البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ثم دخلت سنة تسع وستين
ففيها (1) كان مقتل عمرو بن سعيد الاشدق الاموي قتله عبد الملك بن مروان وكان سبب ذلك أن عبد الملك ركب في أول هذه السنة في جنوده قاصدا قرقيسيا ليحاصر زفر بن الحارث الكلابي الذي أعان سليمان بن صرد على جيش مروان حين قاتلوهم بعين وردة.
ومن عزمه إذا فرغ من ذلك أن يقصد مصعب بن الزبير بعد ذلك، فلما سار إليها استخلف على دمشق عمرو بن سعيد الاشدق، فتحصن بها وأخذ أموال بيت المال وقيل بل كان مع عبد الملك ولكنه انخذل عنه في طائفة من الجيش وكر راجعا إلى دمشق في الليل، ومعه حميد بن حريث بن بحدل الكلبي،
__________
(1) وفي مروج الذهب 3 / 121: وفي سنة سبعين قتل عبد الملك عمرو بن سعيد.
(*)

(8/337)


وزهير بن الابرد الكلبي، فانتهوا إلى دمشق وعليها عبد الرحمن بن أم الحكم نائبا من جهة
عبد الملك، فلما أحس بهم هرب وترك البلد فدخلها عمرو بن سعيد الاشدق فاستحوذ على ما فيها من الخزائن، وخطب الناس فوعدهم العدل والنصف والعطاء الجزيل والثناء الجميل، ولما علم عبد الملك بما فعله الاشدق كر راجعا من فوره فوجد الاشدق قد حصن دمشق وعلق عليها الستائر والمسوح، وانحاز الاشدق إلى حصن رومي منيع كان بدمشق فنزله.
فحاصره عبد الملك وقاتله الاشدق مدة ستة عشر يوما (1)، ثم اصطلحا على ترك القتال، وعلى أن يكون ولي العهد بعد عبد الملك، وعلى أن يكون لكل عامل لعبد الملك عامل له، وكتبا بينهما كتاب أمان، وذلك عشية الخميس، ودخل عبد الملك إلى دمشق إلى دار الاماة على عادته، وبعث إلى عمرو بن سعيد الاشدق يقول له: رد على الناس أعطياتهم التي أخذتها من بيت المال، فبعث إليه الاشدق: إن هذا ليس إليك، وليس هذا البلد لك فاخرج منه، فلما كان يوم الاثنين بعث عبد الملك إلى الاشدق يأمره بالاتيان إلى منزله بدار الامارة الخضراء، فلما جاءه الرسول صادف عنده عبد الله بن يزيد بن معاوية وهو زوج ابنته أم موسى بنت الاشدق، فاستشاره عمرو الاشدق في الذهاب إليه فقال له: يا أبا سعيد (2) والله لانت أحب إلي من سمعي وبصري، وأرى أن لا نأتيه، فإن تبيعا الحميري ابن امرأة كعب الاحبار قال: إن عظيما من عظماء بني إسماعيل يغلق أبواب دمشق فلا يلبث أن يقتل.
فقال عمرو: والله لو كنت نائما ما تخوفت أن ينبهني ابن الزرقاء، وما كان ليجترئ على ذلك مني، مع أن عثمان بن عفان أتاني البارحة في المنام فألبسني قميصه، وقال عمرو بن سعيد أبلغه السلام وقل له أنا رائح إليك العشية إن شاء الله.
فلما كان العشي - يعني بعد الظهر - لبس عمرو درعا بين ثيابه وتقلد سيفه ونهض فعثر بالبساط فقالت امرأته وبعض من حضره: إنا نرى أن لا تأتيه، فلم يلتفت إلى ذلك ومضى في مائة (3) من مواليه، وكان عبد الملك قد أمر بني مروان فاجتمعوا كلهم عنده، فلما انتهى عمرو إلى باب أمر عبد الملك أن يدخل وأن يحبس من معه عند كل باب طائفة منهم، فدخل حتى انتهى إلى صرحة المكان الذي فيه عبد الملك، ولم يبق معه من مواليه سوى وصيف، فرمى ببصره فإذا مروان عن بكرة أبيهم مجتمعون عند عبد الملك، فأحس بالشر فالتفت إلى ذلك الوصيف فقال له همسا: ويلك انطلق إلى أخي يحيى فقل له فليأتني، فلم
يفهم عنه وقال له: لبيك، فأعاد عليه ذلك فلم يفهم أيضا وقال: لبيك، فقال: ويلك أغرب عني في حرق الله وناره، وكان عند عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل، وقبيصة بن ذؤيب،
__________
(1) في الامامة والسياسة 2 / 26: حاصر عبد الملك دمشق أشهرا، حتى صالح عمرو بن سعيد على أنه الخليفة بعده.
(2) في الطبري 7 / 176 وابن الاثير 4 / 298 والامامة والسياسة 2 / 26: يا أبا أمية.
(3) في الامامة والسياسة: فأخرج معه أربعة آلاف رجل من أهل دولته، وفي مروج الذهب 3 / 122 في نحو خمسمائة فارس يزولون معه حيث زال.
(*)

