البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
باب دلائل النبوة الحسية
ومن أعظم ذلك كله انشقاق القمر المنير
فرقتين، قال الله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا
آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر، وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر،
ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر، حكمة بالغة فما تغنى النذر) * [
القمر: 1 - 5 ] وقد اتفق العلماء مع بقية الائمة على أن انشقاق القمر
كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت الاحاديث بذلك من
طرق تفيد القطع عند الامة.
رواية أنس بن مالك * قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن
قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق
القمر بمكة فرقتين، فقال: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * (1).
ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.
وقال البخاري: حدثني عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا بشر بن المفضل، ثنا
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء
بينهما.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان عن قتادة، ومسلم من حديث شعبة عن
قتادة.
رواية جبير بن مطعم قال أحمد: حدثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير،
عن حصين بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: انشق
القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين: فرقة على هذا
الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا
فإنه لا
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 377، 413، 447 و 3 / 275، 278 و 4
/ 82.
ومسلم في صحيحه 4 / 2159 والبخاري في المناقب حديث 3627 عن شيبان عن
قتادة عن أنس.
وأعاده في كتاب مناقب الانصار حديث 3868 عن سعيد بن أبي عروبة فتح
الباري 7 / 183 وأعاده في تفسير وانشق القمر فتح الباري 8 / 617.
(*)
(6/82)
يستطيع أن يسحر
الناس * تفرد به أحمد * ورواية ابن جرير والبيهقي من طرق (1) عن حصين
بن عبد الرحمن به.
رواية حذيفة بن اليمان
قال أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، أنا عطاء بن
السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنا منها على
فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبي وحضرت معه، فخطبنا حذيفة فقال: إن الله
تعالى يقول: * (إقتربت الساعة وانشق القمر) * ألا وإن الساعة قد
اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن
اليوم المضمار وغدا السباق.
فقلت لابي: أتستبق الناس غدا ؟ فقال: يا بني إنك لجاهل، إنما هو السباق
بالاعمال، ثم جاءت الجمعة الاخرى فحضرها فخطب حذيفة، فقال: ألا إن الله
يقول: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق،
ورواه أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة من غير وجه عن عطاء بن
السائب عن أبي عبد الرحمن عن حذيفة فذكر نحوه، وقال: ألا وإن القمر قد
انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وإن المضمار وغدا
السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة.
رواية عبد الله بن عباس قال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا بكر، عن
جعفر، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس
قال: انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم (2).
ورواه البخاري أيضا ومسلم من حديث بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة به.
طريق أخرى - قال ابن جرير: ثنا ابن مثنى، ثنا عبد الاعلى، ثنا داود بن
أبي هند عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " اقتربت الساعة
وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر " قال: قد مضى
ذلك، كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه.
وروى العوفي عن ابن عباس نحوا من هذا.
وقد روي من وجه آخر عن ابن عباس فقال أبو القاسم الطبراني: ثنا أحمد بن
عمرو البزار، ثنا محمد بن يحيى القطيعي، ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن
جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سحر القمر، فنزلت: * (اقتربت
الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) * وهذا
سياق غريب * وقد يكون حصل للقمر مع انشقاقه كسوف فيدل على أن
انشقاقه إنما كان في ليالي إبداره والله أعلم.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 2 / 268 من طرق عن حصين، من طريق ابراهيم
طهمان، وهشيم كلاهما عن حصين بن عبد الرحمن.
(2) أخرجه البخاري عن التفسير ح (4866) ومسلم في المنافقين (8) باب ح
(48) ص (4 / 2159).
(*)
(6/83)
رواية عبد الله
بن عمر بن الخطاب قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ
وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس الاصنم، ثنا
العباس بن محمد الدوري: ثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن الاعمش [ عن
مجاهد ] عن عبد الله بن عمر [ بن الخطاب ] في قوله: * (اقتربت الساعة
وانشق القمر) * قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
انشق فلقتين فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: اللهم أشهد (1) وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن
شعبة عن الاعمش عن مجاهد قال: مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن
مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية عبد الله بن مسعود قال الامام أحمد: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد، عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم أشهدوا (2).
ورواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، وأخرجاه من حديث الاعمش
عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود به.
قال البخاري: وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بمكة.
وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده أبو داود الطيالسي في مسنده، فقال:
حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن
مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: فقالوا:
انظروا ما يأتينا به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم،
قال: فجاء السفار فقالوا ذلك (3).
وروى البيهقي عن الحاكم، عن الاصم، عن ابن عباس الدوري، عن سعيد بن
سليمان، عن هشيم (4)، عن مغيرة، عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله
قال: أنشق القمر بمكة حتى صار فرقتين، فقالت كفار قريش أهل مكة: هذا
سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا المسافرين فإن كانوا رأوا ما رأيتم
فقد صدق، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال: فسئل
السفار - وقدموا من كل وجه - فقالوا: رأيناه.
ورواه ابن جرير من حديث المغيرة وزاد: فأنزل الله: * (اقتربت الساعة
وانشق القمر) * * وقال الامام أحمد: حدثنا مؤمل، عن
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 2 / 267 ومسلم في صحيحه 4 / 2159 وما
بين معكوفين في الحديث من الدلائل.
(2) رواه الامام أحمد في مسنده ج 1 / 377 ومن طريق الاعمش عن ابراهيم
عن أبي معمر ج 1 / 456 وأخرجه البخاري في كتاب التفسير ح (3626) وفي
مناقب الانصار ح 3869.
ومسلم ج 4 / 2158.
(3) رواه أبو نعيم في الدلائل (234) والبيهقي في دلائله 2 / 266.
(4) من دلائل البيهقي 2 / 266 وفي الاصل: هشام.
(*)
(6/84)
إسرائيل، عن
سماك، عن إبراهيم، عن الاسود عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت الجبل بين فرقتي القمر.
وروى ابن جرير عن يعقوب الدوري عن ابن علية، عن أيوب عن محمد بن سيرين
قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: لقد انشق القمر، ففي صحيح البخاري عن
ابن مسعود أنه كان يقول: خمس قد مضين: الروم، واللزام، والبطشة والدخان
والقمر، في حديث طويل عنه مذكور في تفسير سورة الدخان، وقال أبو زرعة
في الدلائل: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا الوليد، عن
الاوزاعي عن ابن بكير قال: انشق القمر بمكة والنبي صلى الله عليه وسلم
قبل الهجرة فخر شقتين فقال المشركون: سحره ابن أبي كبشة، وهذا مرسل من
هذا الوجه فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة، وشهرة هذا الامر تغني
في إسناده مع وروده في الكتاب العزيز.
وما يذكره بعض القصاص من أن القمر دخل في
جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه، ونحو هذا الكلام فليس له
أصل يعتمد عليه، والقمر في حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق
باثنتين وسارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء، والاخرى من الناحية
الاخرى، وصار الجبل بينهما، وكلتا الفرقتين في السماء وأهل مكة ينظرون
إلى ذلك، وظن كثير من جهلتهم أن هذا شئ سحرت به أبصارهم، فسألوا من قدم
عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما شاهدوه، فعلموا صحة ذلك وتيقنوه.
