البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ذكر إخباره صلى الله عليه وسلم عن الفتن الواقعة في آخر أيام عثمان وخلافة علي رضي الله عنهما
ثبت في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة فقال: هل ترون ما أرى ؟ إني لارى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر (3) * وروى الامام أحمد ومسلم من حديث الزهري عن أبي إدريس الخولاني: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: والله إني لاعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما ذاك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثني من ذلك شيئا أسره إلي لم يكن حدث به غيري، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - وهو يحدث مجلسا أنا فيه - سئل عن الفتن وهو يعد الفتن فيهن ثلاث لا تذوق شيئا منهن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري (4)، وهذا لفظ أحمد * قال البيهقي: مات حذيفة بعد الفتنة الاولى بقتل
عثمان، وقيل الفتنتين الآخرتين في أيام علي، قلت: قال العجلي وغير واحد من علماء التاريخ: كانت وفاة حذيفة بعد مقتل عثمان بأربعين يوما، وهو الذي قال: لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الامة لبنا، ولكنه كان ضلالة فاحتلبت به الامة دما، وقال: لو أن أحدا ارتقص لما صنعتم بعثمان لكان جديرا أن يرقص * وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال سفيان أربع نسوة، قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه - وحلق بأصبعه الابهام والتي تليها - قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث (5) * هكذا رواه الامام أحمد عن سفيان بن عيينة به،
__________
(1) في التقريب: أبو عبد الله.
(2) من الدلائل 6 / 404 وفي الاصل يشكر تحريف.
وهو أبو عبد الله الدمشقي الخزاعي كاتب أبي الدرداء ثقة مقرئ من كبار الثالثة (التقريب 2 / 247 / 1104).
(3) أخرجه البخاري في فضائل المدينة، باب (8).
ومسلم في الفتن.
باب (3).
(4) أخرجه مسلم في الفتن ح (22) ص (4 / 2216).
(5) أخرجه البخاري في الانبياء، باب (7).
ومسلم في الفتن باب (1) ح (1) ص (4 / 2207) وأخرجه الامام أحمد في مسنده ج 6 / 428.
(*)

(6/232)


وكذلك رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وسعد بن عمرو والاشعثي وزهير بن حرب وابن أبي عمر كلهم عن سفيان بن عيينة به سواء * ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد: كلهم عن سفيان بن عيينة، وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال الترمذي: قال الحميدي عن سفيان: حفظت من الزهري في هذا الاسناد أربع نسوة، قلت وقد أخرجه البخاري عن مالك بن إسماعيل ومسلم عن عمرو الناقد عن الزهري عن عروة عن زينب عن أم حبيبة عن
زينب بنت جحش فلم يذكروا حبيبة في الاسناد، وكذلك رواه عن الزهري شعيب وصالح بن كيسان وعقيل ومحمد بن إسحاق ومحمد بن أبي عتيق، ويونس بن يزيد فلم يذكروا عنه في الاسناد حبيبة والله أعلم * فعلى ما رواه أحمد ومن تابعه عن سفيان بن عيينة، يكون قد اجتمع في هذا الاسناد تابعيان، وهما الزهري وعروة بن الزبير، وأربع صحابيات وبنتان وزوجتان وهذا عزيز جدا * ثم قال البخاري بعد رواية الحديث المتقدم: عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري فذكره إلى آخره، ثم قال: وعن الزهري حدثتني هند بنت الحارث أن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن ؟ وماذا أنزل من الفتن ؟ ! * وقد أسنده البخاري في مواضع أخر من طرق عن الزهري به * ورواه الترمذي من حديث معمر عن الزهري وقال: حسن صحيح * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا الصلت بن دينار، ثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي قالا: سمعنا الزبير وهو يتلو هذه الآية * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * [ الانفال: 25 ] قال: لقد تلوت هذه الآية زمنا وما أراني من أهلها، فأصبحنا من أهلها (1) * وهذا الاسناد ضعيف، ولكن روي من وجه آخر، فقال الامام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا جرير قال: سمعت أنسا قال: قال الزبير بن العوام: نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع النبي صلى الله عليه وسلم * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة ؟ وما نشعر أنها تقع حيث وقعت * ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن مهدي، عن جرير بن حازم به، وقد قتل الزبير بوادي السباع مرجعه من قتال يوم الجمل على ما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى * وقال أبو داود السجستاني في سننه: ثنا مسدد، ثنا أبو الاحوص - سلام بن سليم - عن منصور، عن هلال بن يساف، عن سعيد بن زيد، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فتنة وعظم أمرها، فقلنا: يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لتهلكنا ؟ فقال: كلا إن بحسبكم القتل، قال سعيد: فرأيت إخواني قتلوا (2) * تفرد به أبو داود، وقال أبو داود السجستاني: حدثنا الحسن بن علي، ثنا يزيد، أنا هشام عن محمد.
قال قال: حذيفة: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إلا أنا أخافها عليه إلا محمد بن مسلمة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 407.
(2) أخرجه أبو داود في الفتن باب ما يرجى في القتل ح (4277) ص (4 / 105).
(*)

