البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وستمائة
في خامس المحرم وصل الظاهر دمشق من بلاد السواحل التي فتحها وقد مهدها، وركب في أواخر (2) المحرم إلى القاهرة فأقام بها سنة (3) ثم عاد فدخل دمشق في رابع (4) صفر، وفي المحرم منها وصل صاحب النوبة إلى عيذاب (5) فنهب تجارها وقتل خلقا من أهلها، منهم الوالي
__________
(1) ولد سنة 607 ه وتوفي في العشر الاوسط من ذي الحجة بدمشق (تاريخ الملك الظاهر 2 / 23).
(2) في الروض الزاهر ص 403: السادس من المحرم.
وفي القطب اليونيني 3 / 1 وتاريخ الملك الظاهر 2 / 26: يوم الاحد سابع عشر المحرم.
(3) كذا بالاصل وهو تصحيف، لانه لم يبق في الديار المصرية إلا أياما من شهر محرم، فقد عاد من مصر ليلة تاسع وعشرين من المحرم (اليونيني 3 / 1 الروض الزاهر ص 404 تاريخ الملك الظاهر 2 / 27، وفي السلوك 1 / 605 تاسع عشره.
وفي المفضل: سابع وعشرين).
(4) في الروض الزاهر ص 404 وتاريخ ابن الوردي 2 / 315: ثالث صفر.
(5) كان مرفأ هاما على بحر القلزم (الاحمر) في صحراء قفر، وكان مرسى المراكب التي تأتيه من اليمن والحبشة والهند، كما كان يقصده الحجاج الذين يتوجهون من مصر إلى جدة.
وعيذاب الآن مندثرة.
(*)

(13/306)


والقاضي، فسار إليه (1) الامير علاء الدين أيدغدي الخزندار فقتل خلقا من بلاده ونهب وحرق وهدم ودوخ البلاد، وأخذ بالثأر ولله الحمد والمنة.
وفي [ يوم الخميس ثالث ] (2) ربيع الاول توفي الامير سيف الدين محمد بن مظفر الدين عثمان ابن ناصر الدين منكورس صاحب صهيون (3)، ودفن في تربة والده في عشر السبعين، وكان له في ملك صهيون وبزريه إحدى عشرة سنة، وتسلمها بعده ولده سابق الدين، وأرسل إلى الملك الظاهر يستأذنه في الحضور فأذن له، فلما حضر أقطعه حيزا وبعث إلى البلدين نوابا من جهته.
وفي خامس جمادى الآخرة وصل السلطان بعسكره إلى الفرات لانه بلغه أن طائفة من التتار هنالك فخاض إليهم الفرات بنفسه وجنده، وقتل من أولئك مقتلة كبيرة وخلقا كثيرا، وكان أول من اقتحم الفرات يومئذ الامير سيف الدين قلاوون وبدر الدين بيسرى وتبعهما السلطان، ثم فعل
بالتتار ما فعل، ثم ساق إلى ناحية البيرة (4) وقد كانت محاصرة بطائفة من التتار أخرى، فلما سمعوا بقدومه هربوا وتركوا أموالهم وأثقالهم، ودخل السلطان إلى البيرة في أبهة عظيمة وفرق في أهلها أموالا كثيرة، ثم عاد إلى دمشق في ثالث جمادى الآخرة ومعه الاسرى.
وخرج منها في سابعه إلى الديار المصرية، وخرج ولده الملك السعيد لتلقيه ودخلا إلى القاهرة، وكان يوما مشهودا.
ومما قاله القاضي شهاب الدين محمود الكاتب، وأولاده يقال لهم بنو الشهاب محمود، في خوض السلطان الفرات بالجيش: سر حيث شئت لك المهيمن جار * واحكم فطوع مرادك الاقدار لم يبق للدين الذي أظهرته * يا ركنه عند الاعادي ثار لما تراقصت الرؤوس تحركت * من مطربات قسيك الاوتار خضت الفرات بعسكر أفضى به * موج الفرات كما أتى الاثار حملتك أمواج الفرات ومن رأى * بحرا سواك تقله الانهار وتقطعت فرقا ولم يك طودها * إذ ذاك إلا جيشك الجرار وقال بعض من شاهد ذلك: ولما تراءينا الفرات بخيلنا * سكرناه منا بالقنا والصوارم (5)
__________
(1) وصاحب النوبة اسمه: داود وهو ابن أخت مرتشكر (الروض الزاهر ص 416).
(2) مابين معكوفتين من الروض الزاهر ص 405.
(3) صهيون: بلدة من جندقنسرين ذات قلعة حصينة (تقويم البلدان 256).
(4) البيرة: قلعة حصينة شمالي الفرات قرب سميساط (ياقوت).
قارن بالنسبة لهذه الوقعة بابن عبد الظاهر 405 - 410 وتاريخ الملك الظاهر لابن شداد 2 / 30 - 32 واليونيني 3 / 2 - 5.
(5) في هامش الروض ص 406: بالقوى والقوائم.
(*)

(13/307)


ولجنا فأوقف التيار عن جريانه * إلى حين عدنا بالغنى والغنائم (1) وقال آخر ولا بأس به: الملك الظاهر سلطاننا * نفديه بالاموال والاهل اقتحم الماء ليطفي به * حرارة القلب من المغل وفي يوم الثلاثاء ثالث رجب خلع على جميع الامراء من حاشيته ومقدمي الحلقة وأرباب لدولة وأعطى كل إنسان ما يليق به من الخيل والذهب والحوايص، وكان مبلغ ما أنفق بذلك نحو (2) ثلثمائة ألف دينار.
وفي شعبان أرسل السلطان إلى منكوتمر هدايا عظيمة (3)، وفي يوم الاثنين ثاني عشر شوال استدعى السلطان شيخه الشيخ خضر الكردي إلى بين يديه إلى القلعة وحوقق على أشياء كثيرة ارتكبها (4)، فأمر السلطان عند ذلك باعتقاله وحبسه، ثم أمر باغتياله وكان آخر العهد به.
وفي ذي القعدة سلمت الاسماعيلية ما كان بقي بأيديهم من الحصون وهي الكهف والقدموس والمنطقة (5)، وعوضوا عن ذلك بإقطاعات، ولم يبق بالشام شئ لهم من القلاع، واستناب السلطان فيها.
وفيها أمر السلطان بعمارة جسورة في السواحل، وغرم عليها مالا كثيرا، وحصل للناس بذلك رفق كبير.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ تاج الدين أبو المظفر محمد (6) بن أحمد ابن حمزة بن علي بن هبة الله بن الحوي (7)، التغلبي الدمشقي، كان من أعيان أهل دمشق، ولي نظر الايتام والحسبة، ثم وكالة بيت المال، وسمع الكثير وخرج له ابن بليان مشيخة قرأها عليه الشيخ شرف الدين الغراري بالجامع، فسمعها جماعة من الاعيان والفضلاء رحمه الله.
الخطيب فخر الدين أبو محمد عبد القاهر بن عبد الغني بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني الخطيب بها،
__________
(1) البيت في الروض، ونسبه في الهامش لابن النقيب.
(2) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 33: فوق الثلثماية..(3) وكانت جوهر وحوايص (وكانت تسمى قديما منطقة - وهي جمع حياصة - وهي مصنوعة من الفضة أو من
الذهب) وثيابا منوعة (تاريخ الملك الظاهر 2 / 33 - 34).
(4) ومنها اللواط والزنى (تاريخ الملك الظاهر 2 / 35).
(5) في الروض الزاهر ص 411: المنيقة، وفي تاريخ الملك الظاهر 2 / 36: المينقة.
(6) في تاريخ الظاهر 2 / 46: يحيى بن محمد...(7) في تاريخ الظاهر وتاريخ الاسلام: الحبوبي، وفي اليونيني 3 / 27: المحبوبي.
(*)

(13/308)


وبيته معروف بالعلم والخطابة والرياسة، ودفن بمقبرة الصوفية وقد قارب الستين (1) رحمه الله.
وقد سمع الحديث من جده فخر الدين صاحب ديوان الخطب المشهورة، توفي بخانقاه القصر ظاهر دمشق.
الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي شيخ الملك الظاهر بيبرس، كان حظيا عنده مكرما لديه، له عنده المكانة الرفيعة، كان السلطان ينزل بنفسه إلى زاويته التي بناها له في الحسينية (2)، في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبنى له عندها جامعا يخطب فيه للجمعة، وكان يعطيه مالا كثيرا، ويطلق له ما أراد، ووقف على زاويته شيئا كثيرا جدا، وكان معظما عند الخاص والعام بسبب حب السلطان وتعظيمه له، وكان يمازحه إذا جلس عنده، وكان فيه خير ودين وصلاح، وقد كاشف السلطان بأشياء كثيرة، وقد دخل مرة كنيسة القمامة بالمقدس فذبح قسيسها بيده، ووهب ما فيها لاصحابه، وكذلك فعل بالكنيسة التي بالاسكندرية وهي من أعظم كنائسهم، نهبها وحولها مسجدا ومدرسة أنفق عليها أموالا كثيرة من بيت المال، وسماها المدرسة الخضراء، وكذلك فعل بكنيسة اليهود بدمشق، دخلها ونهب ما فيها من الآلات والامتعة، ومد فيها سماطا، واتخذها مسجدا مدة ثم سعوا إليه في ردها إليهم وإبقائها عليهم، ثم اتفق في هذه السنة أنه وقعت منه أشياء أنكرت عليه وحوقق عليها عند السلطان الملك الظاهر فظهر له منه ما أوجب سجنه، ثم أمر بإعدامه وهلاكه وكانت وفاته في هذه السنة (3)، ودفن بزاويته سامحه الله، وقد كان السلطان يحبه محبة عظيمة حتى إنه سمى بعض أولاده خضرا
موافقة لاسمه، وإليه تنسب القبة التي على الجبل غربي الربوة التي يقال لها قبة الشيخ خضر.
مصنف التعجيز العلامة تاج الدين عبد الرحيم بن محمد بن يونس بن محمد (4) بن سعد بن مالك أبو القاسم الموصلي، من بيت الفقه والرياسة والتدريس، ولد سنة ثمان وتسعين (5) وخمسمائة، وسمع
__________
(1) ولد بحران سنة 612 ه وتوفي بدمشق في 11 شوال هذه السنة.
(2) بناها الملك الظاهر لشيخه خضر سنة 660 ه.
ظاهر القاهرة وهي تقع خارج باب الفتوح من القاهرة بخط زقاق الكحل تشرف على الخليج الكبير وقد دفن هذا الاخير بها حين وفاته (اليونيني 3 - 6 المقريزي الخطط 2 / 430).
(3) بقي معتقلا في حبسه حتى مات سنة 675 ه.
(أبو الفداء 4 / 10) وقيل مات في المحرم سنة 676 ه وقد نيف على الخمسين (اليونيني 3 / 5 المقريزي 1 / 2 / 608 ابن فضل الله العمري 5 / 167).
(4) في اليونيني 3 / 14 وعبر الذهبي 5 / 293،..محمد بن منعة بن محمد.
(5) في اليونيني 3 / 15: " ولد بقلعة اربل سنة خمس وثلاثين وخمسمائة في بيت صغير منها " وهو بعيد.
(انظر طبقات السبكي 5 / 72 وتاريخ الظاهر 2 / 43 وفيه: توفي وقد نيف على الخمسين).
(*)

(13/309)


واشتغل وحصل وصنف واختصر الوجيز من كتابه التعجيز، واختصر المحصول (1)، وله طريقة في الخلاف أخذها عن ركن الدين الطاووسي، وكان جده عماد الدين بن يونس شيخ المذهب في وقته كما تقدم.
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وستمائة في صفر (2) منها قدم الظاهر إلى دمشق وقد بلغه أن أبغا وصل إلى بغداد فتصيد بتلك الناحية، فأرسل إلى العساكر المصرية أن يتأهبوا للحضور، واستعد السلطان لذلك.
وفي جمادى الآخرة أحضر ملك الكرج (3) لبين يديه بدمشق، وكان قد جاء متنكرا لزيارة بيت المقدس فظهر عليه فحمل إلى بين يديه فسجنه بالقلعة.
وفيها كمل بناء جامع دير الطين ظاهر القاهرة، وصلى
فيه الجمعة.
وفيها سار السلطان إلى القاهرة فدخلها في سابع (4) رجب.
وفي أواخر رمضان دخل الملك السعيد بن الظاهر إلى دمشق في طائفة من الجيش، فأقام بها شهرا ثم عاد.
وفي يوم عيد الفطر ختن السلطان ولده خضرا الذي سماه باسم شيخه، وختن معه جماعة من أولاد الامراء، وكان وقتا هائلا.
وفيها فوض ملك التتار إلى علاء الدين صاحب الديوان ببغداد النظر في تستر وأعمالها، فسار إليها ليتصفح أحوالها فوجد بها شابا من أولاد التجار يقال له " لي " قد قرأ القرآن وشيئا من الفقه والاشارات لابن سينا، ونظر في النجوم، ثم ادعى أنه عيسى ابن مريم، وصدقه على ذلك جماعة من جهلة تلك الناحية، وقد أسقط لهم من الفرائض صلاة العصر وعشاء الآخرة، فاستحضره وسأله عن ذلك فرآه ذكيا، إنما يفعل ذلك عن قصد، فأمر به فقتل بين يديه جزاه الله خيرا، وأمر العوام فنهبوا أمتعته وأمتعة العوام ممن كان اتبعه.
وممن توفي فيها من الاعيان: مؤيد الدين أبو المعالي الصدر الرئيس أسعد بن غالب المظفري ابن الوزير مؤيد الدين أسعد بن حمزة بن أسعد (5) بن علي بن محمد
__________
(1) وهو المحصول في أصول الفقه وصاحبه فخر الدين الرازي.
(2) في الروض الزاهر: ص 420: في السابع عشر من صفر.
(3) من الروض الزاهر ص 423 وتاريخ الملك الظاهر 2 / 53، وفي الاصل: " الكرخ " تصحيف.
انظر تفاصيل الحادث في المصادر المذكورة.
(4) في الروض الزاهر: رابع عشرين جمادى الآخرة.
(5) كذا بالاصل والوافي 9 / 39، وفي تاريخ الملك الظاهر 2 / 67 وشذرات الذهب 5 / 334: أسد.
(*)