فإن قيل: فلم لم يعرف هذا في جميع أقطار الارض ؟ فالجواب ومن ينفي ذلك،
ولكن تطاول العهد والكفرة يجحدون بآيات الله، ولعلهم لما أخبروا أن هذا
كان آية لهذا النبي المبعوث، تداعت آراؤهم الفاسدة على كتمانه وتناسيه،
على أنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا
عليه أنه بني في الليلة التي انشق القمر فيها.
ثم لما كان انشقاق القمر ليلا قد يخفي أمره على كثير من الناس لامور
مانعة من مشاهدته في تلك الساعة، من غيوم متراكمة كانت تلك الليلة في
بلدانهم، ولنوم كثير منهم، أو لعله كان في أثناء الليل حيث ينام كثير
من الناس وغير ذلك من الامور والله أعلم.
وقد حررنا هذا فيما تقدم في كتابنا التفسير.
فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها فقد أنبأني شيخنا المسند الرحلة بهاء
الدين القاسم بن المظفر بن تاج الامناء بن عساكر [ إذنا ] وقال: أخبرنا
الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عساكر المشهور بالنسابة، قال:
أخبرنا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم المستملي قالا: ثنا أبو
عثمان المحبر أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الد ؟ ا ؟ عا ؟ ى
(1) بها، أنا محمد بن أحمد بن محبوب.
وفي حديث ابن القشيري: ثنا أبو العباس المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود ح،
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأنا أبو الفتح الماهاني، أنا شجاع بن
علي، أنا أبو عبد الله بن منده، أنا عثمان بن أحمد الننسي، أنا أبو
أمية محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا
__________
(1) كذا في الاصل دون إعجام ولم اعثر عليه فيما لدينا من مراجع.
(*)
(6/85)
فضيل بن مرزوق
عن إبراهيم بن الحسن، زاد أبو أمية بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن
أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه
ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم صليت العصر ؟ وقال أبو أمية: صليت يا علي ؟ قال: لا،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو أميه: فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك، وقال أبو أمية: رسولك،
فاردد عليه الشمس.
قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت.
وقد رواه الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي عبد الله
بن مندة كما تقدم ومن طريق أبي جعفر العقيلي: ثنا أحمد بن داود، ثنا
عمار بن مطر، ثنا فضيل بن مرزوق فذكره، ثم قال: وهذا حديث موضوع، وقد
اضطرب الرواة فيه فرواه سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل
بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن علي بن الحسن، عن
فاطمة بنت علي عن أسماء.
وهذا تخليط في الرواية.
قال: وأحمد بن داود ليس بشئ، قال الدار قطني متروك كذاب، وقال ابن حبان
كان يضع الحديث * وعمار بن مطر قال فيه العقيلي: كان يحدث عن الثقات
بالمناكير، وقال ابن عدي: متروك الحديث.
قال: وفضيل بن مرزوق قد ضعفه يحيى، قال ابن حبان: يروي الموضوعات ويخطئ
عن الثقات، وبه قال الحافظ بن عساكر.
قال: وأخبرنا أبو محمد، عن طاوس، أنا عاصم بن الحسن أنا أبو عمرو بن
مهدي، أنا أبو العباس بن عقدة، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا عبد
الرحمن بن شريك، حدثني أبي عن عروة بن عبد الله بن قشير قال: دخلت على
فاطمة بنت علي، فرأيت في عنقها خرزة، ورأيت في يديها مسكتين غليظتين -
وهي عجوز كبيرة - فقلت لها: ما هذا ؟ فقالت: إنه يكره للمرأة أن تتشبه
بالرجال، ثم حدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها: أن علي بن أبي طالب دفع
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوحى إليه فجلله بثوبه فلم يزل كذلك
حتى أدبرت الشمس يقول: غابت أو كادت أن تغيب، ثم إن نبي الله صلى الله
عليه وسلم سرى عنه فقال: أصليت يا علي ؟ قال: لا، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: اللهم رد على علي الشمس، فرجعت حتى بلغت نصف المسجد، قال
عبد الرحمن: وقال أبي حدثني موسى الجهني نحوه.
ثم قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجاهيل.
وقال الشيخ أبو الفرج بن
الجوزي في الموضوعات: وقد روى ابن شاهين هذا الحديث عن ابن عقدة فذكره،
ثم قال: وهذا باطل، والمتهم به ابن عقدة، فانه كان رافضيا يحدث بمثالب
الصحابة، قال الخطيب: ثنا علي بن محمد بن نصر، سمعت حمزة بن يوسف يقول:
كان ابن عقدة بجامع براثا (1) يملي مثالب الصحابة أو قال: الشيخين
فتركته، وقال الدار قطني: كان ابن عقدة رجل سوء، وقال ابن عدي: سمعت
أبا بكر بن أبي غالب يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث لانه كان يحمل
شيوخا
__________
(1) براثا: محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ، ولم يعد لها أثر.
(معجم البلدان).
(*)
(6/86)
بالكوفة على
الكذب فيسوي لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها، وقد بينا كذبه عن غير (1) شيخ
بالكوفة *
وقال الحافظ أبو بشر الدولابي في كتابه " الذرية الطاهرة ": حدثنا
إسحاق بن يونس، ثنا سويد بن سعيد، ثنا المطلب بن زياد عن إبراهيم بن
حبان، عن عبد الله بن حسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن الحسين قال: كان
رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر علي وهو يوحى إليه فذكر
الحديث بنحو ما تقدم، إبراهيم بن حبان هذا تركه الدار قطني وغيره، وقال
محمد بن ناصر البغدادي الحافظ: هذا الحديث موضوع، قال شيخنا الحافظ أبو
عبد الله الذهبي: وصدق ابن ناصر، وقال ابن الجوزي: وقد رواه ابن مردويه
من طريق حديث داود بن فراهيج (2) عن أبي هريرة قال: نام رسول الله صلى
الله عليه وسلم ورأسه في حجر علي ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس
فلما قام رسول الله دعا له فردت عليه الشمس حتى صلى ثم غابت ثانية.
ثم قال: وداود ضعفه شعبة، ثم قال ابن الجوزي ومن تغفيل واضح هذا الحديث
أنه نظر إلى صورة فضله ولم يتلمح عدم الفائدة، فإن صلاة العصر بغيبوبة
الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء، وفي الصحيح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع.
قلت: هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه فلا تخلو واحدة منها عن شيعي
ومجهول الحال وشيعي ومتروك ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا
اتصل سنده، لانه من باب ما تتوفر الدواعي على نقله فلا بد من نقله
بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك، ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله
تعالى وبالنسبة
إلى جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيح أنها ردت
ليوشع بن نون، وذلك يوم حاصر بيت المقدس، واتفق ذلك في آخر يوم الجمعة
وكانوا لا يقاتلون يوم السبت فنظر إلى الشمس وقد تنصفت للغروب فقال:
إنك مأمورة، وأنا مأمور.