(6/233)


لا تضرك الفتنة (1)، وهذا منقطع * وقال أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة عن أشعث بن أبي أشعث: سمعت أبا بردة يحدث عن ثعلبة بن أبي ضبيعة سمعت حذيفة يقول: إني لاعرف رجلا لا تضره الفتنة، فأتينا المدينة فإذا فسطاط مضروب، وإذا محمد بن مسلمة الانصاري، فسألته فقال: لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه الفتنة عن جماعة المسلمين (2) * قال البيهقي: ورواه أبو داود - يعني السجستاني - عن عمرو بن مرزوق عن شعبة به * وقال أبو داود: ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة عن أشعث بن سليم عن أبي بردة * عن ضبيعة بن حصين الثعلبي عن حذيفة بمعناه (3)، قال البخاري في التاريخ: هذا عندي أولى * وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أبي بردة قال: مررت بالربذة فإذا فسطاط، فقلت: لمن هذا ؟ فقيل: لمحمد بن مسلمة، فاستأذنت عليه فدخلت عليه فقلت: رحمك الله إنك من هذا الامر بمكان، فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ستكون فتنة وفرقة وإختلاف، فإذا كان ذلك فأت بسيفك أحدا فاضرب به عرضه، وكسر نبلك، واقطع وترك، واجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو يعافيك الله، فقد كان ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعلت ما أمرني به، ثم استنزل سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط واخترطه فإذا سيف من خشب فقال قد فعلت ما أمرني به واتخذت هذا أرهب به الناس، تفرد به أحمد * وقال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا علي بن عيسى المدني، أنا أحمد بن بحرة القرشي، ثنا يحيى بن عبد الحميد، أنا إبراهيم بن سعد، ثنا سالم بن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن محمود بن لبيد عن محمد بن مسلمة أنه قال: يا رسول الله كيف أصنع إذا اختلف المضلون ؟ قال: اخرج بسيفك إلى الحرة فتضربها به ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا زياد بن مسلم أبو عمر، ثنا أبو الاشعث الصنعاني قال: بعثنا
يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير، فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - نسي زياد اسمه - فقال: إن الناس قد صنعوا ما صنعوا فما ترى ؟ قال: أوصاني خليلي أبو القاسم إن أدركت شيئا من هذه الفتن فاعمد إلى أحد فأكسر به حد سيفك ثم اقعد في بيتك، فإن دخل عليك أحد البيت فقم إلى المخدع، فإن دخل عليك المخدع فاجثو على ركبتيك وقل: بؤ بأثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين، فقد كسرت سيفي وقعدت في بيتي (4) * هكذا وقع إيراد هذا الحديث في مسند محمد بن مسلمة عند الامام أحمد، ولكن وقع إبهام اسمه، وليس هو لمحمد بن مسلمة بل صحابي آخر، فإن محمد بن مسلمة رضي الله عنه لا خلاف عند أهل التاريخ أنه توفي فيما بين
__________
(1) رواه أبو داود في السنة ح 4664 ص (4 / 216).
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 407 من طريق ابراهيم بن مرزوق البصري عن الطيالسي.
(3) انظر دلائل البيهقي 6 / 410 ورواه الحاكم في المستدرك 3 / 433 وصححه.
ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 226.
(*)

(6/234)


