعتقه رضي الله عنهما.
ومنهم ذكوان يأتي ذكره في ترجمة طهمان.
__________
(1) رواها ابن سعد في طبقاته 8 / 225: دخل الحجاج المسجد فصلى صلاة لم
يتم ركوعه ولا سجوده فقال له عبد الله بن عمر: يا أخي انك لم تصل فعد
لصلاتك، ولما خرج سأل عنه فقيل له اسمه الحجاج ابن أم أيمن فقال: لو
رأى هذا رسول الله لاحبه.
ورواه البخاري في صحيحه - كتاب فضائل الصحابة حديث 3736 - 3737.
(*)
(5/335)
ومنهم رافع أو
أبو رافع ويقال له أبو البهي.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة كان لابي أحيحة سعيد بن العاص الاكبر فورثه
بنوه وأعت ثلاثة منهم أنصباءهم وشهد معهم يوم بدر، فقتلوا ثلاثتهم، ثم
اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد مولاه إلا نصيب خالد بن سعيد،
فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأعتقه فكان
يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كان بنوه يقولون من
بعده.
ومنهم رباح الاسود، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي
أخذ الاذن لعمر بن الخطاب، حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في تلك المشربة يوم آلى من نسائه واعتزلهن في تلك المشربة وحده عليه
السلام، هكذا جاء مصرحا باسمه في حديث عكرمة بن عمار، عن سماك بن
الوليد، عن ابن عباس عن عمر.
وقال الامام أحمد ثنا وكيع، ثنا عكرمة بن عمار، عن أياس بن سلمة بن
الاكوع، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يسمى رباح.
ومنهم رويفع (1) مولاه عليه الصلاة والسلام، هكذا عده في الموالي مصعب
بن عبد الله الزبيري وأبو بكر بن أبي خيثمة قالا: وقد وفد ابنه على عمر
بن عبد العزيز في أيام خلافته ففرض له.
قالا: ولا عقب له.
قلت: كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد الاعتناء بموالي رسول الله
صلى الله عليه وسلم، يحب أن يعرفهم ويحسن إليهم.
وقد كتب في أيام خلافته إلى أبي بكر بن حزم عالم أهل المدينة في زمانه:
أن يفحص له عن موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء
وخدامه.
رواه الواقدي: وقد ذكره أبو عمر مختصرا وقال لا أعلم له رواية، حكاه
ابن الاثير في [ أسد ] الغابة.
ومنهم زيد بن حارثة الكلبي وقد قدمنا طرفا من ذكره عند ذكر مقتله بغزوة
مؤتة رضي الله عنه، وذلك في جمادى من سنة ثمان قبل الفتح بأشهر، وقد
كان هو الامير المقدم، ثم بعده جعفر، ثم بعدهما عبد الله بن رواحة.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم زيد بن حارثة في سرية إلا أمره عليهم، ولو بقي بعده لاستخلفه.
رواه أحمد.
ومنهم زيد أبو يسار (2)، قال أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة سكن
المدينة، روى حديثا واحدا لا أعلم له غيره.
حدثنا محمد بن علي الجوزجاني، ثنا أبو سلمة - هو التبوذكي - ثنا حفص بن
عمر الطائي، ثنا أبو عمر بن مرة سمعت بلال بن يسار بن زيد مولى النبي
صلى الله عليه وسلم سمعت
__________
(1) اعتبر الطبري رويفع وأبو رافع واسلم واحدا، مولى رسول الله صلى
الله عليه وآله وهو أبو البهي.
(2) في الطبري: يسار وكان نوبيا وقع في سهم رسول الله صلى الله عليه
وآله في غزوة بني عبد بن ثعلبة (كما في ابن سعد) فأعتقه وهو الذي قتله
العرنيون الذين أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله.
(تاريخ الطبري 3 / 182 - ابن سعد 1 / 498).
(*)
(5/336)
أبي حدثني عن
جدي أنه سمع رسول الله يقول: " من قال استغفر الله الذي لا إله إلا هو
الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف " وهكذا رواه أبو
داود عن أبي سلمة: وأخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري عن أبي
سلمة موسى بن إسماعيل به.
وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
ومنهم سفينة أبو عبد الرحمن، ويقال أبو البختري كان اسمه مهران (1)،
وقيل عبس، وقيل أحمر، وقيل رومان، فلقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم
لسبب سنذكره، فغلب عليه.
وكان مولى لام سلمة فأعتقته واشترطت عليه أن يخدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى يموت، فقبل ذلك.
وقال لو لم تشترطي علي ما فارقته وهذا الحديث في السنن.
وهو من مولدي العرب وأصله من أبناء فارس وهو سفينة بن مافنة.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا حشرج بن نباتة العبسي كوفي،
حدثنا سعيد بن جمهان، حدثني سفينة قال قال رسول الله: " الخلافة في
أمتي ثلاثون سنة، ثم ملكا بعد ذلك " ثم
قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، وخلافة عمر، وخلافة عثمان، وأمسك
خلافة علي، ثم قال: فوجدناها ثلاثين سنة.
ثم نظرت بعد ذلك في الخلفاء فلم أجده يتفق لهم ثلاثون.
قلت لسعيد أين لقيت سفينة ؟ قال ببطن نخلة في زمن الحجاج، فأقمت عنده
ثلاث ليال أسأله عن أحاديث رسول الله.
قلت له ما اسمك ؟ قال ما أنا بمخبرك، سماني رسول الله سفينة.
قلت ولم سماك سفينة ؟ قال خرج رسول الله ومعه أصحابه، فثقل عليهم
متاعهم فقال لي " أبسط كساك " فبسطته، فجعلوا فيه متاعهم ثم حملوه علي،
فقال لي رسول الله " احمل فإنما أنت سفينة " فلو حملت يومئذ وقر بعير
أو بعيرين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة ما ثقل علي، إلا
أن يحفوا (2) وهذا الحديث عن أبي داود والترمذي والنسائي.
ولفظه عندهم " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا " وقال الامام
أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة.
قال: كنا في سفر، فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه، ترسا أو سيفا حتى
حملت من ذلك شيئا كثيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أنت سفينة "
هذا هو المشهور في تسميته سفينة.
وقد قال أبو القاسم البغوي: ثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني،
ومحمد بن جعفر الوركاني، قالا: ثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن عمران
البجلي، عن مولى لام سلمة.
قال: كنا مع رسول الله فمررنا بواد - أو نهر - فكنت أعبر الناس.
فقال لي رسول الله " ما كنت منذ اليوم إلا سفينة " وهكذا رواه الامام
أحمد عن أسود بن
__________
(1) ذكره ابن الاثير في الكامل قال: ويقال اسمه رباح، وذكر ابن سعد
سفينة غلام له فأعتقه وقال: وكان للنبي صلى الله عليه وآله غلام اسمه
رباح وكان في ظهر النبي صلى الله عليه وآله الذي أغار عليه ابن عيينة
بن حصن.
وذكره الطبري قال: ومهران غلام رسول الله صلى الله عليه وآله حدث عنه
صلى الله عليه وآله وهو غير سفينة.
وانظر ترجمة له في الاصابة 2 / 58.
(2) يحفوا: يزيدوا ويبالغوا.
والحديث أخرجه البيهقي في الدلائل ج 6 / 47 والحاكم في المستدرك 3 /
606 وقال: " صحيح الاسناد ولم يخرجاه " واقره الذهبي.
(*)
(5/337)
عامر عن شريك.
وقال أبو عبد الله بن منده: ثنا الحسن بن مكرم، ثنا عثمان بن
عمر، ثنا أسامة بن زيد، عن محمد بن المنكدر عن سفينة قال: ركبت البحر
في سفينة فكسرت بنا، فركبت لوحا منها فطرحني في جزيرة فيها أسد، فلم
يرعني إلا به، فقلت يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فجعل يغمزني بمنكبه حتى أقامني على الطريق، ثم همهم فظننت أنه
السلام.
وقد رواه أبو القاسم البغوي: عن إبراهيم بن هانئ، عن عبيد الله بن
موسى، عن رجل، عن محمد بن المنكدر عنه.
ورواه أيضا عن محمد بن عبد الله المخرمي، عن حسين بن محمد.
قال قال عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، عن
سفينة فذكره.
ورواه أيضا: حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا علي بن عاصم، حدثني أبو
ريحانة، عن سفينة مولى رسول الله قال: لقيني الاسد فقلت: أنا سفينة
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فضرب بذنبه الارض وقعد (1).
وروى له مسلم وأهل السنن.
وقد تقدم في الحديث الذي رواه الامام أحمد أنه كان يسكن بطن نخلة، وأنه
تأخر إلى أيام الحجاج.
ومنهم سلمان الفارسي أبو عبد الله مولى الاسلام، أصله من فارس وتنقلت
به الاحوال إلى أن صار لرجل من يهود المدينة، فلما هاجر رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة أسلم سلمان، وأمره رسول الله صلى الله عليه
وسلم فكاتب سيده اليهودي، وأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم على
أداء ما عليه فنسب إليه وقال " سلمان منا أهل البيت ".
وقد قدمنا صفة هجرته من بلده وصحبته لاولئك الرهبان واحدا بعد واحد حتى
آل به الحال إلى المدينة النبوية، وذكر صفة إسلامه رضي الله عنه في
أوائل الهجرة النبوية إلى المدينة وكانت وفاته في سنة خمس وثلاثين في
آخر أيام عثمان - أو في أول سنة ست وثلاثين - وقيل إنه توفي في أيام
عمر بن الخطاب، والاول أكثر.
قال العباس بن يزيد البحراني: وكان أهل العلم لا يشكون أنه عاش مائتين
وخمسين سنة واختلفوا فيما زاد على ذلك إلى ثلاثمائة وخمسين.
وقد ادعى بعض الحفاظ المتأخرين أنه لم يجاوز المائة.
فالله أعلم بالصواب.
ومنهم شقران الحبشي واسمه صالح بن عدي، ورثه عليه السلام من أبيه.
وقال مصعب الزبيري ومحمد بن سعد: كان لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي
صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أحمد بن حنبل: عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر أنه ذكره فيمن شهد
بدرا، قال ولم يقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا رواه محمد بن سعد فيمن شهد بدرا وهو مملوك، فلهذا لم يسهم له بل
استعمله على الاسرى، فحذاه (2) كل رجل له أسير شيئا، فحصل له أكثر من
نصيب كامل.
قال وقد كان ببدر
__________
(1) خبر سفينة والاسد رواه البيهقي في الدلائل من طرق عن ابن المنكدر
عن سفينة في الدلائل 6 / 45 - 46.
وذكره السيوطي في الخصائص 2 / 65 عن ابن سعد وأبي يعلى والبزار وابن
منده والحاكم وصححه والبيهقي وأبي نعيم كلهم عن سفينة مولى رسول الله
صلى الله عليه وآله.
(2) حذاه: أعطاه، والحذوة العطية.
(*)
(5/338)
ثلاثة غلمان
غيره، غلام لعبد الرحمن بن عوف، وغلام لحاطب بن أبي بلتعة، وغلام لسعيد
بن معاذ، فرضخ لهم ولم يقسم.
قال أبو القاسم البغوي: وليس له ذكر فيمن شهد بدرا في كتاب الزهري، ولا
في كتاب ابن إسحاق.
وذكر الواقدي: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبد
الله بن أبي جهم قال: استعمل رسول الله شقران مولاه على جميع ما وجد في
رحال المريسيع من رثة (1) المتاع والسلاح والنعم والشاء وجمع الذرية
ناحية.
وقال الامام أحمد: ثنا أسود ابن عامر، ثنا مسلم بن خالد، عن عمرو بن
يحيى المازني، عن أبيه عن شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: رأيته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى خيبر على
حمار يصلي عليه، يومئ إيماء.
وفي هذه الاحاديث شواهد أنه رضي الله عنه شهد هذه المشاهد.
وروى الترمذي عن زيد بن أخزم عن عثمان بن فرقد، عن جعفر بن محمد،
أخبرني ابن أبي رافع قال: سمعت شقران يقول: أنا والله طرحت القطيفة تحت
رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: الذي اتخذ قبر النبي صلى الله عليه
وسلم أبو طلحة، والذي ألقى القطيفة شقران.
ثم قال الترمذي حسن غريب.
وقد تقدم أنه شهد غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في قبره، وأنه
وضع تحته القطيفة التي كان يصلي عليها وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
وذكر الحافظ أبو الحسن بن الاثير في [ أسد ] الغابة أنه انقرض نسله
فكان آخرهم موتا بالمدينة في أيام الرشيد.
ومنهم ضميرة (2) بن أبي ضميرة الحميري، أصابه سبي في الجاهلية فاشتراه
النبي صلى الله عليه وسلم
فأعتقه، ذكره مصعب الزبيري قال: وكانت له دار بالبقيع، وولد.
قال عبد الله بن وهب عن ابن أبي ذئب عن حسين بن عبد الله بن ضميرة عن
أبيه عن جده ضميرة أن رسول الله مر بأم ضميرة وهي تبكي فقال لها: " ما
يبكيك ؟ أجائعة أنت، أعارية أنت " قالت: يا رسول الله فرق بيني وبين
ابني، فقال رسول الله " لا يفرق بين الوالدة وولدها " ثم أرسل إلى الذي
عنده ضميرة فدعاه فابتاعه منه ببكر قال ابن أبي ذئب ثم أقرأني كتابا
عنده: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة
وأهل بيته، أن رسول الله أعتقهم، وأنهم أهل بيت من العرب، إن أحبوا
أقاموا عند رسول الله، وإن أحبوا رجعوا إلى قومهم، فلا يعرض لهم إلا
بحق، ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا، وكتب أبي بن كعب (3).
ومنهم طهمان، ويقال ذكوان.
ويقال مهران ويقال ميمون، وقيل كيسان، وقيل باذام.
__________
(1) الرثة: ما يسقط من متاع البيت.
(2) في الطبري وكامل ابن الاثير: أبو ضميرة.
قيل من عجم الفرس.
اسمه راح من ولد بشتاسب وقع في قسم رسول الله صلى الله عليه وآله في
بعض وقائعه فأعتقه وكتب له كتابا بالوصية.
(3) راجع النص في: أسد الغابة 3 / 47 و 5 / 232 أوعز إليه في الاصابة ج
2 رقم 4204 وج 4 رقم 670 في ترجمة أبي ضميرة والجمهرة 1 / 69 عن
المواهب اللدنية.
والمعارف لابن قتيبة ص 64.
(*)
(5/339)
روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: " إن الصدقة لا تحل لي ولا لاهل بيتي، وإن
مولى القوم من أنفسهم " رواه البغوي: عن منجاب بن الحارث وغيره، عن
شريك، عن عطاء بن السائب، عن إحدى بنات علي بن أبي طالب وهي أم كلثوم
بنت علي قالت: حدثني مولى للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له طهمان أو
ذكوان.
قال قال رسول الله.
فذكره.
ومنهم عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو داود الطيالسي: عن شعبة، عن سليمان التيمي عن شيخ (1) عن عبيد
مولى للنبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت هل كان النبي صلى الله عليه
وسلم يأمر بصلاة سوى المكتوبة ؟ قال صلاة بين المغرب والعشاء.
قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم روى غيره.
قال ابن عساكر: وليس
كما قال.
ثم ساق من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا عبد الاعلى بن حماد، ثنا حماد
بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن عبيد مولى رسول الله أن امرأتين كانتا
صائمتين، وكانتا تغتابان الناس، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بقدح فقال لهما " قيئا " فقاءا قيحا ودما ولحما عبيطا ثم قال " إن
هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام " وقد رواه الامام أحمد: عن
يزيد بن هارون، وابن أبي عدي عن سليمان التيمي، عن رجل حدثهم في مجلس
أبي عثمان، عن عبيد مولى رسول الله فذكره.
ورواه أحمد أيضا: عن غندر، عن عثمان بن غياث قال: كنت مع أبي عثمان
فقال رجل حدثني سعيد - أو عبيد - عثمان يشك مولى النبي صلى الله عليه
وسلم فذكره (2).
ومنهم فضالة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن سعيد: أنبأنا الواقدي: حدثني عتبة بن خيرة الاشهلي قال:
كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن افحص لي عن
خدم رسول الله من الرجال والنساء ومواليه، فكتب إليه قال: وكان فضالة
مولى له يماني نزل الشام بعد.
وكان أبو مويهبة مولدا من مولدي مزينة فأعتقه.
قال ابن عساكر: لم أجد لفاضلة ذكرا في الموالي إلا من هذا الوجه.
ومنهم قفيز أوله قاف وآخره زاي.
قال أبو عبد الله بن منده: أنبأنا سهل بن السري، ثنا أحمد بن محمد بن
المنكدر، ثنا محمد بن يحيى، عن محمد بن سليمان الحراني، عن زهير بن
محمد، عن أبي بكر بن عبد الله بن أنيس.
قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له قفيز، تفرد به
محمد بن سليمان.
ومنهم كركرة، كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وقد
ذكره أبو بكر بن حزم فيما كتب
__________
(1) هكذا وقع في الاصابة في ترجمته: مرة عن شيخ عن عبيد، ومرة عن رجل
عن عبيد ولم يذكر اسمه.
(2 / 448).
(2) أخرجه أحمد في مسنده (5 / 430) والبيهقي في الدلائل من طرق عن عبيد
ج 6 / 186 - 187 وعبيد ذكره ابن حبان قال: له صحبة وذكره ابن السكن في
الصحابة.
