البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة ثنتين ومائة فيها كان اجتماع مسلمة بن عبد الملك مع يزيد
بن المهلب، وذلك أن يزيد بن المهلب ركب من واسط واستخلف عليها ابنه
معاوية، وسار هو في جيش، وبين يديه أخوه عبد الملك بن
المهلب، حتى بلغ مكانا يقال له العقر (1)، وانتهى إليه مسلمة بن عبد
الملك في جنود لا قبل ليزيد بها، وقد التقت المقدمتان أولا فاقتتلوا
قتالا شديدا، فهزم أهل البصرة أهل الشام، ثم تذامر أهل الشام فحملوا
على أهل البصرة فهزموهم وقتلوا منهم جماعة من الشجعان، منهم المنتوف،
وكان شجاعا مشهورا، وكان من موالي بكر بن وائل، فقال في ذلك الفرزدق:
تبكي على المنتوف بكر بن وائل * وتنهى عن ابني مسمع من بكاهما فأجابه
الجعد بن درهم مولى الثوريين من همدان، وهذا الرجل هو أول الجهمية، وهو
الذي ذبحه خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الاضحى فقال الجعد: - نبكي
على المنتوف في نصر قومه * وليتنا نبكي الشائدين أباهما أرادا فناء
الحي بكر بن وائل * فعزتميم لو أصيب فناهما فلا لقيا روحا من الله ساعة
* ولا رقأت عينا شجي بكاهما أفي الغش نبكي إن بكينا عليهما * ولقد لقيا
بالغش فينا رداهما ولما اقترب مسلمة وابن أخيه العباس بن الوليد من جيش
يزيد بن المهلب، خطب يزيد بن المهلب الناس وحرضهم على القتال - يعني
قتال أهل الشام - وكان مع يزيد نحو من مائة ألف، وعشرين ألفا (2)، وقد
بايعوه على السمع والطاعة، وعلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه
وسلم، وعلى أن لا يطأ الجنود بلادهم، وعلى أن لا تعاد عليهم سيرة
الفاسق الحجاج، ومن بايعنا على ذلك قبلنا منه، ومن خالفنا قاتلناه.
وكان الحسن البصري في هذه الايام يحرض الناس على الكف وترك الدخول في
الفتنة،
__________
(1) العقر: قال في معجم البلدان: العقر عدة مواضع، منها عقر بابل قرب
كربلاء من الكوفة...قتل عنده يزيد بن المهلب في صفر سنة 102 وكان قد
خلع طاعة بني مروان ودعا إلى نفسه.
(2) في ابن الاعثم 8 / 15: ويزيد في نيف من عشرين ألفا.
(*)
(9/246)
وينهاهم أشد
النهي، وذلك لما وقع من القتال الطويل العريض في أيام ابن الاشعث، وما
قتل بسبب
ذلك من النفوس العديدة، وجعل الحسن يخطب الناس ويعظهم في ذلك، ويأمرهم
بالكف، فبلغ ذلك نائب البصرة عبد الملك (1) بن المهلب، فقام في الناس
خطيبا فأمرهم بالجد والجهاد، والنفر إلى القتال، ثم قال: ولقد بلغني أن
هذا الشيخ الضال المرائي - ولم يسمه - يثبط الناس، أما والله ليكفن عن
ذلك أو لافعلن ولافعلن، وتوعد الحسن، فلما بلغ الحسن قوله قال: أما
والله ما أكره أن يكرمني الله بهوانه، فسلمه الله منه حتى زالت دولتهم،
وذلك أن الجيوش لما تواجهت تبارز الناس قليلا، ولم ينشب الحرب شديدا
حتى فر أهل العراق سريعا، وبلغهم أن الجسر الذي جاؤوا عليه حرق
فانهزموا، فقال يزيد بن المهلب: ما بال الناس ؟ ولم يكن من الامر ما
يفر من مثله، فقيل له: إنه بلغهم أن الجسر الذي جاؤوا عليه قد حرق.
فقال: قبحهم الله، ثم رام أن يرد المنهزمين فلم يمكنه، فثبت في عصابة
من أصحابه وجعل بعضهم يتسللون منه حتى بقي في شرذمة قليلة، وهو مع ذلك
يسير قدما لا يمر بخيل إلا هزمهم، وأهل الشام يتجاورون عنه يمينا
وشمالا، وقد قتل أخوه حبيب بن المهلب، فازداد حنقا وغيظا، وهو على فرس
له أشهب (2)، ثم قصد نحو مسلمة بن عبد الملك لا يريد غيره، فلما واجهه
حملت عليه خيول الشام فقتلوه، وقتلوا معه أخاه محمد بن المهلب، وقتلوا
السميذع، وكان من الشجعان، وكان الذي قتل يزيد بن المهلب رجل يقال له
القجل بن عياش (3)، فقتل إلى جانب يزيد بن المهلب، وجاؤوا برأس يزيد
إلى مسلمة بن عبد الملك، فأرسله مع خالد بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط
إلى أخيه أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك، واستحوذ مسلمة على ما في
معسكر يزيد بن المهلب، وأسر منهم نحوا من ثلاثمائة (4)، فبعث بهم إلى
الكوفة، وبعث إلى أخيه فيهم، فجاء كتابه بقتلهم، فسار مسلمة فنزل
الحيرة.