الاربعين إلى الخمسين، فقيل سنة ثنتين وقيل: ثلاث، وقيل، سبع وأربعين، ولم يدرك أيام يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير بلا خلاف، فتعين أنه صحابي آخر خبره كخبر محمد بن مسلمة * وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، ثنا أبو عمرو السلمي عن بنت أهبان الغفاري أن عليا أتى أهبان فقال: ما يمنعك أن تتبعنا ؟ فقال: أوصاني خليلي وابن عمك صلى الله عليه وسلم: أن ستكون فرقة وفتنة وإختلاف، فإذا كان ذلك فاكسر سيفك واقعد في بيتك واتخذ سيفا من خشب * وقد وراه أحمد عن عفان وأسود بن عامر ومؤمل ثلاثتهم عن حماد بن سلمة به، وزاد مؤمل في روايته بعد قوله: واتخذ سيفا من خشب واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية * ورواه الامام أحمد أيضا والترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبيد الديلي عن عديسة بنت أهبان بن صيفي عن أبيها به، قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد، كذا قال، وقد تقدم من غير طريقه * وقال
البخاري: ثنا عبد العزيز الاويسي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به (1) * وعن ابن شهاب: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، عن عبد الرحمن بن مطيع بن الاسود، عن نوفل بن معاوية مثل حديث أبي هريرة هذا (2)، وقد روى مسلم حديث أبي هريرة من طريق إبراهيم بن سعد كما رواه البخاري، وكذلك حديث نوفل بن معاوية بإسناده البخاري ولفظه، ثم قال البخاري: ثنا محمد بن كثير، أخبرني سفيان عن الاعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستكون أثرة وأمور تنكرونها، فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم (3) * ورواه مسلم من حديث الاعمش به * وقال الامام أحمد: حدثنا روح، ثنا عثمان الشحام، ثنا سلمة (4) بن أبي بكرة عن أبي بكرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنها ستكون فتنة ثم تكون فتنة، ألا فالماشي فيها خير من الساعي إليها، والقاعد فيها خير من القائم فيها، ألا والمضطجع فيها خير من القاعد، ألا فإذا نزلت فمن كان له غنم فليلحق بغنمه، ألا ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، ألا ومن كانت له إبل فليلحق بإبله، فقال رجل من القوم: يا نبي الله جعلني الله فداك، أرأيت من ليست له غنم ولا أرض ولا إبل كيف يصنع ؟
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة فتح الباري 6 / 612 حديث 3601.
(2) المصدر السابق حديث 3602.
(3) المصدر السابق حديث 3603.
(4) أخرجه الامام أحمد في المسند 5 / 39، 48 وفيه مسلم بن أبي بكرة.
ومسلم في الفتن.
باب (3) ح (13) ص (2212) ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 408 - 409.
(*)

(6/235)


قال: ليأخذ سيفه ثم ليعمد به إلى صخرة، ثم ليدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع
النجاء، اللهم هل بلغت ؟ إذ قال رجل: يا رسول الله جعلني الله فداك، أرأيت إن أخذ بيدي مكرها حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين ؟ - شك عثمان - فيحذفني رجل بسيفه فيقتلني، ماذا يكون من شأني ؟ قال: يبوء بأثمك وإثمه ويكون من أصحاب النار * وهكذا رواه مسلم من حديث عثمان الشحام بنحوه، وهذا إخبار عن إقبال الفتن، وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى هذا * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن إسماعيل، ثنا قيس قال: لما أقبلت عائشة - يعني في مسيرها إلى وقعة الجمل - وبلغت مياه بني عامر ليلا، نبحت الكلاب فقالت: أي ماء هذا ؟ قالوا: ماء الحوأب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: كيف باحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب (1) * ورواه أبو نعيم بن حماد في الملاحم عن يزيد بن هارون عن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم به * ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: أن عائشة لما أتت على الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب، فقال لها الزبير: ترجعين ؟ عسى الله أن يصلح بك بين الناس (2) * وهذا إسناد على شرط الصحيحين ولم يخرجوه * وقال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى، عن عصام بن قدامة البجلي، عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل إلا دبب تسير حتى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها خلق كثير * ثم قال: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الاسناد * وقال الطبراني: ثنا إبراهيم بن نائلة الاصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا نوح بن دراج عن الاجلح بن عبد الله، عن زيد بن علي، عن أبيه عن ابن الحسين عن ابن عباس قال: لما بلغ أصحاب علي، حين ساروا إلى البصرة، أن أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير، شق عليهم، ووقع في قلوبهم، فقال علي: والذي لا إله غيره ليظهرنه على أهل البصرة، وليقتلن طلحة والزبير، وليخرجن إليكم من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، أو خمسة آلاف وخمسمائة وخمسون رجلا، شك
الاجلح، قال ابن عباس: فوقع ذلك في نفسي، فلما أتى الكوفة خرجت فقلت: لانظرن، فإن كان كما يقول فهو أمر سمعه، وإلا فهو خديعة الحرب، فلقيت رجلا من الجيش فسألته، فو الله ما عتم أن قال ما قال علي، قال ابن عباس: وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره * وقال البيهقي: أنا عبد الله الحافظ، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد (3)، ثنا أحمد بن نصر، ثنا أبو نعيم الفضل،
__________
(1) رواه الامام أحمد في المسند ج 6 / 52، 97، (2) المصدر السابق.
(3) الجنيد من الدلائل 6 / 411 وفي الاصل الحفيد، (*)

