البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ذكر ضيافة أبي طلحة الانصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لام سليم: لقد
سمعت صوت رسول الله
ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شئ ؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من
شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ولا ثتني
ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت به
فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم،
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة ؟ فقلت: نعم:
قال: بطعام ؟ قلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه:
قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو
طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس
عندنا ما نطعمهم، فقلت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
طلحة معه، فقال رسول الله: هلم يا أم سليم، ما عندك ؟ فأتت بذلك الخبز،
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته،
ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن
لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا
حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم
خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا
(1).
وقد رواه البخاري في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن مالك.
طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو يعلى: ثنا هدبة بن خالد،
ثنا مبارك بن فضالة، ثنا بكير وثابت البناني عن أنس أن أبا طلحة رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم طاويا فجاء إلى أم سليم فقال: إني رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم طاويا فهل عندك من شئ ؟ قالت: ما عندنا
إلا نحو من دقيق شعير قال، فاعجينه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلى
الله عليه وسلم فيأكل عندنا، قال، فعجنته وخبزته فجاء قرصا فقال، يا
أنس ادع رسول الله، فأتيت رسول الله ومعه أناس، قال مبارك أحسبه قال:
بضعة وثمانون قال: فقلت: يا رسول الله أبو طلحة يدعوك، فقال لاصحابه:
أجيبوا أبا طلحة، فجئت جزعا حتى أخبرته أنه قد جاء
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب ج 3578 فتح الباري 6 / 586، وفي الصلاة
مختصرا باب 43.
وفي الايمان والنذور حديث 6688.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى في الاشربة.
ص 1612.
والترمذي في المناقب
(5 / 595) والبيهقي في الدلائل 6 / 89.
- أبو طلحة: هو زيد بن سهل الانصاري زوج أم سليم والدة أنس - لاثتني
ببعضه: أي لفتني به، يقال لاث العمامة على راسه أي عصبها - هلم: لغة
حجازية، وهي عندهم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع (*)
(6/115)
بأصحابه قال
بكر: فعدى قدمه وقال ثابت قال أبو طلحة: رسول الله أعلم بما في بيتي
مني، وقالا جميعا عن أنس فاستقبله أبو طلحة فقال: يا رسول الله ما
عندنا شئ إلا قرص، رأيتك طاويا فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصا، قال: فدعا
بالقرص ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال: هل من سمن ؟ قال أبو طلحة قد كان
في العكة شئ، قال: فجاء بها، قال: فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها
حتى خرج شئ مسح رسول الله به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال: بسم
الله.
فانتفخ القرص فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة
يميع، فقال: ادع عشرة من أصحابي، فدعوت له عشرة، قال: فوضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده وسط القرص وقال: كلوا بسم الله، فأكلوا من
حوالي القرص حتى شبعوا، ثم قال، ادع لي عشرة أخرى، فدعوت له عشرة أخرى،
فقال: كلوا بسم الله، فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، فلم يزل يدعو
عشرة عشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي
القرص حتى شبعوا وإن وسط القرص حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يده كم هو * وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه فالله
أعلم.
طريق أخرى عن أنس بن مالك قال الامام أحمد: ثنا عبد الله بن نمير، ثنا
سعد - يعني ابن سعيد بن قيس - أخبرني أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لادعوه وقد جعل له طعاما، فأقبلت
ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس، قال: فنظر إلي فاستحييت فقلت:
أجب أبا طلحة، فقال للناس: قوموا، فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما
صنعت شيئا لك قال: فمسها رسول الله ودعا فيها بالبركة، ثم
قال: أدخل نفرا من أصحابي عشرة، فقال: كلوا فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا،
وقال: أدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم
يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا
منها (1).
وقد رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير
كلاهما عن عبد الله بن نمير وعن سعيد بن يحيى الاموي عن أبيه كلاهما عن
سعد بن سعيد بن قيس الانصاري.
