البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

فصل في ترتيب الاخبار بالغيوب المستقبلة بعده صلى الله عليه وسلم
ثبت في صحيح البخاري ومسلم: من حديث الاعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان: قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا مقاما ما ترك فيه شيئا إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله، وقد كنت أرى الشئ قد كنت نسيته فأعرفه كما يعرف الرجل الرجل إذا غاب عنه فرآه فعرفه (2) * وقال البخاري: ثنا يحيى بن موسى، حدثنا الوليد، حدثني ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان
يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك لشر من خير ؟ قال: نعم، وفيه دخن (3)، قلت: وما دخنه ؟ فقال: قوم يهدون بغير هديي يعرف منهم ينكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: هم من جلدتنا، ويكلمون بألسنتنا، قلت: فما أمرني إن أدركني ذلك ؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (4) * وقد رواه البخاري أيضا ومسلم عن محمد بن المثنى عن الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر به * قال البخاري، ثنا
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 310 ونقله عن البيهقي السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 104 مختصرا.
(2) أخرجه البخاري في القدر، باب (4).
وأخرجه مسلم في الفتن.
باب (6) ح 23 ص 4 / 2217.
وأخرجه أبو داود في أول كتاب الفتن عن عثمان بن أبي شيبة.
(3) الدخن: أن يكون في اللون ما يكدره من سواد، والمراد أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض.
(4) أخرجه البخاري في المناقب - 25 باب علامات النبوة ح 3606.
ومسلم في كتاب الامارة ح 51 ص (1475).
(*)

(6/212)


محمد بن مثنى، ثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل عن قيس عن حذيفة قال: تعلم أصحابي الخير: وتعلمت الشر (1) * تفرد به البخاري، وفي صحيح مسلم من حديث شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن حذيفة قال: لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة، غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها (2) * وفي صحيح مسلم من حديث علياء بن أحمر عن أبي يزيد - عمرو بن أخطب - قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة، فأعلمنا أحفظنا (3) * وفي الحديث الآخر: حتى دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار (4) * وقد تقدم
حديث خباب بن الارت: والله ليتمن الله هذا الامر ولكنكم تستعجلون * وكذا حديث عدي بن حاتم في ذلك، وقال الله تعالى: * (ليظهره على الدين كله) * [ التوبة: 33 ] وقال تعالى * (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض) * الآية [ النور: 55 ] * وفي صحيح مسلم من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء (5) * وفي حديث آخر (6): ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء * وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن المسور، عن عمرو بن عوف، فذكر قصة بعث أبي عبيدة إلى البحرين قال: وفيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا وأملوا ما يسركم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تنبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم (7) * وفي الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لكم من أنماط ؟ قال: قلت يا رسول الله: وأنى يكون لنا أنماط ؟ فقال: أما إنها ستكون لكم أنماط، قال: فأنا أقول لامرأتي، نحي عني أنماطك، فتقول: ألم يقل رسول الله: إنها ستكون لكم أنماط ؟
__________
(1) المصدر السابق ح 3607.
(2) صحيح مسلم في الفتن ح 24 ص 4 / 2227.
(3) المصدر السابق ح 25 ص (2227).
(4) صحيح مسلم كتاب الجنة ح 42 ص (2189) عن نافع عن ابن عمر.
(5) صحيح مسلم كتاب الدعاء ح 99 ص (2098).
وأخرجه الترمذي وابن ماجة كلاهما في الفتن وأخرجه الامام أحمد في المسند 3 / 22 شرح المفردات - خضرة: يحتمل أن المراد بها شيئان: أحدهما حسنة للنفوس ونضارتها ولذتها - والثاني سرعة فنائها كالشئ الاخضر.
- اتقوا الدنيا: أي اجتنبوا الافتتان بها وبالنساء.
(6) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء ح 97 ص 4 / 2097 عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله.
(7) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الزهد ح (6) ص 4 / 2274 والبخاري في أول الجزية.
والترمذي في القيامة وابن ماجة في الفتن، والامام أحمد في المسند 4 / 137.
(*)

(6/213)


فأتركها (1) * وفي الصحيحين والمسانيد والسنن وغيرها من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن سفيان بن أبي زهير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفتح اليمن فيأتي قوم يبثون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (2) * كذلك رواه عن هشام بن عروة جماعة كثيرون وقد أسنده الحافظ ابن عساكر من حديث مالك وسفيان بن عيينة وابن جريج وأبو معاوية ومالك بن سعد بن الحسن وأبو ضمرة أنس بن عياض وعبد العزيز بن أبي حازم وسلمة بن دينار وجرير بن عبد الحميد * ورواه أحمد عن يونس عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة * وعبد الرزاق عن ابن جريج عن هشام، ومن حديث مالك بن هشام به بنحوه * ثم روى أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن إسماعيل بن جعفر: أخبرني يزيد بن خصيفة أن بسر بن سعيد أخبره أنه سمع في مجلس المكيين (3) يذكرون أن سفيان أخبرهم، فذكر قصة وفيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ويوشك الشام أن يفتح فيأتيه رجال من هذا البلد - يعني المدينة - فيعجبهم ربعهم ورخاؤه والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، ثم يفتح العراق فيأتي قوم يثبون (4) فيحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون * وأخرجه ابن خزيمة من طريق إسماعيل، ورواه الحافظ ابن عساكر من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وكذا حديث ابن حوالة ويشهد لذلك: منعت الشام مدها ودينارها، ومنعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم (5) * وهو في الصحيح، وكذا حديث: المواقيت لاهل الشام واليمن، وهو في الصحيحين وعند مسلم: ميقات أهل العراق، ويشهد لذلك أيضا حديث: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل * وفي صحيح البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: اعدد ستا بين يدي
الساعة، فذكر موته عليه السلام، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان - وهو الوباء - ثم كثرة المال،
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة.
ومسلم في اللباس باب (7) ح 39.
(2) أخرجه البخاري في فضائل المدينة - باب (5) من رغب عن المدينة.
ومسلم في الحج (90) باب حديث 496.
وأخرجه الامام أحمد في مسنده: 5 / 220.
- يبثون: وفي رواية أحمد: يبسون بالسين أي يسوقون دوابهم سوقا لينا.
(3) في مسند أحمد 5 / 220: الليثيين.
(4) في المسند: يبسون.
(5) أخرجه مسلم في الصحيح عن عبيد بن يعيش في الفتن باب (8) ح 33 ص 4 / 2220.
شرح المفردات: - قفيزها: القفيز مكيال معروف لاهل العراق وهو ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف.
- مديها: مكيال معروف لاهل الشام يسع خمسة عشر مكوكا.
- الاردب: مكيال معروف بمصر يسع أربعة وعشرين صاعا.
(*)