(6/236)


ثنا عبد الجبار بن الورد، عن عمار الدهني (1) عن سالم بن أبي الجعد، عن أم سلمة قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال لها: انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي وقال: يا علي إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها * وهذا حديث غريب جدا، وأغرب منه ما رواه البيهقي أيضا عن الحاكم، عن الاصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، عن أبي نعيم، عن عبد الجبار بن العباس الشبامي (2) عن عطاء بن السائب، عن عمر بن الهجنع (3) عن أبي بكرة قال: قيل له ما يمنعك أن لا تكون قاتلت على نصرتك يوم الجمل ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج قوم هلكي لا يفلحون، قائدهم امرأة، قائدهم في الجنة (4)، وهذا منكر جدا * والمحفوظ ما رواه البخاري من حديث الحسن البصري عن أبي بكرة قال: نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - وبلغه أن فارس ملكوا عليهم امرأة كسرى - فقال: لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة * وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن الحكم، سمعت أبا وائل قال: لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة يستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لاعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، لكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها (5) * ورواه البخاري عن بندار عن غندر، وهذا كله وقع في أيام الجمل، وقد ندمت عائشة رضي الله عنها ما كان من خروجها، على ما سنورده في موضعه، وكذلك الزبير بن العوام أيضا،
تذكر وهو واقف في المعركة أن قتاله في هذا الموطن ليس بصواب، فرجع عن ذلك * قال عبد الرزاق: أنا معمر عن قتادة قال: لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا، فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال: أتحبه يا زبير ؟ فقال: وما يمنعني ؟ قال: فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له ؟ قال: فيرون أنه إنما ولى لذلك (6)، وهذا مرسل من هذا الوجه * وقد أسنده الحافظ البيهقي من وجه آخر فقال: أنا أبو بكر - أحمد بن الحسن القاضي - ثنا أبو عمرو بن مطر، أنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي الكوفي، ثنا منجاب بن الحرث، ثنا عبد الله بن الاجلح، ثنا أبي، عن يزيد الفقير، عن أبيه قال: وسمعت فضل بن فضالة يحدث أبي عن حرب بن أبي الاسود الدئلي عن أبيه، دخل
__________
(1) من الدلائل وفي الاصل الذهبي.
تحريف.
(2) من الدلائل، وقد ذكره العقيلي في الضعفاء، وورد في الميزان 2 / 533.
(3) الهجنع: من الدلائل وفي الاصل الهجيع تحريف.
وعمر بن الهجنع ذكره العقيلي في الضعفاء الكبير 3 / 196، وله ذكر في لسان الميزان 4 / 341.
(4) روى البيهقي الخبرين في الدلائل 6 / 411 و 412.
(5) أخرجه الامام أحمد في مسنده 4 / 265 والبخاري عن محمد بن بشار = بندار في فضائل الصحابة الحديث 3772 وأعاده في الفتن فتح الباري 13 / 53 عن عبد الله بن محمد.
(6) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 414 من طريق أحمد بن منصور الرمادي.
(*)

(6/237)


حديث أحدهما في حديث صاحبه، قال: لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض، وخرج علي وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام، فأتى علي، فدعي له الزبير فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير ناشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان كذا وكذا فقال: يا زبير تحب عليا ؟ فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني ؟ فقال: يا علي أتحبه ؟ فقلت: يا رسول الله ألا أحب ابن عمتي وعلى
ديني ؟ فقال: يا زبير، أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له، فقال الزبير: بلى، والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير فقال: مالك ؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته وهو يقول: لتقاتلنه وأنت ظالم له، فلا أقاتلنه، فقال وللقتال جئت ؟ إنما جئت تصلح بين الناس ويصلح الله هذا الامر، قال: قد حلفت أن لا أقاتله، قال: فاعتق غلامك جرجس (1) وقف حتى تصلح بين الناس، فأعتق غلامه ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه (2) * قال البيهقي: وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ ؟ أنا الامام أبو الوليد، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قطن بن بشير، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا عبد الله بن محمد الرقاشي، ثنا جدي - وهو عبد الملك بن مسلم - عن أبي جرو (3) المازني، قال: سمعت عليا والزبير وعلي يقول له: ناشدتك الله يا زبير، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت لي ظالم ؟ قال: بلى ولكني نسيت * وهذا غريب كالسياق الذي قبله، وقد روى البيهقي من طريق الهذيل بن بلال - وفيه ضعف - عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان، قلت: قتل زيد هذا في وقعة الجمل من ناحية علي (4) * وثبت في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة (5) * ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان، عن شعيب عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة مثله * ورواه البخاري أيضا عن أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة * وهاتان
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل خير تحريف.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 415.
(3) من الدلائل 6 / 415، وفي الاصل وجرة.
وأبو جرو بفتح الجيم وسكون الراء، والمازني.
مقبول من الثالثة (تقريب 2 / 405 / 10).
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 416، ونقله ابن حجر عن أبي يعلى في الاصابة 1 / 582، وقال: زيد بن
صوحان أدرك النبي صلى الله عليه وآله وله صحبة.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: لا أعلم له صحبة.
(5) أخرجه البخاري في علامات النبوة، وفي الفتن باب (25)، وفي المرتدين باب (8).
وأخرجه مسلم في الفتن ح (17).
وأحمد في المسند 2 / 313.
(*)

(6/238)


الفئتان هما أصحاب الجمل، وأصحاب صفين، فإنهما جميعا يدعون إلى الاسلام، وإنما يتنازعون في شئ من أمور الملك، ومراعاة المصالح العائد نفعها على الامة والرعايا، وكان ترك القتال أولى من فعله، كما هو مذهب جمهور الصحابة كما سنذكره * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو اليمان، ثنا صفوان بن عمر وقال: كان أهل الشام ستين ألفا، فقتل منهم عشرون ألفا، وكان أهل العراق مائة وعشرين ألفا، فقتل منهم أربعون ألفا (1)، ولكن كان علي وأصحابه أدنى الطائفتين إلى الحق من أصحاب معاوية، وأصحاب معاوية كانوا باغين عليهم، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: حدثني من هو خير مني - يعني أبا قتادة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار، تقتلك الفئة الباغية * ورواه أيضا من حديث ابن علية عن ابن عون عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتل عمارا الفئة الباغية، وفي رواية: وقاتله في النار (2) * وقد تقدم الحديث بطرقه عند بناء المسجد النبوي في أول الهجرة النبوية، وما يزيده بعض الرافضة في هذا الحديث من قولهم بعد: لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة، فليس له أصل يعتمد عليه، بل هو من إختلاق الروافض قبحهم الله * وقد روى البيهقي من حديث أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مولاة لعمار قالت: اشتكى عمار شكوى أرق منها، فغشي عليه فأفاق ونحن نبكي حوله، فقال: ما تبكون ؟ أتخشون أن أموت على فراشي ؟ أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي في الدنيا مذقة لبن (3) * وقال الامام أحمد: حدثني وكيع، ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، فشربها ثم تقدم فقتل * وحدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن حبيب، عن أبي
البختري، أن عمار بن ياسر أتي بشربة لبن فضحك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: آخر شراب أشربه لبن حين أموت (4) * وروى البيهقي من حديث عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (5) * ومعلوم أن عمارا كان في جيش علي يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام، وكان الذي تولى قتله رجل يقال له أبو الغادية، رجل من أفناد الناس، وقيل: إنه صحابي * وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر وغيره في أسماء الصحابة وهو أبو الغادية مسلم، وقيل: ؟ سار بن أزيهر الجهني من قضاعة، وقيل: مزني، وقيل: هما اثنان، سكن الشام ثم صار إلى
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 419.
(2) أخرجه مسلم في الفتن ح (72) و (73) ص (4 / 2236).
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 421.
(4) رواهما الامام أحمد في مسنده 4 / 319، والحاكم في المستدرك 3 / 389.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 422.
والحاكم في المستدرك 3 / 391 وصححه، ووافقه الذهبي.
(*)

(6/239)


واسط، روى له أحمد حديثا وله عند غيره آخر، قالوا: وهو قاتل عمار بن ياسر، وكان يذكر صفة قتله لعمار لا يتحاشى من ذلك، وسنذكر ترجمته عند قتله لعمار أيام معاوية في وقعة صفين، وأخطأ من قال: كان بدريا * وقال الامام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا العوام، حدثني [ أسود ] ابن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنزي قال: بينا أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب به أحدكما لصاحبه نفسا فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية، فقال معاوية: ألا نح عنا مجنونك يا عمرو، فما بالك معنا، قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أطع أباك ما دام حيا ولا تعصه، فأنا معكم ولست أقاتل (1) * وقال الامام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحرث بن نوفل، قال: إني لاسير مع معاوية منصرفه من
صفين، بينه وبين عمرو بن العاص، فقال عبد الله بن عمرو يا أبة، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ؟ قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا ؟ فقال معاوية: لا يزال يأتينا بهنة (3)، أو نحن قتلناه ؟ إنما قتلة من جاءوا به * ثم رواه أحمد عن أبي نعيم عن الثوري عن الاعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد فذكر مثله.
فقول معاوية: إنما قتله من قدمه إلى سيوفنا، تأويل بعيد جدا، إذ لو كان كذلك لكان أمير الجيش هو القاتل للذين يقتلون في سبيل الله، حيث قدمهم إلى سيوف الاعداء * وقال عبد الرزاق أنا ابن عيينة، أخبرني عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * [ الحج: 78 ] في آخر الزمام، كما جاهدتم في أوله ؟ فقال عبد الرحمن: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال: إذا كان بنو أمية الامراء وبنو المغيرة الوزراء (4) * ذكره البيهقي ههنا، وكأنه يستشهد به على ما عقد له الباب بعده من ذكر الحكمين وما كان من أمرهما، فقال: [ باب ما جاء في ] (5) إخباره صلى الله عليه وسلم عن الحكمين اللذين بعثا في زمن علي أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا إسماعيل بن الفضل، ثنا
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 164، 206 - 3 / 22 - 4 / 197، 199 (2) رواه الامام أحمد في مسنده 2 / 161.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: نهية.
تحريف.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 422.
(5) من دلائل البيهقي.
6 / 423.
(*)

(6/240)


قتيبة ابن سعيد، عن جرير، عن زكريا بن يحيى، عن عبد الله بن يزيد وحبيب بن يسار (1) عن سويد بن غفلة قال: إني لامشي مع علي بشط الفرات فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل
اختلفوا فلم يزل اختلافهم بينهم حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا من اتبعهما * وإن هذه الامة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وأضلا من اتبعهما * هكذا أورده ولم يبين شيئا من أمره، وهو حديث منكر جدا، وآفته من زكريا بن يحيى هذا - وهو الكندي الحميري الاعمى - قال يحيى بن معين: ليس بشئ، والحكمان كانا من خيار الصحابة، وهما عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام، والثاني أبو موسى عبد الله بن قيس الاشعري، من جهة أهل العراق، وإنما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين، وحقن لدمائهم، وكذلك وقع ولم يضل بسببهما إلا فرقة الخوارج حيث أنكروا على الاميرين التحكيم، وخرجوا عليهما وكفروهما، حتى قاتلهم علي بن أبي طالب، وناظرهم ابن عباس، فرجع منهم شرذمة إلى الحق، واستمر بقيتهم حتى قتل أكثرهم بالنهروان وغيره من المواقف المرذولة عليهم كما سنذكره.