(8/338)


فأذن لهما عبد الملك بالانصراف، فلما خرجا غلقت الابواب واقترب عمرو من عبد الملك فرحب به وأجلسه معه على السرير، ثم جعل يحدثه طويلا، ثم إن عبد الملك قال: يا غلام خذ السيف عنه، فقال عمرو: إنا لله يا أمير المؤمنين.
فقال له عبد الملك: أو تطمع أن تتحدث معي متقلدا سيفك ؟ فأخذ الغلام السيف عنه، ثم تحدثا ساعة، ثم قال له عبد الملك: يا أبا أمية، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إنك حيث خلعتني آليت بيميني إن ملات عيني منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة (1)، فقالت بنو مروان: ثم تطلقه يا أمير المؤمنين، فقال ثم أطلقه، وما عسيت أن أفعل بأبي أمية، فقال بنو مروان: بر يمين أمير المؤمنين، فقال عمرو: بر قسمك يا أمير المؤمنين، فأخرج عبد الملك من تحت فراشه جامعة فطرحها إليه ثم قال: يا غلام قم فاجمعه فيها، فقام الغلام فجمعه فيها، فقال عمرو: أذكر الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤوس الناس، فقال عبد الملك: أمكرا يا أبا أمية عند الموت ؟ لاها الله إذا ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس ولما نخرجها منك إلا صعدا، ثم اجتذبه اجتذابة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته، فقال عمرو: أذكرك الله أن يدعوك كسر عظمي إلى ما هو أعظم من ذلك، فقال عبد الملك: والله لو أعلم أنك إذا بقيت تفي لي وصلح قريش لاطلقتك، ولكن ما اجتمع رجلان في بلد قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه، وفي رواية أنه قال له: أما علمت يا عمرو أنه لا يجتمع
فحلان في شرك ؟.
فلما تحقق عمرو ما يريد من قتله قال له: أغدرا يا بن الزرقاء ؟ وأسمعه كلاما رديئا بشعا، وبينما هما كذلك إذ أذن المؤذن للعصر، فقام عبد الملك ليخرج إلى الصلاة.
وأمر أخاه عبد العزيز بن مروان بقتله، وخرج عبد الملك وقام إليه عبد العزيز، بالسيف فقال له عمرو: أذكرك الله والرحم أن لا تلي ذلك مني، وليتول ذلك غيرك، فكف عنه عبد العزيز.
ولما رأى الناس عبد الملك قد خرج وليس معه عمرو أرجف الناس بعمرو، فأقبل أخوه يحيى بن سعيد في ألف عبد لعمرو بن سعيد وأناس معهم كثير، وأسرع عبد الملك الدخول إلى دار الامارة، وجاء أولئك فجعلوا يدقون باب الامارة ويقولون: أسمعنا صوتك يا أبا أمية، وضرب رجل منهم الوليد بن عبد الملك في رأسه بالسيف فجرحه، فأدخله إبراهيم بن عدي (3) صاحب الديوان بيتا، وأحرزه فيه، ووقعت خبطة عظيمة في المسجد، وضجت الاصوات، ولما رجع عبد الملك وجد أخاه لم يقتله فلامه وسبه وسب أمه - ولم تكن أم عبد العزيز أم عبد الملك (3) فقال له: ناشدني الله والرحمن، وكان ابن عمه عبد الملك بن مروان، ثم إن عبد الملك قال: يا غلام أتني بالحربة، فأتاه بها فهزها وضربه بها فلم تغن شيئا، ثم ثنى فلم تغن شيئا، فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد
__________
(1) الجامعة: الغل.
(2) كذا بالاصل ومروج الذهب 3 / 124، وفي الطبري 7 / 178 وابن الاثير 4 / 300: إبراهيم بن عربي صاحب الديوان فاحتمله وادخله بيت القراطيس.
(3) أم عبد الملك عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية وأم عبد العزيز ليلى الكلبية.
(*)

