البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

الاشارة إلى محمد بن كعب القرظي وعلمه بتفسير القرآن وحفظه
قال حرملة عن ابن وهب: أخبرني أبو صخر عن عبد الله بن مغيث عن أبي بردة الظفري، عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في أحد الكاهنين رجل قد درس القرآن دراسة لا يدرسها أحد يكون من بعده (3) * وروى البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن إسماعيل القاضي، ثنا أبو ثابت، ثنا ابن وهب، حدثني عبد الجبار بن عمر، عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في أحد الكاهنين رجل يدرس القرآن دراسة لا يدرسها أحد غيره، قال: فكانوا يرون أنه محمد بن كعب القرظي، قال أبو ثابت: الكاهنان، قريظة والنضير * وقد روى من وجه آخر مرسل: يخرج من الكاهنين رجل أعلم الناس بكتاب الله، وقد قال عون بن عبد الله: ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب (4).
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل أسلم.
(2) في الدلائل: القرقساني.
ج 6 / 496.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 498.
(4) روى خبر محمد بن كعب البيهقي في الدلائل 6 / 498 - 499.
ومحمد بن كعب بن سليم القرظي المدني من أئمة التفسير ثقة عالم متبحر، قيل كان مجاب الدعوة كبير القدر توفي سنة 108 ه.
(*)

(6/269)


ذكر الاخبار بإنخرام قرنه صلى الله عليه وسلم بعد مائة سنة من ليلة إخباره
ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سالم وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة (1) عن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ليلة في آخر عمره، فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الارض أحد، قال ابن عمر: فوهل الناس من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ما يحدثون من هذه الاحاديث من مائة سنة، وإنما يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن (2)، وفي رواية: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنخرام قرنه * وفي صحيح مسلم من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بشهر: يسألون عن الساعة، وإنما علمها عند الله، فأقسم بالله ما على ظهر الارض من نفس منفوسة اليوم، يأتي عليها مائة سنة (3) * وهذا الحديث وأمثاله مما يحتج به من ذهب من الائمة إلى أن الخضر ليس بموجود الآن، كما قدمنا ذلك في ترجمته في قصص الانبياء عليهم السلام، وهو نص على أن جميع الاحياء في الارض يموتون إلى تمام مائة سنة من إخباره عليه السلام، وكذا وقع سواء، فما نعلم تأخر أحد من أصحابه إلى ما يجاوز
هذه المدة، وكذلك جميع الناس * ثم قد طرد بعض العلماء هذا الحكم في كل مائة سنة، وليس في الحديث تعرض لهذا، والله أعلم.
حديث آخر قال محمد بن عمر الواقدي: حدثني شريح بن يزيد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد الالهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي وقال: هذا الغلام يعيش قرنا، قال: فعاش مائة سنة * وقد رواه البخاري في التاريخ عن أبي حيوة شريح بن يزيد به فذكره، قال: وزاد غيره: وكان في وجهه ثالول، فقال: ولا يموت حتى يذهب الثالول من وجهه، فلم يمت حتى ذهب الثالول من وجهه * وهذا إسناد على شرط السنن، ولم يخرجوه * ورواه البيهقي عن الحاكم عن محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى عن الفضل بن محرز الشعراني، ثنا حيوة بن شريح عن إبراهيم بن محمد بن زياد الالهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يعيش هذا الغلام قرنا، فعاش مائة سنة (4) * قال الواقدي وغير واحد: توفي
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل حيثمة.
(2) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء.
ومسلم في فضائل الصحابة.
باب (53) حديث 217 ص (1965).
(3) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب (53) ح (221) ص 1967.
والامام أحمد في مسنده 1 / 293.
(4) رواه البيهقي من طريق الحسين بن الفرج في الدلائل 6 / 503.
(*)

(6/270)


عبد الله بن بسر بحمص سنة ثمان وثمانين عن أربع وتسعين، وهو آخر من بقي من الصحابة بالشام.
الاخبار عن الوليد بما فيه له من الوعيد الشديد وإن صح فهو الوليد بن يزيد لا الوليد بن عبد الملك قال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن خالد بن العباس السكسكي، حدثني الوليد بن
مسلم، حدثني أبو عمرو الاوزاعي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: ولد لاخي أم سلمة غلام فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جعلتم تسمون بأسماء فراعنتكم، إنه سيكون في هذه الامة رجل يقال له الوليد، هو أضر على أمتي من فرعون على قومه * قال أبو عمرو الاوزاعي: فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد، لفتنة الناس به، حتى خرجوا عليه فقتلوه، وانفتحت على الامة الفتنة والهرج (1) * وقد رواه البيهقي عن الحاكم، وغيره عن الاصم عن سعيد بن عثمان التنوخي عن بشر بن بكر عن الاوزاعي عن الزهري عن سعيد، فذكره ولم يذكر قول الاوزاعي، ثم قال: وهذا مرسل حسن * وقد رواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم به، وعنده قال الزهري: إن استخلف الوليد بن يزيد، فهو هو، وإلا فهو الوليد بن عبد الملك * وقال نعيم بن حماد: ثنا هشيم عن أبي حمزة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيكون رجل اسمه الوليد، يسد به ركن من أركان جهنم وزاوية من زواياها * وهذا مرسل أيضا.
حديث آخر قال سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا، اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا (2) * رواه البيهقي من حديثه، وقال نعيم بن حماد: ثنا بقية بن الوليد وعبد القدوس عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين، اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا * وهذا منقطع بين راشد بن سعد وبين أبي ذر * وقال إسحاق بن راهويه: أنا جرير عن الاعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا، ومال الله دولا، وعباد الله خولا (3) * ورواه أحمد عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير به * وقال البيهقي:
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل عن يعقوب 6 / 505.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 507.
(3) أخرجه الامام في مسنده ج: 3 / 80، لم يذكر فيه بني أبي العاص، قال: بنو أبي فلان.
(*)

(6/271)


أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا بسام (1) - وهو محمد بن غالب -، ثنا كامل بن طلحة، ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل أن ابن وهب (2) أخبره أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان فدخل عليه مروان فكلمه في حاجته فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين، فو الله إن مؤنتي لعظيمة، وإني لابو عشرة، وعم عشرة، وأخو عشرة، فلما أدبر مروان - وابن عباس جالس مع معاوية على السرير - قال معاوية: أنشدك بالله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله بينهم دولا، وعباد الله خولا، وكتاب الله دغلا ؟ فإذا بلغوا سبعة (3) وتسعين وأربعمائة، كان هلاكهم أسرع من لوك ثمرة ؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم: قال: وذكر مروان حاجة له فرد مروان عبد الملك إلى معاوية فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك قال معاوية: أنشدك بالله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا فقال: أبو الجبابرة الاربعة ؟ فقال ابن عباس: اللهم نعم، وهذا الحديث فيه غرابة ونكارة شديدة، وابن لهيعة ضعيف * وقد قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا سعد بن زيد، أخو حماد بن زيد، عن علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن عن عمرو بن مرة، وكانت له صحبة، قال: جاء الحكم بن أبي العاص يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فعرف كلامه فقال: ائذنوا له، حية، أو ولد حية، عليه لعنة الله، وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين، وقليل ما هم، ليترفون في الدنيا ويوضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يعطون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق * قال الدارمي أبو الحسن هذا حمصي (4)، وقال نعيم بن حماد في الفتن والملاحم: ثنا عبد الله بن مروان المرواني، عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد أن مروان بن الحكم لما ولد دفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، فأبى أن يفعل ثم قال: ابن الزرقاء، هلاك أمتي على يديه ويدي ذريته * وهذا حديث مرسل.
ذكر الاخبار عن خلفاء بني أمية جملة من جملة
قال يعقوب بن سفيان: ثنا أحمد بن محمد أبو محمد الزرقي، ثنا الزنجي - يعني مسلم بن خالد - عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في المنام بني الحكم - أو بني أبي العاص - ينزون على منبري كما تنزو القردة، قال: فما رآني رسول الله مستجمعا ضاحكا حتى توفي (5) * وقال الثوري: عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب
__________
(1) في البيهقي: تمتام.
(2) في البيهقي: موهب.
(3) في الدلائل ج 6 / 508: تسعة وتسعين.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 512.
(5) في رواية البيهقي عن يعقوب 6 / 511: قال أبو هريرة: فما رؤي النبي صلى الله عليه وآله مستجمعا ضاحكا حتى توفي.
(*)

(6/272)


قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على منابرهم فساءه ذلك، فأوحي إليه: إنما هي دنيا أعطوها، فقرت به عينه وهي قوله: * (وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس) * [ الاسراء: 60 ] يعني بلاء للناس.
علي بن زيد بن جدعان ضعيف، والحديث مرسل أيضا * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا القاسم بن الفضل - هو الحدائي - ثنا يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية، فقال يا مسود وجوه المؤمنين، فقال الحسن: لا تؤنبني رحمك الله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا، فساءه ذلك فنزلت * (إنا أعطيناك الكوثر) * - يعني نهرا في الجنة - ونزلت: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر) * يملكه بنو أمية * قال القاسم: فحسبنا ذلك فإذا هو ألف شهر لا يزيد يوما ولا ينقص يوما (1) * وقد رواه الترمذي وابن جرير الطبري، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في دلائل النبوة، كلهم من حديث القاسم بن الفضل الحذاء، وقد وثقه يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي، عن يوسف بن سعد، ويقال: يوسف بن مازن الراسبي، وفي رواية ابن جرير عيسى بن مازن، قال الترمذي: وهو رجل مجهول، وهذا الحديث
لا نعرفه إلا من هذا الوجه، فقوله: إن يوسف هذا مجهول، مشكل، والظاهر أنه أراد أنه مجهول الحال، فأنه قد روى عنه جماعة، منهم حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد، وقال يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عنه قال: هو ثقة، فارتفعت الجهالة عنه مطلقا، قلت: ولكن في شهوده قصة الحسن ومعاوية نظر، وقد يكون أرسلها عمن لا يعتمد عليه، والله أعلم، وقد سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي رحمه الله عن هذا الحديث فقال: هو حديث منكر وأما قول القاسم بن الفضل رحمه الله: إنه حسب دولة بني أمية فوجدها ألف شهر، لا تزيد يوما ولا تنقصه، فهو غريب جدا، وفيه نظر، وذلك لانه لا يمكن إدخال دولة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت ثنتا عشرة سنة، في هذه المدة، لا من حيث الصورة ولا من حيث المعنى، وذلك أنها ممدوحة لانه أحد الخلفاء الراشدين والائمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون * وهذا الحديث إنما سيق لذم دولتهم، وفي دلالة الحديث على الذم نظر، وذلك أنه دل على أن ليلة القدر خير من ألف شهر التي هي دولتهم، وليلة القدر ليلة خيرة، عظيمة المقدار والبركة، كما وصفها الله تعالى به، فما يلزم من تفضيلها على دولتهم ذم دولتهم، فليتأمل هذا فإنه دقيق يدل على أن الحديث في صحته نظر، لانه إنما سيق لذم أيامهم والله تعالى أعلم * وأما إذا أراد أن ابتداء دولتهم منذ ولي معاوية حين تسلمها من الحسن بن علي، فقد كان ذلك سنة أربعين، أو إحدى وأربعين، وكان يقال له عام الجماعة، لان الناس كلهم اجتمعوا على إمام واحد * وقد تقدم الحديث في صحيح البخاري عن أبي بكرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للحسن بن علي: إن ابني
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 509 - 510.
والترمذي في التفسير - تفسير سورة القدر.
الحديث (3350) ص (5 / 444).
(*)

(6/273)


هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين * فكان هذا في هذا العام، ولله الحمد والمنة.
واستمر الامر في أيدي بني أمية من هذه السنة إلى سنة ثنتين وثلاثين ومائة، حتى انتقل إلى بني العباس كما سنذكره، ومجموع ذلك ثنتان وتسعون سنة، وهذا لا يطابق ألف شهر،
لان معدل ألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، فإن قال: أنا أخرج منها ولاية ابن الزبير وكانت تسع سنين، فحينئذ يبقى ثلاث وثمانون سنة، فالجواب أنه وإن خرجت ولاية ابن الزبير، فإنه لا يكون ما بقي مطابقا لالف شهر تحديدا، بحيث لا ينقص يوما ولا يزيده، كما قاله، بل يكون ذلك تقريبا، هذا وجه، الثاني أن ولاية ابن الزبير كانت بالحجاز والاهواز والعراق في بعض أيامه، وفي مصر في قول، ولم تنسلب يد بني أمية من الشام أصلا، ولا زالت دولتهم بالكلية في ذلك الحين، الثالث أن هذا يقتضي دخول دولة عمر بن عبد العزيز في حساب بني أمية، ومقتضى ما ذكره أن تكون دولته مذمومة، وهذا لا يقوله أحد من أئمة الاسلام، وإنهم مصرحون بأنه أحد الخلفاء الراشدين، حتى قرنوا أيامه تابعة لايام الاربعة، وحتى اختلفوا في أيهما أفضل ؟ هو أو معاوية بن أبي سفيان أحد الصحابة، وقد قال أحمد بن حنبل: لا أرى قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز، فإذا علم هذا، فإن أخرج أيامه من حسابه إنحرم حسابه، وإن أدخلها فيه مذمومة، خالف الائمة، وهذا مالا محيد عنه * وكل هذا مما يدل على نكارة هذا الحديث والله أعلم * وقال نعيم بن حماد: حدثنا سفيان عن العلاء بن أبي العباس، سمع أبا الطفيل، سمع عليا يقول: لا يزال هذا الامر في بني أمية ما لم يختلفوا بينهم * حدثنا ابن وهب عن حرملة بن عمران عن سعد بن سالم عن أبي سالم الجيشاني سمع عليا يقول: الامر لهم حتى يقتلوا قتيلهم، ويتنافسوا بينهم، فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواما من المشرق يقتلوهم بددا ويحصروهم عددا، والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين، ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعا * وقال نعيم بن حماد: حدثنا الوليد بن مسلم عن حصين بن الوليد عن الزهري بن الوليد سمعت أم الدرداء سمعت أبا الدرداء يقول: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما، ما لم تزل طاعة يستخف بها، ودوم مسفوك بغير حق - يعني الوليد بن يزيد - ومثل هذه الاشياء إنما تقال عن توقيف.
الاخبار عن دولة بني العباس وكان ظهورهم من خراسان في سنة ثنتين وثلاثين ومائة
قال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن خالد بن العباس، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني أبو عبد الله عن الوليد بن هشام المعيطي عن أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال، قدم عبد الله بن عباس على معاوية وأنا حاضر، فأجازه فأحسن جائزته.
ثم قال: يا أبا العباس هل [ تكون ] لكم دولة ؟ فقال: اعفني يا أمير المؤمنين، فقال: لتخبرني، قال: نعم، فاخبره،

(6/274)


قال: فمن أنصاركم ؟ قال: أهل خراسان، ولبني أمية من بني هاشم بطحات (1) * رواه البيهقي، وقال ابن عدي: سمعت ابن حماد، أنا محمد بن عبده بن حرب، ثنا سويد بن سعيد، أنا حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وإذا معه جبريل، وأنا أظنه دحية الكلبي، فقال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم إنه لوسخ الثياب وسيلبس ولده من بعده السواد، وذكر تمام الحديث في ذهاب بصره، ثم عوده إليه قبل موته (2) * قال البيهقي: تفرد به حجاج بن تميم وليس بالقوي * وقال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا أبو بكر بن إسحاق وأبو بكر بن بالويه (3) في آخرين قالوا: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبيد الله بن أبي قرة، ثنا الليث بن سعيد عن أبي قبيل (4) عن أبي ميسرة مولى العباس قال: سمعت العباس قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: انظر هل ترى في السماء من شئ ؟ قلت: نعم، قال: ما ترى ؟ قلت: الثريا، قال: أما إنه سيملك هذه الامة بعددها من صلبك * قال البخاري: عبيد بن أبي قرة بغدادي سمع الليث، لا يتابع على حديثه في قصة العباس * وروى البيهقي من حديث محمد بن عبد الرحمن العامري - وهو ضعيف - عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس: فيكم النبوة وفيكم الملك (5) * وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا يحيى بن معين، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار عن أبي معبد قال: قال ابن عباس: كما فتح الله بأولنا فأرجو أن يختمه بنا * هذا إسناد جيد، وهو موقوف على ابن عباس من كلامه * وقال يعقوب بن سفيان: حدثني إبراهيم بن أيوب، ثنا الوليد، ثنا عبد الملك بن حميد [ بن أبي غنية ] (6) عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس ونحن نقول: إثنا عشر
أميرا وإثنا عشر، ثم هي الساعة، فقال ابن عباس: ما أحمقكم ؟ ! إن منا أهل البيت بعد ذلك، المنصور، والسفاح، والمهدي، يرفعها إلى عيسى بن مريم (7) * وهذا أيضا موقوف، وقد رواه البيهقي من طريق الاعمش عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: منا السفاح، والمنصور، والمهدي.
وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئا على الصحيح، فهو منقطع والله أعلم * وقد قال عبد الرزاق عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم هذه ثلاثة كلهم ولد خليفة، لا يصير
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 513.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 518.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: بالونة تحريف.
(4) من الدلائل 6 / 518 وفي الاصل: فضيل.
(5) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 518.
(6) في نسخ البداية المطبوعة: عن أبي عتبة.
تحريف (7) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 514.
(*)

(6/275)