(13/310)


التميمي بن القلانسي، جاوز التسعين (1) وكان رئيسا كبيرا واسع النعمة، لا يغفل أن يباشر شيئا من الوظائف وقد ألزموه بعد ابن سويد بمباشرة مصالح السلطان فباشرها بلا جامكية، وكانت وفاته ببستانه، ودفن بسفح قاسيون يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم.
والد الصدر عز الدين حمزة
رئيس البلدين دمشق والقاهرة، وحدهم مؤيد الدين أسعد بن حمزة الكبير كان وزيرا للملك الافضل علي بن الناصر فاتح القدس، كان رئيسا فاضلا له كتاب الوصية في الاخلاق المرضية وغير ذلك، وكانت له يد جيدة في النظم، فمن ذلك قوله: يا رب جد لي إذا ما ضمني جدثي * برحمة منك تنجيني من النار أحسن جواري إذا أمسيت (2) جارك في * لحدي فإنك قد أوصيت بالجار وأما والد حمزة بن أسعد بن علي بن محمد التميمي فهو العميد، وكان يكتب جيدا وصنف تاريخا فيما بعد سنة أربعين وأربعمائة إلى سنة وفاته في خمس وخمسمائة.
الامير الكبير فارس الدين أقطاي المستعربي أتابك الديار المصرية، كان أولا مملوكا لابن يمن (3)، ثم صار مملوكا للصالح أيوب فأمره، ثم عظم شأنه في دولة المظفر وصار أتابك العساكر، فلما قتل امتدت أطماع الامراء إلى المملكة فبايع أقطاي الملك الظاهر فتبعه الجيش على ذلك، وكان الظاهر يعرفها له ولا ينساها، ثم قبل وفاته بقليل انهضم عند الظاهر، ومات في هذه السنة بالقاهرة (4).
الشيخ عبد الله بن غانم ابن علي بن إبراهيم بن عساكر بن الحسين المقدسي، له زاوية بنابلس، وله أشعار رائقة، وكلام قوي في علم التصوف، وقد طول اليونيني ترجمته وأورد من أشعاره شيئا كثيرا.
قاضي القضاة كمال الدين أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن علي التفليسي الشافعي، ولد بتفليس سنة إحدى
__________
(1) كذا بالاصل، والارجح أن الصواب: السبعين لان مولده على الظن - سنة 597 أو 598 (الوافي - اليونيني - تاريخ الظاهر).
(2) في الوافي: أصبحت.
(3) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 97: كان أولا لمهذب الدين علي بن الدقاق الحلبي ثم باعه وانتقل إلى ابن يمن.
(4) ذكر وفاته ابن شداد في وفيات سنة 673 ه.
وله من العمر قريب من سبعين سنة.
(*)

(13/311)


وستمائة، وكان فاضلا أصوليا مناظرا، ولي نيابة الحكم مدة ثم استقل بالقضاء في دولة هلاوون - هولاكو - وكان عفيفا نزلها لم يرد منصبا ولا تدريسامع كثرة عياله وقلة ماله، ولما انقضت أيامهم تغضب عليه بعض الناس ثم ألزم بالمسير إلى القاهرة، فأقام بها يفيد الناس إلى أن توفي في ربيع الاول من هذه السنة، ودفن بالقرافة الصغرى.
إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر بن عبد الله التنوخي، وتنوخ من قضاعة، كان صدرا كبيرا، وكتب الانشاء للناصر داود بن المعظم، وتولى نظر المارستان النوري وغيره، وكان مشكور السيرة، وقد أثنى عليه غير واحد، وقد جاوز الثمانين (1)، ومن شعره قوله: خاب رجاء امرئ له أمل * بغير رب السماء قد وصله أيبتغي غيره أخو ثقة * وهو ببطن الاحشاء قد كفله وله أيضا: خرس اللسان وكل عن * أوصافكم ماذا يقول (2) وأنتم ما أنتم الامر أعظم من مقالة قائل * قد تاه عقل (3) أن يعبر عنكم العجز والتقصير وصفي دائما * والبر والاحسان يعرف منكم ابن مالك صاحب الالفية الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك أبو عبد الله الطائي الجياني النحوي، صاحب التصانيف المشهورة المفيدة، منها الكافية الشافية وشرحها، والتسهيل وشرحه، والالفية التي شرحها ولده بدر الدين شرحا مفيدا.
ولد بجيان (4) سنة ستمائة وأقام بحلب مدة، ثم بدمشق.
وكان كثير الاجتماع بابن خلكان وأثنى عليه غير واحد، وروى عنه القاضي بدر الدين بن جماعة،
__________
(1) كان مولده سنة 589 في المحرم منها، وتوفي يوم الاحد 26 صفر من هذه السنة (الوافي 9 / 71 ذيل مرآة الزمان 3 / 38).
(2) في تاريخ الظاهر 2 / 68: أقول.
(3) في المصدر نفسه: مقالة حاير..قد تاه فيكم..(4) من معجم البلدان، وشذرات الذهب، وفي الاصل: حيان - والحياني - تصحيف.
وحيان مدينة لها كورة واسعة بالاندلس تتصل بكورة البيرة بينها وبين قرطبة 17 فرسخا.
(*)

(13/312)


وأجاز لشيخنا علم الدين البرزالي.
توفي ابن مالك بدمشق ليلة الاربعاء ثاني عشر رمضان (1)، ودفن بتربة القاضي عز الدين بن الصائغ بقاسيون.
النصير الطوسي محمد (2) بن عبد الله الطوسي، كان يقال له المولى نصير الدين، ويقال الخواجا نصير الدين، اشتغل في شبيبته وحصل علم الاوائل جيدا، وصنف في ذلك في علم الكلام، وشرح الاشارات لابن سينا، ووزر لاصحاب قلاع الالموت من الاسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان معه في واقعة بغداد، ومن الناس من يزعم أنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة فالله أعلم، وعندي أن هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل.
وقد ذكره بعض البغاددة فأثنى عليه، وقال: كان عاقلا فاضلا كريم الاخلاق ودفن في مشهد موسى بن جعفر في سرداب كان قد أعد للخليفة الناصر لدين الله، وهو الذي كان قد بنى الرصد بمراغة، ورتب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمحدثين والاطباء وغيرهم من أنواع الفضلاء، وبنى له فيه قبة عظيمة، وجعل فيه كتبا كثيرة جدا، توفي في بغداد في ثاني (3) عشر ذي الحجة من هذه السنة، وله خمس وسبعون سنة (4)، وله شعر جيد قوي وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدار بن علي المصري المعتزلي المتشيع، فنزع فيه عروق كثيرة منه، حتى أفسد اعتقاده.
الشيخ سالم البرقي صاحب الرباط بالقرافة الصغرى، كان صالحا متعبدا يقصد للزيارة والتبرك بدعائه، وله اليوم أصحاب معروفون على طريقه.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وستمائة فيها اطلع السلطان على ثلاثة عشر (5) أميرا منهم قجقار الحموي، وقد كانوا كاتبوا التتر
__________
(1) في تاريخ الظاهر 2 / 77 وشذرات الذهب 5 / 339: شعبان.
(2) الوافي بالوفيات 1 / 179 وتاريخ الظاهر 2 / 80 وفوات الوفيات 2 / 149 وغيرهما: محمد بن محمد بن حسن..(وفي مختصر أبي الفداء 4 / 8: محمد بن محمد بن حسين).
(3) في مختصر أبي الفداء 4 / 8: ثامن عشر.
(انظر تاريخ الملك الظاهر 2 / 81).
(4) في تاريخ 2 / 81: جاوز الثمانين ولم اتحقق مولده (انظر الوافي - وتاريخ أبي الفداء - وتاريخ ابن القوطي ص 380).
(5) ذكر ابن شداد في تاريخ الظاهر 2 / 87: أربعة عشر أميرا وهم: سيف الدين قجقار الحموي، وموغان، = (*)

(13/313)


يدعونهم إلى بلاد المسلمين، وأنهم معهم على السلطان، فأخذوا فأقروا بذلك، وجاءت كتبهم مع البريدية وكان آخر العهد بهم.
وفيها أقبل السلطان بالعساكر فدخل بلاد سيس (1) يوم الاثنين الحادي والعشرين من رمضان، فقتلوا خلقا لا يعلمهم إلا الله وغنموا شيئا كثيرا من الابقار والاغنام والاثقال والدواب والانعام، فبيع ذلك بأرخص ثمن، ثم عاد فدخل دمشق مؤيدا منصورا في شهر ذي الحجة فأقام بها حتى دخلت السنة.
وفيها ثار على أهل الموصل رمل حتى عم الافق وخرجوا من دورهم يبتهلون إلى الله حتى كشف ذلك عنهم، والله تعالى أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان: ابن عطاء الحنفي قاضي القضاة شمس الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عطاء بن حسن بن عطاء بن جبير بن جابر بن وهيب الاذرعي الحنفي، ولد سنة خمس (2) وتسعين وخمسمائة، سمع الحديث وتفقه على مذهب أبي حنيفة، وناب في الحكم عن الشافعي مدة، ثم استقل بقضاء الحنفية أول ما ولي القضاة من المذاهب الاربعة، ولما وقعت الحوطة على أملاك
الناس أراد السلطان منه أن يحكم بها بمقتضى مذهبه، فغضب من ذلك فقال: هذه أملاك بيد أصحابها، وما يحل لمسلم أن يتعرض لها ثم نهض من المجلس فذهب، فغضب السلطان من ذلك غضبا شديدا، ثم سكن غضبه فكان يثني عليه بعد ذلك ويمدحه، ويقول: لا تثبتوا كتبا إلا عنه.
كان ابن عطاء من العلماء الاخيار كثير التواضع قليل الرغبة في الدنيا، روى عنه ابن جماعة وأجاز للبرزالي.
توفي يوم الجمعة تاسع (3) جمادى الاولى، ودفن بالقرب من المعظمية بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
بيمند بن بيمند بن بيمند ابرنس طرابلس الفرنجي، كان جده نائبا لبنت صيحل الذي تملك طرابلس من ابن عمار في حدود الخمسمائة، وكانت يتيمة تسكن بعض جزائر البحر، فتغلب هذا على البلد لبعدها
__________
= ومنكو، وسريغا، وطنغري فودى، وطنغري برمش، وأنوك، وبرمش، وبلبان مجلى، والبعلاي المرتد، وبلاغه (في اليونيني: بلاغا) وطبعني (طبوعون) وأيبك، وسنجر الحواشي التركي.
(1) انظر في أسباب دخوله سيس، وتفاصيل غزوته هذه: الروض الزاهر ص 432 وما بعدها وتاريخ الملك الظاهر 2 / 90.
(2) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 100: ثمان.
(3) في تاريخ الظاهر، واليونيني 3 / 96: ثامن.
(*)

(13/314)


عنه، ثم استقل بها ولده ثم حفيده هذا، وكان شكلا مليحا.
قال قطب الدين اليونيني: رأيته في بعلبك في سنة ثمان وخمسين وستمائة حين جاء مسلما على كتبغانوين، ورام أن يطلب منه بعلبك، فشق ذلك على المسلمين.
ولما توفي دفن في كنيسة طرابلس، ولما فتحها المسلمون في سنة ثمان وثمانين وستمائة نبش الناس قبره وأخرجوه منه وألقوا عظامه على المزابل للكلاب.
ثم دخلت سنة أربع وسبعين وستمائة لما كان يوم الخميس ثامن جمادى الاولى (1) نزل التتار على البيرة في ثلاثين ألف مقاتل، خمسة
عشر ألفا من المغول، وخمسة عشر ألفا من الروم، والمقدم على الجميع البرواناه بأمر أبغا ملك التتار ومعهم جيش الموصل وجيش ماردين والاكراد، ونصبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقا، فخرج أهل البيرة في الليل فكبسوا عسكر التتار وأحرقوا المنجنيقات ونهبوا شيئا كثيرا، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين، فأقام عليها الجيش مدة إلى تاسع (2) عشر الشهر المذكور، ثم رجعوا عنها بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا.
ولما بلغ السلطان نزول التتار على البيرة أنفق في الجيش ستمائة ألف دينار، ثم ركب سريعا وفي صحبته ولده السعيد، فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيل التتار عنها فعاد إلى دمشق، ثم ركب في رجب إلى القاهرة فدخلها في ثامن عشر فوجد بها خمسة وعشرين رسولا من جهة ملوك الارض ينتظرونه فتلقوه وحدثوه وقبلوا الارض بين يديه ودخل القلعة في أبهة عظيمة.
ولما عاد البرواناه إلى بلاد الروم حلف الامراء الكبار منهم شرف الدين مسعود وضياء الدين محمود ابنا الخطيري، وأمين الدين ميكائيل، وحسام الدين ميجار، وولده بهاء الدين، على أن يكونوا من جهة السلطان الملك الظاهر وينابذوا أبغا، فحلفوا له على ذلك، وكتب إلى الظاهر بذلك، وأن يرسل إليه جيشا ويحمل له ما كان يحمله إلى التتار، ويكون غياث الدين كنجري على ما هو عليه، يجلس على تخت مملكة الروم.
وفي هذه السنة استسقى أهل بغداد ثلاثة أيام فلم يسقوا.
وفيها في رمضان منها وجد رجل وامرأة في نهار رمضان على فاحشة الزنا، فأمر علاء الدين صاحب الديوان برجمهما فرجما، ولم يرجم ببغداد قبلهما قط أحد منذ بنيت.
وهذا غريب جدا.
وفيها استسقى أهل دمشق أيضا مرتين.
في أواخر رجب وأوائل شعبان - وكان ذلك في آخر كانون الثاني - فلم يسقوا أيضا.
وفيها أرسل السلطان جيشا إلى دنقلة فكسر جيش السودان وقتلوا منهم خلقا وأسروا شيئا كثيرا من السودان بحيث بيع الرقيق الرأس منها بثلاثة دراهم، ورهب ملكهم داوداه إلى صاحب النوبة
__________
(1) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 110: الآخرة.
(2) في ذيل مرآة الزمان 3 / 115 وتاريخ الملك الظاهر 2 / 112: يوم السبت السابع عشر.
(*)

