البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
الاخبار بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما
وقد ورد في الحديث بمقتل الحسن فقال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد بن
حسان، ثنا عمارة - يعني ابن زاذان - عن ثابت عن أنس قال: استأذن ملك
المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فقال لام سلمة:
احفظي علينا الباب: لا يدخل علينا أحد، فجاء الحسين بن علي، فوثب حتى
دخل، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له الملك:
أتحبه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، قال: فإن أمتك تقتله، وإن
شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر،
فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها، قال: فكنا نسمع يقتل
بكربلاء (1) * ورواه البيهقي من حديث بشر بن موسى عن عبد الصمد عن
عمارة، فذكره، ثم قال: وكذلك رواه
سفيان بن فروخ عن عمارة، وعمارة بن زاذان هذا هو الصيدلاني أبو سلمة
البصري اختلفوا فيه، وقد قال فيه أبو حاتم، يكتب حديثه ولا يحتج به ليس
بالمتين، وضعفه أحمد مرة ووثقه أخرى، وحديثه هذا قد روي عن غيره من وجه
آخر، فرواه الحافظ البيهقي من طريق عمارة بن غزية (2) عن محمد بن
إبراهيم عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها نحو هذا * وقد قال
البيهقي: أنا الحاكم في آخرين (3)، قالوا: أنا الاصم، أنا عباس الدوري،
ثنا محمد بن خالد بن مخلد، ثنا موسى بن يعقوب، عن هاشم بن هاشم عن عتبة
بن أبي وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة، أخبرتني أم سلمة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد، ثم
استيقظ وهو حائر دون ما رأيت منه في المرة الاولى، ثم اضطجع واستيقظ
وفي يده تربة حمراء وهو يقلبها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله ؟
فقال: أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - قلت له: يا
جبريل أرني تربة الارض التي يقتل بها، فهذه تربتها * ثم قال البيهقي:
تابعه أبو موسى الجهني، عن صالح بن يزيد النخعي عن أم سلمة، وأبان عن
شهر بن حوشب عن أم سلمة (4) * وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده:
ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا الحسين بن عيسى، ثنا الحكم بن أبان
عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله
عليه وسلم فقال جبريل: أتحبه ؟ فقال: وكيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟
فقال ؟ أما إن أمتك ستقتله، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة فإذا
تربة حمراء * ثم قال
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في المسند 3 / 242، 265.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: " رواه الطبراني واسناده حسن "
والبيهقي في الدلائل 6 / 469.
(2) من الدلائل، وفي الاصل عرفة تحريف.
وهو ابن الحارث الانصاري المازني المدني لا بأس به روى عن أنس مرسله من
السادسة مات سنة أربعين (تقريب التهذيب).
(3) في الدلائل: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن
القاضي، وأبو محمد بن أبي حامد المقري...(4) رواه البيهقي في الدلائل 6
/ 468.
(*)
(6/257)
البزار: لا
نعلمه يروى إلا بهذا الاسناد، والحسين بن عيسى قد حدث عن الحكم بن أبان
بأحاديث لا نعلمها عند غيره.
قلت: هو الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي أبو عبد الرحمن الكوفي أخو سليم
القاري، قال البخاري: مجهول - يعني مجهول الحال - وإلا فقد روى عنه
سبعة نفر، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، روي
عن الحكم بن أبان أحاديث منكرة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن
عدي: قليل الحديث، وعامة حديثه غرائب، وفي بعض أحاديثه المنكرات * وروى
البيهقي عن الحكم وغيره عن أبي الاحوص: محمد بن الهيثم القاضي (1): ثنا
محمد بن مصعب، ثنا الاوزاعي، عن أبي عمار شداد بن عبد الله، عن أم
الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال.
وما هو ؟ قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، قال: رأيت
خيرا، تلك فاطمة إن شاء الله تلد غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة
الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته في
حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
تهريقان الدموع، قالت: قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي، مالك ؟ قال:
أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا ؟
قال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء (2) * وقد روى الامام أحمد، عن
عفان، عن وهيب عن أيوب عن صالح أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث عن
أم الفضل قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني رأيت في
منامي أن في بيتي أو حجري عضوا من أعضائك، قال: تلد فاطمة إن شاء الله
غلاما فتكفلينه، فولدت له فاطمة حسينا، فدفعته إليها فأرضعته بلبن قثم،
فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أزوره، فأخذه فوضعه على
صدره فبال فأصاب البول إزاره، فزخخت بيدي على كتفيه، فقال: أوجعت ابني
أصلحك الله، أو قال: رحمك الله، فقلت: اعطني إزارك أغسله، فقال: إنما
يغسل بول الجارية ويصب على بول الغلام (3) * ورواه أحمد أيضا عن يحيى
بن بكير عن إسرائيل عن سماك عن قابوس بن مخارق عن أم الفضل فذكر مثله
سواء، وليس فيه الاخبار بقتله فالله أعلم * وقال
الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، أنا عمار بن أبي عمارة عن ابن
عباس.
