البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين
وفيها وفاة عمر بن الخطاب قال الواقدي وأبو معشر: فيها كان فتح اصطخر وهمذان.
وقال سيف: كان فتحها بعد فتح توج الآخرة.
ثم ذكر أن الذي افتتح توج مجاشع بن مسعود، بعدما قتل من الفرس مقتلة عظيمة وغنم منهم غنائم جمة.
ثم ضرب الجزية على أهلها، وعقد لهم الذمة، ثم بعث بالفتح وخمس الغنائم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم ذكر أن عثمان بن أبي العاص افتتح جور بعد قتال شديد كان عندها، ثم افتتح المسلمون اصطخر - وهذه المرة الثانية -، وكان أهلها قد نقضوا العهد بعد ما كان جند العلاء بن الحضرمي افتتحوها حين جاز في البحر - من أرض البحرين - والتقوا هم والفرس في مكان يقال له طاوس، كما تقدم بسط ذلك في موضعه.
ثم صالحه الهربد على الجزية، وأن يضرب لهم الذمة.
ثم بعث بالاخماس والبشارة إلى عمر.
قال ابن جرير: وكانت الرسل لها جوائز، وتقضى لهم حوائج، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاملهم بذلك.
ثم إن شهرك خلع العهد، ونقض الذمة، ونشط الفرس، فنقضوا، فبعث إليهم عثمان بن أبي العاص ابنه وأخاه الحكم، فاقتتلوا مع الفرس فهزم الله جيوش المشركين، وقتل الحكم بن أبي العاش شهرك (1)، وقتل ابنه معه أيضا.
وقال أبو معشر: كانت فارس الاولى واصطخر الآخرة سنة ثمان وعشرين في إمارة عثمان، وكانت فارس الآخرة ووقعة جور في سنة تسع وعشرين.
فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم ذكر سيف عن مشايخه أن سارية بن زنيم (2) قصد فسا ودار أبجرد (3)، فاجتمع له جموع
__________
(1) في رواية لابن الاثير في الكامل 3 / 40: قتله سوار بن همام العبدي والذي طعنه طعنة قاتلة فحمل عليه ابن شهرك فقتل سوار.
ووافقه في روايته البلاذري في فتوح البلدان 2 / 477.
(2) في فتوح البلدان 2 / 478: ان عثمان بن أبي العاص قصد داربجرد وفسا وفتحهما صلحا.
= (*)

(7/146)


- من الفرس والاكراد - عظيمة، ودهم المسلمين منهم أمر عظيم وجمع كثير، فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم وعددهم في وقت من النهار، وأنهم في صحراء وهناك جبل إن
أسندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فنادى من الغد الصلاة جامعة، حتى إذا كانت الساعة التي رأى أنهم اجتمعوا فيها، خرج إلى الناس وصعد المنبر، فخطب الناس وأخبرهم بصفة ما رأى، ثم قال: يا سارية، الجبل الجبل، ثم أقبل عليهم وقال: إن لله جنودا ولعل بعضها أن يبلغهم.
قال: ففعلوا ما قال عمر، فنصرهم الله على عدوهم، وفتحوا البلد.
وذكر سيف في رواية أخرى عن شيوخه أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ قال: يا سارية بن زنيم، الجبل الجبل.
فلجأ المسلمون إلى جبل هناك فلم يقدر العدو عليهم إلا من جهة واحدة فأظفرهم الله بهم، وفتحوا البلد.
وغنموا شيئا كثيرا، فكان من جملة ذلك سفط من جوهر فاستوهبه سارية من المسلمين لعمر، فلما وصل إليه مع الاخماس قدم الرسول بالخمس فوجد عمر قائما في يده عصا وهو يطعم المسلمين سماطهم، فلما رآه عمر قال له: اجلس - ولم يعرفه -، فجلس الرجل فأكل مع الناس، فلما فرغوا انطلق عمر إلى منزله واتبعه الرجل، فاستأذن فأذن له وإذا هو قد وضع له خبز وزيت وملح، فقال: ادن فكل.
فجلست فجعل يقول لامرأته: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين ؟ فقالت: إني أسمع حس رجل عندك.
فقال: أجل، فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة.
فقال: أو ما ترضين أن يقال أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر.
فقالت: ما أقل غناء ذلك عني.
ثم قال للرجل: ادن فكل فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى.
فأكلا فلما فرغا قال: أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين.
فقال: مرحبا وأهلا.
ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمين، ثم سأله عن سارية بن زنيم، فأخبره ثم ذكر له شأن السفط (1) من الجوهر فأبى أن يقبله وأمر برده إلى الجند.
وقد سأل أهل المدينة رسول سارية عن الفتح فأخبرهم، فسألوه: هل سمعوا صوتا يوم الوقعة ؟ قال: نعم، سمعنا قائلا يقول: يا سارية الجبل، وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا.
ثم رواه سيف عن مجالد عن الشعبي بنحو هذا.
وقال عبد الله بن وهب: عن يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر أن عمر وجه جيشا ورأس عليهم رجلا يقال له سارية، قال: فبينما عمر يخطب فجعل ينادي: يا ساري الجبل يا ساري الجبل ثلاثا.
ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر: فقال: يا أمير المؤمنين
هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا يا سارية الجبل ثلاثا فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله.
قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك.
وهذا إسناد جيد حسن.
وقال الواقدي: حدثني نافع بن أبي نعيم، عن نافع مولى ابن عمر.
أن عمر قال على
__________
= فسا: مدينة بفارس بينها وبين شيراز أربع مراحل، وأما كورة دارابجرد فإن أكبر مدنها فسا وهي مدينة قديمة ولها حصن وخندق.
(1) في الطبري والكامل: الدرج، والدرج هو السفط الصغير.
(*)

(7/147)


