البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة ثنتين وثمانين ومائتين في خامس ربيع الاول منها يوم
الثلاثاء دخل المعتضد بزوجته قطر الندى ابنة خمارويه، قدمت بغداد صحبة
عمها وصحبة ابن الجصاص، وكان الخليفة غائبا وكان دخولها إليه يوما
مشهودا، امتنع
الناس من المرور في الطرقات من كثرة الخلق.
وفيها نهى المعتضد الناس أن يعملوا في يوم النيروز ما كانوا يتعاطونه
من إيقاد النيران وصب الماء وغير ذلك من الافعال المشابهة لافعال
المجوس، ومنع من حمل هدايا الفلاحين إلى المنقطعين في هذا اليوم وأمر
بتأخير ذلك إلى الحادي عشر من حزيران وسمي النيروز المعتضدي، وكتب بذلك
إلى الآفاق.
وفيها في ذلك الحجة (1) قدم إبراهيم بن أحمد الماذرائي من دمشق على
البريد فأخبر الخليفة بأن خمارويه وثبت عليه خدامه فذبحته على فراشه
(2) وولوا بعده
__________
(1) في الطبري: لاثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة.
(2) في الطبري لثلاث خلون من ذي الحجة.
وفي مروج الذهب 4 / 277: في ذي القعدة لايام بقيت منه.
وقال الكندي في ولاة مصر / 264: لليلتين بقيتا من ذي القعدة (*).
(11/82)
ولده جيش (1)
ثم قتلوه ونهبوا داره ثم ولوا هارون بن خمارويه، وقد التزم في كل سنة
أن يحمل إلى الخليفة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، فأقره المعتضد
على ذلك، فلما كان المكتفي عزله وولى مكانه محمد بن سليمان الواثقي
فاصطفى أموال الطولونيين، وكان ذلك آخر العهد منهم.
وفيها أطلق لؤلؤ غلام أحمد بن طولون من الحبس فعاد إلى مصر في أذل حال
بعد أن كان من أكثر الناس مالا وعزا وجاها.
وفيها حج بالناس الامير المتقدم ذكره.
وفيها توفي من الاعيان أحمد بن داود
أبو حنيفة الدينوري اللغوي صاحب كتاب النبات.
إسماعيل بن إسحاق ابن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو إسحاق الازدي القاضي،
أصله من البصرة ونشأ ببغداد وسمع مسلم بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله
الانصاري، والقعنبي وعلي بن المديني، وكان حافظا فقهيا مالكيا جمع وصنف
وشرح في المذهب عدة مصنفات في التفسير والحديث والفقه، وغير ذلك، ولي
القضاء في أيام المتوكل بعد سوار بن عبد الله، ثم عزل ثم ولي وصار مقدم
القضاة.
كانت وفاته فجأة ليلة الاربعاء لثمان بقين من ذي الحجة منها، وقد جاوز
الثمانين رحمه الله.
الحارث بن محمد بن أبي أسامة صاحب المسند المشهور.
خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب الديار المصرية بعد أبيه سنة إحدى
وسبعين ومائتين، وقد قاتل هو والمعتضد بن الموفق في حياة أبيه الموفق
في أرض الرملة، وقيل في أرض الصعيد.
وقد تقدم ذلك في موضعه، ثم بعد ذلك لما آلت الخلافة إلى المعتضد تزوج
بابنة خمارويه وتصافيا، فلما كان في ذي الحجة من هذه السنة عدا أحد
الخدام من الخصيان على خمارويه فذبحه وهو على فراشه، وذلك أن خمارويه
اتهمه بجارية له.
مات عن ثنتين وثلاثين سنة، فقال بالامر من بعده ولده هارون (2) بن
خمارويه، وهو آخر الطولونية.
وذكر ابن الاثير أن عثمان بن سعيد بن خالد أبو سعيد الدارمي توفي في
هذه السنة، وكان شافعيا أخذ الفقه عن البويطي صاحب الشافعي فالله أعلم.
وقد قدمنا وفاة الفضل بن يحيى بن محمد بن المسيب بن موسى بن زهير بن
يزيد بن كيسان بن بادام ملك اليمن، أسلم بادام في حياة النبي صلى الله
عليه وسلم.
__________
(1) من الطبري ومروج الذهب وابن الاثير وولاة مصر للكندي، وفي الاصل:
حنش.
(2) راجع الحاشية السابقة.
وقال الكندي في ولاة مصر: ص 265: ولي مصر أبو العساكر جيش بن خمارويه
(بعد مقتل خمارويه) ثم خلعوه وبايعوا أخاه هارون بن خمارويه وكانت
ولايته ستة أشهر واثني عشر يوما (*).
(11/83)
أبو محمد
الشعراني الاديب الفقيه العابد الحافظ الرحال تلميذ يحيى بن معين، روى
عنه الفوائد في الجرح والتعديل وغير ذلك، وكذلك أخذ عن أحمد بن حنبل
وعلي بن المديني وقرأ على خلف بن هشام البزار وتعلم اللغة من ابن
الاعرابي، وكان ثقة كبيرا.
محمد بن القاسم بن خلاد أبو العيناء البصري الضرير الشاعر الاديب
البليغ اللغوي تلميذ الاصمعي، كنيته أبو عبد الله وإنما لقب بأبي
العيناء لانه سئل عن تصغير عيناء فقال عييناء، له معرفة تامة بالادب
والحكايات والملح.
أما الحديث فليس منه إلا القليل.
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائتين
في المحرم منها خرج المعتضد من بغداد قاصدا بلاد الموصل لقتال هارون
الشاري الخارجي فظفر به وهزم أصحابه وكتب بذلك إلى بغداد، فلما رجع
الخليفة إلى بغداد أمر بصلب هارون الشاري وكان صفريا.
فلما صلب قال: لا حكم إلا لله ولو كره المشركون.
وقد قاتل الحسن بن حمدان الخوارج في هذه الغزوة قتالا شديدا مع
الخليفة، فأطلق الخليفة أباه حمدان بن حمدون من القيود بعد ما كان قد
سجنه حينا من وقت أخذ قلعة ماردين، فاطلقه وخلع عليه وأحسن إليه.
وفيها كتب المعتضد إلى الآفاق برد ما فضل عن سهام ذوي الفرض إذا لم تكن
عصبة إلى ذوي الارحام وذلك بفتيا أبي حازم القاضي.
وقد قال في فتياه: إن هذا اتفاق من الصحابة إلا زيد بن ثابت فإنه تفرد
برد ما فضل والحالة هذه إلى بيت المال.
ووافق على ذلك علي بن محمد بن أبي الشوارب أبي حازم، وخالفهما القاضي
يوسف بن يعقوب، وذهب إلى قول زيد فلم يلتفت إليه المعتضد ولا عد قوله
شيئا، وأمضى فتيا أبي حازم، ومع هذا ولى القضاء يوسف بن يعقوب في
الجانب الشرقي، وخلع عليه خلعة سنية، وقلد أبي حازم قضاء أماكن كثيرة
وذلك لموافقته ابن أبي الشوارب وخلع عليه خلعا سنية أيضا.
وفيها وقع الفداء بين المسلمين والروم فاستنقذ من أيديهم ألفا أسير
وخمسمائة وأربعة أنفس.
وفيا حاصرت الصقالبة الروم في القسطنطينية فاستعان ملك الروم بمن عنده
من أسارى المسلمين وأعطاهم سلاحا كثيرا فخرجوا معهم فهزموا الصقالبة،
ثم خاف ملك الروم من غائلة أولئك المسلمين ففرقهم في البلاد.
وفيها خرج عمرو بن الليث من نيسابور لبعض أشغاله فخلفه فيها رافع بن
هرثمة ودعا على منابرها لمحمد بن زيد المطلبي ولولده من بعده، فرجع
إليه عمرو وحاصره فيها، ولم يزل به حتى أخرجه منها وقتله على بابها.
وفيها بعث الخليفة وزيره عبيد الله بن سليمان لقتال عمر بن عبد العزيز
بن أبي دلف، فلما وصل إليه طلب منه عمر الامان فأمنه وأخذه معه إلى
الخليفة فتلقاه الامراء وخلع عليه الخليفة وأحسن إليه.
وفيها توفي من الاعيان إبراهيم بن
مهران أبو إسحاق الثقفي السراج النيسابوري، كان الامام
(11/84)
أحمد يدخل إلى
منزله وكان بقطيعة الربيع في الجانب الغربي وينبسط فيه ويفطر عنده،
وكان من
الثقات العباد العلماء، توفي في صفر منها.
إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن حازم أبو القاسم الجيلي، وليس هو بالذي
تقدم ذكره في السنين المتقدمة.
سمع داود بن عمرو وعلي بن الجعد وخلقا كثيرا.
وقد لينه الدار قطني فقال ليس بالقوي.
توفي عن نحو من ثمانين سنة.
سهل بن عبد الله بن يونس التستري أبو محمد أحد أئمة الصوفية، لقي ذا
النون المصري.
ومن كلامه الحسن قوله: أمس قد مات واليوم في النزع وغد لم يولد.
وهذا كما قال بعض الشعراء: ما مضى فات والمؤمل غ * يب ولك الساعة التي
أنت فيها وقد تخرج سهل شيخا له محمد بن سوار، وقيل إن سهلا قد توفي سنة
ثلاث وسبعين ومائتين فالله أعلم.
وفيها توفي عبد الرحمن بن يوسف بن
سعيد بن خراش أبو محمد الحافظ المروزي أحد الجوالين الرحالين حفاظ
الحديث والمتكلمين في الجرح والتعديل، وقد كان ينبذ بشئ من التشيع
فالله أعلم.
روى الخطيب عنه أنه قال: شربت بولي في هذا الشأن خمس مرات يعني أنه
اضطر إلى ذلك في أسفاره في الحديث من العطش علي بن محمد بن أبي
الشوارب.
عبد الملك الاموي البصري قاضي سامرا.
وقد ولي في بعض الاحيان قضاء القضاة، وكان من الثقات، سمع أبا الوليد
وأبا عمرو الحوصي وعنه النجاد وابن صاعد وابن قانع، وحمل الناس عنه
علما كثيرا.
ابن الرومي الشاعر صاحب الديوان في الشعر علي بن العباس بن جريج أبو
الحسن المعروف بابن الرومي وهو مولى عبد الله بن جعفر وكان شاعرا
مشهورا مطيقا فمن ذلك قوله: إذا ما مدحت الباخلين فإنما * تذكرهم في
سواهم من الفضل وتهدي لهم غما طويلا وحسرة * فإن منعوا منك النوال
فبالعدل وقال: إذا ما كساك الدهر سربال صحة * ولم تخل من قوت يلذ ويعذب
فلا تغبطن المترفين فإنه * على قدر ما يكسوهم الدهر يسلب وقال أيضا:
عدوك من صديقك مستفاد * فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه
* يكون من الطعام أو الشراب إذا انقلب الصديق غدا عدوا * مبينا والامور
إلى انقلاب ولو كان الكثير يطيب كانت * مصاحبة الكثير من الصواب
(11/85)
ولكن قل ما
استكثرت إلا * وقعت على ذئاب في ثياب فدع عنك الكثير فكم كثير * يعاف
وكم قليل مستطاب وما اللجج العظام بمزريات * ويكفي الري في النطف
العذاب قال أيضا: وما الحسب الموروث إلا دردره * بمحتسب إلا بآخر مكتسب
فلا تتكل إلا على ما فعلته * ولا تحسبن المجد يورث كالنسب فليس يسود
المرء إلا بفعله * وإن عد آباء كراما ذوي حسب إذا العود لم يثمر وإن
كان أصله * من المثمرات عنده الناس في الحطب وللمجد قوم شيدوه بأنفس *
كرام ولم يعنوا بأم ولا بأب وقال أيضا وهو من لطيف شعره: قلبي من الطرف
السقيم سقيم * لو أن من أشكو إليه رحيم في وجهها أبدا نهار واضح * من
شعرها عليه ليل بهيم إن أقبلت فالبدر لاح وإن * مشت فالغصن راح وإن رنت
فالريم نعمت بها عيني فطال عذابها * ولكم عذاب قد جناه نعيم نظرت
فاقصدت الفؤاد بسهمها * ثم انثنت نحوي فكدت أهيم ويلاه إن نظرت وإن هي
أعرضت * وقع السهام ووقعهن أليم يا امستحل دمي محرم رحمتي * ما أنصف
التحليل والتحريم
وله أيضا وكان يزعم أنه ما سبق إليه: آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم * في
الحادثات إذا زجرن (1) نجوم منها معالم للهدى ومصابح * تجلوا الدجى
والاخريات رجوم وذكر أنه ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين.
ومات في هذه السنة، وقيل في التى بعدها، وقيل في سنة ست وسبعين
ومائتين، وذكر أن سبب وفاته أن وزير المعتضد القاسم بن عبيد الله (2)
كان يخاف من هجوه ولسانه فدس عليه من أطعمه وهو بحضرته خشكنانجة (3)
مسمومة، فلما أحسن السم قام
__________
(1) في وفيات الاعيان 3 / 359: دجون.
(2) من الطبري ومروج الذهب والفخري، وفي الاصل عبد الله تحريف.
وهو أبو الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وكان عظيم الهيبة
شديد الاقدام سفاكا للدماء لا يعرف أحد من أرباب الاموال منه نعمة توفي
في ربيع الاخر سنة 291.
(وفيات - الفخري - مروج الذهب).
(3) من مروج الذهب ووفيات الاعيان، وفي الاصل: خشتنانكة، وهو طعام
فارسي.