(13/315)


فأرسله إلى الملك الظاهر محتاطا عليه (1)، وقرر الملك الظاهر على أهل دنقلة جزية تحمل إليه في كل سنة (2).
كل ذلك كان في شعبان من هذه السنة.
وفيها عقد عقد الملك السعيد بن الظاهر على بنت الامير سيف الدين قلاوون الالفي، في الايوان بحضرة السلطان والدولة على صداق خمسة آلاف دينار، تعجل منها ألفا دينار، وكان الذي كتبه وقرأه محيي الدين بن عبد الظاهر (3)، فأعطي مائة دينار، وخلع عليه.
ثم ركب السلطان مسرعا فوصل إلى حصن الكرك فجمع القيمرية الذين به فإذا هم ستمائة نفر، فأمر بشنقهم فشفع فيهم عنده فأطلقهم وأجلاهم منه إلى مصر، وكان قد بلغه عنهم أنهم يريدون قتل من فيه ويقيموا ملكا عليهم، وسلم الحصن إلى الطواشي شمس الدين رضوان السهيلي، ثم عاد في بقية الشهر إلى دمشق فدخلها يوم الجمعة ثامن عشر الشهر.
وفيها كانت زلزلة بأخلاط واتصلت ببلاد بكر.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ الامام العلامة الاديب تاج الدين أبو الثناء محمود بن عابد (4) بن الحسين بن محمد بن علي التميمي الصرخدي الحنفي، كان مشهورا بالفقه والادب، والعفة والصلاح، ونزاهة النفس ومكارم الاخلاق.
ولد سنة ثمان وسبعين (5) وخمسمائة، وسمع الحديث وروى، ودفن بمقابر الصوفية في ربيع الآخر منها، وله ست وتسعون سنة رحمه الله.
الشيخ الامام عماد الدين عبد العزيز بن محمد ابن عبد القادر بن عبد الله بن خليل بن مقلد الانصاري الدمشقي، المعروف بابن الصائغ، كان مدرسا بالعذراوية وشاهدا بالخزانة بالقلعة يعرف الحساب جيدا، وله سماع ورواية، ودفن بقاسيون.
__________
(1) وذلك في يوم الثلاثاء ثاني محرم من سنة 675 وحبس في بعض أبرجة القلعة (تاريخ الظاهر 2 / 117).
(2) وهي على كل بالغ من البلاد دينارا في السنة، وأن يحمل إلى السلطان في كل سنة من الهجن ومن البقر ومن العبيد.
(تاريخ الملك الظاهر 2 / 116).
(3) وهو صاحب ديوان الانشاء، لعب دورا هاما أيام الملك الظاهر والمنصور قلاوون وابنه الاشرف خليل، وهو صاحب سيرة الظاهر بيبرس (الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر) وسيرة المنصور قلاوون وأخرى للاشرف خليل.
توفي سنة 692 ه.
(4) فقط في تاريخ الملك الظاهر: عامد.
(5) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 137: 586 ه.
وفي فوات الوفيات 4 / 121: 598 ه.
(*)

(13/316)


ابن الساعي المؤرخ (1) تاج الدين بن المحتسب المعروف بابن الساعي البغدادي، ولد سنة ثلاث وتسعين وسمع الحديث واعتنى بالتاريخ، وجمع وصنف، ولم يكن بالحافظ ولا الضابط المتقن.
وقد أوصى إليه ابن النجار حين توفي، وله تاريخ كبير عندي أكثره، ومصنفات أخر مفيدة، وآخر ما صنف كتاب في الزهاد، كتب في حاشيته زكي الدين عبد الله بن حبيب الكاتب: ما زال تاج الدين طول المدى * من عمره يعتق في السير في طلب العلم وتدوينه * وفعله نفع بلا ضير علا علي بتصانيفه * وهذه خاتمة الخير ثم دخلت سنة خمس وسبعين وستمائة في ثالث عشر (2) المحرم منها دخل السلطان إلى دمشق وسبق العساكر إلى بلاد حلب، فلما توافت إليه أرسل بين يديه الامير بدر الدين الاتابكي بألف فارس إلى البلستين (3)، فصادف بها جماعة من عسكر الروم فركبوا إليه وحملوا إليه الاقامات، وطلب جماعة منهم أن يدخلوا بلاد الاسلام فأذن لهم، فدخل طائفة منهم بيجار وابن الخطير، فرسم لهم أن يدخلوا القاهرة فتلقاهم الملك السعيد، ثم عاد السلطان من حلب إلى القاهرة فدخلها في ثاني عشر ربيع الآخر.
وفي خامس جمادى الاولى عمل السلطان عرس ولده الملك السعيد على بنت قلاوون، واحتفل السلطان به احتفالا عظيما، وركب الجيش في الميدان خمسة أيام يلعبون ويتطاردون،
ويحمل بعضهم على بعض، ثم خلع على الامراء وأرباب المناصب، وكان مبلغ ما خلع ألف وثلثمائة خلعة بمصر، وجاءت مراسيمه إلى الشام بالخلع على أهلها، ومد السلطان سماطا عظيما حضره الخاص والعام، والشارد والوارد، وحبس فيه رسل التتار ورسل الفرنج وعليهم كلهم الخلع الهائلة، وكان وقتا مشهودا، وحمل صاحب حماه هدايا عظيمة وركب إلى مصر للتهنئة.
وفي حادي عشر شوال طيف بالمحمل وبكسوة الكعبة المشرفة بالقاهرة، وكان يوما مشهودا.
وقعة البلستين وفتح قيسارية ركب السلطان من مصر في العساكر فدخل دمشق في سابع عشر شوال، فأقام بها ثلاثة
__________
(1) وهو علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله السلامي.
(2) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 139: الاربعاء الثالث من المحرم.
(3) وترسم أيضا الابلستين، مدينة ببلاد الروم، واسمها الحالي البستان (ياقوت).
(*)

(13/317)


أيام، ثم سار حتى دخل حلب في مستهل ذي القعدة، فأقام بها يوما ورسم لنائب حلب أن يقيم بعسكر حلب على الفرات لحفظ المنائر (1)، وسار السلطان فقطع الدربند (2) في نصف يوم، ووقع سنقر الاشقر في أثناء الطريق بثلاثة آلاف من المغول فهزمهم يوم الخميس تاسع ذي القعدة وصعد العسكر على الجبال فأشرفوا على وطأة البلستين فرأوا التتار قد رتبوا عسكرهم وكانوا أحد عشر ألف مقاتل، وعزلوا عنهم عسكر الروم خوفا من مخامرتهم، فلما تراأى الجمعان حملت ميسرة التتار فصدمت سناجق (3) السلطان، ودخلت طائفة منهم بينهم فشقوها، وساقت إلى الميمنة، فلما رأى السلطان ذلك أردف المسلمين بنفسه ومن معه، ثم لاحت منه التفاتة فرأى الميسرة قد كادت أن تتحطم فأمر جماعة من الامراء بأردافها، ثم حمل العسكر جميعه حملة واحدة على التتار فترجلوا إلى الارض عن آخرهم، وقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، وصبر المسلمون صبرا عظيما، فأنزل الله نصره على المسلمين، فأحاطت بالتتار العساكر من كل جانب، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وقتل من المسلمين أيضا جماعة، وكان في جملة من قتل من سادات المسلمين الامير الكبير ضياء الدين بن
الخطير، وسيف الدين قيماز، وسيف الدين بنجو الجاشنكير (4)، وعز الدين أيبك الثقفي (5)، وأسر جماعة من أمراء المغول، ومن أمراء الروم، وهرب البرواناه فنجا بنفسه، ودخل قيسارية في بكرة الاحد ثاني عشر ذي القعدة (6)، وأعلم أمراء الروم ملكهم بكسرة التتار على البلستين، وأشار عليهم بالهزيمة فانهزموا منها وأخلوها، فدخلها الملك الظاهر وصلى بها الجمعة سابع (7) ذي القعدة، وخطب له بها، ثم كر راجعا مؤيدا منصورا.
وسارت البشائر إلى البلدان ففرح المؤمنون يومئذ بنصر الله.
ولما بلغ خبر هذه الوقعة أبغا جاء حتى وقف بنفسه وجيشه، وشاهد مكان المعركة ومن فيها من قتلى المغول، فغاظه ذلك وأعظمه وحنق على البرواناه إذ لم يعلمه بجلية الحال، وكان يظن أمر الملك الظاهر دون هذا كله، واشتد غضبه على أهل قيسارية وأهل تلك الناحية، فقتل منهم قريبا من مائتي ألف، وقيل قتل منهم خمسمائة ألف من قيسارية وأرزن الروم، وكان في جملة من قتل القاضي جلال الدين حبيب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
__________
(1) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 158: المعابر.
(2) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 159 والروض الزاهر ص 458: أقجادربند.
وهي قرية على فم الطريق الجبلي بين نهر كوكصو (الازرق) والبلستين (صبح الاعشى 14 / 143).
(3) سناجق ومفردها سنجق، ومعناه الرمح.
والمراد هنا الفرسان المكلفون حمل رايات السلطان في أعلى الرماح، ومهمتهم رفع معنويات العسكر ويكونون عادة في الوسط (الصبح 5 / 458).
(4) الجاشنكير: هو الذي يتصدى لذوقان المأكول والمشروب قبل السلطان أو الامير خوفا من أن يدس عليه فيه سم ونحوه.
وهو مركب من لفظين فارسيين: جاشنا: ومعناه الذوق، وكير: بمعنى التعاطي (صبح الاعشى 5 / 460).
(5) كذا بالاصل، وفي تاريخ الملك الظاهر 2 / 161 واليونيني 3 / 177: الشقيقي.
(6) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 162: ذي الحجة.
والصواب ما أثبتناه.
(7) كذا بالاصل، وفي تاريخ الملك الظاهر: السابع عشر وهو الاصح.
(*)

(13/318)


وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ أبو الفضل بن الشيخ عبيد بن عبد الخالق الدمشقي ودفن بالقرب من الشيخ أرسلان.
قال الشيخ علم الدين: وكان يذكر أن مولده كان سنة أربع وستين وخمسمائة.
الطواشي يمن الحبشي شيخ الخدم بالحرم الشريف، كان دينا عاقلا عدلا صادق اللهجة، مات في عشر السبعين (1) رحمه الله.
الشيخ المحدث شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر الموصلي، ثم الدمشقي الصوفي، سمع الكثير وكتب الكتب الكبار بخط رفيع جيد واضح، جاوز السبعين ودفن بباب الفراديس.
الشاعر شهاب الدين أبو المكارم محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة بن سالم بن عبد الله الشيباني التلعفري (3)، صاحب ديوان الشعر، جاوز الثمانين، مات بحماه (3)، وكان الشعراء مقرين له معترفين بفضله وتقدمه في هذا الفن.
ومن شعره قوله: لساني طري منك يا غاية المنى * ومن ولهي أني خطيب وشاعر فهذا لمعنى حسن وجهك ناظم * وهذا لدمعي في تجنيك ناشر القاضي شمس الدين علي بن محمود بن علي بن عاصم الشهرزوري الدمشقي، مدرس القيمرية بشرط واقفها له ولذريته من بعده التدريس من تأهل منهم، فدرس بها إلى أن توفي في هذه السنة، ودرس بعد
__________
(1) في تاريخ الملك الظاهر: توفي في 19 ربيع الاول بالمدينة وكان قد نيف على الثمانين.
(2) التلعفري: نسبة إلى التل الاعفر، موضع بنواحي الموصل.
(3) في اليونيني 3 / 219: توفي في ثالث عشر المحرم...بنصيبين.
(*)

(13/319)