المنبر: يا سارية بن زنيم الجبل.
فلم يدر الناس ما يقول حتى قدم سارية بن زنيم المدينة على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين كنا محاصري العدو فكنا نقيم الايام لا يخرج علينا منهم أحد، نحن في خفض من الارض وهم في حصن عال، فسمعت صائحا ينادي بكذا وكذا يا سارية بن زنيم الجبل، فعلوت بأصحابي الجبل، فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا.
وقد رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي من طريق مالك عنا نافع عن ابن عمر بنحوه، وفي صحته من حديث مالك نظر.
وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد، عن أسلم عن أبيه.
وأبو سليمان عن يعقوب بن زيد قالا: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة إلى الصلاة فصعد المنبر ثم صاح: يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم.
ثم خطب حتى فرغ، فجاء كتاب سارية إلى عمر: إن الله قد فتح علينا يوم الجمعة ساعة كذا وكذا - لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر - قال سارية: فسمعت صوتا يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم، فعلوت بأصحابي الجبل، ونحن قبل ذلك في بطن واد، ونحن محاصروا العدو ففتح الله علينا.
فقيل لعمر بن الخطاب ما ذلك الكلام ؟ فقال: والله ما ألقيت له إلا بشئ ألقي على لساني.
فهذه طرق يشد بعضها بعضا.
[ فتح كرمان وسجستان ومكران ]
ثم ذكر ابن جرير من طريق سيف عن شيوخه فتح كرمان على يدي سهيل بن عدي وأمده عبد الله بن عبد الله بن عتبان، وقيل على يدي عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي (1)، وذكر فتح سجستان (2) على يدي عاصم بن عمرو، بعد قتال شديد، وكانت ثغورها متسعة، وبلادها متنائية، ما بين السند إلى نهر بلخ، وكانوا يقاتلون القندهار والترك من ثغورها وفروجها.
وذكر فتح مكران (3) على يدي الحكم بن عمرو، وأمده بشهاب بن المخارق بن شهاب، وسهيل بن عدي، و عبد الله بن عبد الله، واقتتلوا مع ملك السند فهزم الله جموع السند، وغنم السملمون منهم غنيمة كثيرة، وكتب الحكم بن عمرو بالفتح وبعث بالاخماس مع صحار العبدي، فلما قدم
__________
(1) وقال في فتوح البلدان 2 / 482 ان عبد الله بن عامر وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان فقاتل أهلها في حصنهم ففتحها عنوة.
(2) هي ناحية كبيرة وولاية واسعة وهي جنوبي هراة.
سهلة لا يرى بها جبل وبها نخل كثير وتمر وفي رجالهم عظم خلق وجلادة بين سجستان وكرمان 130 فرسخا.
(3) هذه الولاية بين كرمان من غربيها وسجستان شمالها والبحر جنوبها والهند شرقها.
قال الاصطخري: مكران ناحية واسعة عريضة والغالب عليها المفاوز والضر والقحط.
(*)

(7/148)


على عمر سأله عن أرض مكران فقال: يا أمير المؤمنين أرض سهلها جبل، وماؤها وشل (1)، وثمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل، والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها.
فقال عمر: أسجاع أنت أم مخبر ؟ فقال: لا، بل مخبر، فكتب عمر إلى الحكم بن عمرو أن لا يغزو بعد ذلك مكران، وليقتصروا على ما دون النهر.
وقد قال الحكم بن عمرو في ذلك: لقد شبع الارامل غير فخر * بفئ جاءهم من مكران أتاهم بعد مسغبة وجهد * وقد صفر الشتاء من الدخان فإني لا يذم الجيش فعلي * ولا سيفي يذم ولا لساني (2)
غداة أدافع الاوباش دفعا * إلى السند العريضة والمداني ومهران لنا فيما أردنا * مطيع غير مسترخي العنان فلولا ما نهى عنه أميري * قطعناه إلى البدد الزواني
غزوة الاكراد
ثم ذكر ابن جرير بسنده عن سيف عن شيوخه: أن جماعة من الاكراد والتف إليهم طائفة من الفرس اجتمعوا فلقيهم أبو موسى بمكان من أرض بيروذ قريب من نهر تيري، ثم سار عنهم أبو موسى إلى أصبهان وقد استخلف على حربهم الربيع بن زياد بعد مقتل أخيه المهاجر بن زياد، فتسلم الحرب وحنق عليهم، فهزم الله العدو وله الحمد والمنة، كما هي عادته المستمرة وسنته المستقرة، في عباده المؤمنين، وحزبه المفلحين، من أتباع سيد المرسلين.
ثم خمست الغنيمة وبعث بالفتح والخمس إلى عمر رضي الله عنه، وقد سار ضبة بن محصن العنزي فاشتكى أبا موسى إلى عمر، وذكر عنه أموارا لا ينقم عليه بسببها (3)، فاستدعاه عمر فسأله عنها فاعتذر منها
__________
(1) ماؤها وشل: أي قليل.
وتمرها دقل: أي التمر الردئ أو أردؤه.
(2) في الطبري: سناني.
(3) هذه الامور كما ذكرها الطبري 5 / 9: - اتخذ أبو موسى ستين غلاما من أبناء الدهاقين اتخذهم لنفسه.
- اتخذ جارية اسمها عقيلة يغديها بجفنة ويعشيها بجفنة.
- له قفيزان يكتال بأحدهما لنفسه وبالآخر لغيره.
- له خاتمان يختم بهما.
واستولى على أمره زياد بن عبيد بن علاج الثقفي.
- اجاز الحطيئة بألف.
- زاد ابن الاعثم في فتوحه: انه حلف يمينا كاذبة في انه أعطى أهل رامهرمز أمانا وعهدا وأجلا ستة أشهر.
(2 / 29).
(*)

(7/149)