(*)
(11/86)
فقال له
الوزير: إلى أين ؟ قال: إلى المكان الذي بعثتني إليه.
قال: سلم على والدي: فقال: لست أجتاز على النار.
ومحمد بن سليمان بن الحرب أبو بكر الباغندي الواسطي، كان من الحفاظ،
وكان أبو داود يسأله عن الحديث، ومع هذا تكلموا فيه وضعفوه.
محمد بن غالب بن حرب أبو جعفر الضبي المعروف بتنهام سمع سفيان وقبيصة
والقعنبي، وكان من الثقات.
قال الدار قطني: وربما أخطأ.
توفي في رمضان عن تسعين سنة.
البحتري الشاعر صاحب الديوان المشهور، اسمه الوليد بن عبادة، ويقال ابن
عبيد بن يحيى أبو عباد الطائي البحتري الشاعر، أصله من منبج وقدم بغداد
ومدح المتوكل والرؤساء، وكان شعره في المدح خيرا منه في المراثي فقيل
له في ذلك فقال: المديح للرجاء والمراثي للوفاء وبينهما بعد.
وقد روى شعره المبرد وابن
درستويه وابن المرزبان.
وقيل له: إنهم يقولون إنك أشعر من أبي تمام.
فقال: لولا أبو تمام ما أكلت الخبز، كان أبو تمام أستاذنا.
وقد كان البحتري شاعرا مطيقا فصيحا بليغا رجع إلى بلده فمات بها في هذه
السنة، وقيل في التي بعدها عن ثمانين سنة.
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائتين في
المحرم منا دخل رأس رافع بن هرثمة إلى بغداد فأمر الخليفة بنصبه في
الجانب الشرقي إلى الظهر، ثم بالجانب الغربي إلى الليل (1).
وفي ربيع الاول منها خلع على محمد بن يوسف بن يعقوب بالقضاء بمدينة أبي
جعفر المنصور عوضا عن ابن أبي الشوارب بعد موته بخمسة أشهر وأيام، وقد
كانت شاغرة تلك المدة.
وفي ربيع الآخر منها ظهرت بمصر ظلمة شديدة وحمرة في الافق حتى كان
الرجل ينظر إلى وجه صاحبه فيراه أحمر اللون جدا.
وكذلك الجدران، فمكثوا كذلك من العصر إلى الليل ثم خرجوا إلى الصحراء
يدعون الله ويتضرعون حتى كشف عنهم.
وفيها عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر فحذره ذلك
وزيره عبد الله (2) بن وهب، وقال له: إن العامة تنكر قلوبهم ذلك وهم
يترحمون عليه ويترضون عنه في أسواقهم وجوامعهم، فلم يلتفت إليه بل أمر
بذلك وأمضاه وكتب به نسخا إلى الخطباء بلعن معاوية وذكر فيها ذمه وذم
ابنه يزيد بن معاوية وجماعة من بني أمية (3)، وأورد فيها أحاديث باطلة
في ذم معاوية وقرئت في الجانبين من بغداد، ونهيت العامة عن
__________
(1) في مروج الذهب 4 / 293: صلب ساعه من نهار ثم رد إلى دار السلطان.
(2) في الطبري 11 / 354: عبيد الله بن سليمان بن وهب.
(3) نسخة الكتاب في الطبري 11 / 355 - 356 (*).
(11/87)
الترحم على
معاوية والترضي عنه، فلم يزل به الوزير حتى قال له فيما قال: يا أمير
المؤمنين إن هذا الصنيع لم يسبقك أحد من الخلفاء إليه، وهو مما يرغب
العامة في الطالبيين وقبول الدعوة إليهم، فوجم المعتضد عند ذلك لذلك
تخوفا على الملك، وقدر الله تعالى أن هذا الوزير كان ناصبيا يكفر عليا
فكان هذا من هفوات المعتضد.
وفيها نودي في البلاد لا يجتمع العامة على قاص ولا منجم ولا جدلي ولا
غير ذلك، وأمرهم أن لا يهتموا لامر النوروز، ثم أطلق لهم النوروز
فكانوا يصبون المياه على المارة وتوسعوا في ذلك وغلوا فيه حتى جعلوا
يصبون الماء على الجند والشرط وغيرهم، وهذا أيضا من هفواته.
قال ابن الجوزي: وفيها وعد المنجمون الناس أن أكثر الاقاليم ستغرق في
زمن الشتاء من كثرة الامطار والسيول وزيادة الانهار، وأجمعوا على هذا
الامر فأخذ الناس كهوفا في الجبال خوفا من ذلك، فأكذب الله تعالى
المنجمين في قولهم فلم يكن عام أقل مطرا منه، وقلت العيون جدا وقحط
الناس في كل بقعة حتى استسقى الناس ببغداد وغيرها من البلاد مرارا
كثيرة.
قال: وفيها كان يتبدى في دار الخلافة شخص بيده سيف مسلول في الليل فإذا
أرادوا أخذه انهزم فدخل في بعض الاماكن والزروع والاشجار والعطفات التي
بدار الخلافة فلا يطلع له على خبر، فقلق من ذلك المعتضد قلقا شديدا
وأمر بتجديد سور دار الخلافة والاحتفاظ به، وأمر الحرس من كل جانب بشدة
الاحتراس فلم يفد ذلك شيئا، ثم استدعى بالمغرمين ومن يعاني علم السحر
وأمر المنجمين فعزموا واجتهدوا فلم يفد ذلك شيئا فأعياهم أمره، فلما
كان بعد مدة اطلع على جلية الامر وحقيقة الخبر فوجده خادما حصيا من
الخدام كان يتعشق بعض الجواري من حظايا المعتضد التي لا يصل إليها مثله
ولا النظر إليها من بعيد، فاتخذ لحا مختلفة الالوان يلبس كل ليلة
واحدة، واتخذ لباسا مزعجا فكان يلبس ذلك ويتبدى في الليل في شكل مزعج
فيفزع الجواري وينزعجن وكذلك الخدم فيثورون إليه من كل جانب فإذا قصدوه
دخل في بعض العطفات ثم يلقي ما عليه أو يجعله في كمه أو في مكان قد
أعده لذلك ثم يظهر أنه من جملة الخدم المتطلبين لكشف هذا الامر، ويسأل
هذا وهذا ما الخبر ؟ والسيف في يده صفة من يرى أنه قد رهب من هذا
الامر، وإذا اجتمع الحظايا تمكن من النظر إلى تلك المعشوقة ولاحظها
وأشار إليها بما يريده منها وأشارت إليه، فلم يزل هذا دأبه إلى زمن
المقتدر فبعثه في سرية إلى طرسوس فنمت عليه تلك الجارية وانكشف أمره
وحاله وأهلكه الله.
وفيها اضطرب الجيش المصري على هارون بن خمارويه فأقاموا له بعض أمراء
أبيه يدير الامور ويصلح الاحوال، وهو أبو جعفر بن أبان، فبعث إلى دمشق
- وكانت قد منعت البيعة تسعة أشهر بعد
أبيه، واضطربت أحوالها - فبعث إليهم جيشا كثيفا مع بدر الحمامي والحسين
(1) بن أحمد الماذرائي
__________
(1) من ابن الاثير 7 / 488 وولاة الكندي 268، وفي الاصل: الحسن وهو
تحريف (*).
(11/88)
فأصلحا أمرها
واستعملا على نيابتها طفح بن خف (1) ورجعا إلى الديار المصرية والامور
مختلفة جدا.
وفيها توفي من الاعيان: أحمد بن
المبارك: أبو عمرو المستملي الزاهد النيسابوري يلقب بحكمويه العابد،
سمع قتيبة وأحمد وإسحاق وغيرهم، واستملي على المشايخ ستا وخمسين سنة،
وكان فقيرا رث الهيئة زاهدا، دخل يوما على أبي عثمان سعيد بن إسماعيل
وهو في مجلس التذكير، فبكى أبو عثمان وقال للناس: إنما أبكاني رثاثة
ثياب رجل كبير من أهل العلم أنا أجله عن أن أسميه في هذا المجلس، فجعل
الناس يلقون الخواتم والثياب والدراهم حتى اجتمع من ذلك شئ كثير بين
يدي الشيخ أبي عثمان، فنهض عند ذلك أبو عمرو المستملي فقال: أيها الناس
أنا الذي قصدني الشيخ بكلامه، ولولا أني كرهت أن يتهم بإثم لسترت ما
ستره.
فتعجب الشيخ من إخلاصه ثم أخذ أبو عمرو ذلك المجتمع من المال فما خرج
من باب المسجد حتى تصدق بجميعه على الفقراء والمحاويج.
كانت وفاته في جمادى الآخرة من هذه السنة.
إسحاق بن الحسن ابن ميمون بن سعد أبو يعقوب الحربي، سمع عفان وأبا نعيم
وغيرهما.
وكان أسن من إبراهيم الحربي بثلاث سنين، ولما توفي إسحاق نودي له
بالبلد فقصد الناس داره للصلاة عليه، واعتقد بعض العامة أنه إبراهيم
الحربي فجعلوا يقصدون داره فيقول إبراهيم: ليس إلى هذا الموضع قصدكم،
وعن قريب تأتونه، فما عمر بعده إلا دون السنة.
إسحاق بن محمد بن يعقوب الزهري عمر تسعين سنة وكان ثقة صالحا.
إسحاق بن موسى بن عمران الفقيه أبو يعقوب الاسفراييني الشافعي (2).
عبد الله بن علي بن الحسن بن إسماعيل أبو العباس الهاشمي، كانت إليه
الحسبة ببغداد وإمامة جامع الرصافة.
عبد العزيز بن معاوية العتابي من
ولد عتاب بن أسيد بصري، قدم بغداد وحدث عن أزهر السمان وأبي عاصم
النبيل.
يزيد بن الهيثم بن طهمان أبو خالد الدقاق ويعرف بالباد (3).
قال ابن الجوزي: والصواب أن يقال: البادي لانه ولد توأما وكان هو الاول
في الميلاد.
روى عن يحيى بن معين وغيره وكان ثقة صالحا.
__________
(1) في ابن الاثير وولاة مصر الكندي: ظغج بن جف.
(2) الحافظ الاوحد، ذكره الحاكم قال: أحد الائمة والرحالين سمع قتيبة
وإسحاق وعلي بن حجر وغيرهم وروى عنه أبو عمرو الحيري ومؤمل بن الحسن
وأبو عوانة الاسفرائيني (تذكرة الحافظ 1 / 702).
(3) في تذكرة الحفاظ 1 / 644: الناد (*).
(11/89)
ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائتين فيها وثب صالح بن مدرك الطائي على
الحجاج بالاجفر فأخذ أموالهم ونساءهم، يقال: إنه أخذ منهم ما قيمته ألف
(1) ألف دينار.
وفي ربيع الاول منها يوم الاحد لعشر بقين منه ارتفعت بنواحي الكوفة
ظلمة شديدة جدا ثم سقطت أمطار برعود وبروق لم ير مثلها، وسقط في بعض
القرى مع المطر حجارة بيض، وسود، وسقط برد كبار وزن البردة مائة وخمسون
درهما، واقتلعت الرياح شيئا كثيرا من النخيل والاشجار مما حول دجلة،
وزادت دجلة زيادة كثيرة حتى خيف على بغداد من الغرق.
وفيها غزا راغب الخادم مولى الموفق بلاد الروم ففتح حصونا كثيرة وأسر
ذراري كثيرة جدا، وقتل من أسارى الرجال الذين معه ثلاثة آلاف أسير، ثم
عاد سالما مؤيدا منصورا.
وحج بالناس فيها محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي.
وفيها توفي أحمد بن عيسى بن الشيخ
صاحب آمد فقام بأمرها من بعده ولده محمد، فقصده المعتضد ومعه ابنه أبو
محمد المكتفي بالله فحاصره بها فخرج إليه سامعا مطيعا فتسلمها منه وخلع
عليه وأكرم أهلها، واستخلف عليها ولده المكتفي، ثم سار إلى قنسرين
والعواصم فتسلمها عن كتاب هارون بن خمارويه، وإذنه له في ذلك ومصالحته
له فيها.
وفيها غزا ابن الاخشيد بأهل طرسوس بلاد الروم ففتح الله عليه يديه
حصونا كثيرة ولله الحمد وفيها توفي من الاعيان:
إبراهيم بن إسحاق ابن بشير بن عبد الله بن رستم أبو إسحاق الحربي (2)،
أحد الائمة في الفقه والحديث وغير ذلك، وكان زاهدا عابدا تخرج بأحمد بن
حنبل، وروى عنه كثيرا.
قال الدار قطني: إبراهيم الحربي إمام مصنف عالم بكل شئ بارع في كل علم،
صدوق، كان يقاس بأحمد بن حنبل في زهده وورعه وعلمه، ومن كلامه: أجمع
عقلاء كل أمه أن من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه.
وكان يقول: الرجل كل الرجل الذي يدخل غمه عل نفسه ولا يدخله على عياله،
وقد كانت بي شقيقة منذ أربعين (3) سنة ما أخبرت بها أحد قط، ولي عشرون
(4) سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحد قط، وذكر أنه مكث
__________
(1) في الطبري 11 / 362 وابن الاثير 7 / 490 ومروج الذهب 4 / 294: ألفي
ألف دينار.
قال المسعودي وكانت الناس ترتجز في ذلك اليوم: ما إن رأى الناس كيوم
الاجفر * الناس صرعى والقبور تحفر (2) قال الحربي: صحبت قوما من الكرخ
في طلب الحديث فسموني الحربي لان عندهم من جاوز قنطرة العتيقة من
الحربية (صفة الصفوة 2 / 405).