(8/339)


مس الدرع فضحك وقال: أدارع أيضا ؟ إن كنت معدا، يا غلام ائتني بالصمصامة، فأتاه بسيفه ثم أمر بعمرو فصرع (1) ثم جلس على صدره فذبحه وهو يقول: يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي * أضربك حتى (2) تقول الهامة اسقوني قالوا: وانتقض عبد الملك بعدما ذبحه كما تنتقض القصبة برعدة شديدة جدا، بحيث إنهم ما رفعوه عن صدره إلا محمولا، فوضعوه على سريره وهو يقول: ما رأيت مثل هذا قط قبله (3)
صاحب دنيا ولا آخرة، ودفع الرأس إلى عبد الرحمن بن أم الحكم فخرج إلى الناس فألقاه بين أظهرهم، وخرج عبد العزيز بن مروان ومعه البدر من الاموال تحمل، فألقيت بين الناس فجعلوا يختطفونها، ويقال: إنها استرجعت بعد ذلك من الناس إلى بيت المال، ويقال إن الذي ولي قتل عمرو بن سعيد مولى عبد الملك أبو الزعيزعة بعدما خرج عبد الملك إلى الصلاة فالله أعلم.
وقد دخل يحيى بن سعيد - أخو عمرو بن سعيد - دار الامارة بعد مقتل أخيه بمن معه فقام إليهم بنو مروان فاقتتلوا، وجرح جماعات من الطائفتين، وجاءت يحيى بن سعيد صخرة في رأسه أشغلته عن نفسه وعن القتال، ثم إن عبد الملك بن مروان خرج إلى المسجد الجامع فصعد المنبر فجعل يقول: ويحكم أين الوليد ؟ وأبيهم لئن كانوا قتلوه لقد أدركوا ثأرهم، فأتاه إبراهيم بن عدي (4) الكناني فقال: هذا الوليد عندي قد أصابته جراحة وليس عليه بأس، ثم أمر عبد الملك بحيى بن سعيد أن يقتل فتشفع فيه أخوه عبد العزيز بن مروان، وفي جماعات آخرين معه كان عبد الملك قد أمر بقتلهم، فشفعه فيهم وأمر بحبسه فحبس شهرا، ثم سيره وبني عمرو بن سعيد وأهليهم إلى العراق فدخلوا على مصعب بن الزبير فأكرمهم وأحسن إليهم، ثم لما انعقدت الجماعة لعبد الملك بعد مقتل ابن الزبير، وفدوا عليه فكاد يقتلهم فتلطف بعضهم في العبارة حتى رق لهم رقة شديدة، فقال لهم عبد الملك: إن أباكم خيرني بين أن يقتلني أو أقتله، فاخترت قتله على قتلي، وأما أنتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم وأرعاني لحقكم فأحسن جائزتهم وقربهم، وقد كان عبد الملك بعث إلى امرأة عمرو بن سعيد أن ابعثي إلي بكتاب الامان الذي كنت كتبته لعمرو، فقالت: إني دفنته معه ليحاكمك به يوم القيامة عند الله.
وقد كان مروان بن الحكم وعد عمرو بن سعيد هذا أن يكون ولي العهد من بعد ولده عبد الملك، كلاما مجردا، فطمع في ذلك وقويت نفسه بسبب ذلك، وكان عبد الملك يبغضه بغضا شديدا من حال الصغر، ثم كان هذا صنيعه إليه في الكبر.
قال ابن جرير: وذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لعبد الملك ذات يوم: عجب منك ومن عمرو بن سعيد كيف أصبت غرته حتى قتلته ؟ فقال:
__________
(1) في مروج الذهب 3 / 123: قتله أبو الزعيزعة، وفي الامامة والسياسة 3 / 27: قتله ابن الزويرع.
(2) في الطبري وابن الاثير: حيث.
(3) في الطبري وابن الاثير: قتله.
(4) راجع هامش 2 ص 339.
(*)

(8/340)