طريق أخرى رواه مسلم في الاطعمة عن عبد بن حميد، عن خالد بن مخلد، عن
محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فذكر نحو ما
تقدم.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن محمد بن عباد المكي [ عن حاتم ] عن
معاوية بن أبي مردد عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن
أبي طلحة فذكره.
والله أعلم.
__________
(1) الحديث في مسلم - كتاب الاشربة حديث 143 ص (3 / 1613)، والامام
أحمد في مسنده 3 / 147، 218.
(*)
(6/116)
طريق أخرى عن
أنس قال الامام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن أنس بن مالك قال: أتى أبو طلحة بمدين من شعير
فأمر به فصنع به طعاما ثم قال لي: يا أنس انطلق أئت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فادعه وقد تعلم ما عندنا، قال: فأتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأصحابه عنده فقلت: إن أبا طلحة يدعوك إلى طعامه، فقام وقال
للناس: قوموا فقاموا، فجئت أمشي بين يديه حتى دخلت على أبي طلحة
فأخبرته، قال: فضحتنا، قلت: إني لم أستطع أن أرد على رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمره، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لهم: اقعدوا، ودخل عاشر عشرة فلما دخل أتى بالطعام تناول فأكل وأكل معه
القوم حتى شبعوا، ثم قال لهم: قوموا، وليدخل عشرة مكانكم، حتى دخل
القوم كلهم وأكلوا، قال: قلت: كم كانوا ؟ قال: كانوا نيفا وثمانين،
قال: وفضل لاهل البيت ما أشبعهم (1) * وقد رواه مسلم في الاطعمة عن
عمرو الناقد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو عن عبد
الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس قال: أمر أبو طلحة أم
سليم قال: اصنعي للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة طعاما يأكل منه،
فذكر نحو ما تقدم.
طريق أخرى عن أنس قال أبو يعلي: ثنا شجاع بن مخلد، ثنا وهب بن جرير،
ثنا أبي، سمعت جرير بن يزيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن
أنس بن مالك قال: رأى أبو طلحة رسول الله في المسجد مضطجعا يتقلب ظهرا
لبطن، فأتى أم سليم فقال: رأيت رسول الله مضطجعا في المسجد يتقلب ظهرا
لبطن، فخبزت أم سليم قرصا، ثم قال لي أبو طلحة: اذهب فادع رسول الله،
فأتيته وعنده أصحابه فقلت: يا رسول الله يدعوك أبو طلحة، فقام وقال:
قوموا، قال: فجئت أسعى إلى أبي طلحة فأخبرته أن رسول الله قد كان تبعه
أصحابه، فتلقاه أبو طلحة، فقال: يا رسول الله إنما هو قرص، فقال: إن
الله سيبارك فيه، فدخل رسول الله وجئ بالقرص في قصعة، فقال: هل من سمن
؟ فجئ بشئ من سمن فغور القرص بأصبعه هكذا، ورفعها، ثم صب وقال: كلوا من
بين أصابعي، فأكل القوم حتى شبعوا، ثم قال: أدخل علي عشرة، فأكلوا حتى
شبعوا، حتى أكل القوم فشبعوا وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو
طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا * ورواه
مسلم في الاطعمة من صحيحه عن حسن الحلواني وعن وهب بن جرير بن حازم عن
عمه جرير بن يزيد، عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك
فذكر نحو ما تقدم (2).
__________
(1) مسند الامام أحمد 3 / 218.
ومسلم في الاشربة (20) باب ص 1613.
(2) رواه مسلم في صحيحه - في الاشربة ص 1614.
(*)
(6/117)
طريق أخرى عن
أنس
قال الامام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام
عن محمد - يعني ابن سيرين - عن أنس قال حماد: والجعد قد ذكره، قال:
عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته ثم عمدت إلى عكة كان فيها شئ من
سمن فاتخذت منه خطيفة قال: ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فأتيته وهو في أصحابه فقلت: إن أم سليم أرسلتني إليك تدعوك،
فقال: أنا ومن معي، قال: فجاء هو ومن معه، قال: فدخلت فقلت لابي طلحة:
قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، فخرج أبو طلحة فمشى إلى
جنب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله إنما هي خطيفة
اتخذتها أم سليم من نصف مد شعير، قال: فدخل فأتى به، قال: فوضع يده
فيها.
ثم قال: أدخل عشرة، قال فدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم دخل عشرة
فأكلوا ثم عشرة فأكلوا حتى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا، قال:
وبقيت كما هي، قال: فأكلنا (1).
وقد رواه البخاري في الاطعمة عن الصلت بن محمد، عن حماد بن زيد، عن
الجعد أبي عثمان عن أنس.
وعن هشام بن محمد عن أنس وعن سنان بن ربيعة عن أبي ربيعة عن أنس: أن أم
سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة وعمدت إلى عكة فيها شئ
من سمن فعصرته ثم بعثتني إلى رسول الله وهو في أصحابه، الحديث بطوله *
ورواه أبو يعلى الموصلي: ثنا عمرو عن الضحاك، ثنا أبي، سمعت أشعث
الحراني قال: قال محمد بن سيرين: حدثني أنس بن مالك أن أبا طلحة بلغه
أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام، فذهب فأجر نفسه بصاع
من شعير فعمل يومه ذلك فجاء به وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة.
وذكر الحديث.
طريق آخر عن أنس قال الامام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حرب بن ميمون
عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: اذهب إلى نبي الله
صلى الله عليه وسلم فقل: إن رأيت أن تغدي عندنا فافعل، جئته فبلغته،
فقال: ومن عندي ؟ قلت: نعم، قال: انهضوا، قال: فجئته فدخلت على أم سليم
وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقالت أم
سليم: ما صنعت يا أنس ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر ذلك
فقال: هل عندك سمن ؟ قالت: نعم، قد كان منه عندي
عكة فيها شئ من سمن، قال: فأت بها قالت: فجئت بها ففتح رباطها ثم قال:
بسم الله اللهم أعظم فيها البركة، قال: فقال اقلبيها، فقلبتها فعصرها
نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يسمي، فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع
وثمانون رجلا، وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال: كلي وأطعمي جيرانك
(2).
وقد رواه مسلم في الاطعمة عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد المؤدب
به.
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 2 / 297.
ونقله البيهقي في الدلائل ج 6 / 91 - 92.
(2) مسند الامام أحمد ج 3 / 342 ومسلم في الاشربة ج 3 / 1614 والبيهقي
في الدلائل 6 / 91.
(*)
(6/118)
طريق اخرى قال
أبو القاسم البغوي: ثنا علي بن المديني، ثنا عبد العزيز بن محمد
الدراوردي، عن عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه، عن أنس بن
مالك: أن أمه أم سليم صنعت خزيرا فقال أبو طلحة: اذهب يا بني فادع رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجئته وهو بين ظهراني الناس، فقلت: إن
أبي يدعوك، قال: فقام وقال للناس: انطلقوا، قال: فلما رأيته قام بالناس
تقدمت بين أيديهم فجئت أبا طلحة فقلت: يا أبت قد جاءك رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالناس، قال: فقام أبو طلحة على الباب وقال: يا رسول
الله إنما كان شيئا يسيرا، فقال: هلمه، فإن الله سيجعل فيه البركة،
فجاء به فجعل رسول الله يده فيه، ودعا الله بما شاء أن يدعو، ثم قال:
أدخل عشرة عشرة، فجاء منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا.
ورواه مسلم في الاطعمة عن عبد بن حميد، عن القعنبي، عن الدراوردي، عن
يحيى بن عمارة بن أبي حسن الانصاري المازني [ عن أبيه ] عن أنس بن مالك
بنحو ما تقدم.
طريق اخرى ورواه مسلم في الاطعمة أيضا: عن حرملة، عن ابن وهب، عن أسامة
بن زيد الليثي، عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس كنحو ما تقدم
(1) * قال البيهقي: وفي بعض حديث هؤلاء: ثم أكل رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم، فهذه طرق
متواترة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه شاهد ذلك على ما فيه من
اختلاف عنه في بعض حروفه، ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى،
ولله الحمد والمنة، فقد رواه عن أنس بن مالك إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة وبكر بن عبد الله المزني وثابت بن أسلم البناني [ والجعد بن عثمان
] وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الانصاري، وسنان بن ربيعة وعبد الله
بن عبد الله بن أبي طلحة وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن عبد الله بن
أبي طلحة ومحمد بن سيرين والنضر بن أنس، ويحيى بن عمارة بن أبي حسن،
ويعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة * وقد تقدم غزوة الخندق حديث جابر في
إضافته صلى الله عليه وسلم على صاع من شعير وعناق، فعزم عليه السلام
على أهل الخندق بكمالهم، فكانوا ألفا أو قريبا من ألف، فأكلوا كلهم من
تلك العناق وذلك الصاع حتى شبعوا وتركوه كما كان، وقد أسلفناه بسنده
ومتنه وطرقه ولله الحمد والمنة.
ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن محمد بن المنذر
الهروي - المعروف بشكر - في كتاب " العجائب الغريبة "، في هذا الحديث
فإنه أسنده وساقه بطوله وذكر في آخره شيئا غريبا فقال: ثنا محمد بن علي
بن طرخان، ثنا محمد بن مسرور، أنا هاشم بن هاشم ويكنى بأبي برزة بمكة
في المسجد الحرام، ثنا
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه ج 3 / 1614.
(*)
(6/119)
أبو كعب البداح
بن سهل الانصاري من أهل المدينة من الناقلة الذين نقلهم هارون إلى
بغداد، سمعت منه بالمصيصة (1) عن أبيه سهل بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد
الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد الله إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فعرف في وجهه الجوع فذكر أنه رجع إلى منزله
فذبح داجنا كانت عندهم وطبخها وثرد تحتها في جفنة وحملها إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمره أن يدعو له الانصار فأدخلهم عليه أرسالا
فأكلوا كلهم وبقي مثل ما كان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظما، ثم إنه جمع العظام في وسط الجفنة
فوضع عليها يده ثم تكلم بكلام لا أسمعه إلا أني أرى شفتيه تتحرك، فإذا
الشاة قد قامت تنفض أذنيها فقال: خذ شاتك يا جابر بارك الله لك فيها،
قال: فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت بها البيت،
فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر ؟ فقلت: هذه والله شاتنا التي ذبحناها
لرسول الله، دعا الله فأحياها لنا، فقالت: أنا شهد أنه رسول الله، أشهد
أنه رسول الله، أشهد أنه رسول الله.
حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدم قال أبو يعلى الموصلي والباغندي: ثنا
شيبان، ثنا محمد بن عيسى بصري - وهو صاحب الطعام - ثنا ثابت البناني
قلت لانس بن مالك: يا أنس أخبرني بأعجب شئ رأيته، قال: نعم يا ثابت
خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يعب علي شيئا أسأت
فيه، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش قالت لي
أمي: يا أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح عروسا ولا أدري أصبح
له غداء فهلم تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيسا فقالت: يا
أنس اذهب بهذا إلى نبي الله وامرأته، فلما أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال: دعه ناحية البيت وادع لي
أبا بكر وعمر وعليا وعثمان ونفرا من أصحابه، ثم ادع لي أهل المسجد ومن
رأيت في الطريق، قال: فجعلت أتعجب من قلة الطعام ومن كثرة ما يأمرني أن
أدعو الناس وكرهت أن أعصيه حتى امتلا البيت والحجرة، فقال: يا أنس هل
ترى من أحد ؟ فقلت: لا يا رسول الله، قال: هات ذلك التور، فجئت بذلك
التور فوضعته قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور فجعل التمر يربو فجعلوا
يتغذون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون وبقي في التور نحو ما جئت به،
فقال: ضعه قدام زينب، فخرجت وأسقفت عليهم بابا من جريد، قال ثابت:
قلنا: يا أبا حمزة كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور ؟ فقال: أحسب
واحدا وسبعين أو اثنين وسبعين.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه.
__________
(1) المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين انطاكية وبلاد
الروم تقارب طرموس (معجم البلدان).
(*)
(6/120)
حديث آخر عن
أبي هريرة في ذلك قال جعفر بن محمد الفريابي: ثنا عثمان بن أبي شيبة،
ثنا حاتم بن إسماعيل، عن أنيس بن
أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريره قال: خرج علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: أدع لي أصحابك من أصحاب الصفة، فجعلت أنبههم رجلا
رجلا فجمعتهم فجئنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنا فأذن
لنا، قال أبو هريرة: فوضعت بين أيدينا صحفة أظن أن فيها قدر مد من
شعير، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها يده وقال: كلوا
بسم الله، قال: فأكلنا ما شئنا ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين وضعت الصحفة: والذي نفسي بيده ما أمسى في آل محمد
طعام ليس ترونه، قيل لابي هريرة: قدر كم كانت حين فرغتم منها ؟ قال:
مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الاصابع.
وهذه قصة غير قصة أهل الصفة المتقدمة في شربهم اللبن كما قدمنا.
حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك قال جعفر الفريابي: ثنا أبو سلمة يحيى بن
خلف، ثنا عبد الاعلى، عن سعيد الجريري، عن أبي الورد عن أبي محمد
الحضرمي عن أبي أيوب الانصاري قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولابي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الانصار، قال: فشق ذلك علي،
ما عندي شئ أزيده.
قال: فكأني تثاقلت (1)، فقال: اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الانصار،
فدعوتهم فجاؤا فقال: اطعموا، فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله
ثم بايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الانصار،
قال أبو أيوب: فو الله لانا بالستين أجود مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تربعوا فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا
أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: فاذهب فادع لي تسعين من
الانصار، قال: فلانا أجود بالتسعين والستين مني بالثلاثين، قال:
فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن
يخرجوا، قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الانصار
(2).
وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا.
وقد رواه البيهقي من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي عن عبد الاعلى به.
قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة قال الحافظ أبو يعلى: ثنا سهل
بن الحنظلية، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة،
عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام
أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه،
__________
(1) في رواية البيهقي: تغافلت.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 94.
(*)
(6/121)
فطاف في منازل
أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال: يا بنية هل عندك
شئ آكله فإني جائع ؟ فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلما خرج من عندنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم
فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: والله لاوثرن بهذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين
إلى شبعة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرجع إليها، فقالت له: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشئ فخبأته لك، قال:
هلمي يا بنية، فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت
إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه صلى
الله عليه وسلم وقدمته إلى رسول الله، فلما رآه حمد الله وقال: من أين
لك هذا يا بنية ؟ قالت: يا أبت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء
بغير حساب، فحمد الله وقال: الحمد لله الذي جعلك يا بينة شبيهة سيدة
نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا فسئلت عنه قالت: هو
من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة
وحسن وحسين، وجميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا
حتى شبعوا، قالت: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت بقيتها على جميع
جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا * وهذا حديث غريب أيضا
إسنادا ومتنا * وقد قدمنا في أول البعثة حين نزل قوله تعالى: * (وأنذر
عشيرتك الاقربين) * حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام
بني هاشم - وكانوا نحوا من أربعين - فقدم إليهم طعاما من مد فأكلوا حتى
شبعوا وتركوه كما هو، وسقاهم من عس شرابا حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة
أيام متتابعة، ثم دعاهم إلى الله.
كما تقدم.
قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الامام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا سليمان التيمي، عن أبي العلاء
بن الشخير عن سمرة بن جندب قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه
وسلم إذ أتى بقصعة فيها ثريد، قال: فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتدا
ولونها إلى قريب من الظهر، يأكل قوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعا قبونه،
قال: فقال له رجل: هل كانت تمد بطعام ؟ قال: أما من الارض فلا، إلا أن
تكون كانت تمد من السماء (1).
ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون، عن سليمان عن أبي العلاء، عن سمرة: أن
رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد فتعاقبوها إلى الظهر من غدوة، يقوم ناس
ويقعد آخرون، قال له رجل: هل كانت تمد ؟ فقال له: فمن أين تعجب ما كانت
تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السماء (2).
