البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

البداية والنهاية - ابن كثير ج 6
البداية والنهاية
ابن كثير ج 6

(6/)


البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774 ه.
حققه ودقق أصوله وعلق حواشيه علي شيري الجزء السادس دار إحياء التراث العربي

(6/1)


بسم الله الرحمن الرحيم
باب آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يختص بها في حياته من ثياب وسلاح ومراكب
ذكر الخاتم الذي كان يلبسه عليه السلام
وقد أفرد له أبو داود في كتابه السنن كتابا على حدة (1)، ولنذكر عيون ما ذكره في ذلك مع ما نضيفه إليه، والمعول في أصل ما نذكره عليه.
قال أبو داود (2): حدثنا عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي، حدثنا عيسى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى بعض الاعاجم فقيل له: إنهم لا يقرؤن كتابا إلا بخاتم، فاتخذ خاتما من فضة، ونقش فيه: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا رواه البخاري عن عبد الاعلى بن حماد عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به (3)، ثم قال أبو داود (4): حدثنا وهب بن بقية، عن خالد، عن سعيد، عن قتادة عن أنس بمعنى حديث عيسى بن يونس، زاد: فكان في يده حتى قبض، وفي يد أبي بكر حتى قبض، وفي يد عمر حتى قبض، وفي يد عثمان، فبينما هو عند بئر إذ سقط في البئر فأمر بها فنزحت، فلم يقدر
عليه.
تفرد به أبو داود من هذا الوجه، ثم قال أبو داود رحمه الله: حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن صالح قالا: أنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال حدثني أنس قال: كان خاتم
__________
(1) سنن أبي داود - كتاب الخاتم ج 4 / 88 وما بعدها.
(2) في باب ما جاء في اتخاذ الخاتم ج 4 / 88 حديث 4214.
(3) ذكر ابن سعد في سبب اتخاذ النبي خاتما ان معاذ بن جبل قدم من اليمن وفي يده خاتم من ورق فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ما هذا الخاتم ؟ قال: اكتب إلى الناس فأخاف أن يزاد فيها وينقض فاتخذت خاتما أختم به ونقشه: محمد رسول الله.
(4) المصدر السابق: حديث 4215.
(*)

(6/3)


النبي صلى الله عليه وسلم من ورق فصه حبشي (1)، وقد روى هذا الحديث البخاري من حديث الليث، ومسلم من حديث ابن وهب، وطلحة عن يحيى الانصاري، وسليمان بن بلال، زاد النسائي وابن ماجة وعثمان عن عمر خمستهم عن يونس بن يزيد الايلي به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ثم قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير، ثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من فضة كله فصه منه، وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث زهير بن معاوية الجعفي أبي خيثمة الكوفي به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز بن صهيب.
عن أنس بن مالك قال: اصطنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما، فقال: إنا اتخذنا خاتما ونقشنا فيه نقشا فلا ينقش عليه أحد، قال: فإني أرى بريقه في خنصره.
ثم قال أبو داود: حدثنا نصير بن الفرج، ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر [ قال ] (2): اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي بطن كفه، ونقش فيه " محمد رسول الله "، فاتخذ الناس خواتم الذهب، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: لا ألبسه أبدا، ثم اتخذ خاتما من فضة نقش فيه: " محمد رسول الله "، ثم لبس الخاتم بعده أبو بكر، ثم لبسه بعد أبي بكر عمر، ثم لبسه بعده
عثمان حتى وقع في بئر أريس، وقد رواه البخاري عن يوسف بن موسى، عن أبي أسامة حماد بن أسامة به، ثم قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة، عن أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقش فيه " محمد رسول الله "، وقال: لا ينقش أحد على [ نقش ] (3) خاتمي هذا، وساق الحديث، وقد رواه مسلم وأهل السنن الاربعة من حديث سفيان بن عيينة به نحوه، ثم قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا أبو عاصم، عن المغيرة بن زياد، عن نافع، عن ابن عمر في هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فالتمسوه فلم يجدوه، فاتخذ عثمان خاتما ونقش فيه " محمد رسول الله "، قال: فكان يختم به أو يتختم به، ورواه النسائي عن محمد بن معمر عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد النبيل به، ثم قال أبو داود: باب ما جاء (4) في ترك الخاتم حدثنا محمد بن سليمان لوين، عن ابراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك
__________
(1) فصه هنا فعل ماض أي صنعه رجل حبشي.
المصدر السابق حديث 4216.
(2) من سنن أبي داود.
(3) من سنن أبي داود.
(4) من سنن أبي داود.
(*)

