البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
فصل وأما المعجزات الارضية
فمنها ما هو متعلق بالجمادات، ومنها ما هو متعلق بالحيوانات: فمن
المتعلق بالجمادات تكثيره الماء في غير ما موطن على صفات متنوعة
سنوردها بأسانيدها إن شاء الله، وبدأنا بذلك لانه أنسب باتباع ما
أسلفنا ذكره من استسقائه وإجابة الله له.
قال البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك
الاناء فأمر الناس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه
فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم (1)، وقد رواه مسلم والترمذي
والنسائي من طرق عن مالك به وقال الترمذي: حسن صحيح.
طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: حدثنا يونس بن محمد، ثنا حزم، سمعت
الحسن يقول: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج
ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة
فلم يجد القوم ما يتوضأون به فقالوا: يا رسول الله ما نجد ما نتوضأ به،
ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء
يسير، فأخذ نبي الله فتوضأ منه، ثم مد أصابعه الاربع على القدح ثم قال:
هلموا فتوضأوا، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، قال
الحسن: سئل أنس كم بلغوا ؟ قال: سبعين أو
ثمانين (2).
وهكذا رواه البخاري عن عبد الرحمن بن المبارك العنسي عن حزم بن مهران
القطيعي به.
طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد ويزيد
قال: أنا حميد المعني، عن أنس بن مالك قال: نودي بالصلاة فقام كل قريب
الدار من المسجد وبقي من كان أهله نائي الدار فأتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمخصب من حجارة فصغر أن يبسط كفه فيه قال فضم أصابعه قال
فتوضأ بقيتهم، قال حميد: وسئل أنس: كم كانوا ؟ قال: ثمانين أو زيادة.
وقد روى البخاري: عن عبد الله بن
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب حديث 3573 فتح الباري 6 / 580 والبيهقي
في الدلائل 4 / 121 ومسلم عن اسحاق بن موسى الانصاري، عن معن عن مالك:
في الفضائل ص (1783).
وأخرجه النسائي في الطهارة.
والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح.
(2) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة في الاسلام فتح الباري 6
/ 581.
(*)
(6/102)
منير، عن يزيد
بن هارون، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب
الدار من المسجد يتوضأ، وبقي قوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمخضب من حجارة فيه ماء فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم
أصابعه فوضعها في المخضب، فتوضأ القوم كلهم جميعا قلت: كم كانوا ؟ قال:
كانوا ثمانين رجلا (1).
طريق أخرى عنه قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد إملاء عن
قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء
(2) فأتى بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضأوا فوضع
كفه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ
القوم، قال: فقلت لانس: كم كنتم ؟ قال: كنا ثلثمائة (3) وهكذا رواه
البخاري عن بندار بن أبي عدي: ومسلم عن أبي موسى، عن غندر كلاهما عن
سعيد بن أبي عروبة، وبعضهم يقول عن شعبة، والصحيح
سعيد عن قتادة عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء وهو
في الزوراء فوضع يده في الاناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ
القوم، قال قتادة فقلت لانس: كم كنتم ؟ قال ثلثمائة أو زهاء ثلثمائة
لفظ البخاري.
حديث البراء بن عاذب في ذلك قال البخاري: ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كنا يوم الحديبية أربع
عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس رسول
الله صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر
فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وروت أو صدرت ركابنا (4).
تفرد به البخاري إسنادا ومتنا.
حديث آخر عن البراء بن عاذب قال الامام أحمد: حدثنا عفان وهاشم، حدثنا
سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، حدثنا يونس - هو ابن عبيدة
مولى محمد بن القاسم - عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في سفر فأتينا على ركي ذمة يعني قليلة الماء قال: فنزل فيها ستة
إناس أنا سادسهم ماحة فأدليت إلينا دلو قال.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على شفتي الركي فجعلنا فيها نصفها أو
قراب ثلثيها فرفعت إلى
__________
(1) فتح الباري - علامات النبوة في الاسلام ح (3575) ص (6 / 581).
(2) الزوراء: مكان معروف بالمدينة عند السوق.
(3) فتح الباري علامات النبوة في الاسلام، ح (3572) ص (6 / 580).
ومسلم في الفضائل باب في معجزات النبي صلى الله عليه وآله ص (1783).
(4) فتح الباري - غزوة الحديبية ح (4150) ص 7 / 441.
(*)
(6/103)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال البراء: فكدت بأنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي ؟
فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمس يده فيها
فقال ما شاء الله أن يقول: وأعيدت إلينا الدلو بما فيها، قال: فلقد
رأيت أحدنا أخرج بثوب خشبة الغرق قال: ثم ساحت - يعني جرت نهرا - تفرد
به الامام
أحمد، وإسناده جيد قوي، والظاهر أنها قصة أخرى غير يوم الحديبية والله
أعلم.
