البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقدم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسمعيل، عن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر بن عبد الله قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا
أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته باداوة من ماء فنظر فلم ير شيئا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، وقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذى يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الاخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لام بينهما - يعني جمعهما -، وقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد، فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه هكذا يمينا وشمالا.
وذكر تمام الحديث في قصة الماء وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم ولله الحمد والمنة.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن أنس قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء من ضربة بعض أهل مكة، قال: فقال له: مالك ؟ فقال: فعل بي هؤلاء وفعلوا، قال: فقال له جبريل أتحب أن أريك آية ؟ قال: فقال: نعم، قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة، فدعاها قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي (1).
وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجة عن محمد بن طريف عن أبي معاوية.
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 3 / 113 ورواه ابن ماجة في الفتن ح 4028 وفي الزوائد قال: هذا اسناد صحيح إن كان أبو سفيان واسمه طلحة بن نافع سمع من جابر.
(*)

(6/135)


حديث أخر روى البيهقي من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن
الخطاب أن رسول الله كان على الحجون كئيبا لما أذاه المشركون، فقال: اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها، قال: فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة، فأقبلت تخد الارض حتى انتهت إليه، قال: ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، قال: فقال: ما أبالي من كذبني بعدها من قومي.
ثم قال البيهقي: أنا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو، قالا: ثنا الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إياه، فقال: يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغم، فأوحى الله إليه: ادع إليك أي أغصان هذه الشجرة شئت، قال: فدعا غصنا فانتزع من مكانه ثم خد في الارض حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله: ارجع إلى مكانك، فرجع، فحمد الله رسول الله وطابت نفسه، وكان قد قال المشركون: أفضلت أباك وأجدادك يا محمد، فأنزل الله: * (أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * الآيات [ الزمر: 64 ] * قال البيهقي: وهذا المرسل يشهد له ما قبله (1).
حديث آخر قال الامام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش عن أبي ظبيان - وهو حصين بن جندب - عن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك، فإني من أطب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أريك آية ؟ قال: بلى، قال: فنظر إلى نخلة فقال: ادع ذلك العذق، فدعاه فجاء ينقز بين يديه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع، فرجع إلى مكانه، فقال العامري: يا آل بني عامر، ما رأيت كاليوم رجلا اسحر من هذا (2).
هكذا رواه الامام أحمد، وقد أسنده البيهقي من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه، عن الاعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس، قال: جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي طبا وعلما فما تشتكي ؟ هل يريبك من نفسك شئ إلى ما تدعو ؟ قال: أدعو إلى الله والاسلام، قال: فإنك لتقول قولا فهل لك من آية ؟ قال: نعم، إن شئت أريتك آية، وبين يديه شجرة، فقال لغصن منها: تعالى يا غصن، فانقطع الغصن من الشجرة، ثم أقبل
ينقز حتى قام بين يديه، فقال: ارجع إلى مكانك فرجع، فقال العامري: يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شئ قلته أبدا (3).
وهذا يقتضي أنه سالم الامر ولم يجب من كل وجه.
وقد
__________
(1) دلائل البيهقي ج 6 / 13 - 14.
(2) مسند الامام أحمد ج 1 / 223.
(3) دلائل البيهقي ج 6 / 16.
(*)

(6/136)


قال البيهقي: أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد، عن الاعمش، عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما هذا الذي يقول أصحابك ؟ قال: وحول رسول الله أعذاق وشجر، قال: فقال رسول الله: هل لك أن أريك آية ؟ قال: نعم، قال: فدعا عذقا منها فأقبل يخد الارض حتى وقف بين يديه يخد الارض ويسجد ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه ثم أمره فرجع، قال: العامري وهو يقول: يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشئ يقوله أبدا (1).
طريق أخرى فيها أن العامري أسلم قال البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا (2)، أنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد بن الاصبهاني، أنا شريك، عن سماك، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بما أعرف أنك رسول الله ؟ قال: أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟ قال: نعم، قال فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الارض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله، ثم قال له: ارجع، فرجع حتى عاد إلى مكانه، فقال: أشهد أنك رسول الله، وآمن * قال البيهقي، رواه البخاري في التاريخ عن محمد بن سعيد الاصبهاني (3)، قلت: ولعله قال أولا إنه سحر ثم تبصر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عز وجل والله أعلم.
حديث آخر عن ابن عمر في ذلك قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق، أنا الحسين (4) بن سفيان، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، ثنا محمد بن فضيل، عن أبي حيان، عن عطاء عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا قال له رسول الله: أين تريد ؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك إلى خير ؟ قال: ما هو ؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، قال: هل من شاهد على ما تقول ؟ قال: هذه الشجرة، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخد
__________
(1) دلائل البيهقي 6 / 17.
(2) في الدلائل: أنبأنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة، أنبأنا أبو علي حامد بن محمد الرفاء...(3) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 15، والحاكم في المستدرك 2 / 620 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ".
(4) رواه البيهقي في الدلائل من طريق الحاكم، وفيه الحسن بن سفيان 6 / 14 - 15.
(*)

(6/137)


الارض خدا، فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا فشهدت أنه كما قال، ثم إنها رجعت إلى منبتها ورجع الاعرابي إلى قومه، فقال: إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك.
وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه ولا رواه الامام أحمد.
والله أعلم.