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم بنصف النهار وهو
قائل، أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول
الله، ما هذا ؟ قال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل التقطه منذ اليوم، قال:
فأحصينا ذلك اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم رضي الله عنه (4) * قال
قتادة: قتل الحسين يوم الجمعة، يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وله أربع
وخمسون سنة وستة أشهر ونصف شهر *
__________
(1) كان قاضي عكبرا وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ كما في
المراصد.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 469.
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده 6 / 339، 340.
(4) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 243، 283.
(*)
(6/258)
وهكذا قال
الليث وأبو بكر بن عياش الواقدي والخليفة بن خياط وأبو معشر وغير واحد:
إنه قتل يوم عاشوراء عام إحدى وستين، ووزعم بعضهم أنه قتل يوم السبت،
والاول أصح * وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس
يومئذ، وهو ضعيف، وتغيير آفاق السماء، ولم ينقلب حجر إلا وجد تحته دم،
ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس، وأن الورس استحال رمادا، وأن
اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار، إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة،
وفي بعضها إحتمال، والله أعلم * وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، ولم يقع شئ من هذه الاشياء، وكذلك
الصديق بعده، مات ولم يكن شئ من هذا، وكذا عمر بن الخطاب قتل شهيدا وهو
قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر، وحصر عثمان في داره وقتل بعد ذلك
شهيدا، وقتل علي بن أبي طالب شهيدا بعد صلاة الفجر، ولم يكن شئ من هذه
الاشياء، والله أعلم * وقد روى حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمارة عن
أم سلمة أنها سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي * وهذا صحيح، وقال شهر
بن حوشب: كنا عند أم سلمة فجاءها الخبر بقتل الحسين فخرت مغشيا عليها *
وكان سبب قتل الحسين أنه كتب إليه أهل العراق
يطلبون منه أن يقدم إليهم ليبايعوه بالخلافة، وكثر تواتر الكتب عليه من
العامة ومن ابن عمه مسلم بن عقيل، فلما ظهر على ذلك عبيد الله بن زياد
نائب العراق ليزيد بن معاوية، فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه ورماه
من القصر إلى العامة، فتفرق ملؤهم وتبددت كلمتهم، هذا وقد تجهز الحسين
من الحجاز إلى العراق، ولم يشعر بما وقع، فتحمل بأهله ومن أطاعه وكانوا
قريبا من ثلثمائة (1)، وقد نهاه عن ذلك جماعة من الصحابة، منهم أبو
سعيد، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، فلم يطعهم، وما أحسن ما نهاه ابن
عمر عن ذلك، واستدل له على أنه لا يقع ما يريده فلم يقبل، فروى الحافظ
البيهقي من حديث يحيى بن سالم الاسدي ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده
عنه قال: سمعت الشعبي يقول: كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين
بن علي قد توجه إلى العراق، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من
المدينة، قال: أين تريد ؟ قال: العراق ومعه طوامير وكتب، فقال: لا
تأتهم، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: إن الله خير نبيه صلى الله عليه
وسلم بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنكم بضعة من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا يليها أحد منكم أبدا، وما
صرفها عنكم إلى الذي هو خير منكم، فارجعوا، فأبى وقال: هذه كتبهم
وبيعتهم، قال: فاعتنقه ابن عمر وقال: أستودعك الله من قتيل (2)، وقد
وقع ما فهمه عبد الله بن عمر من ذلك سواء، من أنه لم يل أحد من أهل
البيت الخلافة على سبيل الاستقلال ويتم له الامر، وقد قال ذلك عثمان بن
عفان، وعلي بن أبي طالب إنه لا يلي أحد من أهل البيت أبدا * ورواه
عنهما أبو صالح الخليل بن أحمد بن عيسى بن الشيخ في كتابه الفتن
والملاحم.
قلت:
__________
(1) في فتوح ابن الاعثم: كان معه اثنان وثمانون رجلا من شيعته وأهل
بيته.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 470 - 471.