حديث آخر عن جابر في ذلك قال الامام أحمد: ثنا سنان بن حاتم، ثنا جعفر
- يعني ابن سليمان - ثنا الجعد أبو عثمان، ثنا أنس بن مالك عن جابر بن
عبد الله الانصاري قال: اشتكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه
العطش قال فدعا بعس فصب فيه شئ من الماء ووضع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيه يده وقال: استقوا، فاستقى الناس قال: فكنت أرى العيون تنبع من
بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي إفراد مسلم (1) من حديث حاتم بن
إسماعيل عن أبي حرزة، يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن
جابر بن عبد الله في حديث طويل قال فيه: سرنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقضي حاجته فاتبعته باداوة من ماء، فنظر رسول الله فلم ير شيئا يستتر
به، وإذا بشجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي باذن الله،
فانقادت معه كالبعير المخشوش (2) الذي يصانع قائده، حتى أتى الاخرى
فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي [ بإذن الله ] فانقادت معه [
كذلك ] حتى إذا كان بالمنتصف مما بينهما لام بينهما - يعني جمعهما -
فقال: التئما علي بإذن الله، فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر (3) مخافة
أن يحس رسول الله بقربي، فيبتعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا
أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا بالشجرتين قد افترقتا فقامت كل
واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا: يمينا
وشمالا، ثم أقبل فلما انتهى إلي قال: يا جابر هل رأيت مقامي ؟ قلت: نعم
يا رسول الله، قال: انطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا
فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن شمالك،
قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحددته (4) ؟ ؟ ؟ ذلق لي فأتيت
الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت حتى قمت مقام رسول
الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت
فقلت: قد فعلت يا
__________
(1) في كتاب الزهد (18) باب.
ص (2306 - 2309).
(2) البعير المخشوش: الذي يجعل في أنفه خشاش وهو عود يجعل في أنف
البعير ويشد به حبل لينقاد به.
(3) خرجت أحضر: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا.
(4) وحددته - وفي رواية مسلم وحسرته - أي نحيت عنه ما يمنع حدته بحيث
صار كالسكين.
وانذلق لي: صار حادا.
(*)
(6/104)
رسول الله، قال
فقلت: فلم ذاك ؟ قال: إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفع
(1) ذلك عنهما ما دام الغصنان رطبين، قال: فأتينا العسكر فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ناد الوضوء، فقلت: ألا وضوء ألا وضوء
ألا وضوء ؟ قال: قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل
من الانصار يبرد لرسول الله في أشجاب (2) له على حمارة (3) من جريد
قال: فقال لي: انطلق إلى فلان الانصاري فانظر هل ترى في أشجابه من شئ ؟
قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء (4) شجب
منها - لو أني أفرغته لشربه يابسه، فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله
لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغته لشربه يابسة
قال: اذهب فأتني به، فأتيته فأخذه بيده فجعل يتكلم بشئ لا أدري ما هو،
وغمرني بيده ثم أعطانيه فقال: يا جابر ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب،
فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله بيده في الجفنة هكذا.
فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر فصب
علي وقل: بسم الله، فصببت عليه وقلت: بسم الله، فرأيت الماء يفور من
بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى
امتلات فقال: يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء، قال فأتى الناس
فاستقوا حتى رووا، فقلت: هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول الله صلى الله
عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملاى.
قال: وشكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال: عسى
الله أن يطعمكم، فأتينا سيف البحر.
فزجر (5) زجرة فألقى دابة، فأورينا على شقها النار، فطبخنا واشتوينا
وأكلنا وشبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة في
محاجر (6) عينها ما يرانا أحد، حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعها
فقوسناه ثم
دعونا بأعظم رجل (7) في الركب وأعظم حل في الركب وأعظم كفل في الركب
فدخل تحتها ما يطأطئ رأسه.
وقال البخاري: ثنا موسى بن إسمعيل، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا حصين،
عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية
والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ [ منها ] فجهش الناس
نحوه، قال: مالكم ؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين
يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال
العيون،
__________
(1) في مسلم: يرفه عنهما: أي يخفف.
(2) أشجاب: جمع شجب، وهو السقاء الذي قد أخلق وبلي وصار شنا.
يقال: شاجب أي يابس، وهو من الشجب الذي هو الهلاك.
(3) حمارة: أعواد تعلق عليها أسقية الماء.
(4) من مسلم، وفي الاصل: غرلا، وعزلاء: فم القربة.
(5) في مسلم: فزخر البحر زخرة: أي علا موجه.
(6) في مسلم: في حجاج عينها.
(7) من مسلم، وفي الاصل: جمل.
(*)
(6/105)
فشربنا
وتوضأنا، قلت: كم كنتم ؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة
مائة (1).
وهكذا رواه مسلم من حديث حصين وأخرجاه من حديث الاعمش.
زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم بن جابر، وفي رواية الاعمش كنا
أربع عشرة مائة * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى [ بن حماد ] ثنا أبو
عوانة عن الاسود بن قيس عن شقيق العبدي أن جابر بن عبد الله قال: غزونا
أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان
فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في القوم من ماء ؟
فجاءه رجل يسعى باداوة فيها شئ من ماء، قال فصبه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في قدح، قال فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن
الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح تمسحوا وتمسحوا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك،
قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: بسم الله، ثم قال: اسبغوا الوضوء، قال جابر: فو
الذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين
أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رفعها حتى توضأوا أجمعون (2).
وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد * وظاهره كأنه قصة أخرى غير ما تقدم.
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الاكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة أو أكثر من ذلك وعليها خمسون رأسا
لا يرويها فقعد رسول الله على شفا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال:
فجاشت فسقينا واستقينا (3).
وفي صحيح البخاري من حديث الزهري، عن عروة، عن المسور ومروان بن الحكم
في حديث صلح الحديبية الطويل فعدل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضا فلم يلبثه
الناس حتى نزحوه وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع
سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش لهم بالري
حتى صدروا عنه (4) * وقد تقدم الحديث بتمامه في صلح الحديبية، فأغنى عن
إعادته، وروى ابن إسحاق عن بعضهم أن الذي نزل بالسهم ناجية بن جندب
سائق البدن، قال وقيل: البراء بن عازب.
ثم رجح ابن إسحاق الاول.
حديث آخر عن ابن عباس في ذلك قال الامام أحمد: ثنا حسين الاشقر، ثنا
أبو كدينة، عن عطاء عن أبي الضحى، عن ابن عباس: أصبح رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء فأتاه رجل فقال: يا رسول
الله ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شئ ؟ قال: نعم، قال: فأتني،
فأتاه بإناء فيه شئ من ماء
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة في الاسلام فتح الباري 6 / 581.
(2) أخرجه أحمد في مسنده ج 2 / 169، 193، وأخرجه الدارمي في باب ما
أكرم الله النبي صلى الله عليه وآله من تفجير الماء بين أصابعه من
المقدمة 1 / 21.
(3) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في الجهاد - باب غزوة ذي قرد ص
(1433).
(4) تقدم الحديث في الجزء الرابع - ورواه ابن هشام في السيرة 3 / 267
والبيهقي في الدلائل 4 / 112.
(*)
(6/106)
قليل، قال:
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في فم الاناء وفتح أصابعه،
قال فانفجرت من بين أصابعه عيون وأمر بلالا فقال: ناد في الناس الوضوء
المبارك (1).
تفرد به أحمد، ورواه الطبراني من حديث عامر الشعبي عن ابن عباس بنحوه.
حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك قال البخاري: ثنا محمد بن المثنى،
ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة عن
عبد الله قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء،
فجاؤا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الاناء ثم قال: حي على الطهور
المبارك والبركة من الله عز وجل، قال: فلقد رأيت الماء ينبع من بين
أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو
يؤكل (2).
ورواه الترمذي عن بندار عن أبي أحمد وقال: حسن صحيح.
حديث عن عمران بن حصين في ذلك قال البخاري: ثنا أبو الوليد، ثنا سلم بن
زرير (3)، سمعت أبا رجاء قال: حدثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح
عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس، فكان أول من استيقظ من منامه
أو بكر، وكان لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه حتى
يستيقظ، فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى
استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فنزل وصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل من
القوم لم يصل معنا، فلما انصرف قال يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا ؟
قال: أصابتني جنابة، فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى، وجعلني رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه، وقد عطشنا عطشا شديدا، فبينما
نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نحن بامرأة سادلة رجليها
بين مزادتين (4) فقلنا لها: أين الماء ؟ قالت: إنه لا ماء: فقلنا: كم
بين أهلك وبين الماء ؟ قالت: يوم وليلة، فقلنا: انطلقي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قالت: وما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها حتى
استقبلنا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير
أنها حدثته أنها موتمة فأمر بمزاديتها فمسح في العزلاوين (5) فشربنا
عطاشا أربعين
رجلا حتى روينا، وملانا كل قربة معنا وإداوة، غير أنه لم نسق بعيرا وهي
تكاد تفضي من الملء،
__________
(1) رواه أحمد في مسنده 1 / 251 ونقله البيهقي في الدلائل 4 / 128.
(2) أخرجه البخاري في باب علامات النبوة في الاسلام ح 3579 فتح الباري
6 / 587 والترمذي في المناقب عن محمد بن بشار عن أبي أحمد الزبيدي عن
اسرائيل.
(3) من البخاري، وفي الاصل مسلم بن زيد.
(4) مزادتين: المزادة أكبر من القربة، والمزادتان حمل بعير.
(5) العزلاوين: تثنية عزلاء، وهو فم القربة والجمع عزالى.
(*)
(6/107)
ثم قال: هاتوا
ما عندكم، فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها، قالت: أتيت أسحر
الناس أو هو نبي كما زعموا، فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة فأسلمت
وأسلموا (1).
وكذلك رواه مسلم من حديث سلم بن رزين، وأخرجاه من حديث عوف الاعرابي،
كلاهما عن رجاء العطاردي - واسمه عمران بن تيم - عن عمران بن حصين به *
وفي رواية لهما فقال لها: اذهبي بهذا معك لعيالك واعلمي أنا لم نرزأك
من مائك شيئا غير أن الله سقانا * وفيه أنه لما فتح العزلاوين سمى الله
عز وجل.
حديث عن أبي قتادة في ذلك قال الامام أحمد: ثنا يزيد بن هارون، ثنا
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: إنكم إن لا تدركوا الماء
غدا تعطشوا، وانطلق سرعان الناس يريدون الماء، ولزمت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فنعس رسول
الله صلى الله عليه وسلم فدعمته فادعم ثم مال، فدعمته فادعم، ثم مال
حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال: من الرجل ؟ فقلت: أبو
قتادة، قال: منذ كم كان مسيرك ؟ قلت: منذ الليلة، قال: حفظك الله كما
حفظت رسوله، ثم قال: لو عرسنا، فمال إلى شجرة فنزل فقال: انظر هل ترى
أحدا ؟ قلت: هذا راكب، هذان راكبان، حتى بلغ سبعة، فقال:
احفظوا علينا صلاتنا، فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وسرنا هنيهة، ثم نزل فقال: أمعكم
ماء ؟ قال: قلت: نعم معي ميضأة فيها شئ من ماء، قال: ائت بها، قال:
فأتيته بها فقال: مسوا منها مسوا منها، فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال:
ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها نبأ، ثم أذن بلال وصلوا
الركعتين قبل الفجر ثم صلوا الفجر، ثم ركب وركبنا فقال بعضهم لبعض:
فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون ؟ إن
لك أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي، قلنا: يا رسول الله
فرطنا في صلاتنا، فقال لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة،
فإذا كان ذلك فصلوها ومن الغد وقتها، ثم قال: ظنوا بالقوم، قالوا: إنك
قلت بالامس: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فالناس بالماء، قال: فلما
أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم، فقال بعضهم لبعض: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالماء وفي القوم أبو بكر وعمر، فقالا: أيها الناس إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم، وإن يطع
الناس أبا بكر وعمر يرشدوا، قالها ثلاثا، فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا، تقطعت
الاعناق، فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: يا أبا قتادة أئت بالميضأة،
فأتيته بها، فقال: احلل لي غمري - يعني قدحه - فحللته فأتيته به، فجعل
يصب فيه ويسقى الناس فازدحم الناس عليه فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم يا أيها الناس أحسنوا الملا، فكلكم
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة ح 3571 ومسلم في المساجد 1 / 474.
(*)
(6/108)
سيصدر عن ري،
فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب
لي.
فقال: اشرب يا أبا قتادة، قال: قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال إن
ساقي القوم آخرهم، فشربت وشرب بعدي وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها،
وهم يومئذ ثلثمائة، قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا
الحديث في المسجد الجامع فقال: من الرجل ؟ قلت: أنا عبد الله بن رباح
الانصاري، قال: القوم أعلم بحديثهم، انظر كيف تحدث فإني أحد السبعة تلك
الليلة، فلما فرغت قال: ما كنت أحسب أحدا يحفظ هذا الحديث غيري (1) قال
حماد بن
سلمة: وحدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن
رباح، عن أبي قتادة الموصلي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وزاد
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه،
وإذا عرس الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده * وقد رواه مسلم
عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح،
عن أبي قتادة الحرب ربعي الانصاري بطوله وأخرج من حديث حماد بن سلمة
بسنده الاخير أيضا.
حديث آخر عن أنس يشبه هذا روى البيهقي من حديث الحافظ أبي يعلي
الموصلي: ثنا شيبان، ثنا سعيد بن سليمان الضبعي، ثنا أنس بن مالك: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال
لهم: جدوا السير فإن بينكم وبين المشركين ماء.
إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم
ودوابكم، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانية أنا تاسعهم،
وقال لاصحابه: هل لكم أن نعرس قليلا ثم نلحق بالناس ؟ قالوا: نعم يا
رسول الله، فعرسوا فما أيقظهم إلا حر الشمس، فاستيقظ رسول الله صلى
الله عليه وسلم واستيقظ أصحابه، فقال لهم: تقدموا واقضوا حاجاتكم،
ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: هل مع
أحد منكم ماء ؟ قال رجل منهم: يا رسول الله معي ميضأة فيها شئ من ماء،
قال: فجئ بها: فجاء بها، فأخذها نبي الله صلى الله عليه وسلم فمسحها
بكفيه ودعا بالبركة فيها، وقال لاصحابه: تعالوا فتوضأوا، فجاؤا وجعل
يصب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأوا كلهم، فأذن رجل
منهم وأقام، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وقال لصاحب الميضأة
ازدهر بميضأتك، فسيكون لها شأن، وركب رسول الله قبل الناس وقال
لاصحابه: ما ترون الناس فعلوا ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال لهم: فيهم أبو بكر وعمرو سيرشد الناس، فقدم الناس وقد سبق
المشركون إلى ذلك الماء فشق ذلك على الناس وعطشوا عطشا شديدا ركابهم
ودوابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين صاحب الميضأة ؟
قالوا: هو هذا يا رسول الله، قال جئني بميضأتك، فجاء بها وفيها شئ من
ماء، فقال لهم: تعالوا فاشربوا، فجعل يصب لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى شرب الناس كلهم وسقوا دوابهم وركابهم وملاوا ما كان
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 1 / 472 والامام أحمد في مسنده ج 5 / 298.
(*)
(6/109)
معهم من إداوة
وقربة ومزادة، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى
المشركين، فبعث الله ريحا فضرب وجوه المشركين وأنزل الله نصره وأمكن من
ديارهم فقتلوا مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى كثيرة، واستاقوا غنائم كثيرة،
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وافرين صالحين (1).
وقد تقدم قريبا عن جابر ما يشبه هذا وهو في صحيح مسلم.
وقدمنا في غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبي الزبير، عن أبي
الطفيل، عن معاذ بن جبل.
فذكر حديث جمع الصلاة في غزوة تبوك إلى أن قال: وقال - يعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم -: إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن
تأتوها حتى يضحى ضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي،
قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشئ، فسألها
رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا ؟ قالا: نعم،
فسبهما وقال لهما: ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا
حتى اجتمع في شئ، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ثم
أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ
جنانا.
وذكرنا في باب الوفود من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن
الحارث الصدائي في قصة وفادته فذكر حديثا طويلا فيه، ثم قلنا: يا رسول
الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان
الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا، وكل من حولنا عدو،
فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق، فدعا بسبع
حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم
البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله عز وجل، قال الصدائي: ففعلنا ما
قال لنا، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني البئر - وأصل
هذا الحديث في المسند وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وأما الحديث
بطوله ففي دلائل (2) النبوة للبيهقي رحمه الله * وقال البيهقي (3): باب
ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم أخبرنا
أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، ثنا أبو حامد بن الشرقي، أنا أحمد بن
حفص بن عبد الله، نا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن يحيى بن سعيد،
أنه حدثه أن أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك، قال: فدللته
عليها، فقال: لقد كانت هذه،
__________
(1) الحديث في دلائل النبوة للبيهقي 6 / 134 - 135.
(2) دلائل النبوة للبيهقي 4 / 124 - 127.
وأخرجه الترمذي في الصلاة ح (199).
وأبو داود في الصلاة حديث (514).
وابن ماجة في الاذان ح (717).
والامام أحمد في المسند 4 / 169 ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1 /
381، 1 / 399.
(3) دلائل النبوة ج 6 / 136.
(*)
(6/110)
وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمر بذنوب فسقي، فإما أن يكون توضأ منه، وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر
به فأعيد في البئر، قال: فما نزحت بعد، قال: فرأيته بال ثم جاء فتوضأ،
ومسح على جنبه ثم صلى.
وقال أبو بكر البزار: ثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا محمد بن عبد
الله بن مثنى عن أبيه عن ثمامة عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فنزلناه فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى النزور في
الجاهلية فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد.
ثم قال لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه. |