(3) في صفة الصفوة: خمسا وأربعين سنة.
(4) في صفة الصفوة: عشر سنين (*).
(11/90)
نفيا وسبعين
سنة من عمره ما يسأل أهله غذاء ولا عشاء، بل إن جاءه شئ أكله وإلا طوى
إلى الليلة القابلة.
وذكر أنه أنفق في بعض الرماضانات على نفسه وعياله درهما واحدا وأربعة
دوانيق ونصف، وما كنا نعرف من هذه الطبائخ شيئا إنما هو باذنجان مشوي
أو باقة فجل أو نحو هذا، وقد بعث إليه أمير المؤمنين المعتضد في بعض
الاحيان بعشرة آلاف درهم فأبى أن يقبلها وردها، فرجع الرسول وقال يقول
لك الخليفة: فرقها على من تعرف من فقراء جيرانك.
فقال: هذا شئ لم نجمعه ولا نسأله عن جمعه، فلا نسأل عن تفريقه، قل
لامير المؤمنين إما يتركنا وإما نتحول من بلده.
ولما حضرته الوفاة دخل عليه بعض أصحابه يعوده فقامت ابنته تشكو إليه ما
هم في من الجهد وأنه لا طعام لهم إلا الخبز
اليابس بالملح، وربما عدموا الملح في بعض الاحيان.
فقال لها إبراهيم يا بنية تخافين الفقر ؟ انظري إلى تلك الزاوية فيها
اثنى عشرة ألف جزء قد كتبتها، ففي كل يوم تبيعي منا جزء بدرهم فمن عنده
اثني عشر ألف درهم فليس بفقير.
ثم كانت وفاته لسبع بقين من ذي الحجة وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي
عند باب الانبار، وكان الجمع كثرا جدا.
المبرد النحوي محمد بن يزيد بن عبد الاكبر أبو العباس الازدي الثمالي
المعروف بالمبرد النحوي البصري إمام في اللغة والعربية، وأخذ ذلك عن
المازني وأبي حاتم السجستاني، وكان ثقة ثبتا فيما ينقله وكانا مناوئا
لثعلب وله كتاب الكامل في الادب وإنما سمي بالمبرد لانه اختبأ من
الوالي عند أبي حاتم تحت المزبلة.
قال المبرد: دخلنا يوما عل المجانين نزورهم أنا وأصحاب معي بالرقة فإذا
فيهم شاب قريب العهد بالمكان عليه ثياب ناعمة فلما بصر بنا قال حياكم
الله ممن أنتم ؟ قلنا من أهل العراق.
فقال: بأبي العراق وأهلها أنشدوني أو أنشدكم ؟ قال المبرد: بل أنشدنا
أنت فأنشأ يقول: الله يعلم أنني كمد * لا أستطيع بث ما أجد روحان لي
روح تضمنها * بلد وأخرى حازها بلد وأرى المقيمة ليس ينفعها * صبر ولا
يقوى لها جلد وأظن غائبتي كحاضرتي * بمكانها تجد الذي أجد قال المبرد
فقلت: والله إن هذا طريف فزدنا منه فأنشأ يقول: لما أناخوا قبيل الصبح
عيرهم * وحموها فثارت بالهواى الابل وأبرزت من خلال السجف ناظرها *
ترنوا إلى ودمع العين ينهمل وودعت ببنان عقدها عنم * ناديت لا حملت
رجلاك يأجمل ويلي من البين ماذا حل بي وبهم * من نازل البين حان البين
وارتحلوا يا راحل العيس عجل كي أودعهم * يا راحل العيس في ترحالك الاجل
(11/91)
إني على العهد
لم أنقض مودتهم * فليت شعري لطول العهد ما فعلوا فقال رجل من البغضاء
الذين معي: ماتوا.
فقال الشاب: إذا أموت، فقال إن شئت.
فتمطى واستند إلى سارية عنده ومات وما برحنا حتى دفناه رحمه الله.
ومات المبرد وقد جاوز السبعين.
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائتين فيها وقع
تسلم آمد من ابن الشيخ في ربيع الآخر ووصل كتاب هارون بن أحمد بن طولون
من مصر إلى المعتضد وهو مخيم بآمد أن يسلم إليه قنسرين والعواصم
على أن يقره على إمارة الديار المصرية، فأجابه إلى ذلك، ثم ترحل عن آمد
قاصدا العراق وأمر بهدم سور آمد فهدم البعض ولم يقدر على ذلك، فقال ابن
المعتز يهنئه بفتح آمد: اسلم أمير المؤمنين ودم * في غبطة وليهنك النصر
فلرب حادثة نهضت لها * متقدما فتأخر الدهر ليث فرائسه الليوث * فما بيض
من دمها له ظفر ولما رجع الخليفة إلى بغداد جاءته هدية عمرو بن الليث
من نيسابور فكان وصولها بغداد يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة،
وكان مبلغها ما قيمته أربعة آلاف ألف درهم خارجا عن الدواب وسروج وسلاح
وغير ذلك.
وفيها تحارب إسماعيل بن أحمد الساماني وعمرو بن الليث، وذلك أن عمرو بن
الليث لما قتل رافع بن هرثمة وبعث برأسه إلى الخليفة سأل منه أن يعطيه
ما وراء النهر مضافا إلى ما بيده من ولاية خراسان، فأجابه إلى ذلك
فانزعج لذلك إسماعيل بن أحمد الساماني نائب ما وراء النهر، وكتب إليه:
إنك قد وليت دنيا عريضة فاقتنع بها عن ما في يدي من هذه البلاد.
فلم يقبل فأقبل إليه إسماعيل في جيوش عظيمة جدا فالتقيا عند بلخ فهزم
أصحاب عمرو، وأسر عمرو، فلما جئ به إلى إسماعيل بن أحمد قام إليه وقبل
بين عينيه وغسل وجهه وخلع عليه وأمنه وكتب إلى الخليفة في أمره، ويذكر
أن أهل تلك البلاد قد ملوا وضجروا من ولايته عليهم، فجاء كتاب الخليفة
بأن يتسلم حواصله وأمواله فسلبه إياها، فآل به الحال بعد أن كان مطبخه
يحمل على ستمائة جمل إلى القيد والسجن.
ومن العجائب أن عمرا كان معه خمسون ألف مقاتل لم يصب أحد منهم ولا
أسر سواه وحده، وهذا جزاء من غلب عليه الطمع، وقاده الحرص حتى أوقعه في
ذل الفقر، وهذه سنة الله في كل طامع فيما ليس له، وفي كل طالب للزيادة
في الدنيا.
ظهور أبي سعيد الجنابي رأس القرامطة وهم أخبث من الزنج وأشد فسادا كان
ظهوره في جمادى الآخرة من هذه السنة بنواحي البصرة (1)، فالتف عليه من
الاعراب
__________
(1) في الطبري 11 / 364 وابن الاثير 7 / 493: بالبحرين (*).
(11/92)
وغيرهم بشر
كثير، وقويت شوكته جدا، وقتل من حوله من أهل القرى، ثم صار إلى القطيف
قريبا من البصرة، ورام دخولها فكتب الخليفة المعتضد إلى نائبها يأمره
بتحصين سورها، فعمره وجددوا معالمه بنحو من أربعة آلاف (1) دينار،
فامتنعت من القرامطة بسبب ذلك.
وتغلب أبو سعيد الجنابي ومن معه من القرامطة على هجر ما حولها من
البلاد، وأكثروا في الارض الفساد.
وكان أصل أبي سعيد الجنابي هذا أنه كان سمسارا في الطعام يبيعه ويحسب
للناس الاثمان، فقدم رجل به، يقال له يحيى بن المهدي في سنة إحدى
وثمانين ومائتين فدعا أهل القطيف إلى بيعة المهدي، فاستجاب له رجل يقال
له علي بن العلاء (2) بن حمدان الزيادي، وساعده في الدعوة إلى المهدي،
وجمع الشيعة الذين كانوا بالقطيف فاستجابوا له، وكان في جملة من استجاب
أبو سعيد الجنابي هذا قبحه الله، ثم تغلب على أمرهم وأظهر فيهم القرمطة
فاستجابوا له والتفوا عليه، فتأمر عليهم وصار هو المشار إليه فيهم.
وأصله من بلدة هناك يقال لها جنابة، وسيأتي ما يكون من أمره وأمر
أصحابه.
قال في المنتظم: ومن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السنة.
ثم روى بسنده أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري فادعت على زوجها بصداقها
خمسمائة دينار فأنكره فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تسفر
لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، فلما صمموا على ذلك قال
الزوج: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، فأقر بما ادعت ليصون زوجته عن
النظر إلى وجهها.
فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو
في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة.
وممن توفي فيها من الاعيان المشاهير
أحمد بن عيسى (3) أبو سعيد الخراز فيما ذكره شيخنا الذهبي.
وقد أرخه ابن الجوزي في سنة سبع وسبعين ومائتين فالله أعلم.
إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان أبو يعقوب النخعي الاحمر، وإليه تنسب
الطائفة الاسحاقية من الشيعة.
وقد ذكر ابن النوبختي والخطيب وابن الجوزي أن هذا الرجل كان يعتقد
إلهية علي بن أبي طالب، وأنه انتقل إلى الحسن ثم الحسين، وأنه كان يظهر
في كل وقت، وقد اتبعه على هذا الكفر خلق من الحمر قبحهم الله وقبحه.
وإنما قيل له الاحمر لانه كان أبرص، وكان يطلي برصه بما يغير لونه، وقد
أرود له النوبختي أقوالا عظيمة في الكفر.
لعنه الله.
وقد روى شيئا من الحكايات والملح عن المازني وطبقته، ومثل هذا أقل وأذل
من أن يروى عنه أو يذكر إلا بذمه.
__________
(1) الطبري وابن الاثير: أربعة عشر ألف دينار (انظر مروج الذهب 4 /
298).
(2) في ابن الاثير: المعلى.
(3) شيخ الصوفية.
قال السلمي في التاريخ: أبو سعيد إمام القوم في كل فن من علومهم بغدادي
الاصل.
وهو أول من تكلم في علم الفناء والبقاء (*).
(11/93)
بقي بن مخلد بن
يزيد أبو عبد الرحمن الاندلسي الحافظ حد علماء الغرب، له التفسير
والمسند والسنن والآثار التي فضلها ابن حزم على تفسير ابن جرير ومسند
أحمد ومصنف ابن أبي شيبة، وفيها زعم ابن حزم نظر.
وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأثنى عليه خيرا، ووصفه بالحفظ
والاتقان، وأنه كان مجاب الدعوة رحمه الله.
وأرخ وفاته بهذه السنة عن خمس وسبعين سنة.
الحسن بن بشار أبو علي الخياط روى عن أبي بلال الاشعري، وعنه أبو بكر
الشافعي وكان ثقة، رأى في منامه - وقد كانت به علة - قائلا يقول له: كل
لا، وادهن بلا.
ففسره بقوله تعالى (زيتونة لا شرقية ولا غريبة) [ النور: 35 ] فأكل
زيتونا وشرب زيتا فبرأ من علته تلك.
محمد بن إبراهيم أبو جعفر الانماطي المعروف بمربع تلميذ يحيى بن معين،
كان ثقة حافظا عبد الرحيم الرقي (1).
ومحمد بن
وضاح (2) المصنف.
وعلي بن عبد العزيز البغوي صاحب المسند.
محمد بن يونس ابن موسى بن سليمان بن عبيد بن ربيعة بن كديم أبو العباس
القرشي البصري الكديمي، وهو ابن امرأة نوح بن عبادة، ولد سنة ثلاث
وثمانين ومائة، وسمع عبد الله بن داود الخريبي ومحمد بن عبد الله
الانصاري، وأبا داود الطيالسي، والاصمعي وخلقا.
وعنه ابن السماك والنجاد.
وآخر من حدث عنه أبو بكر بن مالك القطيفي، وقد كان حافظا مكثرا مغربا،
وقد تكلم فيه الناس لاجل غرائبه في الروايات.
وقد ذكرنا ترجمته في التكميل.
وتوفي يوم الجمعة قبل الصلاة للنصف من جمادى الآخرة منها، وقد جاوز
المائة، وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي.
يعقوب بن إسحاق بن نخبة أبو يوسف الواسطي، سمع من يزيد بن هارون وقدم
بغداد وحدث بها أربعة أحاديث، ووعد الناس أن يحدثهم من الغد فمات من
ليلته عن مائة واثني عشر سنة.
الوليد أبو عبادة البحتري فيما ذكر الذهبي، وقد تقدم ذكره في سنة ثلاث
وثمانين كما ذكره ابن الجوزي فالله أعلم.
ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائتين في ربيع
الاول منها تفاقم أمر القرامطة صحبة أبي سعيد الجنابي فقتلوا وسبوا
وأفسدوا في بلاد
__________
(1) وهو عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي مولى الزهريين
روى السيرة عن ابن هشام وكان ثقة (شذرات 2 / 193) (2) أبو عبد الله
الاندلسي الامام محدث قرطبة.
كان قانتا لله بصيرا بعلل الحديث، وكان فقيرا زاهدا.
رحل إلى.
المشرق مرتين (*).
(11/94)
هجر، فجهز
الخليفة إليهم جيشا كثيفا وأمر عليهم العباس بن عمرو الغنوي، وأمر على
اليمامة والبحرين ليحارب أبا سعيد هذا، فالتقوا هنالك وكان العباس في
عشرة آلاف مقاتل، فأسرهم أبو سعيد كلهم (1) ولم ينج منهم إلا الامير
وحده، وقتل الباقون عن آخرهم صبرا بين يديه قبحه الله.