(*)
(6/259)
وأما الخلفاء
الفاطميون الذين كانوا بالديار المصرية، فإن أكثر العلماء على أنهم
أدعياء وعلي بن أبي طالب ليس من أهل البيت، ومع هذا لم يتم له الامر
كما كان للخلفاء الثلاثة قبله، ولا اتسعت يده في البلاد كلها، ثم تنكدت
عليه الامور، وأما ابنه الحسن رضي الله عنه فإنه لما جاء في جيوشه
وتصافي هو وأهل الشام، ورأى أن المصلحة في ترك الخلافة، تركها لله عز
وجل، وصيانة لدماء المسلمين، أثابه الله ورضي عنه، وأما الحسين رضي
الله عنه فإن ابن عمر لما أشار عليه بترك الذهاب إلى العراق وخالفه،
اعتنقه مودعا وقال: أستودعك الله من قتيل، وقد وقع ما تفرسه ابن عمر،
فإنه لما استقل ذاهبا بعث إليه عبيدالله بن زياد بكتيبة فيها أربعة
آلاف يتقدمهم عمر (1) بن سعد بن أبي وقاص، وذلك بعد ما استعفاه فلم
يعفه، فالتقوا بمكان يقال له كربلاء بالطف، فالتجأ الحسين بن علي
وأصحابه إلى مقصبة هنالك، وجعلوها منهم بظهر، وواجهوا أولئك، وطلب منهم
الحسين إحدى ثلاث: إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء، وإما أن يذهب إلى ثغر
من الثغور فيقاتل فيه، أو يتركوه حتى يذهب إلى يزيد بن معاوية فيضع يده
في يده.
فيحكم فيه بما شاء، فأبوا عليه واحدة منهن، وقالوا: لا بد من قدومك على
عبيد الله بن زياد فيرى فيك رأيه، فأبى أن يقدم عليه أبدا، وقاتلهم دون
ذلك، فقتلوه رحمه الله، وذهبوا برأسه إلى عبيدالله بن زياد فوضعوه بين
يديه، فجعل ينكت بقضيب في يده على ثناياه، وعنده أنس بن مالك جالس،
فقال له: يا هذا، ارفع قضيبك، قد طال ما رأيت رسول الله يقبل هذه
الثنايا، ثم أمر عبيد الله بن زياد أن يسار بأهله ومن كان معه إلى
الشام، إلى يزيد بن معاوية، ويقال: إنه بعث معهم بالرأس حتى وضع بين
يدي يزيد فأنشد حينئذ قول بعضهم (2): نفلق هاما من رجال أعزة (3) *
علينا وهم كانوا أعق وأظلما ثم أمر بتجهيزهم إلى المدينة النبوية، فلما
دخلوها تلقتهم امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها، واضعة كفها (4)
على رأسها تبكي وهي تقول: ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم
وأنتم آخر الامم
__________
(1) من ابن الاعثم، وفي الاصل عمرو.
5 / 151.
(2) البيت للحصين بن حمام وقبله: أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت * قواضب
في إيماننا تقطر الدما (3) في مروج الذهب: أحبة.
(4) في الطبري: كمها، وفي مروج الذهب: خرجت بنت عقيل بن أبي طالب في
نساء من قومها حواسر حائرات.
وقيل اسمها أم لقمان بنت عقيل ومعها أخواتها أم معافى واسماء، ورملة،
وزينب، وقال ابن أعثم في فتوحه: قائل الابيات علي بن الحسين.
(*)
(6/260)
بعترتي وبأهلي
بعد مفتقدي (1) * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم (2) ما كان هذا جزائي إذ
نصحت لكم (3) * أن تخلفوني بشر (4) في ذوي رحمي وسنورد هذا مفصلا في
موضعه إذا أنتهينا إليه إن شاء الله، وبه الثقة وعليه التكلان * وقد
رثاه الناس بمراث كثيرة ومن أحسن ذلك ما أورده الحاكم أبو عبد الله
النيسابوري وكان فيه تشيع: جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * متزملا
بدمائه تزميلا فكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولم يترقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بأن
قتلت وإنما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
ذكر الاخبار عن وقعة الحرة التي
كانت في زمن يزيد أيضا قال يعقوب بن سفيان: حدثني إبراهيم بن المنذر،
حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن عن أيوب بن بشير
المعافري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره، فلما
مر بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه، وظنوا أن ذلك من أمر
سفرهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ما الذي رأيت ؟ فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أما إن ذلك ليس من سفركم هذا، قالوا: فما هو
يا رسول الله ؟ قال: يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي (5) * هذا
مرسل، وقد قال يعقوب بن سفيان: قال وهب بن جرير: قالت جويرية: حدثني
ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس
ستين سنة * (ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لاتوها) * [
الاحزاب: 14 ] قال: لاعطوها، يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل
المدينة (6) * وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، وتفسير الصحابي في
حكم المرفوع عند كثير من العلماء * وقال نعيم بن حماد في كتاب الفتن
والملاحم: حدثنا أبو عبد الصمد العمي، ثنا أبو عمران الجوني، عن عبد
الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا أبا ذر أرأيت إن الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف
أنت صانع ؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تدخل بيتك، قال قلت: فإن
أتى علي ؟ قال: يأتي من أنت منه، قال قلت: وأحمل السلاح ؟ قال: إذا
تشرك معهم، قال قلت: فكيف أصنع يا رسول الله ؟ قال: إن خفت أن يبهرك
شعاع السيف فألق طائفة من ردائك على وجهك يبوء
__________
(1) في ابن الاعثم: منقلبي.
(2) في مروج الذهب: نصف أسارى ونصف ضرجوا بدم.
(3) في الفتوح: إذ نصحتكم.
(4) في الفتوح: بسوء.
(5) رواه في تاريخ الفسوي 3 / 327 ونقله عنه البيهقي في الدلائل 6 /
473.
(6) المعرفة والتاريخ 3 / 327.
ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 474.
(*)
(6/261)
بأثمك وإثمه *
ورواه الامام أحمد في مسنده عن مرحوم - هو ابن عبد العزيز - عن أبي
عمران الجوني، فذكره مطولا * قلت: وكان سبب وقعة الحرة أن وفدا من أهل
المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق فأكرمهم وأحسن جائزتهم، وأطلق
لاميرهم - وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر - قريبا من مائة ألف،
فلما رجعوا ذكروا لاهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه
الخمر، وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها،
بسبب السكر، فاجتمعوا على خلعه، فخلعوه عند المنبر النبوي، فلما بلغه
ذلك بعث إليهم سرية، يقدمها رجل يقال له مسلم بن عقبة، وإنما يسميه
السلف: مسرف بن عقبة، فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام، فقتل في
غضون هذه الايام بشرا كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها (1)، وزعم
بعض علماء السلف أنه قتل (2) في غضون ذلك ألف بكر فالله أعلم * وقال
عبد الله بن وهب
عن الامام مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، حسبت أنه
قال: وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في
خلافة يزيد * وقال يعقوب بن سفيان: سمعت سعيد بن كثير بن عفير الانصاري
يقول: قتل يوم الحرة عبد الله بن يزيد المازني ومعقل بن سنان الاشجعي،
ومعاذ بن الحارث القاري، وقتل عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر * قال
يعقوب: وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث قال: كانت وقعة الحرة
يوم الاربعاء لثلاث بقين من الحجة سنة ثلاث وستين، ثم انبعث مسرف بن
عقبة إلى مكة قاصدا عبد الله بن الزبير ليقتله بها، لانه فر من بيعة
يزيد، فمات يزيد بن معاوية في غضون ذلك، واستفحل أمر عبد الله بن
الزبير في الخلافة بالحجاز، ثم أخذ العراق ومصر، وبويع بعد يزيد لابنه
معاوية بن يزيد، وكان رجلا صالحا، فلم تطل مدته، مكث أربعين يوما، وقيل
عشرين يوما، ثم مات رحمه الله، فوثب مروان بن الحكم على الشام فأخذها،
فبقي تسعة أشهر ثم مات، وقام بعده ابنه عبد الملك، فنازعه فيها عمرو بن
سعيد بن الاشدق وكان نائبا على المدينة من زمن معاوية وأيام يزيد
ومروان، فلما هلك مروان زعم أنه أوصى له بالامر من بعد ابنه عبد الملك،
فضاق به ذرعا، ولم يزل به حتى أخذه بعدما استفحل أمره بدمشق فقتله في
سنة تسع وستين، ويقال: في سنة سبعين، واستمرت أيام عبد الملك حتى ظفر
بإبن الزبير سنة ثلاث وسبعين، قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عن أمره
بمكة، بعد محاصرة طويلة اقتضت أن نصب المنجنيق على الكعبة من أجل أن
ابن الزبير لجأ إلى الحرم، فلم يزل به حتى قتله، ثم عهد في الامر إلى
بنيه الاربعة بعده الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام بن عبد الملك *
وقد قال الامام أحمد: حدثنا أسود ويحيى بن أبي بكير، ثنا كامل
__________
(1) ذكر في مروج الذهب: قتل من قريش بضع وتسعون ومثلهم من الانصار
وأربعة الآف من سائر الناس دون من لم يعرف.
وقال ابن الاعثم في الفتوح: قتل من أبناء الانصار ألف وسبعمائة ومن
العبيد والموالي وسائر الناس ثلاثة الآف وخمسمائة ومن أولاد المهاجرين
ألف وثلاثمائة.
(2) في البيهقي عن المغيرة: افتض ألف عذراء.