بوجوه مقبولة فسمعها عمرو قبلها، ورده إلى عمله وعذر ضبة فيما تأوله ومات عمر، وأبو موسى على صلاة البصرة.
خبر سلمة بن قيس الاشجعي والاكراد
بعثه عمر على سرية ووصاه بوصايا كثيرة بمضمون حديث بريدة في صحيح مسلم " اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله " الحديث إلى آخره، فساروا فلقوا جمعا من المشركين فدعوهم إلى إحدى ثلاث خلال (1)، فأبوا أن يقبلوا واحدة منها، فقاتلوهم فقتلوا مقاتلتهم، وسبوا ذراريهم، وغنموا أموالهم.
ثم بعث سلمة بن قيس رسولا إلى عمر بالفتح وبالغنائم، فذكروا وروده على عمر وهو يطعم الناس، وذهابه معه إلى منزله، كنحو ما تقدم من قصة أم كلثوم بنت علي، وطلبها الكسوة كما يكسى طلحة وغيره أزواجهم، فقال: ألا يكفيك أن يقال بنت علي وامرأة أمير المؤمنين ؟ ثم ذكر طعامه الخشن وشرابه من سلت، ثم شرع يستعلمه عن أخبار المهاجرين، وكيف طعامهم وأشعارهم، وهل يأكلون اللحم الذي هو شجرتهم، ولا بقاء للعرب دون شجرتهم ؟ وذكر عرضه عليه ذلك السفط من الجوهر، فأبى أن يأخذه وأقسم على ذلك، وأمره بأن يرده فيقسم بين الغانمين.
وقد أورده ابن جرير مطولا جدا.
وقال ابن جرير: وفي هذه السنة حج عمر بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي آخر حجة حجها رضي الله عنه.
قال: وفي هذه السنة كانت وفاته.
ثم ذكر صفة قتله مطولا أيضا، وقد ذكرت ذلك مستقصى في آخر سيرة عمر، فليكتب من هناك إلى هنا.
وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي، أبو حفص العدوي، الملقب بالفاروق قيل لقبه بذلك أهل الكتاب.
وأمه حنتمة بنت هشام (2) أخت أبي جهل بن هشام.
أسلم عمر وعمره سبع وعشرين سنة (3)، وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج في عدة سرايا، وكان أميرا على بعضها، وهو أول من دعي أمير المؤمنين، وأول من كتب التاريخ، وجمع الناس
على التراويح، وأول من عس بالمدينة، وحمل الدرة وأدب بها، وجلد في الخمر ثمانين، وفتح
__________
(1) كما في الطبري: دعوتهم إلى الاسلام فإن أبوا فادعوهم إلى الخراج فإن أبوا فقاتلوهم.
(5 / 10).
(2) قال ابن عبد البر وابن حجر وابن سعد: حنتمة بن هاشم بن المغيرة المخزومية: وقال في الاستيعاب: ومن قال بنت هشام فقد أخطأ وليست هي أخت أبي جهل إنما هي ابنة عمهما، فهاشم وهشام ابنا المغيرة اخوان (الاصابة 2 / 518 والهامش 2 / 458 طبقات ابن سعد: 3 / 265).
(3) في طبقات ابن سعد 3 / 270: ست وعشرين سنة.
(*)

(7/150)


الفتوح، ومصر الامصار، وجند الاجناد.
ووضع الخراج، ودون الدواوين (1)، وعرض الاعطية، واستقضى القضاة، وكور الكور، مثل السواد والاهواز والجبال وفارس وغيرها، وفتح الشام كله، والجزيرة والموصل، وميا فارقين، وآمد، وأرمينية، ومصر واسكندرية.
ومات وعساكره على بلاد الري.
فتح من الشام اليرموك وبصرى ودمشق والاردن، وبيسان، وطبرية، والجابية، وفلسطين والرملة، وعسقلان وغزة والسواحل والقدس وفتح مصر واسكندرية وطرابلس الغرب وبرقة، ومن مدن الشام بعلبك وحمص وقنسرين وحلب وإنطاكية وفتح الجزيرة وحران والرها والرقة ونصيبين ورأس عين وشمشاط وعين وردة وديار بكر وديار ربيعة وبلاد الموصل وأرمينية جميعها.
وبالعراق القادسية والحيرة ونهر سير (2) وساباط، ومدائن كسرى وكورة الفرات ودجلة والابلة والبصرة والاهواز وفارس ونهاوند وهمذان والري وقومس وخراسان واصطخر وأصبهان والسوس ومرو ونيسابور وجرجان وأذربيجان وغير ذلك، وقطعت جيوشه النهر مرارا، وكان متواضعا في الله، خشن العيش، خشن المطعم، شديدا في ذات الله، يرقع الثوب بالاديم، ويحمل القربة على كتفيه، مع عظم هيبته، ويركب الحمار عريا، والبعير مخطوما بالليف، وكان قليل الضحك لا يمازح أحدا وكان نقش خاتمه كفى بالموت واعظا يا عمر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أشد أمتي في دين الله عمر " وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الارض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل
ووزيراي من أهل الارض أبو بكر وعمر، وإنهما السمع والبصر " وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الشيطان يفرق من عمر " وقال " أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر (3) " وقيل لعمر إنك قضاء.
فقال: الحمد لله الذي ملا لهم قلبي رحما وملا قلوبهم لي رعبا.
وقال عمر: لا يحل لي من مال الله إلا حلتان حلة للشتاء وحلة للصيف، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين.
وكان عمر إذا استعمل عاملا كتب له عهدا وأشهد عليه رهطا من المهاجرين واشترط عليه أن لا يركب برذونا، ولا يأكل نقيا، ولا يلبس رقيقا، ولا يغلق بابه دون ذوي
__________
(1) ديوان: على الارجح غير عربية - أصلها فارسي - قيل إن كسرى أطلع ذات يوم على كتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم فقال: " ديوانه " أي " مجانين " فسمي موضعهم بهذا الاسم ثم حذفت الهاء عند كثرة الاستعمال تخفيفا فقيل ديوان (انظر الاحكام السلطانية للماوردي) وقد اختلفوا في الذي أشار على عمر بتدوين الدواوين فقيل خالد بن الوليد، وقيل الوليد بن هشام وقيل الهرمزان.
وقد أحدثه عمر لما رأى كثرة الاموال التي ترد عليه.
وأمر ثلاثة من كتاب قريش وهم عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم فكتبوا ديوان العساكر الاسلامية على ترتيب الانساب مبتدئا من قرابة الرسول وما بعد فالاقرب فالاقرب...(2) في الطبري بهرسير، وفي الواقدي في فتوح العراق: نهمشير.
(2) الحديث أخرجه الترمذي في المناقب رقم (3793).
وابن ماجة في المقدمة.
والحاكم في المستدرك وابن عدي وابن عساكر وهو جزء من حديث أوله: أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، ولفظ الترمذي: أرحم أمتي...(*)