وهذا عجيب جدا، وهو عكس واقعة عمرو بن الليث فإنه أسر من بين أصحابه
وحده ونجوا كلهم وكانوا خمسين ألفا.
ويقال إن العباس لما قتل أبو سعيد أصحابه صبرا بين يديه وهو ينظر، وكان
في جملة من أسر أقام عند أبي سعيد أياما ثم أطلقه وحمله على رواحل
وقال: ارجع إلى صاحبك وأخبره بما رأيت.
وقد كانت هذه الواقعة في أواخر شعبان منها (2)، فلما وقع هذا الامر
الفظيع انزعج الناس لذلك انزعاجا عظيما جدا، وهم أهل البصرة بالخروج
منها فمنعهم من ذلك نائبها أحمد الواثقي.
وفيها أغارت الروم على بلاد طرسوس وكان نائبها ابن الاخشيد قد توفي في
العام الماضي واستخلف على الثغر أبا نابت، فطمعت الروم في تلك الناحية
وحشدوا عساكرهم، فالتقى بهم أبو ثابت فلم يقدر على مقاومتهم، فقتلوا من
أصحابه جماعة وأسروه فيمن أسروا، فاجتمع أهل الثغر على ابن الاعرابي
فولوه أمرهم.
وذلك في ربيع الآخر.
وفيها قتل: محمد بن زيد العلوي أمير طبرستان والديلم.
وكان سبب ذلك أن إسماعيل الساماني لما ظفر بعمرو بن الليث ظن محمد أن
إسماعيل لا يجاوز عمله، وأن خراسان قد خلت له، فارتحل من بلده يريد
خراسان، وسبقه إسماعيل إليها، وكتب إليه أن الزم عملك ولا تتجاوزه إلى
غيره فلم يقبل، فبعث إليه جيشا مع محمد بن هارون الذي كان ينوب عن رافع
بن هرثمة، فلما التقيا هرب منه محمد بن هارون خديعة، فسار الجيش وراءه
في الطلب فكر عليهم راجعا فانهزموا منه فأخذ ما في معسكرهم وجرح محمد
بن زيد جراحات شديدة فمات بسببها بعد أيام، وأسره ولده زيد فبعث به إلى
إسماعيل بن أحمد فأكرمه وأمر له بجائزة.
وقد كان محمد بن زيد هذا فاضلا دينا حسن السيرة فيما وليه من تلك
البلاد، وكان فيه تشيع.
تقدم إليه يوما خصمان اسم أحدهما معاوية واسم الآخر علي، فقال محمد بن
زيد إن الحكم بينكما ظاهر، فقال معاوية: أيها الامير لا تغترن بنا، فإن
أبي كان من كبار الشيعة، وإنما سماني معاوية مداراة لمن ببلدنا من أهل
السنة.
وهذا كان أبوه من كبار النواصب فسماه عليا تقاة لكم، فتبسم محمد بن زيد
وأحسن إليهما.
__________
(1) في الطبري 11 / 368 ومروج الذهب 4 / 299: أسر وقتل من أصحابه نحو
سبعمائة صبرا.
وفي ابن
الاثير 7 / 499: قتل الاسراى جميعا وحرقهم.
(2) قال الطبري: كنت الوقعة في آخر رجب وورد خبرها إلى بغداد لاربع
خلون من شعبان.
وفي مروج الذهب: كانت في رجب (*).
(11/95)
قال ابن الاثير
في كامله: وممن توفي فيها إسحاق بن
(1) يعقوب بن عمر بن الخطاب العدوي - عدي ربيعة.
وكان أميرا على ديار ربيعة بالجزيرة، فولى مكانه عبد الله بن الهيثم بن
عبد الله بن المعتمر.
وعلي بن عبد العزيز البغوي صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام.
ومهدي بن أحمد بن مهدي (2) الازدي الموصلي - وكان من الاعيان - وذكر هو
وأبو الفرج بن الجوزي أن قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون امرأة
المعتضد توفيت في هذه السنة.
قال ابن الجوزي: لسبع خلون من رجب منها، ودفنت داخل القصر بالرصافة
(3).
يعقوب بن يوسف بن أيوب أبو بكر المطوعي، سمع أحمد بن حنبل وعلي بن
المديني، وعنه النجاد والخلدي، وكان ورده في كل يوم قراءة قل هو الله
أحد إحدى وثلاثين ألف مرة، أو إحدى وأربعين ألف مرة.
قلت: ومن توفي فيها أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو:
أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث
كثيرة، منها كتاب السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف، وكان حافظا،
وقد ولي قضاء أصبهان بعد صالح بن أحمد، وقد طاف البلاد قبل ذلك في طلب
الحديث، وصحب أبا تراب النخشبي وغيره من مشايخ الصوفية وقد اتفق له مرة
كرامة هائلة: كان هو واثنان من كبار الصالحين في سفر فنزلوا على رمل
أبيض، فجعل أبو بكر هذا يقبله بيده ويقول: اللهم ارزقنا خبيصا يكون
غداء على لون هذا الرمل.
فلم يكن بأسرع من أن أقبل أعرابي وبيده قصعة فيها خبيص بلون ذلك الرمل
وفي بياضه، فأكلوا منه.
وكان يقول: لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ولا مدع ولا طعان ولا لعان ولا
فاحش ولا بذئ، ولا منحرف عن الشافعي وأصحاب الحديث.
توفي في هذه السنة بأصبهان.
وقد رآه بعضهم بعد وفاته وهو يصلي فلما انصرف قال: ما
فعل بك ؟ فقال: يؤنسني ربي عز وجل.
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين اتفق في
هذه السنة آفات ومصائب عديدة منها أن الروم قصدوا بلاد الرقة في جحافل
عظيمة وعساكر من البحر والبر، فقتلوا خلقا وأسروا نحوا من خمسة عشر ألف
من الذرية.
ومنها أن بلاد أذربيجان أصاب أهلها وباء شديد حتى لم يبق أحد يقدر على
دفن الموتى، فتركوا في الطرق لا يوارون.
__________
(1) في ابن الاثير 7 / 508: ابن أيوب بن أحمد بن عمر..وفي مروج الذهب 4
/ 299: إسحاق بن أيوب العبيدي وكان على حرب ديار ربيعة.
(2) في ابن الاثير: فهد.
(3) انظر الطبري 11 / 367 (*).
(11/96)
ومنها أن بلاد
أردبيل أصابها ريح شديدة من بعد العصر إلى ثلث الليل ثم زلزلوا زلزالا
شديدا، واستمر ذلك عليهم أياما فتهدمت الدور والمساكن، وخسف بآخرين
منهم، وكان جملة من مات تحت الهدم مائة ألف وخمسين ألفا، فإنا لله وإنا
إليه راجعون (1).
وفيها اقترب القرامطة من البصرة فخاف أهلها منهم خوفا شديدا، وهموا
بالرحيل منها فمنعهم نائبها.
وفيها توفي من الاعيان: بشر بن موسى
بن صالح أبو علي الاسدي ولد سنة تسعين ومائة، وسمع من روح بن عبادة
حديثا واحدا (2)، وسمع الكثير من هودة بن خليفة والحسن بن موسى الاشيب
وأبي نعيم وعلي بن الجعد والاصمعي وغيرهم، وعنه ابن المنادي وابن مخلد
وابن صاعد والنجاد وأبو عمرو الزاهد والخلدي والسلمي وأبو بكر الشافعي
وابن الصواف وغيرهم.
وكان ثقة أمينا حافظا، وكان من البيوتات وكان الامام أحمد يكرمه.
ومن شعره: ضعفت ومن جاز الثمانين يضعف * وينكر منه كل ما كان يعرف
ويمشي رويدا كالاسير مقيدا * يداني خطاه في الحديد ويرسف ثابت بن قرة
بن هارون - ويقال ابن زهرون - بن ثابت بن كدام بن إبراهيم الصائبي
الفيلسوف
الحراني صاحب التصانيف، من جملتها أنه حرر كتاب إقليدس الذي عربه حنين
بن إسحاق العبادي.
وكان أصله صوفيا فترك ذلك واشتغل بعلم الاوائل، فنال منه رتبة سامية
عند أهله، ثم صار إلى بغداد فعظم شأنه بها، وكان يدخل مع المنجمين على
الخليفة وهو باق على دين الصابئة، وحفيده ثابت بن سنان له تاريخ أجاد
فيه وأحسن، وكان بليغا ماهرا حاذقا بالغا.
وعمه إبراهيم بن ثابت بن قرة كان طبيبا عارفا أيضا.
وقد سردهم كلهم في هذه الترجمة القاضي ابن خلكان.
الحسن بن عمرو بن الجهم أبو الحسن الشيعي - من شيعة المنصور لا من
الروافض - حدث عن علي بن المديني، وحكى عن بشر الحافي.
وعنه أبو عمرو بن السماك.
عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد، كان حظيا عنده، وقد عز عليه
موته وتألم لفقده وأهمه من يجعله في مكانه بعده، فعقد لولده القاسم بن
عبيد الله على الوزارة من بعد أبيه جبرا لمصابه به (3).
وأبو القامس عثمان بن
__________
(1) تقدم الخبر ووقوعه في دبيل (كما في الطبري وابن الاثير) سنة 280.
راجع حاشية 1 ص 79 وحوادث سنة 280.
ولعل تكرار الخبر هنا سهو من الناسخ.
(3) وهو: قال قال: نا روح نا حبيب بن الشهيد عن الحسن قال: ثمن الجنة
لا إله إلا الله (تذكرة الحفاظ 1 / 611).
(3) قال الفخري ص 256: فلما مات عبيد الله عزم المعتضد على أن يستأصل
شأفة أولاده ويستصفي أموالهم، فحضر القاسم بن عبيد الله واستعان ببدر
المعتضدي - وهو غلام المعتضد - وكتب خطا بألفي ألف دينار فاستوزره
المعتضد (*).
(11/97)
سعيد بن بشار
المعروف بالانماطي أحد كبار الشافعية.
وقد ذكرناه في طبقاتهم.
وهارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى أبو موسى الهاشمي إمام الناس
في الحج عدة سنين متوالية، وقد سمع وحدث وتوفي بمصر في رمضان من هذه
السنة.
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائتين فيها عاثت
القرامطة بسواد الكوفة فظفر بعض (1) العمال بطائفة منهم فبعث برئيسهم
إلى
المعتضد وهو أبو الفوارس، فنال من العباس بين يدي الخليفة فأمر فقلعت
أضراسه وخلعت يداه ثم قطعتا مع رجليه، ثم قتل وصلب ببغداد.
وفيها قصدت القرامطة دمشق في جحفل عظيم فقاتلهم نائبها طغج بن جف من
جهة هارون بن خمارويه، فهزموه مرات متعددة، وتفاقم الحال بهم، وكان ذلك
بسفارة يحيى بن زكرويه بن بهرويه الذي ادعى عند القرامطة أنه محمد بن
عبد الله بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، وقد كذب في ذلك، وزعم لهم أنه قد اتبعه على أمره مائة ألف، وأن
ناقته مأمورة حيث ما توجهت به نصر على أهل تلك الجهة.
فراج ذلك عندهم ولقبوه الشيخ، واتبعه طائفة من بني الاصبغ، وسموا
بالفاطميين.
وقد بعث إليهم الخليفة جيشا كثيفا فهزموه، ثم اجتازوا بالرصافة فأحرقوا
جامعها، ولم يجتازوا بقرية إلا نهبوها ولم يزل ذلك دأبهم حتى وصلوا إلى
دمشق فقاتلهم نائبها فهزموه مرات وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا، وانتهبوا
من أموالها شيئا كثيرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي هذه الحالة الشديدة اتفق موت الخليفة المعتضد بالله في ربيع الاول
منها.
الخليفة المعتضد هو أحمد بن الامير أبي أحمد بن الموفق الملقب بناصر
دين الله، واسم أبي أحمد محمد، وقيل طلحة بن جعفر المتوكل على الله بن
المعتصم بن هارون الرشيد، أبو العباس المعتضد بالله، ولد في سنة ثنتين
وقيل ثلاث وأربعين ومائتين، وأمه أم ولد.
وكان أسمر نحيف الجسم معتدل القامة، قد وخطه الشيب، في مقدم لحيته طول،
وفي رأسه شامة بيضاء.
بويع له بالخلافة صبيحة يوم الاثنين إحدى عشرة بقيت من رجب سنة تسع
وسبعين ومائيتن، واستوزر عبيد الله بن وهب بن سليمان، وولى القضاء
إسماعيل بن إسحاق، ويوسف بن يعقوب، وابن أبي الشوارب.
وكان أمر الخلافة قد ضعف في أيام عمه المعتمد، فلما ولي المعتضد أقام
شعارها ورفع منارها.
وكان شجاعا فاضلا من رجالات قريش حزما وجرأة وإقداما وحزمة.
وكذلك كان أبوه، وقد أورد ابن الجوزي بإسناده أن المعتضد اجتاز في بعض
أسفاره بقرية فيها مقثاة فوقف صاحبها صائحا مستصرخا بالخليفة فاستدعى
به فسأله
__________
(1) وهو شبل غلام أحمد بن محمد الطائي (الطبري - ابن الاثير) (*).
(11/98)
عن أمره فقال:
إن بعض الجيش أخذوا لي شيئا من القثاء وهم من غلمانك.
فقال: أتعرفهم ؟ فقال: نعم.