ولده صلاح الدين، ثم ابن ابنه بعد ابن جماعة، وطالت مدة حفيده.
وقد ولى شمس الدين على نيابة ابن خلكان في الولاية الاولى، وكان فقيها جيدا نقالا للمذهب، رحمه الله.
وقد سافر مع ابن العديم لبغداد فسمع بها ودفن بمقابر الصوفية بالقرب من ابن الصلاح.
الشيخ الصالح العالم الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن سنجر الكناني الحموي له معرفة بالفقه والحديث، ولد سنة ست وتسعين بحماه، وتوفي بالقدس الشريف ودفن بماملا، وسمع من الفخر ابن عساكر، وروى عنه ولده قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة.
الشيخ الصالح جندل بن محمد المنيني كانت له عبادة وزهادة وأعمال صالحة، وكان الناس يترددون إلى زيارته بمنين، وكان يتكلم بكلام كثير لا يفهمه أحد من الحاضرين، بألفاظ غريبة، وحكى عنه الشيخ تاج الدين (1) أنه سمعه يقول: ما تقرب أحد إلى الله بمثل الذل له والتضرع إليه، وسمعه يقول: الموله منفي من طريق الله يعتقد أنه واصل ولو علم أنه منفي رجع عما هو فيه، لان طريق القوم من أهل السلوك لا يثبت عليها إلا ذوو العقول الثابتة.
وكان يقول: السماع وظيفة أهل البطالة.
قال الشيخ تاج الدين: وكان الشيخ جندل من أهل الطريق وعلماء التحقيق.
قال: وأخبرني في سنة إحدى وستين وستمائة أنه قد بلغ من العمر خمسا وتسعين سنة.
قلت: على هذا فيكون قد جاوز المائة، لانه توفي في رمضان من هذه السنة، ودفن في زاويته المشهورة بقرية منين، وتردد الناس لقبره يصلون عليه من دمشق وأعمالها أياما كثيرة رحمه الله.
محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحافظ بدر الدين أبو عبد الله بن الفويرة (2) السلمي الحنفي، اشتغل على الصدر سليمان وابن عطاء وفي النحو على ابن مالك، وحصل وبرع ونظم ونثر، ودرس في الشبلية والقصاعين.
وطلب لنيابة القضاء فامتنع، وكتب الكتابة المنسوبة.
رآه بعض أصحابه في المنام بعد وفاته
فقال: ما فعل الله بك ؟ فأنشأ يقول: ما كان لي من شافع عنده * غير اعتقادي أنه واحد
__________
(1) وهو عبد الرحمن بن الفركاح الفزاري.
(2) من تاريخ الملك الظاهر 2 / 202 وشذرات الذهب 5 / 347 والوافي 3 / 235.
وفي الاصل: ابن النويرة.
تحريف.
(*)

(13/320)


وكانت وفاته في جمادى الآخرة (1) ودفن بظاهر دمشق رحمه الله.
محمد بن عبد الوهاب بن منصور شمس الدين أبو عبد الله الحراني الحنبلي تلميذ الشيخ مجد الدين ابن تيمية، وهو أول من حكم بالديار المصرية من الحنابلة نيابة عن القاضي تاج الدين ابن بنت الاعز، ثم ولى شمس الدين ابن الشيخ العماد القضاء مستقلا فاستناب به، ثم ترك ذلك ورجع إلى الشام يشتغل ويفتي إلى أن توفي وقد نيف على الستين رحمه الله.
ثم دخلت سنة ست وسبعين وستمائة
فيها كانت وفاة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، صاحب البلاد المصرية والشامية والحلبية وغير ذلك، وأقام ولده ناصر الدين أبا المعالي محمد بركه خان الملقب السعيد من بعده، ووفاة الشيخ محيي الدين النووي إمام الشافعية فيها في اليوم السابع من المحرم منها، ودخل السلطان الملك الظاهر من بلاد الروم وقد كسر التتار على البلستين، ورجع مؤيدا منصورا فدخل دمشق وكان يوم دخوله يوما مشهودا، فنزل بالقصر الابلق الذي بناه غربي دمشق بين الميدانين الاخضرين، وتواترت الاخبار إليه بأن أبغا جاء إلى المعركة ونظر إليها وتأسف على من قتل من المغول وأمر بقتل البرواناه وذكروا أنه قد عزم على قصد الشام، فأمر السلطان بجمع الامراء وضرب مشورة فاتفق مع الامراء على ملاقاته حيث كان [ من البقاع ] (2)، وتقدم بضرب الدهليز على القصر (3)، ثم جاء الخبر بأن أبغا قد رجع إلى بلاده فأمر برد الدهليز وأقام بالقصر الابلق
يجتمع عنده الاعيان والامراء والدولة في أسر حال، وأنعم بال.
وأما أبغا فإنه أمر بقتل البرواناه - وكان نائبه على بلاد الروم - وكان اسمه معين الدين سليمان بن علي بن محمد بن حسن، وإنما قتله لانه اتهمه بممالاته للملك الظاهر، وزعم أنه هو الذي حسن له دخول بلاد الروم، وكان البرواناه شجاعا حازما كريما جوادا، وله ميل إلى الملك الظاهر، وكان قد جاوز الخمسين لما قتل.
ثم لما كان يوم السبت خامس عشر المحرم توفي الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك بن السلطان المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب، عن أربع وستين سنة، وكان رجلا جيدا سليم الصدر كريم الاخلاق، لين الكلمة كثير التواضع، يعاني ملابس العرب ومراكبهم، وكان
__________
(1) في تاريخ الملك الظاهر 2 / 203: توفي يوم السبت حادي عشرين جمادى الاولى.
وكان مولده سنة 636 ه.
(2) ما بين معكوفين من تاريخ الملك الظاهر 2 / 214.
(3) كذا بالاصل، وفي تاريخ الملك الظاهر: القصير: تصغير لقصر، عرفها القلقشندي 4 / 367 بأنها ضيعة أول منزل لمن يريد حمص من دمشق.
(*)

(13/321)


معظما في الدولة شجاعا مقداما، وقد روى عن ابن الليثي وأجاز للبرزالي.
قال البرزالي ويقال إنه سم، وذكر غيره أن السلطان الملك الظاهر سمه في كأس خمر ناوله إياه فشربه وقام السلطان إلى المرتفق ثم عاد وأخذ الساقي الكأس من يد القاهر فملاه وناوله السلطان الظاهر والساقي لا يشعر بشئ مما جرى، وأنسى الله السلطان ذلك الكأس، أو ظن أنه غيره لامر يريده الله ويقضيه، وكان قد بقي في الكأس بقية كثيرة من ذلك السم، فشرب الظاهر ما في الكأس ولم يشعر حتى شربه فاشتكى بطنه من ساعته، ووجد الوهج والحر والكرب الشديد من فوره، وأما القاهر فإنه حمل إلى منزله وهو مغلوب فمات من ليلته.
وتمرض الظاهر من ذلك أياما (1) حتى كانت وفاته يوم الخميس بعد الظهر في السابع والعشرين من المحرم بالقصر الابلق، وكان ذلك يوما عظيما على الامراء، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الامراء والدولة، فصلوا عليه سرا وجعلوه في تابوت ورفعوه إلى القلعة من السور وجعلوه في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته التي
بناها ولده له بعد موته، وهي دار العقيقي تجاه العادلية الكبيرة، ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة، وكتم موته فلم يعلم جمهور الناس به حتى إذا كان العشر الاخير من ربيع الاول، وجاءت البيعة لولده السعيدمن مصر فحزن الناس عليه حزنا شديدا، وترحموا عليه ترحما كثيرا، وجددت البيعة أيضا بدمشق وجاء تقليد النيابة بالشام مجددا إلى عز الدين أيدمر نائبها.
وقد كان الملك الظاهر شهما شجاعا عالي الهمة بعيد الغور مقداما جسورا معتنيا بأمر السلطنة، يشفق على الاسلام، متحليا بالملك، له قصد صالح في نصرة الاسلام وأهله، وإقامة شعار الملك، واستمرت أيامه من يوم الاحد سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين إلى هذا الحين، ففتح في هذه المدة فتوحات كثيرة قيسارية وأرسون ويافا والشقيف وإنطاكية وبغراس (2) وطبرية والقصير وحصن الاكراد وحصن ابن عكار (3) والغرين وصافينا وغير ذلك من الحصون المنيعة التي كانت بأيدي الفرنج، ولم يدع مع الاسماعيلية شيئا من الحصون، وناصف الفرنج على المرقب، وبانياس وبلاد أنطرسوس، وسائر ما بقي بأيديهم من البلاد والحصون، وولى في نصيبه
__________
(1) في الروض الزاهر ص 474: ثلاثة عشر يوما.
وحول ظروف مرضه وأسبابه كثرت الروايات منها تفيد بأنه مات بسبب دوزنطارية أصابته، وأخرى تشير إلى انه مات مسموما.
انظر (الروض الزاهر ص 473 - تاريخ الملك الظاهر 2 / 215 مختصر أبي الفداء 4 / 10 ابن العبري ص 503 شافع بن علي في حسن المناقب ص 163).
(2) في البداية المطبوعة: بعراض وهو تحريف.
(3) في الاصل: حصن عكا.
وهو تصحيف، وما أثبتناه من تاريخ الملك الظاهر 2 / 8، وفي المقريزي السلوك 1 / 2 / 602: حصن عكار، هذا الحصن يقع على مسافة يوم من مدينة طرابلس نحو الشرق، قبل سمي باسم بانيه محرز بن عكار استولى عليه الافرنج وبقي بيدهم حتى سقط بيد الظاهر بيبرس سنة 669 ه.
(الروض الزاهر ص 379 - أبو الفداء - المختصر 4 / 10).
(*)

(13/322)


مما ناصفهم عليه النواب والعمال وفتح قيسارية من بلاد الروم، وأوقع بالروم والمغول على البلستين
بأسا لم يسمع بمثله من دهور متطاولة، واستعاد من صاحب سيس بلادا كثيرة، وجاس خلال ديارهم وحصونهم، واسترد من أيدي المتغلبين من المسلمين بعلبك وبصرى وصرخد وحمص وعجلون والصلت وتدمر والرحبة وتل باشر وغيرها، والكرك والشوبك، وفتح بلاد النوبة بكمالها من بلاد السودان، وانتزع بلادا من التتار كثيرة، منها شيرزور والبيرة، واتسعت مملكته من الفرات إلى أقصى بلاد النوبة، وعمر شيئا كثيرا من الحصون والمعاقل والجسور على الانهار الكبار، وبنى دار الذهب بقلعة الجبل، وبنى قبة على اثني عشر عمودا ملونة مذهبة، وصور فيها صور خاصكيته وأشكالهم، وحفر أنهارا كثيرة وخلجانات ببلاد مصر، منها نهر السرداس، وبنى جوامع كثيرة ومساجد عديدة، وجدد بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين احترق، ووضع الدرابزينات حول الحجرة الشريفة، وعمل فيه منبرا وسقفه بالذهب، وجدد المارستان بالمدينة، وجدد قبر الخليل عليه السلام، وزاد في زاويته وما يصرف إلى المقيمين، وبنى على المكان المنسوب إلى قبر موسى عليه السلام قبة قبلي أريحا، وجدد بالقدس أشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة، ورمم سقف الصخرة وغيرها، وبنى بالقدس خانا هائلا بماملا، ونقل إليه باب قصر الخلفاء الفاطميين من مصر، وعمل فيه طاحونا وفرنا وبستانا، وجعل للواردين إليه أشياء تصرف إليهم في نفقة وإصلاح أمتعتهم رحمه الله.
وبنى على قبر أبي عبيدة بالقرب من عمتنا مشهدا، ووقف عليه أشياء للواردين إليه، وعمر جسر دامية، وجدد قبر جعفر الطيار بناحية الكرك، ووقف على الزائرين له شيئا كثيرا، وجدد قلعة صفت وجامعها، وجدد جامع الرملة وغيرها في كثير من البلاد التي كانت الفرنج قد أخذتها وخربت جوامعها ومساجدها، وبنى بحلب دارا هائلة، وبدمشق القصر الابلق والمدرسة الظاهرية وغيرها، وضرب الدراهم والدنانير الجيدة الخالصة على النصح والمعاملة الجيدة الجارية بين الناس، فرحمه الله.
وله من الاثار الحسنة والاماكن ما لم يبن في زمن الخلفاء وملوك بني أيوب، مع اشتغاله في الجهاد في سبيل الله واستخدم من الجيوش شيئا كثيرا، ورد إليه نحوا من ثلاثة آلاف من المغول فأقطعهم وأمر كثيرا منهم، وكان مقتصدا في ملبسه ومطعمه وكذلك جيشه، وهو الذي أنشأ
الدولة العباسية بعد دثورها، وبقي الناس بلا خليفة نحوا من ثلاث سنين، وهو الذي أقام من كل مذهب قاضيا مستقلا قاضي قضاة.
وكان رحمه الله متيقظا شهما شجاعا لا يفتر عن الاعداء ليلا ولا نهارا، بل هو مناجز لاعداء الاسلام وأهله، ولم شعثه واجتماع شمله.
وبالجملة أقامه الله في هذا الوقت المتأخر عونا ونصرا للاسلام وأهله، وشجا في حلوق المارقين من الفرنج والتتار، والمشركين.
وأبطل الخمور ونفى الفساق من البلاد، وكان لا يرى شيئا من الفساد والمفاسد إلى سعى في إزالته بجهده وطاقته.
وقد ذكرنا في سيرته ما أرشد إلى حسن طويته وسريرته، وقد جمع له كاتبه ابن عبد الظاهر سيرة مطولة، وكذلك ابن شداد أيضا.
وقد ترك من

(13/323)