(7/151)


الحاجات.
فإن فعل شيئا من ذلك حلت عليه العقوبة.
وقيل إنه كان إذا حدثه الرجل بالحديث فيكذب فيه الكلمة والكلمتين فيقول عمر: احبس هذه احبس هذه، فيقول الرجل: والله كلما حدثتك به حق غير ما أمرتني أن أحبسه.
وقال معاوية بن أبي سفيان: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته فلم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهرا لبطن.
وعوتب عمر فقيل له: لو أكلت طعاما طيبا كان أقوى لك على الحق ؟ فقال: إني تركت صاحبي على جادة، فإن أدركت جادتهما فلم أدركهما في
المنزل.
وكان يلبس وهو خليفة جبة صوف مرقوعة بعضها بأدم ويطوف بالاسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس، وإذا مر بالنوى وغيره يلتقطه ويرمي به في منازل الناس ينتفعون به.
وقال أنس: كان بين كتفي عمر أربع رقاع، وإزاره مرقوع بأدم.
وخطب على المنبر وعليه إزار فيه اثنتي عشرة (1) رقعة، وأنفق في حجته ستة عشر دينار، وقال لابنه: قد أسرفنا، وكان لا يستظل بشئ غير أنه كان يلقي كساءه على الشجر ويستظل تحته، وليس له خيمة ولا فسطاط.
ولما قدم الشام لفتح بيت المقدس كان على جمل أورق تلوح صلعته للشمس، ليس عليه قلنسوة ولا عمامة قد طبق رجليه بين شعبي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كبش من صوف، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته محشوة ليفا، وهي وسادته إذا نام، وعليه قميص من كرابيس قد رسم وتخرق جيبه، فلما نزل قال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصا، فأتي بقميص كتان، فقال: ما هذا ؟ فقيل كتان.
فقال: فما الكتان ؟ فأخبروه.
فنزع قميصه فغسلوه وخاطوه ثم لبسه، فقال له: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا يصلح فيها ركوب الابل.
فأني ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار جعل البرذون يهملج به فقال لمن معه: احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين، هاتوا جملي.
ثم نزل وركب الجمل.
وعن أنس قال: كنت مع عمر فدخل حائطا لحاجته فسمعته يقول - وبيني وبينه جدار الحائط - عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ، والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك.
وقيل: إنه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها ؟ وكان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر.
وما مات حتى سرد الصوم، وكان في عام الرمادة لا يأكل إلا الخبز والزيت حتى اسود جلده ويقول: بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع.
وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء.
وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعا إلى منزله فيعاد أياما ليس به مرض إلا الخوف.
وقال طلحة بن عبد الله: خرج عمر ليلة في سواد الليل فدخل بيتا فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت فإذا عجوز عمياء مقعدة
__________
(1) بالاصل: اثني عشر، وهو تحريف.
(*)

(7/152)


فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيكي ؟ فقالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الاذي.
فقلت لنفسي: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع ؟.
وقال أسلم مولى عمر: قدم المدينة رفقة من تجار، فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة ؟ قال: نعم ! فباتا يحرسانهم ويصليان، فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لامه: اتق الله تعالي وأحسني إلى صبيك.
ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة من البكاء ؟ ! فقالت: يا عبد الله إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم ؟ قالت: لان عمر لا يفرض إلا للمفطوم.
قال: وكم عمر ابنك هذا ؟ قالت: كذا وكذا شهرا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام.
فلما صلى الصبح وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء.
قال: بؤسا لعمر.
كم قتل من أولاد المسلمين.
ثم أمر مناديه فنادى، لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الاسلام.
وكتب بذلك إلى الآفاق (1).
وقال أسلم: خرجت ليلة مع عمر إلى ظاهر المدينة فلاح لنا بيت شعر فقصدناه فإذا فيه امرأة تمخض وتبكي، فسألها عمر عن حالها فقالت: أنا امرأة عربية وليس عندي شئ.
فبكى عمر وعاد يهرول إلى بيته فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: هل لك في أجر ساقه الله إليك ؟ وأخبرها الخبر، فقالت: نعم، فحمل على ظهره دقيقا وشحما، وحملت أم كلثوم ما يصلح للولادة وجاءا، فدخلت أم كلثوم على المرأة، وجلس عمر مع زوجها - وهو لا يعرفه - يتحدث، فوضعت المرأة غلاما فقالت أم كلثوم: يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام.
فلما سمع الرجل قولها استعظم ذلك وأخذ يعتذر إلى عمر.
فقال عمر: لا بأس عليك، ثم أوصلهم بنفقة وما يصلحهم وانصرف.
وقال أسلم: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار فقال: يا أسلم ههنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، قالت: وعليك السلام.
قال: أدنو.
قالت: ادن أو دع.
فدنا فقال: ما بالكم ؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد.
قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون ؟ قالت: من الجوع.
فقال: وأي شئ على النار ؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر.
فبكى عمر ورجع يهرول إلى دار الدقيق فأخرج عدلا من دقيق وجراب شحم، وقال: يا أسلم احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك.
فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة ؟.
فحمله على ظهره وانطلقنا إلى المرأة فألقى
__________
(1) روى الخبر ابن سعد عن نافع عن ابن عمر 3 / 301.
(*)

(7/153)