اللهم احبسها علي، فحبسها الله عليه حتى فتحوها.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم جاها وأجل منصبا وأعلى قدرا من
يوشع بن نون، بل من سائر الانبياء على الاطلاق ولكن لا نقول إلا ما صح
عندنا [ عنه ] ولا نسند إليه ما ليس بصحيح، ولو صح لكنا من أول
القائلين به، والمعتقدين له وبالله المستعان.
قال الحافظ أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري في كتابه " إثبات
إمامة أبي بكر الصديق " فإن قال قائل من الروافض: إن أفضل فضيلة لابي
الحسن وأدل [ دليل ] على إمامته ما روى عن أسماء بنت عميس قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي بن أبي طالب
فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعلي: صليت ؟ قال: لا، فقال رسول الله: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة
رسولك فاردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد
ما غربت.
قيل له: كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفينا من اليهود
والنصارى، ولكن الحديث ضعيف جدا لا أصل له، وهذا مما كسبت أيدي
الروافض، ولو ردت الشمس بعدما
__________
(1) في الاصول من عند، ولعل ما أثبتناه الصواب.
(2) في الاصل واهح، وفي هامش المطبوعة: كذا، وفي التيمورية برسم فراع -
الامام وسيرد فراهيج بعد قليل.
(*)
(6/87)
غربت لرآها
المؤمن والكافر ونقلوا إلينا أن في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا ردت
الشمس بعدما غربت.
ثم يقال للروافض: أيجوز أن ترد الشمس لابي الحسن حين فاتته صلاة العصر،
ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين والانصار وعلي فيهم حين فاتتهم
صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق ؟.
قال: وأيضا مرة أخرى عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين
والانصار حين قفل من غزوة خيبر.
فذكر نومهم عن صلاة الصبح وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس، قال: فلم يرد
الليل على رسول الله وعلى أصحابه، قال: ولو كان هذا فضلا أعطيه رسول
الله وما كان الله ليمنع رسوله
شرفا وفضلا - يعني أعطيه علي بن أبي طالب - ثم قال: وقال إبراهيم بن
يعقوب الجوزجاني: قلت لمحمد بن عبيد الطنافسي ما تقول فيمن يقول: رجعت
الشمس على علي بن أبي طالب حتى صلى العصر ؟ فقال: من قال هذا فقد كذب،
وقال إبراهيم بن يعقوب: سألت يعلى بن عبيد الطنافسي قلت: إن ناسا عندنا
يقولون: إن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعت عليه الشمس،
فقال: كذب هذا كله.
فصل " إيراد هذا الحديث من طرق
متفرقة " أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني يصنف فيه
" تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس " وقال: قد روي ذلك من طريق
أسماء بنت عميس وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ثم رواه
من طريق أحمد بن صالح المصري، وأحمد بن الوليد الانطاكي، والحسن بن
داود ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وهو ثقة أخبرني محمد بن
موسى الفطري المدني وهو ثقة أيضا عن عون بن محمد، قال: وهو ابن محمد بن
الحنفية عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء
بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء من أرض
خيبر ثم أرسل عليا في حاجة فجاء وقد صلى رسول الله العصر فوضع رأسه في
حجر علي ولم يحركه حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها، قالت أسماء:
فطلعت الشمس حتى رفعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت
الشمس.
وهذا الاسناد فيه من يجهل حاله فإن عونا هذا وأمه لا يعرف أمرهما
بعدالة وضبط يقبل بسببهما خبرهما فيما هو دون هدا المقام، فكيف يثبت
بخبرهما هذا الامر العظيم الذي لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن
ولا المسانيد المشهورة فالله أعلم.
ولا ندري أسمعت أم هذا من جدتها أسماء بنت عميس أو لا، ثم أورده هذا
المص من طريق الحسين بن الحسن الاشقر وهو شيعي جلد وضعفه غير واحد عن
الفضيل بن مرزوق.
عن إبراهيم بن الحسين بن الحسن.
عن فاطمة بنت الحسين الشهيد عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث.
قال وقد رواه عن فضيل بن
(6/88)
مرزوق جماعة
منهم، عبيد الله بن موسى، ثم أورده من طريق أبي جعفر الطحاوي من طريق
عبد الله.
وقد قدمنا روايتنا له من حديث سعيد بن مسعود وأبي أمية الطرسوسي عن
عبيد الله بن موسى العبسي، وهو من الشيعة.
ثم أورده هذا المص من طريق أبي جعفر العقيلي عن أحمد بن داود، عن عمار
بن مطر، عن فضيل بن مرزوق، والاغر الرقاشي ويقال الرواسي أبو عبد
الرحمن الكوفي مولى بني عنزة وثقة الثوري وابن عيينة، وقال أحمد: لا
أعلم إلا خيرا وقال ابن معين: ثقة، وقال مرة: صالح ولكنه شديد التشيع،
وقال مرة: لا بأس به، وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث يهم كثيرا يكتب
حديثه ولا يحتج به.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: يقال: إنه ضعيف، وقال النسائي: ضعيف، وقال
ابن عدي: أرجو أن لا بأس به.
وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية
الموضوعات.
وقد روى له مسلم وأهل السنن الاربعة.
فمن هذه ترجمته لا يهتم بتعمد الكذب ولكنه قد يتساهل ولا سيما فيما
يوافق مذهبه فيروي عمن لا يعرفه أو يحسن به الظن فيدلس حديثه ويسقطه
ويذكر شيخه ولهذا قال في هذا الحديث الذي يجب الاحتراز فيه وتوقي الكذب
فيه " عن " بصيغة التدليس،، ولم يأت بصيغة التحديث فلعل بينهما من يجهل
أمره، على أن شيخه هذا - إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب - ليس
بذلك المشهور في حاله ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب المعتمدة، ولا روى
عنه غير الفضيل بن مرزوق هذا ويحيى بن المتوكل، قاله أبو حاتم وأبو
زرعة الرازيان ولم يتعرضا لجرح ولا تعديل.
وأما فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب - وهي أخت زين العابدين -
فحديثها مشهور روى لها أهل السنن الاربعة، وكانت فيمن قدم بها مع أهل
البيت بعد مقتل أبيها إلى دمشق، وهي من الثقات ولكن لا يدري أسمعت هذا
الحديث من أسماء أم لا ؟ فالله أعلم.
ثم رواه هذا المصنف من حديث أبي حفص الكناني: ثنا محمد بن عمر القاضي
هو الجعابي، حدثني محمد بن القاسم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، ثنا
أحمد بن محمد بن
يزيد بن سليم، ثنا خلف بن سالم، ثنا عبد الرزاق سفيان الثوري، عن أشعث
أبي الشعثاء عن أمه عن فاطمة - يعني بنت الحسين - عن أسماء أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس، وهذا إسناد غريب
جدا.
وحديث عبد الرزاق وشيخه الثوري محفوظ عند الائمة لا يكاد يترك منه شئ
من المهمات فكيف لم يرو عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث العظيم إلا خلف
بن سالم بما قبله من الرجال الذين لا يعرف حالهم في الضبط والعدالة
كغيرهم ؟ ثم إن أم أشعث مجهولة فالله أعلم.