الاولاد عشرة: ثلاثة ذكور (1) وسبع (2) إناث ومات وعمره ما بين الخمسين إلى الستين، وله أوقاف وصلات وصدقات، تقبل الله منه الحسنات، وتجاوز له عن السيئات والله سبحانه أعلم.
وقام في الملك بعده ولده السعيد بمبايعة أبيه له في حال حياته، وكان عمر السعيد يومئذ دون العشرين (3) سنة، وهو من أحسن الاشكال وأتم الرجال، وفي صفر وصلت الهدايا من الفنس مع رسله إلى الديار المصرية فوجدا السلطان قد مات، وقد أقيم الملك السعيد ولده مكانه والدولة لم تتغير، والمعرفة بعده ما تنكرت، ولكن البلاد قد فقدت أسدها بل أسدها وأشدها، بل الذي بلغ أشدها، وإذا انفتحت ثغرة من سور الاسلام سدها، وكلما انحلت عقدة من عرى العزائم شدها، وكلما رامت فرقة مارقة من طوائف الطغام أن تلج إلى حومة الاسلام صدها وردها، فسامحه الله، وبل بالرحمة ثراه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه.
وكانت العساكر الشامية قد سارت إلى الديار المصرية ومعهم محفة يظهرون أن السلطان بها مريض، حتى وصلوا إلى القاهرة فجددوا البيعة للسعيد بعدما أظهروا موت الملك السديد الذي هو إن شاء الله شهيد.
وفي يوم الجمعة السابع والعشرين من صفر خطب في جميع الجوامع بالديار المصرية للملك السعيد، وصلى على والده الملك الظاهر واستهلت عيناه بالدموع.
وفي منتصف ربيع الاول ركب الملك السعيد بالعصائب على عادته وبين يديه الجيش بكماله المصري والشامي، حتى
وصل إلى الجبل الاحمر وفرح الناس به فرحا شديدا، وعمره يومئذ تسع عشرة سنة، وعليه أبهة الملك ورياسة السلطنة.
وفي يوم الاثنين رابع جمادى الاولى فتحت مدرسة الامير شمس الدين آقسنقر الفارقاني بالقاهرة، بحارة الوزيرية على مذهب أبي حنيفة.
وعمل فيها مشيخة حديث وقارئ.
وبعده بيوم عقد عقد ابن الخليفة المستمسك بالله بن الحاكم بأمر الله، على ابنة الخليفة المستنصر بن الظاهر، وحضر والده والسلطان ووجوه الناس.
وفي يوم السبت تاسع جمادى الاولى شرع في بناء الدار التي تعرف بدار العقيقي، تجاه العادلية، لتجعل مدرسة وتربة للملك الظاهر، ولم تكن قبل ذلك إلا دارا للعقيقي، وهي المجاورة لحمام العقيقي، وأسس أساس التربة في خامس جمادى الآخرة وأسست المدرسة أيضا.
وفي رمضان طلعت سحابة عظيمة بمدينة صفت لمع منها برق شديد، وسطع منها لسان نار، وسمع منها صوت شديد هائل، ووقع منها على منارة صفت صاعقة شقتها من أعلاها إلى أسفلها شقا يدخل الكف فيه.
__________
(1) ذكر ابن شداد في تاريخه 2 / 226: الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة - ونجم الدين خضر، والعادل بدر الدين سلامش، وولدين ماتا طفلين في شهر واحد سنة 668 - ولكل واحد سنتان.
(2) في الاصل: سبعة.
(3) كان مولده في صفر سنة 658 ه، أمه بنت حسام الدين بركة خان بن دولة خان الخوارزمي.
(*)

(13/324)


وممن توفي فيها من الاعيان البرواناه في العشر الاول من المحرم.
والملك الظاهر في العشر الاخير منه، وقد تقدم شئ من ترجمتهما.
الامير الكبير بدر الدين بيلبك (1) بن عبد الله الخزندار نائب الديار المصرية للملك الظاهر، كان جوادا ممدحا له إلمام ومعرفة بأيام الناس، والتواريخ، وقد وقف درسا بالجامع الازهر على الشافعية، ويقال إنه سم فمات، فلما مات انتقض بعده حبل الملك السعيد، واضطربت أموره.
قاضي القضاة شمس الدين الحنبلي محمد بن الشيخ العماد أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، أول من ولي قضاء قضاة الحنابلة بالديار المصرية، سمع الحديث خصوصا على ابن طبرزد وغيره، ورحل إلى بغداد واشتغل بالفقه، وتفنن في علوم كثيرة، وولي مشيخة سعيد السعداء، وكان شيخا مهيبا حسن الشيبة كثير التواضع والبر والصدقة، وقد اشترط في قبول الولاية أن لا يكون له عليها جامكية ليقوم في الناس بالحق في حكمه، وقد عزله الظاهر عن القضاء سنة سبعين واعتقله بسبب الودائع التي كانت عنده، ثم أطلقه بعد سنتين فلزم منزله واستقر بتدريس الصالحية إلى أن توفي في أواخر المحرم، ودفن عند عم الحافظ عبد الغني بسفح جبل المقطم، وقد أجاز للبرزالي.
قال الحافظ البرزالي: وفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الاول ورد الخبر بموت ستة أمراء من الديار المصرية: سنقر البغدادي، وبسطا البلدي التتري، وبدر الدين الوزيري، وسنقر الرومي، وآق سنقر الفارقاني رحمهم الله.
الشيخ خضر الكردي شيخ الملك الظاهر خضر بن أبي بكر بن موسى الكردي النهرواني العدوي، ويقال إن أصله من قرية المحمدية من جزيرة ابن عمر، كان ينسب إليه أحوال ومكاشفات، ولكنه لما خالط الناس افتتن ببعض بنات الامراء، وكان يقول عن الملك الظاهر وهو أمير إنه سيلي الملك، فلهذا كان الملك الظاهر يعتقده ويبالغ في إكرامه بعد أن ولي المملكة، ويعظمه تعظيما زائدا، وينزل عنده إلى زاويته في الاسبوع مرة أو مرتين، ويستصحبه معه في كثير من أسفاره، ويلزمه ويحترمه ويستشيره فيشير عليه
__________
(1) في تاريخ أبي الفداء 4 / 11: تتليك.
(*)

(13/325)


برأيه ومكاشفات صحيحة مطابقة، إما رحمانية أو شيطانية، أو حال أو سعادة، لكنه افتتن لما خالط الناس ببعض بنات الامراء، وكن لا يحتجبن منه، فوقع في الفتنة.
وهذا في الغالب واقع
في مخالطة الناس فلا يسلم المخالط لهم من الفتنة، ولا سيما مخالطة النساء مع ترك الاصحاب، فلا يسلم العبد البتة منهن.
فلما وقع ما وقع فيه حوقق عند السلطان وتيسرى وقلاوون والفارس إقطاي الاتابك، فاعترف، فهم بقتله فقال له: إنما بيني وبينك أيام قلائل، فأمر بسجنه فسجن سنين عديدة من سنة إحدى وسبعين إلى سنة ست وسبعين، وقد هدم بالقدس كنيسة وذبح قسيسها وعملها زاوية وقد قدمنا ترجمته قبل ذلك فيما تقدم، ثم لم يزل مسجونا حتى مات في يوم الخميس سادس المحرم من هذه السنة، فأخرج من القلعة وسلم إلى قرابته فدفن في تربة أنشأها في زاويته.
مات وهو في عشر الستين، وقد كان يكاشف السلطان في أشياء، وإليه تنسب قبة الشيخ خضر التي على الجبل غربي الربوة، وله زاوية بالقدس الشريف (1).
الشيخ محيي الدين النووي يحيى بن شرف بن حسن بن حسين بن جمعة بن حزام الحازمي العالم، محيي الدين أبو زكريا النووي ثم الدمشقي الشافعي العلامة شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه، ولد بنوى سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ونوى قرية من قرى حوران، وقد قدم دمشق سنة تسع وأربعين، وقد حفظ القرآن فشرع في قراءة التنبيه، فيقال إنه قرأه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع العبادات من المذهب في بقية السنة، ثم لزم المشايخ تصحيحا وشرحا، فكان يقرأ في كل يوم اثنا عشر درسا على المشايخ، ثم اعتنى بالتصنيف فجمع شيئا كثيرا، منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله، فمما كمل شرح مسلم والروضة والمنهاج والرياض والاذكار والتبيان، وتحرير التنبيه وتصحيحه، وتهذيب الاسماء واللغات، وطبقات الفقهاء وغير ذلك.
ومما لم يتممه ولو كمل لم يكن له نظير في بابه: شرح المهذب الذي سماه المجموع، وصل فيه إلى كتاب الربا، فأبدع فيه وأجاد وأفاد، وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه فيه في المذهب وغيره، وحرر الحديث على ما ينبغي، والغريب واللغة وأشياء مهمة لا توجد إلا فيه، وقد جعله نخبة على ما عن له ولا أعرف في كتب الفقه أحسن منه، على أنه محتاج إلى أشياء كثيرة تزاد فيه وتضاف إليه، وقد كان من الزهادة والعبادة والورع والتحري والانجماح عن الناس على جانب كبير، لا يقدر عليه أحد من الفقهاء غيره، وكان يصوم الدهر
ولا يجمع بين إدامين، وكان غالب قوته مما يحمله إليه أبوه من نوى، وقد باشر تدريس الاقبالية نيابة عن ابن خلكان، وكذلك ناب في الفلكية والركنية، وولي مشيخة دار الحديث الاشرفية، وكان لا يضيع شيئا من أوقاته، وحج في مدة إقامته بدمشق، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
__________
(1) تقدمت ترجمته، وقد ذكر المؤلف وفاته في سنة 671 ه.
انظر حاشية رقم 3 صفحة 309.
(*)

(13/326)


للملوك وغيرهم.
توفي في ليلة أربع وعشرين من رجب من هذه السنة بنوى، ودفن هناك رحمه الله وعفا عنا وعنه.
علي بن علي بن أسفنديار نجم الدين الواعظ بجامع دمشق أيام السبوت في الاشهر الثلاثة، وكان شيخ الخانقاه المجاهدية وبها توفي في هذه السنة، وكان فاضلا بارعا، وكان جده يكتب الانشاء للخليفة الناصر، وأصلهم من بوشنج.
ومن شعر نجم الدين هذا قوله: إذا زار بالجثمان غيري فإنني * أزور مع الساعات ربعك بالقلب وما كل ناء عن ديار بنازح * ولا كل دان في الحقيقة ذو قرب ثم دخلت سنة سبع وسبعين وستمائة كان أولها يوم الاربعاء وكان الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد شاما ومصرا وحلبا الملك السعيد.
وفي أوائل المحرم اشتهر بدمشق ولاية ابن خلكان قضاء دمشق عودا على بدء في أواخر ذي الحجة، بعد عزل سبع سنين، فامتنع القاضي عز الدين بن الصائغ من الحكم في سادس المحرم وخرج الناس لتلقي ابن خلكان، فمنهم من وصل إلى الرملة وكان دخوله في يوم الخميس الثالث والعشرين من المحرم، فخرج نائب السلطنة عز الدين أيدمر بجميع الامراء والمواكب لتلقيه، وفرح الناس بذلك، ومدحه الشعراء، وأنشد الفقيه شمس الدين محمد بن جعفر: لما تولى قضاء الشام حاكمه * قاضي القضاة أبو العباس ذو الكرم
من بعد سبع شداد قال خادمه * ذا العام فيه يغاث الناس بالنعم وقال سعد الله بن مروان الفارقي: أذقت الشام سبع سنين جدبا * غداة هجرته هجرا جميلا فلما زرته من أرض مصر * مددت عليه من كفيك نيلا وقال آخر: رأيت أهل الشام طرا * ما فيهم قط غير راض نالهم الخير بعد شر * فالوقت بسط بلا انقباض وعوضوا فرحة بحزن * قد أنصف الدهر في التقاضي

(13/327)


وسرهم بعد طول غم * بدور قاضي وعزل قاضي وكلهم شاكر وشاك * بحال مستقبل وماض قال اليونيني: وفي يوم الاربعاء ثالث عشر صفر ذكر الدرس بالظاهرية وحضر نائب السلطنة أيدمر الظاهري وكان درسا حافلا حضره القضاة، وكان مدرس الشافعية الشيخ رشيد الدين محمود بن الفارقي، ومدرس الحنفية الشيخ صدر الدين سليمان الحنفي، ولم يكن بناء المدرسة كمل.
وفي جمادى الاولى باشر قضاء الحنفية صدر الدين سليمان المذكور عوضا عن مجد الدين بن العديم، بحكم وفاته، ثم توفي صدر الدين سليمان المذكور في رمضان وتولى بعده القضاء حسام الدين أبو الفضائل الحسن بن أنوشروان الرازي الحنفي، الذي كان قاضيا بملطية قبل ذلك.
وفي العشر الاول من ذي القعدة فتحت المدرسة النجيبية وحضر تدريسها ابن خلكان بنفسه، ثم نزل عنها لولده كمال الدين موسى، وفتحت الخانقاه النجيبية، وقد كانتا وأوقافهما تحت الحيطة إلى الآن.
وفي يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة دخل السلطان السعيد إلى دمشق وقد زينت له وعملت له قباب ظاهرة وخرج أهل البلد لتلقيه وفرحوا به فرحا عظيما لمحبتهم والده، وصلى عيد النحر
بالميدان، وعمل العيد بالقلعة المنصورة، واستوزر بدمشق الصاحب فتح الدين عبد الله بن القيسراني، وبالديار المصرية بعد موت بهاء الدين بن الحنا الصاحب برهان الدين بن الحضر بن الحسن السنجاري، وفي العشر الاخير من ذي الحجة جهز السلطان العساكر إلى بلاد سيس صحبة الامير سيف الدين قلاوون الصالحي، وأقام السلطان بدمشق في طائفة يسيرة من الامراء والخاصكية (1) والخواص، وجعل يكثر التردد إلى الزنبقية وفي يوم الثلاثاء السادس والعشرين من ذي الحجة جلس السلطان بدار العدل داخل باب النصر، وأسقط ما كان حدده والده على بساتين أهل دمشق، فتضاعفت له منهم الادعية وأحبوه لذلك حبا شديدا، فإنه كان قد أجحف بكثير من أصحاب الاملاك، وود كثير منهم لو تخلص من ملكه جملة بسبب ما عليه.
وفيها طلب من أهل دمشق خمسين ألف دينار ضربت أجرة على أملاكهم مدة شهرين، وجبي منهم على القهر والعسف.
وممن توفي فيها من الاعيان:
__________
(1) الخاصكية: هم مماليك مقربون من السلطان يدخلون عليه في أوقات خلواته وفراغه بغير إذن، وينالون من ذلك ما لا يناله أكابر المقدمين، ويواكبون السلطان عند ركوبه، ويتأنقون في ركوبهم وملبوسهم بما يميزهم عن غيرهم، ولهم الرزق الواسع والعطايا الجزيلة.
(*)