إلى واحد منهم، ثم تقبل الرايات السود من خراسان فيقتلونهم مقتلة لم يروا مثلها، ثم يجئ خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي (1) * أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن يوسف السلمي، ومحمد بن يحيى الذهلي، كلاهما عن عبد الرزاق به، ورواه البيهقي من طرق عن عبد الرزاق، ثم قال: تفرد به عبد الرزاق، قال البيهقي: ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء موقوفا * ثم قال البيهقي: أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا محمد بن غالب، ثنا كثير بن يحيى، ثنا شريك، عن علي بن زيد، عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقبلت الرايات السود من عقب خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج، فإن فيها خليفة
الله المهدي (2) * وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الفضل بن سهل، ثنا عبد الله بن داهر الرازي، ثنا أبي عن ابن أبي ليلى عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتية من بني هاشم، فأغرورقت عيناه، وذكر الرايات، قال: فمن أدركها فليأتها ولو حبوا على الثلج * ثم قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا ابن أبي ليلى، ولا نعلم يروى إلا من حديث داهر بن يحيى، وهو من أهل الرأي صالح الحديث، وإنما يعرف من حديث يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم * وقال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو هشام بن يزيد بن رفاعة، ثنا أبو بكر بن عياش، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجئ رايات سود من قبل المشرق، تخوض الخيل الدم إلى أن يظهروا العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه * وهذا إسناد حسن * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان، وقتيبة بن سعيد، قالا: ثنا رشدين بن سعد، قال يحيى بن غيلان في حديثه قال: حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن قبيصة - هو ابن ذؤيب الخزاعي - عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شئ حتى تنصب بأيليا (3) * وقد رواه الترمذي عن قتيبة به وقال: غريب، ورواه
__________
(1) أخرجه ابن ماجة في الفتن ح 4084 ص 2 / 1367 وفي زوائده: هذا اسناد صحيح.
رجاله ثقات.
ورواه الحاكم في المستدرك وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 515.
(2) دلائل النبوة 6 / 516.
وأبو قلابة اسمه: عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي الضرير.
قال الدار قطني: " صدوق كثير الخطأ ".
(3) أخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 365 ورواه الترمذي في الفتن 4 / 531، والبيهقي في الدلائل 6 / 516.
وفيه رشدين بن سعد المصري المهري، وقالوا فيه.
قال ابن معين: ليس بشئ، وقال أبو زرعة: " ضعيف ".
وقال النسائي: " متروك " وقال ابن حبان: " يقلب المناكير في أخباره على مستقيم حديثه " وقال أحمد: " لا يبالي عمن روى ".
الضعفاء الكبير للعقيلي (2 / 66) المجروحين لابن حبان (1 / 303) الميزان للذهبي (2 / 49).
(*)

(6/276)


البيهقي والحاكم من حديث عبد الله بن مسعود عن رشدين بن سعد، وقال البيهقي: تفرد به رشدين بن سعد، وقد روي قريب من هذا عن كعب الاحبار ولعله أشبه والله أعلم * ثم روى من طريق يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد (1) عن أبي المغيرة عبد القدوس عن إسماعيل بن عياش عمن حدثه عن كعب الاحبار قال: تظهر رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا بالشام، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وكل عدو لهم * وقال الامام أحمد: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير عن الاعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يخرج عند إنقطاع من الزمان، وظهور من الفتن، رجل يقال له السفاح، فيكون إعطاؤه المال حثوا (2) * ورواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم، عن أحمد بن عبد الصمد عن أبي عوانة (3) عن الاعمش به، وقال فيه يخرج رجل من أهل بيتي يقال له السفاح، فذكره، وهذا الاسناد على شرط أهل السنن ولم يخرجوه * فهذه الاخبار في خروج الرايات السود من خراسان وفي ولاية السفاح وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وقد وقعت ولايته في حدود سنة ثلاثين ومائة، ثم ظهر بأعوانه ومعهم الرايات السود، وشعارهم السواد، كما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعلى رأسه المغفر وفوقه عمامة سوداء، ثم بعث عمه عبد الله لقتال بني أمية، فكسرهم في سنة إثنتين وثلاثين ومائة، وهرب من المعركة آخر خلفائهم، وهو مروان بن محمد بن مروان ويلقب بمروان الحمار، ويقال له مروان الجعدي، لاشتغاله على الجعد بن درهم فيما قيل، ودخل عمه دمشق واستحوذ على ما كان لبني أمية من الملك والاملاك والاموال، وجرت خطوب كثيرة سنوردها مفصلة في موضعها إن شاء الله تعالى * وقد ورد عن جماعة من السلف في ذكر الرايات السود التي تخرج من خراسان بما يطول ذكره، وقد استقصى ذلك نعيم بن حماد في كتابه، وفي بعض الروايات ما يدل على أنه لم يقع أمرها بعد، وأن ذلك يكون في آخر الزمان، كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان * وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تكون الدنيا للكع بن لكع، قال أبو
معمر: هو أبو مسلم الخراساني - يعني الذي أقام دولة بني العباس - والمقصود أنه تحولت الدولة من بني أمية إلى بني العباس في هذه السنة، وكان أول قائم منهم أبو العباس السفاح، ثم أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور باني مدينة السلام، ثم من بعده ابنه المهدي محمد بن عبد الله، ثم من بعده ابنه الهادي، ثم ابنه الآخر هارون الرشيد، ثم انتشرت الخلافة في ذريته على ما سنفصله إذا وصلنا إلى تلك الايام * وقد نطقت هذه الاحاديث التي أوردناها آنفا بالسفاح والمنصور والمهدي، ولا شك أن المهدي الذي هو ابن المنصور ثالث خلفاء بني العباس، ليس هو المهدي الذي وردت
__________
(1) في البيهقي 6 / 517: حدثنا محدث.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 80 والبيهقي في الدلائل 6 / 514.
(3) في الدلائل: عن أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو معاوية عن الاعمش.
(*)

(6/277)