ثم ساقه هذا المص من طريق محمد بن مرزوق: ثنا حسين الاشقر - وهو شيعي
وضعيف كما تقدم - عن علي بن هاشم بن الثريد - وقد قال فيه ابن حبان:
كان غالبا في التشيع يروي المناكير عن المشاهير - عن عبد الرحمن بن عبد
الله بن دينار عن علي بن الحسين بن الحسن، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء
بنت عميس فذكره، وهذا إسناد لا يثبت.
ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن عروة بن عبد الله عن
فاطمة بنت علي عن أسماء بنت
(6/89)
عميس فذكر
الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عقدة عن أحمد بن يحيى الصوفي عن
عبد الرحمن بن شريك، عن عبد الله النخعي.
وقد روى عنه البخاري في كتاب الادب وحدث عنه جماعة من الائمة وقال فيه
أبو حاتم الرازي كان واهي الحديث وذكره ابن حبان في كتاب الثقات و [
قال ]: ربما أخطأ، وأرخ ابن عقدة وفاته سنة سبع وعشرين ومائتين وقد
قدمنا أن الشيخ أبا الفرج بن الجوزي قال: إنما اتهم بوضعه أبا العباس
بن عقدة، ثم أورد كلام الائمة فيه بالطعن والجرح وأنه كان يسوي النسخ
للمشايخ فيرويهم إياها.
والله أعلم.
قلت: في سياق هذا الاسناد عن أسماء أن الشمس رجعت حتى بلغت نصف المسجد،
وهذا يناقض ما تقدم من أن ذلك كان بالصهباء من أرض خيبر، ومثل هذا يوجب
توهين الحديث وضعفه والقدح فيه.
ثم سرده من حديث محمد بن عمر القاضي الجعابي: ثنا علي بن العباس بن
الوليد، ثنا عبادة بن يعقوب الرواجي، ثنا علي بن هاشم، عن صباح، عن عبد
الله بن الحسن - أبي جعفر - عن حسين المقتول عن فاطمة عن أسماء بنت
عميس قالت: لما كان يوم شغل علي لمكانه من قسم
المغنم حتى غربت الشمس أو كادت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أما صليت ؟ قال: لا، فدعا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء فصلى
علي، فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار في الحديد.
وهذا أيضا سياق مخالف لما تقدم من وجوه كثيرة مع أن إسناده مظلم جدا
فإن صباحا هذا لا يعرف وكيف يروي الحسين بن علي المقتول شهيدا عن واحد
عن واحد عن أسماء بنت عميس ؟ هذا تخبيط إسنادا ومتنا، ففي هذا أن عليا
شغل بمجرد قسم الغنيمة، وهذا لم يقله أحد ولا ذهب إلى جواز ترك الصلاة
لذلك ذاهب، وإن كان قد جوز بعض العلماء تأخير الصلاة عن وقتها لعذر
القتال كما حكاه البخاري عن مكحول والاوزاعي وأنس بن مالك في جماعة من
أصحابه، واحتج لهم البخاري بقصة تأخير الصلاة يوم الخندق وأمره عليه
السلام أن لا يصلي أحد منهم العصر، إلا في بني قريظة، وذهب جماعة من
العلماء إلى أن هذا نسخ بصلاة الخوف، والمقصود أنه لم يقل أحد من
العلماء إنه يجوز تأخير الصلاة بعذر قسم الغنيمة حتى يسند هذا إلى صنيع
علي رضي الله عنه، وهو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
الوسطى هي العصر، فإن كان [ هذا ] ثابتا على ما رواه هؤلاء الجماعة
وكان علي متعمدا لتأخير الصلاة لعذر قسم الغنيمة وأقره عليه الشارع صار
هذا وحده دليلا على جواز ذلك، ويكون أقطع في الحجة مما ذكره البخاري،
لان هذا بعد مشروعية صلاة الخوف قطعا، لانه كان بخيبر سنة سبع، وصلاة
الخوف شرعت قبل ذلك، وإن كان علي ناسيا حتى ترك الصلاة إلى الغروب فهو
معذور فلا يحتاج إلى رد الشمس بل وقتها بعد الغروب والحالة هذه إذن كما
ورد به الحديث.
والله أعلم * وهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث، ثم إن جعلناه قضية
أخرى وواقعة غير ما تقدم، فقد تعدد رد الشمس غير مرة ومع هذا لم ينقله
أحد من أئمة العلماء ولا رواه أهل الكتب المشهورة وتفرد بهذه الفائدة
هؤلاء الرواة الذين لا يخلو إسناد منها عن مجهول ومتروك ومتهم والله
أعلم.
ثم أورد هذا المص من طريق أبي العباس بن
(6/90)
عقدة: حدثنا
يحيى بن زكريا، ثنا يعقوب بن سعيد، ثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد
الله بن حسن بن حسين بن علي [ بن أبي طالب ] عن حديث رد الشمس على علي
بن أبي طالب: هل يثبت عندكم ؟
فقال لي: ما أنزل الله في كتابه أعظم من رد الشمس، قلت: صدقت (جعلني
الله فداك) ولكني أحب أن أسمعه منك، فقال: حدثني أبي - الحسن - عن
أسماء بنت عميس أنها قالت: أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن
يصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد انصرف ونزل عليه الوحي فأسنده إلى صدره [ فلم يزل مسنده
إلى صدره ] حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصليت العصر
يا علي ؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدري حتى
الساعة، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة - وقد غربت الشمس
- وقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه، قالت أسماء: فأقبلت
الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي
متمكنا فصلى، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، فلما غابت
اختلط الظلام وبدت النجوم.
وهذا منكر أيضا إسنادا ومتنا وهو مناقض لما قبله من السياقات، وعمرو بن
ثابت هذا هو المتهم بوضع هذا الحديث أو سرقته من غيره، وهو عمرو بن
ثابت بن هرمز البكري الكوفي مولى بكر بن وائل، ويعرف بعمرو بن المقدام
الحداد، روى عن غير واحد من التابعين وحدث عنه جماعة منهم سعيد بن
منصور وأبو داود وأبو الوليد الطيا لسيان، قال: تركه عبد الله بن
المبارك وقال: لا تحدثوا عنه فإنه كان يسب السلف، ولما مرت به جنازته
توارى عنها، وكذلك تركه عبد الرحمن بن مهدي، وقال أبو معين والنسائي:
ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه.
وقال مرة أخرى هو وأبو زرعة وأبو حاتم: كان ضعيفا، زاد أبو حاتم: وكان
ردئ الرأي شديد التشيع لا يكتب حديثه، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم،
وقال أبو داود: كان من شرار الناس كان رافضيا خبيثا رجل سوء قال هنا:
ولما مات لم أصل عليه، لانه قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كفر الناس إلا خمسة، وجعل أبو داود يذمه، وقال ابن حبان: يروي
الموضوعات [ عن الاثبات ] وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بين، وأرخوا
وفاته في سنة سبع وعشرين ومائة، ولهذا قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية:
وكان عبد الله بن حسن وأبوه أجل قدرا من أن يحدثا بهذا الحديث قال هذا
المصنف المنصف: وأما حديث أبي هريرة فأخبرنا عقيل بن الحسن العسكري،
أنا أبو محمد صالح بن
الفتح النسائي، ثنا أحمد بن عمير بن حوصاء، ثنا إبراهيم بن سعيد
الجوهري، ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه، ثنا داود بن
فراهيج، وعن عمارة بن برد وعن أبي هريرة فذكره.