(13/328)


آقوش بن عبد الله الامير الكبير جمال الدين النجيبي أبو سعيد الصالحي، أعتقه الملك نجم الدين أيوب الكامل، وجعله من أكابر الامراء، وولاه أستاذ داريته، وكان يثق إليه ويعتمد عليه، وكان مولده في سنة تسع أو عشر وستمائة، وولاه الملك الظاهر أيضا أستاذ داريته، ثم استنابه بالشام تسع سنين، فاتخذ فيها المدرسة النجيبية ووقف عليها أوقافا دارة واسعة، لكن لم يقرر للمستحقين قدرا يناسب ما وقفه عليهم، ثم عزله السلطان واستدعاه لمصر فأقام بها مدة بطالا، ثم مرض بالفالج أربع سنين، وقد عاده في بعضها الملك الظاهر ولم يزل به حتى كانت وفاته ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر بالقاهرة بداره بدرب
الملوخية، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى، وقد كان بنى لنفسه تربة بالنجيبية، وفتح لها شباكين إلى الطريق، فلم يقدر دفنه بها.
وكان كثير الصدقة محبا للعلماء محسنا إليهم، حسن الاعتقاد.
شافعي المذهب، متغاليا في السنة ومحبة الصحابة وبغض الروافض، ومن جملة أوقافه الحسان البستان والاراضي التي أوقفها على الجسورة التي قبلي جامع كريم الدين اليوم، وعلى ذلك أوقاف كثيرة، وجعل النظر في أوقافه لابن خلكان.
أيدكين بن عبد الله (1) الامير الكبير علاء الدين الشهابي، واقف الخانقاه الشهابية، داخل باب الفرج.
كان من كبار الامراء بدمشق، وقد ولاه الظاهر بحلب مدة، وكان من خيار الامراء وشجعانهم، وله حسن ظن بالفقراء والاحسان إليهم، ودفن بتربة الشيخ عمار الرومي بسفح قاسيون، في خامس عشر ربيع الاول، وهو في عشر الخمسين، وخانقاه داخل باب الفرج، وكان لها شباك إلى الطريق.
والشهابي نسبة إلى الطواشي شهاب الدين رشيد الكبير الصالحي.
قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز ابن وهيب أبو الربيع الحنفي شيخ الحنفية في زمانه، وعالمهم شرقا وغربا، أقام بدمشق مدة يفتي ويدرس، ثم انتقل إلى الديار المصرية يدرس بالصالحية، ثم عاد إلى دمشق فدرس بالظاهرية، وولي القضاء بعد مجد الدين بن العديم ثلاثة أشهر، ثم كانت وفاته ليلة الجمعة سادس شعبان، ودفن في الغد بعد الصلاة بداره بسفح قاسيون، وله ثلاث وثمانون سنة، ومن لطيف شعره في مملوك تزوج جارية للملك المعظم: يا صاحبي قفا لي وانظرا عجبا * أتى به الدهر فينا من عجائبه
__________
(1) وهو غير أيدكين بن عبد الله البند قداري استاذ الملك الظاهر، والبند قداري توفي بالقاهرة سنة 684 ه.
(*)

(13/329)


البدر أصبح فوق الشمس منزلة * وما العلو عليها من مراتبه أضحى يماثلها حسنا وشاركها * كفوا وسار إليها في مواكبه
فأشكل الفرق لولا وشى نمنمة * بصدغه واخضرار فوق شاربه طه بن إبراهيم بن أبي بكر كمال الدين الهمداني الاربلي الشافعي، كان أديبا فاضلا شاعرا، له قدرة في تصنيف روبيت، وقد أقام بالقاهرة حتى توفي في جمادى الاولى من هذه السنة، وقد اجتمع مرة بالملك الصالح أيوب، فجعل يتكلم في علم النجوم فأنشده على البديهة هذين البيتين: دع النجوم لطرقي يعيش بها * وبالعزيمة فانهض أيها الملك إن النبي وأصحاب النبي نهوا * عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا وكتب إلى صاحب له اسمه شمس الدين يستزيره بعد رمد أصابه فبرأ منه: يقول لي الكحال عينك قد هدت * فلا تشغلن قلبا وطب بها نفسا ولي مدة يا شمس لم أركم بها * وآية برء العين أن تبصر الشمسا عبد الرحمن بن عبد الله ابن محمد بن الحسن بن عبد الله بن الحسن بن عفان جمال الدين بن الشيخ نجم الدين البادرائي البغدادي ثم الدمشقي، درس بمدرسة أبيه من بعده حتى حين وفاته يوم الاربعاء سادس رجب، ودفن بسفح قاسيون، وكان رئيسا حسن الاخلاق جاوز خمسين سنة.
قاضي القضاة مجد الدين عبد الرحمن بن جمال الدين عمر بن أحمد بن العديم، الحلبي، ثم الدمشقي الحنفي، ولي قضاء الحنفية بعد ابن عطاء بدمشق، وكان رئيسا ابن رئيس، له إحسان وكرم أخلاق، وقد ولي الخطابة بجامع القاهرة الكبير، وهو أول حنفي وليه، توفي بجوسقه بدمشق في ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن بالتربة التي أنشأها عند زاوية الحريري على الشرف القبلي غربي الزيتون.
الوزير ابن الحنا علي بن محمد بن سليم بن عبد الله الصاحب بهاء الدين أبو الحسن بن الحنا الوزير المصري، وزير الملك الظاهر وولده السعيد إلى أن توفي في سلخ ذي القعدة، وهو جد جد، وكان

(13/330)


ذا رأي وعزم وتدبير ذا تمكن في الدولة الظاهرية، لا تمضي الامور إلا عن رأيه وأمره، وله مكارم على الامراء وغيرهم، وقد امتدحه الشعراء، وكان ابنه تاج الدين وزير الصحبة، وقد صودر في الدولة السعيدية.
الشيخ محمد ابن الظهير اللغوي محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر مجد الدين أبو عبد الله الاربلي الحنفي المعروف بابن الظهير، ولد بإربل سنة ثنتين وستمائة، ثم أقام بدمشق ودرس بالقايمازية وأقام بها حتى توفي بها ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر، ودفن بمقابر الصوفية، وكان بارعا في النحو واللغة، وكانت له يد طولى في النظم وله ديوان مشهور، وشعر رائق، فمن شعره قوله: كل حي إلى الممات مآبه * ومدى عمره سريع ذهابه يخرب الدار وهي دار بقاء * ثم يبنى ما عما قريب خرابه عجبا وهو في التراب غريق * كيف يلهيه طيبه وعلابه ؟ كل يوم يزيد نقصا وإن عم * ر حلت أوصاله أوصابه (1) والورى في مراحل الدهر ركب * دائم السير لا يرجى إيابه فتزود إن التقى خير زاد * ونصيب اللبيب منه لبابه وأخو العقل من يقضي بصدق * شيبته في صلاحه وشبابه وأخو الجهل يستلذ هوى النف * س فيغدو شهدا لديه مصابه وهي طويلة جدا قريبة من مائة وخمسين بيتا، وقد أورد الشيخ قطب الدين شيئا كثيرا من شعره الحسن الفائق الرائق.
ابن إسرائيل الحريري محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين نجم الدين أبو المعالي الشيباني الدمشقي، ولد في يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول سنة ثلاث
وستمائة، وصحب الشيخ علي بن أبي الحسن بن منصور اليسري الحريري، في سنة ثمان عشرة، وكان قد لبس الخرقة قبله من الشيخ شهاب الدين السهروردي، وزعم أنه أجلسه في ثلاث خلوات، وكان ابن إسرائيل يزعم أن أهله قدموا الشام مع خالد بن الوليد فاستوطنوا دمشق، وكان أديبا فاضلا في صناعة الشعر، بارعا في النظم، ولكن في كلامه ونظمه ما يشير به إلى نوع
__________
(1) أوصاب: مفردها وصب أي مرض.
(*)

(13/331)


الحلول والاتحاد على طريقة ابن عربي وابن الفارض وشيخه الحريري، والله أعلم بحاله وحقيقة أمره.
توفي بدمشق ليلة الاحد الرابع عشر من ربيع الآخر هذه السنة، عن أربع وسبعين سنة، ودفن بتربة الشيخ رسلان معه داخل القبة، وكان الشيخ رسلان شيخ الشيخ علي المغربل الذي تخرج على يديه الشيخ علي الحريري شيخ ابن إسرائيل، فمن شعره قوله: لقد عادني من لاعج الشوق عائد * فهل عهد ذات الخال بالسفح عائد ؟ وهل نارها بالاجرع الفرد تعتلي * لمنفرد شاب الدجى وهو شاهد ؟ نديمي من سعدى أديرا حديثها * فذكرى هواها والمدامة واحد منعمة الاطراف رقت محاسنا * حلى لي في حبها ما أكابد فللبدر ما لاثت عليه خمارها * وللشمس ما جالت عليه القلائد وله: أيها المعتاض بالنوم السهر * ذاهلا يسبح في بحر الفكر سلم الامر إلى مالكه * واصطبر فالصبر عقباه الظفر لا تكونن آيسا من فرج * إنما الايام تأتي بالعبر كدر يحدث في وقت الصفا * وصفي يحدث في وقت الكدر وإذا ما ساء دهر مرة * سر أهليه ومهما ساء سر فارض عن ربك في أقداره * إنما أنت أسير للقدر
وله قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم طويلة حسنة سمعها الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وأصحابه على الشيخ أحمد إلا عفف عنه، وأورد له الشيخ قطب الدين اليونيني اشعارا كثيرة.
فمنها قصيدته الدالية المطولة التي أولها: وافى لي من أهواه جهرا لموعدي * وأرغم عذالي عليه وحسدي وزار على شط المزار مطولا * على مغرم بالوصل لم يتعود فيا حسن ما أهدى لعيني جماله * ويا برد ما أهدى إلى قلبي الصدي ويا صدق أحلامي ببشرى وصاله * ويا نيل آمالي ويا نجح مقصدي تجلى وجودي إذ تجلى لباطني * بجد سعيد أو بسعد مجدد لقد حق لي عشق الوجود وأهله * وقد علقت كفاي جمعا بموجدي ثم تغزل فأطال إلى أن قال: فلما تجلى لي على كل شاهد * وسامرني بالرمز في كل مشهد تجنبت تقييد الجمال ترفعا * وطالعت أسرار الجمال المبدد وصار سماعي مطلقا منه بدؤه * وحاشى لمثلي من سماع مقيد

(13/332)


ففي كل مشهود لقلبي شاهد * وفي كل مسموع له لحن معبد ثم قال: وصل في مشاهد الجمال أراه بأوصاف الجمال جميعها * بغير اعتقاد للحلول المبعد ففي كل هيفاء المعاطف غادة * وفي كل مصقول السوالف أغيد وفي كل بدر لاح في ليل شعره * على كل غصن مائس العطف أملد وعند اعتناقي كل قد مهفهف * ورشفي رضابا كالرحيق المبرد وفي الدر والياقوت والطيب والحلا * على كل ساجي الطرف لدن المقلد
وفي حلل الاثواب راقت لناظري * بزبرجها من مذهب ومورد وفي الراح والريحان والسمع والغنا * وفي سجع ترجيع الحمام المغرد وفي الدوح والانهار والزهر والندى * وفي كل بستان وقصر مشيد وفي الروضة الفيحاء تحت سمائها * يضاحك نور الشمس نوارها الندي وفي صفو رقراق الغدير إذا حكى * وقد جعدته الريح صفحة مبرد وفي اللهو والافراح والغفلة التي * تمكن أهل الفرق من كل مقصد وعند انتشار الشرب في كل مجلس * بهيج بأنواع الثمار المنضد وعند اجتماع الناس في كل حمعة * وعيد وإظهار الرياش المجدد وفي لمعان المشرفيات بالوغى * وفي ميل أعطاف القنا المتأود المظاهر العلوية وفي الاعوجيات العتاق إذا انبرت * تسابق وفد الريح في كل مطرد وفي الشمس تحكي وهي في برج نورها * لدى الافق الشرقي مرآة عسجد وفي البدر بدر الافق ليلة تمه * جلته سماء مثل صرح ممرد وفي أنجم زانت دجاها كأنها * نثار لآل في بساط زبرجد وفي الغيث روى الارض بعد همودها * قبال نداه متهم بعد منجد وفي البرق يبدو موهنا في سحابه * كباسم ثغر أو حسام مجرد وفي حسن الخطاب وسرعة الج * واب وفي الخط الانيق المجود ثم قال: المظاهر المعنوية وفي رقة الاشعار راقت لسامع * بدائعها من مقصر ومقصد وفي عود عيد الوصل من بعد جفوة * وفي أمن أحشاء الطريد المشرد

(13/333)


وفي رحمة المعشوق شكوى محبه * وفي رقة الالفاظ عند التودد وفي أريحيات الكريم إلى الندى * وفي عاطفات العفو من كل سيد وحالة بسط العارفين وأنسهم * وتحريكهم عند السماع المقيد وفي لطف آيات الكتاب التي بها * تنسم روح الوعد بعد التوعد ثم قال: المظاهر الجلالية كذلك أوصاف الجلال مظاهر * أشاهده فيها بغير تردد ففي سطوة القاضي الجليل وسمته * وفي سطوة الملك الشديد الممرد وفي حدة الغضبان حالة طيشه * وفي نخوة القرم المهيب المسود وفي صولة الصهباء جاز مديرها * وفي بؤس أخلاق النديم المعربد وفي الحر والبرد اللذين تقسما الز * زمان وفي إيلام كل محسد وفي سر تسليط النفوس بشرها * علي وتحسين التعدي لمعتدي وفي عسر العادات يشعر بالقضا * وتكحيل عين الشمس منه بأثمد وعند اصطدام الخيل في كل موقف * يعثر فيه بالوشيج المنضد وفي شدة الليث الصؤول وبأسه * وشدة عيش بالسقام منكد وفي جفوة المحبوب بعد وصاله * وفي غدره من بعد وعد مؤكد وفي روعة البين المسئ وموقف ال * وداع لحران الجوانح مكمد وفي فرقة الالاف بعد اجتماعهم * وفي كل تشتيت وشمل مبدد وفي كل دار أقفرت بعد أنسها * وفي طلل بال ودارس معمد وفي هول أمواج البحار ووحشة ال * قفار وسيل بالمزاييب مزبد وعند قيامي بالفرائض كلها * وحالة تسليم لسر التعبد وعند خشوعي في الصلاة لعزة ال * مناجي وفي الاطراق عند التهجد
وحالة إهلال الحجيج بحجهم * وأعمالهم للعيش في كل فدفد وفي عسر تخليص الحلال وفترة ال * ملال لقلب الناسك المتعبد المظاهر الكمالية وفي ذكريات العذاب وظلمة ال * حجاب وقبض الناسك المتزهد ويبدو بأوصاف الكمال فلا أرى * برؤيته شيئا قبيحا ولا ردي فكل مسئ لي إلي كمحسن * وكل مضل لي إلي كمرشد فلا فرق عندي بين أنس ووحشة * ونور وإظلام ومدن ومبعد

(13/334)


وسيان إفطاري وصومي وفترتي * وجهدي ونومي وادعاء تهجدي أرى تارة في حانة الخمر خالعا * عذاري وطورا في حنية مسجد تجلى لسري بالحقيقة مشرب * فوقتي ممزوج بكشف مسرمد تعمرت الاوطان بي وتحققت * مظاهرها عندي بعيني ومشهدي وقلبي على الاشياء أجمع قلب * وشربي مقسوم على كل مورد فهيكل أوثان ودير لراهب * وبيت لنيران وقبله معبدي ومسرح غرلان وحانة قهوة * وروضة أزهار ومطلع أسعد وأسرار عرفان ومفتاح حكمة * وأنفاس وجدان وفيض تبلد وجيش لضرغام وخدر لكاعب * وظلمة جيران ونور لمهتدي تقابلت الاضداد عندي جميعها * لمحنة مجهود ومنحة مجتدي وأحكمت تقرير المراتب صورة * ومعنى ومن عين التفرد موردي فما موطن إلا ولي فيه موقف * على قدم قامت بحق التفرد فلا غرو إن فت الانام جميعهم * وقد علقت بحبل من حبال محمد عليه صلاة الله تشفع دائما * بروح تحيات السلام المردد
ابن العود الرافضي أبو القاسم الحسين بن العود نجيب الدين الاسدي الحلي، شيخ الشيعة وإمامهم وعالمهم في أنفسهم، كانت له فضيلة ومشاركة في علوم كثيرة، وكان حسن المحضارة والمعاشرة، لطيف النادرة، وكان كثير التعبد بالليل، وله شعر جيد.
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وتوفي في رمضان من هذه السنة عن ست وتسعين سنة، والله أعلم بأحوال عباده وسرائرهم ونياتهم.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة
كان أولها يوم الاحد والخليفة والسلطان هما المذكوران في التي قبلها، وقد اتفق في هذه السنة أمور عجيبة، وذلك أنه وقع الخلف بين الممالك كلها، اختلفت التتار فيما بينهم واقتتلوا فقتل منهم خلق كثير، واختلفت الفرنج في السواحل وصال بعضهم على بعض وقتل بعضهم بعضا، وكذلك الفرنج الذين في داخل البحور وجزائرها، فاختلفوا واقتتلوا، وقتلت قبائل الاعراب بعضها في بعض قتالا شديدا، وكذلك وقع الخلف بين العشير من الحوارنة وقامت الحرب بينهم على ساق، وكذلك وقع الخلف بين الامراء الظاهرية بسبب أن السلطان الملك السعيد بن الظاهر لما بعث الجيش إلى سيس أقام بعده بدمشق وأخذ في اللهو واللعب والانبساط مع الخاصكية، وتمكنوا من

(13/335)


الامور، وبعد عنه الامراء الكبار، فغضبت طائفة منهم ونابذوه وفارقوه وأقاموا بطريق العساكر الذين توجهوا إلى سيس وغيرهم، فرجعت العساكر إليهم فلما اجتمعوا شعثوا قلوبهم على الملك السعيد، ووحشوا خواطر الجيش عليه، وقالوا: الملك لا ينبغي له أن يلعب ويلهو، وإنما همة الملوك في العدل ومصالح المسلمين والذب عن حوزتهم، كما كان أبوه.
وصدقوا فيما قالوا، فإن لعب الملوك والامراء وغيرهم دليل على زوال النعم وخراب الملك، وفساد الرعية.
ثم راسله الجيش في إبعاد الخاصكية عنه ودنو ذوي الاحلام والنهي إليه كما كان أبوه، فلم يفعل، وذلك أنه كان لا يمكنه ذلك لقوة شوكة الخاصكية وكثرتهم، فركب الجيش وساروا قاصدين مرج الصفر، ولم يمكنهم العبور على دمشق بل أخذوا من شرقها، فلما اجتمعوا كلهم بمرج الصفر أرسل السلطان
أمه إليهم فتلقوها وقبلوا الارض بين يديها، فأخذت تتألفهم وتصلح الامور، فأجابوها واشترطوا شروطا على ولدها السلطان، فلما رجعت إليه لم يلتزم بها ولم تمكنه الخاصكية من ذلك، فسارت العساكر إلى الديار المصرية، فساق السلطان خلفهم ليتلافى الامور قبل تفاقمها وانفراطها، فلم يلحقهم وسبقوه إلى القاهرة، وقد كان أرسل أولاده وأهله وثقله إلى الكرك فحصنهم فيها، وركب في طائفة من الجيش الذين بقوا معه والخاصكية إلى الديار المصرية، فلما اقترب منها صدوه عنها وقاتلوه فقتل من الفريقين نفر يسير، فأخذه بعض الامراء فشق به الصفوف وأدخله قلعة الجبل ليسكن الامر، فما زادهم ذلك إلا نفورا، فحاصروا حينئذ القلعة وقطعوا عنها الماء، وجرت خطوب طويلة وأحوال صعبة.
ثم اتفق الحال بعد ذلك مع الامير سيف الدين قلاوون الالفي الصالحي - وهو المشار إليه حينئذ - أن يترك الملك السعيد الملك ويتعوض بالكرك والشوبك، ويكون في صحبته أخوه نجم الدين خضر، وتكون المملكة إلى أخيه الصغير بدر الدين سلامش، ويكون الامير سيف الدين قلاوون أتابكه.
خلع الملك السعيد وتولية أخيه الملك العادل سلامش لما اتفق الحال على ما ذكرنا نزل السلطان الملك السعيد من القلعة إلى دار العدل في سابع عشر الشهر (1)، وهو ربيع الآخر، وحضر القضاة والدولة من أولي الحل والعقد، فخلع السعيد نفسه من السلطنة وأشهدهم على نفسه بذلك، وبايعوا أخاه بدر الدين سلامش ولقب بالملك العادل، وعمره يومئذ سبع سنين (2)، وجعلوا أتابكه الامير سيف الدين قلاوون الالفي الصالحي، وخطب له الخطباء ورسمت السكة باسمهما، وجعل لاخيه الكرك ولاخيه خضر
__________
(1) في السلوك 1 / 3 / 663: سابع شهر ربيع الآخرة.
(2) في بدائع الزهور 1 / 1 / 346: سبع سنين ونصف.
وفي ابن خلدون 5 / 394: ثمان سنين.
وفي مختصر أبي الفداء 4 / 12: سبع سنين وشهور.
(*)

(13/336)


الشوبك، وكتبت بذلك مكاتيب، ووضع القضاة والمفتيون خطوطهم بذلك، وجاءت البريدية
إلى الشام بالتحليف لهم على ما حلف عليه المصريون.
ومسك الامير أيدمر نائب الشام الظاهري واعتقل بالقلعة عند نائبها، وكان نائبها إذ ذاك علم الدين سنجر الدواداري، وأحيط على أموال نائب الشام وحواصله، وجاء على نيابة الشام الامير شمس الدين سنقر الاشقر في أبهة عظيمة، وتحكم مكين، فنزل بدار السعادة وعظمه الناس وعاملوه معاملة الملوك، وعزل السلطان قضاة مصر الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي، وولوا القضاء صدر الدين عمر بن القاضي تاج الدين بن بنت الاعز عوضا عن الشافعي، وهو تقي الدين بن رزين وكأنهم إنما عزلوه لانه توقف في خلع الملك السعيد والله أعلم.
بيعة الملك المنصور قلاوون الصالحي لما كان يوم الثلاثاء (1) الحادي والعشرين من رجب اجتمع الامراء بقلعة الجبل من مصر وخلعوا الملك العادل سلامش بن الظاهر، وأخرجوه من البين، وإنما كانوا قد بايعوه صورة ليسكن الشر عند خلع الملك السعيد، ثم اتفقوا على بيعة الملك المنصور قلاوون الصالحي، ولقبوه الملك المنصور، وجاءت البيعة إلى دمشق فوافق الامراء وحلفوا، وذكر أن الامير شمس الدين سنقر الاشقر لم يحلف مع الناس ولم يرض بما وقع، وكأنه داخله حسد من المنصور، لانه كان يرى أنه أعظم منه عند الظاهر.
وخطب للمنصور على المنابر في الديار المصرية والشامية، وضربت السكة باسمه، وجرت الامور بمقتضى رأيه فعزل وولى ونفذت مراسيمه في سائر البلاد بذلك، فعزل عن الوزارة (2) برهان الدين السنجاري وولى مكانه فخر الدين بن لقمان كاتب السر، وصاحب ديوان الانشاء بالديار المصرية.
وفي يوم الخميس الحادي عشر من ذي القعدة من هذه السنة توفي الملك السعيد بن الملك الظاهر بالكرك وسيأتي ذكر ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفيها حمل الامير أيدمر الذي كان نائب الشام في محفة لمرض لحقه إلى الديار المصرية، فدخلها في أواخر ذي القعدة، واعتقل بقلعة مصر.
سلطنة سنقر الاشقر بدمشق لما كان يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة ركب الامير شمس الدين سنقر الاشقر
من دار السعادة بعد صلاة العصر وبين يديه جماعة من الامراء والجند مشاة، وقصد باب القلعة
__________
(1) في السلوك 1 / 3 / 663: يوم الاحد العشرين من رجب - انظر النجوم الزاهرة 7 / 292.
وفي بدائع الزهور 1 / 1 / 347: يوم الاحد ثاني وعشرين رجب.
(2) وذلك في ثاني شوال.
(*)

(13/337)


الذي يلي المدينة، فهجم منه ودخل القلعة واستدعى الامراء فبايعوه على السلطنة، ولقب بالملك الكامل، وأقام بالقلعة ونادت المنادية بدمشق بذلك، فلما أصبح يوم السبت استدعى بالقضاة والعلماء والاعيان ورؤساء البلد إلى مسجد أبي الدرداء بالقلعة، وحلفهم وحلف له بقية الامراء والعسكر، وأرسل العساكر إلى غزة لحفظ الاطراف وأخذ الغلات، وأرسل الملك المنصور إلى الشوبك (1) فتسلمها نوابه ولم يمانعهم نجم الدين خضر.
وفيها جددت أربع أضلاع في قبة النسر من الناحية الغربية.
وفيها عزل فتح الدين بن القيسراني من الوزارة بدمشق ووليها تقي الدين بن توبة التكريتي.
وممن توفي فيها من الاعيان: عز الدين بن غانم الواعظ عبد السلام بن أحمد بن غانم بن علي بن إبراهيم بن عساكر بن حسين عز الدين أحمد الانصاري المقدسي، الواعظ المطبق المفلق الشاعر الفصيح، الذي نسج على منوال ابن الجوزي وأمثاله، وقد أورد له قطب الدين أشياء حسنة كثيرة مليحة، وكان له قبول عند الناس، تكلم مرة تجاه الكعبة المعظمة، وكان في الحضرة الشيخ تاج الدين بن الفزاري والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد، وابن العجيل من اليمن وغيرهم من العلماء والعباد، فأجاد وأفاد وخطب فأبلغ وأحسن.
نقل هذا المجلس الشيخ تاج الدين بن الفزاري، وأنه كان في سنة خمس وسبعين.
الملك السعيد بن الملك الظاهر بركة خان ناصر الدين محمد بن بركة خان أبو المعالي بن السلطان الملك الظاهر.
ركن
الدين بيبرس البند قداري، بايع له أبوه الامراء في حياته، فلما توفي أبوه بويع له بالملك وله تسع عشرة سنة، ومشيت له الامور في أول الامر على السعادة، ثم إنه غلبت عليه الخاصكية فجعل يلعب معهم في الميدان الاخضر فيما قيل أول هوى، فربما جاءت النوبة عليه فينزل لهم، فأنكرت الامراء الكبار ذلك وأنفوا أن يكون ملكهم يلعب مع الغلمان، ويجعل نفسه كأحدهم، فراسلوه في ذلك ليرجع عما هو عليه فلم يقبل، فخلعوه كما ذكرنا، وولوا السلطان الملك المنصور قلاوون في أواخر رجب كما تقدم.
ثم كانت وفاته في هذه السنة بالكرك في يوم الجمعة الحادي عشر من ذي القعدة، يقال إنه سم فالله أعلم، وقد دفن أولا عند قبر جعفر وأصحابه الذين قتلوا بموته، ثم
__________
(1) الشوبك: قلعة حصينة في أطراف الشام بين عمان وأيلة القلزم قرب الكرك (ياقوت)، وقد تسلمها الامير بدر الدين بيلك الايدمري في 18 ذي الحجة سنة 678 (السلوك 1 / 670).
(*)

