البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ذكر مزود أبي هريرة وتمره
قال الامام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن المهاجر،
عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوما بتمرات فقال: [ قلت ] (1) ادع الله لي فيهن بالبركة قال: فصفهن
بين يديه ثم دعا فقال لي: اجعلهن في مزود وأدخل يدك ولا تنثره قال:
فحملت منه كذا كذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي.
فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط (2) * ورواه الترمذي
عن عمران بن موسى القزاز البصري.
عن حماد بن زيد، عن المهاجر عن أبي مخلد، عن رفيع أبي العالية عنه.
وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.
طريق أخرى عنه قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الفتح هلال بن
محمد بن جعفر الحفار، أنا الحسين بن يحيى بن عباس القطان، ثنا حفص بن
عمرو (3)، ثنا سهل بن زياد، ثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن
أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز
من الطعام فقال: يا أبا هريرة عندك شئ ؟ قال: قلت شئ من تمر في مزود
لي، قال: جئ به، قال: فجئت بالمزود، قال: هات نطعا، فجئت بالنطع
فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر، فإذا هو واحد وعشرون، [ ثم قال: بسم
الله ] (4) فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى
أتى على التمر، فقال به هكذا فجمعه، فقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا
حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا
وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع
فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا (5)، وفضل، ثم قال لي: اقعد، فقعدت
فأكل وأكلت، قال: وفضل تمر فأدخلته في المزود وقال لي: يا أبا هريرة
إذا أردت شيئا فأدخل يدك وخذه ولا تكفى فيكفى عليك، قال: فما كنت أريد
تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله، قال: وكان
معلقا خلف رحلي فوقع في زمن عثمان فذهب.
__________
(1) من رواية البيهقي 6 / 109.
(2) رواه الترمذي في مناقب أبي هريرة 5 / 585.
والامام أحمد في مسنده ج 2 / 352 - وأبو نعيم في الدلائل ص 155 -
المزود: هو الوعاء من جلد وغيره يجعل فيه الزاد.
وحقوي أي وسطي، والمراد موضع شد الازار.
(3) من الدلائل 6 / 110.
(4) من الدلائل سقطت من الاصل.
(5) في الدلائل العبارة: ثم دعا...كررت فقط ثلاث مرات.
(*)
(6/128)
طريق أخرى عن
أبي هريرة في ذلك روى البيهقي من طريقين: عن سهل بن أسلم العدوي، عن
يزيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصيبات في
الاسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه،
وقتل عثمان، والمزود، قالوا: وما المزود يا أبي هريرة ؟ قال: كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: يا أبا هريرة أمعك شئ ؟
قال: قلت تمر في مزود، قال: جئ به، فأخرجت تمرا فأتيته به، قال: فمسه
ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم كذلك حتى
أكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود، فقال أبا هريرة إذا أردت أن
تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفه قال: فأكلت منه حياة النبي صلى
الله عليه وسلم، وأكلت منه حياة أبي
بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلما
قتل عثمان انتهب ما في يدي (1) وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه
؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق.
طريق أخرى قال الامام أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا إسمعيل - يعني ابن مسلم
- عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه
وسلم شيئا من تمر، فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت فلم نزل نأكل
منه حتى كان آخره إصابة أهل الشام حيث أغاروا بالمدينة.
تفرد به أحمد.
حديث عن العرباض بن سارية في ذلك رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من
طريق محمد بن عمر الواقدي حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن سعد عن
العرباض قال: كنت ألزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر
والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد تعشى ومن عنده، فقال: أين كنت منذ الليلة ؟
فأخبرته، وطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن معقل المزني، فكنا ثلاثة
كلنا جائع، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة فطلب شيئا
نأكله فلم يجده، فنادى بلالا: هل من شئ ؟ فأخذ الجرب ينقفها فاجتمع سبع
تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهم يده وسمى الله وقال: كلوا باسم الله،
فأكلنا، فأحصيت أربعا وخمسين تمرة، كلها أعدها ونواها في يدي الاخرى
وصاحباي يصنعان ما أصنع، فأكل كل منها خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا
التمرات السبع كما هن، يا بلال ارفعهن في جرابك، فلما كان الغد وضعهن
في الصحفة وقال: كلوا بسم الله، فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا
أيدينا وإنهن كما هن سبع، فقال: لولا أني أستحي من ربي عز وجل لاكلت من
هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا، فلما
__________
(1) في دلائل البيهقي 6 / 110 - 111: بيتي.