فعرضهم عليه فعرف منهم ثلاثة فأمر الخليفة بتقييدهم وحبسهم، فلما كان
الصباح نظر الناس ثلاثة أنفس مصلوبين على جادة الطريق، فاستعظم الناس
ذلك واستنكروه وعابوا ذلك على الخليفة وقالوا: قتل ثلاثة بسبب قثاء
أخذوه ؟ فلما كان بعد قليل أمر الخواص - وهو مسامره - أن ينكر عليه ذلك
ويتلطف في مخاطبته في ذلك والامراء حضور، فدخل عليه ليلة وقد عزم على
ذلك ففهم الخليفة ما في نفسه من كلام يريد أن يبديه، فقال له: إني أعرف
أن في نفسك كلاما فما هو ؟ فقال: يا أمير المؤمنين وأنا آمن ؟ قال:
نعم.
قلت له: فإن الناس ينكرون عليك تسرعك في سفك الدماء.
فقال: والله ما سفكت دما حراما منذ وليت الخلافة إلا بحقه.
فقلت له: فعلام قتلت أحمد بن الطيب وقد كان خادمك ولم يظهر له خيانة ؟
فقال: ويحك إنه دعاني إلى الالحاد والكفر بالله فيما بيني وبينه، فلما
دعاني إلى ذلك قلت له: يا هذا أنا ابن عم صاحب الشريعة، وأنا منتصب في
منصبه فأكفر حتى أكون من غير قبيلته.
فقتلته على الكفر والزندقة.
فقلت له: فما بال الثلاثة الذين قتلتهم على القثاء ؟ فقال: والله ما
كان هؤلاء الذين أخذوا القثاء، وإنما كانوا لصوصا قد قتلوا وأخذوا
المال فوجب قتلهم، فبعثت فجئت بهم من السجن فقتلتهم وأريت الناس أنهم
الذين أخذوا القثاء، وأردت بذلك أن أرهب الجيش لئلا يفسدوا في الارض
ويتعدوا على الناس ويكفوا عن الاذى.
ثم أمر بإخراج أولئك الذين أخذوا القثاء فأطلقهم بعد ما استتابهم وخلع
عليهم وردهم إلى أرزاقهم.
قال أبن الجوزي: خرج المعتضد يوما فعسكر بباب الشماسية ونهى أن يأخذ
أحد من بستان أحد شيئا، فأتي بأسود قد أخذ عذقا من بسر فتأمله طويلا ثم
أمر بضرب عنقه، ثم التفت إلى الامراء فقال: العامة ينكرون هذا ويقولون
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا قطع في ثمر ولا كثر " (1).
ولم يكفه أن يقطع يده حتى قتله، وإني لم أقتل هذا على سرقته، وإنما هذا
الاسود رجل من الزنج كان قد استأمن في حياة أبي، وإنه تقاول هو ورجل من
المسلمين فضرب المسلم فقطع يده فمات المسلم، فأهدر أبي دم الرجل
المقتول تأليفا للزنج، فآليت على نفسي لئن أنا قدرت عليه لاقتلنه، فما
قدرت عليه إلا هذه الساعة فقتلته بذلك
الرجل.
وقال أبو بكر الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن
نعيم الضبي، سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول: سمعت أبا
العباس بن سريج يقول: سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول: دخلت على
المعتضد وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه، فنظرت إليهم فرآني المعتضد
وأنا أتأملهم، فلما أردت القيام أشار إلي فجلست ساعة فلما خلا قال لي
أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط.
وروى البيهقي: عن الحاكم، عن حسان بن
__________
(1) أخرجه أبو داود في الحدود (13) والترمذي في الحدود باب (19) وابن
ماجه في الحدود باب (27) والدارمي في الحدود باب (7) ومالك في الموطأ
في الحدود (32) وأحمد في المسند 3 / 463، 4 / 140 - 142 (*).
(11/99)
محمد، عن ابن
سريج القاضي إسماعيل بن إسحاق قال: دخلت يوما على المعتضد فدفع إلى
كتابا فقرأته فإذا فيه الرخص من زلل العلماء قد جمعها بعض الناس -
فقلت: يا أمير المؤمنين إنما جمع هذا زنديق.
فقال: كيف ؟ فقلت: إن من أباح المتعة لم يبح الغناء، ومن أباح الغناء
لم يبح إضافته إلى آلات اللهو، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب
دينه.
فأمر بتحريق ذلك الكتاب.
وروى الخطيب بسنده عن صافي الجرمي الخادم قال: انتهى المعتضد وأنا بين
يديه إلى منزل شعث وابنه المقتدر جعفر جالس فيه وحوله نحو من عشرة من
الوصائف، والصبيان من أصحابه في سنه عنده، وبين يديه طبق من فضة فيه
عنقود عنب، وكان العنب إذ ذاك عزيزا، وهو يأكل عنبة واحدة ثم يفرق على
أصحابه من الصبيان كل واحد عنبة، فتركه المعتضد وجلس ناحية في بيت
مهموما.
فقلت له: مالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال.
ويحك والله لولا النار والعار لاقتلن هذا الغلام.
فإن في قتله صلاحا للامة.
فقلت: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ذلك.
فقال: ويحك يا صافي هذا الغلام في غاية السخاء لما أراه يفعل مع
الصبيان، فإن طباع الصبيان تأبى الكرم، وهذا في غاية الكرم، وإن الناس
من بعدي لا يولون علهيم إلا من هو من ولدي، فسيلي عليهم المكتفي ثم
لاتطول أيامه لعلته التي به - وهي داء الخنازير - ثم يموت فيلي الناس
جعفر هذا الغلام، فيذهب جميع أموال بيت المال إلى الحظايا لشغفه
بهن، وقرب عهده من تشببه بهن، فتضيع أمور المسلمين وتعطل الثغور وتكثر
الفتن والهرج والخوارج والشرور.
قال صافي: والله لقد شاهدت ما قاله سواء بسواء.
وروى ابن الجوزي عن بعض خدم المعتضد قال: كان المعتضد يوما نائما وقت
القائلة ونحن حول سريره فاستيقظ مذعورا ثم صرخ بنا فجئنا إليه فقال:
ويحكم اذهبوا إلى دجلة فأول سفينة تجدوها فارغة منحدرة فأتوني بملاحها
واحتفظوا بالسفينة.
فذهبنا سراعا فوجدنا ملاحا في سميرية فارغة منحدرا فأتينا به الخليفة
لما رأى الملاح الخليفة كاد أن يتلف، فصاح به الخليفة صيحة عظيمة فكادت
روح الملاح تخرج فقال له الخليفة: ويحك يا ملعون، أصدقني عن قصتك مع
المرأة التي قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك قال فتلعثم ثم قال: نعم يا
أمير المؤمنين كنت اليوم سحرا في مشرعتي الفلانية، فنزلت امرأة لم أر
مثلها وعليها ثياب فاخرة وحلى كثير وجوهر، فطمعت فيها واحتلت عليها
فشددت فاها وغرقتها وأخذت جميع ما كان عليها من الحلى والقماش، وخشيت
أن أرجع به إلى منزلي فيشتهر خبرها، فأردت الذهب به إلى واسط فلقيني
هؤلاء الخدم فأخذوني.
فقال: وأين حليها ؟ فقال: في صدر السفينة حتى البواري.
فأمر الخليفة عند ذلك بإحضار الحلى فجئ به فإذا هو حلى كثير يساوي
أموالا كثيرة، فأمر الخليفة بتغريق الملاح في المكان الذي غرق فيه
المرأة، وأمر أن ينادى على أهل المرأة ليحضروا حتى يتسلموا مال المرأة:
فنادى بذلك ثلاثة أيام في اسواق بغداد وأزقتها فحضروا بعد ثلاثة ايام
فدفع إليهم ما كان من الحلى وغيره مما كان للمرأة، ولم يذهب منه شئ.
فقال له خدمه: يا أمير المؤمنين من أين علمت هذا ؟ قال: رأيت في نومي
تلك الساعة شيخا أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي: يا أحمد يا
أحمد، خذ أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره عن
(11/100)
خبر المرأة
التي قلتها اليوم وسلبها، فأقم عليه الحد.
وكان ما شاهدتم.
وقال جعيف السمرقندي الحاجب: كنت مع مولاي المعتضد في بعض متصيداته وقد
انقطع عن العسكر وليس معه غيري، إذا خرج علينا أسد فقصد قصدنا فقال لي
المعتضد: يا جعيف أفيك خير اليوم ؟ قلت: لا والله.
قال: ولا أن تمسك فرسي وأنزل أنا ؟ فقلت: بلى.
قال: فنزل عن فرسه
وغرز أطراف ثيابه في منطقته واستل سيفه ورمى بقرابه إلي ثم تقدم إلى
الاسد فوثب الاسد عليه فضربه بالسيف فأطار يده فاشتغل الاسد بيده فضربه
ثانية على هامته ففلقها، فخر الاسد صريعا فدنا منه فمسح سيفه في صوفه
ثم أقبل إلي فأغمد سيفه في قرابه، ثم ركب فرسه فذهبنا إلى العسكر.
قال وصحبته إلى أن مات فما سمعته ذكر ذلك لاحد، فما أدري من أي شئ أعجب
؟ من شجاعته أم من عدم احتفاله بذلك حيث لم يذكره لاحد ؟ أم من عدم
عتبه علي حيث ضننت بنفسي عنه، والله ما عاتبني في ذلك قط.
وروى ابن عساكر عن أبي الحسين النوري أنه اجتاز بزورق فيه خمر مع ملاح،
فقال: ما هذا ؟ ولمن هذا ؟ فقال له: هذا خمر للمعتضد.
فصعد أبو الحسين إليها فجعل يضرب الدنان بعمود في يده حتى كسرها كلها
إلا دنا واحدا تركه، واستغاث الملاح فجاءت الشرطة فأخذوا أبا الحسين
فأوقفوه بين يدي المعتضد فقال له: ما أنت ؟ فقال أنا المحتسب.
فقال: ومن ولاك الحسبة ؟ فقال: الذي ولاك الخلافة يا أمير المؤمنين.
فأطرق رأسه ثم رفعها فقال: ما الذي حملك على ما فعلت ؟ فقال: شفقة عليك
لدفع الضرر عنك.
فأطرق رأسه ثم رفعه فقال: ولاي شئ تركت منها دنا واحدا لم تكسره ؟
فقال: لاني إنما أقدمت عليها فكسرتها إجلالا لله تعالى، فلم أبال أحد
حتى انتهيت إلى هذا الدن دخل نفسي إعجاب من قبيل أني قد أقدمت على مثلك
فتركته، فقال له المعتضد: اذهب فقد أطلقت يدك فغير ما أحببت أن تغيره
من المنكر.
فقال له النوري: الآن انتقض عزمي عن التغيير، فقال: ولم ؟ فقال: لاني
كنت أغير عن الله، وأنا الآن اغير عن شرطي.
فقال: سل حاجتك.
فقال: أحب أن تخرجني من بين يديك سالما: فأمر به فأخرج فصار إلى
البصرة، فأقام بها مختفيا خشية أن يشق عليه أحد في حاجة عند المعتضد.
فلما توفي المعتضد رجع إلى بغداد.
وذكر القاضي أبو الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمي عن الشيخ من التجار
قال: كان لي على بعض الامراء مال كثير فماطلني ومنعني حقي، وجعل كلما
جئت أطالبه حجبني عنه ويأمر غلمانه يؤذونني، فاشتكيت عليه إلى الوزير
فلم يفد ذلك شيئا، وإلى أولياء الامر من الدولة فلم يقطعوا منه شيئا،
وما زاده ذلك إلا منعا وجحودا، فأيست من المال الذي عليه ودخلني هم من
جهته، فبينما أنا
كذلك وأنا حائر إلى من أشتكي، إذ قال لي رجل: ألا تأتي فلانا الخياط -
إمام مسجد هناك - فقلت وما عسى أن يصنع خياط مع هذا الظالم.
وأعيان الدولة لم يقطعوا فيه ؟ فقال لي: هو أقطع وأخوف عنده من جميع من
اشتكيت إليه، فاذهب إليه لعلك أن تجد عنده فرجا.
قال فقصدته غير محتفل في أمره،
(11/101)
فذكرت له حاجتي
ومالي وما لقيت من هذا الظالم، فقام معي فحين عاينه الامير قام إليه
وأكرمه واحترمه وبادر إلى قضاء حقي الذي عليه فأعطانيه كاملا من غير أن
يكون منه إلى الامير كبير أمر، غير أنه قال له: ادفع إلى هذا الرجل حقه
وإلا أذنت.
فتغير لون الامير ودفع إلي حقي.
قال التاجر: فعجبت من ذلك الخياط مع رثاثة حاله وضعف بنيته كيف انطاع
ذلك الامير له، ثم إني عرضت عليه شيئا من المال فلم يقبل مني شيئا،
وقال: لو أردت هذا لكان لي من الاموال مالا يحصى.
فسألته عن خبره وذكرت له تعجبي منه وألححت عليه فقال: إن سبب ذلك أنه
كان عندنا في جوارنا أمير تركي من أعالي الدولة، وهو شاب حسن، فمر به
ذات يوم امرأة حسناء قد خرجت من الحمام وعليها ثياب مرتفعة ذات قيمة،
فقام إليها وهو سكران فتعلق بها يريدها على نفسها ليدخلها منزله، وهي
تأبى عليه وتصيح بأعلى صوتها: يا مسلمين أنا امرأة ذات زوج، وهذا رجل
يريدني على نفسي ويدخلني منزله، وقد حلف زوجي بالطلاق أن لا أبيت في
غير منزله، ومتى بت هاهنا طلقت منه ولحقني بسبب ذلك عار لا تدحضه
الايام ولا تغسله المدامع.
قال الخياط: فقمت إليه فأنكرت عليه وأردت خلاص المرأة من يديه فضربني
بدبوس في يده فشج رأسي، وغلب المرأة على نفسها وأدخلها منزله قهرا،
فرجعت أنا فغسلت الدم عني وعصبت رأسي وصليت بالناس العشاء ثم قلت
للجماعة: إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا معي إليه لننكر عليه ونخلص
المرأة منه، فقام الناس معي فهجمنا عليه داره فثار إلينا في جماعة من
غلمانه بأيديهم العصي والدبابيس يضربون الناس، وقصدني هو من بينهم
فضربني ضربا شديدا مبرحا حتى أدماني، وأخرجنا من منزله ونحن في غاية
الاهانة، فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي إلى الطريق من شدة الوجع وكثرة
الدماء، فنمت على فراشي فلم يأخذني نوم، وتحيرت ماذا أصنع حتى أنقذ
المرأة من يده في الليل لترجع فتبيت في منزلها
حتى لا يقع على زوجها الطلاق، فألهمت أن أؤذن الصبح في أثناء الليل لكي
يظن أن الصبح قد طلع فيخرجها منزله فتذهب إلى منزل زوجها، فصعدت
المنارة وجعلت أنظر إلى باب داره وأنا أتكلم على عادتي قبل الاذان هل
أرى المرأة قد خرجت ثم أذنت فلم تخرج، ثم صممت على أنه إن لم تخرج أقمت
الصلاة حتى يتحقق الصباح، فبينا أنا أنظر هل تخرج المرأة أم لا، إذ
امتلات الطريق فرسانا ورجالة وهم يقولون: أين الذي أذن هذه الساعة ؟
فقلت: ها أنا ذا، وأنا أريد أن يعينوني عليه، فقالوا: انزل، فنزلت
فقالوا: أجب أمير المؤمنين، فأخذوني وذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئا،
حتى أدخلوني عليه، فلما رأيته جالسا في مقام الخلافة ارتعدت من الخوف
وفزعت فرزعا شديدا، فقال: أدن، فدنوت فقال لي: ليسكن ورعك وليهدأ قلبك.
وما زال يلاطفني حتى أطمأننت وذهب خوفي، فقال: أنت الذي أذنت هذه
الساعة ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال: ما حملك على أن أذنت هذه الساعة، وقد بقي من الليل أكثر مما مضى
منه ؟ فتغر بذلك الصائم والمسافر والمصلي وغيرهم.
فقلت: يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقص عليه خبري ؟ فقال.
أنت آمن.
فذكرت له القصة.
قال: فغضب غضبا شديدا، وأمر بإحضار ذلك الامير والمرأة من شاعته على أي
حالة كانا فأحضر سريعا فبعث
(11/102)
بالمرأة إلى
زوجها مع نسوة من جهته ثقات ومعهن ثقة من جهته أيضا، وأمره أن يأمر
زوجها بالعفو والصفح عنها والاحسان إليها، فإنها مكرهة ومعذورة.
ثم أقبل على ذلك الشاب الامير فقال له: كم لك من الرزق ؟ وكم عندك من
المال ؟ وكم عندك من الجوار والزوجات ؟ فذكر له شيئا كثيرا.
فقال له: ويحك أما كفاك ما أنعم الله به عليك حتى انتهكت حرمة الله
وتعديت حدوده وتجرأت على السلطان، وما كفاك ذلك أيضا حتى عمدت إلى رجل
أمرك بالمعروف ونهاك عن المنكر فضربته وأهنته وأدميته ؟ فلم يكن له
جواب.
فأمر به فجعل في رجله قيد وفي عنقه غل ثم أمر به فأدخل في جوالق ثم أمر
به فضرب بالدبابيس ضربا شديدا حتى خفت، ثم أمر به فالقى في دجلة فكان
ذلك آخر العهد به.
ثم أمر بدرا صاحب الشرطة أن يحتاط على ما في داره من الحواصل والاموال
التي كانت يتناولها من بيت المال، ثم قال لذلك الرجل الصالح الخياط:
كلما رأيت منكرا صغيرا كان أو كبيرا ولو على
هذا - وأشار إلى صاحب الشرطة - فأعلمني، فإن اتفق اجتماعك بي وإلا فعلى
ما بيني وبينك الاذان، فأذن في أي وقت كان أو في مثل وقتك هذا.
قال: فلهذا لا آمر أحدا من هؤلاء الدولة بشئ إلا امتثلوه، ولا أنهاهم
عن شئ إلا تركوه خوفا من المعتضد.
وما احتجت أن أؤذن في مثل تلك الساعة إلى الآن.
وذكر الوزير عبيد الله بن سليمان بن وهب قال: كنت يوما عند المعتضد
وخادم واقف على رأسه يذب عنه بمذبة في يده إذ حركها فجاءت في قلنسوة
الخليفة فسقطت عن رأسه، فأعظمت أنا ذلك جدا وخفت من هول ما وقع، ولم
يكترث الخليفة لذلك، بل أخذ قلنسوته فوضعها على رأسه ثم قال لبعض
الخدم: مر هذا البائس ليذهب لراحته فإنه قد نعس، وزيدوا في عدة من يذب
بالنوبة.
قال الوزير: فأخذنا في الثناء على الخليفة والشكر له على حلمه، فقال:
إن هذا البائس لم يتعمد ما وقع منه وإنما نعس، وليس العتاب والمعاتبة
إلا على المعتمد لا على المخطئ والساهي.
وقال جعيف السمرقندي الحاجب: لما جاء الخبر إلى المعتضد بموت وزيره
عبيد الله بن سليمان خر ساجدا طويلا، فقيل له: يا أمير المؤمنين، لقد
كان عبيد الله يخدمك وينصح لك.
فقال: إنما سجدت شكرا لله أنى لم أعزله ولم أوذه.
وقد كان ابن سليمان حازم الرأي قويا، وأراد أن يولي مكانه أحمد بن محمد
بن الفرات فعدل به بدر صاحب الشرطة عنه وأشار عليه بالقاسم بن عبيد
الله فسفه رأيه فألح عليه فولاه وبعث إليه يعزيه في أبيه ويهنيه
بالوزارة (1)، فما لبث القاسم بن عبيد الله حتى ولي المكتفي الخلافة من
بعد أبيه المعتضد وحتى قتل بدرا.
وكان المعتضد ينظر إلى ما بينهما من العداوة من وراء ستر رقيق وهذه
فراسة عظيمة وتوسم قوي.
ورفع يوما إلى المعتضد قوما يجتمعون على المعصية فاستشاره وزيره في
أمرهم فقال: ينبغي أن يصلب بعضهم ويحرق بعضهم.
فقال: ويحك لقد بردت لهب غضبي عليهم بقسوتك، أما علمت أن الرعية وديعة
الله عند سلطانها، وأنه سائله عنها ؟ ولم يقابلهم بما قال الوزير.
__________
(1) تقدمت الملاحظة، راجع وفيات سنة 288 ه.
والفخري ص 256 (*).
(11/103)
ولهذه النية
لما ولي الخلافة كان بيت المال صفرا من المال وكانت الاحوال فاسدة،
والعرب تعيث في
الارض فسادا في كل جهة، فلم يزل برأيه وتسديده حتى كثرت الاموال وصلحت
الاحوال في سائر لاقاليم والآفاق.
ومن شعره في جارية له توفيت فوجد عليها: يا حبيبا لم يكن يع * دله عندي
حبيب أنت عن عيني بعيد * ومن القلب قريب ليس لي بعدك في شي * ء من
اللهو نصيب لك من قلبي على قلبي * وإن غبت رقيب وحياتي منك مذ غب * ت
حياة لا تطيب لو تراني كيف لي بع * دك عول ونحيب وفؤادي حشوه من * حرق
الحزن لهيب ما أرى نفسي وإن طي * يبتها عنك تطيب ليس دمع لي يعصي * ني
وصبري ما يجيب وقال فيها: لم أبك للدار ولكن لمن * قد كان فيها مرة
ساكنا فخانني الدهر بفقدانه * وكنت من قبل له آمنا ودعت صبري عنه
توديعه * وبان قلبي معه ظاعنا وكتب إليه ابن المعتز يعزيه ويسليه عن
مصيبته فيها: يا إمام الهدى حياتك طالت * وعشت أنت سليما أنت علمتنا
على النعم الشك * ر وعند المصائب التسليما فتسلى عن ما مضى وكأن التي *
كانت سرورا صارت ثوابا عظيما قد رضينا بأن نموت وتحيى * إن عندي في ذاك
حظا جسيما من يمت طائعا لمولاه فقد * أعطي فوزا ومات موتا كريما (2)
وقد رثى أبو العباس عبد الله بن المعتز العباسي بن عمر المعتضد بمرثاة
حسنة يقول فيها:
يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا * وأنت والد سوء تأكل الولدا أستغفر الله
بل ذا كله قدر * رضيت بالله ربا واحدا صمدا يا ساكن القبر في غبراء
مظلمة * بالظاهرية مقصى الدار منفردا أين الجيوش التي قد كنت تشحنها *
وأين الكنوز التي لم تحصها عددا أين السرير الذي قد كنت تملؤه * مهابة
من رأته عينه ارتعدا
(11/104)
أين القصور
التي شيدتها فعلت * ولاح فيها سنا الابريز فانعقدا قد أتعبوا كل مرقال
مذكرة * وجناء تنثر من أشداقها الزبدا اين الاعادي الالى ذللت صعبهم *
أين الليوث التي صيرتها نقدا أين الوفود على الابواب عاكفة * ورد القطا
صفر ما جال واطردا أين الرجال قياما في مراتبهم * من راح منهم ولم يطمر
فقد سعدا أين الجياد التي حجلتها بدم * وكن يحملن منك الضيغم الاسدا
أين الرماح التي غذيتها مهجا * مذ مت ما وردت قلبا ولا كبدا أين السيوف
وأين النبل مرسلة * يصبن من شئت من قرب وإن بعدا أين المجانيق أمثال
السيول إذا * رمين حائط حسن قام قعدا أين الفعال التي قد كنت تبدعها *
ولا ترى أن عفوا نافعا أبدا اين الجنان التي تجري جداولها * ويستجيب
إليها الطائر الغردا أين الوصائف كالغزلان رائحة * يسحبن من حلل موشية
جددا أين الملاهي وأين الراح تحسبها * ياقوتة كسيت من فضة زردا أين
الوثوب إلى الاعداء مبتغيا * صلاح ملك بني العباس إذا فسدا مازلت تقسر
منهم كل قسورة * وتحطم العاتي الجبار معتمدا ثم انقضيت فلا عين ولا أثر
* حتى كأنك يوم لم تكن أحدا
لا شئ يبقى سوى خير تقدمه * ما دام ملك الانسان ولا خلدا ذكرها ابن
عساكر في تاريخه.
واجتمع ليلة عند المعتضد ندماؤه فلما انقضى السمر وصار إلى حظاياه ونام
القوم السمار نبههم من نومهم خادم وقال: يقول لكم أمير المؤمنين إنه
أصابه أرق بعدكم، وقد عمل بيتا أعياه ثانيه فمن عمل ثانيه فله جائزة
وهو هذا البيت: ولما انتبهنا للخيال الذي سرى * إذا الدار قفر والمزار
بعيد قال فجلس القوم من فرشهم يفكرون في ثانيه فبدر واحد منهم فقال:
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي * لعل خيالا طارقا سيعود قال فلما رجع
الخادم به إلى المعتضد وقع منه موقعا جيدا وأمر له بجائزة سنية،
واستعظم المعتضد يوما من بعض الشعراء قول الحسن (1) بن منير المازني
البصري: لهفي (2) على من أطار النوم فامتنعا * وزاد قلبي على أوجاعه
وجعا
__________
(1) في مروج الذهب 4 / 313: الحكم بن قنبرة المازني البصري، شاعر بصري
من أبناء القرن 12 ه.
(2) في مروج الذهب: ويلي..انظر الابيات في المروج باختلاف وبزيادة بيت
رابع (*).
(11/105)
كأنما الشمس من
أعطافه طلعت * حسنا أو البدر من أردانه لمعا في وجهه شافع يمحوا إساءته
* من القلوب وجيها أين ما شفعا ولما كان في ربيع الاول من هذه السنة
اشتد وجع المعتضد فاجتمع رؤوس الامراء مثل يونس الخادم وغيره إلى
الوزير القاسم بن عبيد الله فأشاروا بأن يجتمع الناس لتجديد البيعة
للمكتفي بالله علي بن المعتضد بالله، ففعل ذلك وتأكدت البيعة وكان في
ذلك خير كثير.
وحين حضرت المعتضد الوفاة أنشد لنفسه: تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى *
وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرنقا ولا تأمنن الدهر إني ائتمنته (1) * فلم
يبق لي حالا ولم يرع لي حقا
قتلت صناديد الرجال فلم أدع * عدوا ولم أو مهل على خلق (2) خلقا وأخليت
دار الملك من كل نازع * فشردتهم غربا ومزقتهم شرقا فلما بغلت النجم عزا
ورفعة * وصارت رقاب الخلق لي أجمع رقا رماني الردى سهما فأخمد جمرتي *
فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد * لدى ملك
إلا حباني حبها رفقا (3) وأفسدت دنياي وديني سفاهة * فمن ذا الذي مثلي
بمصرعه أشقا فيا ليت شعري بعد موتي هل أصر * إلى رحمة الله أم في ناره
ألقى (4) وكانت وفاته ليلة الاثنين لثمان بقين من ربيع الاول (5) من
هذه السنة.
ولم يبلغ الخمسين.
وكانت خلافته تسع (6) سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوما (7).
وخلف من الاولاد الذكور: عليا المكتفي، وجعفر المقتدر، وهارون.
ومن البنات إحدى عشر بنتا.
ويقال سبع عشرة بنتا.
وترك في بيت المال سبعة عشر ألف الف دينار (8).
وكان يمسك عن صرف الاموال في غير وجهها، فلهذا كان بعض الناس يبخله،
ومن الناس من يجعله من الخلفاء الراشدين المذكورين في الحديث، حديث
جابر بن سمرة فالله أعلم.
__________
(1) في أبن الاثير 7 / 514: ولا تأمن الدهر إنني قد أمنته..(2) في ابن
الاثير: طغية.
(3) في ابن الاثير: لذي لملك ولاحياء في حسنها رفقا.
(4) في ابن الاثير: بعد موتي ما ألقى * إلى نعم الرحمن أم ناره ألقى
(5) في الطبري 11 / 373 وابن الاثير 7 / 513 ومروج الذهب 4 / 308: ربيع
الآخر.
(6) في ابن الاثير: سبع سنين.
(7) في مروج الذهب: ويومين.
(8) في مروج الذهب 4 / 261: خلف المعتضد في بيوت المال تسعة آلاف ألف
دينار، ومن الورق أربعين ألف درهم، ومن الدواب والبغال والجمازات
والحمير اثنى عشر ألف رأس...(*)
(11/106)
خلافة المكتفي بالله أبي محمد علي بن المعتضد بالله أمير المؤمنين،
بويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الاول (1) من هذه السنة، وليس
في الخلفاء من اسمه علي سوى هذا وعلي بن أبي طالب.
وليس فيهم من يكنى بأبي محمد إلا هو والحسن بن علي بن أبي طالب
والهادي، والمستضئ بالله.
وحين ولي المكتفي كثرت الفتن وانتشرت في البلاد.
وفي رجب منها زلزلت الارض زلزلة عظيمة جدا، وفي رمضان منها تساقط وقت
السحر من السماء نجوم كثيرة ولم يزل الامر كذلك حتى طلعت الشمس.
ولما أفضت الخلافة إليه كان بالرقة، فكتب إليه الوزير وأعيان الامراء
فركب فدخل بغداد في يوم مشهود، وذلك يوم الاثنين (2) لثمان خلون من
جمادى منها.
وفي هذا اليوم أمر (3) بقتل عمرو بن الليث الصفار - وكان معتقلا في سجن
أبيه - وأمر بتخريب المطامير التي كان اتخذها أبوه للمسجونين وأمر
ببناء جامع مكانها وخلع في هذا اليوم على الوزير القاسم بن عبيد الله
بن سليمان ست خلع وقلده سيفا، وكان عمره يوم ولي الخلافة خمسا وعشرين
سنة وبعض أشهر.
وفيها انتشرت القرامطة في الآفاق وقطعوا الطريق على الحجيج، وتسمى
بعضهم بأمير المؤمنين.
فبعث المكتفي إليهم جيشا كثيرا وأنفق فيهم أموالا جزيلة، فأطفأ الله
بعض شرهم.
وفيها خرج محمد بن هارون عن طاعة إسماعيل بن أحمد الساماني، وكاتب أهل
الري بعد قتله محمد بن زيد الطالبي، فصار إليهم فسلموا البلد إليه
فاستحوذ عليها، فقصده إسماعيل بن أحمد الساماني بالجيوش فقهره وأخرجه
منها مذموما مدحورا.
قال ابن الجوزي في المنتظم: وفي يوم التاسع من ذي الحجة منها صلى الناس
العصر في زمن الصيف وعليهم ثياب الصيف، فهبت ريح باردة جدا حتى احتاج
الناس إلى الاصطلاء النار، ولبسوا الفرا والمحشوات وجمد الماء كفصل
الشتاء.
قال ابن الاثير: ووقع بمدينة حمص مثل ذلك، وهب ريح عاصف بالبصرة
فاقتلعت شيئا كثيرا من نخيلها، وخسف بموضع فيها فمات تحته سبعة (4)
آلاف نسمة.
قال ابن الجوزي، وابن الاثير: وزلزت بغداد في رجب منها مرات متعددة ثم
سكنت.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك.
وفيها توفي من الاعيان إبراهيم بن
محمد بن إبراهيم أحد الصوفية الكبار.
قال ابن الاثير: وهو من أقران السري السقطي.
قال: لان ترد إلى الله ذرة من همك خير لك مما طلعت عليه الشمس.
أحمد بن محمد المعتضد بالله غلب عليه سوء المزاج والجفاف من كثرة
الجماع، وكان الاطباء يصفون له ما يرطب بدنه به فيستعمل ضد ذلك حتى
سقطت قوته.
__________
(1) راجع الحاشية 5 من الصفحة السابقة.
(2) في مروج الذهب 4 / 309: لسبع ليال بقين من جمادى الاولى.
(3) قال الطبري 11 / 373: أنه أراد ان يخلي سبيله ويحسن إليه، فكره ذلك
القاسم بن عبيد الله فدس إليه من قتله.
(ابن الاثير 7 / 516).
(4) في ابن الاثير 7 / 522: ستة آلاف (*).
(11/107)
بدر غلام
المعتضد رأس الجيش كان القاسم الوزير قد عزم على أن يصرف الخلافة عن
أولاد المعتضد وفاوض بذلك بدرا هذا فامتنع عليه وأبى، فلما ولي المكتفي
بن المعتضد خاف الوزير غائلة ذلك فحسن الوزير للمكتفي قتل بدر هذا،
فبعث المكتفي فاحتاط على حواصله وأمواله وهو بواسط، وبعث الوزير إليه
بالامان، فلما قدم بدر بعث إليه من قتله يوم الجمعة لست خلون من رمضان
من هذه السنة، ثم قطع رأسه وبقيت جثته أخذها أهله فبعثوا بها إلى مكة
في تابوت فدفن بها، لانه أوصى بذلك وكان قد أعتق كل مملوك له قبل
وفاته.
وحين أرادوا قتله صلى ركعتين رحمه الله.
الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن الفهم بن محرز بن إبراهيم الحافظ
البغدادي، سمع خلف بن هشام ويحيى بن معين ومحمد بن سعد وغيرهم، وعنه
الحنطبي والطوماري، وكان عسرا في التحديث إلا لمن لازمه، وكانت له
معرفة جيدة بالاخبار والنسب والشعر وأسماء الرجال، يميل إلى مذهب
العراقيين في الفقه، قال عنه الدار قطني: ليس بالقوي.
عمارة بن وثيمة بن موسى أبو رفاعة الفارسي صاحب التاريخ على السنن، ولد
بمصر وحدث عن أبي صالح كاتب الليث وغيره.
عمرو (1) بن الليث الصفار أحد الامراء الكبار، قتل في السجن أول ما قدم
المكتفي بغداد.
ثم دخلت سنة تسعين ومائتين فيها أقبل يحيى
بن زكرويه بن مهرويه أبو قاسم القرمطي المعروف بالشيخ في جحافله فعاث
بناحية الرقة فسادا فجهز إليه الخليفة جيشا نحو عشرة آلاف فارس.
وفيها ركب الخليفة من بغداد إلى سامرا يريد الاقامة بها فثنى رأيه عن
ذلك الوزير فرجع إلى بغداد.
وفيها قتل يحيى بن زكرويه على باب دمشق زرقه رجل من المغاربة بمزراق
نار فقتله، ففرح الناس بقتله، وتمكن منه المزراق فأحرقه، وكان هذا
المغربي من جملة جيش المصريين، فقام بأمر القرامطة من بعده أخوه الحسين
وتسمى بأحمد وتكنى بأبي العباس وتلقب بأمير المؤمنين، وأطاعه القرامطة،
فحاصر دمشق فصالحه أهلها على مال، ثم سار إلى حمص فافتتحها وخطب له على
منابرها، ثم سار إلى حماه ومعرة النعمان فقهر أهل تلك النواحي واستباح
أموالهم وحريمهم، وكان يقتل الدواب والصبيان في المكاتب، ويبيح لمن معه
وطئ النساء، فربما وطئ الواحدة الجماعة الكثيرة من الرجال، فإذا ولدت
ولدا هنأ به كل واحد منهم الآخر، فكتب أهل الشام إلى الخليفة ما يلقون
من هذا اللعين، فجهز إليهم جيوشا كثيفة، وأنفق فيهم أموالا جزيلة وركب
في رمضان فنزل الرقة وبث الجيوش في كل جانب لقتال القرامطة وكان
القرمطي هذا يكتب إلى أصحابه: " من عبد الله المهدي أحمد بن عبد الله
المهدي المنصور الناصر لدين الله القائم
__________
(1) تقدم اسمه وموته، وفي الاصل هارون تحريف (*).
(11/108)
بأمر الله
الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذاب عن حريم الله، المختار
من ولد رسول الله " (1) وكان يدعي أنه من سلالة علي بن أبي طالب من
فاطمة، وهو كاذب أفاك أثيم قبحه الله، فإنه كان من أشد الناس عداوة
لقريش، ثم لبني هاشم، دخل سلمية فلم يدع بها أحدا من بني هاشم حتى
قتلهم وقتل أولادهم واستباح حريمهم.
وفيها تولى ثغر طرسوس أبو عامر أحمد بن نصر عوضا عن مظفر بن جناح لشكوى
أهل الثغر منه.
وحج الناس الفضل بن محمد العباسي (2).
وفيها من الاعيان:
عبد الله بن إلامام أحمد بن حنبل أبو عبد الرحمن الشيباني.
كان إماما ثقة حافظا ثبتا مكثرا عن أبيه وغيره.
قال ابن المنادي: لم يكن أحد أروى عن أبيه منه.
روى عنه المسند ثلاثين ألفا، والتفسير مائة ألف حديث وعشرون ألفا، من
ذلك سماع ومن ذلك إجازة، ومن ذلك الناسخ والمنسوخ، والمقدم والمؤخر، في
كتاب الله والتاريخ، وحديث سبعة وكرامات القراء، والمناسك الكبير،
والصغير.
وغير ذلك من التصانيف، وحديث الشيوخ.
قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث
والاسماء والكنى والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون
من أسلافهم الاقرار له بذلك، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه له بالمعرفة
وزيادة السماع للحديث عن أبيه.
ولما مرض قيل له أين تدفن ؟ فقال: صح عندي أن بالقطعية نبيا مدفونا،
ولان أكون بجوار نبي أحب إلي من أن أكون في جوار أبي.
مات في جمادى الآخرة منها عن سبع وسبعين سنة، كما مات لها أبوه، واجتمع
في جنازته خلق كثير من الناس، وصلى عليه زهير ابن أخيه، ودفن في مقابر
باب التين رحمه الله تعالى.
عبد الله بن أحمد بن سعيد أبو بحر الرباطي المروزي، صحب أبا تراب
النخشبي، وكان الجنيد يمدحه ويثني عليه.
عمر بن إبراهيم أبو بكر الحافظ المعروف بأبي الاذان، كان ثقة ثبتا.
محمد بن الحسين بن الفرج أبو ميسرة الهمداني، صاحب المسند، كان أحد
الثقات المشهورين والمصنفين.
محمد بن عبد الله أبو بكر الدقاق أحد أئمة الصوفية وعبادهم، روى عن
الجنيد أنه قال: رأيت إبليس في المنام وكأنه عريان فقلت: ألا تستحي من
الناس ؟ فقال: - وهو لا يظنهم ناسا - لو كانوا ناسا ما كنت ألعب بهم
كما يلعب الصبيان بالكرة، إنما الناس جماعة غير هؤلاء.
فقلت: أين هم ؟ فقال: في مسجد الشونيزي قد
__________
(1) تمام نسخة الكتاب في الطبري 11 / 384.
(2) في الطبري وابن الاثير ومروج الذهب: الفضل بن عبد الملك بن عبد
الله بن العباس بن محمد بن علي (*).
(11/109)
أضنوا قلبي
وأتبعوا جسدي، كلما هممت بهم أشاروا إلى الله عز وجل فأكاد أحترق.
قال: فلما انتبهت
لبست ثيابي ورحت إلى المسجد الذي ذكر فإذا فيه ثلاثة جلوس ورؤوسهم في
مرقعاتهم فرفع أحدهم رأسه إلى وقال: يا أبا القاسم لا تغتر بحديث
الخبيث، وأنت كلما قيل لك شئ تقبل ؟ فإذا هم أبو بكر الدقاق وأبو
الحسين النوري.
وأبو حمزة محمد بن علي بن علوية بن عبد الله الجرجاني الفقيه الشافعي
تلميذ المزني.
ذكره ابن الاثير.
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائتين
فيها جرت وقعة عظيمة بين القرامطة وجند الخليفة فهزموا القرامطة وأسروا
رئيسهم الحسن بن زكروية، ذا الشامة، فلما أسر حمل إلى الخليفة في جماعة
كثيرة من أصحابه من رؤوسهم وأدخل بغداد على فيل مشهور، وأمر الخليفة
بعمل دفة مرتفعة فأجلس عليها وجئ بأصحابه فجعل يضرب أعناقهم بين يديه
وهو ينظر، وقد جعل في فمه خشبة معترضة مشدودة إلى قفاه، ثم أنزل فضرب
مائتي سوط ثم قطعت يداه ورجلاه، وكوي، ثم أحرق وحمل رأسه على خشبة وطيف
به في أرجاء بغداد، وذلك في ربيع الاول منها.