عن ظهره وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: إيتيني بصحفة.
فأتى بها فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا - والمرأة تدعو له وهي لا تعرفه - فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصلهم بنفقة وانصرف، ثم أقبل علي فقال: يا أسلم الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم.
وقيل: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رأى عمر وهو يعدو إلى ظاهر المدينة فقال له: إلى أين يا أمير المؤمنين ؟ فقال: قد ند بعير من إبل الصدقة فأنا أطلبه.
فقال: قد أتعبت الخلفاء من بعدك.
وقيل: إنه رأى جارية تتمايل من الجوع فقال: من هذه ؟ فقالت ابنة عبد الله: هذه ابنتي.
قال: فما بالها ؟ فقالت: إنك تحبس عنا ما في يدك فيصيبنا ما ترى.
فقال: يا عبد الله، بيني وبينكم كتاب الله، والله ما أعطيكم إلا ما فرض الله لكم، أتريدون مني أن أعطيكم ما ليس لكم: فأعود خائنا ؟.
روي ذلك عن الزهري.
وقال الواقدي: حدثنا أبو حمزة يعقوب بن مجاهد عن محمد بن إبراهيم عن أبي عمرو قال:
قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق أمير المؤمنين ؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أمير المؤمنين هو " وأول من حياه بها المغيرة بن شعبة " وقيل غيره.
فالله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عبد الصمد الانصاري، حدثتني أم عمرو بنت حسان الكوفية - وكان قد أتى عليها مائة وثلاثون سنة - عن أبيها قال: لما ولي عمر قالوا: يا خليفة رسول الله.
فقال عمر: هذا أمر يطول، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم.
فسمي أمير المؤمنين.
وملخص ذلك أن عمرو رضي الله عنه لما فرغ من الحج سنة ثلاث وعشرين ونزل بالابطح دعا الله عز وجل وشكا إليه أنه قد كبرت سنه وضعفت قوته، وانتشرت رعيته، وخاف من التقصير، وسأل الله أن يقبضه إليه، وأن يمن عليه بالشهادة في بلد النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتا في بلد رسولك، فاستجاب له الله هذا الدعاء، وجمع له بين هذين الامرين الشهادة في المدينة النبوية وهذا عزيز جدا، ولكن الله لطيف بما يشاء تبارك وتعالى، فاتفق له أن ضربه أبو لؤلؤة فيروز المجوسي الاصل، الرومي الدار، وهو قائم يصلي في المحراب، صلاة الصبح من يوم الاربعاء، لاربع بقين من ذي الحجة من هذه السنة بخنجر ذات طرفين، فضربه ثلاث ضربات، وقيل ست ضربات، إحداهن تحت سرته قطعت السفاق فخر من قامته، واستخلف عبد الرحمن بن عوف، ورجع العلج بخنجره لا يمر بأحد إلا ضربه، حتى ضرب ثلاثة عشر (1) رجلا مات منهم ستة، فألقى عليه عبد الله بن
__________
(1) كذا في الاصل وابن سعد، وفي الاستيعاب اثنا عشر رجلا، وقال ابن سعد: ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة.
(*)

(7/154)


عوف برنسا فانتحر نفسه لعنه الله، وحمل عمر إلى منزله والدم يسيل من جرحه - وذلك قبل طلوع الشمس - فجعل يفيق ثم يغمى عليه، ثم يذكرونه بالصلاة فيفيق ويقول: نعم، ولاحظ في الاسلام لمن تركها.
ثم صلى في الوقت، ثم سأل عمن قتله من هو ؟ فقالوا له: هو أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.
فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يدي رجل يدعي الايمان ولم يسجد لله
سجدة.
ثم قال: قبحه الله، لقد كنا أمرنا به معروفا - وكان المغيرة قد ضرب عليه في كل يوم درهمين ثم سأل من عمر أن يزيد في خراجه فإنه نجار نقاض حداد فزاد في خراجه إلى مائة في كل شهر - وقال له: لقد بلغني أنك تحسن أن تعمل رحا تدور بالهواء فقال أبو لؤلؤة: أما والله لاعملن لك رحا يتحدث عنها الناس في المشارق والمغارب - وكان هذا يوم الثلاثاء عشية - وطعنه صبيحة الاربعاء (1) لاربع بقين من ذي الحجة.
وأوصى عمر أن يكون الامر شورى بعده في ستة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، ولم يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي فيهم، لكونه من قبيلته، خشية أن يراعى في الامارة بسببه، وأوصى من يستخلف بعده بالناس خيرا على طبقاتهم ومراتبهم، ومات رضي الله عنه بعد ثلاث، ودفن في يوم الاحد مستهل المحرم من سنة أربع وعشرين بالحجرة النبوية، إلى جانب الصديق، عن إذن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في ذلك، وفي ذلك اليوم حكم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال الواقدي رحمه الله: حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: طعن عمر يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الاحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين، فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وأحدا وعشرين يوما، وبويع لعثمان يوم الاثنين لثلاث مضين من المحرم.
قال: فذكرت ذلك لعثمان الاخنس فقال: ما أراك إلا وهلت.
توفي عمر لاربع ليال بقين من ذي الحجة وبويع لعثمان لليلة بقيت من ذي الحجة فاستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين.
وقال أبو معشر: قتل عمر لاربع بقين من ذي الحجة تمام سنة ثلاث وعشرين وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وبويع عثمان بن عفان.
وقال ابن جرير: حدثت عن هشام بن محمد قال: قتل عمر لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين فكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام.
وقال سيف عن خليد بن وفرة (2) ومجالد قالا: استخلف عثمان لثلاث من المحرم فخرج فصلى بالناس صلاة العصر.
وقال
__________
(1) قال ابن قتيبة ضربه أبو لؤلؤة يوم الاثنين لاربع بقين من ذي الحجة ومكث ثلاثا.
وقال عثمان بن محمد الاخنسي توفي عمر لاربع ليال بقين من ذي الحجة.
(وانظر أسد الغابة 3 / 77).
(2) في الطبري: ذفرة.
(*)

(7/155)