الاحاديث المستفيضة بذكره، وأنه يكون في آخر الزمان، يملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وقد أفردنا للاحاديث الواردة فيه جزءا على حدة، كما أفرده له أبو داود كتابا في سننه، وقد تقدم في بعض هذه الاحاديث آنفا أنه يسلم الخلافة إلى عيسى بن مريم إذا نزل إلى الارض، والله أعلم * وأما السفاح فقد تقدم أنه يكون في آخر الزمان، فيبعد أن يكون هو الذي بويع أول خلفاء بني العباس فقد يكون خليفة آخر، وهذا هو الظاهر، فإنه قد روى نعيم بن حماد عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المعافري من قدوم الحميري سمع نفيع بن عامر يقول: يعيش السفاح أربعين سنة اسمه في التوراة طائر السماء قلت: وقد تكون صفة للمهدي الذي يظهر في آخر الزمان لكثرة ما يسفح أي يريق من الدماء لاقامة العدل، ونشر القسط، وتكون الرايات السود المذكورة في هذه الاحاديث إن صحت هي التي تكون مع المهدي، ويكون أول ظهور بيعته بمكة، ثم تكون أنصاره من خراسان، كما وقع قديما للسفاح، والله تعالى أعلم * هذا كله تفريع على صحة هذه الاحاديث، وإلا فلا يخلو سند منها عن كلام، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
الاخبار عن الائمة الاثني عشر الذين كلهم من قريش وليسوا بالاثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة، فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر في زعمهم بسرداب سامرا وليس له وجود، ولا عين، ولا أثر، بل هؤلاء من الائمة الاثني عشر المخبر عنهم في الحديث، الائمة الاربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الائمة على كلا القولين لاهل السنة في تفسير الاثني عشر كما سنذكره بعد إيراد الحديث.
ثبت في صحيح البخاري من حديث شعبة، ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، كلاهما عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون إثنا عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أسمعها، فقلت لابي: ما قال ؟ قال: قال كلهم من قريش (1) * وقال أبو نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم: حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي من الخلفاء عدة أصحاب موسى * وقد روي مثل هذا عن عبد الله بن عمر وحذيفة وابن عباس وكعب الاحبار من قولهم، وقال أبو داود: حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول لا يزال هذا الامر قائما
__________
(1) أخرجه البخاري في الاحكام باب (51).
ومسلم في الامارة، باب (1) ص (1452).
(*)

(6/278)


حتى يكون عليهم إثنا عشر خليفة أو أميرا كلهم يجتمع عليهم الامة، وسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، فقلت لابي: ما يقول ؟ قال: يقول: كلهم من قريش (1) * وقال أبو داود أيضا: حدثنا ابن نفيل، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا زياد بن خيثمة، حدثنا الاسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال هذه الامة مستقيما أمرها، ظاهرة على عدوها، حتى يمضي إثنا عشرة خليفة كلهم من قريش، قال: فلما رجع إلى منزله أتته قريش
فقالوا: ثم يكون ماذا ؟ قال: ثم يكون الهرج (2) * قال البيهقي: ففي الرواية الاولى بيان العدد، وفي الثانية بيان المراد بالعدد، وفي الثالثة بيان وقوع الهرج وهو القتل بعدهم، وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة كما أخبر في هذه الرواية، ثم ظهر ملك العباسية، كما أشار إليه في الباب قبله، وإنما يزيدون على العدد المذكور في الخبر، إذا تركت الصفة المذكورة فيه أو عد منهم من كان بعد الهرج المذكور فيه * وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من الناس إثنان.
ثم ساقه من حديث عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره * وفي صحيح البخاري (3): من طريق الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الامر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين * قال البيهقي: أي أقاموا معالمه وإن قصروا هم في أعمال أنفسهم، ثم ساق أحاديث بقية ما ذكره في هذا والله أعلم * فهذا الذي سلكه البيهقي وقد وافقه عليه جماعة، من أن المراد بالخلفاء الاثني عشر المذكورين في هذا الحديث هم المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد فإنه مسلك فيه نظر، وبيان ذلك أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن اليزيد هذا أكثر من إثني عشر على كل تقدير، وبرهانه أن الخلفاء الاربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، خلافتهم محققة بنص حديث سفينة: الخلافة بعدي ثلاثون سنة * ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لان علينا أوصى إليه، وبايعه أهل العراق، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام حتى اصطلح هو ومعاوية، كما دل عليه حديث أبي بكرة في صحيح البخاري، ثم معاوية، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان، ثم ابنه الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإن اعتبرنا ولاية
__________
(1) أخرجه أبو داود في السنن - كتاب المهدي - ح 4279 ص (4 / 106) نقله عنه البيهقي في الدلائل 6 / 519 - 520.
(2) سنن أبي داود - كتاب المهدي - ح 4280 - 4281 وأخرجه الامام أحمد في مسنده 5 / 92 والبيهقي في الدلائل 6 / 520.
(3) في كتاب الاحكام - ح (7139) فتح الباري 13 / 113.
(*)

(6/279)


الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر، وعلى كل تقدير فهم إثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز، الذي أطبق الائمة على شكره وعلى مدحه، وعدوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله، وأن أيامه كانت من أعدل الايام حتى الرافضة يعترفون بذلك، فإن قال: أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الامة عليه، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولا ابنه، لان الناس لم يجتمعوا عليهما وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما، وعد حبيب معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، كأن الامة لم تجتمع على واحد منهما، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادا للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام فهؤلاء عشرة، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك، لانه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة بل والشيعة، ثم هو خلاف ما دل عليه نصا حديث سفينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال، الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا عضوضا * وقد ذكر سفينة تفصيل هذه الثلاثين سنة فجمعها من خلافة الاربعة، وقد بينا دخول خلافة الحسن وكانت نحوا من ستة أشهر فيها أيضا، ثم صار الملك إلى معاوية لما سلم الامر إليه الحسن بن علي، وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة، وبيان أن الخلافة قد انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقا، بل انقطع تتابعها، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة * وقال نعيم بن حماد: حدثنا راشد بن سعد عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حذيفة بن اليمان قال: يكون بعد عثمان
إثنا عشر ملكا من بني أمية، قيل له: خلفاء ؟ قال: لا بل ملوك.
وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن [ ابن أبي صغيرة ] (1) عن أبي بحر قال: كان أبو الجلد جارا لي، فسمعته يقول - يحلف عليه - إن هذه الامة لن تهلك حتى يكون فيها إثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلا من أهل البيت، أحدهما يعيش أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة * ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد، وهذا عجيب منه، وقد وافق أبا الجلد طائفة من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا وقد كان ينظر في شئ من الكتب المتقدمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشر إبراهيم بإسماعيل، وإنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيما * قال شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية: وهؤلاء المبشر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقرر أنهم يكونون مفرقين في الامة، ولا تقوم الساعة حتى يوجدوا، وغلط كثير ممن تشرف بالاسلام من اليهود فظنوا أنهم الذين تدعو إليهم فرقة الرافضة فاتبعوهم * وقد قال
__________
(1) في الاصل حاتم بن صفرة، وما أثبتناه من الدلائل 6 / 523 وهو أبو يونس البصري، وأبو صغيرة اسمه مسلم، وهو جده لامه وقيل زوج أمه، ثقة، من السادسة (تقريب التهذيب 1 / 137).
(*)