وقال: اختصرته من حديث طويل، وهذا إسناده مظلم ويحيى بن يزيد وأبوه
وشيخه داود بن فراهيج كلهم مضعفون، وهذا هو الذي أشار ابن الجوزي إلى
أن ابن مردويه رواه من طريق داود ابن فراهيج عن أبي هريرة وضعف داود
هذا شعبة والنسائي وغيرهما.
والذي يظهر أن هذا مفتعل من بعض الرواة، أو قد دخل على أحدهم وهو لا
يشعر (والله أعلم) قال: وأما
(6/91)
حديث أبي سعيد
فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة: أن أبا طاهر محمد بن علي
الواعظ أخبرهم: أنا محمد بن أحمد بن متيم، أنا القاسم بن جعفر بن محمد
بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: [ حدثني أبي عن أبيه
محمد عن أبيه عبد الله عن أبيه عمر قال: ] قال الحسين بن علي سمعت أبا
سعيد الخدري يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأسه في
حجر علي.
وقد غابت الشمس فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا علي أصليت
العصر ؟ قال: لا يا رسول الله ما صليت كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت
وجع، فقال رسول الله: يا علي ادع يا علي أن ترد عليك الشمس، فقال علي
يا رسول الله ادع أنت وأنا أؤمن، فقال: يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة
نبيك فاردد عليه الشمس، قال أبو سعيد: فو الله لقد سمعت للشمس صريرا
كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية.
وهذا إسناد مظلم أيضا ومتنه منكر، ومخالف لما تقدمه من السياقات، وكل
هذا يدل على أنه موضوع مصنوع مفتعل يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم من بعض،
ولو كان له أصل من رواية أبي سعيد لتلقاه عنه كبار أصحابه كما أخرجا في
الصحيحين من طريقه حديث قتال الخوارج، وقصة المخدج وغير ذلك من فضائل
علي.
قال: وأما حديث أمير المؤمنين علي فاخبرنا أبو العباس الفرغاني، أنا
أبو الفضل الشيباني، ثنا رجاء بن يحيى الساماني، ثنا هارون بن سعدان
بسامرا سنة أربعين ومائتين، ثنا عبد الله بن عمرو بن الاشعث، عن داود
بن الكميت، عن عمه المستهل بن زيد، عن أبيه زيد بن سلهب عن جويرية بنت
شهر قالت: خرجت مع
علي بن أبي طالب فقال: يا جويرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يوحى إليه ورأسه في حجري فذكر الحديث، وهذا الاسناد مظلم وأكثر رجاله
لا يعرفون والذي يظهر والله أعلم أنه مركب مصنوع مما عملته أيدي
الروافض قبحهم الله ولعن من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعجل
له ما توعده الشارع من العذاب والنكال حيث قال وهو الصادق في المقال:
من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
وكيف يدخل في عقل أحد من أهل العلم أن يكون هذا الحديث يرويه علي بن
أبي طالب وفيه منقبة عظيمة له ودلالة معجزة باهرة لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، ثم لا يروي عنه إلا بهذا الاسناد المظلم المركب على رجال لا
يعرفون، وهل لهم وجود في الخارج أم لا ؟ الظاهر (والله أعلم) لا، ثم هو
عن امرأة مجهولة العين والحال فأين أصحاب علي الثقات كعبيدة السلماني
وشريح القاضي وعامر الشعبي وأضرابهم، ثم في ترك الائمة كمالك وأصحاب
الكتب الستة وأصحاب المسانيد والسنن والصحاح والحسان رواية هذا الحديث
وإيداعه في كتبهم أكبر دليل على أنه لا أصل له عندهم وهو مفتعل مأفوك
بعدهم، وهذا أبو عبد الرحمن النسائي قد جمع كتابا في خصائص علي بن أبي
طالب ولم يذكره، وكذلك لم يروه الحاكم في مستدركه وكلاهما ينسب إلى شئ
من التشيع ولا رواه من رواه من الناس المعتبرين إلا على سبيل الاستغراب
والتعجب، وكيف يقع مثل هذا نهارا جهرة وهو مما تتوفر الدواغي على نقله،
ثم لا يروى إلا من طرق ضعيفة منكرة وأكثرها مركبة موضوعة
(6/92)
وأجود ما فيها
ما قدمناه من طريق أحمد بن صالح المصري، عن ابن أبي فديك، عن محمد بن
موسى الفطري، عن عون بن محمد، عن أمه أم جعفر، عن أسماء على ما فيها من
التعليل الذي أشرنا إليه فيما سلف.
وقد اغتر بذلك أحمد بن صالح رحمه الله ومال إلى صحته، ورجح ثبوته، قال
الطحاوي في كتابه مشكل الحديث: عن علي بن عبد الرحمن، عن أحمد بن صالح
المصري أنه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث
أسماء في رد الشمس، لانه من علامات النبوة.
وهكذا مال إليه أبو جعفر الطحاوي أيضا فيما قيل.
ونقل أبو القاسم الحسكاني هذا عن أبي عبد الله البصري المتكلم المعتزلي
أنه قال: عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا
فيما يقتضي نقله، لانه وإن كان فضيلة لامير المؤمنين فإنه من أعلام
النبوة وهو مقارن لغيره في فضائله في كثير من أعلام النبوة.
وحاصل هذا الكلام يقتضي أنه كان ينبغي أن ينقل هذا نقلا متواترا، وهذا
حق لو كان الحديث صحيحا، ولكنه لم ينقله كذلك فدل على أنه ليس بصحيح في
نفس الامر والله أعلم.
قلت: والائمة في كل عصر ينكرون صحة هذا الحديث ويردونه ويبالغون في
التشنيع على رواته كما قدمنا عن غير واحد من الحفاظ، كمحمد ويعلى بن
عبيد الطنافسيين، وكابراهيم بن يعقوب الجوزجاني خطيب دمشق وكأبي بكر
محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه، وكالحافظ أبي القاسم بن
عساكر والشيخ أبي الفرج بن الجوزي وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين،
وممن صرح بأنه موضوع شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي والعلامة أبو
العباس بن تيمية، وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: قرأت على قاضي
القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي: ثنا عبد الله بن الحسين بن
موسى، ثنا عبد الله بن علي [ بن ] المديني قال: سمعت أبي يقول: خمسة
أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: لو
صدق السائل ما أفلح من رده، وحديث لا وجع إلا وجع العين، ولا غم إلا غم
الدين، وحديث أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب، وحديث أنا أكرم على
الله من أن يدعني تحت الارض مائتي عام، وحديث أفطر الحاجم والمحجوم
إنهما كانا يغتابان.