علي بن محمد المدائني عن شريك عن الاعمش - أو جابر الجعفي - عن عوف بن مالك الاشجعي وعامر بن أبي محمد عن أشياخ من قومه، وعثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال: طعن عمر يوم الاربعاء لسبع بقين من ذي الحجة والقول الاول هو الاشهر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
صفته رضي الله عنه كان رجلا طوالا أصلع أعسر أيسر أحور العينين، آدم اللون، وقيل كان أبيض شديد البياض تعلوه حمرة، أشنب الاسنان، وكان يصفر لحيته، ويرجل رأسه بالحناء.
واختلف في مقدار سنه يوم مات رضي الله عنه على أقوال عدتها - عشرة - فقال ابن جرير: حدثنا زيد بن أحزم ثنا أبو قتيبة عن جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قتل عمر بن الخطاب وهو ابن خمس وخمسين سنة، ورواه الدراوردي عن عبد الله (1) عن نافع عن ابن عمر.
وقاله عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري، ورواه أحمد عن هشيم عن علي بن زيد عن سالم بن عبد الله بن عمر، وعن نافع رواية أخرى ست وخمسون سنة.
قال ابن جرير: وقال آخرون: كان عمره ثلاثا وخمسين سنة، حدثت بذلك عن هشام بن محمد.
ثم روي عن عامر الشعبي أنه توفي وله ثلاث وستون سنة.
قلت: وقد تقدم في عمر الصديق مثله، وروي عن قتادة أنه قال: توفي عمر وهو ابن إحدى وستين سنة (2)، وعن ابن عمر والزهري خمس وستون.
وعن ابن عباس ست وستون، وروى ابن جرير عن أسلم مولى عمر أنه قال: توفي وهو ابن ستين سنة.
قال الواقدي: وهذا أثبت الاقاويل عندنا.
وقال المدائني: توفي عمر وهو ابن سبع وخمسين سنة.
ذكر زوجاته وأبنائه وبناته
قال الواقدي وابن الكلبي وغيرهما: تزوج عمر في الجاهلية زينب بنت مظعون أخت عثمان ابن مظعون فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الاكبر، وحفصة رضي الله عنهم.
وتزوج مليكة بنت جرول فولدت له عبيد الله فطلقها في الهدنة، فخلف عليها أبو الجهم بن حذيفه، قال المدائني.
وقال الواقدي: هي أم كلثوم بنت جرول فولدت له عبيد الله وزيدا الاصغر.
قال المدائني وتزوج قريبة بنت أبي أمية المخزومي ففارقها في الهدنة، فتزوجها بعده عبد الرحمن بن أبي بكر.
قالوا: وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام بعد زوجها - حين قتل في الشام - فولدت له فاطمة
__________
(1) في الاستيعاب: عبيد الله.
(2) في رواية الاستيعاب عن قتادة: اثنتين وخمسين سنة.
(*)

(7/156)


ثم طلقها.
قال المدائني وقيل لم يطلقها.
قالوا: وتزوج جميلة (1) بنت عاصم بن ثابت بن أبي الاقلح من الاوس.
وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وكانت قبله عند عبد الله بن أبي مليكة (2) ولما قتل عمر تزوجها بعده الزبير بن العوام رضي الله عنهم، ويقال هي أم ابنه عياض فالله أعلم.
قال المدائني: وكان قد خطب أم كلثوم ابنه أبي بكر الصديق وهي صغيرة وراسل فيها عائشة فقالت أم كلثوم: لا حاجة لي فيه، فقالت عائشة: أترغبين عن أمير المؤمنين ؟ قالت: نعم، إنه خشن العيش فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فصده عنها ودله على أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، ومن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطبها من علي فزوجه إياها، فأصدقها عمر رضي الله عنه أربعين ألفا، فولدت له زيدا (3) ورقية، قالوا: وتزوج لهية - امرأة من اليمن - فولدت له عبد الرحمن الاصغر، وقيل الاوسط.
وقال الواقدي: هي أم ولد وليست زوجة، قالوا: وكانت عنده فكيهة أم ولد فولدت له زينب.
قال الواقدي وهي أصغر ولده.
قال الواقدي: وخطب أم أبان بنت عتبة بن شيبة فكرهته وقالت: يغلق بابه ويمنع خيره ويدخل عابسا ويخرج عابسا.
قلت: فجملة أولاده رضي الله عنه وأرضاه ثلاثة عشر ولدا، وهم زيد الاكبر، وزيد
الاصغر، وعاصم، وعبد الله، وعبد الرحمن الاكبر، وعبد الرحمن الاوسط، قال الزبير بن بكار وهو أبو شحمة، وعبد الرحمن الاصغر وعبيد الله، وعياض، وحفصة، ورقية، وزينب، وفاطمة، رضي الله عنهم.
ومجموع نسائه اللاتي تزوجهن في الجاهلية والاسلام ممن طلقهن أو مات عنهن سبع، وهن جميلة بنت (1) عاصم بن ثابت بن الاقلح، وزينب بنت مظعون، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، وقريبة بنت أبي أمية، ومليكة بنت جرول، وأم حكيم بنت الحارث ابن هشام، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وأم كلثوم أخرى وهي مليكة بنت جرول.
وكانت له أمتان له منهما أولاد، هما فكيهة ولهية، وقد اختلف في لهية هذه فقال بعضهم: كانت أم ولد، وقال بعضهم: كان أصلها من اليمن وتزوجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
فالله أعلم.
ذكر بعض ما رثي به قال علي بن محمد المدائني: عن ابن داب وسعيد بن خالد، عن صالح بن كيسان عن
__________
(1) في ابن سعد: جميلة بنت ثابت بن أبي الاقلح وولدت عاصما.
وقيل كان اسمها عاصية فسماها النبي صلى الله عليه وآله جميلة.
وفي الطبري جميلة أخت عاصم بن ثابت 5 / 16.
والطبقات 3 / 265.
(2) في الطبري: عبد الله بن أبي بكر (انظر الاصابة 4 / 356).
(3) وهو زيد الاصغر.
(*)

(7/157)