وأدنيته مني ليسكن روعه (1) * فأصول صولة حازم مستمكن غضبا ومحمية لديني إنه * ليس المسئ سبيله كالمحسن قال خليفة بن خياط: وهذا الشعر للضبي بن أبي رافع تمثل به عبد الملك.
وروى ابن دريد عن أبي حاتم عن الشعبي أن عبد الملك قال: لقد كان عمرو بن سعيد أحب إلي من دم النواظر، ولكن والله لا يجتمع فحلان في الابل إلا أخرج أحدهما الآخر، وإنا لكما قال أخو بني يربوع: أجازي من جزاني الخير خيرا * وجازى الخير يجزى بالنوال وأجزي من جزاني الشر شرا * كما تحذا النعال على النعال قال خليفة بن خياط: وأنشد أبو اليقظان لعبد الملك في قتله عمرو بن سعيد: صحت ولا تشلل وضرت عدوها * يمين أراقت مهجة ابن سعيد وجدت ابن مروان ولا نبل عنده * شديد ضرير الناس غر بليد هو ابن أبي العاص لمروان ينتهي * إلى أسرة طابت له وجدود وكان الواقدي يقول: أما حصار عبد الملك لعمرو بن سعيد الاشدق فكان في سنة تسع وستين، رجع إليه من بطنان (2) فحاصره بدمشق ثم كان قتله في سنة سبعين والله أعلم.
وهذه ترجمة الاشدق
هو عمرو بن سعيد بن العاص (3) بن أمية بن عبد شمس، أبو أمية القرشي الاموي، المعروف بالاشدق، يقال (4) إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أنه قال: " ما نحل والد ولدا أحسن من أدب حسن " وحديثا آخر في العتق، وروى عن عمر وعثمان وعلي وعائشة، وحدث عنه بنوه أمية وسعيد وموسى وغيرهم، واستنابه معاوية على المدينة، وكذلك يزيد بن معاوية بعد أبيه كما تقدم،
وكان من سادات المسلمين، ومن الكرماء المشهورين، يعطي الكثير، ويتحمل العظائم، وكان وصي أبيه من بين بنيه (5)، وكان أبوه كما قدمنا من المشاهير الكرماء، والسادة النجباء، قال عمرو: ما شتمت رجلا منذ كنت رجلا، ولا كلفت من قصدني أن يسألني، لهو أمن علي مني
__________
(1) في مروج الذهب 3 / 123: لتسكن نفرة.
(2) في ابن الاثير 4 / 297 والطبري 7 / 175: بطنان حبيب، وانظر حاشية رقم 1 ص 338.
(3) في الاصابة 2 / 47: عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية...(4) هذا بعيد، لان أباه سعيد ولد - في قول - عام الهجرة، وفي قول آخر كان عمره تسع سنين عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5) وقد احصي دينه لما مات وكان ثمانون ألف دينار وفاها عنه.
(*)

(8/341)


عليه، وقال سعيد بن المسيب: خطباء الناس في الجاهلية الاسود بن عبد المطلب، وسهيل بن عمرو، وخطباء الناس في الاسلام معاوية وابنه، وسعيد بن العاص وابنه، وعبد الله بن الزبير.
وقد قال الامام أحمد: حدثنا عبد الصمد، ثنا حماد، ثنا علي بن زيد، أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية حتى يسيل رعافه " قال: فأخبرني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه (1).
وهو الذي كان يبعث البعوث إلى مكة بعد وقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية لقتال ابن الزبير، فنهاه أبو شريح الخزاعي وذكر له الحديث الذي سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم مكة، فقال: نحن أعلم بذلك منك يا شريح، إن الحرام لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم، ولا فارا بجزية، الحديث كما تقدم وهو في الصحيحين.
ثم إن مروان دخل إلى مصر بعدما دعا إلى نفسه واستقر له الشام، ودخل معه عمرو بن سعيد ففتح مصر، وقد كان وعد عمرا أن يكون ولي العهد من بعد عبد الملك، وأن يكون قبل ذلك نائبا بدمشق، فلما قويت شوكة مروان رجع عن ذلك، وجعل الامر من بعد ذلك لولده عبد العزيز، وخلع عمرا.
فما زال ذلك في نفسه حتى كان
من أمره ما تقدم، فدخل عمرو دمشق وتحصن بها وأجابه أهلها، فحاصره عبد الملك ثم استنزله على أمان صوري، ثم قتله كما قدمنا.
وكان ذلك في هذه السنة على المشهور عند الاكثرين، وقال الواقدي وأبو سعيد بن يونس سنة سبعين فالله أعلم.
ومن الغريب ما ذكره هشام بن محمد الكلبي بسند له أن رجلا سمع في المنام قائلا يقول على سور دمشق قبل أن يخرج عمرو بالكلية، وقبل قتله بمدة هذه الابيات: ألا يا قوم للسفاهة والوهن * وللفاجر الموهون والرأي الافن ولا بن سعيد بينما هو قائم * على قدميه خر للوجه والبطن رأى الحصن منجاة من الموت فالتجا * إليه فزارته المنية في الحصن قال: فأتى الرجل عبد الملك فأخبره فقال: ويحك سمعها منك أحد ؟ قال: لا ! قال: فضعها تحت قدميك، قال: ثم بعد ذلك خلع عمرو الطاعة وقتله عبد الملك بن مروان، وقد قيل إن عبد الملك لما حاصره راسله وقال: أنشدك الله والرحم أن تدع أمر بيتك وما هم عليه من اجتماع الكلمة فإن فيما صنعت قوة لابن الزبير علينا، فارجع إلى بيعتك ولك علي عهد الله وميثاقه، وحلف له بالايمان المؤكدة أنك ولي عهدي من بعدي، وكتبا بينهما كتابا، فانخدع له عمرو وفتح له أبواب دمشق فدخلها عبد الملك وكان من أمرها ما تقدم.
__________
(1) مسند أحمد ج 2 / 522.
(*)