والطحاوي رحمه الله وإن كان قد اشتبه عليه أمره فقد روى عن أبي حنيفة
رحمه الله إنكاره والتهكم بمن رواه، قال أبو العباس بن عقدة: ثنا جعفر
بن محمد بن عمير، ثنا سليمان بن عباد، سمعت بشار بن دراع قال: لقي أبو
حنيفة محمد بن النعمان فقال: عمن رويت حديث رد الشمس ؟ فقال: عن غير
الذي رويت عنه: يا سارية الجبل، فهذا أبو حنيفة رحمه الله وهو من
الائمة المعتبرين وهو كوفي لا يتهم على حب علي بن أبي طالب وتفضيله بما
فضله الله به ورسوله وهو مع هذا ينكر على راويه وقول محمد بن النعمان
له ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يجدي، أي أنا رويت في فضل علي هذا
الحديث وهو إن كان مستغربا فهو في الغرابة نظير ما رويته أنت في فضل
عمر بن الخطاب في قوله: يا سارية الجبل.
وهذا ليس بصحيح من محمد بن النعمان، فإن هذا ليس كهذا إسنادا ولا متنا،
وأين مكاشفة إمام
(قد شهد الشارع له بأنه محدث) بأمر خير من رد الشمس طالعة بعد مغيبها
الذي هو أكبر
(6/93)
علامات الساعة
؟ والذي وقع ليوشع بن نون ليس ردا للشمس عليه، بل حبست ساعة قبل غروبها
بمعنى تباطأت في سيرها حتى أمكنهم الفتح والله تعالى أعلم.
وتقدم ما أورده هذا المص من طرق هذا الحديث عن علي وأبي هريرة وأبي
سعيد وأسماء بنت عميس، وقد وقع في كتاب أبي بشر الدولابي في الذرية
الطاهرة: من حديث الحسين بن علي، والظاهر أنه عنه عن أبي سعيد الخدري
كما تقدم والله أعلم.
وقد قال شيخ الرافضة جمال الدين يوسف بن الحسن الملقب بابن المطهر
الحلي في كتابه في الامامة الذي رد عليه فيه شيخنا [ العلامة ] أبو
العباس ابن تيمية قال ابن المطهر: التاسع رجوع الشمس مرتين إحداهما في
زمن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بعده، أما الاولى فروى جابر
وأبو سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل يوما
يناجيه من عنده الله، فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين فلم
يرفع رأسه حتى غابت الشمس، فصلى علي العصر بالايماء فلما استيقظ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال له: سل الله أن يرد عليك الشمس فتصلي
قائما.
فدعا فردت الشمس فصلى العصر قائما.
وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من الصحابة
بدوابهم وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر وفات كثيرا منهم فتكلموا
في ذلك فسأل الله رد الشمس فردت قال وقد نظمه الحميري فقال: ردت عليه
الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب حتى تبلج نورها في وقتها *
للعصر ثم هوت هوى الكوكب وعليه قد رت ببابل مرة * أخرى وما ردت لخلق
مقرب قال شيخنا أبو العباس [ ابن تيمية ] رحمه الله: فضل علي وولايته
وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد بطرق ثابتة أفادتنا العلم
اليقيني لا يحتاج معها إلى ما لا يعلم صدقه أو يعلم أنه كذب، وحديث رد
الشمس قد ذكره طائفة كأبي جعفر الطحاوي والقاضي عياض وغيرهما وعدوا ذلك
من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن المحققون من أهل العلم
والمعرفة بالحديث يعلمون أن
هذا الحديث كذب موضوع، ثم أورد طرقه واحدة [ واحدة ] كما قدمنا وناقش
أبا القاسم الحسكاني فيما تقدم، وقد أوردنا كل ذلك وزدنا عليه ونقصنا
منه والله الموفق.
واعتذر عن أحمد بن صالح المصري في تصحيحه [ هذا الحديث ] بأنه اغتر
بسنده، وعن الطحاوي بأنه لم يكن عنده نقل جيد للاسانيد كجهابذة الحفاظ،
وقال في عيون كلامه: والذي يقطع به أنه كذب مفتعل.
قلت: وإيراد ابن المطهر لهذا الحديث من طريق جابر غريب.
ولكن لم يسنده وفي سياقه ما يقتضي أن عليا [ هو الذي ] دعا برد الشمس
في الاولى والثانية، وأما إيراده لقصة بابل فليس لها إسناد وأظنه
(والله أعلم) من وضع الزنادقة من الشيعة ونحوهم، فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق قد غربت عليهم الشمس ولم يكونوا
صلوا العصر بل قاموا إلى بطحان وهو واد هناك فتوضاؤا وصلوا العصر بعد
ما غربت الشمس، وكان علي أيضا فيهم ولم ترد لهم، وكذلك كثير من الصحابة
الذين ساروا إلى بني قريظة فاتتهم العصر يومئذ حتى غربت الشمس ولم ترد
لهم،
(6/94)
وكذلك لما نام
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس
صلوها بعد ارتفاع النهار ولم يرد لهم الليل، فما كان الله عز وجل ليعطي
عليا وأصحابه شيئا من الفضائل لم يعطها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه.
وأما نظم الحميري فليس [ فيه ] حجة بل هو كهذيان بن المطهر هذا لا يعلم
ما يقول من النثر وهذا لا يدري صحة ما ينظم بل كلاهما كما قال الشاعر:
إن كنت أدري فعلى بدنه * من كثرة التخليط أني من أنه والمشهور عن علي
في أرض بابل ما رواه أبو داود رحمه الله في سننه عن علي: أنه مر بأرض
بابل وقد حانت صلاة العصر فلم يصل حتى جاوزها، وقال: نهاني خليلي صلى
الله عليه وسلم أن أصلي بأرض بابل فانها ملعونة.
وقد قال أبو محمد بن حزم في كتابه الملل والنحل مبطلا لرد الشمس على
علي بعد كلام ذكره رادا على من أدعى باطلا من الامر فقال ولا فرق بين
من أدعى شيئا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على علي بن
أبي طالب مرتين حتى ادعى بعضهم أن حبيب بن أوس قال:
فردت علينا الشمس والليل راغم * بشمس لهم من جانب الخدر تطلع نضا ضوءها
صبغ الدجنة وانطوى * لبهجتها نور السماء المرجع (1) فو الله ما أدري
علي بدا لنا فردت * له أم كان في القوم يوشع هكذا أورده ابن حزم في
كتابه، وهذا الشعر تظهر عليه الركة والتركيب وأنه مصنوع والله أعلم.
ومما يتعلق بالآيات السماوية في باب دلائل النبوة، استسقاؤه عليه
السلام ربه [ عز وجل ] لامته حين تأخر المطر فأجابه إلى سؤاله سريعا
بحيث لم ينزل عن منبره إلا والمطر يتحادر على لحيته عليه السلام وكذلك
استصحاؤه.
قال البخاري: ثنا عمرو بن علي، ثنا أبو قتيبة، ثنا عبد الرحمن بن عبد
الله بن دينار عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيض
يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل (2) قال البخاري:
وقال أبو عقيل الثقفي عن عمر بن حمزة: ثنا سالم عن أبيه ربما ذكرت قول
الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما
ينزل حتى يجيش كل ميزاب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل وهو قول أبي
طالب * تفرد به البخاري وهذا الذي علقه قد أسنده ابن ماجة في سننه
فرواه
__________
(1) نضا اللون: تغير، والمراد هنا أن ضوءها أزال ظلمة الدجنة.
(2) ثمال اليتامى: مغيثهم والقائم بأمرهم وتدبير شؤونهم.
