البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
الاخبار عن بيت ميمونة بنت الحارث بسرف
قال البخاري في التاريخ: أنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد الواحد بن زياد،
ثنا عبد الله بن عبد الله بن الاصم، ثنا يزيد بن الاصم قال: ثقلت
ميمونة بمكة وليس عندها من بني أختها أحد، فقالت: أخرجوني من مكة فإني
لا أموت بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني لا أموت
بمكة، فحملوها حتى أتوا بها إلى سرف، الشجرة التي بنى بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم تحتها في موضع القبة، فماتت رضي الله عنها، قلت:
وكان موتها سنة إحدى وخمسين (2) على الصحيح.
ما روي في إخباره عن مقتل حجر بن عدي
وأصحابه
قال يعقوب بن سفيان ثنا ابن بكير، ثنا ابن لهيعة، حدثني الحارث بن
يزيد، عن عبد الله بن زرير (3) الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب
يقول: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء (4)، مثلهم كمثل
أصحاب الاخدود * فقتل حجر بن عدي وأصحابه، وقال يعقوب بن سفيان: قال
أبو نعيم ذكر زياد بن سمية علي بن أبي طالب على المنبر فقبض حجر على
الحصباء ثم أرسلها وحصب من حوله زيادا فكتب إلى معاوية يقول: إن حجرا
حصبني وأنا على المنبر، فكتب إليه معاوية أن يحمل حجرا، فلما قرب من
دمشق بعث من يتلقاهم، فالتقى معهم بعذراء فقتلهم، قال البيهقي: لا يقول
على مثل هذا إلا أنه يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال
يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة ثنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن أبي
الاسود قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء
حجرا وأصحابه ؟ فقال: يا
__________
(1) الحديث أخرجه الامام أحمد من وجهين في المسند 5 / 452 والبخاري في
مناقب الانصار فتح الباري 7 / 129 وأعاده في التعبير، فتح الباري 12 /
397 وفي التعليق بالعروة 12 / 401.
وأخرجه مسلم في فضائل الصحابة ح (148).
والبيهقي في الدلائل 7 / 28 - 29.
(2) ذكر الواقدي أن موتها كان سنة إحدى وستين عن ثمانين أو إحدى
وثمانين سنة (ابن سعد 8 / 140).
(3) من دلائل البيهقي، وفي الاصل: رزين تحريف.
وهو الغافقي المصري ثقة مات سنة ثمانين أو بعدها (تقريب التهذيب 1 /
415).
(4) عذراء: قرية من قرى غوطة دمشق بالقرب منها راهط.
(*)
(6/252)
أم المؤمنين،
إني رأيت قتلهم إصلاحا للامة، وأن بقاءهم فسادا، فقالت: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: سيقتل بعذراء ناس يغصب الله لهم وأهل السماء
* وقال يعقوب بن سفيان: ثنا عمرو بن عاصم، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن
زيد، عن سعيد بن المسيب عن مروان بن الحكم قال: دخلت مع معاوية على أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا معاوية قتلت حجرا وأصحابه
وفعلت الذي فعلت، أما خشيت أن أخبئ لك رجلا فيقتلك ؟ قال: لا، إني في
بيت أمان، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الايمان قيد الفتك
لا يفتك، لا يفتك مؤمن يا أم المؤمنين، كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك
؟ قالت: صالح، قال: فدعيني وحجرا حتى نلتقي عند ربنا عز وجل (1).
حديث آخر قال يعقوب بن سفيان: ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا
شعبة، عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه: آخركم موتا في النار، فيهم سمرة بن
جندب، قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتا، قال البيهقي: رواته ثقات
إلا أن أبا نضرة العبدي لم يثبت له من أبي هريرة سماع والله أعلم (2) *
ثم روي من طريق إسماعيل بن حكيم عن يونس بن عبيد، عن الحسن عن أنس بن
حكيم قال: كنت أمر بالمدينة فألقى أبا هريرة فلا يبدأ بشئ حتى يسألني
عن سمرة، فلو أخبرته بحياته وصحته فرح وقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن
رسول الله قام علينا ونظر في وجوهنا وأخذ بعضادتي الباب وقال: آخركم
موتا في النار، فقد مات منا ثمانية ولم يبق غيري وغيره، فليس شئ أحب
إلي من أن أكون قد ذقت الموت (3) * وله شاهد من وجه آخر، وقال يعقوب بن
سفيان: ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد بن
سلمة، عن علي بن زيد عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة
سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فقلت لابي
محذورة: مالك إذا قدمت عليك تسألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني
عنك ؟ فقال: إني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت فجاء النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: آخركم موتا في النار * قال: فمات أبو هريرة ثم مات أبو
محذورة ثم مات سمرة (4) * وقال عبد الرزاق: أنا معمر: سمعت ابن طاوس
وغيره يقولون: قال
__________
(1) روى خبر حجر يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 321
والبيهقي في الدلائل 6 / 456 - 457.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 458.
ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ 3 / 356 قال الذهبي في سير أعلام
النبلاء 3 / 184 غريب جدا ولم يصح لابي نضرة سماع من أبي هريرة.
(3) المصدر السابق.
وبه أنس بن حكيم مجهول.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 459.
(*)
(6/253)
النبي صلى الله
عليه وسلم لابي هريرة وسمرة بن جندب ولرجل آخر: آخركم موتا في النار،
فمات الرجل قبلهما وبقي أبو هريرة وسمرة، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ
أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة
قبل سمرة وقتل سمرة بشرا كثيرا * وقد ضعف البيهقي عامة هذه الروايات
لانقطاع بعضها وإرساله، ثم قال: وقد قال بعض أهل العلم: إن سمرة مات في
الحريق، ثم قال: ويحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو منها بإيمانه
فيخرج منها بشفاعة الشافعين، والله أعلم * ثم أورد من طريق هلال بن
العلاء الرقي أن عبد الله بن معاوية حدثهم عن رجل قد سماه أن سمرة
استجمر فغفل عن نفسه وغفل أهله عنه حتى أخذته النار (1)، قلت: وذكر
غيره أن سمرة بن جندب رضي الله عنه أصابه كرار شديد، وكان يوقد له على
قدر مملوءة ماءا حارا فيجلس فوقها ليتدفأ ببخارها فسقط يوما فيها فمات
رضي الله عنه، وكان موته سنة تسع وخمسين بعد أبي هريرة بسنة (2)، وقد
كان ينوب عن زياد بن سمية في البصرة إذا سار إلى الكوفة، وفي الكوفة
إذا سار إلى البصرة، فكان يقيم في كل منهما ستة أشهر من السنة، وكان
شديدا على
الخوارج، مكثرا للقتل فيهم، ويقول: هم شر قتلى تحت أديم السماء، وقد
كان الحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهما من علماء البصرة يثنون عليه
رضي الله عنه.
خبر رافع بن خديج روى البيهقي من حديث مسلم بن إبراهيم عن عمرو بن
مرزوق الواشحي (3)، ثنا يحيى بن عبد الحميد بن رافع، عن جدته أن رافع
بن خديج رمي - قال عمر: لا أدري أيهما قال - يوم أحد أو يوم حنين بسهم
في ثندوته، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله انزع
لي السهم، فقال له: يا رافع إن شئت نزعت السهم والقبضة (4) جميعا، وإن
شئت نزعت السهم وتركت القبضة وشهدت لك يوم القيامة أنك شهيد، فقال: يا
رسول الله، أنزع السهم واترك القبضة واشهد لي يوم القيامة أني شهيد،
قال: فعاش حتى كانت خلافة معاوية انتقض الجرح فمات بعد العصر * هكذا
وقع في هذه الرواية أنه مات في إمارة معاوية، والذي ذكره الواقدي وغير
واحد أنه مات سنة ثلاث، وقيل: أربع وسبعين، ومعاوية رضي الله عنه كانت
وفاته في سنة ستين بلا خلاف، والله أعلم.
__________
(1) دلائل البيهقي 6 / 460.
(2) ذكر في الاصابة موته سنة ستين، وقال الواقدي مات أبو هريرة سنة تسع
وخمسين أما ابن عبد البر فذكر وفاة سمرة سنة ثمان وخمسين سقط في قدر
مملؤة ماء حارا كان يتعالج منه من كزاز شديد أصابه.
(3) كذا في الدلائل، وفي نسخ البداية المطبوعة الواضحي.
(4) في دلائل البيهقي: والقطبة.
في كل المواضع 6 / 463.
(*)
(6/254)
إخباره صلى الله عليه وسلم لما وقع من الفتن من بني هاشم بعد موته
قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرني سفيان، عن الاعمش، عن زيد بن
وهب، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستكون أثرة وأمور
تنكرونها، قالوا: يا رسول الله: فما تأمرنا ؟ قال: تؤدون الحق الذي
عليكم، وتسألون الله الذي لكم (1) * وقال البخاري: ثنا
محمد بن عبد الرحيم، أنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم، ثنا أبو أسامة،
ثنا شعبة، عن أبي التياح، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يهلك الناس هذا الحي من قريش، قالوا: فما
تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم (2) * ورواه مسلم عن
أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة، وقال البخاري: قال محمود: ثنا أبو
داود، أخبرنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت أبا زرعة، وحدثنا أحمد بن
محمد المكي، ثنا عمرو بن يحيى بن سعيد الاموي عن جده قال: كنت مع مروان
وأبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلاك أمتي
على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: غلمة ؟ قال أبو هريرة: إن شئت أن
أسميهم فلان وبني فلان (3) * تفرد به البخاري * وقال أحمد: ثنا روح،
ثنا أبو أمية عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، أخبرني
جدي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: هلكة أمتي على يدي غلمة، قال مروان: وهم معنا في
الحلقة قبل أن يلي شيئا، فلعنة الله عليهم غلمة، قال: أما والله لو
أشاء أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت، قال: فكنت أخرج مع أبي وجدي
إلى بني مروان - بعد ما ملكوا - فإذا هم يبايعون الصبيان، ومنهم من
يبايع له وهو في خرقة، قال لنا: عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذي سمعت
أبا هريرة يذكر أن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا (4) * وقال أحمد: حدثنا
عبد الرحمن عن سفيان عن سماك، حدثني عبد الله بن ظالم قال: سمعت أبا
هريرة قال: سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: إن فساد أمتي
على يدي غلمة سفهاء من قريش * ثم رواه أحمد عن زيد بن الخباب عن سفيان
وهو الثوري عن سماك، عن مالك بن ظالم، عن أبي هريرة فذكره.