ولما انتهت هزيمة ابن المهلب إلى ابنه معاوية وهو بواسط، عمد إلى نحو
من ثلاثين (5) أسيرا في يده فقتلهم، منهم نائب أمير المؤمنين عمر بن
عبد العزيز، عدي بن أرطاة رحمه الله وابنه، ومالك وعبد الملك ابنا
مسمع، وجماعة من الاشراف، ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه الخزائن من
الاموال، وجاء معه عمه المفضل بن المهلب إليه، فاجتمع آل المهلب
بالبصرة فأعدوا السفن وتجهزوا أتم الجهاز
__________
(1) في ابن الاثير 5 / 80 وابن الاعثم 8 / 12 والطبري 8 / 153: مروان
بن المهلب.
(2) في مروج الذهب 3 / 244: أبلق.
(3) في ابن الاعثم 8 / 17: عياش الفحل من بني كلب.
وفي رواية في ابن الاثير 5 / 83: وقيل بل قتله الهذيل بن زفر بن الحارث
الكلابي.
(4) في ابن الاعثم 8 / 20: نيف على أربعمائة رجل ضرب أعناقهم إلا
ثلاثين من رؤسائهم ليحملهم إلى يزيد بن عبد الملك.
(5) في ابن الاثير 5 / 84 والطبري 8 / 157: اثنين وثلاثين.
(*)
(9/247)
واستعدوا
للهرب، فساروا بعيالهم وأثقالهم حتى أتوا جبال كرمان فنزلوها، واجتمع
عليهم جماعة ممن فل من الجيش الذي كان مع يزيد بن المهلب، وقد أمروا
عليهم المفضل بن المهلب، فأرسل مسلمة جيشا عليهم هلال بن ماجور
المحاربي في طلب آل المهلب، ويقال إنهم أمروا عليهم رجلا يقال له مدرك
بن ضب الكلبي (1)، فلحقهم بجبال كرمان فاقتتلوا هنالك قتالا شديدا،
فقتل جماعة من أصحاب المفضل وأسر جماعة من أشرافهم وانهزم بقيتهم، ثم
لحقوا المفضل فقتلوه وحمل رأسه إلى مسلمة بن عبد الملك، وأقبل جماعة من
أصحاب يزيد بن المهلب فأخذوا لهم أمانا من أمير الشام منهم مالك بن
إبراهيم بن الاشتر النخعي، ثم أرسلوا بالاثقال والاموال والنساء
والذرية فوردت على مسلمة بن عبد الملك ومعهم رأس المفضل ورأس عبد الملك
بن المهلب، فبعث مسلمة بالرؤوس وتسعة من الصبيان الحسان إلى أخيه يزيد،
فأمر بضرب أعناق أولئك، ونصبت رؤوسهم بدمشق ثم أرسلها إلى حلب فنصبت
بها، وحلف مسلمة بن عبد الملك ليبيعن ذراري آل المهلب، فاشتراهم بعض
الامراء إبرارا لقسمه بمائة ألف، فأعتقهم وخلى سبيلهم، ولم يأخذ مسلمة
من ذلك الامير شيئا.
وقد رثا الشعراء يزيد بن المهلب بقصائد ذكرها ابن جرير.
ولاية مسلمة على بلاد العراق وخراسان وذلك أنه لما فرغ من حرب آل
المهلب كتب إليه أخوه يزيد بن عبد الملك بولاية الكوفة والبصرة
وخراسان في هذه السنة.
فاستناب على الكوفة وعلى البصرة (2)، وبعث إلى خراسان ختنه - زوج ابنته
- سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص، الملقب بخذينة،
فسار إليها فحرض أهلها على الصبر والشجاعة، وعاقب عمالا ممن كان ينوب
لآل المهلب، وأخذ منهم أموالا جزيلة، ومات بعضهم تحت العقوبة.
ذكر وقعة جرت بين الترك والمسلمين
وذلك أن خاقان الملك الاعظم ملك الترك، بعث جيشا إلى الصفد لقتال
المسلمين، عليهم رجل منهم يقال له كورصول، فأقبل حتى نزل على قصر
الباهلي، فحصره وفيه خلق من المسلمين
__________
(1) في مروج الذهب 3 / 244: هلال بن أحوز المازني.
وفي ابن الاعثم 8 / 23: فوجه في طلبهم قائدين وذكرهما مدرك...وهلال بن
أحوز التميمي.
وفي الطبري 8 / 158: رد مدرك وسرح في أثرهم هلال بن أحوز التميمي.
وانظر ابن الاثير 5 / 86.
(2) ولى مسلمة الكوفة ذا الشامة محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي
معيط وبعث مسلمة إلى البصرة عبد الرحمن بن سليم الكلبي (وفي ابن
الاثير: سليمان: وفي ابن الاعثم الكلابي) الطبري 8 / 160 ابن الاثير 5
/ 89 ابن الاعثم 8 / 25.