(*)
(6/129)
رجع إلى
المدينة طلع غليم من أهل المدينة فدفعهن إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهن.
حديث آخر
روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه عن
عائشة قالت له: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي شئ
يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني.
حديث آخر روى مسلم في صحيحه، عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن أعين، عن
معقل، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما
حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لاكلتم منه
ولقام لكم.
وبهذا الاسناد عن جابر أن أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم في عكتها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الادم وليس عندها شئ
فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد
فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: أعصرتيها ؟ قالت: نعم، فقال لو تركتيها ما زالت
قائمة (1).
وقد رواهما الامام أحمد عن موسى.
عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر.
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر
البغدادي، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حسان بن عبد الله، ثنا ابن
لهيعة، ثنا يونس بن يزيد، ثنا أبو إسحق، عن سعيد بن الحرث بن عكرمة عن
جده نوفل بن الحرث بن عبد المطلب: أنه استعان رسول الله في التزويج
فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من
شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف
سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لاكلت منه ما عشت (2).
حديث آخر قال الحافظ البيهقي في الدلائل: أنا عبد الله بن يوسف
الاصفهاني، أنا أبو سعيد بن
__________
(1) رواهما مسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل 4 / 1784.
والجزء الاول رواه أحمد في مسنده 3 / 337، 347 والقسم الاخير منه 3 /
347.
(3) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 114.
(*)
(6/130)
الاعرابي، ثنا
عباس بن محمد الدوري، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أنا أبو بكر بن
عياش، عن هشام - يعني ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: أتى
رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم
ارزقنا ما نعتجن ونختبز، قال: فإذا الجفنة ملاى خميرا والرحا تطحن،
والتنور ملاى خبزا وشواء، قال: فجاء زوجها فقال: عندكم شئ ؟ قالت: نعم
رزق الله، فرفع الرحا فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال: لو تركها لدارت إلى يوم القيامة.
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا أبو
إسمعيل الترمذي، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد،
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن رجلا من الانصار كان ذا
حاجة، فخرج، [ يوما ] وليس عند أهله شئ، فقالت امرأته: لو حركت رحاي
وجعلت في تنوري سعفات فسمع جيراني صوت الرحا ورأوا الدخان، فظنوا أن
عندنا طعاما وليس بنا خصاصة ؟ فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك
الرحا، قال: فأقبل زوجها وسمع الرحا، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال:
ماذا كنت تطحنين ؟ فأخبرته، فدخلا وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقا، فلم
يبق في البيت وعاء إلا ملئ، ثم خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءا خبزا،
فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: فما فعلت الرحا ؟
قال: رفعتها ونفضتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركتموها
ما زالت لكم حياتي، أو قال حياتكم (1) * وهذا الحديث غريب سندا ومتنا.
حديث آخر وقال مالك: عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب
حلابها (2)، ثم أخرى فشرب حلابها، ثم أخرى
فشرب حلابها، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى
فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم يشرب في معا
واحد، والكافر بشرب في سبعة أمعاء (3) * ورواه مسلم من حديث مالك.
حديث آخر قال الحافظ البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد
بن عبيد الصفار، حدثني محمد بن الفضل بن حاتم (4)، ثنا الحسين بن عبد
الاول، ثنا حفص بن غياث، ثنا الاعمش.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 105 - 106 في باب ما جاء في دعاء
المرأة بالرزق.
(2) حلابها: الحلاب الاناء الذي يحلب فيه اللبن.
(3) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الاشربة ح 2062 ص 3 / 1632.
(4) في الدلائل للبيهقي 6 / 117: جابر.