وفيها قصدت الاتراك بلاد ما وراء النهر في جحافل عظيمة، فبيتهم
المسلمون فقتلوا منهم خلقا كثيروا وسبوا منهم ما لا يحصون (ورد الله
الذين كفروا بغيظهم لما ينالوا خيرا) [ الاحزاب: 25 ].
وفيها بعث ملك الروم عشرة صلبان مع كل صليب عشرة آلاف، فغاروا على
أطراف البلاد وقتلوا خلقا وسبوا نساء وذرية.
وفيها دخل نائب طرسوس بلاد الروم ففتح مدينة أنطاكية - وهي مدينة عظيمة
على ساحل البحر تعادل عندهم القسطنطينية - وخلص من أسارى المسلمين خمسة
(1) آلاف أسير، وأخذ للروم ستين مركبا وغنم شيئا كثيرا، فبلغ نصيب كل
واحد من الغزاة ألف دينار.
وحج بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي.
وفيها توفي من الاعيان: أحمد بن
يحيى بن زيد بن سيار أبو العباس الشيباني مولاهم، الملقب بثعلب إمام
الكوفيين في النحو واللغة، مولده في سنة مائتين، سمع محمد بن زياد
الاعرابي والزبير بن بكار والقواريري وغيرهم، وعنه ابن الانباري وابن
عرفة وأبو عمرو الزاهد، وكان ثقة حجة دينا صالحا مشهورا بالصدق والحفظ،
وذكر أنه سمع من
القواريري مائة الف حديث.
توفي يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من جمادى الاولى منها، عن إحدى وتسعين
سنة.
قال ابن خلكان: وكان سبب موته أنه خرج من الجامع وفي يده كتاب ينظر فيه
وكان قد
__________
(1) في الطبري 11 / 391: أربعة آلاف (*).
(11/110)
أصابه صمم شديد
فصدمته فرس فألقته في هوة فاضطرب دماغه فمات في اليوم الثاني رحمه
الله.
وهو مصنف كتاب الفصيح، وهو صغير الحجم كثير الفائدة، وله كتاب المصون،
واختلاف النحويين ومعاني القرآن وكتاب القراءات ومعاني الشعر وما يلحن
فيه العامة وغير ذلك.
وقد نسب إليه من الشعر قوله: إذا كنت قوت السنف ثم هجرتها * فكم تلبث
النفس التي أنت قوتها سيبقى بقاء النبت في الماء أو كما * أقام لدى
ديمومة الماء صوتها (1) أغرك أني قد تصبرت جاهدا * وفي النفس مني منك
ما سيميتها فلو كان ما بي بالصخور لهدها * وبالريح ما هبت وطال حفوفها
(2) فصبرا لعل الله يجمع بيننا * فأشكو هموما منك فيك لقيتها
وفيها توفي القاسم بن عبيد الله بن
سليمان بن وهب الوزير، تولى بعد أبيه الوزارة في آخر أيام المعتضد، ثم
تولى لولده المكتفي، فلما كان رمضان من هذه السنة مرض فبعث إلى السجون
فأطلق من فيها من المطلبيين، ثم توفي في ذي القعدة (3) منها، وقد قارب
ثلاثا وثلاثين سنة، وقد كان حظيا عند الخليفة، وخلف من الاموال ما يعدل
سبعمائة ألف دينار.
ومحمد بن محمد بن إسماعيل بن شداد أبو عبد الله البصري القاضي بواسط،
المعروف بالجبروعي، حدث عن مسدد وعن علي بن المديني وابن نمير وغيرهم،
وكان من الثقات والقضاة الاجواد العدول الامناء.
ومحمد بن إبراهيم البوشنجي (4).
ومحمد بن علي الصايغ (5).
وقنبل (6) أحد مشاهير القراء.
وأئمة العلماء.
ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين ومائتين
فيها دخل محمد بن سليمان في نحو عشرة آلاف مقاتل من جهة الخليفة
المكتفي إلى الديار
__________
(1) في وفيات الاعيان 1 / 103: يعيش ببيداء المهامه حوتها.
(2) في الوفيات: خفوتها.
(3) في مروج الذهب 4 / 316: يوم الاربعاء لعشر خلون من ربيع الآخر.
عن نيف وثلاثين سنة.
(4) وهو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن، أبو عبد الله، ثقة
حافظ فقيه.
عاش بضعا وثمانين سنة.
(تقريب التهذيب).
قال ابن الاثير: الفقيه بنيسابور.
(5) محدث مكة، روى عن القعنبي وسعيد بن منصور مات في ذي القعدة.
(6) وهو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن المخزومي، مولاهم المكي قارئ أهل
مكة.
قرأ على أبي الحسن القواس مات وله 96 سنة (*).
(11/111)
المصرية لقتال
هارون بن خمارويه، فبرز إليه هارون فاقتتلا فقهره (1) محمد بن سليمان
وجمع آل طولون وكانوا سبعة عشر (2) رجلا فقتلهم واستحوذ على أموالهم
وأملاكهم.
وانقضت دولة الطولونية على الديار المصرية وكتب بالفتح إلى المكتفي.
وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي القائم بأمر الحجاج في السنين
المتقدمة.
وممن توفي فيها من الاعيان: إبراهيم
بن عبد الله بن مسلم الكجي أحد المشايخ المعمرين، كان يحضر مجلسه خمسون
ألفا ممن معه محبرة، سوى النظارة، ويستملي عليه سبعة مستملين كل يبلغ
صاحبه، ويكتب بعض الناس وهم قيام وكان كلما حدث بعشرة آلاف حديث تصدق
بصدقة.
ولما فرغ من قراءة السنن عليه عمل مأدبة غرم عليها ألف دينار، وقال:
شهدت اليوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلت شهادتي وحدي، أفلا
أعمل شكرا لله عز وجل ؟.
وروى ابن الجوزي والخطيب عن أبي مسلم الكجي قال: خرجت ذات ليلة من
المنزل فمررت بحمام وعلي جنابة فدخلته فقلت للحمامي: أدخل حمامك أحد
بعد ؟ فقال: لا، فدخلت فلما فتحت باب الحمام الداخل إذا قائل يقول: أبا
مسلم أسلم تسلم.
ثم أنشأ يقول:
لك الحمد إما على نعمة * وإما على نقمة تدفع تشاء فتفعل ما شئته *
وتسمع من حيث لا يسمع قال: فبادرت فخرجت فقلت للحمامي: أنت زعمت أنه لم
يدخل حمامك أحد.
فقال: نعم ! وما ذاك ؟ فقلت: إني سمعت قائلا يقول كذا وكذا.
قال: وسمعته ؟ قلت: نعم.
فقال: يا سيدي هذا رجل من الجان يتبدى لنا في بعض الاحيان فينشد
الاشعار ويتكلم بكلام حسن فيه مواعظ.
فقلت: هل حفظت من شعره شيئا ؟ فقال: نعم.
ثم أنشدني من شعره فقال هذه الابيات أيها المذنب المفرط مهلا * كم
تمادى تكسب الذنب جهلا كم وكم تسخط الجليل بفعل * سمج وهو يحسن الصنع
فعلا كيف تهدا جفون من ليس يدري * أرضي عنه من على العرش أم لا عبد
الحميد بن عبد العزيز أبو حاتم القاضي الحنفي، كان من خيار القضاة
وأعيان الفقهاء ومن أئمة العلماء، ورعا نزها كثير الصيانة والديانة
والامانة.
وقد ذكر له ابن الجوزي في المنتظم آثارا حسنة وأفعال جميلة، رحمه الله.
__________
(1) في ابن الاثير 7 / 536: اقتتل أصحاب هارون فخرج إليهم هارون
لتهدئتهم فأصابه أحد المغاربة بمزراق قتله.
أما الكندي في ولاة مصر ص 256 فقال: إن عماه شيبان وعدي أجمعا على قتله
فدخلا عليه وهو ثمل فقتلاه.
وقام عمه شيبان بالامر...ثم طلب الامان من محمد بن سليمان فأجابه.
(2) في الطبري: بضعة عشر.
وفي الكندي ولاة مصر 257: عشرون نفسا.
(*)
(11/112)
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين
فيها التف على أخي الحسين القرمطي المعروف بذي الشامة الذي قتل في التي
قبلها خلائق من القرامطة بطريق الفرات، فعاث بهم في الارض فسادا، ثم
قصد طبرية فامتنعوا منه فدخلها قهرا فقتل بها خلقا كثيرا من الرجال،
وأخذ شيئا كثيرا من الاموال، ثم كر راجعا إلى البادية، ودخلت فرقة أخرى
منهم إلى هيت فقتلوا أهلها إلا القليل، وأخذوا منها أموالا جزيلة
حملوها على ثلاثة آلاف بعير،
فبعث إليهم المكتفي جيشا فقاتلوهم وأخذوا رئيسهم فضربت عنقه.
ونبغ رجل من القرامطة يقال له الداعية باليمن، فحاصر صنعاء فدخلها قهرا
وقتل خلقا من أهلها، ثم سار إلى بقية مدن اليمن فأكثر الفساد وقتل خلقا
من العباد، ثم قاتله أهل صنعاء فظفروا به وهزموه، فأغار على بعض مدنها،
وبعث الخليفة إليها مظفر بن حجاج نائبا، فسار إليها فلم يزل بها حتى
مات.
وفي يوم عيد الاضحى دخلت طائفة من القرامطة إلى الكوفة فنادوا يا ثارات
الحسين - يعنون المصلوب في التي قبلها ببغداد - وشعارهم: يا أحمد يا
محمد - يعنون الذين قتلوا معه - فبادر الناس الدخول من المصلى إلى
الكوفة فدخلوا خلفهم فرمتهم العامة بالحجارة فقتلوا منهم نحو العشرين
رجلا، ورجع الباقون خاسئين.
وفيها ظهر رجل بمصر يقال له الخليجي (1) فخلع الطاعة واجتمع إليه طائفة
من الجند فأمر الخليفة أحمد بن كنغلغ (2) نائب دمشق وأعمالها فركب إليه
فاقتتلا بظاهر مصر فهزمه الخليجي هزيمة منكرة، فبعث إليه الخليفة جيشا
آخر فهزموا الخليجي وأخذوه فسلم إلى الامير الخليفة وانطفأ خبره واشتغل
الجيش بأمر الديار المصرية، فبعث القرامطة جيشا إلى بصرى صحبة رجل يقال
له عبد الله بن سعيد كان يعلم الصبيان، فقصد بصرى وأذرعات والبثنية
فحاربه أهلها ثم أمنهم فلما أن تمكن منهم قتل المقاتلة وسبى الذرية،
ورام الدخول إلى دمشق فحاربه نائب دمشق أحمد بن كنغلغ (2)، وهو صالح بن
الفضل، فهزمه القرمطي وقتل صالح فيمن قتل وحاصر دمشق فلم يمكنه فتحها،
فانصرف إلى طبرية فقتلوا أكثر أهلها ونهبوا منها شيئا كثيرا كما ذكرنا،
ثم ساروا إلى هيت ففعلوا بها ذلك كما تقدم، ثم ساروا إلى الكوفة في يوم
عيد الاضحى كما ذكرنا.
كل ذلك بإشارة زكرويه بن مهرويه وهو مختف في بلده بين ظهراني قوم من
القرامطة، فإذا جاءه الطلب نزل بئرا قد اتخذها ليختفي فيها وعلى بابه
تنور فتقوم امرأة فتسجره وتخبز فيه فلا يشعر به أصلا، ولا يدري أحد أين
هو، فبعث الخليفة إليه جيشا فقاتلهم زكرويه بنفسه ومن أطاعه فهزم جيش
الخليفة وغنم من أموالهم شيئا كثيرا جدا فتقوى به واشتد أمره، فندب
الخليفة إليه جيشا آخر كثيفا فكان من أمره وأمرهم ما سنذكره.
وفيها خرب إسماعيل بن أحمد الساماني نائب خراسان وما وراء النهر طائفة
كبيرة من بلاد الاتراك.
وفيها أغارت
__________
(1) في مروج الذهب 4 / 321: ابن الخليجي.
وفي ابن الاثير 7 / 536: الخلنجي.
وهو من قواد محمد بن
سليمان.
وفي ولاة مصر ص 279: ابن الخليج.
(2) في الطبري 11 / 394: كيغلغ (ابن الاثير - مروج الذهب) (*).
(11/113)
الروم على بعض أعمال حلب فقتلوا ونهبوا وسبوا.
وفيها حج بالناس الفضل (1) بن عبد الملك الهاشمي.
وفيها توفي من الاعيان: أبو العباس
الناشي الشاعر واسمه عبد الله بن محمد أبو العباس المعتزلي، أصله من
الانبار وأقام بغداد مدة ثم انتقل إلى مصر فمات بها، وكان جيد الذهن
يعاكس الشعراء ويرد على المنطقيين والفروضيين، وكان شاعرا مطيقا إلا
أنه كان فيه هوس وله قصيدة حسنة في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد ذكرناها في السيرة.
قال ابن خلكان: كان عالما في عدة علوم من جملتها علم المنطق، وله قصيدة
في فنون من العلم على روي واحد تبلغ أربعة آلاف بيت، وله عدة تصانيف
وأشعار كثيرة.
عبيد بن محمد بن خلف أبو محمد البزار أحد الفقهاء من أصحاب أبي ثور،
وكان عنده فقه أبي ثور، وكان من الثقات النبلاء.
نصر بن أحمد بن عبد العزيز أبو محمد الكندي الحافظ المعروف بنصرك، كان
أحد حفاظ الحديث المشهورين، وكان الامير خالد بن أحمد الذهلي نائب
بخارى قد ضمه إليه وصنف له المسند.
توفي ببخارى في هذه السنة. |