(*)
(9/248)
فصالحهم نائب
سمرقند - وهو عثمان بن عبد الله بن مطرف - على أربعين ألفا، ودفع إليهم
سبعة عشر دهقانا رهائن عندهم، ثم ندب عثمان الناس فانتدب رجل يقال له
المسيب بن بشر الرياحي في أربعة آلاف، فساروا نحو الترك، فلما كان في
بعض الطريق [ خطبهم ] فحثهم على القتال وأخبرهم أنه ذاهب إلى الاعداء
لطلب الشهادة، فرجع عنه أكثر من ألف، ثم لم يزل في كل منزل يخطبهم
ويرجع عنه بعضهم، حتى بقي في سبعمائة مقاتل، فسار بهم حتى غالق جيش
الاتراك، وهم محاصرو ذلك القصر، وقد عزم المسلمون الذين هم فيه على قتل
نسائهم وذبح أولادهم أمامهم، ثم ينزلون فيقاتلون حتى يقتلوا عن آخرهم،
فبعث إليهم المسيب يثبتهم يومهم ذلك، فثبتوا ومكث المسيب حتى إذا كان
وقت السحر فكبر وكبر أصحابه، وقد جعلوا شعارهم يا محمد، ثم حملوا على
الترك حملة صادقة، فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وعقروا دواب كثيرة، ونهض
إليهم الترك فقاتلوهم قتالا شديدا، حتي فر أكثر المسلمين، وضربت دابة
المسيب في عجزها فترجل وترجل معه الشجعان، فقاتلوا وهم كذلك قتالا
عظيما، والتف الجماعة بالمسيب وصبروا حتى فتح الله عليهم، وفر المشركون
بين أيديهم هاربين لا يلوون على شئ، وقد كان الاتراك في غاية الكثرة،
فنادى منادي المسيب: أن لا تتبعوا أحدا، وعليكم بالقصر وأهله،
فاحتملوهم وحازوا ما في معسكر أولئك الاتراك من الاموال والاشياء
النفيسة وانصرفوا راجعين سالمين بمن معهم من المسلمين الذين كانوا
محصورين، وجاءت الترك من الغد فلم يجدوا به داعيا ولا مجيبا، فقالوا في
أنفسهم: هؤلاء الذين لقونا بالامس لم يكونوا إنسا، إنما كانوا جنا.
وممن توفي فيها من الاعيان والسادة:
الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم، ويقال أبو محمد، الخراساني، كان
يكون ببلخ وسمرقند ونيسابور، وهو تابعي جليل روى عن أنس وابن عمر وأبي
هريرة، وجماعة من التابعين، وقيل إنه لم يصح له سماع من الصحابة حتى
ولا من ابن عباس سماع، وإن كان قد روي أنه جاوره سبع سنين، وكان الضحاك
إماما في التفسير، قال الثوري: خذوا التفسير عن أربعة، مجاهد وعكرمة
وسعيد بن جبير والضحاك، وقال الامام أحمد: هو ثقة، وأنكر شعبة سماعه من
ابن عباس، وقال: إنما أخذ عن سعيد عنه، وقال ابن سعيد القطان: كان
ضعيفا.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: لم يشافه أحدا من الصحابة، ومن قال:
إنه لقي ابن عباس فقدوهم، وحملت به أمه سنتين، ووضعته وله أسنان، وكان
يعلم الصبيان حسبة، وقيل إنه مات سنة خمس وقيل سنة ست ومائة والله
أعلم.
أبو المتوكل الناجي اسمه علي بن البصري، تابعي جليل، ثقة، رفيع القدر،
مات وقد بلغ الثمانين رحمه الله تعالى.
(9/249)
ثم دخلت سنة ثلاث ومائة
فيها عزل أمير العراق عمر بن هبيرة سعيد - الملقب خذينة عن نيابة
خراسان (1)، وولى عليها سعيد بن عمرو الجريشي (2)، بإذن أمير المؤمنين،
وكان سعيد هذا من الابطال المشهورين، انزعج له الترك وخافوه خوفا
شديدا، وتقهقروا من بلاد الصفد إلى ما وراء ذلك، من بلاد الصين وغيرها،
وفيها جمع يزيد بن عبد الملك لعبد الرحمن بن الضحاك بن قيس بين إمرة
المدينة وإمرة مكة، وولى عبد الرحمن الواحد بن عبد الله النضري نيابة
الطائف.
وحج بالناس فيها أمير الحرمين عبد الرحمن ابن الضحاك بن قيس والله
سبحانه وتعالى أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان: يزيد بن
أبي مسلم أبو العلاء المدني.
عطاء بن يسار الهلالي، أبو محمد القاص المدني، مولى ميمونة، وهو أخو
سليمان، وعبد الله، وعبد الملك، وكلهم تابعي.
وروى هذا عن جماعة من الصحابة، ووثقه غير واحد من الائمة، وقيل إنه
توفي سنة ثلاث أو أربع ومائة، وقيل توفي قبل المائة بالاسكندرية، وقد
جاوز الثمانين والله سبحانه أعلم.
مجاهد بن جبير المكي أبو الحجاج القرشي المخزومي، مولى السائب بن أبي
السائب المخزومي، أحد أئمة التابعين والمفسرين كان من أخصاء أصحاب ابن
عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير، حتى قيل إنه لم يكن أحد يريد
بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاووس، وقال مجاهد: أخذ ابن عمر بركابي
وقال: وددت أن ابني سالما وغلامي نافعا يحفظان حفظك.
وقيل إنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وقيل مرتين، أقفه عند كل
آية وأسأله عنها (3)، مات مجاهد وهو ساجد سنة مائة، وقيل إحدى وقيل
ثنتين وقيل ثلاث ومائة، وقيل أربع ومائة، وقد جاوز الثمانين والله
أعلم.
فصل أسند مجاهد عن أعلام الصحابة
وعلمائهم، عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وابن عمرو وأبي سعيد ورافع
بن خديج.
وعنه خلق من التابعين (4) قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم،
__________
(1) وسبب عزله أن المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله بن عمير الليثي
قدما على عمر بن هبيرة فشكواه (الطبري -
ابن الاثير).