(*)
(6/95)
عن أحمد بن
الازهر عن أبي النضر عن أبي عقيل، عن عمر بن حمزة، عن سالم عن أبيه
(1).
وقال البخاري: ثنا محمد - هو ابن سلام - ثنا أبو ضمرة، ثنا شريك بن عبد
الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يذكر: أن رجلا دخل المسجد يوم
جمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب،
فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت
الاموال، وتقطعت
السبل، فادع الله لنا يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، [ اللهم اسقنا ] قال أنس: ولا [
والله ] ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين
سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت
السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من
ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم
يخطب، فاستقبله قائما، وقال: يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل،
ادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال:
اللهم حوالينا ولا علينا.
اللهم على الآكام والجبال [ والظراب ] ومنابت الشجر.
قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنسا أهو الرجل
الذي سأل أولا ؟ قال: لا أدري (2) وهكذا رواه البخاري أيضا ومسلم من
حديث إسماعيل بن جعفر عن شريك به.
وقال البخاري: ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة، عن قتادة عن أنس قال: بينما
رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة إذ جاء رجل فقال: يا رسول
الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا فمطرنا فما كدنا أن نصل إلى
منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة، قال: فقام ذلك الرجل أو
غيره، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فلقد رأيت السحاب يتقطع
يمينا وشمالا يمطرون ولا يمطر [ أهل ] المدينة (3)، تفرد به البخاري من
هذا الوجه.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن شريك بن عبد الله بن
أبي نمر، عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
هلكت المواشي وتقطعت السبل، فادع الله، فدعا فمطرنا من الجمعة إلى
الجمعة ثم جاء فقال: تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي [ فادع
الله أن يمسكها ] فقال: اللهم، على الآكام والظراب والاودية ومنابت
__________
(1) رواه البخاري في فتح الباري 2 / 492 وابن ماجة في سننه: كتاب إقامة
الصلاة والسنة فيها حديث 1272.
- يجيش: أي يتدفق الماء، من جاش البحر إذا علا، والعين إذا فاضت،
والوادي إذا جرى.
(2) فتح الباري 2 / 501.
حديث 1013، وما بين معكوفين من الفتح.
- قزعة: بفتح الزاي والقاف: سحاب متفرق.
قال ابن سيدة: القزع قطع من السحاب رقاق.
زاد أبو
عبيد: وأكثر ما يجئ في الخريف.
- سلع: جبل معروف بالمدينة.
- الظراب: جمع ظرب.
قال القزاز: الجبل المنبسط ليس بالعالي، وقال الجوهري: الرابية
الصغيرة.
(3) فتح الباري 2 / 508 حديث 1015.
(*)
(6/96)
الشجر، فانجابت
عن المدينة انجياب الثوب (1).
وقال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل، ثنا عبد الله ثنا الاوزاعي، ثنا
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الانصاري، حدثني أنس بن مالك قال: أصابت
الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام أعرابي فقال: يا رسول
الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة فو الذي نفسي بيده ما
وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر
يتحادر على لحيته.
قال: فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة
الاخرى، فقام ذلك الاعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم
البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فما جعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة
في مثل الجوية وسال الوادي - قناة - شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا
حدث بالجود (2).
ورواه البخاري أيضا في الجمعة ومسلم من حديث الوليد عن الاوزاعي.
وقال البخاري: وقال أيوب بن سليمان: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن
سليمان بن بلال قال: قال يحيى بن سعيد: سمعت أنس بن مالك قال: أتى [
رجل ] أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يدعون قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما
زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الاخرى، فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: يا رسول الله بشق المسافر ومنع الطريق * قال البخاري:
وقال الاويسي - يعني عبد الله -: حدثني محمد بن جعفر -
هو ابن كثير - عن يحيى بن سعيد وشريك، سمعا أنسا عن النبي صلى الله
عليه وسلم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه (3).
هكذا علق هذين الحديثين ولم يسندهما أحد من أصحاب الكتب الستة بالكلية
* وقال البخاري: ثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا معتمر، عن عبيد الله،
عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم
جمعة فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول الله قحط المطر، واحمرت الشجر،
وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، فقال: اللهم اسقنا مرتين، وأيم
الله ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن
المنبر فصلى.
__________
(1) فتح الباري 2 / 508 حديث 1016.
(2) فتح الباري 2 / 519 حديث 1033 ومسلم في صلاة الاستسقاء ح (9) ص
(614).
(3) فتح الباري 2 / 516 حديث رقم 1029 - 1030.
- بشق: أي مل.
وقال الخطابي: بشق: اشتد عليه الضرر، وقال إنما هي لثق وبشق ليس بشئ.
ويحتمل أن تكون مشق: أي صارت الطريق زلفة.
وقال ابن بطال: لم أجد ليشق في اللغة معنى.
وقال كراع: بشق: تأخر ولم يتقدم.
- الاويسي: هو عبد العزيز بن عبد الله قاله ابن حجر.
(*)
(6/97)
فلما انصرف لم
تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا،
قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهم حوالينا ولا
علينا، فتكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة،
فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الاكليل (1).
وقد رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان عن عبيد الله وهو ابن عمر
العمري به * وقال الامام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد قال: سئل
أنس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه ؟ فقال: قيل له يوم
جمعة: يا رسول الله قحط المطر، وأجدبت الارض، وهلك المال، قال: فرفع
يديه حتى رأيت بياض إبطيه فاستسقى، ولقد رفع يديه فاستسقى ولقد رفع
يديه وما نرى في السماء سحابة، فما قضينا الصلاة حتى أن الشاب قريب
الدار
ليهمه الرجوع إلى أهله، قال: فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا: يا
رسول الله تهدمت البيوت واحتبست الركبان، فتبسم رسول الله صلى الله
عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، قال:
فتكشطت عن المدينة (2).
وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجوه.
وقال البخاري وأبو داود واللفظ له: ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن عبد
العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، وعن يونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس
رضي الله عنه قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلكت
الكراع، هلكت الشاء، فادع الله يسقينا، فمد يده ودعا.
قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت الريح، أنشأت سحابا، ثم
اجتمع، ثم أرسلت السماء عز إليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا
فلم تزل تمطر إلى الجمعة الاخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا
رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت
إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل (3).
فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك لانها تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن.
وقال البيهقي باسناده من غير وجه إلى أبي معمر سعيد بن أبي خيثم
الهلالي، عن مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فقال: يا
رسول الله والله لقد أتيناك، وما لنا بعير يبسط ولا صبي يصطبح وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمي لبانها * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل وألقى بكفيه
الفتى لاستكانة * من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلي (4) ولا شئ مما يأكل
الناس عندنا * سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل وليس لنا إلا إليك
فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
__________
(1) فتح الباري - 2 / 512 حديث 1021.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 104، 187، 194، 261، 271.
(3) فتح الباري 2 / 508 حديث 508.
(4) في دلائل البيهقي 6 / 141: من الجوع ضعفا ما يمر ولا يخلي.
(*)
(6/98)
قال: فقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
وهو يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم رفع يديه نحو
السماء وقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مرئيا مريعا سريعا غدقا طبقا
عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار تملا به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيى
به الارض [ بعد موتها ] وكذلك تخرجون.