(6/280)


نعيم بن حماد: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن أبي المنهال * عن أبي زياد عن كعب قال: إن الله وهب لاسماعيل من صلبه إثني عشر قيما، أفضلهم أبو بكر وعمر وعثمان * وقال نعيم: حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن يحيى بن عمرو الشيباني قال: ليس من الخلفاء من لم يملك المسجدين المسجد الحرام والمسجد الاقصى.
الاخبار عن أمور وقعت في دولة بني العباس فمن ذلك: حدثنا أبو جعفر عبد الله ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس الخليفة بعد أخيه الخليفة السفاح وهو المنصور الباني لمدينة بغداد، في سنة خمس وأربعين ومائة * قال نعيم بن حماد في كتابه: عن أبي المغيرة، عن أرطأة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس أنه أتاه رجل وعنده حذيفة فقال: يا ابن عباس قوله حمعسق.
فأطرق ساعة وأعرض عنه، ثم كررها فلم يجبه
بشئ، فقال له حذيفة: أن أنبئك، وقد عرفت لم كررها، إنما نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الاله، أو عبد الله، ينزل على نهر من أنهار المشرق، يبني عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا، يجتمع فيهما كل جبار عنيد * وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجد الحوطي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عبد الله بن السمط، حدثنا صالح بن علي الهاشمي عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لان يربي أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة جرو كلب، خير من أن يربي ولدا لصلبه * قال شيخنا الذهبي: هذا الحديث موضوع، واتهم به عبد الله بن السمط هذا * وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري، في كتابه الفتن والملاحم: حدثنا أبو عمرو البصري عن أبي بيان المعافري عن بديع عن كعب قال: إذا كانت سنة ستين ومائة انتقص فيها حلم ذوي الاحلام، ورأي ذوي الرأي.
حديث آخر فيه إشارة إلى مالك بن أنس الامام روى الترمذي من حديث ابن عيينة، عن ابن جريج عن أبي الزبير، عن أبي صالح عن أبي هريرة رواية: يوشك أن يضرب الناس أكباد الابل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة * ثم قال: هذا حديث حسن وهو حديث ابن عيينة، وقد روي عنه أنه قال: هو مالك بن أنس، وكذا قال عبد الرزاق، قلت: وقد توفي مالك رحمه الله سنة تسع وسبعين ومائة.

(6/281)


حديث آخر فيه إشارة إلى محمد بن إدريس الشافعي قال أبو داود الطيالسي: حدثنا جعفر بن سليمان، عن النضر بن معبد الكندي أو العبدلي عن الجارود، عن أبي الاحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا قريشا فإن عالمها يملا الارض علما، اللهم إنك أذقت أولها وبالا، فأذق آخرها نوالا * وقد رواه الحاكم من طريق
أبي هريرة، قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني: وهو الشافعي، قلت، وقد توفي الشافعي رحمه الله في سنة أربع ومائتين وقد أفردنا ترجمته في مجلد وذكرناه معه تراجم أصحابه من بعده.
حديث آخر روى رواد بن الجراح، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي عن حذيفة مرفوعا: خيركم بعد المائتين خفيف الحاذ، قالوا: وما خفيف الحاذ يا رسول الله ؟ قال: من لا أهل له ولا مال ولا ولد.
حديث آخر قال ابن ماجه: حدثنا الحسن بن علي الخلال، حدثنا عون بن عمارة، حدثني عبد الله بن المثنى، ثنا ثمامة (1) بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أبيه عن جده أنس بن مالك عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآيات بعد المائتين (2) * وحدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا نوح بن قيس، حدثنا عبد الله بن مغفل، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمتي على خمس طبقات، فأربعون ستة أهل بر وتقوى، ثم الذين يلونهم إلى عشرين ومائة سنة أهل تراحم وتواصل، ثم الذين يلونهم إلى ستين ومائة، أهل تدابر وتقاطع.
ثم الهرج الهرج النجاء النجاء (3) * وحدثنا نصر بن علي، حدثنا حازم أبو محمد العنزي، حدثنا
__________
(1) في ابن ماجة عبد الله بن المثنى بن ثمامة بن عبد الله بن أنس.
وفي التقريب عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الانصاري أبو المثنى البصري صدوق كثير الخطأ من السادسة.
ولم أجد فيه عبد الله بن المثنى ابن ثمامة.
(2) أخرجه ابن ماجة في الفتن ح (4057) ص (2 / 1348).
وقال في زوائده: في اسناده عون بن عمارة العبدي وهو ضعيف.
وقال السيوطي: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات.
وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح.
وتعقبه الذهبي في تلخيصه فقال: عون ضعفوه.
(3) المصدر السابق: ح 4058.
وفي زوائده: في اسناده يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف.
(*)

(6/282)