(2) في ابن الاثير 5 / 103: الحرشي من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن
عامر بن صعصعة (الطبري 8 / 168).
(3) في صفة الصفوة 2 / 209: ثلاث عرضات - وزاد - أسأله عن كل آية كيف
أنزلت وكيف كانت.
(4) منهم: عطاء وطاووس وعكرمة وغيرهم.
(*)
(9/250)
ثنا عبد
الرزاق، عن أبي بكر بن عياش قال: أخبرني أبويحيى أنه سمع مجاهدا يقول:
قال لي ابن عباس: لا تنامن إلا على وضوء فإن الارواح تبعث على ما قبضت
عليه.
وروى الطبراني عنه أنه قال في قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن) [
المؤمنون: 96 ] قال: يسلم عليه إذا لقيه وقيل هي المصافحة.
وروى عمرو بن مرة عنه أنه قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام:
اتق لا يأخذك الله على ذنب لا ينظر فيه إليك فتلقاه حين تلقاه وليست لك
حاجة.
وروى ابن أبي شيبة، عن أبي أمامة، عن الاعمش عن مجاهد.
قال: كان بالمدينة أهل بيت ذوي حاجة، عندهم رأس شاة فأصابوا شيئا،
فقالوا: لو بعثنا بهذا الرأس إلى من هو أحوج إليه منا، فبعثوا به فلم
يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم أولا.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي الاحوص عن منصور عن مجاهد قال: ما من مؤمن
يموت إلا بكى عليه السماء والارض أربعين صباحا.
وقال: فلانفسهم يمهدون.
قال: في القبر.
وروى الاوزاعي عن عبدة بن أبي لبانة عن مجاهد قال: كان يحج من بني
إسرائيل مائة ألف، فإذا بلغوا أرصاف الحرم خلعوا نعالهم ثم دخلوا الحرم
حفاة.
وقال يحيى بن سعيد القطان قال مجاهد في قوله تعالى: (يا مريم اقنتي
لربك) [ آل عمران: 43 ] قال: اطلبي الركود.
وفي قوله تعالى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) [ الاسراء: 64 ] قال
المزامير.
وقال في قوله تعالى (أنكالا وجحيما) [ المزمل: 12 ] قال: قيود.
وقال في قوله: (لاحجة بيننا وبينكم) [ الشورى: 15 ] قال لا خصومة.
وقال: (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) [ التكاثر: 8 ] قال: عن كل لذة في
الدنيا.
وروى أبوالديبع عن جرير بن عبد الحسيب عن منصور عن مجاهد.
قال رن إبليس أربع رنات،
حين لعن، وحين أهبط، وحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم وحين أنزلت
(الحمد لله رب العالمين) [ الفاتحة: 2 ] وأنزلت بالمدينة.
وكان يقال: الرنة والنخرة من الشيطان، فلعن من رن أو نخر.
وروى ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى (أتبنون بكل ريع آية تعبثون) [
الشعراء: 128 ] قال: بروج الحمام.
وقال في قوله تعالى (أنفقوا من طيبات ما كسبتم) [ البقرة: 267 ] قال:
التجارة.
وروى ليث عن مجاهد قال (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) [ فصلت:
30 ] قال: استقاموا فلم يشركوا حتى ماتوا.
وروى يحيى بن سعيد بن سفيان عن ابن أبجر عن طلحة بن مصرف عن مجاهد (ولم
يكن له كفوا أحد) [ اخلاص: 4 ] قال: صاحبة.
وقال ليث عن مجاهد قال: النملة التي كلمت سليمان كانت مثل الذئب
العظيم.
وروى الطبراني عن أبي نجيح عن مجاهد.
قال: كان الغلام من قوم عاد لا يحتلم حتى يبلغ مائتي سنة.
وقال: (سأل سائل) [ المعارج: 1 ] دعا داع.
وفي قوله (ماء غدقا لنفتنهم فيه) [ الجن: 16 - 17 ] حتى يرجعوا إلى
علمي فيه (لا يشركون بي شيئا) [ النور: 55 ] قال لا يحبون غيري.
(الذين يمكرون السيئات) [ غافر: 10 ] قال هم المراؤن.
وفي قوله تعالى: (قل
(9/251)
للذين آمنوا
يغفرون للذين لا يرجون أيام الله) [ الجاثية: 13 ] قال هم الذين لا
يدرون أنعم الله عليهم أم لم ينعم.
ثم قرأ (وذكرهم بأيام الله) [ ابراهيم: 5 ] قال: أيامه نعمه ونقمه.
(فردوه إلى الله والرسول) [ النساء: 58 ] فردوه إلى كتاب الله وإلى
رسوله ما دام حيا، فإذا مات فإلى سنته.
(وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة) [ لقمان: 20 ] قال: أما الظاهرة
فالاسلام والقرآن والرسول والرزق، وأما الباطنة فما ستر من العيوب
والذنوب.
وروى الحكم عن مجاهد قال: لما قدمت مكة نساء على سليمان عليه السلام
رأت حطبا جزلا فقالت لغلام سليمان: هل يعرف مولاك كم وزن دخان هذا
الحطب ؟ فقال الغلام: دعي مولاي أنا أعرف كم وزن دخانه، فكيف مولاي ؟
قالت: فكم وزنه ؟ فقال الغلام: يوزن الحطب ثم يحرق الحطب ويوزن رماده
فما نقص فهو دخانه.