(6/214)


ثم فتنة، ثم هدنة بين المسلمين والروم، وسيأتي الحديث فيما بعد (1) * وفي صحيح مسلم: من حديث عبد الرحمن بن شماسة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فأخرج منها.
قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة يختصمان في موضع لبنة فخرج منها (2) - يعني ديار مصر على يدي عمرو بن العاص في سنة عشرين كما سيأتي * وروى ابن وهب عن مالك والليث عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما * رواه البيهقي من حديث إسحاق بن راشد (3) عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه * وحكى أحمد بن حنبل (4) عن سفيان بن عيينة أنه سئل عن قوله: ذمة ورحما، فقال: من الناس من قال: إن أم إسماعيل - هاجر - كانت قبطية، ومن الناس من قال: أم إبراهيم قلت: الصحيح الذي لا شك فيه أنهما
قبطيتان كما قدمنا ذلك، ومعنى قوله: ذمة، يعني بذلك هدية المقوقس إليه وقبوله ذلك منه، وذلك نوع ذمام ومهادنة، والله تعالى أعلم * وتقدم ما رواه البخاري من حديث محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في فتح كنوز كسرى وإنتشار الامن، وفيضان المال حتى لا يتقبله أحد، وفي الحديث أن عديا شهد الفتح ورأى الظعينة ترتحل من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله، قال: ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، من كثرة المال حتى لا يقبله أحد * قال البيهقي: وقد كان ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز (5)، قلت: ويحتمل أن يكون ذلك متأخرا إلى زمن المهدي كما جاء في صفته، أو إلى زمن نزول عيسى بن مريم عليه السلام بعد قتله الدجال، فأنه قد ورد في الصحيح أنه يقتل الخنزيز، ويكسر الصليب، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد والله تعالى أعلم * وفي صحيح مسلم من حديث ابن أبي ذئب عن مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال هذا الدين قائما ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة، وليفتحن عصابة من المسلمين كنز القصر الابيض، قصر كسرى، وأنا فرطكم على الحوض، الحديث بمعناه (6) * وتقدم حديث
__________
(1) أخرجه البخاري عن الحميدي عن الوليد بن مسلم في الجزية فتح الباري 6 / 277.
(2) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.
باب (56) ص 1970.
(3) في الدلائل للبيهقي: أسد، والصواب ما أثبتناه فهو اسحاق بن راشد الجزري، أبو سليمان ثقة، في حديث عن الزهري بعض الوهم، من السابعة مات في خلافة أبي جعفر (التقريب 1 / 57 / 393 وانظر الدلائل 6 / 322).
(4) مسند أحمد ج 5 / 174.
(5) انظر دلائل البيهقي 6 / 323.
(6) راجع نص الحديث كما أخرجه مسلم في كتاب الامارة ص (3 / 1454).
(*)

(6/215)


عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعا: إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك
كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل * أخرجاه، وقال البيهقي: المراد زوال ملك قيصر، عن الشام، ولا يبقى فيها ملكه على الروم، لقوله عليه السلام، لما عظم كتابه: ثبت ملكه، وأما ملك فارس فزال بالكلية، لقوله: مزق الله ملكه (1)، وقد روى أبو داود: عن محمد بن عبيد، عن حماد عن يونس، عن الحسن أن عمر بن الخطاب - وروينا في طريق أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - لما جئ بفروة كسرى وسيفه ومنطقته وتاجه وسواريه، ألبس ذلك كله لسراقة بن مالك بن جعشم، وقال: قل الحمد لله الذي ألبس ثياب كسرى لرجل أعرابي من البادية، قال الشافعي: إنما ألبسه ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم قال لسراقة - ونظر إلى ذراعيه -: كأني بك وقد لبست سواري كسرى، والله أعلم (2) * وقال سفيان بن عيينة: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها، فقام رجل فقال: يا رسول الله هب لي ابنته نفيلة (3)، قال: هي لك، فأعطوه إياها، فجاء أبوها فقال: أتبيعها ؟ قال: نعم، قال: فبكم ؟ أحكم ما شئت، قال: ألف درهم، قال: قد أخذتها، فقالوا له: لو قلت ثلاثين ألفا لاخذها، فقال: وهل عدد أكثر من ألف ؟ * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا معاوية، عن ضمرة بن حبيب أن ابن زغب الايادي حدثه قال: نزل علي عبد الله بن حوالة الازدي فقال لي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغنم، فرجعنا ولم نغنم شيئا، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم، ثم قال: لتفتحن لكم الشام والروم وفارس، أو الروم وفارس، وحتى يكون لاحدكم من الابل كذا وكذا، ومن البقر كذا وكذا، ومن الغنم كذا وكذا، وحتى يعطي أحدكم مائة دينار فيسخطها، ثم وضع يده على رأسي أو على هامتي فقال: يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الارض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والامور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك (4) * ورواه أبو داود من حديث معاوية بن صالح * وقال أحمد: حدثنا حيوة بن
شريح، ويزيد بن عبد ربه قالا: ثنا بقية، حدثني بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن أبي قتيلة (5) عن ابن حوالة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيصير الامر إلى أن تكون جنود مجندة،
__________
(1) دلائل البيهقي 6 / 325.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 325.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 326: وفيه ذكر اسم ابنته بقيلة.
(4) مسند الامام أحمد ج 5 / 288.
(5) أبو قتيلة، وفي نسخ البداية المطبوعة أبو قيلة تحريف.
وهو الشرعبي واسمه مرثد.
(*)

(6/216)


جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، فقال ابن حوالة، خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: عليك بالشام فإنه خيرة الله من أرضه يجئ إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم واسعوا من غدره.
فإن الله تكفل لي بالشام وأهله (1) * وهكذا رواه أبو داود عن حيوة بن شريح به.
وقد رواه أحمد أيضا عن عصام بن خالد وعلي بن عياش كلاهما عن حريز بن عثمان، عن سليمان بن شمير، عن عبد الله بن حوالة، فذكر نحوه، ورواه الوليد بن مسلم الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول، وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عبد الله بن حوالة به * وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان، ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا يحيى بن حمزة، حدثني أبو علقمة - نصر بن علقمة - يروي (2) الحديث إلى جبير بن نفير.
قال: قال عبد الله بن حوالة: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه العري والفقر، وقلة الشئ، فقال: أبشروا فو الله لانا بكثرة الشئ أخوفني عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الامر فيكم حتى يفتح الله عليكم أرض الشام، أو قال: أرض فارس وأرض الروم وأرض حمير، وحتى تكونوا أجنادا ثلاثة، جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة فيسخطها، قال ابن حوالة: قلت: يا رسول الله ومن يستطيع الشام وبه الروم ذوات القرون ؟ قال: والله ليفتحها الله عليكم، وليستخلفنكم فيها حتى تطل
العصابة البيض منهم، قمصهم الملحمية.
أقباؤهم قياما على الرويحل، الاسود منكم المحلوق ما أمرهم من شئ فعلوه، وذكر الحديث (3)، قال أبو علقمة: سمعت عبد الرحمن بن مهدي (4) يقول: فعرف أصحاب رسول الله نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي (5)، وكان على الاعاجم في ذلك الزمان، فكانوا إذا رجعوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياما حوله فيعجبون لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وفيهم * وقال أحمد: حدثنا حجاج، ثنا الليث بن سعد، حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط النجيبي عن عبد الله بن حوالة الازدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نجا من ثلاث فقد نجا، قالوا: ماذا يا رسول الله ؟ قال: موتي، ومن قتال خليفة مصطبر بالحق يعطيه، والدجال (6) * وقال أحمد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عبد الله بن حوالة قال: أتيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل
__________
(1) رواه الامام أحمد من طرق في مسنده 4 / 110 و 5 / 33 و 34، 288 وأبو داود في الجهاد ج (3 / 4).
(2) في البيهقي: يرد.
(3) رواه الامام أحمد في مسنده 4 / 110 و 5 / 33 وأخرجه أبو داود في الجهاد ح 2483 والبيهقي في الدلائل 6 / 327.
(4) في البيهقي: جبير.
(5) ذكره ابن حجر في الاصابة 1 / 234.
(6) مسند أحمد ج 4 / 110 و 5 / 33، 288.
(*)

(6/217)


دومة، وهو عنده كاتب يملي عليه، فقال: ألا نكتبك يا ابن حوالة ؟ قلت: فيم يا رسول الله ؟ فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، ثم قال: ألا نكتبك يا ابن حوالة ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، ثم قال: ألا نكتبك يا ابن حوالة ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله ؟ فأعرض عني وأكب على كاتبه يملي عليه، قال: فنظرت فإذا في الكتاب عمر، فقلت: لا يكتب عمر إلا في خير، ثم قال: أنكبتك يا ابن
حوالة ؟ قلت: نعم، فقال: يا ابن حوالة، كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الارض كأنها صياصي نفر (1) ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: فكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأن الاولى منها انتفاجة أرنب ؟ قلت: لا أدري ما خار الله لي ورسوله، قال: ابتغوا هذا، قال: ورجل مقفى حينئذ، قال: فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا ؟ قال: نعم، قال: فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه (2) * وثبت في صحيح مسلم من حديث يحيى بن آدم عن زهير بن معاوية عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه * وقال يحيى بن آدم وغيره من أهل العلم: هذا من دلائل النبوة حيث أخبر عما ضربه عمر على أرض العراق من الدراهم والقفزان، وعما ضرب من الخراج بالشام ومصر قبل وجود ذلك، صلوات الله وسلامه عليه * وقد اختلف الناس في معنى قوله عليه السلام: منعت العراق الخ، فقيل: معناه أنهم يسلمون فيسقط عنهم الخراج، ورجحه البيهقي (3)، وقيل: معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم، ولهذا قال: وعدتم من حيث بدأتم، أي رجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم: إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء (4) * ويؤيد هذا القول ما رواه الامام أحمد: حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجئ إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك ؟ قال: من قبل العجم، يمنعون ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجئ إليهم دينار ولا مد، قلنا: من أين ذلك ؟ قال: من قبل الروم، يمنعون ذلك، قال: ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا، لا يعده عدا، قال الجريري: فقلت لابي نضرة وأبي
__________
(1) في المسند: بقر.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 109.
(3) انظر دلائل النبوة ج 6 / 330.
(4) أخرجه مسلم في كتاب الايمان ح 148 ص 1 / 131.
(*)

(6/218)


العلاء: أتريانه عمر بن عبد العزيز ؟ فقالا: لا (1) * وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن علية وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبدي عن جابر كما تقدم، والعجب أن الحافظ أبا بكر البيهقي احتج به على ما رجحه من أحد القولين المتقدمين، وفيما سلكه نظر، والظاهر خلافه * وثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لاهل المدينة ذا الخليفة، ولاهل الشام الجحفة، ولاهل اليمن يلملم، وفي صحيح مسلم عن جابر: ولاهل العراق ذات عرق، فهذا من دلائل النبوة، حيث أخبر عما وقع من حج أهل الشام واليمن والعراق، صلوات الله وسلامه عليه * وفي الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على الناس زمان يغزو فيه فئام (2) من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح الله لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من صحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان يغزو فيه فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صحب من صاحبهم ؟ فيقال: نعم، فيفتح الله لهم (3) * وثبت في الصحيحين: من حديث ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة * (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) * [ الجمعة: 3 ] فقال رجل: من هؤلاء يا رسول الله ؟ فوضع يده على سلمان الفارسي وقال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء (4)، وهكذا وقع كما أخبر به عليه السلام * وروى الحافظ البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن بشر (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتفتحن عليكم فارس والروم حتى يكثر الطعام فلا يذكر عليه إسم الله عز وجل * وروى الامام أحمد والبيهقي وابن عدي وغير واحد: من حديث
أوس بن عبد الله بن بريدة: عن أخيه سهل، عن أبيه عبد الله بن بريدة بن الخصيب مرفوعا: ستبعث بعوث فكن في بعث خراسان، ثم اسكن مدينة مرو، فإنه بناها ذو القرنين، ودعا لها بالبركة، وقال: لا يصيب أهلها سوء (6) * وهذا الحديث يعد من غرائب المسند، ومنهم من
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 317 ومسلم في الفتن ج 4 / 2234.
(2) فئام: جماعة من الناس.
(3) أخرجه البخاري في الجهاد: باب (76).
ومسلم في فضائل الصحابة باب (52) ح (208) ص (1962).
والترمذي في أول فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله والامام أحمد في مسنده 3 / 7.
(4) أخرجه البخاري في تفسير سورة الجمعة، ومسلم في فضائل الصحابة ح 231 ص 1972.
وأخرجه الترمذي في تفسير سورة الجمعة.
(5) في البيهقي: محمد بن عبد الرحمن بن عرق عن عبد الله بن بسر.
روى الحديث البيهقي في الدلائل 6 / 334 وابن ماجة مختصرا في الاطعمة: حديث (3263).
(6) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 332 والامام أحمد في مسنده ج 5 / 357 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10 / 64 (*)