(13/338)


نقل إلى دمشق فدفن في تربة أبيه (1) سنة ثمانين وستمائة، وتملك الكرك بعده أخوه نجم الدين خضر وتلقب بالملك المسعود، فانتزعها المنصور من يده كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم دخلت سنة تسع وسبعين وستمائة
كان أولها يوم الخميس ثالث أيار، والخليفة الحاكم بأمر الله وملك مصر الملك المنصور قلاوون الصالحي، وبعض بلاد الشام أيضا، وأما دمشق وأعمالها فقد ملكها سنقر الاشقر، وصاحب الكرك الملك المسعود بن الظاهر، وصاحب حماه الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود، والعراق وبلاد الجزيرة وخراسان والموصل وإربل وأذربيجان وبلاد بكر وخلاط وما والاها وغير ذلك من البلاد بأيدي التتار، وكذلك بلاد الروم في أيديهم أيضا، ولكن فيها غياث الدين بن ركن الدين، ولا حكم له سوى الاسم، وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر، وصاحب الحرم الشريف نجم الدين بن أبي نمي الحسني، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحه الحسيني.
ففي مستهل السنة المذكورة ركب السلطان الملك الكامل سنقر الاشقر من القلعة إلى الميدان
وبين يديه الامراء (ومقدمر الحلقة الغاشية، وعليهم الخلع والقضاة والاعيان ركاب معه، فسير في الميدان ساعة ثم رجع إلى القلعة، وجاء إلى خدمته الامير شرف الدين عيسى بن مهنا ملك العرب، فقبل الارض بين يديه، وجلس إلى جانبه وهو على السماط، وقام له الكامل، وكذلك جاء إلى خدمته ملك الاعراب بالحجاز، وأمر الكامل سنقر أن تضاف البلاد الحلبية إلى ولاية القاضي شمس الدين بن خلكان، وولاه تدريس الامينية وانتزعها من ابن سنى الدولة.
ولما بلغ الملك المنصور بالديار المصرية ما كان من أمر سنقر الاشقر بالشام أرسل إليه جيشا كثيفا فهزموا عسكر سنقر الاشقر الذي كان قد أرسله إلى غزة، وساقوهم بين أيديهم حتى وصل جيش المصريين إلى قريب دمشق، فأمر الملك الكامل أن يضرب دهليزه بالجسورة، وذلك في يوم الاربعاء ثاني عشر صفر، ونهض بنفسه وبمن معه فنزل هنالك واستخدم خلقا كثيرا وأنفق أموالا جزيلة، وانضاف إليه عرب الامير شرف الدين عيسى بن مهنا، وشهاب الدين أحمد بن حجى، وجاءته نجدة حلب ونجدة حماه ورجال كثيرة من رجال بعلبك، فلما كان يوم الاحد السادس عشر من صفر أقبل الجيش المصري صحبة الامير علم الدين سنجر الحلبي، فلما تراءا الجمعان وتقابل الفريقان تقاتلوا إلى الرابعة في النهار، فقتل نفر كثير وثبت الملك الكامل سنقر الاشقر ثباتا جيدا، ولكن خامر عليه الجيش فمنهم من صار إلى المصري ومنهم من انهزم في كل وجه، وتفرق عنه
__________
(1) وهي المدرسة الظاهرية المعروفة بدار العقيقي، وهي الظاهرية الجوانية والتي أنشأها الملك الظاهر بيبرس لتكون مدرسة للحنفية والشافعية ودار للحديث.
كرد علي: خطط الشام 6 / 82 الدارس في تاريخ المدارس 1 / 348.
(*)

(13/339)


أصحابه فلم يسعه إلا الانهزام على طريق المرح في طائفة يسيرة، في صحبة عيسى بن مهنا، فسار بهم إلى برية الرحبة فأنزلهم في بيوت من شعر، وأقام بهم وبدوابهم مدة مقامهم عنده، ثم بعث الامراء الذين انهزموا عنه فأخذوا لهم أمانا من الامير سنجر، وقد نزل في ظاهر دمشق وهي مغلوقة، فراسل نائب القلعة ولم يزل به حتى فتح باب الفرج من آخر النهار، وفتحت القلعة من داخل البلد فتسلمها للمنصور وأفرج عن الامير ركن الدين بيبرس العجمي المعروف بالحالق،
والامير لاجين حسام الدين المنصوري وغيرهم من الامراء الذين كان قد اعتقلهم الامير سنقر الاشقر وأرسل سنجر البريدية إلى الملك المنصور يعلمونه بصورة الحال، وأرسل سنجر بثلاثة آلاف في طلب سنقر الاشقر.
وفي هذا اليوم جاء ابن خلكان ليسلم على الامير سنجر الحلبي فاعتقله في علو الخانقاه النجيبية، وعزله في يوم الخميس العشرين (1) من صفر، ورسم للقاضي نجم الدين بن سنى الدولة بالقضاء فباشره، ثم جاءت البريدية معهم كتاب من الملك المنصور قلاوون بالعتب على طوائف الناس، والعفو عنه كلهم، فتضاعفت له الادعية، وجاء تقليد النيابة بالشام للامير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، فدخل معه علم الدين سنجر الحلبي فرتبه في دار السعادة، وأمر سنجر القاضي ابن خلكان أن يتحول من المدرسة العادلية الكبيرة ليسكنها نجم الدين بن سنى الدولة، وألح عليه في ذلك، فاستدعى جمالا لينقل أهله وثقله عليها إلى الصالحية فجاء البريد بكتاب من السلطان فيه تقرير ابن خلكان على القضاء والعفو عنه وشكره والثناء عليه (2)، وذكر خدمته المتقدمة، ومعه خلعة سنية له فلبسها وصلى بها الجمعة وسلم على الامراء فأكرموه وعظموه، وفرح الناس به وبما وقع من الصفح عنه.
وأما سنقر الاشقر فإنه لما خرجت العساكر في طلبه فارق الامير عيسى بن مهنا وسار إلى السواحل فاستحوذ منها على حصون كثيرة، منها صهيون (3)، وقد كان بها أولاده وحواصله، وحصن بلاطس (4) وبرزية (5) وعكار (6) وجبلة واللاذقية، والشغر (7) وبكاس وشيزر واستناب فيها
__________
(1) في السلوك 1 / 678: حادي عشرين.
(2) وكان ذلك يوم الاربعاء تاسع عشر ربيع الاول، وكانت مدة ابن سنى الدولة في القضاء عشرين يوما.
(السلوك 1 / 679).
(3) صهيون: قلعة حصينة في طرف جبل من أعمال حمص (معجم البلدان).
(4) من معجم البلدان، وفي الاصل: بلاطس.
وهو حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب.
(5) برزيه: وفي هامش السلوك 1 / 687: والصحيح برزويه.
وهو حصن قرب اللاذقية على سن جبل شاهق
(معجم البلدان).
(6) من تقويم البلدان لابي الفداء، وفي الاصل: عكا تحريف وقد تقدم.
(7) الشغر: وفي البداية المطبوعة " الشفر " بالفاء تحريف.
وهي قلعة حصينة في مقابله بكاس على رأس جبلين بينهما قرب أنطاكية (معجم البلدان).
(*)

(13/340)


الامير عز الدين ازدمر الحاج.
فأرسل السلطان المنصور لحصار شيزر طائفة من الجيش، فبينما هم كذلك إذ أقبلت التتار لما سمعوا بتفريق كلمة المسلمين، فانجفل الناس من بين أيديهم من سائر البلاد إلى الشام، ومن الشام إلى مصر، فوصلت التتار إلى حلب فقتلوا خلقا كثيرا، ونهبوا جيشا كبيرا، وظنوا أن جيش سنقر الاشقر يكون معهم على المنصور، فوجدوا الامر بخلاف ذلك، وذلك أن المنصور كتب إلى سنقر الاشقر.
إن التتار قد أقبلوا إلى المسلمين، والمصلحة أن نتفق عليهم لئلا يهلك المسلمون بيننا وبينهم، وإذا ملكوا البلاد لم يدعوا منا أحدا.
فكتب إليه سنقر بالسمع والطاعة وبرز من حصنه فخيم بجيشه ليكون على أهبة متى طلب أجاب، ونزلت نوابه من حصونهم وبقوا مستعدين لقتال التتار، وخرج المنصور من مصر في أواخر جمادى الآخرة ومعه العساكر.
وفي يوم الجمعة الثالث من جمادى الآخرة قرئ على منبر جامع دمشق كتاب من السلطان أنه قد عهد إلى ولده علي، ولقب بالملك الصالح، فلما فرغ من قراءة الكتاب جاءت البريدية فأخبروا برجوع التتار من حلب إلى بلادهم، وذلك لما بلغهم من إتفاق كلمة المسلمين، ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد، وعاد المنصور إلى مصر وكان قد وصل إلى غزة، أراد بذلك تخفيف الوطأة عن الشام فوصل إلى مصر في نصف شعبان.
وفي جمادى الآخرة أعيد برهان الدين السنجاري إلى وزارة مصر ورجع فخر الدين بن لقمان إلى كتابة الانشاء.
وفي أواخر رمضان أعيد إلى القضاء ابن رزين وعزل ابن بنت الاعز، وأعيد القاضي نفيس الدين بن شكر المالكي، ومعين الدين الحنفي، وتولى قضاء الحنابلة عز الدين المقدسي.
وفي ذي الحجة جاء تقليد ابن خلكان بإضافة المعاملة الحلبية إليه يستنيب فيها من شاء
من نوابه.
وفي مستهل ذي الحجة خرج الملك المنصور من بلاد مصر بالعساكر قاصدا الشام، واستناب على مصر ولده الملك الصالح علي بن المنصور إلى حين رجوعه، قال الشيخ قطب الدين: وفي يوم عرفة وقع بمصر برد كبار أتلف شيئا كثيرا من المغلات، ووقعت صاعقة بالاسكندرية وأخرى في يومها تحت الجبل الاحمر على صخرة فأحرقتها، فأخذ ذلك الحديد فسبك فخرج منه أواقي بالرطل المصري (1).
وجاء السلطان فنزل بعساكره تجاه عكا، فخافت الفرنج منه خوفا شديدا وراسلوه في طلب تجديد الهدنة، وجاء الامير عيسى بن مهنا من بلاد العراق إلى خدمة المنصور، وهو بهذه المنزلة فتلقاه السلطان بجيشه وأكرمه واحترمه وعامله بالصفح والعفو والاحسان.
وممن توفي فيها من الاعيان: الامير الكبير جمال الدين آقوش الشمسي أحد أمراء الاسلام، وهو الذي باشر قتل كتبغانوين أحد مقدمي التتار، وهو المطاع فيهم
__________
(1) الاوقية من الاوزان المصرية، فالرطل المصري 12 أوقية، والاوقية 12 درهما (صبح الاعشى 3 / 441).
(*)

(13/341)


يوم عين جالوت، وهو الذي مسك عز الدين أيدمر الظاهري في حلب من السنة الماضية، وكانت وفاته بها.
الشيخ الصالح داود بن حاتم ابن عمر الحبال، كان حنبلي المذهب له كرامات وأحوال صالحة ومكاشفات صادقة، وأصل آبائه من حران، وكانت إقامته ببعلبك، وتوفي فيها رحمه الله عن ست وتسعين سنة، وقد أثنى عليه الشيخ قطب الدين بن الشيخ الفقيه اليونيني.
الامير الكبير نور الدين علي بن عمر أبو الحسن الطوري، كان من أكابر الامراء، وقد نيف على تسعين سنة وكانت وفاته بسبب أنه وقع يوم مصاف سنقر الاشقر تحت سنابك الخيل فمكث بعد ذلك
متمرضا إلى أن مات بعد شهرين ودفن بسفح قاسيون.
الجزار الشاعر يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي جمال الدين أبو الحسين المصري، الشاعر الماجن، المعروف بالجزار.
مدح الملوك والوزراء والامراء، وكان ماجنا ظريفا حلو المناظرة، ولد في حدود ستمائة بعدها بسنة أو سنتين، وتوفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال من هذه السنة.
ومن شعره: أدركوني فبي من البرد هم * ليس ينسى وفي حشاي التهاب ألبستني الاطماع وهما فها * جسمي عار ولي فرى وثياب كلما أزرق لون جسمي من ال * برد تخيلت أنه سنجاب وقال وقد تزوج أبوه بعجوزة: تزوج الشيخ أبي شيخة * ليس لها عقل ولا ذهن كأنها في فرشها رمة * وشعرها من حولها قطن وقال لي كم سنها * قلت ليس في فمها سن لو أسفرت غربها في الدجى * ما جسرت تبصرها الجن

(13/342)