وقال في قوله تعالى: (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) [ الحجرات: 11 ]
قال: من
لم يتب إذا أصبح وإذا أمسى فهو من الظالمين.
وقال ما من يوم ينقضي من الدنيا إلا قال ذلك اليوم: الحمد لله الذي
أراحني من الدنيا وأهلها، ثم يطوى عليه فيختم إلى يوم القيامة، حتى
يكون الله عز وجل هو الذي يفض خاتمه.
وقال في قوله تعالى: (يؤتى الحكمة من يشاء) [ البقرة: 269 ] قال: العلم
والفقه، وقال إذا ولي الامر منكم الفقهاء.
وفي قوله تعالى: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) [ الانعام: 153
] قال: البدع والشبهات.
وقال: أفضل العبادة الرأي الحسن - يعني اتباع السنة - وقال: ما أدري أي
النعمتين أفضل، أن هداني للاسلام، أو عافاني من الاهواء ؟.
وقال في رواية: أولو الامر منكم، أصحاب محمد، وربما قال: أولو العقل
والفضل في دين الله عزوجل (بما صنعوا قارعة) [ الرعد: 31 ] قال السرية.
(ويخلق ما لا تعلمون) [ النحل: 8 ].
قال: السوس في الثياب.
(وهن العظم مني) [ مريم: 3 ] قال: الاضراس.
(حفيا) قال رحيما.
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: وجدت في كتاب محمد بن أبي حاتم بخط
يده: حدثنا بشر بن الحارث حدثنا يحيى بن يمان عن عثمان بن الاسود عن
مجاهد.
قال: لو أن رجلا أنفق مثل أحد في طاعة الله عزوجل لم يكن من المسرفين.
وفي قوله تعالى (وهو شديد المحال) [ الرعد: 14 ] قال: العداوة (بينهما
برزخ لا يبغيان) [ الرحمن: 20 ] قال: بينهما حاجز من الله فلا يبغي
الحلو على المالح ولا المالح على الحلو.
وقال ابن منده: ذكر محمد بن حميد: حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن
الاعمش قال: كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها، قال: وذهب
إلى حضر موت إلى بئر برهوت قال: وذهب إلى بابل، قال: وعليها وال صديق
لمجاهد: فقال مجاهد: تعرض على هاروت وماروت، قال: فدعا رجلا من السحرة
فقال: اذهب بهذا فاعرض عليه هاروت وماروت.
فقال اليهودي: بشرط أن لا تدعو الله عندهما، قال مجاهد: فذهب بي إلى
قلعة فقطع منها حجرا ثم قال: خذ برجلي، فهوى بي حتى انتهى إلى حوبة،
فإذا هما معلقين منكسين كالجبلين العظيمين، فلما رأيتهما
(9/252)
قلت: سبحان
الله خالقكما، قال: فاضطربا فكأن جبال الدنيا قد تدكدت، قال: فغشي علي
وعلى
اليهودي، ثم أفاق اليهودي قبلي، فقال: قم ! كدت أن تهلك نفسك وتهلكني.
وروى ابن فضيل عن ليث عن مجاهد قال: يؤتى يوم القيامة بثلاثة نفر،
بالغني، والمريض، والعبد المملوك.
قال: فيقول الله عزوجل للغني: ما شغلك عن عبادتي التي إنما خلقتك لها ؟
فيقول يا رب أكثرت لي من المال فطغيت.
فيؤتى بسليمان عليه السلام في ملكه فيقول لذا: أنت كنت أكثر مالا وأشد
شغلا أم هذا ؟ قال: فيقول: بل هذا يا رب، فيقول الله له: فإن هذا لم
يمنعه ما أوتي من الملك والمال والشغل عن عبادتي.
قال: ويؤتى بالمريض فيقول: ما منعك عن عبادتي التي خلقتك لها ؟ فيقول:
يا رب شغلني عن هذا مرض جسدي، فيؤتى بأيوب عليه السلام في ضره وبلائه،
فيقول له: أأنت كنت أشد ضرا ومرضا أم هذا ؟ فيقول: بل هذا، فيقول: إن
هذا لم يشغله ضره ومرضه عن عبادتي.
ثم يؤتى بالمملوك فيقول الله له: ما منعك من عبادتي التي خلقتك لها ؟
فيقول رب فضلت علي أربابا فملكوني وشغلوني عن عبادتك.
فيؤتى بيوسف عليه السلام في رقه وعبوديته فيقول الله له: أأنت كنت أشد
في رقك وعبوديتك أم هذا ؟ فيقول: بل هذا يا رب، فيقول الله: فإن هذا لم
يشغله ما كان فيه من الرق عن عبادتي.
وروى حميد عن الاعرج عن مجاهد.
قال: كنت أصحب ابن عمر في السفر فإذا أردت أن أركب مسك ركابي، فإذا
ركبت سوى علي ثيابي فرآني مرة كأني كرهت ذلك في، فقال: يا مجاهد إنك
لضيق الخلق، وفي رواية: صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن رجل عن مجاهد.
قال: جعلت الارض لملك الموت مثل الطست يتناول منها حيث شاء، وجعل له
أعوان يتوفون الانفس ثم يقبضها منهم.
وقال: لما هبط آدم إلى الارض قال له: ابن للخراب ولد للفناء.
وروى قتيبة عن جرير عن منصور عن مجاهد.
(ويلعنهم اللاعنون) [ البقرة: 159 ] قال: تعلن عصاة بني آدم دواب الارض
وما شاء الله حتى الحيات والعقارب،: يقولون منعنا القطر بذنوب بني آدم.
وقال غيره: تسلط الحشرات على العصاة في قبورهم، لما كان ينالهم من
الشدة بسب ذنوبهم، فتلك الحشرات من العقارب والحيات هي السيئات التي
كانوا يعملونها في الدنيا ويستلذونها، صارت عذابا
عليهم.
نسأل الله العافية.
وقال: (إن الانسان لربه لكنود) [ العاديات: 6 ] لكفور.
وقال الامام أحمد: حدثنا عمر بن سليمان، حدثني مسلم أبو عبد الله عن
ليث عن مجاهد قال: من لم يستحي من الحلال خفت مؤنته وأراح نفسه.
وقال عمرو بن زروق حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد.
قال (فظن أن لن نقدر عليه) [ الانبياء: 87 ] أن لن نعاقبه بذنبه.
وبهذا الاسناد قال: لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها في قراءة عبد
الله بيتا من ذهب.
وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا خلف بن خليفة عن ليث عن مجاهد: إن الله
عزوجل ليصلح بصلاح العبد ولده.
قال:
(9/253)
وبلغني أن عيسى
عليه السلام كان يقول: طوبي للمؤمن كيف يخلفه الله فيمن ترك بخير.
وقال الفضيل بن عياض عن عبيد المكتب عن مجاهد في قوله تعالى (وتقطعت
بهم الاسباب) [ البقرة 166 ] الاوصال التي كانت بينهم في الدنيا.
وروى سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله
تعالى: (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) [ التوبة: 11 ] قال: الال الله
عزوجل.
وقال في قوله تعالى (بقية الله خير لكم) [ هود: 85 ] طاعة الله عز وجل.
وفي قوله تعالى (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [ الرحمن: 46 ] قال: هو الذي
يذكر الله عند الهم بالمعاصي.
وقال الفضيل بن عياض عن منصور عن مجاهد: (سيماهم في وجوههم) [ الفتح:
29 ] الخشوع.
وفي قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) [ البقرة: 238 ] قال: القنوت
الركود والخشوع وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله.
وكان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره أو يلتفت
أو يقلب الحصا، أو يعبث بشئ أو يحدث نفسه بشئ من الدنيا.
إلا خاشعا ما دام في صلاته.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو عمرو، حدثنا إبن إدريس،
حدثني عقبة بن إسحاق - وأثنى عليه خيرا حدثنا ليث عن مجاهد.
قال: كنت إذا رأيت العرب استخفيتها وجدتها من وراء دينها، فإذا دخلوا
في الصلاة فكأنما أجساد ليست فيها أرواح.
وروى الاعمش عنه قال: إنما القلب منزلة الكف، فإذا أذنب الرجل ذنبا قبض
هكذا - وضم الخنصر حتى ضم أصابعه كلها
اصبعا اصبعا - قال: ثم يطبع، فكانوا يرون ذلك الران: قال الله تعالى:
(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) [ المطففين: 14 ] وروى قبيصة
عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به
خطيئته) [ البقرة: 81 ] قال الذنوب تحيط بالقلوب كالحائط المبني على
الشئ المحيط، كلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب حتى تكون هكذا - ثم
قبض يده - ثم قال: هو الران.
وفي قوله (بما قدم وأخر) [ القيامة: 13 ] قال: أول عمل العبد وآخره
(وإلى ربك فارغب) [ الانشراح: 8 ] قال: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت
إلى الصلاة فاجعل رغبتك إليه، ونيتك له.
وعن منصور عن مجاهد (النفس المطمئنة) [ الفجر: 27 ] قال: هي النفس التي
قد أيقنت أن الله ربها وضربت حاشا لامره وطاعته.
وروى عبد الله بن المبارك عن ليث عن مجاهد: قال: ما من ميت يموت إلا
عرض عليه أهل مجلسه، إن كان من أهل الذكر فمن أهل الذكر، وإن كان من
أهل اللهو فمن أهل اللهو.
وقال أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن
مجاهد، قال: قال إبليس: إن يعجزني ابن آدم فلن يعجزني من ثلاث خصال:
آخذ مال بغير حق، وإنفاقه في غير حقه (1).
__________
(1) كذا بالاصل...(*)
(9/254)
وقال أحمد:
حدثنا ابن نمير قال: قال الاعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه حر مندح
(1) قد ضل حمارة فهو مهتم.
وعن ليث عن مجاهد قال: من أكرم نفسه وأعزها أذل دينه، ومن أذل نفسه أعز
دينه.
وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد قال: قال لي: يا أبا الغازي كم لبث نوح في
الأرض قال: قلت ألف سنة إلا خمسين عاما، قال: فإن الناس لم يزدادوا في
أعمارهم وأجسادهم وأخلاقهم إلا نقصا.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي علية عن ليث عن مجاهد قال: ذهبت
العلماء فما بقي إلا المتعلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان
قبلكم.
وروى ابن أبي شيبة أيضا عن ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد قال: لو لم يصب
المسلم من أخيه إلا أن حياء منه يمنعه من المعاصي
لكان في ذلك خير.
وقال: الفقيه من يخاف الله وإن قل علمه، والجاهل من عصى الله وإن كثر
علمه.