(*)
(5/340)
به إلى عمر بن
عبد العزيز.
قال الامام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد
الله بن عمرو قال: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له
كركرة، فمات فقال " هو في النار " فنظروا فإذا عليه عباءة قد غلها، أو
كساء قد غله.
رواه البخاري عن علي بن المديني عن سفيان.
قلت: وقصته شبيهة بقصة مدعم الذي أهداه رفاعة من بني النصيب كما سيأتي.
ومنهم كيسان.
قال البغوي: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا ابن فضيل، عن عطاء بن
السائب قال: أتيت أم كلثوم بنت علي فقالت: حدثني مولى للنبي صلى الله
عليه وسلم يقال له كيسان قال له النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من أمر
الصدقة " إنا أهل بيت نهينا أن نأكل الصدقة، وإن مولانا من أنفسنا فلا
تأكل الصدقة ".
ومنهم مابور القبطي الخصي، أهداه له صاحب اسكندرية مع مارية وشيرين
والبغلة.
وقد قدمنا من خبره في ترجمة مارية رضي الله عنهما ما فيه كفاية.
ومنهم مدعم، وكان أسود من مولدي حسمى (1) أهداه رفاعة بن زيد الجذامي،
قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مرجعهم من خيبر.
فلما وصلوا إلى وادي القرى فبينما مدعم يحط عن ناقة رسول الله صلى الله
عليه وسلم رحلها، إذ جاءه سهم عاثر (2) فقتله.
فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر - لم تصبها
المقاسم - لتشتعل عليه نارا " فلما سمعوا ذلك جاء رجل بشراك - أو
شراكين - فقال النبي صلى الله عليه وسلم " شراك من نار، أو شراكان من
نار " أخرجاه: من حديث مالك، عن ثور بن يزيد، عن أبي الغيث، عن أبي
هريرة.
ومنهم مهران ويقال طهمان، وهو الذي روت عنه أم كلثوم بنت علي في تحريم
الصدقة على بني هاشم ومواليهم كما تقدم.
ومنهم ميمون وهو الذي قبله.
ومنهم نافع مولاه.
قال الحافظ ابن عساكر: أنبأنا أبو الفتح الماهاني، أنبأنا شجاع الصوفي،
أنبأنا محمد بن إسحاق، أنبأنا أحمد بن محمد بن زياد، حدثنا محمد بن عبد
الملك بن مروان، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أبو مالك الاشجعي، عن يوسف
بن ميمون عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل الجنة شيخ زان،
ولا مسكين متكبر، ولا منان بعمله على الله عز وجل ".
ومنهم نفيع، ويقال مسروح، ويقال نافع بن مسروح.
والصحيح نافع بن الحارث بن
__________
(1) حسمى: أرض ببادية الشام بينها وبين وادي القرى ليلتان تنزلها جذام
(معجم البلدان).
(2) في الطبري: سهم غرب.
أي لا يعرف من رماه.
(*)
(5/341)
كلدة بن عمرو
بن علاج بن سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قيس، وهو ثقيف أبو
بكرة الثقفي.
وأمه سمية أم زياد.
تدلى هو وجماعة من العبيد من سور الطائف، فأعتقهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكان نزوله في بكرة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا
بكرة.
قال أبو نعيم: وكان رجلا صالحا آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه
وبين أبي برزة الاسلمي.
قلت: وهو الذي صلى عليه بوصيته إليه، ولم يشهد أبو بكرة وقعة الجمل،
ولا أيام صفين، وكانت وفاته في سنة إحدى وخمسين، وقيل سنة اثنتين
وخمسين.
ومنهم واقد، أو أبو واقد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن
سفيان، ثنا محمد بن يحيى بن عبد الكريم، حدثنا الحسين بن محمد، ثنا
الهيثم بن حماد عن الحارث بن غسان (1)، عن رجل من قريش من أهل المدينة
عن زاذان عن واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " من أطاع الله فقد ذكر الله.
وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن، ومن عصى الله فلم يذكره وإن كثرت
صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ".
ومنهم هرمز أبو كيسان، ويقال هرمز أو كيسان، وهو الذي يقال فيه طهمان
كما تقدم.
وقد قال ابن وهب ثنا علي بن عباس، عن عطاء بن السائب، عن فاطمة بنت
علي، أو أم كلثوم بنت علي قالت: سمعت مولى لنا يقال له هرمز يكنى أبا
كيسان.
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنا أهل بيت لا تحل لنا
الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكلوا الصدقة ".
وقد رواه الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن ورقاء، عن عطاء بن
السائب قال: دخلت على أم كلثوم فقالت
إن هرمز أو كيسان حدثنا أن رسول الله قال: " إنا لا نأكل الصدقة ".
وقال أبو القاسم البغوي: ثنا منصور بن أبي مزاحم، ثنا أبو حفص الابار،
عن ابن أبي زياد عن معاوية قال: شهد بدرا عشرون مملوكا، منهم مملوك
للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له هرمز فأعتقه رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إن الله قد أعتقك، وإن مولى القوم من أنفسهم، وإنا أهل بيت لا
نأكل الصدقة فلا تأكلها ".
ومنهم هشام مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن سعد: أنبأنا
سليمان بن عبيد الله الرقي، أنبأنا محمد بن أيوب الرقي، عن سفيان، عن
عبد الكريم، عن أبي الزبير عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: جاء رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس، قال "
طلقها " قال: إنها تعجبني، قال " فتمتع بها " قال ابن منده وقد رواه
جماعة عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن مولى بني هاشم عن النبي صلى
الله عليه وسلم ولم يسمه.
ورواه عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن أبي الزبير عن جابر.
ومنهم يسار.
ويقال إنه الذي قتله العرنيون وقد مثلوا به.
وقد ذكر الواقدي بسنده عن
__________
(1) في الاصابة: عتبان، في ترجمة أبي واقد 4 / 216.
(*)
(5/342)
يعقوب بن عتبة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه يوم قرقرة الكدر مع نعم بني
غطفان وسليم، فوهبه الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله منهم،
لانه رآه يحسن الصلاة فأعتقه، ثم قسم في الناس النعم فأصاب كل إنسان
منهم سبعة أبعرة،، وكانوا مائتين.
ومنهم أبو الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو الذي
يقال إن اسمه هلال بن الحارث، وقيل ابن مظفر وقيل هلال بن الحارث بن
ظفر السلمي، أصابه سبي في الجاهلية.
وقال أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم: ثنا أحمد بن حازم، أنبانا عبد الله
بن موسى، والفضل بن دكين، عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي داود القاص عن
أبي الحمراء قال: رابطت المدينة سبعة أشهر كيوم، فكان النبي صلى الله
عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة كل غداة فيقول: " الصلاة الصلاة، إنما
يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " قال أحمد بن
حازم، وأنبأنا عبيد الله بن موسى،
والفضل بن دكين - واللفظ له - عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي داود عن أبي
الحمراء قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل عنده طعام في وعاء
فأدخله يده، فقال: " غششته ! من من غشنا فليس منا " وقد رواه ابن ماجه
عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم به.
وليس عنده سواه.
وأبو داود هذا هو نفيع بن الحارث الاعمى أحد المتروكين الضعفاء.
قال عباس الدوري، عن ابن معين: أبو الحمراء صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم اسمه هلال بن الحارث، كان يكون بحمص، وقد رأيت بها غلاما من
ولده وقال غيره كان منزله خارج باب حمص.
وقال أبو الوازع عن سمرة: كان أبو الحمراء في الموالي.
ومنهم أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال أبو سلام واسمه
حريث.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا كامل بن طلحة، ثنا عباد بن عبد الصمد،
حدثني أبو سلمة راعي النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله، وأن
محمدا رسول الله، وآمن بالبعث والحساب، دخل الجنة ".
قلنا أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأدخل أصبعيه في
أذنيه ثم قال: أنا سمعت هذا منه غير مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا
أربع.
لم يورد له ابن عساكر سوى هذا الحديث.
وقد روى له النسائي في اليوم والليلة آخر، وأخرج له ابن ماجه ثالثا.
ومنهم أبو صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو القاسم البغوي: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا معتمر، ثنا أبو كعب،
عن جده بقية عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع
له نطع ويجاء بزبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى
الاولى سبح حتى يمسي.
ومنهم أبو ضميرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم والد ضميرة المتقدم،
وزوج أم ضميرة.
وقد تقدم في ترجمة ابنه طرف من ذكرهم وخبرهم في كتابهم.
وقال محمد بن سعد في الطبقات: أنبأنا إسماعيل بن عبد الله بن أويس
المدني، حدثني حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتبه رسول
الله صلى الله عليه وسلم لابي ضميرة: بسم الله الرحمن الرحيم.
كتاب من محمد رسول الله لابي ضميرة وأهل بيته، إنهم كانوا أهل بيت من
العرب، وكانوا ممن أفاء الله على رسوله فأعتقهم.
ثم خير أبا ضميرة إن
(5/343)
أحب أن يلحق
بقومه فقد أذن له، وإن أحب أن يمكث مع رسول الله فيكونوا من أهل بيته،
فاختار
الله ورسوله ودخل في الاسلام، فلا يعرض لهم أحد إلا بخير.
ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيرا، وكتب أبي بن كعب قال إسماعيل
بن أبي أويس: فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد حمير.
وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب فعرض لهم اللصوص، فأخذوا ما
معهم فأخرجوا هذا الكتاب إليهم فأعلموهم بما فيه، فقرأوه فردوا عليهم
ما أخذوا منهم ولم يغرضوا لهم.
قال ووفد حسين بن عبد الله بن أبي ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين وجاء
معه بكتابهم هذا، فأخذه المهدي فوضعه على بصره، وأعطى حسينا ثلاثمائة
دينار.
ومنهم أبو عبيد مولاه عليه الصلاة والسلام.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبان العطار، ثنا قتادة، عن شهر بن
حوشب، عن أبي عبيد أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدرا فيها
لحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناولني ذراعها " فناولته
فقال: " ناولني ذراعها " فناولته فقال " ناولني ذراعها " فقلت يا نبي
الله كم للشاة من ذراع ؟ قال: " والذي نفسي بيده لو سكت لاعطيتني
ذراعها ما دعوت به " ورواه الترمذي في الشمائل عن بندار، عن مسلم بن
إبراهيم، عن أبان بن يزيد العطار به.
ومنهم أبو عشيب، ومنهم من يقول أبو عسيب، والصحيح الاول، ومن الناس من
فرق بينهما وقد تقدم أنه شهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
وحضر دفنه، وروى قصة المغيرة بن شعبة.
وقال الحارث بن أبي أسامة، ثنا يزيد بن هارون، ثنا مسلم بن عبيد، أبو
نصيرة، قال سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت
الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام، فالطاعون شهادة لامتي ورحمة
لهم ورجس على الكافر " وكذا رواه الامام أحمد: عن يزيد بن هارون.
وقال أبو عبد الله بن منده، أنبأنا محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق
الصاغاني، ثنا يونس بن محمد، ثنا حشرج بن نباتة حدثني أبو نصيرة البصري
عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلا فمر بي فدعاني ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم
مر بعمر فدعاه فخرج إليه، ثم انطلق يمشي حتى دخل حائطا لبعض الانصار،
فقال رسول الله لصاحب الحائط: " أطعمنا بسرا " فجاء به موضعه فأكل رسول
الله وأكلوا جميعا ثم دعا بماء فشرب منه، ثم قال: " إن هذا النعيم،
لتسألن يوم القيامة عن هذا " فأخذ عمر العذق
فضرب به الارض حتى تناثر البسر، ثم قال: يا نبي الله إنا لمسؤولون عن
هذا يوم القيامة ؟ قال " نعم إلا من ثلاثة، خرقة يستر بها الرجل عورته.
أو كسرة يسد بها جوعته، أو حجر يدخل فيه - يعني من الحر والقر - ".
ورواه الامام أحمد: عن شريح عن حشرج.
وروى محمد بن سعد في الطبقات: عن موسى بن إسماعيل، حدثتنا سلمة بنت
أبان الفريعية قالت: سمعت ميمونة بنت أبي عسيب قالت: كان أبو عسيب
يواصل بين ثلاث في الصيام، وكان يصلي الضحى قائما فعجز، وكان يصوم أيام
البيض.
قالت وكان في سريره جلجل فيعجز صوته حين يناديها به، فإذا حركه جاءت.
(5/344)
ومنهم أبو كبشة
الانماري من أنمار مذحج على المشهور، مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
في اسمه أقوال أشهرها أن اسمه سليم، وقيل عمرو بن سعد، وقيل عكسه.
وأصله من مولدي أرض دوس، وكان ممن شهد بدرا، قاله موسى بن عقبة عن
الزهري.
وذكره ابن إسحاق والبخاري والواقدي ومصعب الزبيري وأبو بكر بن أبي
خيثمة.
زاد الواقدي، وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد، وتوفي يوم استخلف عمر بن
الخطاب، وذلك في يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث
عشرة من الهجرة.
وقال خليفة بن خياط: وفي سنة ثلاث وعشرين توفي أبو كبشة مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم عن أبي كبشة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما مر في ذهابه إلى تبوك بالحجر جعل الناس يدخلون بيوتهم، فنودي
أن الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
ما يدخلكم على هؤلاء القوم الذين غضب الله عليهم ؟ " فقال رجل: نعجب
منهم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلا أنبئكم
بأعجب من ذلك ؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم، وما هو كائن بعدكم
" الحديث.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، عن
أزهر بن سعيد الحرازي سمعت أبا كبشة الانماري قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا يا رسول
الله قد كان شئ ؟ قال: " أجل، مرت بي فلانة فوقع في نفسي شهوة النساء
فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان
الحلال " وقال أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن
أبي كبشة الانماري.
قال قال رسول الله " مثل هذه الامة مثل أربعة نفر، رجل أتاه الله مالا
وعلما فهو يعمل به في ماله وينفقه في حقه، ورجل أتاه الله علما ولم
يؤته مالا فهو يقول لو كان لي مثل مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الاجر سواء، ورجل أتاه
الله مالا ولم يؤته علما فهو يحبط (1) فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم
يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو كان لي مثل مال هذا عملت في مثل
الذي يعمل " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهما في الوزر سواء
".
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد كلاهما عن
وكيع.
ورواه ابن ماجه أيضا من وجه آخر من حديث منصور، عن سالم بن أبي الجعد،
عن ابن أبي كبشة عن أبيه.
وسماه بعضهم عبد الله بن أبي كبشة.
وقال أحمد: حدثنا يزيد بن عبد ربه، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي، عن
راشد بن سعد، عن أبي عامر الهورني، عن أبي كبشة الانماري أنه أتاه فقال
أطرقني من فرسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من
أطرق مسلما فعقب له الفرس كان كأجر سبعين حمل عليه في سبيل الله عز وجل
".
وقد روى الترمذي: عن محمد بن إسماعيل، عن أبي نعيم، عن عبادة بن مسلم،
عن يونس بن خباب، عن سعيد أبي البختري الطائي، حدثني أبو كبشة أنه قال:
ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، ما نقص مال عبد صدقة، وما ظلم
عبد بمظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا، ولا يفتح عبد باب مسألة
إلا فتح الله عليه باب فقر، الحديث.
وقال حسن صحيح.
وقد
__________
(1) يحبط: بالحاء أحبط الله عمله أبطله.
وتروى خبطه: بالخاء: يسير على غير هدى.
(*)
(5/345)
رواه أحمد عن
غندر عن شعبة عن الاعمش عن سالم بن أبي الجعد عنه.
وروى أبو داود وابن ماجه من حديث الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان عن أبيه
عن أبي كبشة الانماري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتجم على
هامته وبين كتفيه.
وروى الترمذي: حدثنا حميد بن مسعدة، ثنا محمد بن حمران، عن أبي سعيد -
وهو عبد الله بن بسر - قال سمعت أبا كبشة الانماري يقول: كانت كمام
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطحا (1).
ومنهم أبو مويهبة مولاه عليه السلام، كان من مولدي مزينة اشتراه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه، ولا يعرف اسمه رضي الله عنه.
وقال أبو مصعب الزبيري شهد أبو مويهبة المريسيع، وهو الذي كان يقود
لعائشة رضي الله عنها بعيرها.
وقد تقدم ما رواه الامام أحمد وبسنده عنه في ذهابه مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الليل إلى البقيع، فوقف عليه السلام فدعا لهم
واستغفر لهم ثم قال: " ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض الناس، أتت
الفتن كقطع الليل المظلم يركب بعضها بعضا، الآخرة أشد من الاولى،
فيهنكم أنتم فيه " ثم رجع فقال: " يا أبا مويهبة إني خيرت مفاتيح ما
يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي، فاخترت لقاء ربي " قال فما
لبث بعد ذلك إلا سبعا - أو ثمانيا - حتى قبض.
فهؤلاء عبيده عليه السلام.
وأما إماؤه عليه السلام فمنهن أمة الله بنت رزينة.
الصحيح أن الصحبة لامها رزينة كما سيأتي، ولكن وقع في رواية ابن أبي
عاصم، حدثنا عقبة بن مكرم، ثنا محمد بن موسى، حدثتنا عليلة بنت الكميت
العتكية قالت: حدثني أبي عن أمة الله خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
أن رسول الله سبا صفية يوم قريظة والنضير فاعتقها وأمهرها رزينة أم أمة
الله.
وهذا حديث غريب جدا.
ومنهن أميمة.
قال ابن الاثير وهي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورى حديثها أهل الشام.
روى عنها جبير بن نفير أنها كانت توضئ رسول الله فأتاه رجل يوما فقال
له أوصني، فقال " لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت بالنار، ولا تدع
صلاة متعمدا، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله، ولا
تشربن مسكرا فإنه رأس كل خطيئة.
ولا تعصين والديك وإن أمراك أن تختلي من أهلك ودنياك " (2).
ومنهن بركة أم أيمن وأم أسامة بن زيد بن حارثة، وهي بركة بنت ثعلبة بن
عمرو بن حصين (3) بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان الحبشية، غلب
عليها كنيتها أم أيمن وهو ابنها
__________
(1) كمام: القلنسوة: بطحا: أي لازقة بالرأس غير ذاهبة في الهواء.
(2) أخرج الحديث محمد بن نصر في كتاب تعظيم قدر الصلاة وأبو علي بن
السكن والحسن بن سفيان في مسنده
وأشار إليه الترمذي في كتاب السير.
(3) في الاستيعاب: حصن.
(*)
(5/346)
من زوجها الاول
عبيد بن زيد الحبشي، ثم تزوجها بعده زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن
زيد، وتعرف بأم الظباء، قد هاجرت الهجرتين (1) رضي الله عنها، وهي
حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب وقد كانت ممن
ورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيه، قاله الواقدي.
وقال غيره: بل ورثها من أمه، وقيل بل كانت لاخت خديجة فوهبتها من رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وآمنت قديما وهاجرت، وتأخرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وتقدم ما ذكرناه من زيارة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إياها بعد وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها بكت فقالا لها: أما تعلمين أن ما عند
الله خير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: بلى، ولكن أبكي لان
الوحي قد انقطع من السماء، فجعلا يبكيان معها.
وقال البخاري في التاريخ: وقال عبد الله بن يوسف عن ابن وهب، عن يونس
بن يزيد، عن الزهري قال: كانت أم أيمن تحضن النبي صلى الله عليه وسلم
حتى كبر، فأعتقها ثم زوجها زيد بن حارثة، وتوفيت بعد النبي صلى الله
عليه وسلم بخمسة أشهر، وقيل ستة أشهر.
وقيل إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب.
وقد رواه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة كلاهما عن ابن وهب عن يونس عن
الزهري قال: كانت أم أيمن الحبشية فذكره.
وقال محمد بن سعد عن الواقدي: توفيت أم أيمن في أول خلافة عثمان بن
عفان.
قال الواقدي: وأنبأنا يحيى بن سعيد بن دينار، عن شيخ من بني سعد بن بكر
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لام أيمن " يا أمه " وكان
إذا نظر إليها قال " هذه بقية أهل بيتي ".
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، أخبرني سليمان بن أبي شيخ قال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: " أم أيمن أمي بعد أمي ".
وقال الواقدي: عن أصحابه المدنيين قالوا: نظرت أم أيمن إلى النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يشرب فقالت اسقني، فقالت عائشة: أتقولين هذا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقالت: ما خدمته أطول، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " صدقت " فجاء بالماء فسقاها.
وقال المفضل بن غسان: حدثنا وهب بن جرير، ثنا أبي قال: سمعت عثمان بن
القاسم قال: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف دون الروحاء وهي صائمة،
فأصابها عطش شديد حتى
جهدها، قال فدلى عليها دلو من السماء برشاء أبيض فيه ماء، قالت فشربت
فما أصابني عطش بعد، وقد تعرضت العطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد.
وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا مسلم بن
قتيبة، عن الحسين بن حرب، عن يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن،
عن أم أيمن قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخارة يبول فيها
فكان إذا أصبح يقول " يا أم أيمن صبي ما في الفخارة " فقمت ليلة وأنا
عطشى فشربت ما فيها، فقال رسول الله " يا أم أيمن صبي ما في الفخارة "
فقالت يا رسول الله قمت وأنا عطشى فشربت ما فيها فقال " إنك لن تشتكي
بطنك بعد يومك هذا أبدا " (2).
قال ابن الاثير في [ أسد ] الغابة: وروى حجاج بن محمد عن ابن
__________
(1) قال ابن حجر: كونها هاجرت إلى أرض الحبشة نظر.
وقال ابن عبد البر في هجرتها: أظن بركة هذه - التي هاجرت - هي أم أيمن،
إنما هي بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب هاجرت مع زوجها قيس بن
عبد الاسد، وهو ما ذكره ابن اسحاق وابن عقبة في مغازيه وابن سعد.
(2) ليس لهذه الرواية وأمثالها أي وزن، فهي في حقيقتها منافية وبعيدة
عن هدي الرسول وأوامره.
(*)
(5/347)
جريج عن حكيمة
بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم
قدح من عيدان فيبول فيه يضعه تحت السرير، فجاءت امرأة اسمها بركة
فشربته، فطلبه فلم يجده، فقيل شربته ؟ بركة.
فقال " لقد احتظرت من النار بحظار " قال الحافظ أبو الحسن بن الاثير:
وقيل إن التي شربت بوله عليه السلام إنما هي بركة الحبشية التي قدمت مع
أم حبيبة من الحبشة، وفرق بينهما.
فالله أعلم.
قلت: فأما بريرة فإنها كانت لآل أبي أحمد بن جحش (1) فكاتبوها فاشترتها
عائشة منهم فأعتقتها فثبت ولاؤها لها كما ورد الحديث بذلك في الصحيحين،
ولم يذكرها ابن عساكر.
ومنهن خضرة ذكرها ابن منده فقال: روى معاوية، عن هشام، عن سفيان، عن
جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خادم يقال
لها خضرة وقال محمد بن سعد عن الواقدي: ثنا فائد مولى عبد الله عن عبد
الله (2) بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت: كان خدم رسول الله
أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت أسعد، أعتقهن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلهن (3).
ومنهن خليسة مولاة حفصة بنت عمر، قال ابن الاثير في [ أسد ] الغابة:
روت حديثها عليلة (4) بنت الكميت عن جدتها عن خليسة مولاة حفصة في قصة
حفصة، وعائشة مع سودة بنت زمعة ومزحهما معها بأن الدجال قد خرج.
فاختبأت في بيت كانوا يوقدون فيه واستضحكتا، وجاء رسول الله فقال: " ما
شأنكما ؟ " فأخبرتاه بما كان من أمر سودة، فذهبت إليها فقالت: يا رسول
الله أخرج الدجال ؟ فقال " لا، وكأن قد خرج " فخرجت وجعلت تنفض عنها
بيض العنكبوت.
وذكر ابن الاثير: خليسة مولاة سليمان الفارسي وقال: لها ذكر في إسلام
سلمان وإعتاقها إياه، وتعويضه عليه السلام لها بأن غرس لها ثلاثمائة
فسيلة، ذكرتها تمييزا.
ومنهن خولة خادم النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن الاثير.
وقد روى حديثها الحافظ أبو نعيم من طريق حفص بن سعيد القرشي عن أمه عن
أمها خولة وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا في تأخر
الوحي بسبب جرو كلب مات تحت سريره عليه السلام ولم يشعروا به.
فلما أخرجه جاء الوحي، فنزل قوله تعالى * (والضحى والليل إذا سجى) *
وهذا غريب، والمشهور في سبب نزولها غير ذلك والله أعلم.
ومنهن رزينة، قال ابن عساكر والصحيح أنها كانت لصفية بنت حيي، وكانت
تخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) قال ابن عبد البر: كانت مولاة لبعض بني هلال، وقال ابن حجر: كانت
مولاة لقوم من الانصار، وكان زوجها مولى لابي أحمد بن جحش (انظر
ترجمتها في الاصابة 4 / 251).
(2) كذا في الاصل ورواية ابن سعد، وفي الخلاصة مولى عبادل وهو عبيد
الله بن علي بن أبي رافع عنه.
(3) طبقات ابن سعد 1 / 497 والاصابة 4 / 285.
(4) في الاصابة: عليكة.
(*)
(5/348)
قلت: وقد تقدم
في ترجمة ابنتها أمة الله أنه عليه السلام أمهر صفية بنت حيي أمها
رزينة،
فعلى هذا يكون أصلها له عليه السلام وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو
سعيد الجشمي، حدثتنا عليلة بنت الكميت قالت سمعت أمي أمينة قالت:
حدثتني أمة الله بنت رزينة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبى صفية يوم قريظة والنضير حين فتح الله
عليه، فجاء يقودها سبية، فلما رأت النساء قالت: أشهد أن لا إله إلا
الله، وأنك رسول الله.
فأرسلها وكان ذراعها في يده، فأعتقها ثم خطبها وتزوجها وأمهرها رزينة.
هكذا وقع في هذا السياق، وهو أجود مما سبق من رواية ابن أبي عاصم ولكن
الحق أنه عليه السلام اصطفى صفية من غنائم خيبر، وأنه أعتقها وجعل
عتقها صداقها وما وقع في هذه الرواية يوم قريظة والنضير تخبيط فإنهما
يومان، بينهما سنتان.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أخبرنا ابن عبدان، أنبأنا
أحمد بن عبيد الصفار، ثنا علي بن الحسن السكري، ثنا عبيد الله بن عمر
القواريري.
حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية عن أمها أمينة قالت: قلت لامة الله
بنت رزينة مولاة رسول الله: يا أمة الله أسمعت أمك تذكر أنها سمعت رسول
الله يذكر صوم عاشوراء ؟ قالت: نعم كان يعظمه ويدعو برضعائه ورضعاء
ابنته فاطمة فيتفل في أفواههم ويقول لامهاتهم: " لا ترضعيهم إلى الليل
" له شاهد في الصحيح.
ومنهن رضوى، قال ابن الاثير روى سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رضوى بنت
كعب أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحائض تخضب، فقال: "
ما بذلك بأس " رواه أبو موسى المديني.
ومنهن ريحانة بنت شمعون القرظية، وقيل النضرية، وقد تقدم ذكرها بعد
أزواجه رضي الله عنهن.
ومنهن رزينة والصحيح رزينة كما تقدم.
ومنهن سانية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، روت عنه حديثا في
اللقطة، وعنها طارق بن عبد الرحمن روى حديثها أبو موسى المديني هكذا
ذكر ابن الاثير في [ أسد ] الغابة.
ومنهن سديسة الانصارية، وقيل مولاة حفصة بنت عمر.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الشيطان لم يلق عمر منذ
أسلم إلا خر لوجهه " قال ابن الاثير رواه عبد الرحمن بن الفضل بن
الموفق عن أبيه عن إسرائيل عن الاوزاعي عن سالم عن سديسة، ورواه إسحاق
بن يسار عن الفضل.
فقال عن سديسة عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره رواه أبو
نعيم وابن منده.
ومنهن سلامة حاضنة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روت عنه
حديثا في فضل الحمل والطلق والرضاع والسهر، فيه غرابة ونكارة من جهة
إسناده ومتنه، رواه أبو نعيم وابن منده من حديث هشام بن عمار بن نصير
خطيب دمشق عن أبيه عمرو بن سعيد الخولاني عن أنس عنها.
ذكرها ابن الاثير.
(5/349)
ومنهن سلمى وهي
أم رافع امرأة أبي رافع كما رواه الواقدي عنها أنها قالت: كنت أخدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد فأعتقنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم كلنا.
قال الامام أحمد حدثنا أبو عامر وأبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا عبد
الرحمن بن أبي الموالي، عن فائد مولى ابن أبي رافع عن جدته سلمى خادم
النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما سمعت قط أحدا يشكوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال " احتجم " وفي رجليه إلا قال
" أخضبهما بالحناء ".
وهكذا رواه أبو داود: من حديث ابن أبي الموالي والترمذي وابن ماجه من
حديث زيد بن الخباب كلاهما عن فائد عن مولاه عبيد الله بن علي بن أبي
رافع عن جدته سلمى به.
وقال الترمذي غريب إنما نعرف من حديث فائد.
وقد روت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يطول ذكرها
واستقصاؤها.
قال مصعب الزبيري وقد شهدت سلمى وقعة حنين.
قلت: وقد ورد أنها كانت تطبخ للنبي صلى الله عليه وسلم الحريرة (1)
فتعجبه، وقد تأخرت إلى بعد موته عليه السلام، وشهدت وفاة فاطمة رضي
الله عنها، وقد كانت أولا لصفية بنت عبد المطلب عمته عليه السلام، ثم
صارت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت قابلة أولاد فاطمة وهي التي قبلت إبراهيم بن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد شهدت غسل فاطمة وغسلتها مع زوجها علي بن أبي طالب وأسماء
بنت عميس امرأة الصديق.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن
إسحاق، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه عن سلمى قالت: اشتكت
فاطمة عليها السلام شكواها الذي قبضت فيه، فكنت أمرضها، فأصبحت يوم
كمثل ما يأتيها في شكواها ذلك، قالت
وخرج علي لبعض حاجته فقالت: يا أمه اسكبي لي غسلا، فسكبت لها غسلا
فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمه أعطني ثيابي الجدد
فلبستها، ثم قالت يا أمه قدمي لي فراشي وسط البيت، ففعلت واضطجعت
فاستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت: يا أمه إني مقبوضة الآن
وقد تطهرت فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها.
قالت فجاء علي فأخبرته.
وهو غريب جدا.
ومنهن شيرين، ويقال سيرين أخت مارية القبطية خالة إبراهيم عليه السلام،
وقدمنا أن المقوقس صاحب اسكندرية واسمه جريج بن مينا أهداهما مع غلام
اسمه مابور وبغلة يقال لها الدلدل فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحسان بن ثابت، فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان.
ومنهن عنقودة أم مليح الحبشية جارية عائشة، كان اسمها عنبة فسماها رسول
الله صلى الله عليه وسلم عنقودة رواه أبو نعيم.
ويقال اسمها غفيرة (2).
__________
(1) الحريرة: العساء المطبوخ من الدقيق والدسم والماء.
(2) في الاصابة قال: عنبة سماها النبي صلى الله عليه وآله عنقودة، وجعل
عنقودة أخرى جارية عائشة وهي التي أوردها أبو موسى في الذيل عن
المستغفري في حديث ارسال معاذ إلى اليمن ووصية النبي صلى الله عليه
وآله له.
ومن طريق ابن عمر ذكرها غفيرة.
(الاصابة 4 / 371).
(*)
(5/350)
فروة ظئر النبي
صلى الله عليه وسلم - يعن مرضعه - قالت قال لي رسول الله: " إذا أويت
إلى فراشك فاقرئي * (قل يا أيها الكافرون) * فإنها براءة من الشرك "
ذكرها أبو أحمد العسكري، قاله ابن الاثير في الغابة.
فأما فضة النوبية فقد ذكر الاثير في الغابة أنها كانت مولاة لفاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أورد بإسناد مظلم عن محبوب بن حميد
البصري، عن القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله
تعالى * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * [ الانسان: 8
] ثم ذكر ما مضمونه: أن الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا لعلي لو نذرت ؟ فقال علي: إن
برآ مما بهما صمت لله ثلاثة أيام، وقالت فاطمة كذلك،
وقالت فضة كذلك.
فألبسهما الله العافية فصاموا.
وذهب علي فاستقرض من شمعون الخيبري ثلاثة آصع من شعير، فهيأو منه تلك
الليلة صاعا فلما وضعوه بين أيديهم للعشاء وقف على الباب سائل فقال:
أطعموا المسكين أطعمكم الله على موائد الجنة.
فأمرهم علي فأعطوه ذلك الطعام وطووا، فلما كانت الليلة الثانية صنعوا
لهم الصاع الآخر فلما وضعوه بين أيديهم وقف سائل فقال أطعموا اليتيم
فأعطوه ذلك وطووا.
فلما كانت الليلة الثالثة قال: أطعموا الاسير فأعطوه وطووا ثلاثة أيام
وثلاث ليال.
فأنزل الله في حقهم * (هل أتى على الانسان) * إلى قوله * (لا نريد منكم
جزاء ولا شكورا) * وهذا الحديث منكر، ومن الائمة من يجعله موضوعا ويسند
ذلك إلى ركة ألفاظه، وأن هذه السورة مكية والحسن والحسين إنما ولدا
بالمدينة.
والله أعلم.
ليلى مولاة عائشة، قالت يا رسول الله إنك تخرج من الخلاء فأدخل في أثرك
فلم أر شيئا إلا أني أجد ريح المسك ؟ فقال: " إنا معشر الانبياء تنبت
أجسادنا على أرواح أهل الجنة، فما خرج منا من نتن ابتلعته الارض ".
رواه أبو نعيم من حديث أبي عبد الله المدني.
وهو أحد المجاهيل - عنها.
مارية القبطية أم إبراهيم تقدم ذكرها مع أمهات المؤمنين.
وقد فرق ابن الاثير بينها وبين مارية أم الرباب، قال وهي جارية للنبي
صلى الله عليه وسلم أيضا.
حديثها عند أهل البصرة رواه عبد الله بن حبيب عن أم سلمى عن أمها عن
جدتها مارية قالت: تطأطأت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطا ليلة
فر من المشركين.
ثم قال: ومارية خادم النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو بكر عن ابن عباس عن المثنى بن صالح عن جدته مارية - وكانت خادم
النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: ما مسست بيدي شيئا قط ألين من
كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: لا أدري أهي التي قبلها أم لا.
ومنهن ميمونة بنت سعد، قال الامام أحمد: حدثنا علي بن بحر (1) ثنا عيسى
- هو ابن يونس - ثنا ثور - هو ابن يزيد - عن زياد بن أبي سودة عن أخيه
أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول أفتنا في بيت
المقدس ؟ قال: " أرض المنشر والمحشر، إئتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه
كألف صلاة " قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه ؟ قال: "
فليهد إليه زيتا يسرح فيه، فإنه من
__________
(1) في النسخ المطبوعة: علي بن محمد بن محرز تحريف.
(*)
(5/351)
أهدى له كان
كمن صلى فيه ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن عبد الله الرقي، عن عيسى بن يونس،
عن ثور، عن زياد، عن أخيه عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى
الله عليه وسلم.
وقد رواه أبو داود، عن الفضل بن مسكين بن بكير، عن سعيد بن عبد العزيز،
عن ثور عن زياد عن ميمونة لم يذكر أخاه فالله أعلم.
وقال أحمد حدثنا حسين وأبو نعيم قالا: ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير، عن
أبي يزيد الضبي عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم
قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ولد الزنا قال: " لا خير فيه،
نعلان أجاهد بهما في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا " (1).
وهكذا رواه النسائي عن عباس الدوري وابن ماجه من حديث أبي بكر بن أبي
شيبة كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا المحاربي
ثنا موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد عن ميمونة - وكانت تخدم النبي صلى
الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله: " الرافلة في الزينة في غير
أهلها، كالظلمة يوم القيامة لا نور لها ".
ورواه الترمذي من حديث موسى بن عبيدة، وقال لا نعرفه إلا من حديثه وهو
يضعفه في الحديث.
وقد رواه بعضهم عنه فلم يرفعه.
ومنهن ميمونة بنت أبي عسيبة أو عنبسة، قاله أبو عمرو بن منده.
قال أبو نعيم وهو تصحيف والصواب ميمونة بنت أبي عسيب (2)، كذلك روى
حديثها المشجع بن مصعب أو عبد الله العبدي عن ربيعة بنت يزيد، وكانت
تنزل في بني قريع عن منبه عن ميمونة بنت أبي عسيب، وقيل بنت أبي عنبسة
مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة من حريش أتت النبي صلى الله
عليه وسلم فنادت يا عائشة أغيثيني بدعوة من رسول الله تسكنيني بها
وتطمنيني بها، وأنه قال لها " ضعي يدك اليمنى على فؤادك فأمسحيه، وقولي
بسم الله اللهم داوني بدوائك، واشفني بشفائك، واغنني بفضلك عمن سواك "
قالت ربيعة فدعوت به فوجدته جيدا.
ومنهن أم ضميرة زوج أبي ضميرة، قد تقدم الكلام عليهم رضي الله عنهم.
ومنهن أم عياش بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابنته (3) تخدمها
حين زوجها بعثمان بن عفان.
قال
أبو القاسم البغوي: حدثنا عكرمة، ثنا عبد الواحد بن صفوان، حدثني أبي
صفوان، عن أبيه عن جدته أم عياش - وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم
- بعث بها مع ابنته إلى عثمان، قالت كنت أمغث (4)
__________
(1) فرق ابن عبد البر في الاستيعاب وأبو علي بن السكن بين ميمونة بنت
سعد صاحبة حديث بيت المقدس وميمونة التي روت حديث الزنا واعتبرهما
اثنتين.
وجزم ابن حجر وأبو نعيم وابن الاثير انهما واحدة (الاصابة 4 / 413).
(2) قال في الاستيعاب: ميمونة بنت أبي عنبسة.
(3) وهي رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
(4) المغث: المرث والد لك.
(*)
(5/352)
لعثمان التمر
غدوة فيشربه عشية، وأنبذه عشية فيشربه غدوة، فسألني ذات يوم فقال
تخلطين فيه شيئا ؟ فقلت أجل، قال فلا تعودي.
فهؤلاء إماؤه رضي الله عنهن.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا القاسم بن الفضل، حدثني ثمامة بن
حزن قال: سألت عائشة عن النبيذ فقالت: هذه خادم رسول الله فسلها،
لجارية حبشية، فقالت: كنت أنبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء
عشاء فأوكيه، فإذا أصبح شرب منه.
ورواه مسلم والنسائي من حديث القاسم بن الفضل به.
هكذا ذكره أصحاب الاطراف في مسند عائشة، والاليق ذكره في مسند جارية
حبشية كانت تخدم النبي، وهي إما أن تكون واحدة ممن قدمنا ذكرهن، أو
زائدة عليهن، والله تعالى أعلم.
فصل واما خدامه صلى الله عليه وسلم
الذين خدموه من الصحابة من غير مواليه فمنهم أنس بن مالك أنس بن مالك
بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم (1) بن غنم بن عدي بن
النجار الانصاري النجاري أبو حمزة المدني نزيل البصرة.
خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، فما
عاتبه على شئ أبدا، ولا قال لشئ فعله لم فعلته، ولا لشئ لم يفعله ألا
فعلته.
وأمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام هي التي أعطته رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وسألته أن يدعو له فقال: " اللهم أكثر
ماله وولده، وأطل عمره، وأدخله الجنة ".
قال أنس: فقد رأيت اثنتين وأنا انتظر الثالثة، والله إن مالي لكثير،
وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو من مائة، وفي رواية وإن كرمي
ليحمل في السنة مرتين، وإن ولدي لصلبي مائة وستة أولاد.
وقد اختلف في شهوده بدرا.
وقد روى الانصاري عن أبيه عن ثمامة قال: قيل لانس أشهدت بدرا ؟ فقال:
وأين أغيب عن بدر لا أم لك ! والمشهور أنه لم يشهد بدرا لصغره، ولم
يشهد أحدا أيضا لذلك.
وشهد الحديبية وخيبر وعمرة القضاء والفتح وحنينا والطائف وما بعد ذلك.
قال أبو هريرة: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم
من ابن أم سليم - يعني أنس بن مالك -.
وقال ابن سيرين، كان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره، وكانت وفاته
بالبصرة وهو آخر من كان قد بقي فيها من الصحابة فيما قاله علي بن
المديني، وذلك في سنة تسعين، وقيل إحدى وقيل اثنتين وقيل ثلاث وتسعين
وهو الاشهر، وعليه الاكثر.
وأما عمره يوم مات فقد روى الامام أحمد في مسنده حدثنا معتمر بن
سليمان، عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة، وأقل ما قيل ست وتسعون،
وأكثر ما قيل مائة وسبع سنين (2)، وقيل ست، وقيل مائة وثلاث سنين.
فالله أعلم.
__________
(1) في أسد الغابة والاصابة: عامر.
(2) قاله البغوي عن عمر بن شبة عن محمد بن عبد الله الانصاري.
(*)
(5/353)
ومنهم رضي الله
عنهم الاسلع بن شريك بن عوف الاعرجي.
قال محمد بن سعد: كان اسمه ميمون بن سنباذ (1)، قال الربيع بن بدر
الاعرجي عن أبيه عن جده عن الاسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه
وسلم وأرحل معه، فقال ذات ليلة " يا أسلع قم فارحل " قال أصابتني جنابة
يا رسول الله، قال فسكت ساعة وأتاه جبريل بآية الصعيد، " فقال قم يا
أسلع فتيمم " قال فتيممت وصليت، فلما انتهيت إلى الماء قال: " يا أسلع
قم فاغتسل " قال فأراني التيمم فضرب رسول الله يديه إلى الارض ثم
نفضهما، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بيديه الارض ثم نفضهما فمسح بهما
ذراعيه، باليمنى
على اليسرى، وباليسرى على اليمنى، ظاهرهما وباطنهما.
قال الجميع: وأراني أبي، كما أراه أبوه، كما أراه الاسلع، كما أراه
رسول الله.
قال الربيع: فحدثت بهذا الحديث عوف بن أبي جميلة فقال: هكذا والله رأيت
الحسن يصنع.
رواه ابن منده والبغوي في كتابيهما معجم الصحابة من حديث الربيع بن بدر
هذا، قال البغوي ولا أعلمه روى غيره.
قال ابن عساكر وقد روى - يعني هذا الحديث - الهيثم بن رزيق (2) المالكي
المدلجي عن أبيه عن الاسلع بن شريك.
ومنهم رضي الله عنهم أسماء بن حارثة (3) بن سعد بن عبد الله بن عباد بن
سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الاسلمي.
وكان من أهل الصفة، قاله محمد بن سعد.
وهو أخو هند بن حارثة، وكانا يخدمان النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا وهيب، ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن
يحيى بن هند بن حارثة، وكان هند من أصحاب الحديبية، وكان أخوه الذي
بعثه رسول الله يأمر قومه بالصيام يوم عاشوراء، وهو أسماء بن حارثة.
فحدثني يحيى بن هند، عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعثه فقال " مر قومك بصيام هذا اليوم ".
قال أرأيت إن وجدتهم قد طعموا ؟ قال " فليتموا آخر يومهم ".
وقد رواه أحمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن
أبي بكر، عن حبيب بن هند بن أسماء الاسلمي، عن أبيه هند قال: بعثني
رسول الله إلى قوم من أسلم فقال " مر قومك فليصوموا هذا اليوم، ومن
وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره ".
قال محمد بن سعد عن الواقدي: أنبأنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر،
عن أبيه قال سمعت أبا هريرة يقول: ما كنت أظن أن هندا وأسماء ابني
حارثة إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: كانا يخدمانه لا يبرحان بابه هما وأنس بن مالك قال محمد
بن سعد: وقد توفي أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين
سنة.
ومنهم بكير بن الشداخ الليثي (4).
ذكر ابن منده من طريق أبي بكر الهذلي عن عبد الملك بن
__________
(1) قال ابن منده عن علي بن سعيد العسكري أن اسم الاسلع الحارث بن كعب.
(2) في الاصابة وأسد الغابة: زريق.
(3) عن الكلبي قال: ابن سعيد بن عبد الله بن غياث بن سعد...وقال ابن
عبد البر: ابن حارثة بن هند بن
عبد الله...قال ابن حجر: وذكر هند في نسبه غلط.
فهند أخوه.
(4) قال الكلبي في نسبه: بكير بن شداد بن عامر بن الملوح بن يعمر
الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن = (*)
(5/354)
يعلى الليثي أن
بكير بن شداخ الليثي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فاحتلم فأعلم
بذلك رسول الله وقال: إني كنت أدخل على أهلك وقد احتلمت الآن يا رسول
الله، فقال " اللهم صدق قوله، ولقه الظفر " فلما كان في زمان عمر قتل
رجل من اليهود، فقام عمر خطيبا فقال: أنشد الله رجلا عنده من ذلك علم ؟
فقام بكير فقال: أنا قتلته يا أمير المؤمنين.
فقال عمر بؤت بدمه فأين المخرج ؟ فقال يا أمير المؤمنين إن رجلا من
الغزاة استخلفني على أهله، فجئت فإذا هذا اليهودي عند امرأته وهو يقول:
وأشعث غره الاسلام مني * خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسي
* على جرد الاعنة والحزام (1) كأن مجامع الربلات منها * فئام ينهضون
إلى فئام (2) قال فصدق عمر قوله وأبطل دم اليهودي بدعاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
لبكير بما تقدم.
ومنهم رضي الله عنهم بلال بن رباح الحبشى.
ولد بمكة وكان مولى لامية بن خلف، فاشتراه أبو بكر منه بمال جزيل لان
كان أمية يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الاسلام فيأبى إلا الاسلام رضي
الله عنه، فلما اشتراه أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله، وهاجر حين هاجر
الناس، وشهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد رضي الله عنه.
وكان يعرف ببلال بن حمامة وهي أمه، وكان من أفصح الناس لا كما يعتقده
بعض الناس أن سينه كانت شينا، حتى إن بعض الناس يروي حديثا في ذلك لا
أصل له عن رسول الله أنه قال: إن سين بلال شينا.
وهو أحد المؤذنين الاربعة كما سيأتي، وهو أول من أذن كما قدمنا.
وكان يلي أمر النفقة على العيال، ومعه حاصل ما يكون من المال.
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن خرج إلى الشام للغزو،
ويقال إنه أقام يؤذن لابي بكر أيام خلافته (3)، والاول أصح وأشهر.
قال الواقدي: مات بدمشق سنة عشرين وله بضع وستون سنة.
وقال الفلاس قبره بدمشق، ويقال بداريا (4)، وقيل إنه مات بحلب، والصحيح
أن الذي مات بحلب
أخوه خالد.
قال مكحول حدثني من رأى بلال قال كان شديد الادمة نحيفا أجنأ (5) له
شعر كثير، وكان لا يغير شيبه رضي الله عنه.
ومنهم رضي الله عنهم حبة وسواء ابنا خالد (6) رضي الله عنهما.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو
__________
= ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة الكناني الليثي.
(1) في أسد الغابة: على قود الاعنة والحزام.
والترائب: عظام الصدر.
(2) الربلات: جمع ربلة وهي باطن الفخذ.
والفئام: الجماعة من الناس.
(3) هذا ما جزم به الواقدي وابن الاثير في أسد الغابة، وقالا: لما كان
زمن عمر بن الخطاب اذن له فخرج إلى الشام وبقي بها حتى توفي.
(4) داريا: قرية كبيرة من قرى دمشق بالغوطة.
(5) الاجنأ: من أشرف كاهله على صدره.
(6) وهو خالد الخزاعي ويقال العامري.
(*)
(5/355)
معاوية، قال
وثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن سلام بن شرحبيل، عن حبة وسواء ابنا خالد
قالا: دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلح شيئا فأعناه، فقال
" لا ينسأ من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما، فإن الانسان تلده أمه أحيمر ليس
عليه قشرة، ثم يرزقه الله عز وجل ".
ومنهم رضي الله عنهم ذو مخمر، ويقال ذو محبر، وهو ابن أخي النجاشي ملك
الحبشة، ويقال ابن أخته.
والصحيح الاول.
كان بعثه ليخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عنه.
قال الامام أحمد: حدثنا أبو النضر، ثنا جرير، عن يزيد بن صليح، عن ذي
مخمر - وكان رجلا من الحبشة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كنا
معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد.
فقال له قائل: يا رسول الله قد انقطع الناس، قال فجلس وحبس الناس معه
حتى تكاملوا إليه، فقال لهم " هل لكم أن نهجع هجعة ؟ " - أو قال له
قائل - فنزل ونزلوا فقالوا: من يكلؤنا الليلة ؟ فقلت: أنا جعلني الله
فداك، فأعطاني خطام ناقته فقال " هاك لا تكونن لكعا " قال: فأخذت بخطام
ناقة
رسول الله وخطام ناقتي، فتنحيت غير بعيد فخليت سبيلهما ترعيان، فإني
كذلك أنظر إليهما إذ أخذني النوم، فلم أشعر بشئ حتى وجدت حر الشمس على
وجهي، فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد،
فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخطام ناقتي، فأتيت
أدنى القوم فأيقظته فقلت أصليت ؟ قال لا، فأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى
استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال " يا بلال هل في الميضاة
ماء " يعني الاداوة، فقال: نعم جعلني الله فداك، فأتاه بوضوء لم يلت
منه التراب، فأمر بلالا فأذن ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى
الركعتين قبل الصبح وهو غير عجل، ثم أمره فأقام الصلاة فصلى وهو غير
عجل، فقال له قائل: يا رسول الله أفرطنا: قال " لا، قبض الله أرواحنا
وردها إلينا، وقد صلينا ".
ومنهم رضي الله عنهم ربيعة بن كعب الاسلمي أبو فراس.
قال الاوزاعي: حدثني يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن ربيعة بن كعب
قال كنت أبيت مع (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه
وحاجته، فكان يقوم من الليل فيقول " سبحان ربي وبحمده الهوي (2)، سبحان
رب العالمين الهوي " فقال رسول الله " هل لك حاجة ؟ " قلت يا رسول الله
مرافقتك في الجنة، قال " فأعني على نفسك بكثرة السجود ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن
إسحاق، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، عن نعيم بن محمد، عن ربيعة بن كعب
قال: كنت أخدم رسول الله نهاري أجمع، حتى يصلي عشاء الآخرة فأجلس ببابه
إذا دخل بيته أقول لعلها أن تحدث لرسول الله حاجة، فما أزال أسمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سبحان الله وبحمده " حتى أمل فأرجع.
أو تغلبني عيناي فأرقد، فقال لي يوما - لما يرى من حقي له وخدمتي إياه
- " يا ربيعة بن كعب سلني أعطك " قال فقلت أنظر في أمري يا رسول الله
ثم أعلمك ذلك، فقال ففكرت في نفسي
__________
(1) في الاصابة وأسد الغابة: على باب رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) الهوي: ساعة من الليل.
(*)
(5/356)
فعرفت أن
الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقا سكيفيني ويأتيني، قال فقلت أسأل
رسول الله
لاخرتي فإنه من الله بالمنزل الذي هو به، قال فجئته فقال: " ما فعلت يا
ربيعة ؟ " قال فقلت: نعم يا رسول الله أسألك أن تشفع لي إلى ربك
فيعتقني من النار، قال " فقال من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال فقلت لا
والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد، ولكنك لما قلت سلني أعطك وكنت من
الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة،
وأن لي فيها رزقا سيأتيني، فقلت أسأل رسول الله لآخرتي.
قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ثم قال لي " إني فاعل
فأعني على نفسك بكثر السجود " وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة،
أنبأنا يزيد بن هارون، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا أبو عمران الجوني، عن
ربيعة الاسلمي - وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قال فقال لي ذات
يوم " يا ربيعة ألا تزوج ؟ " قال قلت يا رسول الله ما أحب أن يشغلني عن
خدمتك شئ، وما عندي ما أعطي المرأة.
قال فقلت بعد ذلك رسول الله أعلم بما عندي مني يدعوني إلى التزويج، لئن
دعاني هذه المرة لاجيبنه.
قال فقال لي " يا ربيعة ألا تزوج ؟ " فقلت يا رسول الله ومن يزوجني ؟
ما عندي ما أعطي المرأة.
فقال لي انطلق إلى بني فلان فقل لهم إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني
فتاتكم فلانة، قال: فأتيتهم، فقلت إن رسول الله أرسلني إليكم لتزوجوني
فتاتكم فلانة، قالوا: فلانة ؟ قال: نعم، قالوا مرحبا برسول الله ومرحبا
برسوله، فزوجوني فأتيت رسول الله فقلت يا رسول الله أتيتك من خير أهل
بيت صدقوني وزوجوني، فمن أين لي ما أعطي صداقي ؟ فقال رسول الله لبريدة
الاسلمي " اجمعوا لربيعة في صداقه في وزن نواة من ذهب " فجمعوها
فأعطوني فأتيتهم فقبلوها، فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله قد قبلوا
فمن أين لي ما أولم ؟ قال فقال رسول الله لبريدة " اجمعوا لربيعة في
ثمن كبش " قال فجمعوا وقال لي " انطلق إلى عائشة فقل لها فلتدفع إليك
ما عندها من الشعير " قال فأتيتها فدفعت إلي، فانطلقت بالكبش والشعير
فقالوا أما الشعير فنحن نكفيك، وأما الكبش فمر أصحابك فليذبحوه، وعملوا
الشعير فأصبح والله عندنا خبز ولحم، ثم إن رسول الله أقطع أبا بكر أرضا
له فاختلفنا في عذق، فقلت هو في أرضي.
وقال أبو بكر هو في أرضي، فتنازعنا فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، فندم
فأحضرني فقال لي قل لي كما قلت، قال: فقلت لا والله لا أقول لك كما قلت
لي، قال إذا آتي رسول الله.
قال: فأتى رسول الله وتبعته فجاءني
قومي يتبعونني فقالوا: هو الذي قال لك، وهو يأتي رسول الله فيشكو ؟
قال: فالتفت إليهم فقلت تدرون من هذا، هذا الصديق وذو شيبة المسلمين،
أرجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب،
فيأتي رسول الله فيخبره فيهلك ربيعة.
قال: فأتى رسول الله فقال: إني قلت لربيعة كلمة كرهتها، فقلت له يقول
لي مثل ما قلت له فأبى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ربيعة
ومالك وللصديق ؟ " قال: فقلت: يا رسول الله والله لا أقول له كما قال
لي، فقال رسول الله " لا تقل له كما قال لك، ولكن قل غفر الله لك يا
أبا بكر " (1).
__________
(1) كان ربيعة من أهل الصفة لم يزل مع النبي صلى الله عليه وآله حتى
قبض فخرج من المدينة فنزل في بلاد أسلم على بريد من = (*)
(5/357)
ومنهم رضي الله
عنهم سعد مولى أبي بكر رضي الله عنه، ويقال مولى النبي صلى الله عليه
وسلم.
قال أبو داود الطيالسي: ثنا أبو عامر عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر
الصديق، أن رسول الله قال لابي بكر - وكان سعد مملوكا لابي بكر، وكان
رسول الله يعجبه خدمته - " أعتق سعدا " فقال يا رسول الله مالنا خادم
هاهنا غيره، فقال " أعتق سعدا أتتك الرجال أتتك الرجال ".
وهكذا رواه أحمد عن أبي داود الطيالسي.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو عامر (1)، عن الحسن، عن سعد قال:
قربت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا، فجعلوا يقرنون فنهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القران (2).
ورواه ابن ماجه عن بندار عن أبي داود به.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن رواحة.
دخل يوم عمرة القضاء مكة وهو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله * اليوم نضربكم على تأويله كما
ضربناكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله ويشغل الخليل عن خليله
كما قدمنا ذلك بطوله.
وقد قتل عبد الله بن رواحة بعد هذا بأشهر في يوم مؤتة كما تقدم أيضا.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ أبو عبد
الرحمن الهذلي.
أحد أئمة الصحابة هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها، كما يلي حمل نعلي
النبي صلى الله عليه وسلم، ويلي طهوره، ويرحل دابته إذا أراد الركوب،
وكانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله، وله العلم الجم والفضل
والحلم وفي الحديث أن رسول الله قال لاصحابه - وقد جعلوا يعجبون من دقة
ساقيه - فقال " والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ".
وقال عمر بن الخطاب في ابن مسعود: هو كنيف ملئ علما.
وذكروا أنه نحيف الخلق حسن الخلق، يقال إنه كان إذا مشى يسامت الجلوس
وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته، يعني أنه
يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وكلامه ويتشبه بما
استطاع من عبادته.
توفي رضي الله عنه في أيام عثمان سنة اثنتين - أو ثلاث - وثلاثين
بالمدينة عن ثلاث وستين سنة، وقيل إنه توفي بالكوفة والاول أصح.
ومنهم رضي الله عنهم عقبة بن عامر الجهني.
قال الامام أحمد: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن
__________
= المدينة وبقي إلى أيام الحرة - أيام يزيد بن معاوية - ومات بالحرة
سنة ثلاث وستين في ذي الحجة (الاصابة - أسد الغابة).
(1) وهو صالح بن رستم الخزاز.
(2) القران في التمر: الجمع بين تمرتين في الاكل.
(*)
(5/358)
جابر، عن
القاسم أبي عبد الرحمن، عن عقبة بن عامر قال: بينما أقود برسول الله
صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب، إذ قال لي " يا عقبة ألا
تركب ؟ " قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله وركبت هنيهة،
ثم ركب ثم قال " يا عقب ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس
؟ " قلت: بلى يا رسول الله، فأقرأني قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب
الناس.
ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما.
ثم مر بي فقال " إقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت ".
وهكذا رواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم، وعبد الله بن المبارك، عن
ابن جابر، ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث ابن وهب عن معاوية بن
صالح، عن العلاء بن الحارث، عن القاسم أبي عبد
الرحمن عن عقبة به.
ومنهم رضي الله عنهم قيس بن سعد بن عبادة الانصاري الخزرجي.
روى البخاري عن أنس قال: كان قيس بن سعد بن عبادة من النبي صلى الله
عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الامير، وقد كان قيس هذا رضي الله عنه
من أطول الرجال، وكان كوسجا ويقال إن سراويله كان يضعه على أنفه من
يكون من أطول الرجال فتصل رجلاه الارض، وقد بعث سراويله معاوية إلى ملك
الروم يقول له: هل عندكم رجل يجئ هذه السراويل على طوله ؟ فتعجب صاحب
الروم من ذلك.
وذكروا أنه كان كريما ممدحا ذا رأي ودهاء، وكان مع علي بن أبي طالب
أيام صفين.
وقال مسعر عن معبد بن خالد: كان قيس بن سعد لا يزال رافعا أصبعه
المسبحة يدعو رضى الله عنه وأرضاه.
وقال الواقدي وخليفة بن خياط وغيرهما: توفي بالمدينة في آخر أيام
معاوية.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا عمر بن الخطاب السجستاني، ثنا علي بن
يزيد الحنفي، ثنا سعيد بن الصلت، عن الاعمش عن أبي سفيان، عن أنس قال:
كان عشرون شابا من الانصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحوائجه، فإذا أراد أمرا بعثهم فيه.
ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي رضي الله عنه.
كان بمنزلة السلحدار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان
رافعا السيف في يده وهو واقف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، في
الخيمة يوم الحديبية: فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفي حين قدم
في الرسيلة إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم - على ما جرت به
عادة العرب في مخاطباتها - يقرع يده بقائمة السيف ويقول: أخر يدك عن
لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك.
الحديث كما قدمناه.
قال محمد بن سعد وغيره: شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وولاه مع أبي سفيان الامرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف، وهي
المدعوة بالربة، وهي اللات، وكان داهية من دهاة العرب.
قال الشعبي: سمعته يقول ما غلبني أحد قط.
وقال الشعبي سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن
مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها.
وقال الشعبي: القضاة أربعة، أبو بكر وعمر وابن مسعود وأبو موسى،
والدهاة أربعة، معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة
وزياد.
وقال الزهري: الدهاة خمسة، معاوية وعمر والمغيرة واثنان مع علي وهما
قيس بن سعد بن
(5/359)
عبادة وعبد
الله بن بديل بن ورقاء.
وقال الامام مالك: كان المغيرة بن شعبة رجلا نكاحا للنساء، وكان يقول
صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض معها، وصاحب الثنايا ؟ ؟
بين نارين يشتعلان قال: فكان ينكح أربعا ويطلقهن جميعا.
وقال غيره: تزوج ثمانين امرأة، وقيل ثلاث مائة امرأة، وقيل أحصن بألف
امرأة.
وقد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها وهو الذي حكى عليه الخطيب
البغدادي الاجماع أنه توفي سنة خمسين.
ومنهم رضي الله عنهم المقداد بن الاسود أبو معبد الكندي حليف بني زهرة.
قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد بن الاسود قال: قدمت المدينة أنا
وصاحبان، فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد، فأتينا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فذكرنا له، فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز، فقال " احلبهن
يا مقداد، وجزئهن أربعة جزاء، واعط كل إنسان جزءا " فكنت أفعل ذلك
فرفعت للنبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فاحتبس واضطجعت على فراشي
فقالت لي نفسي: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى أهل بيت من
الانصار، فلو قمت فشربت هذه الشربة فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزأه،
فلما دخل في بطني ومعائي أخذني ما قدم وما حدث.
فقلت يجئ الآن النبي صلى الله عليه وسلم جائعا ظمآنا فلا يرى في القدح
شيئا فسجيت ثوبا على وجهي.
وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم تسليمة تسمع اليقظان ولا توقظ
النائم، فكشف عنه فلم ير شيئا.
فرفع رأسه إلى السماء فقال " اللهم اسق من سقاني، وأطعم من أطعمني "
فاغتنمت دعوته وقمت فأخذت الشفرة فدنوت إلى الاعنز فجعلت أجسهن أيتهن
أسمن لاذبحها، فوقعت يدي على ضرع إحداهن فإذا هي حافل، ونظرت إلى
الاخرى فإذا هي حافل، فنظرت فإذا هن كلهن حفل، فحلبت في الاناء فأتيته
به فقلت اشرب، فقال " ما الخبر يا مقداد ؟ " فقلت اشرب ثم الخبر ؟،
فقال " بعض ؟ وتك يا مقداد " فشرب ثم قال " اشرب " فقلت اشرب يا نبي
الله، فشرب حتى تضلع ثم أخذته فشربته، ثم أخبرته الخبر فقال النبي صلى
الله عليه وسلم " هيه " فقلت كان كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " هذه بركة منزلة من
السماء أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك ؟ " فقلت إذا شربت البركة أنا
وأنت فلا أبالي من أخطأت.
وقد رواه الامام أحمد أيضا: عن أبي النضر، عن سليمان بن المغيرة، عن
ثابت، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المقداد فذكر ما تقدم، وفيه أنه
حلب في الاناء الذي كانوا لا يطيقون أن يحلبوا فيه، فحلب حتى علته
الرغوة.
ولما جاء به قال بله رسول الله " أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ "
فقلت اشرب يا رسول الله، فشرب ثم ناولني فقلت اشرب يا رسول الله، فشرب
ثم ناولني فأخذت ما بقي ثم شربت.
فلما عرفت أن رسول الله قد روى فأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى
الارض، فقال رسول الله " إحدى سوأتك يا مقداد " فقلت يا رسول الله كان
من أمري كذا، صنعت كذا.
فقال " ما كانت هذه إلا رحمة الله، ألا كنت أذنتني توقظ صاحبيك هذين
فيصيبان منها ؟ " قال قلت والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها
وأصبتها معك من أصابها من الناس.
وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة به.
(5/360)
ومنهم رضي الله
عنهم مهاجر (1) مولى أم سلمة.
قال الطبراني: حدثنا أبو الزنباع، روح بن الفرج، ثنا يحيى بن عبد الله
بن بكير، حدثني إبراهيم بن عبد الله سمعت بكيرا يقول سمعت مهاجرا مولى
أم سلمة قال خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين فلم يقل لي لشئ
صنعته لم صنعته، ولا لشئ تركته لم تركته.
وفي رواية خدمته عشر سنين أو خمس سنين.
ومنهم رضي الله عنهم أبو السمح (2).
قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي: ثنا مجاهد بن موسى، ثنا عبد
الرحمن بن مهدي، ثنا يحيى بن الوليد، حدثني محل بن خليفة، حدثني أبو
السمح قال: كنت أخدم رسول الله، قال كان إذا أراد أن يغتسل قال: ناولني
أداوتي، قال: فأناوله وأستتره، فأتى بحسن أو حسين فبال على صدره، فجئت
لاغسله فقال " يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام " وهكذا رواه
أبو داود والنسائي وابن ماجه عن مجاهد بن موسى.
ومنهم رضي الله عنهم أفضل الصحابة على الاطلاق أبو بكر الصديق رضي الله
عنه، تولى خدمته بنفسه في سفرة الهجرة لا سيما في الغار وبعد خروجهم
منه حتى وصلوا إلى المدينة كما تقدم
ذلك مبسوطا ولله الحمد والمنة.
فصل اما كتاب الوحي وغيره بين يديه
صلوات الله وسلامه عليه ورضي عنهم أجمعين فمنهم الخلفاء الاربعة، أبو
بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وسيأتي ترجمة كل واحد
منهم في أيام خلافته إن شاء الله وبه الثقة.
ومنهم رضي الله عنهم أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد
مناف بن قصي الاموي.
أسلم بعد أخويه خالد وعمرو، وكان إسلامه بعد الحديبية لانه هو الذي
أجار عثمان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يوم
الحديبية، وقيل خيبر لان له ذكر في الصحيح من حديث أبي هريرة في قسمة
غنائم خيبر، وكان سبب إسلامه أنه اجتمع براهب وهو في تجارة بالشام فذكر
له أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الراهب ما اسمه ؟ قال:
محمد، قال: فأنا أنعته لك، فوصفه بصفته سواء وقال: إذا رجعت إلى أهلك
فاقرئه السلام.
فأسلم (3) بعد مرجعه وهو أخو عمرو بن سعيد الاشدق الذي قتله عبد الملك
بن مروان.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان أول من كتب
__________
(1) مهاجر يكنى أبا حذيفة شهد مصر واختط بها ثم تحول إلى طحا فسكنها
إلى أن مات.
(الاصابة 3 / 466).
(2) أبو السمح: قال في الاصابة اسمه أبو ذر، وفي أسد الغابة: زياد.
قال أبو زرعة: لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير حديث واحد - وهو ما
أثبتناه - وقال أبو عمر بن عبد البر: يقال انه قتل ولا يدرى أين مات.
قال ابن الاثير في أسد الغابة: أسلم بين الحديبية وخيبر، وهو الصحيح
وشهد خيبر.
(*)
(5/361)
الوحي بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، فإذا لم يحضر كتب زيد بن
ثابت، وكتب له عثمان وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد.
هكذا قال - يعني بالمدينة - وإلا فالسور المكية لم يكن أبي بن كعب حال
نزولها، وقد كتبها الصحابة بمكة رضي اللهه عنهم.
وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير
والزبير بن بكار وأكثر أهل النسب قتل يوم أجنادين، يعني في
جمادى الاولى سنة ثنتي عشرة.
وقال آخرون قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة.
وقال محمد بن إسحاق قتل هو وأخوه عمرو يوم اليرموك لخمس مضين من رجب
سنة خمس عشرة.
وقيل إنه تأخر إلى أيام عثمان وكان يملي (1) المصحف الامام على زيد بن
ثابت ثم توفي سنة تسع وعشرين.
فالله.
أعلم.
ومنهم أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي الانصاري.
أبو المنذر، ويقال أبو الطفيل، سيد القراء شهد العقبة الثانية وبدرا
وما بعدها.
وكان ربعة نحيفا أبيض الرأس واللحية لا يغير شيبه.
قال أنس: جمع القرآن أربعة - يعني من الانصار - أبي بن كعب، ومعاذ بن
جبل، وزيد بن ثابت، ورجل من الانصار يقال له أبو يزيد أخرجاه.
وفي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي " إن
الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " قال وسماني لك يا رسول الله ؟ قال "
نعم " قال فذرفت عيناه.
ومعنى أن أقرأ عليك قراءة إبلاغ وإسماع لا قراءة تعلم منه، هذا لا
يفهمه أحد من أهل العلم، وإنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه.
وقد ذكرنا في موضع آخر سبب القراءة عليه وأنه قرأ عليه سورة * (لم يكن
الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من
الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة) * وذلك أن أبي بن كعب كان قد أنكر
على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبي، فرفعه أبي إلى رسول الله
فقال: " اقرأ يا أبي " فقرأ فقال: " هكذا أنزلت " ثم قال لذلك الرجل "
اقرأ " فقرأ فقال " هكذا أنزلت " قال أبي: فأخذني من الشك ولا إذ كنت
في الجاهلية، قال فضرب رسول الله في صدري ففضضت عرقا وكأنما أنظر إلى
الله فرقا، فبعد ذلك تلا عليه رسول الله هذه السورة كالتثبيت له
والبيان له إن هذا القرآن حق وصدق.
وإنه أنزل على أحرف كثيرة رحمة ولطفا بالعباد.
وقال ابن أبي خيثمة: هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
وقد اختلف في وفاته فقيل في سنة تسع عشرة، وقيل سنة عشرين، وقيل ثلاث
وعشرين، وقيل قبل (2) مقتل عثمان بجمعة.
فالله أعلم.
__________
(1) قال ابن حجر في الاصابة: تفرد بهذه الرواية نعيم بن حماد عن
الدراوردي، والمعروف أن المأمور بذلك سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص
وهو ابن أخي أبان بن سعيد.
(1 / 14).
(2) قال الواقدي: وأثبت الاقاويل عندنا أنه مات في خلافة عثمان سنة
ثلاثين وذلك أن عثمان رضي الله عنه أمره أن يجمع القرآن في جملة اثني
عشر رجلا - وهذا ما قال به في أسد الغابة وأبو نعيم واحتجا: أن زر بن
حبيش لقيه في خلافة عثمان.
(*)
(5/362)
ومنهم رضي الله
عنهم أرقم بن أبي الارقم، واسمه عبد مناف بن أسد بن جندب (1) بن عبد
الله بن عمر بن مخزوم المخزومي.
أسلم قديما وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا في داره
عند الصفا وتعرف تلك الدار بعد ذلك بالخيزران.
وهاجر وشهد بدرا وما بعدها، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه
وبين عبد الله بن أنيس (2) وهو الذي كتب أقطاع عظيم بن الحارث المحاربي
بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفخ وغيره، وذلك فيما رواه الحافظ
ابن عساكر: من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري، حدثني عبد الملك بن أبي بكر
بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده عمرو بن حزم.
وقد توفي في سنة ثلاث وقيل خمس وخمسين وله خمس وثمانون سنة، وقد روى
الامام أحمد له حديثين، الاول: قال أحمد والحسن بن عرفة - واللفظ لاحمد
- حدثنا عباد بن عباد المهلبي، عن هشام بن زياد، عن عمار بن سعد، عن
عثمان بن أرقم بن أبي الارقم عن أبيه - وكان من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم - أن رسول الله قال: " إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة
ويفرق بين الاثنين بعد خروج الامام كالجار قصبه في النار " والثاني:
قال أحمد: حدثنا عصام بن خالد، ثنا العطاف بن خالد، ثنا يحيى بن عمران،
عن عبد الله بن عثمان بن الارقم، عن جده الارقم أنه جاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: " أين تريد ؟ " قال أردت يا رسول الله ها هنا
وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس، قال: " ما يخرجك إليه أتجارة ؟ " قال:
لا ولكن أردت الصلاة فيه، قال " الصلاة ها هنا " وأومأ بيده إلى مكة "
خير من ألف صلاة " وأومأ بيده إلى الشام.
تفرد بهما أحمد.
ومنهم رضي الله عنهم ثابت بن قيس بن شماس الانصاري الخزرجي أبو عبد
الرحمن، ويقال أبو محمد المدني خطيب الانصار، ويقال له خطيب النبي صلى
الله عليه وسلم قال محمد بن سعد: أنبأنا علي بن محمد المدايني بأسانيده
عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله، قالوا: قدم عبد الله بن
عبس اليماني ومسلمة بن هاران الحدابي على رسول الله في رهط من قومهما
بعد فتح مكة فأسلموا وبايعوا على قومهم، وكتب لهم كتابا بما فرض عليهم
من الصدقة في أموالهم، كتبه ثابت بن قيس بن شماس وشهد فيه سعد بن معاذ
ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم.
وهذا الرجل ممن ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره
بالجنة.
وروى الترمذي في جامعه بإسناد على شرط مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله
قال " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر.
نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل
ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ".
وقد قتل رضي الله عنه شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في أيام أبي
بكر الصديق، وله قصة سنوردها إن شاء الله إذا انتهينا إلى ذلك بحول
الله وقوته وعونه ومعونته.
__________
(1) سقط جندب من ابن سعد والاصابة، قال ابن سعد: وأسد يكنى أبا جندب.
(2) قال الواقدي: آخى بينه وبين طلحة زيد بن سهل.
(*)
(5/363)
ومنهم رضي الله
عنهم حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رياح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية بن
شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم التميمي الاسيدي الكاتب، وأخوه
رباح صحابي أيضا، وعمه أكثم بن صيفي كان حكيم العرب.
قال الواقدي: كتب للنبي صلى الله عليه وسلم كتابا.
وقال غيره بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطوائف في
الصلح، وشهد مع خالد حروبه بالعراق وغيرها وقد أدرك أيام علي وتخلف على
القتال معه في الجمل وغيره، ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان،
ومات بعد أيام علي وقد ذكر ابن الاثير في [ أسد ] الغابة، أن امرأته
لما مات جزعت عليه فلامها جاراتها في ذلك فقالت: تعجبت دعد لمحزونة *
تبكي على ذي شيبة شاحب إن تسألينني اليوم ما شفنى * أخبرك قولا ليس
بالكاذب إن سواد العين أودى به * حزن على حنظلة الكاتب
قال أحمد بن عبد الله بن الرقي.
كان معتزلا للفتنة حتى مات بعد علي، جاء عنه حديثان.
قلت: بل ثلاثة، قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: ثنا
همام، ثنا قتادة، عن حنظلة الكاتب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " من حافظ على الصلوات الخمس بركوعهن وسجودهن ووضوئهن
ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة " أو قال " وجبت له "
تفرد به أحمد وهو منقطع بين قتادة وحنظلة والله أعلم.
والحديث الثاني رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه: من حديث سعيد
الجريري، عن أبي عثمان النهدي عن حنظلة " لو تدومون كما تكونون عندي
لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم، ولكن ساعة وساعة "
وقد رواه أحمد والترمذي أيضا من حديث عمران بن داود القطان، عن قتادة
عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن حنظلة.
والثالث رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري، عن أبي
الزناد، عن المرقع بن صيفي بن حنظلة عن جده في النهي عن قتل النساء في
الحرب.
لكن رواه الامام أحمد عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال أخبرت عن أبي
الزناد، عن مرقع بن صيفي بن رياح بن ربيع، عن جده رباح بن ربيع أخي
حنظلة الكاتب فذكره.
وكذلك رواه أحمد أيضا عن حسين بن محمد، وإبراهيم بن أبي العباس كلاهما
عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه.
وعن سعيد بن منصور وأبي عامر العقدي كلاهما عن المغيرة بن عبد الرحمن
عن أبي الزناد عن مرقع عن جده رباح.
ومن طريق المغيرة رواه النسائي وابن ماجه كذلك.
وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر بن مرقع عن أبيه عن جده رباح فذكر.
فالحديث عن رباح لا عن حنظلة ولذا قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان سفيان
الثوري يخطئ في هذا الحديث.
قلت: وصح قول ابن الرقي أنه لم يرو سوى حديثين.
والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبدشمس بن
عبدمناف، أبو
(5/364)
سعيد الاموي.
أسلم قديما يقال بعد الصديق بثلاثة أو أربعة، وأكثر ما قيل خمسة (1).
وذكروا أن سبب إسلامه أنه رأى في النوم كأن واقفا على شفير جهنم فذكر
من سعتها ما الله به عليم.
قال
وكأن أباه يدفعه فيها، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيده
ليمنعه من الوقوع، فقص هذه الرؤيا على أبي بكر الصديق فقال له: لقد
أريد بك خير، هذا رسول الله فاتبعه تنج مما خفته.
فجاء رسول الله فأسلم، فلما بلغ أباه إسلامه غضب عليه وضربه بعصاة في
يده حتى كسرها على رأسه وأخرجه من منزله ومنعه القوت، ونهى بقية إخوته
أن يكلموه، فلزم خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا، ثم
أسلم أخوه عمرو، فلما هاجر الناس إلى أرض الحبشة هاجرا معهم ثم كان هو
الذي ولي العقد في تزويج أم حبيبة من رسول الله كما قدمنا.
ثم هاجرا من أرض الحبشة صحبة جعفر فقدما على رسول الله بخيبر وقد
افتتحها، فأسهم لهما عن مشورة المسلمين، وجاء أخوهما أبان بن سعيد فشهد
فتح خيبر كما قدمنا، ثم كان رسول الله يوليهم الاعمال.
فلما كانت خلافة الصديق خرجوا إلى الشام للغزو فقتل خالد بأجنادين،
ويقال بمرج الصفر.
والله أعلم (2).
قال عتيق بن يعقوب: حدثني عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمرو
بن حزم، يعني أن خالد بن سعيد كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتابا: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله راشد بن
عبد رب السلمي أعطاه غلوتين [ بسهم ] (3) وغلوة بحجر برهاط [ لا يحاقه
فيها أحد ] (4)، فمن حاقه فلا حق له وحقه حق.
وكتب خالد بن سعيد.
وقال محمد بن سعد، عن الواقدي: حدثني جعفر بن محمد بن خالد، عن محمد بن
عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال: أقام خالد بن سعيد بعد أن قدم
من أرض الحبشة بالمدينة، وكان يكتب لرسول الله، وهو الذي كتب كتاب أهل
الطائف لوفد ثقيف وسعى في الصلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
ومنهم رضي الله عنهم خالد بن الوليد (5) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،
أبو سليمان المخزومي وهو أمير الجيوش المنصورة الاسلامية، والعساكر
المحمدية، والمواقف المشهودة، والايام
__________
(1) ذكر الواقدي عن أم خالد بنت خالد بنت سعيد قالت: كان أبي خامسا في
الاسلام، تقدمه: ابن أبي طالب وابن أبي قحافة وزيد بن حارثة وسعد بن
أبي وقاص.
هاجر في المرة الثانية إلى الحبشة وأقام بها بضع عشرة سنة.
(2) كذا قاله الواقدي، في المحرم سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن
الخطاب.
(3) من ابن سعد، وفي الاصل: وأعطاه علوتين وعلوة تحريف.
وقوله غلوتين: تحديد لما أعطاه راشدا أي مسير السهمين أو مسير الحجر.
وفي أعلام السائلين: غلوتين بسعجن، ولم أعثر عليه.
ورهاط: موضع على ثلاث ليال من مكة، وقيل قرية بواد هذيل، وقيل واد يقال
له غران.
المراصد.
(4) سقطت من الاصل واستدركت من ابن سعد 1 / 274 لا يحاقه: أي لا
يخاصمه، ومن حاقه: أي ومن خاصمه فليس له حق.
(5) في الاصابة: خالد بن الوليد بن المغيرة...(*)
(5/365)
المحمودة.
ذو الرأي السديد، والبأس الشديد، والطريق الحميد، أبو سليمان خالد بن
الوليد.
ويقال إنه لم يكن في جيش فكسر لا في جاهلية ولا إسلام.
قال الزبير بن بكار: كانت إليه في قريش القبة وأعنة الخيل، أسلم هو
وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة بعد الحديبية وقيل خيبر،
ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيما يبعثه أميرا.
ثم كان المقدم على العساكر كلها في أيام الصديق، فلما ولي عمر بن
الخطاب عزله وولي أبو عبيدة أمين الامة على أن لا يخرج عن رأي أبي
سليمان.
ثم مات خالد في أيام عمر وذلك في سنة إحدى وعشرين وقيل اثنتين وعشرين -
والاول أصح - بقرية على ميل من حمص.
وقال الواقدي: سألت عنها فقيل لي دثرت.
وقال دحيم: مات بالمدينة.
والاول أصح.
وقد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها.
قال عتيق بن يعقوب: حدثني عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، عن
عمرو بن حزم أن هذه قطايع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم
الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى المؤمنين: أن صيدوح (1)
وصيده لا يعضد صيده ولا يقتل، فمن وجد يفعل من ذلك شيئا فإنه يجلد
وينزع ثيابه، وإن تعدى ذلك أحد فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي صلى الله عليه
وسلم، وأن هذا من محمد النبي وكتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله فلا
يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد.
ومنهم رضي الله عنهم الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن
قصي، أبو
عبد الله الاسدي أحد العشرة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول
الله وهو عنهم راض وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية
بنت عبد المطلب وزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه، روى عتيق بن
يعقوب بسنده المتقدم أن الزبير بن العوام هو الذي كتب لبني معاوية بن
جرول الكتاب الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم.
وروى ابن عساكر بإسناد عن عتيق به.
أسلم الزبير قديما رضي الله عنه وهو ابن ست عشرة سنة، ويقال ابن ثمان
سنين، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها وهو أول من سل سيفا في سبيل
الله.
وقد شهد اليرموك وكان أفضل من شهدها، واخترق يومئذ صفوف الروم من أولهم
إلى آخرهم مرتين، ويخرج من الجانب الآخر سالما، لكن جرح في قفاه
بضربتين رضي الله عنه.
وقد جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أبويه (2) وقال "
إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير " وله فضائل ومناقب كثيرة وكانت وفاته
يوم الجمل، وذلك أنه كر راجعا عن القتال فلحقه عمرو بن جرموز، وفضالة
بن حابس ورجل ثالث يقال له نفيع (3) التميميون بمكان يقال له وادي
السباع (4)، فبدر إليه عمرو بن جرموز وهو نائم فقتله، وذلك في يوم
__________
(1) صيدوح: قرية بشرقي المدينة تشرب من شراج الحرة، والشراج: مجاري
المياه من الحرار إلى السهل واحدها شرج (معجم البلدان).
(2) أي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ارم فداك أبي وأمي.
(3) نفيع أو نفيل بن حابس التميمي - قاله ابن سعد.
(4) وادي السباع: موضع في طريق مكة بينه وبين الزبيدية ثلاثة أميال.
(معجم البلدان).
(*)
(5/366)
الخميس لعشر
خلون من جمادى الاولى (1) سنة ست وثلاثين، وله من العمر يومئذ سبع
وستون سنة، وقد خلف رضي الله عنه بعده تركة عظيمة فأوصى من ذلك بالثلث
بعد إخراج ألفي ألف ومائتي ألف دينارا، فلما قضى دينه، وأخرى ثلث ماله
قسم الباقي على ورثته فنال كل امرأة من نسائه - وكن أربعا - ألف ألف
ومائتا ألف، فمجموع ما ذكرناه مما تركه رضي الله عنه تسعة وخمسين ألف
ألف وثمان مائة ألف (2) وهذا كله من وجوه حل نالها في حياته مما كان
يصيبه من الفئ والمغانم،
ووجوه متاجر الحلال وذلك كله بعد إخراج الزكاة في أوقاتها، والصلاة
البارعة الكثيرة لاربابها في أوقات حاجاتها رضي الله عنه وأرضاه وجعل
جنات الفردوس مثواه - وقد فعل - فإنه قد شهد له سيد الاولين والآخرين
ورسول رب العالمين بالجنة، ولله الحمد والمنة.
وذكر ابن الاثير في الغابة أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج،
وأنه كان يتصدق بذلك كله.
وقال فيه حسان بن ثابت يمدحه ويفضله بذلك: أقام على عهد النبي وهديه *
حواريه والقول بالفضل يعدل أقام على منهاجه وطريقه * يوالي ولي الحق
والحق أعدل هو الفارس المشهور والبطل الذي * يصول إذا ما كان يوم محجل
وإن امرأ كانت صفية أمه * ومن أسد في بيته لمرسل (3) له من رسول الله
قربى قريبة * ومن نصرة الاسلام مجد مؤثل فكم كربة ذب الزبير بسيفه * عن
المصطفى والله يعطي ويجزل إذا كشفت عن ساقها الحزب حشها * بأبيض [ سباق
] (4) إلى الموت يرفل فما مثل فيهم ولا كان قبله * وليس يكون الدهر ما
دام يذبل قد تقدم أنه قتله عمرو بن جرموز التميم بوادي السباع وهو
نائم، ويقال بل قام من آثار النوم وهو دهش فركب وبارزه ابن جرموز، فلما
صمم عليه الزبير أنجده صاحباه فضالة والنعر فقتلوه، وأخذ عمرو بن جرموز
رأسه وسيفه.
فلما دخل بهما على علي قال علي رضي الله عنه لما رأى سيف الزبير: إن
هذا السيف طالما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال علي فيما قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
فيقال إن عمرو بن جرموز لما سمع ذلك قتل نفسه.
والصحيح أنه عمر بعد علي حتى كانت أيام ابن الزبير فاستناب أخاه مصعبا
على العراق، فاختفى عمرو بن جرموز خوفا
__________
(1) ابن سعد عن الواقدي: جمادى الآخرة.
(2) ذكر ابن سعد أن ثروته بلغت خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف.
وبلغ دينه ألفي ألف ومائتي ألف.