(*)
(6/131)
عن أبي صالح،
عن أبي هريرة قال: ضاف النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، قال: فطلب له
شيئا فلم يجد إلا كسرة في كوة قال: فجزأها رسول الله صلى الله عليه
وسلم أجزاء، ودعا عليها وقال: كل ! قال فأكل فأفضل.
قال فقال: يا محمد إنك لرجل صالح، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
أسلم، فقال: إنك لرجل صالح * ثم رواه البيهقي من حديث سهل بن عثمان عن
حفص بن غياث باسناده نحوه.
حديث آخر قال الحافظ البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو علي
الحسين بن علي الحافظ، قال وفيما ذكر عبدان الاهوازي، ثنا محمد بن زياد
البرجمي، ثنا عبيد الله بن موسى، عن مسعر.
عن زبيد عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: أضاف النبي صلى الله عليه
وسلم ضيف، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن
شيئا، فقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت،
قال: فأهديت له شاة مصلية فقال: هذا من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة.
قال أبو علي: حدثنيه محمد بن عبدان الاهوازي عنه، قال: والصحيح عن زبيد
مرسلا، حدثناه
محمد بن عبدان حدثنا أبي، ثنا الحسن بن الحرث الاهوازي، أنا عبيد الله
بن موسى، عن مسعر، عن زبيد فذكره مرسلا (1).
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، ثنا أبو عمرو بن
حمدان، أنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا سليمان بن عبد
الرحمن، ثنا عمرو بن بشر بن السرح، ثنا الوليد بن سليمان بن أبي
السائب، ثنا واثلة بن الخطاب، عن أبيه، عن جده واثلة بن الاسقع قال:
حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا فكنا إذا أفطرنا أتي كل رجل منا رجل
من أهل البيعة فانطلق به فعشاه فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد، وأصبحنا
صياما (2)، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة
من نسائه يسألها هل عندها شئ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم: ما
أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاجتمعوا فدعا وقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فانها بيدك لا
يملكها أحد غيرك، فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف،
فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى
شبعنا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا سألنا الله من فضله
ورحمته، فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته (3).
__________
(1) دلائل النبوة باب ما جاء في إجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى
الله عليه وآله حين ضافه ضيف...6 / 128 - 129.
(2) من الدلائل 6 / 129 وفي الاصل صباحا.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 129 ورواه الطبراني واسناده حسن.
(*)
(6/132)
حديث الذراع
قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، ثنا [ يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق
] (1)، حدثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله، قال: حدثني
فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام من خبز ولحم فقال:
ناولني الذراع فنوول ذراعا [ فأكلها ] قال يحيى: لا أعلمه إلا هكذا، ثم
قال: ناولني الذراع، فنوول ذراعا فأكلها ثم قال: ناولني الذراع، فقال:
يا رسول الله إنما هما ذراعان، فقال وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها
ذراعا ما دعوت به، فقال سالم: أما هذه فلا، سمعت عبد الله بن عمر يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
هكذا وقع إسناد هذا الحديث وهو عن مبهم عن مثله، وقد روي من طرق أخرى *
قال الامام أحمد (2): حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو جعفر - يعني
الرازي - عن شرحبيل عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
أهديت له شاة فجعلها في القدر فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ما هذا يا أبا رافع ؟ قال: شاة أهديت لنا يا رسول الله فطبختها في
القدر، فقال: ناولني الذراع يا أبا رافع، فناولته الذراع، ثم قال:
ناولني الذراع الآخر فناولته الذراع الآخر، ثم قال: ناولني الذراع
الآخر، فقال: يا رسول الله إنما للشاة ذراعان، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أما إنك لو سكت لناولتني ذراعا فذراعا ما سكت، ثم دعا بماء
فمضمض فاه، وغسل أطراف أصابعه ثم قام فصلى، ثم عاد إليهم فوجد عندهم
لحما باردا فأكل ثم دخل المسجد فصلى ولم يمس ماء.