(8/342)


وممن توفي فيها من الاعيان أبو الاسود الدؤلي ويقال له الديلي.
قاضي الكوفة، تابعي جليل، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن جلس بن شباثة (1) بن عدي بن الدؤل بن بكر، أبو الاسود الذي نسب إليه علم النحو، ويقال بأنه أول من تكلم فيه، وإنما أخذه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد اختلف في اسمه على أقوال، أشهرها أن اسمه ظالم بن عمرو، وقيل عكسه، وقال الواقدي:
اسمه عويمر بن ظويلم.
قال وقد أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وشهد الجمل وهلك في ولاية عبيد الله بن زياد، وقال يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله العجلي: كان ثقة وهو أول من تكلم في النحو، وقال ابن معين وغيره: مات بالطاعون الجارف سنة تسع وستين.
قال ابن خلكان: وقيل إنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز، وقد كان ابتداؤها في سنة تسع وتسعين.
قلت: وهذا غريب جدا.
قال ابن خلكان وغيره: كان أول من ألقى إليه علم النحو علي بن أبي طالب، وذكر له أن الكلام اسم وفعل وحرف، ثم إن أبا الاسود نحى نحوه وفرع على قوله، وسلك طريقه، فسمى هذا العلم النحو لذلك، وكان الباعث لابي الاسود على ذلك تغير لغة الناس، ودخول اللحن في كلام بعضهم أيام ولاية زياد على العراق، وكان أبو الاسود مؤدب بنيه، فإنه جاء رجل يوما إلى زياد فقال: توفي أبانا وترك بنون، فأمره زياد أن يضع الناس شيئا يهتدون به إلى معرفة كلام العرب، ويقال إن أول ما وضع منه باب التعجب من أجل أن ابنته قالت له ليلة: يا أبة ما أحسن السماء، قال نجومها، فقالت: إني لم أسأل عن أحسنها إنما تعجبت من حسنها، فقال قولي: ما أحسن السماء قال ابن خلكان: وقد كان أبو الاسود يبخل.
وكان يقول: أطعنا المساكين في أموالنا لكنا مثلهم، وعشى ليلة مسكينا ثم قيده وبيته عنده ومنعه أن يخرج ليلته تلك لئلا يؤذي المسلمين بسؤاله، فقال له المسكين: اطلقني، فقال هيهات، إنما عشيتك لاريح منك المسلمين الليلة، فلما أصبح أطلقه.
وله شعر حسن.
قال ابن جرير: وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير، وقد أظهر خارجي التحكم بمنى فقتله عند الحجرة.
والنواب فيها هم الذين كانوا في السنة التي قبلها.
وممن توفي فيها جابر بن سمرة بن جنادة له صحبة ورواية ولابيه أيضا صحبة ورواية، وقيل توفي في سنة ست وستين فالله أعلم.
__________
(1) في الاصابة 2 / 241: نفاثة.
(*)

(8/343)


أسماء بنت يزيد ابن السكن الانصارية، بايعت النبي صلى الله عليه وسلم وقتلت بعمود خيمتها يوم اليرموك تسعة من الروم ليلة عرسها، وسكنت دمشق ودفنت بباب الصغير.
حسان بن مالك أبو سليمان البحدلي قام ببيعة مروان لما تولى الخلافة، مات في هذه السنة والله سبحانه أعلم.