المغيرة بن شعبة قال: لما مات عمر بكته ابنة أبي خيثمة (1) فقالت: واعمراه، أقام الاود وأبر العهد، أمات الفتن وأحيا السنن، خرج نقي الثوب بريا من العيب.
قال فقال علي بن أبي طالب: والله لقد صدقت، ذهب بخيرها، ونجا من شرها، أما والله ما قالت ولكن قولت.
قال: وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل في زوجها عمر: فجعني فيروز لا در دره * بأبيض تال للكتاب منيب رؤوف على الادنى غليظ على العدى * أخى ثقة في النائبات نجيب متى ما يقل لا يكذب القول فعله * سريع إلى الخيرات غير قطوب
وقالت أيضا: عين جودي بعبرة ونحيب * لا تملي على الامام النجيب فجعتنا المنون بالفارس العي * - لم يوم الهياج والتلبيب (2) عصمة الناس والمعين على الده * - ر وغيث المنتاب والمحروب قل لاهل السراء والبؤس موتوا * قد سقته المنون كأس سغوب وقالت امرأة من المسلمين تبكيه: سيبكيك نساء الح * - ي يبكين شجيات ويخمشن وجوها * كالدنانير نقيات ويلبسن ثياب الحز * ن بعد القصبيات وقد ذكر ابن جرير ترجمة طويلة لعمر بن الخطاب، وكذلك أطال ابن الجوزي في سيرته، وشيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخه، وقد جمعنا متفرقات كلام الناس في مجلد مفرد، وأفردنا ولما أسنده وروى عنه من الاحكام مجلدا آخر كبيرا مرتبا على أبواب الفقه ولله الحمد.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة توفي قتادة بن النعمان، وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية ومعه من الصحابة عبادة بن الصامت، وأبو أيوب، وأبو ذر، وشداد بن أوس.
وفيها فتح معاوية عسقلان صلحا.
قال: وفيها كان على قضاء الكوفة شريح، وعلى قضاء البصرة كعب بن سوار، قال: وأما مصعب الزبيري فإنه ذكر أن مالكا روى عن الزهري أن أبا بكر وعمر لم يكن لهما قاض وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي في تاريخه في سنة ثلاث وعشرين.
فيها كانت قصة سارية بن زنيم.
وفيها فتحت كرمان وأميرها سهيل بن عدي.
وفيها فتحت سجستان، وأميرهم عاصم بن
__________
(1) في الطبري: ابن أبي حثمة.
(2) في أسد الغابة والطبري: فجعتني المنون بالفارس المعلم...(*)

(7/158)


عمرو وفيها تحت مكران، وأميرها الحكم بن أبي العاص، أخو عثمان، وهي من بلاد الجبل.
وفيها
رجع أبو موسى الاشعري من بلاد أصبهان وقد افتتح بلادها، وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية.
ثم ذكر وفاة من مات فيها.
فمنهم قتادة بن النعمان الانصاري الاوسي الظفري أخو أبي سعيد الخدري لامه، وقتادة أكبر منه، شهد بدرا وأصيبت عينه في يوم أحد حتى وقعت على خده فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت أحسن عينيه، وكان من الرماة المذكورين، وكان على مقدمة عمر حين قدم إلى الشام توفي في هذه السنة على المشهور عن خمس وستين سنة، ونزل عمر في قبره، وقيل إنه توفي في التي قبلها.
ثم ذكر ترجمة عمر بن الخطاب فأطال فيها وأكثر وأطنب، وأتي بمقاصد كثيرة مهمة، وفوائد جمة، وأشياء حسنة، فأثابه الله الجنة.
ثم قال: ذكر من توفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
الاقرع بن حابس ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة (1) بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي المجاشعي.
قال ابن دريد: واسمه فراس بن حابس ولقب بالاقرع لقرع في رأسه، وكان أحد الرؤساء، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد بني تميم، وهو الذي نادى من وراء الحجرات: يا محمد إن مدحي زين، وذمي شين، وهو القائل - وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن - أتقبله ؟ والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم.
فقال " من لا يرحم لا يرحم ".
وفي رواية " ما أملك أن نزع الله الرحمة من قبلك " وكان ممن تألفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه يوم حنين مائة من الابل، وكذلك لعيينة بن حصن الفزاري، وأعطى عباس بن مرداس خمسين (2) من الابل فقال: أتجعل نهبي ونهب العبي * - د بين عيينة والاقرع (3) فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع (4) وما كنت دون امرئ منهما * ومن يخفض اليوم لا يرفع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل: أتجعل نهبي ونهب العبي * - د بين عيينة والاقرع
رواه البخاري قال السهيلي: إنما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الاقرع قبل عيينة لان الاقرع كان خيرا
__________
(1) قال ابن منده وأبو نعيم جندلة بدل حنظلة، وقال ابن الاثير في أسد الغابة وهو خطأ والصواب حنظلة.
(2) في رواية البيهقي عن رافع بن خديج: أعطاه دون المائة.
وعن ابن اسحاق أعطاه أباعر.
(3) في البيهقي فأصبح بدل، اتجعل.
النهب: الغنيمة.
والعبيد: اسم فرس العباس بن مرداس.
(4) حصن: أبو عيينة، وحابس أبو الاقرع.
وفي رواية قال شيخي بدل مرداس.
(*)

(7/159)