(*)
(6/262)
أبو العلاء،
سمعت أبا صالح وهو مولى ضباعة المؤذن واسمه مينا - قال: سمعت أبا هريرة
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعوذوا بالله من رأس السبعين،
وإمارة الصبيان، وقال: لا تذهب الدنيا حتى يظهر اللكع ابن لكع، وقال
الاسود: يعني اللئيم ابن اللئيم (1) * وقد روى الترمذي من حديث أبي
كامل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين سنة، ثم قال: حسن غريب * وقد روى
الامام أحمد عن عفان وعبد الصمد، عن حماد بن سلمة عن علي بن يزيد:
حدثني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
لينعقن (2) وقال عبد الصمد في روايته ليزعقن جبار من جبابرة بني أمية
على منبري هذا، زاد عبد الصمد حتى يسيل رعافه، قال: فحدثني من رأى عمرو
بن سعيد بن العاص: يرعف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم حتى سال
رعافه، قلت: علي بن يزيد بن جدعان في روايته غرابة ونكارة وفيه تشيع،
وعمرو بن سعيد هذا، يقال له: الاشدق، كان من سادات المسلمين وأشرافهم،
[ في الدنيا لا في الدين ].
وروى عن جماعة من الصحابة، منهم في صحيح مسلم عن عثمان في فصل الطهور،
وكان نائبا على المدينة لمعاوية ولابنه يزيد بعده، ثم استفحل أمره حتى
كان يصاول عبد الملك بن مروان، ثم خدعه عبد الملك حتى ظفر به فقتله في
سنة تسع وستين، أو سنة سبعين، فالله أعلم * وقد روى عنه من المكارم
أشياء كثيرة من أحسنها أنه لما حضرته الوفاة قال لبنيه، وكانوا ثلاثة،
عمرو هذا، وأمية، وموسى، فقال لهم: من يتحمل ما علي ؟ فبدر ابنه عمرو
هذا وقال: أنا يا أبة، وما عليك ؟ قال: ثلاثون ألف دينار، قال: نعم،
قال وأخواتك لا تزوجهن إلا بالاكفاء ولو أكلن خبز الشعير، قال: نعم،
قال: وأصحابي من بعدي، إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي، قال: نعم،
قال: أما لئن، قلت ذلك، فلقد كنت أعرفه من حماليق وجهك وأنت في مهدك *
وقد ذكر البيهقي من طريق عبد الله بن صالح - كاتب الليث - عن حرملة بن
عمران [ عن أبيه ] (3) عن يزيد بن أبي حبيب أنه سمعه يحدث عن محمد بن
يزيد بن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس بن خرشة وكعب حتى إذا بلغا
صفين، وقف كعب الاحبار فذكر كلامه فيما يقع هناك من سفك دماء المسلمين،
وأنه يجد ذلك في التوراة،
وذكر عن قيس بن خرشة أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن
يقول الحق، وقال: يا قيس بن خرشة عسى إن عذبك الدهر حتى يكبك (4) بعدي
من لا تستطيع أن تقول بالحق معهم، فقال: والله لا أبايعك على شئ إلا
وفيت لك به، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لا يضرك بشر،
فبلغ قيس إلى
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في المسند 2 / 326، 355، 448.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 385 و 522 وفيه رواية عفان:
ليرتقين جبار، وفي رواية عبد الصمد: ليرعفن جبار.
(3) سقطت من الدلائل.
(4) في الدلائل: يليك.
(*)
(6/263)
أيام عبيد الله
بن زياد بن أبي سفيان، فنقم عليه عبيد الله في شئ فأحضره فقال: أنت
الذي زعم أنه لا يضرك بشر ؟ قال: نعم، قال: لتعلمن اليوم أنك قد كذبت،
ائتوني بصاحب العذاب، قال: فمال قيس عند ذلك فمات (1).
معجزة أخرى روى البيهقي من طريق الدراوردي، عن ثور بن يزيد، موسى بن
ميسرة: أن بعض بني عبد الله سايره في بعض طريق مكة، قال: حدثني العباس
بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حاجة، فوجده عنده رجلا فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل، فلقي
العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال: ورآه ؟ قال:
نعم، قال: أتدري من ذلك الرجل ؟ ذاك جبريل، ولن يموت حتى يذهب بصره
ويؤتي علما (2)، وقد مات ابن عباس سنة ثمان وستين بعد ما عمي رضي الله
عنه * وروى البيهقي من حديث المعتمر بن سليمان، حدثتنا [ نباتة بن بنت
بريد بن يزيد ] (3) عن أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم دخل على زيد يعوده في مرض كان به، قال: ليس عليك من
مرضك بأس، ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت ؟ قال: إذا أحتسب وأصبر،
قال: إذا تدخل الجنة بغير حساب، قال:
فعمي بعد ما مات رسول الله، ثم رد الله عليه بصره، ثم مات.
فصل وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة،
وعند مسلم عن جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا، كلهم يزعم أنه نبي (4) * وقال
البيهقي عن الماليني عن أبي [ أحمد بن ] (5) عدي عن أبي يعلى الموصلي:
حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن الحسن الاسدي، ثنا شريك، عن أبي
إسحاق عن عبد الله بن الزبير قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا
تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، منهم مسيلمة، والعنسي، والمختار.
وشر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف، قال ابن عدي: محمد بن
الحسن له إفرادات، وقد حدث عنه
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 476 - 477.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 478، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9
/ 276 وعزاه للطبراني، وقال: فيه من لم أعرفه.
(3) من الدلائل 6 / 479 وقال البيهقي: كذا وجدته في كتابي: وإنما هي
بناتة بنت بريد عن حماده.
وفي الاصل حدثتنا سيابة بنت يزيد عن خمارة وهو تحريف.
والحديث أخرجه الطبراني بهذا الاسناد من طريق أمية بن بسطام وبه
مجهولات: بناتة وحمادة وأنيسة.
(4) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة.
ومسلم في الفتن باب (18) حديث 83 و 84.
(5) من الدلائل 6 / 481.
(*)
(6/264)
الثقاة، ولم أر
بتحديثه بأسا، وقال البيهقي: لحديثه في المختار شواهد صحيحة * ثم أورد
من طريق أبي داود الطيالسي، حدثنا الاسود بن شيبان عن أبي نوفل بن أبي
عقرب عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت للحجاج بن يوسف: أما إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا، فأما الكذاب فقد
رأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه (1) * قال: ورواه مسلم من حديث
الاسود بن شيبان، وله طرق عن أسماء وألفاظ سيأتي إيرادها في موضعه *
وقال البيهقي: أنا الحاكم وأبو
سعيد عن الاصم * عن عباس الدراوردي عن عبد الله (2) بن الزبير الحميدي،
ثنا سفيان بن عيينة عن أبي المحيا عن أمه قالت: لما قتل الحجاج عبد
الله بن الزبير دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر فقال: يا أمه، إن
أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة ؟ فقالت: لست لك بأم، ولكني
أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك ما
سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير،
فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت، فقال الحجاج: مبير
المنافقين * وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شريك عن أبي علوان - عبد
الله بن عصمة - عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: إن في ثقيف كذابا ومبيرا، وقد تواتر خبر المختار بن أبي عبيد
الكذاب الذي كان نائبا على العراق وكان يزعم أنه نبي، وأن جبريل كان
يأتيه بالوحي، وقد قيل لابن عمر وكان زوج أخت المختار وصفيه، إن
المختار يزعم أن الوحي يأتيه.
قال: صدق، قال الله تعالى: * (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) * *
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا قرة بن خالد عن عبد الملك بن عمير، عن
رفاعة بن شداد، قال: كنت ألصق شئ بالمختار الكذاب، قال: فدخلت عليه ذات
يوم فقال: دخلت وقد قام جبريل قبل من هذا الكرسي، قال: فأهويت إلى قائم
السيف لاضربه حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله رفع
له لواء الغدر يوم القيامة، فكففت عنه (3) * وقد رواه أسباط بن نصر
وزائدة والثوري عن إسماعيل السدي عن رفاعة بن شداد القتباني (4) فذكر
نحوه * وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو بكر الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة،
عن مجالد، عن الشعبي، قال: فاخرت أهل البصرة فغلبتهم أهل الكوفة،
والاحنف ساكت لا يتكلم، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاء بكتاب
فقال:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 481 ومسلم في فضائل الصحابة باب (58)
ح (229).
(2) في الاصل والدلائل: عبيد الله وهو تحريف وما أثبتناه من التقريب.
وهو عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الحميدي المكي، أبو بكر ثقة من
أجل أصحاب ابن عيينة من العاشرة، مات سنة تسع عشرة وقيل بعدها (تقريب
التهذيب 1 / 415).
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 482.
(4) من تقريب التهذيب، وفي الاصل القباني تحريف.
وهو رفاعة بن شداد بن عبد الله بن قيس، أبو عاصم الكوفي.
ثقة.
(*)
(6/265)
هاك اقرأ:
فقرأته فإذا فيه: من المختار لله يذكر أنه نبي، يقول الاحنف: أنى فينا
مثل هذا (1)، وأما الحجاج بن يوسف فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير
الثقفي، وسنذكر ترجمته إذا إنتهينا إلى أيامه، فإنه كان نائبا على
العراق لعبد الملك بن مروان، ثم لابنه الوليد بن عبد الملك، وكان من
جبابرة الملوك، على ما كان فيه من الكرم والفصاحة على ما سنذكره * وقد
قال البيهقي: ثنا الحاكم عن أبي نضر الفقيه، ثنا عثمان بن سعيد
الدارمي، [ قال عبد الله بن صالح المصري ] (2) أن معاوية بن صالح حدثه
عن شريح بن عبيد، عن أبي عذبة قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فأخبره
أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم، فخرج غضبان فصلى لنا الصلاة فسها فيها
حتى جعل الناس يقولون: سبحان الله، سبحان الله فلما سلم أقبل على الناس
فقال: من ههنا من أهل الشام ؟ فقام رجل ثم قام آخر، ثم قمت أنا ثالثا
أو رابعا، فقال: يا أهل الشام استعدوا لاهل العراق، فإن الشيطان قد باض
فيهم وفرخ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم بالغلام الثقفي يحكم
فيهم بحكم أهل الجاهلية، لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم *
قال عبد الله: وحدثني ابن لهيعة بمثله، قال: و [ ما ] ولد الحجاج يومئذ
* ورواه الدارمي أيضا عن أبي اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن
ميسرة عن أبي عذبة الحمصي عن عمر فذكر مثله، قال أبو اليمان: علم عمر
أن الحجاج خارج لا محالة، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة، قلت: فإن
كان هذا نقله عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تقدم له شاهد عن
غيره، وإن كان عن تحديث، فكر امة الولي معجزة لنبيه * وقال عبد الرزاق:
أنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن مالك بن دينار، عن الحسن قال: قال علي
لاهل الكوفة: اللهم كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشوني، فسلط
عليهم فتى ثقيف الذبال الميال، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها،
ويحكم فيهم بحكم الجاهلية، قال: فتوفي الحسن وما خلق الله الحجاج يومئذ
(3) * وهذا منقطع وقد رواه البيهقي أيضا من حديث معتمر بن سليمان عن
أبيه عن أيوب، عن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي بن أبي طالب أنه قال:
الشاب الذبال أمير المصرين، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف
أهلها، يشتد منه الفرق، ويكثر منه الارق، ويسلطه الله على شيعته * وله
من حديث يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب، حدثني حبيب بن أبي ثابت
قال: قال علي: لا مت حتى يدرك فتى ثقيف، فقيل: يا أمير المؤمنين وما
فتى ثقيف ؟ فقال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنم
رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها،
حتى لو لم يبق معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى
يرتكبها، يفتن بمن أطاعه من عصاه (4) * وهذا معضل، وفي صحته عن علي نظر
والله أعلم *
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 483.
(2) زيادة استدركت من الدلائل وسقطت من الاصل.
(3) رواه البيهقي بوجهيه في الدلائل 6 / 487 - 488.
(4) المصدر السابق ص 489.
(*)
(6/266)
وقال البيهقي:
عن الحاكم عن الحسين بن الحسن بن أيوب، عن أبي حاتم الرازي، عن عبد
الله بن يوسف التنيسي (1)، ثنا هشام بن يحيى الغساني قال: قال عمر بن
عبد العزيز: لو جاءت كل أمة بخبيثها، وجئناهم بالحجاج لغلبناهم * وقال
أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله حرمة إلا وقد
ارتكبها (3) الحجاج * وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس أن أباه لما
تحقق موت الحجاج تلا قوله تعالى * (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد
لله رب العالمين) * [ الانعام: 45 ] قلت: وقد توفي الحجاج سنة خمس
وتسعين.
الاشارة النبوية إلى دولة عمر بن عبد
العزيز تاج بني أمية قد تقدم حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة
قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بعد هذا الخير من شر ؟ قال:
نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت:
وما دخنه ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، يعرف منهم
وينكر، الحديث، فحمل البيهقي وغيره هذا الخير الثاني على أيام عمر بن
عبد العزيز * وروى عن الحاكم عن الاصم عن العباس بن الوليد بن مزيد (3)
عن أبيه قال: سئل الاوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير، فقال الاوزاعي: هي
الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مسألة
حذيفة، فهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال: نعم، وفيه دخن، قال الاوزاعي:
فالخير الجماعة، وفي ولاتهم من يعرف سيرته، وفيهم من ينكر سيرته، قال:
فلم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتالهم ما صلوا الصلاة (4) *
وروى أبو داود الطيالسي عن داود الواسطي، وكان ثقة، عن حبيب بن سالم عن
نعمان بن سالم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم
في النبوة ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها، ثم
تكون خلافة على منهاج النبوة، قال: فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد
بن النعمان، فكتبت إليه أذكره الحديث وكتبته إليه أقول: إني أرجو أن
تكون أمير المؤمنين بعد الجبرية (5)، قال: فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على
عمر فسر به وأعجبه * وقال نعيم بن حماد: حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن
أبي عروبة عن قتادة قال: قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعنده عمر
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل الثنيني تحريف.
وهو أبو محمد الكلامي أصله من دمشق، من أثبت الناس في الموطأ ثقة متقن.
من كبار العاشرة مات سنة ثمان عشرة (تقريب 1 / 463).
(2) في رواية البيهقي في الدلائل 6 / 489: انتهكها.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: مرثد وهو تحريف.
(4) دلائل البيهقي 6 / 491.
(5) في نسخ البداية المطبوعة: الخيرية تحريف.
(*)
(6/267)
وعثمان وعلي،
فقال لي: ادن فدنوت حتى قمت بين يديه، فرفع بصره إلي وقال: أما إنك
ستلي أمر هذه الامة وستعدل عليهم * وسيأتي في الحديث الآخر إن شاء الله
أن الله لهذه الامة على رأس
كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وقد قال كثير من الائمة إنه عمر بن عبد
العزيز، فإنه تولى سنة إحدى ومائة * وقال البيهقي: أنا الحاكم، أنا أبو
حامد أحمد بن علي المقري، ثنا أبو عيسى، ثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عفان
بن مسلم، ثنا عثمان بن عبد الحميد بن لاحق عن جويرية بن أسماء عن نافع
عن ابن عمر قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلا بوجهه
شين يلي فيملا الارض عدلا، قال نافع من قبله: ولا أحسبه إلا عمر بن عبد
العزيز (1) * وقد رواه نعيم بن حماد عن عثمان بن عبد الحميد به، ولهذا
طرق عن ابن عمر أنه كان يقول: ليت شعري، من هذا الذي من ولد عمر بن
الخطاب في وجهه علامة يملا الارض عدلا ؟ * وقد روي ذلك عن عبد الرحمن
بن حرملة عن سعيد بن المسيب نحوا من هذا، وقد كان هذا الامر مشهورا قبل
ولايته وميلاده بالكلية أنه يلي رجل من بني أمية يقال له: أشج بني
مروان، وكانت أمه أروى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان أبوه عبد
العزيز بن مروان نائبا لاخيه عبد الملك على مصر، وكان يكرم عبد الله بن
عمر، ويبعث إليه بالتحف والهدايا والجوائز فيقبلها، وبعث إليه مرة بألف
دينار فأخذها، وقد دخل عمر بن عبد العزيز يوما إلى اصطبل أبيه وهو
صغير، فرمحه فرس فشجه في جبينه، فجعل أبوه يسلت عنه الدم ويقول: أما
لئن كنت أشج بني مروان، إنك إذا لسعيد، وكان الناس يقولون: الاشج
والناقص أعدلا بني مروان، فالاشج هو عمر بن عبد العزيز، والناقص هو
يزيد بن الوليد بن عبد الملك، الذي يقول فيه الشاعر: رأيت اليزيد بن
الوليد مباركا * شديدا بأعباء الخلافة كاهله قلت: وقد ولي عمر بن عبد
العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفا، فملا الارض عدلا، وفاض
المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته، وقد حمل البيهقي الحديث
المتقدم عن عدي بن حاتم، على أيام عمر بن عبد العزيز، وعندي في ذلك
نظر، والله أعلم * وقد روى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس: حدثني
أبو معن الانصاري، ثنا أسيد قال: بينما عمر بن عبد العزيز يمشي إلى مكة
بفلاة من الارض إذ رأى حية ميتة فقال: علي بمحفار، فقالوا: نكفيك أصلحك
الله، قال: لا، ثم أخذه ثم لفه في خرقة ودفنه، فإذا هاتف يهتف: رحمة
الله
عليك يا سرق، فقال له عمر بن عبد العزيز: من أنت يرحمك الله ؟ قال: أنا
رجل من الجن وهذا سرق، ولم يبق ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم
غيري وغيره، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تموت يا
سرق بفلاة من الارض ويدفنك خير أمتي (2) * وقد روي هذا من وجه آخر
وفيه:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 492.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 493 - 494.
(*)
(6/268)
أنهم كانوا تسعة بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن عمر بن
عبد العزيز حلفه، فلما حلف بكى عمر بن عبد العزيز * وقد رجحه البيهقي
وحسنه، فالله أعلم.
حديث آخر في صحته نظر في ذكر وهب بن منبه بالمدح، وذكر غيلان بالذم روى
البيهقي من حديث هشام بن عمار وغيره عن الوليد بن مسلم (1) عن مروان بن
سالم اليرقاني (2) عن الاحوص بن حكيم عن خالد بن معدان، عن عبادة بن
الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي رجل يقال
له: وهب، يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له: غيلان، هو أضر على أمتي من
إبليس * وهذا لا يصح لان مروان بن سالم هذا متروك، وبه إلى الوليد:
حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: ينعق الشيطان بالشام نعقة يكذب ثلثاهم بالقدر * قال
البيهقي: وفي هذا وأمثاله إشارة إلى غيلان وما ظهر بالشام بسببه من
التكذيب بالقدر حتى قتل. |