وقال: إن العبد إذا أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه
في قوله تعالى: (وثيابك فطهر) [ المدثر: 4 ] قال: عملك فأصلح.
(واسألوا الله من فضله) [ النساء: 31 ] قال: ليس من عرض الدنيا (والذي
جاء بالصدق وصدق به) [ الزمر: 33 ] قال هم الذين يجيئون بالقرآن قد
اتبعوه وعملوا بما فيه.
وقال: يقول القرآن للعبد إني معك ما اتبعتني، فإذا لم تعمل بي اتبعتك.
(ولا تنس نصيبك من الدنيا) [ القصص: 77 ] قال: خذ من دنياك لآخرتك،
وذلك أن تعمل فيها بطاعة الله عزوجل.
وقال داود بن المحبر، عن عباد بن كثير، عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه
مجاهد بن جبير قال: قلت لابن عمر: أي حجاج بيت الله أفضل وأعظم أجرا ؟
قال: من جمع ثلاث خصال، نية صادقة، وعقلا وافرا، ونفقة من حلال، فذكرت
ذلك لابن عباس فقال: صدق فقلت: إذا صدقت نيته وكانت نفقته من حلال
فماذا يضره قلة عقله ؟ فقال: يا أبا حجاج، سألتني عما سألت عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: " والذي نفسي بيده ما أطاع العبد الله
بشئ أفضل من حسن العقل، ولا يقبل الله الصوم عبد ولا صلاته، ولا شيئا
مما يكون من عمله من أنواع الخير إن لم يعمل بعقل.
ولو أن جاهلا فاق المجتهدين في العبادة، كان ما يفسد أكثر مما يصلح ".
قلت: ذكر العقل في هذا الحديث ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من
المنكرات والموضوعات، والثلاث الخصال موقوفة على ابن عمر، من قوله من
جمع ثلاث خصال، إلى قوله: قال ابن عباس صدق، والباقي لا يصح رفعه ولا
وقفه، وداود بن المحبر كنيته أبو سليمان، قال الحاكم: حدث ببغداد عن
جماعة من الثقات بأحاديث موضوعة، حدث بها عنه الحارث بن أبي أسامة، وله
كتاب العقل، وأكثر ما أودع ذلك الكتاب موضوع على رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وذكر العقل مرفوعا في هذه الرواية لعله من جملتها، والله
أعلم.
وقد كذبه أحمد بن حنبل.
__________
(1) في صفة الصفوة 2 / 208: خر بندج: كلمة فارسية لم توردها المعاجم
العربية ولفظها (خربنده) ومعناها: مؤجر الحمار أو حارس الحمار.
(*)
(9/255)
مصعب بن سعد بن
أبي وقاص تابعي جليل القدر.
موسى بن طلحة بن عبيد الله التميمي، كان يلقب بالمهدي لصلاحه، كان
تابعيا جليل القدر من سادات المسلمين رحمه الله.
ثم دخلت سنة أربع ومائة فيها قاتل سعيد بن
عمرو الحرشي نائب خراسان أهل الصغد وحاصر أهل خجندة وقتل خلقا كثيرا،
وأخذ أموالا جزيلة، وأسر رقيقا كثيرا جدا، وكتب بذلك إلى يزيد بن عبد
الملك (1)، لانه هو الذي ولاه.
وفي ربيع الاول منها عزل يزيد بن عبد الملك عن إمرة الحرمين عبد الرحمن
بن الضحاك بن قيس، وكان سببه أنه خطب فاطمة بنت الحسين فامتنعت من قبول
ذلك، فألح عليها وتوعدها، فأرسلت إلى يزيد تشكوه إليه، فبعث إلى عبد
الواحد بن عبد الله النضري نائب الطائف فولاه المدينة، وأن يضرب عبد
الرحمن بن الضحاك حتى يسمع صوته أمير المومنين وهو متكئ على فراشه
بدمشق، وأن يأخذ منه أربعين ألف دينار، فلما بلغ ذلك عبد الرحمن ركب
إلى دمشق واستجار بمسلمة بن عبد الملك، فدخل على أخيه فقال: إن لي إليك
حاجة، فقال: كل حاجة تقولها فهي لك إلا أن تكون ابن الضحاك، فقال: هو
والله حاجتي، فقال: والله لا أقبلها ولا أعفو عنه، فرده إلى المدينة
فتسلمه عبد الواحد فضربه وأخذ ماله حتى تركه في جبة صوف، فسأل الناس
بالمدينة، وكان قد باشر نيابة المدينة ثلاث سنين وأشهرا، وكان الزهري
قد أشار عليه برأي سديد، وهو أن يسأل العلماء إذا أشكل عليه أمر فلم
يقبل، ولم يفعل، فأبغضه الناس وذمه الشعراء ثم كان هذا آخر أمره.
وفيها عزل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي، وذلك أنه كان يستخف بأمر
ابن هبيرة، فلما عزله أحضره بين يديه وعاقبه وأخذ منه أموالا كثيرة،
وأمر بقتله ثم عفا عنه، وولى على خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة
الكلابي، فسار إليها فاستخلص أموالا كانت منكسرة في أيام سعيد بن عمرو
الحرشي.