قال: فو الله ما ورد يده إلى نحره حتلى ألقت السماء بأوراقها (1)، وجاء
أهل البطانة يصيحون: يا رسول الله الغرق الغرق، فرفع يديه إلى السماء
وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها
كالاكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال:
لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه، من ينشد قوله ؟ فقام علي بن أبي
طالب فقال: يا رسول الله كأنك أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *
ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في
نعمة وفواضل كذبتم وبيت الله يبزى محمد * ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل قال: وقام رجل من
بني كنانة فقال: لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر دعا
الله خالقه دعوة * إليه وأشخص منه البصر فلم يك إلا كلف (2) الرداء *
وأسرع حتى رأينا الدرر رقاق العوالي عم البقاع (3) * أغاث به الله عينا
مضر وكان كما قاله عمه * أبو طالب أبيض ذو غرر به الله يسقي بصوب
الغمام * وهذا العيان كذاك الخبر فمن يشكر الله يلقى المزيد * ومن يكفر
الله يلقى الغير قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يك شاعر
يحسن فقد أحسنت * وهذا السياق فيه غرابة ولا
يشبه ما قدمنا من الروايات الصحيحة المتواترة عن أنس فإن كان هذا هكذا
محفوظا فهو قصة أخرى غير ما تقدم والله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنا أبو بكر بن الحارث الاصبهاني، ثنا أبو محمد
بن حبان، ثنا عبد الله بن مصعب، ثنا عبد الجبار، ثنا مروان بن معاوية،
ثنا محمد بن أبي ذئب المدني عن عبد الله بن محمد عمر بن حاطب الجمحي،
عن أبى وجزة يزيد بن عبيد السلمي قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه
وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة فيهم بضعة عشر رجلا فيهم
__________
(1) في الدلائل: بأبراقها.
(2) في الدلائل: كإلقاء.
(3) في الدلائل: جم البعاق.
(*)
(6/99)
خارجة بن
الحصين، والحر بن قيس - وهو أصغرهم - ابن أخي عيينة بن حصن، فنزلوا في
دار رملة بنت الحارث من الانصار، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون،
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالاسلام، فسألهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن بلادهم قالوا: يا رسول الله، أسنتت بلادنا،
وأجدبت (1) أحياؤنا، وعريت عيالنا، وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا،
وتشفع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سبحان الله، ويلك، هذا ما شفعت إلى ربي، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه،
لا إله إلا الله وسع كرسيه السموات والارض وهو يئط من عظمته وجلاله كما
يئط الرجل الجديد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يضحك من شفقتكم وأزلكم (2)
وقرب غياثكم، فقال الاعرابي: ويضحك ربنا يا رسول الله ؟ قال: نعم، فقال
الاعرابي: لن نعدم يا رسول الله من رب يضحك خيرا، فضحك رسول الله صلى
الله عليه وسلم من قوله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد
المنبر وتكلم بكلام، ورفع يديه - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
يرفع يديه في شئ من الدعاء إلا في الاستسقاء - ورفع يديه حتى رئي بياض
إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه: اللهم اسق بلدك وبهائمك، وانشر رحمتك
وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير
آجل نافعا غير ضار، اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا
محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء، فقام أبو لبابة بن عبد
المنذر، فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال رسول الله:
اللهم اسقنا، فقال أبو لبابة: التمر في المرابد، ثلاث مرات، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد
ثعلب مربده بازاره، قال: فلا والله ما في السماء من قزعة ولا سحاب وما
بين المسجد وسلع من بناء ولا دار، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس،
فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت، فو الله ما رأوا الشمس
ستا، وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره لئلا يخرج التمر
منه، فقال رجل: يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل، فصعد النبي
صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، ثم قال:
اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الاودية،
ومنابت الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب (3).
وهذا السياق يشبه سياق مسلم الملائي عن أنس، ولبعضه شاهد في سنن أبي
داود، وفي حديث أبي رزين العقيلي شاهد لبعضه والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أنا أبو بكر محمد بن الحسين
بن علي بن المؤمل، أنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ، أنا عبد الرحمن
بن أبي حاتم، ثنا محمد بن حماد الظهراني، أنا سهل بن عبد الرحمن
المعروف بالسدي بن عبدويه عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس المدني
عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي
__________
(1) في الدلائل: وأجدبت جنابنا، وحربت عيالنا.
(2) في الدلائل: من شعثكم وأذاكم.
(3) رواه البيهقي في دلائل النبوة ج 6 / 143 - 144.
(*)
(6/100)
لبابة (1) بن
عبد المنذر الانصاري قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
جمعة وقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول
الله إن التمر في المرابد، وما في السماء من سحاب نراه، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله
إن التمر في المرابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا،
حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بازاره،
فاستهلت السماء ومطرت، وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف
الانصار بأبي لبابة (2) يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء والله لن
تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بازارك، كما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم، قال: فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره
فأقلعت السماء.
وهذا إسناد حسن ولم يروه أحمد ولا أهل الكتب والله أعلم.
وقد وقع مثل هذا الاستسقاء في غزوة تبوك في أثناء الطريق كما قال عبد
الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن
أبي عتبة، عن نافع بن جبير.
عن عبد الله بن عباس: أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا عن شأن ساعة
العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا
فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن كان أحدنا ليذهب فيلتمس
الرحل فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره
فيعصر فرته فيشربه ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا
رسول الله إن الله قد دعوك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا، فقال: أو
تحب ذلك ؟ قال: نعم، قال: فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت
السماء فأطلت ثم سكبت فملاوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت
العسكر.
وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجوه * وقد قال الواقدي كان مع المسلمين في
هذه الغزوة إثنا عشر ألف بعير ومثلها من الخيل، وكانوا ثلاثين ألفا من
المقاتلة، قال: ونزل من المطر ماء أغدق الارض حتى صارت الغدران تسكب
بعضها في بعض وذلك في حمأة القيظ أي شدة الحر البليغ، فصلوات الله
وسلامه عليه.
وكم له عليه السلام من مثل هذا في غير ما حديث صحيح ولله الحمد.
وقد تقدم أنه لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعا
كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شئ حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز،
ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده في أن يدعو الله لهم، فدعا لهم فرفع ذلك
عنهم.
وقد قال البخاري: ثنا الحسن بن محمد، ثنا محمد بن عبد الله الانصاري،
ثنا أبي عبد الله بن المثنى، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن
مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا
كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال
فيسقون (3) * تفرد به البخاري.
__________
(1) في الدلائل: أبو امامة.
والصواب ما أثبتناه وهو أبو لبابة الانصاري المدني، اسمه بشير وقيل
رفاعة بن عبد المنذر صحابي مشهور وكان أحد النقباء (تقريب التهذيب 2 /
467).
(2) من الدلائل: ج 6 / 144، وفي الاصل: فأتى أبا لبابة.
(3) أخرجه البخاري في الاستسقاء حديث 1010 فتح الباري 2 / 494.
(*)
(6/101)
|