قسم المبلغ المتبقي على ورثته، فكانت كل امرأة من نسائه - وكن أربع -
ألف ألف ومائة ألف.
وذلك عدا الاراضي
والخطط والدور في مصر والكوفة والبصرة والمدينة.
(الطبقات 3 / 109 - 110).
(3) في أسد الغابة: لمرقل، أي المعظم والمسود.
(4) من أسد الغابة 2 / 198 وابن عساكر 5 / 364.
(*)
(5/367)
من سطوته أن
يقتله بأبيه.
فقال مصعب: أبلغوه أنه آمن، أيحسب أني أقتله بأبي عبد الله ؟ كلا والله
ليسا سواء، وهذا من حلم مصعب وعقله ورياسته.
وقد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يطول
ذكرها ولما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع كما تقدم قالت امرأته
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه رضي الله عنها وعنه: غدر ابن
جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير معرد يا عمرو لو نبهته لوجدته
* لا طائشا رعش الجنان ولا اليد كم غمرة قد خاضها لم يثنه * عنها طراد
يا بن فقع القردد (1) ثكلتك أمك إن (2) ظفرت بمثله * فيمن مضى فيمن
يروح ويغتدي والله ربك (3) إن قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة المتعمد
ومنهم رضي الله عنهم زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن
عبيد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار الانصاري النجاري، أبو سعيد،
ويقال أبو خارجة ويقال أبو عبد الرحمن المدني قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة فلهذا لم يشهد بدرا لصغره،
قيل ولا أحدا وأول مشاهده الخندق، ثم شهد ما بعدها.
وكان حافظا لبيبا عالما عاقلا، ثبت عنه في صحيح البخاري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ليقرأه على النبي صلى الله
عليه وسلم إذا كتبوا إليه.
فتعلمه في خمسة عشر يوما.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، ثنا عبد الرحمن، عن أبي
الزناد، عن خارجة بن زيد، أن أباه زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله
المدينة قال زيد: ذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجب بي،
فقالوا: يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك
بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال " يا زيد تعلم لي كتاب يهود
فإني والله ما آمن يهود
على كتابي ".
قال زيد: فتعلمت لهم كتابهم ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ
له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.
ثم رواه أحمد: عن شريح بن النعمان، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه عن
خارجة عن أبيه فذكر نحوه.
وقد علقه البخاري في الاحكام عن خارجة بن زيد بن ثابت بصيغة الجزم
فقال: وقال خارجة بن زيد فذكره.
ورواه أبو داود: عن أحمد بن يونس والترمذي عن علي بن حجر كلاهما عن عبد
الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه عن خارجة عن أبيه به نحوه.
وقال الترمذي حسن صحيح.
وهذا ذكاء مفرط جدا.
وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من
القراء كما ثبت في الصحيحين عن أنس.
وروى أحمد والنسائي من حديث أبي قلابة، عن أنس بن رسول الله أنه قال "
أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان،
وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل،
__________
(1) في ابن سعد: طرادك، والقردد: الجبل.
والفقع: البيضاء الرخوة من الكمأة.
(2) في ابن سعد: هل.
(3) في ابن سعد: ثكلتك أمك.
(*)
(5/368)
وأعلمهم
بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن
الجراح " ومن الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبي عبيدة، ففي صحيح
البخاري من هذا الوجه.
وقد كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما موطن،
ومن أوضح ذلك ما ثبت في الصحيح عنه أنه قال: لما نزل قوله تعالى * (لا
يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) * الآية [
النساء: 95 ].
دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " اكتب لا يستوي القاعدون من
المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " فجاء ابن أم مكتوم فجعل يشكو
ضرارته، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت فخذه على
فخذي حتى كادت ترضها، فنزل * (غير أول الضرر) * فأمرني فألحقتها، فقال
زيد: فإني لاعرف موضع ملحقها عند صدع في ذلك اللوح - يعني من عظام -
الحديث.
وقد شهد زيد اليمامة وأصابه سهم فلم يضره، وهو الذي أمره الصديق بعد
هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه، وقال له إنك
شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
فتتبع القرآن فاجمعه، ففعل ما أمره به الصديق، فكان في ذلك خير كثير
ولله الحمد والمنة.
وقد استنابه عمر مرتين في حجتين على المدينة، واستنابه لما خرج إلى
الشام، وكذلك كان عثمان يستنيبه على المدينة أيضا، وكان علي يحبه، وكان
يعظم عليا ويعرف له قدره، ولم يشهد معه شيئا من حروبه.
وتأخر بعده حتى توفي سنة خمس وأربعين، وقيل سنة إحدى وقيل خمس وخمسين،
وهو ممن كان يكتب المصاحف الائمة التي نفذ بها عثمان بن عفان إلى سائر
الآفاق اللائي وقع على التلاوة طبق رسمهن الاجماع والاتفاق كما قررنا
ذلك في كتاب فضائل القرآن الذي كتبناه مقدمة في أول كتابنا التفسير
ولله الحمد والمنة.
ومنهم السجل، كما ورد به الحديث المروي في ذلك عن ابن عباس - إن صح -
وفيه نظر.
قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا نوح بن قيس، عن يزيد بن كعب،
عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: السجل كاتب للنبي
صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه النسائي عن قتيبة به عن ابن عباس أنه
كان يقول: في هذه الآية * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * [
الانبياء: 104 ] السجل الرجل.
هذا لفظه ورواه أبو جعفر بن جرير في تفسيره عند قوله تعالى * (يوم نطوي
السماء كطي السجل للكتاب) * ! عن نصر بن علي، عن نوح بن قيس وهو ثقة من
رجال مسلم.
وقد ضعفه ابن معين في رواية عنه.
وأما شيخه يزيد بن كعب العوفي البصري فلم يرو عنه سوى نوح بن قيس، وقد
ذكره مع ذلك ابن حبان في الثقات.
وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره
جدا، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول: هو حديث
موضوع، وإن كان في سنن أبي داود.
فقال شيخنا المزي: وأنا أقوله.
قلت: وقد رواه الحافظ ابن عدي في كامله من حديث محمد بن سليمان الملقب
ببومة عن يحيى بن عمرو عن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن
عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له السحل، وهو
قوله تعالى: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * قال
(5/369)
كما يطوي السجل
للكتاب كذلك تطوى السماء.
وهكذا رواه البيهقي: عن أبي نصر بن قتادة، عن
أبي علي الرفا، عن علي بن عبد العزيز، عن مسلم بن إبراهيم، عن يحيى بن
عمرو بن مالك به.
ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة.
والله أعلم.
وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن منده من حديث
أحمد بن سعيد البغدادي المعروف بحمدان: عن بهز، عن عبيد الله، عن نافع
عن ابن عمر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له سجل، فأنزل
الله: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) * قال ابن منده: غريب تفرد
به حمدان.
وقال البرقاني: قال أبو الفتح الازدي تفرد به ابن نمير - إن صح -.
قلت: وهذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس، وقد ورد عن
ابن عباس وابن عمر خلاف ذلك، فقد روى الوالبي والعوفي عن ابن عباس أنه
قال في هذه الآية: قال كطي الصحيفة على الكتاب.
وكذلك قال مجاهد، وقال ابن جرير هذا هو المعروف في اللغة أن السجل هو
الصحيفة.
قال ولا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وأنكر أن يكون السجل اسم ملك
من الملائكة كما رواه عن أبي كريب عن ابن يمان: ثنا أبو الوفا الاشجعي،
عن أبيه عن ابن عمر في قوله: * (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب) *
قال: السجل ملك فإذا صعد بالاستغفار قال الله اكتبها نورا.
وحدثنا بندار: عن مؤمل، عن سفيان سمعت السدي يقول، فذكر مثله.
وهكذا قال أبو جعفر الباقر: فيما رواه أبو كريب، عن المبارك عن معروف
بن خربوذ، عمن سمع أبا جعفر يقول: السجل الملك، وهذا الذي أنكره ابن
جرير من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوي جدا، والحديث في ذلك منكر جدا.
ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن منده وأبي نعيم الاصبهاني وابن الاثير
في الغابة إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث، أو تعليقا على صحته
والله أعلم.
ومنهم سعد بن أبي سرح.
فيما قاله خليفة بن خياط (1) وقد وهم إنما هو ابنه عبد الله بن سعد بن
أبي سرح كما سيأتي قريبا إن شاء الله.
ومنهم عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر الصديق.
قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال قال الزهري: أخبرني
عبد الملك بن مالك المدلجي، وهو ابن أخي سراقة بن مالك أن أباه أخبره
أنه سمع سراقة يقول، فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه:
فقلت له إن قومك جعلوا
فيك الدية، وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم
الزاد والمتاع فلم يرزؤني منه شيئا ولم يسألوني إلا أن أخف عنا، فسألته
أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من
أدم، ثم مضى.
قلت: وقد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة.
وقد روى أن أبا بكر هو الذي كتب لسراقة هذا الكتاب فالله أعلم.
وقد كان عامر بن فهيرة - ويكنى أبا عمرو - من مولدي الازاد أسود اللون،
__________
(1) يبدو أن ابن كثير غلط في النقل عن خليفة وتبعه ابن حجر في الاصابة.
فقد ذكر خليفة: " عبد الله " تاريخه ص 99.
(*)
(5/370)
وكان أولا مولى
للطفيل بن الحارث أخي عائشة لامها أم رومان، فأسلم قديما قبل أن يدخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم بن أبي الارقم التي عند الصفا
مستخفيا، فكان عامر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه فيأبى،
فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه، فكان يرعى له غنما بظاهر مكة.
ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر كان معهما رديفا
لابي بكر ومعهم الدليل الدئلي فقط كما تقدم مبسوطا، ولما وردوا المدينة
نزل عامر بن فهيرة على سعد بن خيثمة، وآخى رسول الله بينه وبين أوس بن
معاذ وشهد بدرا وأحدا، وقتل يوم بئر معونة كما تقدم وذلك سنة أربع من
الهجرة، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة.
فالله أعلم.
وقد ذكر عروة وابن إسحاق والواقدي وغير واحد، أن عامرا قتله يوم بئر
معونة رجل يقال له جبار بن سلمى من بني كلاب، فلما طعنه بالرمح قال:
فزت ورب الكعبة، ورفع عامر حتى غاب عن الابصار حتى قال عامر بن الطفيل:
لقد رفع حتى رأيت السماء دونه، وسئل عمرو بن أمية عنه فقال: كان من
أفضلنا ومن أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم قال جبار: فسألت
الضحاك بن سفيان عما قال ما يعني به ؟ فقال يعني الجنة.
ودعاني الضحاك إلى الاسلام فأسلمت لما رأيت من قتل عامر بن فهيرة، فكتب
الضحاك إلى رسول الله يخبره بإسلامي وما كان من أمر عامر، فقال " وارته
الملائكة وأنزل عليين " وفي الصحيحين عن أنس أنه قال قرأنا فيهم قرآنا
أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، وقد تقدم ذلك
وبيانه في موضعه عند غزوة بئر
معونة.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، أن عامر بن الطفيل
كان يقول: من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت
السماء دونه ؟ قالوا عامر بن فهيرة.
وقال الواقدي: حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة عن عائشة
قال: رفع عامر بن فهيرة إلى السماء فلم توجد جثته، يرون أن الملائكة
وارته.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن أرقم بن أبي الارقم المخزومي.
أسلم عام الفتح وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال الامام مالك: وكان ينفذ ما يفعله ويشكره ويستجيده.
وقال سلمة عن محمد بن إسحاق بن يسار، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن
عبد الله بن الزبير أن رسول الله استكتب عبد الله بن الارقم بن عبد
يغوث، وكان يجيب عنه الملوك، وبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى
بعض الملوك فيكتب، ويختم على ما يقرأه لامانته عنده.
وكتب لابي بكر وجعل إلى بيت المال، وأقره عليهما عمر بن الخطاب، فلما
كان عثمان عزله عنهما.
قلت: وذلك بعدما استعفاه عبد الله بن أرقم، ويقال إن عثمان عرض عليه
ثلاثمائة ألف درهم عن أجرة عمالته فأبى أن يقبلها وقال: إنما عملت لله
فأجري على الله عز وجل.
قال ابن إسحاق: وكتب لرسول الله زيد بن ثابت، فإذا لم يحضر ابن الارقم
وزيد بن ثابت كتب من حضر من الناس وقد كتب عمر وعلي وزيد والمغيرة بن
شعبة ومعاوية وخالد بن سعيد بن العاص وغيرهم ممن سمي من العرب.
وقال الاعمش: قلت لشقيق بن سلمة من كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم
؟ قال عبد الله بن الارقم، وقد جاءنا كتاب عمر بالقادسية وفي أسفله،
وكتب عبد الله بن
(5/371)
الارقم.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا محمد بن صالح بن هانئ،
حدثنا الفضل بن محمد البيهقي، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا عبد العزيز بن
أبي سلمة الماجشون، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن القاسم بن محمد، عن
عبد الله بن عمر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل، فقال
لعبد الله بن الارقم " أجب عني " فكتب جوابه ثم قرأه عليه، فقال " أصبت
وأحسنت، اللهم وفقه " قال فلما ولي عمر كان يشاوره.
وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ما رأيت أخشى لله منه
- يعني في العمال - أضر رضي الله عنه قبل وفاته.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الخزرجي،
صاحب الاذان، أسلم قديما فشهد عقبة السبعين، وحضر بدرا وما بعدها، ومن
أكبر مناقبه رؤيته الاذان والاقامة في النوم، وعرضه ذلك على رسول الله
وتقريره عليه، وقوله له " إنها لرؤيا حق فألقه على بلال، فإنه أندى
صوتا منك " وقد قدمنا الحديث بذلك في موضعه.
وقد روى الواقدي بأسانيده عن ابن عباس أنه كتب كتابا لمن أسلم من جرش
فيه، الامر لهم بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإعطاء خمس المغنم.
وقد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين عن أربع وستين سنة، وصلى
عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، القرشي العامري، أخو
عثمان لامه من الرضاعة.
أرضعته أم عثمان.
وكتب الوحي ثم ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين بمكة، فلما فتحها رسول
الله صلى الله عليه وسلم - وكان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء -
فجاء إلى عثمان بن عفان فاستأمن له، فأمنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما قدمنا في غزوة الفتح، ثم حسن إسلام عبد الله بن سعد جدا.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد المروزي، ثنا علي بن الحسين بن واقد،
عن أبيه عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان عبد الله بن
سعد بن أبي سرح يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فأزله الشيطان فلحق
بالكفار، فأمر به رسول الله أن يقتل، فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه النسائي من حديث علي بن الحسين بن واقد به.
قلت: وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح عمرو مصر سنة عشرين في
الدولة العمرية فاستناب عمر بن الخطاب عمرا عليها، فلما صارت الخلافة
إلى عثمان عزل عنها عمرو بن العاص وولي عليها عبد الله بن سعد سنة خمس
وعشرين، وأمره بغزو بلاد أفريقية فغزاها ففتحها، وحصل للجيش منها مال
عظيم كان قسم الغنيمة لكل فارس من الجيش ثلاثة آلاف مثقال من ذهب،
وللراجل ألف مثقال.
وكان معه في جيشه هذا ثلاثة من العبادلة، عبد الله بن الزبير، وعبد
الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، ثم غزا عبد الله بن سعد بعد أفريقية
الاساود من أرض النوبة
فهادنهم فهي إلى اليوم، وذلك سنة إحدى وثلاثين.
ثم غزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم وهي غزوة عظيمة كما سيأتي
بيانها في موضعها إن شاء الله.
فلما اختلف الناس على عثمان خرج من مصر واستناب عليها ليذهب إلى عثمان
لينصره.
فلما قتل عثمان أقام بعسقلان - وقيل بالرملة -
(5/372)
ودعا الله أن
يقبضه في الصلاة، فصلى يوما الفجر وقرأ في الاولى منها بفاتحة الكتاب
والعاديات، وفي الثانية بفاتحة الكتاب وسورة، ولما فرغ من التشهد سلم
التسليمة الاولى، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما رضي الله عنه،
وذلك في سنة ست وثلاثين، وقيل سنة سبع، وقيل إنه تأخر إلى سنة تسع
وخمسين، والصحيح الاول.
قلت: ولم يقع له رواية في الكتب الستة ولا في المسند للامام أحمد.
ومنهم رضي الله عنهم عبد الله بن عثمان، أبو بكر الصديق.
وقد تقدم الوعد بأن ترجمته ستأتي في أيام خلافته إن شاء الله عز وجل
وبه الثقة.
وقد جمعت مجلدا في سيرته وما رواه من الاحاديث وما روي عنه من الآثار،
والدليل على كتابته ما ذكره موسى بن عقبة عن الزهري عن عبد الرحمن بن
مالك بن جعشم، عن أبيه عن سراقة بن مالك، في حديثه حين اتبع رسول الله
حين خرج هو وأبو بكر من الغار فمروا على أرضهم، فلما غشيهم - وكان من
أمر فرسه ما كان - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب
أمان، فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ثم ألقاه إليه.
وقد روى الامام أحمد من طريق الزهري بهذا السند أن عامر بن فهيرة كتبه،
فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقيه والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم عثمان بن عفان أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في
أيام خلافته وكتابته بين يديه عليه السلام مشهورة.