وفيه غزا الجراح بن عبد الله الحكمي نائب أرمينية وأذربيجان، أرض
الترك، ففتح بلنجر (2) وهزم الترك وغرقهم وذراريهم في الماء، وسبى منهم
خلقا كثيرا، وافتتح عامة
الحصون التي تلي بلنجر (3)، وأجلى عامة أهلها، والتقى هو والخاقان
الملك فجرت بينهم وقعة هائلة
__________
(1) كتابه مباشرة إلى يزيد بن عبد الملك متجاوزا عمر بن هبيرة كان سببا
في غضب عمر عليه ومما أوغر صدره عليه وكان ذلك أحد الاسباب التي حملت
عمر على عزله عن خراسان كما سيأتي.
(2) بلنجر: مدينة ببلاد الخزر خلف باب الابواب (معجم البلدان).
وفي هذه الغزوة تفاصيل ذكرها ابن الاثير 5 / 111 - 112 وابن الاعثم 8 /
31 - 32.
(3) منها: الوبندر وشكى (في ابن الاثير: ملى) (*)
(9/256)
آل الامر فيها
إلى أن انهزم خاقان، وتبعهم المسلمون، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، قتل
فيها خلق كثير لا يحصون.
وحج بالناس في هذه السنة عبد الواحد بن عبد الله النضري أمير الحرمين
والطائف، وعلى نيابة العراق وخراسان عمر، ونائبه على خراسان مسلم بن
سعيد يومئذ.
وفي هذه السنة ولد السفاح وهو أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس الملقب بالسفاح، أول خلفاء بني العباس وقد بايع أباه
في الباطن جماعة من أهل العراق.
وفيها توفي من الاعيان: خالد بن
سعدان الكلاعي له روايات عن جماعة من الصحابة، وكان تابعيا جليلا، وكان
من العلماء وأئمة الدين المعدودين المشهورين، وكان يسبح كل يوم أربعين
ألف تسبيحة وهو صائم، وكان إمام أهل حمص، وكان يصلي التراويح في شهر
رمضان، فكان يقرأ فيها في كل ليلة ثلث القرآن، وروى الجوزجاني عنه أنه
قال: من اجترأ على الملاوم في مراد الحق، قلب الله تلك المحامد عليه
ذما.
وروى ابن أبي الدنيا عنه قال: ما من عبد إلا وله أربعة أعين.
عينان في وجهه يبصر بهما أمر دنياه، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر
آخرته، فإذا أراد الله بالعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر
بهما أمر آخرته وهما غيب، فأمن الغيب بالغيب، وإذا أراد الله بالعبد
خلاف ذلك ترك العبد القلب على ما هو عليه، فتراه ينظر فلا ينتفع، فإذا
نظر بقلبه نفع، وقال: بصر القلب من الآخرة، وبصر العينين من الدنيا وله
فضائل كثيرة رحمه الله تعالى.
عامر بن سعد بن أبي وقاص الليثي له روايات كثيرة عن أبيه وغيره، وهو
تابعي جليل، ثقة مشهور.
عامر بن شراحيل الشعبي توفي فيها في قول: كان الشعبي من شعب همدان،
كنيته أبو عمرو، وكان علامة أهل الكوفة، كان إماما حافظا، ذا فنون، وقد
أدرك خلقا من الصحابة (1) وروى عنهم وعن جماعة من التابعين، وعنه أيضا
روى جماعة من التابعين، قال أبو مجلز: ما رأيت أفقه من الشعبي.
وقال مكحول: ما رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية منه.
وقال داود الاودي: قال لي الشعبي: قم معي ها هنا حتى أفيدك علما، بل هو
رأس العلم.
قلت: أي شئ تفيدني ؟ قال: إذا سئلت عما لا تعلم فقل: الله أعلم، فإنه
عالم حسن.
وقال: لو أن رجلا سافر من أقصى اليمن لحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبل من
عمره ما رأيت سفره ضائعا، ولو سافر في طلب الدنيا أو الشهوات إلى خارج
هذا المسجد، لرأيت سفره عقوبة وضياعا وقال: العلم أكثر من عدد الشعر،
فخذ من كل شئ أحسنه.
__________
(1) عن منصور بن عبد الرحمن سمعت الشعبي يقول: أدركت خمسمائة من أصحاب
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال ابراهيم الحربي: لقي الشعبي أربعة
وثلاثين رجلا من الصحابة - صفوة الصفوة 3 / 76.
(*)
(9/257)
أبو بردة (1) بن أبي موسى الاشعري تولى قضاء الكوفة قبل الشعبي، فإن
الشعبي تولى في خلافة عمر بن عبد العزيز، واستمر إلى أن مات، وأما أبو
بردة فإنه كان قاضيا في زمن الحجاج، ثم عزله الحجاج وولى أخاه أبا بكر،
وكان أبو بردة فقيها حافظا عالما، له روايات كثيرة.
أبو قلابة الجرمي عبد الله بن يزيد البصري، له روايات كثيرة عن جماعة
من الصحابة وغيرهم، وكان من كبار الائمة والفقهاء، وطلب للقضاء فهرب
منه وتغرب، قدم الشام فنزل داريا وبها مات رحمه الله.
قال أبو قلابة: إذا أحدث الله لك علما فأحدث له عبادة، ولم يكن همك ما
تحدث به الناس، فلعل غيرك
ينتفع ويستغني وأنت في الظلمة تتعثر، وإني لارى هذه المجالس إنما هي
مناخ البطالين.
وقال: إذا بلغك عن أخيك شئ تكرهه فالتمس له عذرا جهدك، فإن لم تجد له
عذرا فقل: لعل لاخي عذرا لا أعلمه. |