طريق أخرى عن أبي رافع قال الامام أحمد: ثنا مؤمل ثنا حماد، حدثني عبد
الرحمن بن أبي رافع، عن عمته، عن أبي رافع قال: صنع لرسول الله صلى
الله عليه وسلم شاة مصلية فأتى بها فقال لي: يا أبا رافع ناولني
الذراع، فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال:
يا أبا رافع ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله وهل للشاة إلا ذراعان ؟
! فقال: لو سكت لناولتني منها ما دعوت به، قال: وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يعجبه الذراع (3)، قلت: ولهذا لما علمت اليهود عليهم
لعائن الله بخيبر سموه في الذراع في تلك الشاة التي أحضرتها زينب
اليهودية فأخبره الذراع بما فيه من السم، لما نهس منه نهسة، كما قدمنا
ذلك في غزوة خيبر مبسوطا.
طريق أخرى قال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن
الحباب، حدثني قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع، قال: أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال: يا أبا رافع
__________
(1) من مسند أحمد 2 / 48، وفي الاصل: يحيى بن اسحاق.
(2) في المسند 6 / 392.
(3) مسند الامام أحمد ج 6 / 8.
(*)
(6/133)
ناولني الذراع
فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبا
رافع ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان ؟ فقال: لو
سكت ساعة ناولتنيه ما سألتك.
فيه انقطاع من هذا الوجه * وقال أبو يعلى أيضا: ثنا محمد بن أبي بكر
المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا قايد مولى عبيد الله، حدثني عبيد
الله أن جدته سلمى أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي
رافع بشاة، وذلك يوم الخندق فيما أعلم، فصلاها أبو رافع ليس معها خبز
ثم انطلق بها، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم راجعا من الخندق فقال:
يا أبا رافع ضع الذي معك، فوضعه ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع
فناولته، ثم قال: يا أبار رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبا
رافع ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله هل للشاة غير ذراعين ؟ فقال:
لو سكت لناولتني ما سألتك * وقد روي من طريق أبي هريرة.
قال الامام أحمد: ثنا الضحاك، ثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن
شاة طبخت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطني الذراع، فناولته
إياه، فقال: أعطني الذراع فناولته إياه، ثم قال: أعطني الذراع، فقال:
يا رسول الله إنما للشاة ذراعان، قال: أما إنك لو التمستها لوجدتها
(1).
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا وكيع عن دكين بن سعيد الخثعمي، قال:
أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله
الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: قم فأعطهم، فقال: يا رسول
الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية، قال وكيع: القيظ في كلام العرب
أربعة أشهر، قال: قم فأعطهم، قال: يا رسول الله سمعا وطاعة، قال: فقام
عمر وقمنا فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب،
قال دكين: فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض،
قال: شأنكم، قال: فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء ثم التفت وإني لمن
آخرهم فكأنا لم نرزأ منه تمرة (2).
ثم رواه أحمد عن محمد ويعلى أبي عبيد عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد -
عن قيس - وهو ابن أبي حازم - عن دكين به.
ورواه أبو داود عن عبد الرحيم بن مطرف الرواسي عن عيسى بن يونس عن
إسماعيل به.
حديث آخر قال علي بن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم، ثنا حشرج بن نباتة، ثنا
أبو نضرة، حدثني أبو رجاء قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
دخل حائطا لبعض الانصار، فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا ؟ قال:
إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك ؟ قال: نعم، فأخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم
__________
(1) مسند الامام أحمد 2 / 517.
(2) مسند الامام أحمد ج 4 / 174.
(*)
(6/134)
الغرب، فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل: غرقت حائطي، فاختار رسول الله
صلى الله عليه وسلم من تمرة مائة تمرة، قال: فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا
ثم رد عليه مائة تمرة، كما أخذها.
هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في دلائل النبوة من أول تاريخه
بسنده عن علي بن عبد العزيز البغوي، كما أوردناه.
وقد تقدم في ذكر إسلام سلمان الفارسي ما كان من أمر النخيل التي غرسها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة لسلمان فلم يهلك منهن
واحدة.
بل أنجب الجميع وكن ثلثمائة، وما كان من تكثيره الذهب حين قلبه على
لسانه الشريف حتى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم كتابته وعتق رضي
الله عنه وأرضاه. |