من عيينة ولهذا لم يرتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما ارتد عيينة فبايع طليحة وصدقه ثم عاد.
والمقصود أن الاقرع كان سيدا مطاعا، وشهد مع خالد وقائعه بأرض العراق، وكان على مقدمته يوم الانبار.
ذكره شيخنا فيمن توفي في خلافة عمر بن الخطاب.
والذي ذكره ابن الاثير في الغابة أنه استعمله عبد الله ابن عامر على جيش وسيره إلى الجوزجان فقتل وقتلوا جميعا، وذلك في خلافة عثمان كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
حباب بن المنذر ابن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة أبو عمر ويقال أبو عمرو الانصاري الخزرجي السلمي، ويقال له ذو الرأي لانه أشار يوم بدر أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى ما يكون إلى القوم، وأن يغور ما وراءهم من القلب فأصاب في هذا الرأي، ونزل الملك بتصديقه وأما قوله يوم السقيفة: أنا جذيلها المحكك، ومزيجها (1) المرجب، منا أمير ومنكم أمير.
فقد رده عليه الصديق والصحابة.
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (2) عتبة بن مسعود الهذلي، هاجر مع أخيه لابويه، عبد الله إلى الحبشة شهد أحدا وما بعدها.
قال الزهري: ما كان عبد الله بأفقه منه، ولكن مات عتبة قبله، وتوفي زمن عمر على الصحيح، ويقال في زمن معاوية سنة أربع وأربعين.
علقمة بن علاثة
ابن عوف بن الاحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري الكلابي، أسلم عام الفتح وشهد حنينا وأعطى يومئذ مائة من الابل تأليفا لقلبه، وكان يكون بتهامة وكان شريفا مطاعا في قومه، وقد ارتد أيام الصديق فبعث إليه سرية فانهزم ثم أسلم وحسن إسلامه، ووفد على عمر في خلافته، وقدم دمشق في طلب ميراث له ثم، ويقال استعمله عمر على حوران فمات بها، وقد كان الحطيئة قصده ليمتدحه فمات قبل مقدمه بليال فقال: فما كان بيني لو لقيتك سالما * وبين الغنى إلا ليال قلائل (3)
__________
(1) المشهور والمحفوظ: وعذيقها.
(2) أبو أروى الهاشمي لم يشهد بدرا وكان أسن من عمه العباس قال الزبير: مات قبل أخويه نوفل وأبي سفيان في خلافة عمر.
(3) وبعده: لعمري لنعم المرء من آل جعفر * بحوران أمسى أدركته الحبائل (*)

(7/160)


علقمة بن مجزز ابن الاعور بن جعدة بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج الكناني المدلجي، أحد أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بعض السرايا، وكانت فيه دعابة، فأجج نارا وأمر أصحابه أن يدخلوا فيها فامتنعوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لو دخلوا فيها ما خرجوا منها " وقال " إنما الطاعة في المعروف " وقد كان علقمة جوادا ممدحا رثاه جواس العذري فقال: إن السلام وحسن كل تحية * تغدو على ابن مجزز وتروح عويم بن ساعدة ابن عباس أبو عبد الرحمن الانصاري الاوسي، أحد بني عمرو بن عوف شهد العقبة وبدرا وما بعدها له حديث عند أحمد وابن ماجه في الاستنجاء بالماء.
قال ابن عبد البر: توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في خلافة عمر، وقال وهو واقف على قبره: لا يستطيع أحد أن يقول أنا خير من
صاحب هذا القبر ما نصبت راية للنبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو واقف تحتها.
وقد روى هذا الاثر ابن أبي عاصم كما أورده ابن الاثير من طريقه.
غيلان بن سلمة الثقفي أسلم عام الفتح (1) على عشر نسوة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعا، وقد وفد قبل الاسلام على كسرى فأمره أن يبني له قصرا بالطائف، وقد سأله كسرى أي ولدك أحب إليك ؟ قال الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم، فقال له كسرى أن لك هذا ؟ هذا كلام الحكماء.
قال: فما غذاؤك ؟ قال: البر.
قال نعم هذا من البر لا من التمر واللبن.
معمر بن الحارث (2) ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشي الجمحي أخو حاطب (3) وحطاب، أمهم قيلة بنت مظعون، أخت عثمان بن مظعون أسلم معمر قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الارقم وشهد بدرا وما بعدها وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء.
__________
(1) قال في الاصابة والاستيعاب: أسلم يوم الطائف.
(2) في الاستيعاب والاصابة: معمر بن الحارث بن معمر.
(3) في الاستيعاب: أو حطاب، وأمهم قتيلة بنت مظعون.
(*)

(7/161)


ميسرة بن مسروق العبسي شيخ صالح قيل إنه صحابي شهد اليرموك ودخل الروم أميرا على جيش ستة آلاف وكانت له همة عالية فقتل وسبى وغنم وذلك في سنة عشرين، وروى عن أبي عبيدة وعنه أسلم مولى عمر، لم يذكره ابن الاثير في الغابة.
واقد بن عبد الله ابن عبد مناف بن عرين الحنظلي اليربوعي حليف بني عدي بن كعب، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الارقم وشهد بدرا وما بعدها وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن
معرور، وهو أول من قتل في سبيل الله عز وجل ببطن نخلة، مع عبد الله بن جحش حين قتل عمرو بن الحضرمي، توفي في خلافة عمر رضي الله عنه.
أبو خراش الهذلي الشاعر واسمه خويلد بن مرة، كان يسبق الخيل على قدميه، وكان فتاكا في الجاهلية، ثم أسلم وحسن إسلامه، وتوفي في زمن عمر، أتاه حجاج فذهب يأتيهم بماء فنهشته حية فرجع إليهم بالماء وأعطاهم شاة وقدرا، ولم يعلمهم بما جرى له، فأصبح فمات فدفنوه.
ذكره ابن عبد البر وابن الاثير في أسماء الصحابة.
والظاهر أنه ليست له وفادة، وإنما أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مخضرم والله أعلم.
أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ابن عمرو الانصاري شهد أحدا (1) وما بعدها، إلا تبوك فإنه تخلف لعذر الفقر، وهو أحد البكائين المذكورين.
سودة بنت زمعة القرشية العامرية أم المؤمنين، أول من دخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها، وكانت صوامة قوامة، ويقال كان في خلقها حدة، وقد كبرت فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفارقها
__________
(1) وفي أسد الغابة أنه شهد بدرا وما بعدها.
ولم يقدر على المسير إلى تبوك مع رسول الله صلى الله عليه وآله فنزل فيه وفي أصحابه: تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون.
وقال في الاستيعاب والاصابة: شهد أحدا وما بعدها من المواقع - ولم يستثنيا تبوك.
(*)

(7/162)


- ويقال بل فارقها - فقالت: يا رسول الله لا تفارقني وأنا أجعل يومي لعائشة، فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحها على ذلك.
وفي ذلك أنزل الله عز وجل * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) * الآية [ النساء: 128 ].
قالت عائشة: نزلت في سودة بنت زمعة، توفيت في خلافة عمر بن الخطاب (1).
هند بن عتبة يقال: ماتت في خلافة عمر وقيل توفيت قبل ذلك كما تقدم فالله أعلم.