وقد رواه الترمذي والنسائي أيضا من حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه عن
أبي العلاء واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير عن سمرة بن جندب به.
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده ج 5 / 12.
(2) مسند أحمد ج 5 / 18.
(*)
(6/122)
قصة قصعة بين
الصديق ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة والله أعلم قال البخاري:
ثنا موسى بن إسمعيل، ثنا معتمر عن أبيه، ثنا أبو عثمان أنه حدثه عبد
الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء،
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب
بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال: وإن
أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأبو بكر
بثلاثة قال: فهو أنا وأبي وأمي: ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي من
بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم
لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: ما حبسك عن
أضيافك أو ضيفك ؟ قال: أو ما عشيتيهم ؟ قالت: أبوا حتى تجئ قد عرضوا
عليهم فغلبوهم.
فذهبت فاختبأت فقال: يا غنثر - فجدع
وسب - وقال: كلوا.
وقال: لا أطعمه أبدا، والله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها
أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل: فنظر أبو بكر فإذا هي شئ
أو أكثر.
فقال لامرأته - يا أخت بني فراس ؟ قالت: لا وقرة عيني، هي الآن أكثر
مما قبل بثلاث مرار: فأكل منها أبو بكر وقال، إنما كان الشيطان - يعني
يمينه - ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأصبحت عنده.
وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الاجل فعرفنا اثنى عشر رجلا مع كل رجل
منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم، قال: فأكلوا منها
أجمعون أو كما قال وغيرهم يقول: فتفرقنا (1).
هذا لفظه وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن أبي
عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر.
حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبي بكر في هذا المعنى قال الامام أحمد: ثنا
حازم، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي
بكر أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام ؟ فإذا مع رجل صاع من
طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرق مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: أبيعا أم عطية ؟ أو قال: أم هدية ؟ قال: لا، بل
بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن
أن يشوى، قال: وأيم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حز له رسول
الله صلى الله عليه وسلم حزة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه إياه،
وإن كان غائبا خبأ له، قال: وجعل منها قصعتين، قال فأكلنا منهما أجمعون
وشبعنا وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير، أو
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب - باب علامات النبوة في الاسلام حديث
3581، وأخرجه مسلم في الاشربة حديث 176 ص 1627.
(*)
(6/123)
كما قال (1) *
وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث معتمر بن سليمان.
حديث آخر في تكثير الطعام في السفر قال الامام أحمد: حدثنا فزارة بن
عمرو، أنا فليح، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها فأرمل
فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطعام، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم في نحر الابل فأذن لهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
فجاء فقال: يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها ؟ ادع يا
رسول الله بغبرات الزاد فادع الله عز وجل فيها بالبركة، قال: أجل، فدعا
بغبرات الزاد فجاء الناس بما بقي معهم، فجمعه ثم دعا الله عز وجل فيه
بالبركة ودعاهم بأوعيتهم فملاها وفضل فضل كثير، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني عبد الله
ورسوله، ومن لقي الله عز وجل بهما غير شاك دخل الجنة (2).
وكذلك رواه جعفر الفريابي عن أبي مصعب الزهري عن عبد العزيز بن أبي
حازم عن أبيه سهيل به.
ورواه مسلم والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبيه عن عبيد
الله الاشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح، عن أبي
هريرة به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا زهير، ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن
أبي صالح سعيد، أو عن أبي هريرة - شك الاعمش - قال: لما كانت غزوة تبوك
أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا
فأكلنا وادهنا ؟ فقال: افعلوا فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلوا قل
الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم عليها بالبركة لعل الله أن
يجعل في ذلك البركة، فأمر رسول الله بنطع فبسط ودعا أزوادهم، قال: فجعل
الرجل يجئ بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شئ من ذلك
يسير، فدعا عليهم بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم، فأخذوا في أوعيتهم
حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملاه، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول
الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنة (3).
وهكذا رواه مسلم أيضا عن سهل بن عثمان وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية
عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة فذكر مثله.
حديث آخر في هذه القصة قال الامام أحمد: ثنا علي بن إسحاق، ثنا عبد
الله - هو ابن المبارك - أنا الاوزاعي، أنا
__________
(1) أخرجه البخاري في الهبة فتح الباري 5 / 230 ومسلم في الاشربة ص
1626 عن عبيد الله بن معاذ.
والامام أحمد في المسند 1 / 197 - 198.
(2) أخرجه أحمد في المسند 2 / 421 ومسلم في الاعيان ص 1 / 55 - 56.
(3) الحديث في صحيح مسلم في الايمان حديث 45 ص 1 / 56.
(*)
(6/124)
المطلب (1) بن
حنطب المخزومي، حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الانصاري، حدثني أبي قال:
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصاب الناس مخمصة
فأستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم وقالوا:
يبلغنا الله به، فلما رأى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد هم أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم، قال: يا رسول الله كيف بنا
إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا ؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن
تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها ثم تدعو الله فيها بالبركة، فإن الله
سيبلغنا بدعوتك، أو سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النبي صلى الله عليه
وسلم ببقايا أزوادهم فجعل الناس يجيئون بالحبة (2) من الطعام وفوق ذلك،
فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو ثم دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن
يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملاوه، وبقي مثله، فضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النار
يوم القيامة (3).
وقد رواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك بإسناده نحو ما تقدم.
حديث آخر في هذه القصة قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا أحمد بن المعلى
الادمي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدثني أبو بكر (4) -
أظنه من ولد عمر بن الخطاب - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن (5) أبي
ربيعة أنه سمع أبا خنيس الغفاري أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة تهامة حتى إذا كنا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا: يا رسول
الله جهدنا الجوع، فأذن لنا في الظهر أن نأكله، قال: نعم، فأخبر بذلك
عمر بن الخطاب فجاء رسول الله فقال: يا نبي الله ما صنعت ؟ أمرت الناس
أن
ينحروا الظهر، فعلى ما يركبون ؟ قال: فما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال: أرى
أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب، ثم تدعو لهم، فأمرهم
فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب ثم دعا لهم ثم قال: أئتوا بأوعيتكم، فملا كل
إنسان وعاءه، ثم أذن بالرحيل، فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا
من ماء السماء، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع رسول الله وذهب الآخر
معرضا، فقال رسول الله: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما واحد فاستحى
من الله فاستحى الله منه، وأما الآخر فأقبل تائبا فتاب الله عليه وأما
الآخر فأعرض فأعرض الله عنه.
ثم قال البزار:
__________
(1) في رواية البيهقي: المطلب بن عبد الله بن حنطب.
(2) في المسند: بالحثية.
(3) مسند الامام أحمد ج 3 / 418.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عن أبي عمرة، وفي اليوم والليلة عن
المطلب قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الانصاري قال: حدثني
أبي...كذا في تحفة الاشراف 9 / 236.
(4) أبو بكر وهو بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(5) في رواية البيهقي: بن عبد الله بن أبي ربيعة.
(*)
(6/125)
لا نعلم روى
أبو خنيس إلا هذا الحديث بهذا الاسناد (1) * وقد رواه البيهقي عن
الحسين بن بشران عن أبي بكر الشافعي: ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي، أنا
أبو رحاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدثني أبو بكر بن عمرو بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
أبي ربيعة أنه سمع أبا خنيس الغفاري فذكره.
حديث آخر عن عمر بن الخطاب في هذه القصة قال الحافظ أبو يعلى: ثنا ابن
هشام - محمد بن يزيد الرفاعي -، ثنا ابن فضل، ثنا يزيد.
وهو ابن أبي زياد - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن أبيه عن جده عمر
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقلنا: يا رسول الله
إن العدو قد حضر وهم شباع والناس جياع، فقالت
الانصار: ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس ؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: من كان معه فضل طعام فليجئ به، فجعل الرجل يجئ بالمد والصاع
وأقل وأكثر، فكان جميع ما في الجيش بضعا وعشرين صاعا، فجلس النبي صلى
الله عليه وسلم إلى جنبه فدعا بالبركة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
خذوا ولا تنتهبوا، فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غرارته، وأخذوا في
أوعيتهم حتى أن الرجل ليربط كم قميصه فيملؤه، ففرغوا والطعام كما هو،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول
الله، لا يأتي بها عبد محق وقاه الله حر النار.
ووراه أبو يعلى أيضا عن إسحاق بن إسمعيل الطالقاني عن جرير عن يزيد بن
أبي زياد فذكره.
وما قبله شاهد له بالصحة كما أنه متابع لما قبله.
والله أعلم.
حديث آخر عن سلمة بن الاكوع في ذلك قال الحافظ أبو يعلى: ثنا محمد بن
بشار، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي القاري، ثنا عكرمة بن عمار، عن إياس
بن سلمة عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا - يعني من التمر - فبسط نطعا نشرنا
عليه أزوادنا قال: فتمطيت فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة ونحن أربع
عشرة مائة قال: فأكلنا ثم تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة، وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: هل من وضوء ؟ قال: فجاء رجل بنقطة في إداوته،
قال: فقبضها فجعلها في قدح، قال: فتوضأنا كلنا ندغفقها دغفقة ونحن أربع
عشرة مائة قال فجاء أناس فقالوا: يا رسول الله ألا وضوء ؟ فقال: قد فرغ
الوضوء.
وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف السلمي، عن النضر بن محمد، عن عكرمة بن
عمار، عن إياس، عن أبيه سلمة، وقال: فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا.
وتقدم ما ذكره ابن إسحاق في حفر الخندق حيث قال: حدثني سعيد بن ميناء
أنه قد حدث أن ابنة لبشير بن سعد - أخت النعمان بن بشير - قالت: دعتني
أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: أي بنية،
اذهبي إلى أبيك وخالك
__________
(1) الجزء الاخير من الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم فتح الباري 1
/ 156.
ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 122.
(*)
(6/126)
عبد الله
بغدائهما قالت: فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه
وسلم وأنا التمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك ؟ قالت:
قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد
الله بن رواحة يتغديانه فقال: هاتيه، قالت: فصببته في كفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم فما ملاتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر
فنبذ فوق الثوب، ثم قال لانسان عنده: اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى
الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر
أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر قال البخاري في دلائل
النبوة: حدثنا أبو نعيم، ثنا زكريا، حدثني عامر، حدثني جابر أن أباه
توفي وعليه دين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت، إن أبي ترك عليه
دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه،
فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر،
فدعا ثم آخر، ثم جلس عليه فقال: أنزعوا فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما
أعطاهم (1).
هكذا رواه هنا مختصرا.
وقد أسنده من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي عن جابر.
وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه
ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه له ومشيه في حائطه وجلوسه
على تمره وفي الله دين أبيه، وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجو
وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التمر أكثر فوق ما
كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة.
قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم القطعة من الذهب لوفاء دينه في
مكاتبته.
قال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن
أبي حبيب - [ عن ] (2) رجل من عبد القيس، عن سلمان قال: لما قلت: وأين
تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقلبها على لسانه ثم قال: خذها فأوفهم منها، فأخذتها فأوفيتهم
منها حقهم أربعين أوقية (3).
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة - المناقب فتح الباري ح 3580.
ورواه في الجهاد، وفي المغازي والنكاح والاشربة.
وأخرجه في البيوع عن عبدان، عن جرير، وفي الاستقراض عن أبي عوانة عن
مغيرة.
وفي المغازي عن عبيد الله بن موسى.
وأخرج ابن سعد في الطبقات ج 3 / 563 عن جابر بنحوه.
وأبو نعيم في الدلائل ص 156 عنه أطول منه.
(2) من المسند 5 / 444.
(3) الخبر رواه أحمد في مسنده 5 / 444 وابن هشام في السيرة 1 / 241.
(*)
(6/127)
|