(6/4)


أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، فصنع الناس فلبسوا، وطرح النبي صلى الله عليه وسلم فطرح الناس، ثم قال: رواه عن الزهري زياد بن سعد وشعيب وابن مسافر كلهم قال من ورق (1)، قلت: وقد رواه البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال حدثني أنس بن مالك أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم، ثم علقه البخاري عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني وشعيب بن أبي حمزة،
وزياد بن سعد الخراساني، وأخرجه مسلم من حديثه، وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مسافر كلهم عن الزهري كما قال أبو داود: خاتما من ورق، والصحيح أن الذي لبسه يوما واحدا ثم رمى به، إنما هو خاتم الذهب، لا خاتم الورق، لما ثبت في الصحيحين عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كان رسول الله يلبس خاتما من ذهب، فنبذه وقال: لا ألبسه أبدا، فنبذ الناس خواتيمهم، وقد كان خاتم الفضة يلبسه كثيرا، ولم يزل في يده حتى توفي صلوات الله وسلامه عليه، وكان فصه منه يعني ليس فيه فص ينفصل عنه، ومن روى أنه كان فيه صورة شخص فقد أبعد وأخطأ، بل كان فضة كله وفصه منه، ونقشه محمد رسول الله ثلاثة أسطر: محمد سطر.
رسول سطر، الله سطر، وكأنه والله أعلم كان منقوشا وكتابته مقلوبة ليطبع على الاستقامة كما جرت العادة بهذا، وقد قيل: إن كتابته كانت مستقيمة، وتطبع كذلك، وفي صحة هذا نظر، ولست أعرف لذلك إسنادا لا صحيحا ولا ضعيفا، وهذه الاحاديث التي أوردناها أنه عليه السلام كان له خاتم من فضة، ترد الاحاديث التي قدمناها في سنني أبي داود والنسائي من طريق أبي عتاب سهل بن حماد الدلال عن أبي مكين نوح بن ربيعة، عن إياس بن الحارث بن معيقيب بن أبي فاطمة عن جده قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة، ومما يزيده ضعفا الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم السلمي المروزي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه (2) فقال: مالي أجد منك ريح الاصنام ؟ فطرحه، ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال: مالي أرى عليك حلية أهل النار ؟ فطرحه، ثم قال: يا رسول الله من أي شئ أتخذه ؟ قال: إتخذه من ورق، ولا تنمه مثقالا، وقد كان عليه السلام يلبسه في يده اليمنى كما رواه أبو داود والترمذي في الشمائل، والنسائي من حديث شريك، وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن القاضي، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسن، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله.
قال شريك: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن رسول الله كان بتختم في يمينه، وروى في اليسرى، رواه أبو داود من حديث عبد العزيز بن أبي داود، عن نافع
__________
(1) ورق: أي فضة.
(2) الشبه: النحاس الاصفر.
(*)

(6/5)


عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في يساره، وكان فصه في باطن كفه، قال أبو داود: رواه أبو إسحاق وأسامة بن زيد عن نافع في يمينه، وحدثنا هناد، عن عبدة، عن عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر كان يلبس خاتمه في يده اليسرى، ثم قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن سعيد، ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتما في خنصره اليمنى، فقلت: ما هذا ؟ فقال رأيت ابن عباس يلبس خاتمه هكذا وجعل نصه على ظهرها، قال: ولا يخال ابن عباس إلا قد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه كذلك، وهكذا رواه الترمذي من حديث محمد بن إسحاق به، ثم قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري: حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن، وقد روى الترمذي في الشمائل: عن أنس، وعن جابر، وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمين، وقال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله الانصاري، ثنا أبي، عن ثمامة، عن أنس بن مالك أن أبا بكر لما استخلف كتب له وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر.
ورسول سطر.
والله سطر، قال أبو عبد الله: وزاد أبو أحمد: ثنا الانصاري حدثني أبي ثنا ثمامة، عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم في يده، وفي يد أبي بكر، وفي يد عمر بعد أبي بكر، قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، فأخذ الخاتم فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان فنزح البئر فلم يجده، فأما الحديث الذي رواه الترمذي في الشمائل، حدثنا قتيبة، حدثنا أبو عوانة، عن أبي يسر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه، فإنه حديث غريب جدا.
وفي السنن من حديث ابن جريج عن الزهري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء نزع خاتمه.
ذكر سيفه عليه السلام
قال الامام أحمد: ثنا شريح، ثثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الاعمى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر (1)، وهو الذي رأى الرؤيا يوم أحد، قال: رأيت في سيفي ذا الفقار فلا فأولته فلا يكون فيكم، ورأيت أني مردف كبشا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة، ورأيت بقرا تذبح، فبقر والله خير فبقر والله خير، فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الترمذي وابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه به.
وقد ذكر أهل السنن أنه سمع قائل يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، وروى الترمذي من حديث هود بن عبد الله بن سعيد، عن جده مزيدة بن جابر العبدي العصري رضي الله عنه، قال: دخل
__________
(1) ذو الفقار كان سيف منبه بن الحجاج السهمي.
(*)

(6/6)


رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وعلى سيفه ذهب وفضة، الحديث، ثم قال: هذا حديث غريب، وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا محمد بن بشار، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: كانت قبيعة (1) سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة، وروى أيضا من حديث عثمان بن سعد عن ابن سيرين قال: صنعت سيفي على سيف سمرة، وزعم سمرة أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفيا (2) وقد صار إلى آل علي سيف من سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكربلاء عند الطف كان معه فأخذه علي بن الحسين بن زين العابدين فقدم معه دمشق حين دخل على يزيد بن معاوية، ثم رجع معه إلى المدينة، فثبت في الصحيحين عن المسور بن مخرمة أنه تلقاه إلى الطريق، فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها ؟ قال فقال: لا، فقال: هل أنت معطى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخشى أن يغلبك عليه القوم، وأيم الله إن أعطيتنيه لا يخلص إليه أحد حتى يبلغ نفسي.
وقد ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك من السلاح، من ذلك الدروع (3) كما روى غير واحد منهم السائب بن يزيد، وعبد الله بن الزبير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين (4)، وفي
الصحيحين من حديث مالك، عن الزهري عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه قيل له: هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه، وعند مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء، وقال وكيع عن مساور الوراق عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وعليه عمامة دسماء، ذكرهما الترمذي في الشمائل، وله من حديث الدراوردي، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدلها بين كتفيه، وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن محمد، ثنا مخول بن إبراهيم، ثنا إسرائيل، عن عاصم، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك أنه كانت عنده عصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فدفنت معه بين جنبه وبين قميصه، ثم قال البزار: لا نعلم رواه إلا مخول بن راشد، وهو صدوق فيه شيعية.
واحتمل على ذلك، وقال
__________
(1) القبيعة: ما على مقبض السيف من حديث أو فضة.
(2) في ابن سعد: خيفيا له قرن.
وذكر ابن الاثير سفيا للنبي ص اسمه: الخيف.
وذكروا أن النبي قدم من المدينة يوم بدر وسيفه العضب، وغنم يوم بني قينقاع: سيفا قلعيا وسيف البتار وسيف الخيف (الحتف في ابن سعد والطبري) وأصاب من القلس: المخذم ورسوب.
(الكامل لابن الاثير - الطبري - ابن سعد).
(3) كان له درع يقال لها الصعيدية (في ابن سعد والطبري: السعدية) ودرع يقال لها: فضة غنمها من بني قينقاع.
وكان له درع: ذات الفضول كانت عليه يوم أحد.
(4) هما: ذات الفضول وفضة.
(*)

(6/7)


الحافظ البيهقي بعد روايته هذا الحديث من طريق مخول هذا قال: وهو من الشعية يأتي بأفراد عن إسرائيل لا يأتي بها غيره، والضعف على رواياته بين ظاهر.
ذكر نعله التي كان يمشي فيها
ثبت في الصحيح عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية (1)، وهي التي لا شعر عليها، وقد قال البخاري في صحيحه: حدثنا محمد هو ابن مقاتل، حدثنا عبد الله، يعني ابن المبارك، أنا عيسى بن طهمان، قال: خرج إلينا أنس بن مالك بنعلين لهما قبالان، فقال ثابت البناني: هذه نعل النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه في كتاب الخمس: عن عبد الله بن محمد، عن أبي أحمد الزبيري، عن عيسى بن طهمان عن أنس، قال: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه الترمذي في الشمائل: عن أحمد بن منيع، عن أبي أحمد الزبيري به، وقال الترمذي في الشمائل: حدثنا أبو كريب، ثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثني شراكهما (2)، وقال أيضا: ثنا إسحاق بن منصور، أنا عبد الرزاق عن معمر، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان، وقال الترمذي: ثنا محمد بن مرزوق أبو عبد الله: ثنا عبد الرحمن بن قيس أبو معاوية، ثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان وأبي بكر وعمر وأول من عقد عقدا واحدا عثمان.
قال الجوهري: قبال النعل بالكسر: الزمام الذي يكون بين الاصبع الوسطى والتي تليها.
قلت: واشتهر في حدود سنة ستمائة وما بعدها عند رجل من التجار يقال له: ابن أبي الحدرد، نعل مفردة ذكر أنها نعل النبي صلى الله عليه وسلم فسامها الملك الاشرف موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب منه بمال جزيل فأبى أن يبيعها، فاتفق موته بعد حين، فصارت إلى الملك الاشرف المذكور، فأخذها إليه وعظمها، ثم لما بنى دار الحديث الاشرفية إلى جانب القلعة، جعلها في خزانة منها، وجعل لها خادما، وقرر له من المعلوم كل شهرا أربعون درهما، وهي موجودة إلى الآن في الدار المذكورة، وقال الترمذي في الشمائل: ثنا محمد بن رافع وغير واحد قالوا: نثا أبو أحمد الزبيري، ثنا شيبان، عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سلة (3) يتطيب منها.
__________
(1) النعال السبتية: المتخذة من جلود البقر.
(2) في رواية ابن سعد عن الحارث: لها زمان شراكهما مثني في العقدة.
(3) السلة: الجونة.
(*)

(6/8)


صفة قدح النبي صلى الله عليه وسلم قال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، ثنا شريك، عن عاصم قال: رأيت عند أنس قدح النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضبة من فضة، وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله، أخبرني أحمد بن محمد النسوي، ثنا حماد بن شاكر، ثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري، ثنا الحسن بن مدرك، حدثني يحيى بن حماد أنا أبو عوانة، عن عاصم الاحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة، قال: وهو قدح جيد عريض من نضار (1)، قال أنس: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا، قال: وقال ابن سيرين إنه كان فيه حلقة من حديد، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئا صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركه، وقال الامام أحمد: حدثنا روح بن عبادة، ثنا حجاج بن حسان قال: كنا عند أنس فدعا بإناء فيه ثلاث ضبات حديد وحلقة من حديد، فأخرج من غلاف أسود وهو دون الربع وفوق نصف الربع، وأمر أنس بن مالك فجعل لنا فيه ماء فأتينا به فشربنا وصببنا على رؤوسنا ووجوهنا وصلينا على النبي صلى الله عليه وسلم انفرد به أحمد
المكحلة التي كان عليه السلام يكتحل منها
قال الامام أحمد: ثنا يزيد، أنا عبد الله بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثا في كل عين (2)، وقد رواه الترمذي وابن ماجة من حديث يزيد بن هارون، قال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لعباد بن مصور: سمعت هذا الحديث من عكرمة، فقال: أخبرنيه ابن أبي يحيى، عن داود بن الحصين عنه، قلت: وقد بلغني أن بالديار المصرية مزارا فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين، فمن ذلك مكحلة وقيل ومشط وغير ذلك.
فالله أعلم.
البردة
قال الحافظ البيهقي: وأما البرد الذي عند الخلفاء فقد روينا عن محمد بن إسحاق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم، فاشتراه أبو العباس عبد الله بن محمد بثلمائة دينار - يعني بذلك أول خلفاء بني العباس وهو السفاح رحمه
__________
(1) النضار: الخشب والاثل.
وذكر ابن سعد عن الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال: أن المقوقس اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قدح زجاج كان يشرب فيه.
وبه قال عطاء ولم يذكر المقوقس.
1 / 485.
(2) ذكر ابن سعد في رواية له عن عمران بن أبي أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين.
1 / 484.
(*)

(6/9)


الله - وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفا عن سلف كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه، ويأخذ القضيب المنسوب إليه (صلوات الله وسلامه عليه) في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع به القلوب، ويبهر به الابصار، ويلبسون السواد في أيام الجمع والاعياد، وذلك إقتداء منهم بسيد أهل البدو والحضر، ممن يسكن الوبر والمدر، لما أخرجه البخاري ومسلم إماما أهل الاثر، من حديث عن مالك عن الزهري، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر، وفي رواية وعليه عمامة سوداء، وفي رواية قد أرخى طرفها بين كتفيه، صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال البخاري: ثنا مسدد، ثنا إسماعيل، ثنا أيوب، عن محمد، عن أبي بردة قال: أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت: قبض روح النبي صلى الله عليه وسلم في هذين، وللبخاري من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا أغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى، إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا، قلت: وهذه الابواب الثلاثة لا يدري ما كان من أمرها بعد هذا، وقد تقدم أنه عليه
السلام طرحت تحته في قبره الكريم قطيفة حمراء كان يصلي عليها، ولو تقصينا ما كان يلبسه في أيام حياته لطال الفصل وموضعه كتاب اللباس من كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
أفراسه ومراكيبه عليه الصلاة والسلام
قال ابن إسحاق عن يزيد بن حبيب، عن مرثد بن عبد الله المزني، عن عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له المرتجز، وحمار يقال له عفير، وبغلة يقال لها دلدل، وسيفه ذو الفقار، ودرعه ذو الفضول.
ورواه البيهقي من حديث الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي نحوه، قال البيهقي: وروينا في كتاب السنن أسماء أفراسه التي كانت عند الساعدبين، لزاز واللحيف وقيل اللخيف والظرب (1)، والذي ركبه لابي طلحة يقال له المندوب، وناقته القصواء والعضباء والجدعاء (2)، وبغلته الشهباء (3)، والبيضاء.
قال البيهقى: وليس في شئ
__________
(1) في ذكر افراسه قيل: السكب اشتراه من أعرابي وكان اسمه الضرس.
والسكب الكثير الجري.
المرتجز كان صاحبه من بني مرة.
لزاز أهداه له المقوقس وسمي لزاز لشدة تلززه والظرب أهداه له فروة بن عمرو الجذامي سمي الظرب لشدة خلقه واللحيف أهداه له ربيعة بن أبي البراء ويقال اللخيف.
سمي اللحيف لطول ذنبه والورد أهداه له تميم الداري، وسيحة.
ويعسوب سمي به لانه أجود خيله.
(2) أسماء لناقة واحدة وهي من نعم بني الحريش.
(الطبري - ابن سعد - الكامل في التاريخ).
(3) الشهباء اسم بغلته دلدل.
وكان عنده بغلة يقال لها فضة أهداها له فروة بن عمرو الجذامي فوهبها إلى أبي بكر.
(*)

(6/10)


من الروايات أنه مات عنهن إلا ما روينا في بغلته البيضاء، وسلاحه وأرض جعلها صدقة، ومن ثيابه، وبغلته، وخاتمه ما روينا في هذا الباب.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا زمعة بن صالح، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة، وهذا إسناد جيد، وقد روى الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدثنا مجاهد، عن موسى، ثنا علي بن ثابت،
ثنا غالب الجزري عن أنس قال: لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لينسج له كساء من صوف، وهذا شاهد لما تقدم.
وقال أبو سعيد بن الاعرابي: حدثنا سعدان بن نصير، ثنا سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن حسين، عن فاطمة بنت الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وله بردان في الجف يعملان، وهذا مرسل.
وقال أبو القاسم الطبراني: ثنا الحسن بن إسحاق التستري، ثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني، ثنا عثمان بن عبد الرحمن بن علي بن عروة، عن عبد الله بن أبي سليمان، عن عطاء وعمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته، وكان يسميه ذا الفقار، وكان له قوس تسمى السداد (1) وكانت له كنانة تسمى الجمع وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى السغاء، وكان له مجن يسمى الذقن، وكان له ترس أبيض يسمى الموجز (2)، وكان له فرس أدهم يسمى السكب وكان له سرج يسمى الداج، وكان له بغلة شهباء يقال لها دلدل، وكانت له ناقة تسمى القصواء، وكان له حمار يقال له: يعفور، وكان له بساط يسمى الكرة، وكان له نمرة تسمى النمر، وكانت له ركوة تسمى الصادر، وكانت له مرآة تسمى المرآة، وكان له مقراض يسمى الجاح، وكان له قضيب شوحط (3) يسمى الممشوق، قلت: قد تقدم عن غير واحد من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة سوى بغلة وأرض - جعلها صدقة، وهذا يقتضي أنه عليه السلام نجز العتق في جميع ما ذكرناه من العبيد، والاماء، والصدقة في جميع ما ذكر من السلاح، والحيوانات، والاثاث، والمتاع مما أوردناه وما لم نورده، وأما بغلته فهي الشهباء، وهي البيضاء أيضا والله أعلم، وهي التي أهداها له المقوقس، صاحب الاسكندرية وإسمه، جريج بن ميناء فيما أهدى من التحف، وهي التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبها يوم حنين وهو في نحور العدو ينوه بإسمه الكريم شجاعة وتوكلا على الله عز وجل، فقد قيل إنها عمرت بعده حتى كانت عند علي بن أبي طالب في أيام خلافته وتأخرت أيامها حتى كانت بعد علي عند عبد الله بن جعفر، فكان يحبش لها الشعير حتى تأكله من ضعفها بعد ذلك، وأما حماره يعفور، ويصغر فيقال له عفير، فقد كان عليه السلام يركبه في بعض الاحايين، وقد روى أحمد:
من حديث محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يزيد بن عبد الله العوفي، عن
__________
(1) ذكر الطبري للنبي ثلاث قسي: الروحاء، والبيضاء - والصفراء.
(ابن سعد - الكامل).
(2) في ابن سعد: كان له ترس فيه تمثال رأس كبش.
(3) الشوحط: شجر تتخذ منه القسي.
(*)