المسور بن الحسن عن أبي معن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمتي على خمس طبقات: كل طبقة أربعون عاما، فأما طبقتي وطبقة أصحابي فأهل علم وإيمان، وأما الطبقة الثانية، ما بين الاربعين إلى الثمانين، فأهل بر وتقوى، ثم ذكره نحوه (1).
هذا لفظه وهو حديث غريب من هذين الوجهين، ولا يخلو عن نكارة والله أعلم * وقد قال الامام أحمد: ثنا وكيع عن الاعمش، حدثنا هلال بن بيان، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم يتسمنون يحبون السمن يعطون الشهادة قبل أن يسألوها (2) * ورواه الترمذي من طريق الاعمش، وقد رواه البخاري ومسلم من حديث شعبة عن أبي جمرة عن زهدم بن مضرب سمعت عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة - ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن (3)، لفظ البخاري وقال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته، قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار (4) * وقد رواه بقية الجماعة إلا أبا دواد من طرق متعددة عن منصور به.
حديث آخر قال نعيم بن حماد: حدثنا أبو عمرو البصري، عن ابن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه عن الحرث الهمداني، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: السابع من ولد العباس يدعو الناس إلى الكفر فلا يجيبونه، فيقول له أهل بيته: تريد أن تخرجنا من معايشنا ؟ فيقول: إني أسير فيكم بسيرة أبي بكر وعمر، فيأبون عليه فيقتله عدو له من أهل بيته من بني هاشم، فإذا وثب عليه أختلفوا فيما بينهم فذكر إختلافا طويلا إلى خروج السفياني * وهذا الحديث ينطبق على عبد الله المأمون الذي دعا الناس إلى القول بخلق القرآن،
ووقى الله شرها، كما سنورد ذلك في موضعه، والسفياني رجل يكون آخر الزمان منسوب إلى أبي سفيان يكون من سلالته، وسيأتي في آخر كتاب الملاحم.
__________
(1) المصدر السابق: ح (4059).
في اسناده ضعف، أبو معن والمسور بن الحسن وخازم مجهولون.
(2) أخرجه أحمد في مسنده ج 1 / 378، 426، 434، 442 - 4 / 277.
(3) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ح (3650) فتح الباري 7 / 3 ومسلم في فضائل الصحابة باب (52) ح (214) ص (4 / 1964).
(4) المصدر السابق فتح الباري 7 / 3 ح 3651.
(*)

(6/283)


حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا ليث عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه سمعت أبا ثعلبة الخشني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول وهو بالفسطاط في خلافة معاوية وكان معاوية اغزى الناس القسطنطينية فقال: والله لا تعجز هذه الامة من نصف يوم إذا رأيت الشام مائدة رجل واحد وأهل بيته فعند ذلك فتح القسطنطينية (1) * هكذا رواه أحمد موقوفا على أبي ثعلبة، وقد أخرجه أبي داود في سننه من حديث ابن وهب عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يعجز الله هذه الامة من نصف يوم (2) * تفرد به أبو داود ثم قال أبو داود: ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبو المغيرة حدثني صفوان، عن شريح بن عبيد، عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لارجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم، قيل لسعد: وكم نصف يوم ؟ قال: خمسمائة سنة (3) * تفرد به أبو داود وإسناده جيد، وهذا من دلائل النبوة، فإن هذا يقتضي وقوع تأخير الامة نصف يوم وهو خمسمائة سنة كما فسره الصحابي، وهو مأخوذ من قوله تعالى: * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * ثم هذا الاخبار بوقوع هذه المدة لا ينفي وقوع ما زاده عليها، فأما ما يذكره كثير من الناس من أنه عليه السلام لا يؤلف في قبره، بمعنى لا يمضي عليه ألف سنة من
يوم مات إلى حين تقام الساعة، فإنه حديث لا أصل له في شئ من كتب الاسلام والله اعلم * حديث آخر فيه الاخبار عن ظهور النار التي كانت بأرض الحجاز حتى أضاءت لها أعناق الابل ببصرى، وقد وقع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة.
قال البخاري في صحيحه: ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: أخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ لها أعناق الابل ببصرى " (4) تفرد به البخاري، وقد ذكر أهل التاريخ وغيرهم من الناس، وتواتر وقوع هذا في سنة أربع وخمسين وستمائة، قال الشيخ الامام الحافظ شيخ الحديث وإمام المؤرخين في زمانه، شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل الملقب بأبي شامة في تاريخه: إنها ظهرت يوم الجمعة في خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وأنها استمرت شهرا
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده ج 4 / 193.
(2) أخرجه أبو داود في الملاحم - ح 4339 ج 4 / 125.
(3) المصدر السابق ح: (4350).
(4) أخرجه البخاري في الفتن - (24) باب.
ح (7118) فتح الباري 13 / 78.
(*)

(6/284)


وأزيد منه، وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة، في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا، تلقاء أحد، وأنها ملات تلك الاودية، وأنه يخرج منها شرر يأكل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها، وأنهم سمعوا أصوات مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام، أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين (1)، فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الارض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الاسود، وذكر أن ضوءها يمتد إلى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل، وكأن في بيت كل منهم مصباحا، ورأى الناس
سناها من مكة شرفها الله، قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضي القضاة صدر الدين علي بن أبي قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرني والدي، وهو الشيخ صفي الدين أحمد مدرسي بصرى، أنه أخبره غير واحد من الاعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى، أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجأوا في هذه الايام إلى المسجد النبوي، وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم مما سلف منهم وأعتقوا الغلمان، وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم وقد قال قائلهم في ذلك: يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا * فقد أحاطت بنا يا رب بأساء نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها * حملا ونحن بها حقا أحقاء زلازل تخشع الصم الصلاد لها * وكيف تقوى على الزلزال صماء أقام سبعا يرج الارض فانصدعت * عن منظر منه عين الشمس عشواء بحر من النار تجري فوقه سفن * من الهضاب لها في الارض إرساء يرى لها شرر كالقصر طائشة * كأنها ديمة تنصب هطلاء تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت * رعبا وترعد مثل الشهب أضواء منها تكاثف في الجو الدخان إلى * أن عادت الشمس منها وهي دهماء قد أثرت سعفة في البدر لفحتها * فليلة التم بعد النور ليلاء فيالها آية من معجزات رسو * ل الله يعقلها القوم الالباء ومما قيل من هذه النار مع غرق بغداد في هذه السنة: سبحان من أصبحت مشيئته * جارية في الورى بمقدار
__________
(1) ذكر القرطبي في التذكرة: قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الاربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة.
(*)