(6/219)


يجعله موضوعا، فالله أعلم * وقد تقدم حديث أبي هريرة، من جميع طرقه في قتال الترك، وقد وقع ذلك كما أخبر به سواء بسواء، وسيقع أيضا * وفي صحيح البخاري من حديث شعبة، عن فرات القزاز، عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الانبياء: كلما هلك نبي، خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: فوا ببيعة الاول فالاول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم (1) * وفي صحيح مسلم من حديث أبي رافع عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان نبي إلا كان له حواريون يهدون بهديه، ويستنون بسنته، ثم يكون من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويعملون ما ينكرون (2) * وروى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن الحرث بن محمد بن حاطب الجمحي، عن سهيل (3) بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعد الانبياء خلفاء يعملون بكتاب الله، ويعدلون في عباد الله، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر، ويقتلون الرجال، ويصطفون الاموال، فمغير بيده، ومغير بلسانه، وليس وراء ذلك من الايمان شئ * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا جرير بن حازم، عن ليث، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله بدأ هذا الامر نبوة ورحمة، وكائنا خلافة ورحمة، وكائنا ملكا عضوضا، وكائنا عزة وجبرية وفسادا في الامة، يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز وجل، وهذا كله واقع (4) * وفي الحديث الذي رواه الامام أحمد وأبو داود والترمذي - وحسنه - والنسائي من حديث سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا * وفي رواية: ثم يؤتي ملكه من يشاء (5)، وهكذا وقع سواء، فأن أبا بكر رضي الله عنه كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان إثنتا عشرة سنة إلا إثنا عشر يوما، وكانت خلافة علي بن أبي طالب
__________
= وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والاوسط بنحوه، وفي اسناد أحمد والاوسط: أوس بن عبد الله، وفي اسناد الكبير حسام بن مصك مجمع على ضعفهما.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الانبياء، باب (50) ومسلم في الامارة، باب (10) ص 3 / 1471.
وأخرجه ابن ماجة في الجهاد.
والامام أحمد في المسند 2 / 297.
(2) أخرجه مسلم في صحيحه في الايمان 1 / 70 وأخرجه أحمد في مسنده 1 / 458، 461.
(3) من دلائل البيهقي 6 / 340 وفي الاصل اسماعيل تحريف.
وهو سهيل، ذكوان السمان، أبو يزيد المدني صدوق روى له البخاري، من السادسة، مات في خلافة المنصور (تقريب 1 / 338).
(4) رواه البيهقي في الدلائل عن أبي داود، 6 / 340.
(5) أخرجه أبو داود في السنة ح (4646) والامام أحمد في المسند 5 / 44 والترمذي في الفتن 4 / 503 ونقله البيهقي في الدلائل 6 / 341 (*)

(6/220)


خمس سنين إلا شهرين، قلت: وتكميل الثلاثين بخلافة الحسن بن علي نحوا من ستة أشهر، حتى نزل عنها لمعاوية عام أربعين من الهجرة، كما سيأتي بيانه وتفصيله * وقال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن فضيل، ثنا مؤمل، ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثون عاما ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، فقال معاوية: رضينا بالملك (2) * وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة، وعلى النواصب من بني أمية ومن تبعهم من أهل الشام، في إنكار خلافة علي بن أبي طالب، فإن قيل: فما وجه الجمع بين حديث سفينة هذا وبين حديث جابر بن سمرة المتقدم في صحيح مسلم: لا يزال هذا الدين قائما ما كان في الناس إثنا عشر خليفة كلهم من قريش ؟ فالجواب: إن من الناس من قال: إن الدين لم يزل قائما حتى ولي إثنا عشر خليفة، ثم وقع تخبيط بعدهم في زمان بني أمية، وقال آخرون: بل هذا الحديث فيه بشارة بوجود إثني عشر خليفة عادلا من قريش، وإن لم يوجدوا على الولاء، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة، ثم كانت بعد ذلك خلفاء راشدون، فيهم عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الاموي رضي الله عنه، وقد نص على خلافته وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين، غير واحد من الائمة، حتى قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: ليس قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز، ومنهم من ذكر من هؤلاء المهدي بأمر الله العباسي، والمهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان منهم أيضا بالنص على كونه من أهل البيت، واسمه محمد بن عبد الله، وليس بالمنتظر في سرداب سامرا، فإن ذاك ليس بموجود بالكلية، وإنما ينتظره الجهلة من الروافض * وقد تقدم في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت أن أدعو أباك وأخاك وأكتب كتابا لئلا يقول قائل، أو يتمنى متمن، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (3) * وهكذا وقع، فإن الله ولاه وبايعه المؤمنون قاطبة كما تقدم * وفي صحيح البخاري: أن امرأة قالت: يا رسول الله أرأيت إن جئت فلم أجدك ؟ - كأنها تعرض بالموت -
فقال: إن لم تجديني فأت أبا بكر * وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيتني على قليب، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها ابن الخطاب فاستحالت غربا (4)، فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه، حتى ضرب الناس بعطن (5)، قال الشافعي رحمه
__________
(1) في دلائل البيهقي 6 / 342 زاد: عن أبيه.
(2) رواه أبو داود في السنة 4 / 211 والترمذي في الفتن 4 / 503 والامام أحمد في المسند 4 / 273.
(3) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة (1) باب ح (11) ص (1857).
(4) الذنوب: الدلو المملؤة.
والغرب: الدلو العظيمة.
(5) ضرب الناس بعطن: أي أرووا إبلهم ثم أووها إلى عطنها وهو الموضع الذي تساق إليه بعد السقي لتستريح.
(*)

(6/221)


الله: رؤيا الانبياء وحي، وقوله: وفي نزعه ضعف، قصر مدته، وعجلة موته، وإشتغاله بحرب أهل الردة عن الفتح الذي ناله عمر بن الخطاب في طول مدته، قلت: وهذا فيه البشارة بولايتهما على الناس، فوقع كما أخبر سواء، ولهذا جاء في الحديث الآخر الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان: من حديث ربعي بن خراش، عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقال الترمذي: حسن، وأخرجه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم من طريق الزهري عن رجل عن أبي ذر حديث تسبيح الحصى في يد رسول الله، ثم يد أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، وقوله عليه السلام: هذه خلافة النبوة * وفي الصحيح عن أبي موسى قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا فدلى رجليه في القف فقلت: لاكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست خلف الباب فجاء رجل فقال: افتح، فقلت: من أنت ؟ قال: أبو بكر، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: افتح له وبشره بالجنة، ثم جاء عمر فقال كذلك، ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فدخل وهو يقول: الله المستعان (1) * وثبت في صحيح البخاري من حديث سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة عن أنس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال: اثبت، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان (2) * وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد أن حراء ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثبت ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، قال معمر: قد سمعت قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (3)، وقد روى مسلم عن قتيبة عن الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد (4) * وهذا من دلائل النبوة، فإن هؤلاء كلهم أصابوا الشهادة، واختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مراتب الرسالة والنبوة، واختص أبو بكر بأعلى مقامات الصديقية * وقد ثبت في الصحيح
__________
= والحديث أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ح 3676 وحديث 3682 عن ابن عمر.
ومسلم في فضائل الصحابة ح (17) ص (1860).
والترمذي في الرؤيا ح (2289) والامام أحمد في المسند 2 / 28، 29 و 5 / 455.
(1) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله باب (5) ومسلم في فضائل الصحابة باب (3).
(2) فتح الباري 7 / 22، 42، 53 وفي الترمذي كتاب المناقب ح 3697 وفي سنن أبي داود ح 4651 وفي مسند الامام أحمد 5 / 231، 346.
(3) أخرجه أبو داود في السنة جزء من حديث (4648) والترمذي في المناقب ح 3757 وقال: حديث حسن صحيح.
(4) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة ص 1880.
(*)

(6/222)


الشهادة للعشرة بالجنة بل لجميع من شهد بيعة الرضوان عام الحديبية، وكانوا ألفا وأربعمائة، وقيل: وثلثمائة، وقيل: وخمسمائة، وكلهم استمر على السداد والاستقامة حتى مات رضي الله عنهم أجمعين * وثبت في صحيح البخاري البشارة لعكاشة بأنه من أهل الجنة فقتل شهيدا يوم
اليمامة * وفي الصحيحين من حديث يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، تضئ وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر، فقام عكاشة بن محصن الاسدي يجر نمرة عليه، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أجعله منهم، ثم قام رجل من الانصار فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة (1) * وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة تفيد القطع، وسنورده في باب صفة الجنة، وسنذكر في قتال أهل الردة أن طلحة الاسدي قتل عكاشة بن محصن شهيدا رضي الله عنه، ثم رجع طلحة الاسدي عما كان يدعيه من النبوة وتاب إلى الله، وقدم على أبي بكر الصديق واعتمر وحسن إسلامه * وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت كأنه وضع في يدي سواران فقطعتهما، فأوحى إلي في المنام: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة * وقد تقدم في الوفود أنه قال لمسيلمة حين قدم مع قومه وجعل يقول: إن جعل لي محمد الامر من بعده اتبعته، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: والله لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لاراك الذي أريت فيه ما أريت * وهكذا وقع، عقره الله وأهانه وكسره وغلبه يوم اليمامة، كما قتل الاسود العنسي بصنعاء، على ما سنورده إن شاء الله تعالى * وروى البيهقي من حديث مبارك بن فضالة عن الحسن عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة فقال له مسيلمة: أتشهد أني رسول الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله وبرسله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا رجل أخر لهلكة قومه (2) * وقد ثبت في الحديث الآخر أن مسيلمة كتب بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد فإني قد أشركت في الامر بعدك، فلك المدر ولي الوبر، ولكن قريشا قوم يعتدون، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وقد جعل الله العاقبة لمحمد وأصحابه، لانهم هم المتقون وهم العادلون
المؤمنون، لا من عداهم * وقد وردت الاحاديث المروية من طرق عنه صلى الله عليه وسلم في الاخبار عن الردة التي وقعت في زمن الصديق فقاتلهم الصديق بالجنود المحمدية حتى رجعوا إلى دين الله أفواجا، وعذب
__________
(1) عكاشة قتل في بزاخة في خلافة أبي بكر، وقتله أحد المرتدين.
وانظر الحديث في الفتح 11 / 405 ومسلم في الايمان 1 / 197.
(2) دلائل النبوة ج 6 / 359.
(*)

(6/223)


ماء الايمان كما كان بعد ما صار أجاجا، وقد قال الله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين) * الآية، قال المفسرون: هم أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم * وثبت في الصحيحين من حديث عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة في قصة مسارة النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وإخباره إياها بأن جبريل كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وأنه عارضني العام مرتين، وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، فبكت، ثم سارها فأخبرها بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وأنها أول أهله لحوقا به (1) * وكان كما أخبر، قال البيهقي: واختلفوا في مكث فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: شهران، وقيل: ثلاثة، وقيل: ستة، وقيل: ثمانية، قال: وأصح الروايات رواية الزهري عن عروة عن عائشة قالت: مكثت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر * وأخرجاه في الصحيحين (2).
ومن كتاب دلائل النبوة في باب إخباره (صلى الله عليه وسلم) عن الغيوب المستقبلة فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إنه قد كان في الامم محدثون، فإن يكن في أمتي فعمر بن الخطاب * (3) وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيد الله بن موسى، أنا أبو إسرائيل - كوفي - عن الوليد بن العيزار، عن عمر بن ميمون عن علي رضي الله عنه.
قال: ما كنا ننكر ونحن متوافرون أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم)، أن السكينة تنطق على لسان عمر، قال البيهقي: تابعه زر بن حبيش والشعبي عن علي * (4) وقال يعقوب بن سفيان: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة عن
قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك * (5) وقد ذكرنا في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشياء كثيرة، ومن مكاشفاته وما كان يخبر به من المغيبات كقصة سارية بن زنيم، وما شاكلها ولله الحمد والمنة * ومن ذلك ما رواه البخاري: من حديث فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أن نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) اجتمعن عنده فقلن يوما: يا رسول الله أيتنا أسرع بك لحوقا ؟ فقال: أطولكن يدا، وكانت سودة أطولنا ذراعا، فكانت أسرعنا به لحوقا * (6) هكذا وقع في الصحيحين عند
__________
(1) أخرجه البخاري في الاستئذان.
باب (43) ومسلم في فضائل الصحابة ص (1905) وأخرج مثله الامام أحمد في مسنده 6 / 282 وابن سعد في الطبقات 2 / 247.
(2) أخرجه البخاري في المغازي باب (38) من حديث طويل.
ومسلم في الجهاد ح (52) ص (1380).
(3) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة ح 3689 فتح الباري 7 / 42 ومسلم في فضائل الصحابة ح (23) ص (1864).
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 369.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 370.
(6) أخرجه البخاري في الزكاة فتح الباري 3 / 285.
وعلق ابن الجوزي على قول البخاري قال: هذا الحديث = (*)

(6/224)