(6/11)


عبد الله بن رزين، عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حمارا يقال له عفير (1)، ورواه أبو يعلى من حديث عون بن عبد الله عن ابن مسعود، وقد ورد في أحاديث عدة أنه عليه السلام ركب الحمار، وفي الصحيحين أنه عليه السلام مر وهو راكب حمارا بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وأخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل، ذلك قبل وقعة بدر، وكان قد عزم على عيادة سعد بن عبادة، فقال له عبد الله: لا أحسن مما تقول أيها المرء فإن كان حقا فلا تغشنا به في مجالسنا، وذلك قبل أن يظهر الاسلام، ويقال إنه خمر أنفه لما غشيتهم عجاجة الدابة وقال: لا تؤذنا بنتن حمارك، فقال له عبد الله ابن رواحة: والله لريح حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب من ريحك.
وقال عبد الله: بل يا رسول الله اغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فتثاور الحيان وهموا أن يقتتلوا فسكنهم رسول الله، ثم ذهب إلى سعد بن عبادة فشكى إليه عبد الله بن أبي.
فقال: ارفق به يا رسول الله، فوالذي أكرمك بالحق لقد بعثك الله بالحق، وإنا لننظم له الخدر لنملكه علينا، فلما جاء الله بالحق شرق بريقه، وقد قدمنا أنه ركب الحمار في بعض أيام خيبر، وجاء أنه أردف معاذا على حمار، ولو أوردناها بألفاظها وأسانيدها لطال الفصل والله أعلم، فأما ما ذكره القاضي عياض بن موسى السبتي في كتابه الشفا، وذكره قبل إمام الحرمين في كتابه الكبير في أصول الدين وغيرهما أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يسمى زياد بن شهاب وأن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يبعثه ليطلب له بعض أصحابه فيجئ إلى باب أحدهم فيقعقعه فيعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبه، وأنه ذكر للني صلى الله عليه وسلم أنه سلالة سبعين حمارا كل منها ركبه نبي، وأنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب فتردى في بئر فمات، فهو حديث لا يعرف له إسناد بالكلية، وقد أنكره غير
واحد من الحفاظ منهم عبد الرحمن بن أبي حاتم وأبوه رحمهما الله، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله ينكره غير مرة إنكارا شديدا، وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة: ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى العنبري، ثنا أحمد بن محمد بن يوسف، ثنا إبراهيم ابن سويد الجذوعي، حدثني عبد الله بن أذين الطائي، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر حمار أسود فوقف بين يديه، فقال: من أنت ؟ قال: أنا عمرو بن فلان كنا سبعة إخوة كلنا ركبنا الانبياء وأنا أصغرهم، وكنت لك فملكني رجل من اليهود، فكنت إذا ذكرتك به فيوجعني ضربا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت يعفور، هذا الحديث غريب جدا.
فصل وهذا أوان ما بقى علينا من متعلقات السيرة الشريفة، وذلك أربعة كتب: الاول في
__________
(1) عفير وقيل يعفور.
عفير تصغير ترخيم الاعفر، وهو الابيض بياضا غير خالص.
ومنه يعفور، كأخضر، ويخضور.
(*)

(6/12)


الشمائل.
الثاني في الدلائل.
الثالث في الفضائل.
الرابع في الخصائص، وبالله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.