وقد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن
عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الاسلام.
ومنهم رضي الله عنهم علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وستأتي ترجمته في
خلافته، وقد تقدم أنه كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين
قريش يوم الحديبية أن يأمن الناس، وأنه لا إسلال ولا
إغلال، وعلى وضع الحرب عشر سنين.
وقد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يدعيه طائفة من يهود خيبر أن بأيديهم كتاب من النبي صلى الله
عليه وسلم بوضع الجزية عنهم وفي آخره وكتب علي بن أبي طالب، وفيه شهادة
جماعة من الصحابة منهم سعد بن معاذ ومعاوية بن أبي سفيان فهو كذب
وبهتان مختلق موضوع مصنوع، وقد بين جماعة من العلماء بطلانه، واغتر بعض
الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم وهذا ضعيف جدا.
وقد جمعف في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه وأنه موضوع، اختلقوه
وصنعوه وهم أهل لذلك، وبينته وجمعت مفرق كلام الائمة فيه ولله الحمد
والمنة.
ومن الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب،
وستأتي ترجمته في موضعها.
وقد أفردت له مجلدا على حدة، ومجلدا ضخما في الاحاديث التي رواها عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم والاثار والاحكام المروية عنه رضي الله
عنه، وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبد الله بن الارقم.
(5/373)
ومنهم رضي الله
عنهم العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عباد، ويقال عبد الله بن عباد (1)
بن أكبر بن ربيعة بن عريقة (2) بن مالك بن الخزرج بن أياد بن الصدق بن
زيد بن مقنع بن حضرموت بن قحطان، وقيل غير ذلك في نسبه وهو من حلفاء
بني أمية.
وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة أبان بن سعيد بن العاص، وكان له من
الاخوة عشرة غيره فمنهم، عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين قتله
المسلمون في سرية عبد الله بن جحش، وهي أول سرية كما تقدم، ومنهم عامر
بن الحضرمي الذي أمره أبو جهل لعنه الله فكشف عن عورته وناداه واعمراه
حين اصطف المسلمون والمشركون يوم بدر فهاجت الحرب وقامت على ساق وكان
ما كان مما قدمناه مبسوطا في موضعه.
ومنهم شريح بن الحضرمي، وكان من خيار الصحابة.
قال فيه رسول الله " ذاك رجل لا يتوسد القرآن " يعني لا ينام ويتركه،
بل يقوم به آناء الليل والنهار ولهم كلهم أخت واحدة وهي الصعبة بنت
الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن
ساوى ملك البحرين، ثم ولاه عليها أميرا حين افتتحها.
وأقره عليها الصديق، ثم
عمر بن الخطاب، ولم يزل بها (3) حتى عزله عنها عمر بن الخطاب وولاه
البصرة.
فلما كان في أثناء الطريق توفي وذلك في سنة إحدى وعشرين، وقد روى
البيهقي عنه وغيره كرامات كثيرة منها أنه سار بجيشه على وجه البحر ما
يصل إلى ركب خيولهم، وقيل إنه ما بل أسافل نعال خيولهم، وأمرهم كلهم
فجعلوا يقولون يا حليم يا عظيم، وأنه كان في جيشه فاحتاجوا إلى ماء
فدعا الله فأمطرهم قدر كفايتهم، وأنه لما دفن لم ير له أثر بالكلية،
وكان قد سأل الله ذلك، وسيأتي هذا في كتاب دلائل النبوة قريبا إن شاء
الله عز وجل.
وله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث الاول، قال الامام
أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن
بن عوف، عن السائب بن يزيد، عن العلاء بن الحضرمي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
قال: " يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا " وقد أخرجه الجماعة من
حديثه.
والثاني: قال أحمد: حدثنا هشيم ثنا منصور، عن ابن سيرين، عن ابن العلاء
بن الحضرمي أن أباه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه، وكذا
رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل.
والحديث الثالث: رواه أحمد وابن ماجه من طريق محمد بن زيد عن حبان
الاعرج عنه.
أنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البحرين في الحائط - يعني
البستان - يكون بين الاخوة فيسلم أحدهم ؟ فأمره أن يأخذ العشر ممن
أسلم.
والخراج - يعني ممن لم يسلم -.
__________
(1) في ابن سعد: ضماد بن سلمى.
(2) عريقة سقط من الاصابة وأسد الغابة وفيه: ابن مالك بن أكبر بن عويف
بن مالك بن الخزرج بن أبي بن الصدف.
(3) يرى الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله عزله عن البحرين وبعث
أبان بن سعيد بن العاص عاملا عليها.
حتى ولي أبو بكر فأعاده إليها.
في حين قال في أسد الغابة انه أقام عليها حتى وفاته - بعد أن اقره
عليها أبو بكر وعمر - سنة احدى وعشرين.
وذكره الطبري على البحرين سنة 14 و 16 ولم يأت على ذكره بعد ذلك.
(*)
(5/374)
ومنهم العلاء
بن عقبة، قال الحافظ ابن عساكر: كان كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم،
ولم أجد أحدا ذكره إلا فيما أخبرنا.
ثم ذكر إسناده إلى عتيق بن يعقوب حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد
بن
عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن عمرو بن حزم أن هذه قطائع أقطعها
رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم فذكرها، وذكر فيها: بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النبي محمد عباس بن مرداس السلمي أعطاء
مدمورا (1) فمن خافه فيها فلا حق له، وحقه حق، وكتب العلاء بن عقبة
وشهد.
ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسول الله عوسجة بن
حرملة الجهني، من ذي المروة وما بين بلكثه إلى الظبية إلى الجعلات إلى
جبل القبلية (2) فمن خافه فلا حق له وحقه حق، وكتبه العلاء بن عقبة.
وروى الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبني سيح
من جهينة وكتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة، وشهد.
وقد ذكر ابن الاثير في الغابة هذا الرجل مختصرا فقال: العلاء بن عقبة
كتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ذكره في حديث عمرو بن حزم، ذكره جعفر
أخرجه أبو موسى - يعني المديني - في كتابه.
ومنهم رضي الله عنهم محمد بن مسلمة (3) بن جريس بن خالد بن عدي بن
مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الانصاري الحارثي أبو عبد الله،
ويقال أبو عبد الرحمن، ويقال أبو سعيد المدني حليف بني عبد الاشهل.
أسلم على يدي مصعب بن عمير، وقيل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وآخى رسول
الله حين قدم المدينة بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد بدرا
والمشاهد بعدها، واستخلفه رسول الله على المدينة عام تبوك.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب:
__________
(1) في الطبقات: مدفوا ومن حاقه فلاحق له، وفي أعلام السائلين مذمورا.
وفي الاصل غير منقوطة.
لم اعثر عليهما.
وجدت في معجم البلدان مدفار موضع في بلاد بني سليم أو هذيل.
ونص الكتاب.
(2) في الاصل إلى بلنكثة إلى الطيبة إلى الجعلات إلى جبل القبلة،
والتصحيح من المعجم، ونص الكتاب في الطبقات: 1 / 271: بسم الله الرحمن
الرحيم.
هذا ما أعطى الرسول عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة، أعطاه ما بين
بلكئة إلى المصنعة إلى الجفلات إلى الجد جبل القبلة لا يحاقه أحد.
ومن حاقه فلا حق له وحق حق وكتب [ العلاء بن ] عقبة وشهد.
وانظر النص في معجم البلدان (ظبيه) واعلام السائلين ص 48 ووفاء الوفاء
ج 2 / 340.
- بلكئة: في القاموس: قارة عظيمة فهي وبلاكث اسمان لقارة عظيمة فوق ذي
المروة، بينه وبين ذي خشب
ببطن أضم بجانب برمة، بين خيبر ووادي القرى، وهي عيون ونخل لقريش.
- الظبية، وهي موضع بديار جهينة، أما المصنعة - تصحيف - فهي في نواحي
ذمار باليمن.
- الجفلات أو الجعلات لم أعثر عليها، ولعلها موضع بذي موضع مروة.
- جبل القبلية: ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام
(النهاية) وقال الزمخشري القبلية سراة فيما بين المدينة وينبع.
(3) في الاصابة: سلمة.
وسقط جريس من نسبه.
(*)
(5/375)
كان شديد
السمرة طويلا أصلع ذا جثة (1) وكان من فضلاء الصحابة، وكان ممن اعتزل
الفتنة واتخذ سيفا من خشب.
ومات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على المشهور عند الجمهور، وصلى عليه
مروان بن الحكم.
وقد روى حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر محمد بن سعد: عن علي بن محمد المدايني بأسانيده أن محمد بن مسلمة
هو الذي كتب لوفد مرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم رضي الله عنهم معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الاموي
وستأتي ترجمته في أيام إمارته إن شاء الله.
وقد ذكره مسلم بن الحجاج في كتابه عليه السلام.
وقد روى مسلم في صحيحه: من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل سماك بن
الوليد، عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ؟
قال " نعم " ؟ قال تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين،
قال " نعم " ؟ قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال " نعم " ؟
الحديث.
وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة بسبب ما وقع فيه من ذكر طلبه تزويج
أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن فيه من المحفوظ تأمير
أبي سفيان وتوليته معاوية منصب الكتابة بين يديه صلوات الله وسلامه
عليه، وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة، فأما الحديث قال الحافظ ابن
عساكر في تاريخه في ترجمة معاوية ها هنا أخبرنا أبو غالب بن البنا،
أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد
الله العطشي، حدثنا أحمد بن محمد البوراني، ثنا السري بن عاصم، ثنا
الحسن بن زياد، عن القاسم بن بهرام، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم
استشار جبريل في استكتاب معاوية فقال: استكتبه فإنه أمين، فإنه حديث
غريب بل منكر.
والسري بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذاني وكان يؤدب المعتز بالله، كذبه
في الحديث ابن خراش.
وقال ابن حبان وابن عدي: كان يسرق الحديث.
زاد ابن حبان ويرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به.
وقال الدارقطني كان ضعيف الحديث وشيخه الحسن بن زياد - إن كان اللؤلؤي
- فقد تركه غير واحد من الائمة، وصرح كثير منهم بكذبه، وإن كان غيره
فهو مجهول العين والحال.
وأما القاسم بن بهرام فاثنان، أحدهما يقال له القاسم بن بهرام الاسدي
الواسطي الاعرج أصله من أصبهان، روى له النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس حديث القنوت بطوله، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن
حبان.
والثاني القاسم بن بهرام أبو حمدان قاضي هيت.
قال ابن معين كان كذابا.
وبالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت ولا يغتر به، والعجب من
الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره
من أبناء عصره - بل ومن تقدمه بدهر - كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث
كثيرة من هذا النمط ثم لا يبين حالها، ولا يشير إلى شئ من ذلك إشارة لا
ظاهرة ولا خفية، ومثل هذا الصنيع فيه نظر والله أعلم.
ومنهم رضي الله عنهم المغيرة بن شعبة الثقفي، وقد قدمت ترجمته فيمن كان
يخدمه عليه
__________
(1) من الاستيعاب، وفي الاصل ذا جنة.
(*)
(5/376)
السلام من بين
أصحابه من غير مواليه، وأنه كان سيافا على رأس رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد روى ابن عساكر بسنده عن عتيق بن يعقوب بإسناده المتقدم غير
مرة أن المغيرة بن شعبة هو الذي كتب اقطاع حصين بن نضلة الاسدي الذي
أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره (1)، فهؤلاء كتابه
الذين كانوا يكتبون بأمره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه.
فصل
وقد ذكر ابن عساكر من أمنائه أبا عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح
القرشي الفهري أحد العشرة رضي الله عنه، وعبد الرحمن بن عوف الزهري.
أما أبو عبيدة فقد روى البخاري من
حديث أبي قلابة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لكل أمة
أمين وأمين هذه الامة أبو عبيدة بن الجراح " وفي لفظ أن رسول الله قال
لوفد عبد القيس نجران " لابعثن معكم أمينا حق أمين " فبعث معهم أبا
عبيدة.
قال ومنهم معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي مولى بني عبد الشمس، كان على
خاتمه، ويقال كان خادمه، وقال غيره أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة في
الناس، ثم إلى المدينة وشهد بدرا وما بعدها، وكان على الخاتم واستعمله
الشيخان على بيت المال، قالوا وكان قد أصابه الجذام فأمر عمر بن الخطاب
فدووي بالحنظل فتوقف المرض.
وكانت وفاته في خلافة عثمان وقيل سنة أربعين.
فالله أعلم.
قال الامام أحمد: ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير
(2) عن أبي سلمة حدثني معيقيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في
الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال " إن كنت لا بد فاعلا فواحدة " وأخرجاه
في الصحيحين من حديث شيبان النحوي، زاد مسلم وهشام، الدستوائي.
زاده الترمذي والنسائي وابن ماجه والاوزاعي ثلاثتهم عن يحيى بن أبي
كثير به، وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا خلف بن الوليد، ثنا أيوب، عن عتبة، عن يحيى بن
أبي كثير، عن أبي سلمة عن معيقيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " ويل للاعقاب من النار " وتفرد به الامام أحمد.
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عتاب سهل بن حماد الدلال، عن
أبي مكين نوح بن ربيعة عن إياس بن الحارث بن المعيقيب عن جده - وكان
على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم
- قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، قال
فربما كان في يدي.
قلت: أما خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فالصحيح أنه كان من فضة فصه
منه كما سيأتي في الصحيحين وكان قد اتخذ قبله خاتم ذهب فلبسه حينا ثم
رمى به وقال " والله لا ألبسه " ثم اتخذ هذا الخاتم من فضة فصه منه
ونقشه محمد رسول الله، محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر، فكان في يده
عليه
__________
(1) ذكره ابن سعد في الطبقات 1 / 274 وفيه: وكتب رسول الله صلى الله
عليه وآله لحصين بن نضلة الاسدي أن له أراما وكسه لا يحاقه فيها أحد.
وكتب المغيرة بن شعبة.
(3) من المسند، وفي الاصل " بكير " تحريف.
(*)
(5/377)
السلام ثم كان
في يد أبي بكر من بعده ثم في يد عمر ثم كان في يد عثمان فلبث في يده ست
سنين، ثم سقط منه في بئر أريس فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه، وقد صنف
أبو داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده، وسنورد
منه إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه وبالله المستعان.
وأما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام،
كما ذكره ابن عبد البر وغيره، لكنه مشهور فلعله أصابه ذلك بعد النبي
صلى الله عليه وسلم، أو كان به وكان مما لا يعدى منه، أو كان ذلك من
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
لقوة توكله كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة - " كل ثقة
بالله، وتوكلا عليه " رواه أبو داود.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فر من
المجذوم فرارك من الاسد " والله أعلم.
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على
أسمائهم ولله الحمد والمنة.
وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه
قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألف، وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء عن ستين
ألف، وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف
صحابي.
قلت: والذي روى عنهم الامام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته
وإمامته فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا.
ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا.
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم وذكر أيامهم
ووفياتهم، من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه
الاستيعاب، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، وأبو موسى المديني،
ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم
الجزري المعروف بابن الصحابية، صنف كتابه (1) الغابة في ذلك فأجاد
وفاد، وجمع وحصل، ونال ما رام وأمل، فرحمه الله وأثابه وجمعه والصحابة
آمين يا رب
ثم سقط منه في بئر أريس فاجتهد في تحصيله فلم يقدر عليه، وقد صنف أبو
داود رحمة الله عليه كتابا مستقلا في سننه في الخاتم وحده، وسنورد منه
إن شاء الله قريبا ما نحتاج إليه وبالله المستعان.
وأما لبس معيقيب لهذا الخاتم فيدل على ضعف ما نقل أنه أصابه الجذام،
كما ذكره ابن عبد البر وغيره، لكنه مشهور فلعله أصابه ذلك بعد النبي
صلى الله عليه وسلم، أو كان به وكان مما لا يعدى منه، أو كان ذلك من
خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
لقوة توكله كما قال لذلك المجذوم - ووضع يده في القصعة - " كل ثقة
بالله، وتوكلا عليه " رواه أبو داود.
وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فر من
المجذوم فرارك من الاسد " والله أعلم.
وأما أمراؤه عليه السلام فقد ذكرناهم عند بعث السرايا منصوصا على
أسمائهم ولله الحمد والمنة.
وأما جملة الصحابة فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه
قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألف، وعن الشافعي رحمه الله أنه قال: توفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ممن سمع منه ورآه زهاء عن ستين
ألف، وقال الحاكم أبو عبد الله: يروى الحديث عن قريب من خمسة آلاف
صحابي.
قلت: والذي روى عنهم الامام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته
وإمامته فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفسا.
ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك قريب من ثلاثمائة صحابي أيضا.
وقد اعتنى جماعة من الحفاظ رحمهم الله بضبط أسمائهم وذكر أيامهم
ووفياتهم، من أجلهم الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري في كتابه
الاستيعاب، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، وأبو موسى المديني،
ثم نظم جميع ذلك الحافظ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم
الجزري المعروف بابن الصحابية، صنف كتابه (1) الغابة في ذلك فأجاد
وفاد، وجمع وحصل، ونال ما رام وأمل، فرحمه الله وأثابه وجمعه والصحابة
آمين يا رب العالمين
__________
(1) اسمه: أسد الغابة وهو مطبوع.
(*)
(5/378)
|