البخاري أنها سودة، وقد رواه يونس بن بكير عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي فذكر الحديث مرسلا وقال: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدا في الخير والصدقة، والذي رواه مسلم عن محمود بن غيلان عن الفضل بن موسى، عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فذكرت الحديث وفيه: فكانت زينب أطولنا يدا، لانها كانت تعمل بيدها وتصدق، وهذا هو المشهور عن علماء التاريخ أن زينب بنت جحش كانت أول أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وفاة * قال الواقدي: توفيت سنة عشرين، وصلى عليها عمر بن الخطاب، قلت: وأما سودة فإنها توفيت في آخر إمارة عمر بن الخطاب أيضا، قاله ابن أبي خيثمة * ومن
ذلك ما رواه مسلم من حديث أسيد بن جابر، عن عمر بن الخطاب في قصة أويس القرني، وإخباره عليه السلام عنه بأنه خير التابعين وأنه كان به برص فدعا الله فأذهبه عنه، إلا موضعا قدر الدرهم من جسده، وأنه بار بأمه وأمره لعمر بن الخطاب أن يستغفر له، وقد وجد هذا الرجل في زمان عمر بن الخطاب على الصفة والنعت الذي ذكره في الحديث سواء * وقد ذكرت طرق هذا الحديث وألفاظه والكلام عليه مطولا في الذي جمعته من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولله الحمد والمنة * ومن ذلك ما رواه أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، حدثني جرير بن عبد الله وعبد الرحمن بن خلاد الانصاري، عن أم ورقة بنت نوفل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرا قالت: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم، لعل الله يرزقني بالشهادة، فقال لها: قري في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة، فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في بيتها مؤذنا يؤذن لها، وكانت دبرت غلاما لها وجارية، فقاما إليها بالليل فغماها في قطيفة لها حتى مات وذهبا، فأصبح عمر فقام في الناس وقال: من عنده من هذين علم أو من رآهما فليجئ بهما، فجئ بهما، فأمر بهما فصلبا، وكانا أول مصلوبين بالمدينة * (1) وقد رواه البيهقي من حديث أبي نعيم: ثنا الوليد بن جميع، حدثني جدتي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، فذكر الحديث وفي آخره فقال عمر: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: انطلقوا بنا نزور الشهيدة * (2) ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك في
__________
= غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه ولا أصحاب التعاليق.
وكان الطيبي أكثر تساهلا في تبريره للبخاري قوله قال: يمكن أن يقال فيما رواه البخاري المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت سودة أولهن موتا.
وقال محي الدين: أجمع أهل السير والتاريخ على أن زينب أول من مات من أزواجه.
(1) رواه البيهقي في الدلائل عن أبي داود ج 6 / 382، وأخرجه ابن السكن وابن منده وأبو نعيم على ما في الاصابة (4 / 505).
(2) دلائل النبوة 6 / 381 وأخرجه الامام أحمد في مسنده 6 / 405.
(*)

(6/225)


حديثه عنه في الآيات الست بعد موته وفيه: ثم موتان بأحدكم كقصاص الغنم (1)، وهذا قد وقع في أيام عشر، وهو طاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ومات بسببه جماعات من سادات الصحابة، منهم معاذ بن جبل، وأبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبو جندل سهل بن عمر وأبوه، والفضل بن العباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهم أجمعين * وقد قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا النهاس بن قهم، ثنا شداد أبو عمار عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ست من أشراط الساعة، موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ في الناس كقصاص الغنم، وفتنة يدخل حربها بيت كل مسلم، وأن يعطى الرجل ألف دينار فيسخطها، وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بثمانين نبدا تحت كل نبد اثنا عشر ألفا * (2) وقد قال الحافظ البيهقي: أنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر، ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن حبان أنه سمع سليمان بن موسى يذكر أن الطاعون وقع بالناس يوم جسر عموسة فقام عمرو بن العاص فقال: يا أيها الناس، إنما هذا الوجع رجس فتنحوا عنه، فقام شرحبيل بن حسنة فقال: يا أيها الناس، إني قد سمعت قول صاحبكم، وإني والله لقد أسلمت وصليت، وإن عمرا لاضل من بعير أهله، وإنما هو بلاء أنزله الله عز وجل، فاصبروا، فقام معاذ بن جبل فقال: يا أيها الناس، إني قد سمعت قول صاحبيكم هذين، وإن هذا الطاعون رحمة ربكم ودعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وإني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستقدمون الشام فتنزلون أرضا يقال لها: أرض عموسة، فيخرج بكم فيها خرجان له ذباب كذباب الدمل.
يستشهد الله به أنفسكم وذراريكم ويزكي به أموالكم (3)، اللهم إن كنت تعلم أني قد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فارزق معاذا وآل معاذ منه الحظ الاوفى ولا تعافه منه، قال: فطعن في السبابة فجعل ينظر إليها ويقول: اللهم بارك فيها، فإنك إذا باركت في الصغير كان كبيرا، ثم طعن ابنه فدخل عليه فقال: * (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * [ البقرة:
147 ] فقال * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * * (4) وثبت في الصحيحين: من حديث الاعمس وجامع بن أبي راشد، عن شقيق بن سلمة عن حذيفة قال: كنا جلوسا عند عمر فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟ قلت: أنا، قال هات، إنك لجرئ، فقلت: ذكر
__________
(1) قعاص الغنم: بضم العين المهملة: هو داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شئ تموت فجأة.
قال أبو عبيد: ومنه أخذ الاقعاص وهو الفتل مكانه.
وقال ابن فارس: العقاص داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق.
والحديث أخرجه البخاري في الجزية.
فتح الباري 6 / 277 وابن ماجة في الفتن ح 4042 وبعضه في الادب في سنن أبي داود.
(2) رواه أحمد في المسند ج 5 / 228.
(3) أخرجه أحمد في المسند ج 4 / 195 - 196.
(4) سورة الصافات الآية 102.
والحديث رواه البيهقي في الدلائل 6 / 385.
(*)

(6/226)


فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره يكفرها الصلاة والصدقة والامر بالمعروف والنهي المنكر، فقال: ليس هذا أعني إنما أعني التي تموج موج البحر، فقلت: يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا، قال: ويحك، يفتح الله أم يكسر ؟ قلت: بل يكسر، قال: إذا لا يغلق أبدا، قلت: أجل، فقلنا لحذيفة: فكان عمر يعلم من الباب ؟ قال: نعم، وإني حدثته حديثا ليس بالاغاليط، قال: فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب، فقلنا لمسروق فسأله، فقال من بالباب ؟ قال: عمر (1)، وهكذا وقع من بعد مقتل عمر، وقعت الفتن في الناس، وتأكد ظهورها بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنهما * وقد قال يعلى بن عبيد، عن الاعمش، عن سفيان، عن عروة بن قيس قال خطبنا خالد بن الوليد فقال: إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند، فقال رجل من تحته: اصبر أيها الامير، فإن الفتن قد ظهرت، فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا، وإنما ذاك بعده * (2) وقد روى الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه
قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ثوبا فقال: أجديد ثوبك أم غسيل ؟ قال: بل غسيل، قال: البس جديدا، وعش حميدا، ومت شهيدا، وأظنه قال: ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة * (3) وهكذا رواه النسائي وابن ماجه من حديث عبد الرزاق به، ثم قال النسائي، هذا حديث منكر، أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق، وقد روي عن الزهري من وجه آخر مرسلا، قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: لا أعلم أحدا رواه عن الزهري غير معمر، وما أحسبه بالصحيح، والله أعلم * قلت: رجال إسناده وإتصاله على شرط الصحيحين وقد قيل الشيخان، تفرد معمر عن الزهري في غير ما حديث، ثم قد روى البزار هذا الحديث من طريق جابر الجعفي - وهو ضعيف - عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله سواء، وقد وقع ما أخبر به في هذا الحديث فإنه رضي الله عنه قتل شهيدا وهو قائم يصلي الفجر في محرابه من المسجد النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام * وقد تقدم حديث أبي ذر في تسبيح الحصا في يد أبي بكر ثم عمر ثم عثمان، وقوله عليه السلام: هذه خلافة النبوة * وقال نعيم بن حماد: ثنا عبد الله بن المبارك، أنا خرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه، ثم جاء عثمان بحجر فوضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هؤلاء يكونون خلفاء بعدى * وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة قوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من نجا منهن فقد نجا، موتي، وقتل خليفة مصطبر، والدجال، وفي حديثه الآخر، الامر بإتباع عثمان عند وقع الفتنة * وثبت في الصحيحين من
__________
(1) أخرجه البخاري في الفتن.
باب (4).
ومسلم في الفتن.
باب (7).
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 387 وفيه: حدثنا الاعمش عن شقيق عن عروة بن قيس.
(3) أخرجه أحمد في المسند ج 2 / 89.
(*)

(6/227)


حديث سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى قال: توضأت في بيتي، ثم خرجت فقلت: لاكونن اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت المسجد فسألت عنه
فقالوا: خرج وتوجه ههنا، فخرجت في أثره حتى جئت بئر أريس - وما بها من جريد - فمكثت عند بابها حتى علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قضى حاجته وجلس، فجئته فسلمت عليه فإذا هو قد جلس على قف بئر أريس فتوسطه ثم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه، فرجعت إلى الباب وقلت: لاكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أنشب أن دق الباب فقلت: من هذا ؟ قال: أبو بكر، قلت: على رسلك، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن لي وبشره بالجنة، قال: فخرجت مسرعا حتى قلت لابي بكر: ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جلس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في القف على يمينه ودلى رجليه وكشف عن ساقيه كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم رجعت وقد كنت تركت أخي يتوضأ وقد كان قال لي: أنا على إثرك، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، قال: فسمعت تحريك الباب، فقلت: من هذا ؟ قال: عمر، قلت: على رسلك، قال: وجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وأخبرته، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فجئت وأذنت له وقلت له: رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، قال: فدخل حتى جلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على يساره، وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قال: ثم رجعت فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا يأت به، يريد أخاه، فإذا تحريك الباب، فقلت: من هذا ؟ قال: عثمان بن عفان، قلت: على رسلك، وذهبت إلى رسول الله فقلت: هذا عثمان يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، قال: فجئت فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لك ويبشرك بالجنة على بلوى أو بلاء يصيبك، فدخل وهو يقول: الله المستعان، فلم يجد في القف مجلسا فجلس وجاههم من شق البئر، وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، قال سعيد بن المسيب، فأولتها قبورهم (1)، اجتمعت وانفرد عثمان * وقد روى البيهقي من حديث عبد الاعلى بن أبي المساور، عن إبراهيم بن محمد بن حاطب، عن عبد الرحمن بن بجير، عن زيد بن أرقم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق حتى تأتي أبا بكر فتجده في داره جالسا محتبيا فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي الثنية فتلقى
عمر راكبا على حمار تلوح صلعته، فقل: إن رسول الله يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة، ثم انصرف حتى تأتي عثمان فتجده في السوق يبيع ويبتاع، فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام.
ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد، فذكر الحديث في ذهابه إليهم فوجد كلا منهم كما
__________
(1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة (5) باب.
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة.
باب (3).
- بئر أريس: بستان بالمدينة معروف، وهو بالقرب من قباء.
- القف: هو الداكة التي تجعل حول البئر، وأصله ما غلظ من الارض وارتفع والجمع قفاف.
(*)

(6/228)


ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا منهم يقول: أين رسول الله ؟ فيقول: في مكان كذا وكذا، فيذهب إليه، وأن عثمان لما رجع قال: يا رسول الله وأي بلاء يصيبني ؟ والذي بعثك بالحق ما تغيب ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك فأي بلاء يصيبني ؟ فقال: هو ذاك ثم قال البيهقي: عبد الاعلى ضعيف، فإن كان حفظ هذا الحديث فيحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم زيد بن أرقم فجاء وأبو موسى الاشعري جالس على الباب كما تقدم (1) * وهذا البلاء الذي أصابه هو ما اتفق وقوعه على يدي من أنكر عليه من رعاع أهل الامصار بلا علم، فوقع ما سنذكره في دولته إن شاء الله من حصرهم إياه في داره حتى آل الحال بعد ذلك كله إلى إضطهاده وقتله وإلقائه على الطريق أياما، لا يصلى عليه ولا يلتفت إليه، حتى غسل بعد ذلك وصلى عليه ودفن بحش كوكب - بستان في طريق البقيع - رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس متقلبة ومثواه * كما قال الامام أحمد، حدثنا يحيى، عن إسماعيل عن قيس، عن أبي سهلة مولى عثمان عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي بعض أصحابي، قلت: أبو بكر ؟ قال: لا، قلت: عمر ؟ قال: لا، قلت: ابن عمك علي ؟ قال: لا، قلت: عثمان ؟ قال: نعم، فلما جاء عثمان قال: تنحى، فجعل يساره ولون عثمان يتغير، قال أبو سهلة: فلما كان يوم الدار وحضر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل ؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا وإني صابر نفسي عليه (2) * تفرد به أحمد، ثم قد رواه أحمد عن وكيع عن إسماعيل عن قيس عن عائشة فذكر
مثله، وأخرجه ابن ماجه من حديث وكيع * وقال نعيم بن حماد في كتابه الفتن والملاحم: حدثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان بين يديه يناجيه، فلم أدرك من مقالته شيئا إلا قول عثمان: ظلما وعدوانا يا رسول الله ؟ فما دريت ما هو حتى قتل عثمان، فعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عنى قتله، قالت عائشة: وما أحببت أن يصل إلى عثمان شئ إلا وصل إلي مثله غيره إن شاء الله علم أني لم أحب قتله، ولو أحببت قتله لقتلت، وذلك لما رمى هودجها من النبل حتى صار مثل القنفذ * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب (3) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم (4) * وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن بشران، أنا علي بن محمد المصري، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 389 - 391.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده.
(3) في رواية البيهقي: عن المطلب عن حذيفة، وقال البيهقي: هكذا قال أبو داود.
(4) أخرجه الترمذي في الفتن.
باب (9) ح (2170) وأخرجه ابن ماجة في الفتن ح (4043) والامام أحمد في المسند 5 / 389.
(*)

(6/229)


أبي هلال، عن ربيعة بن سيف أنه حدثه أنه جلس يوما مع شفي الاصبحي فقال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون فيكم اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق، لا يلبث خلفي إلا قليلا، وصحاب رحى العرب يعيش حميدا ويموت شهيدا، فقال رجل: ومن هو يا رسول الله ؟ قال: عمر بن الخطاب، ثم التفت إلى عثمان فقال: وأنت يسألك الناس أن تخلع قميصا كساكه الله، والذي بعثني بالحق لئن خلعته لا تدخل الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (1) * ثم روى البيهقي من حديث موسى بن عقبة: حدثني جدي أبو أمي،
أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم ستلقون بعدي فتنة وإختلافا، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله ؟ أو ما تأمرنا ؟ فقال: عليكم بالامين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك (2) * وقد رواه الامام أحمد عن عفان، عن وهيب عن موسى بن عقبة به، وقد تقدم في حديث عبد الله بن حوالة شاهدان له بالصحة والله أعلم * وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية، عن عبد الله - هو ابن مسعود - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تدور رحى الاسلام لخمس وثلاثين، أو ست وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من قد هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما (3)، قال: قلت: أمما مضى أو مما بقي ؟ * ورواه أبو داود عن محمد بن سليمان الانباري عن عبد الرحمن بن مهدي به، ثم رواه أحمد عن إسحاق، وحجاج عن سفيان عن منصور عن ربعي عن البراء بن ناجية الكاهلي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رحى الاسلام ستزول لخمس وثلاثين، أو سبع وثلاثين، فإن تهلك فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما، قال.
قال عمر: يا رسول الله أبما مضى أو بما بقى ؟ قال: بل بما بقى * وهكذا رواه يعقوب بن سفيان، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل عن منصور به، فقال له عمر فذكره، قال البيهقي: وقد تابع إسرائيل الاعمش وسفيان الثوري عن منصور، قال: وبلغني أن في هذا إشارة إلى الفتنة التي كان منها قتل عثمان سنة خمس وثلاثين، ثم إلى الفتن التي كانت في أيام علي، وأراد بالسبعين ملك بني أمية، فإنه بقي بين ما استقر لهم الملك إلى أن ظهرت الدعاة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيه، نحوا من سبعين سنة (4) * قلت: ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين، وقاتل علي الخوارج في أثناء ذلك، كما تقدم الحديث المتفق
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 392 - 393.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 393 ورواه الامام أحمد في المسند 2 / 345.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 390، 393، 395، 451 ورواه أبو داود في أول كتاب الفتن.
ورواه
الحاكم في المستدرك 4 / 521 وقال: " صحيح الاسناد ولم يخرجاه " وافقه الذهبي.
(4) انظر الدلائل للبيهقي ج 6 / 394.
(*)

(6/230)


على صحته، في الاخبار بذلك، وفي صفتهم وصفة الرجل المخدج فيهم * حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الاشتر، عن أبيه عن أم ذر قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال: ما يبكيك ؟ فقلت: ومالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض ولا يد لي بدفنك، وليس عندي ثوب يسعك فأكفنك فيه، قال فلا تبكي وابشري، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليموتن رجل منك بفلاة من الارض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذب ولا كذبت (1) * تفرد به أحمد رحمه الله، وقد رواه البيهقي من حديث علي بن المديني، عن يحيى بن سليم الطائفي به مطولا، والحديث مشهور في موته رضي الله عنه بالربذة سنة ثنتين وثلاثين، في خلافة عثمان بن عفان، وكان في النفر الذين قدموا عليه [ وهو ] في السياق عبد الله بن مسعود وهو الذي صلى الله عليه ثم قدم المدينة فأقام بها عشر ليال ومات رضي الله عنه.
حديث آخر قال البيهقي: أنا الحاكم، أنا الاصم، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا عمر بن سعيد الدمشقي، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي عبد الله الاشعري عن أبي الدرداء.
قال: قلت: يا رسول الله بلغني أنك تقول: ليرتدن أقوام بعد إيمانهم، قال: أجل، ولست منهم.
قال: فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان (2) * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا صفوان، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا عبد الله أبو عبد الغفار بن إسماعيل بن عبيد الله عن أبيه أنه حدثه عن شيخ من السلف قال: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني فرطكم على
الحوض، أنتظر من يرد علي منكم، فلا ألفين أنازع أحدكم، فأقول: إنه من أمتي، فيقال: هل تدري ما أحدثوا بعدك (3) ؟ قال أبو الدرداء: فتخوفت أن أكون منهم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنك لست منهم، قال فتوفي أبو الدرداء قبل أن يقتل عثمان، وقبل أن
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 5 / 155.
ورواه البيهقي في الدلائل مطولا ج 6 / 401.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 403 وذكره الهيثمي في الزوائد 9 / 367 وقال: " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد الله الاشعري، وهو ثقة ".
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 403 والهيثمي في الزوائد 9 / 367 وقال: رواه الطبراني في الاواسط والبزار بنحوه ورجالهما ثقات.
(*)

(6/231)


تقع الفتن * قال البيهقي: تابعه يزيد بن أبي مريم عن أبي عبيد الله (1) مسلم بن مشكم (2) عن أبي الدرداء إلى قوله: لست منهم، قلت: قال سعيد بن عبد العزيز توفي أبو الدرداء لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وقال الواقدي وأبو عبيد وغير واحد: توفي سنة ثنتين وثلاثين، رضي الله عنه.