ثم روى غندر وروح بن عبادة عن سفيان عن سماك بن حرب عن مالك بن ظالم
قال: سمعت أبا هريرة، زاد روح: يحدث مروان بن الحكم، قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: هلاك أمتي على يد غلمة
أمراء سفهاء من قريش (5) * وقال الامام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن،
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة ح 3603 فتح الباري 6 / 612.
(2) المصدر السابق حديث 3604 ومسلم في الفتن ح (74) ص (4 / 2236).
وأخرجه الامام أحمد في مسنده
2 / 301.
(3) المصدر السابق حديث 3605.
(4) أخرجه أحمد في المسند 2 / 324 وفيه: هلاك أمتي على يد غلمة من
قريش.
(5) أخرجه أحمد في مسنده 2 / 288، 299، 304، 485، (*)
(6/255)
حدثنا حيوة،
حدثني بشر بن أبي عمرو الخولاني: أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه
سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يكون خلف من بعد الستين سنة [ أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات فسوف
يلقون غيا ] ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن
ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر، وقال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة
؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به (1) * تفرد
به أحمد، وإسناده جيد قوي على شرط السنن * وقد روى البيهقي: عن الحاكم،
عن الاصم، عن الحسن بن علي بن عفان عن أبي أسامة، عن مجالد، عن الشعبي
قال: لما رجع علي من صفين قال: أيها الناس، لا تكوهوا إمارة معاوية إنه
لو فقدتموه لقد رأيتم الرؤوس تنزو من كواهلها كالحنظل * ثم روى عن
الحاكم وغيره عن الاصم، عن العباس بن الوليد بن مزيد (2) عن أبيه عن
جابر عن عمير بن هانئ أنه حدثه أنه قال: كان أبو هريرة يمشي في سوق
المدينة وهو يقول: اللهم لا تدركني سنة الستين، ويحكم تمسكوا بصدغي
معاوية، اللهم لا تدركني إمارة الصبيان، قال البيهقي: وعلي وأبو هريرة
إنما يقولان: هذا الشئ سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال
يعقوب بن سفيان: أنا عبد الرحمن بن عمرو الحزامي، ثنا محمد بن سليمان
عن أبي تميم البعلبكي عن هشام بن الغاز عن ابن مكحول (3) عن أبي ثعلبة
الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يزال هذا الامر معتدلا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية *
وروى البيهقي من طريق عوف الاعرابي عن أبي خلدة عن أبي العالية عن أبي
ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول من يبدل سنتي
رجل من بني أمية (4)، وهذا منقطع بين أبي العالية وأبي ذر وقد رجحه
البيهقي بحديث أبي
عبيدة المتقدم، قال: ويشبه أن يكون هذا الرجل هو يزيد بن معاوية بن أبي
سفيان، والله أعلم * قلت: الناس في يزيد بن معاوية أقسام فمنهم من يحبه
ويتولاه، وهم طائفة من أهل الشام، من النواصب، وأما الروافض فيشنعون
عليه ويفترون عليه أشياء كثيرة ليست فيه ويتهمه كثير منهم بالزندقة،
ولم يكن كذلك، وطائفة أخرى لا يحبونه ولا يسبونه لما يعلمون من أنه لم
يكن زنديقا كما تقوله الرافضة، ولما وقع في زمانه من الحوادث الفظيعة،
والامور المستنكرة البشعة الشنيعة، فمن أنكرها قتل الحسين بن علي
بكربلاء، ولكن لم يكن ذلك من علم منه، ولعله لم يرض به ولم يسؤه، وذلك
من الامور المنكرة جدا، ووقعة الحرة كانت من الامور القبيحة بالمدينة
النبوية على ما سنورده إذا انتهينا إليه في التاريخ إن شاء الله تعالى.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 3 / 38 - 39 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 6
/ 465.
(2) من الدلائل 6 / 466 وفي الاصل زيد تحريف.
وهو ثقة صدوق مات وله مائة سنة (تقريب التهذيب).
(3) العبارة في البيهقي 6 / 467 أخبرنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني،
حدثنا محمد بن سليمان عن ابن غنيم البعلبكي عن هشام بن الغاز عن
مكحول...(4) دلائل النبوة ج 6 / 467.
(*)
(6/256)
|