(6/285)


أغرق بغداد بالمياه كما * أحرق أرض الحجاز بالنار حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا أفلح بن سعيد الانصاري، شيخ من أهل قبا من الانصار، حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طالت بكم مدة أوشك أن تروا قوما يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر (1)، ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن زيد بن الخباب، عن أفلح بن سعيد به، وروى مسلم أيضا عن زهير بن حرب، عن جرير، عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات.
رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا (2)، وهذان الصنفان وهما الجلادون الذين يسمون بالرجالة، والجاندارية، كثيرون في زماننا هذا ومن قبله وقبل قبله بدهر، والنساء الكاسيات العاريات أي عليهن لبس لا يواري سوأتهن، بل هو زيادة في العورة، وأبداء للزينة، مائلات في مشيهن مميلات غيرهن إليهن، وقد عم البلاء بهن في زماننا هذا، ومن قبله أيضا، وهذ من أكبر دلالات النبوة إذ وقع الامر في الخارج طبق ما أخبر به عليه السلام، وقد تقدم حديث جابر: أما إنها ستكون لكم أنماط، وذكر تمام الحديث في وقوع ذلك وإحتجاج امرأته عليه بهذا.
حديث آخر روى الامام أحمد: عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن داود بن أبي هند، وأخرجه البيهقي من حديثه عن أبي حرب بن أبي الاسود الدؤلي عن طلحة بن عمرو البصري: أنه قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يصلي إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله أحرق بطوننا التمر وتحرقت عنا الخنف (3)، قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد رأيتني وصاحبي وما لنا طعام
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 2 / 323 وأخرجه مسلم في الفتن، (13) باب.
ح 53 ص 4 / 2193.
(2) أخرجه مسلم في الفتن، (13) باب.
ح (52) ص 4 / 2192.
- البخت: في اللسان دخيل في العربية أعجمي معرب، وهي الابل الخراسانية.
والمراد بالتشبيه رؤوسهن كأسنمة البخت إنما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هناك وتكثرها حتى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام.
(3) من المسند ودلائل البيهقي، وفي الاصل الحيف تحريف.
(*)

(6/286)


غير البرير (1) حتى أتينا إخواننا من الانصار فآسونا من طعامهم وكان طعامهم التمر، والذي لا إله إلا هو لو قدرت لكم على الخبر والتمر لاطعمتكموه، وسيأتي عليكم زمان أو من أدركه منكم يلبسون مثل أستار الكعبة، ويغدي ويراح عليكم بالجفان، قالوا: يا رسول الله أنحن يومئذ خير أم اليوم ؟ قال: بل أنتم اليوم خير، أنتم اليوم إخوان، وأنتم يومئذ يضرب بعضكم رقاب بعض (2)، وقد روى سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي موسى يحنس (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مشت أمتي المطيطا (4) وخدمتهم فارس والروم، سلط الله بعضهم على بعض (5) * وقد أسنده البيهقي من طريق موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
حديث آخر قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري، ثنا ابن وهب، ثنا سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافري عن أبي علقمة عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها * قال أبو داود: عبد الرحمن بن شريح الاسكندراني لم يحدثه شراحيل (6) * تفرد به أبو داود، وقد ذكر كل طائفة من العلماء في رأس كل مائة سنة عالما من علمائهم ينزلون هذا الحديث عليه، وقال طائفة من العلماء هل الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد فرد من آحاد العلماء من هذه الاعصار ممن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمن أدرك من السلف إلى من يدركه من الخلف كما جاء في الحديث من طرق مرسلة
وغير مرسلة: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وإنتحال المبطلين * وهذا موجود ولله الحمد والمنة إلى زماننا هذا، ونحن في القرن الثامن، والله المسئول أن يختم لنا بخير وأن يجعلنا من عباده الصالحين، ومن ورثة جنة النعيم آمين آمين يا رب العالمين * وسيأتي الحديث المخرج من الصحيح: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك * وفي صحيح البخاري وهم بالشام وقد قال كثير من علماء السلف: أنهم أهل الحديث وهذا أيضا من دلائل النبوة فإن أهل الحديث بالشام
__________
(1) البرير: تمر الاراك.
(2) أخرجه الامام أحمد في مسنده 3 / 487 والبيهقي في الدلائل 6 / 524.
ونقله ابن حجر في الاصابة 2 / 231 عن الطبراني وابن حبان والحاكم.
(3) من الدلائل، وفي الاصل بحلس تحريف.
وهو يحنس بن عبد الله أبو موسى مولى آل الزبير مقرئ ثقة من الثالثة (تقريب التهذيب 2 / 241).
(4) المطيطاء: مشية التبختر والخيلاء والعجب.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 525، وأخرجه الترمذي في الفتن 4 / 526.
(6) أخرجه أبو داود في الملاحم، ح (4291) ص 4 / 109.
(*)

(6/287)


أكثر من سائر أقاليم الاسلام، ولله الحمد، ولا سيما بمدينة دمشق حماها الله وصانها، كما ورد في الحديث الذي سنذكره أنها تكون معقل المسلمين عند وقوع الفتن، وفي صحيح مسلم: عن النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن عيسى بن مريم أنه ينزل من السماء على المنارة البيضاء شرقي دمشق ولعل أصل لفظ الحديث على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق وقد بلغني أنه كذلك في بعض الاجزاء ولم أقف عليه إلى الآن والله الميسر، وقد جددت هذه المنارة البيضاء الشرقية بجامع دمشق بعد ما أحرقها النصارى من أيامنا هذه بعد سنة أربعين وسبعمائة فأقاموها من أموال النصارى مقاصة على ما فعلوا من العدوان وفي هذا حكمة عظيمة وهو أن ينزل على هذه
المبنية من أموالهم عيسى بن مريم نبي الله فيكذبهم فيما افتروه عليه من الكذب عليه وعلى الله ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية أي يتركها ولا يقبل من أحد منهم ولا من غيرهم إلا الاسلام، يعني أو يقتله وقد أخبر بهذا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرره عليه وسوغه له صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان.