البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي
ثم دخلت سنة تسع وثمانين وستمائة
فيها كانت وفاة الملك المنصور قلاوون،
وكان الخليفة الحاكم العباسي، ونائب مصر حسام الدين طرقطاي (1)، ونائب
الشام حسام الدين لاجين، وقضاة الشام شهاب الدين بن الخوي الشافعي،
وحسام الدين الحنفي، ونجم الدين بن شيخ الجبل، وجمال الدين الزواوي
المالكي، وجاء البريد يطلب شمس الدين سنقر الاشقر إلى الديار المصرية،
فأكرمه السلطان وقواه وشد يده وأمره باستخلاص الاموال، وزاده مشد
الجيوش، والكلام على الحصون إلى البيرة وكختا وغير ذلك، فقويت نفسه
وزاد تجبره ولكن كان يرجع إلى مروءة وستر وينفع من ينتمي إليه، وذلك
مودة في الدنيا في أيام قلائل، وفي جمادى الآخرة جاء البريد بالكشف على
ناصر الدين المقدسي وكيل بيت المال، وناظر الخاص، فظهرت عليه مخازي من
أكل الاوقاف وغيرها، فرسم عليه بالعذراوية وطولب بتلك الاموال وضيق
عليه، وعمل فيه سيف الدين أبو العباس السامري قصيدة يتشفى فيها لما كان
أسدى إليه من الظلم والايذاء، مع أنه راح إليه وتغمم له وتمازحا هنالك،
ثم جاء البريد بطلبه إلى الديار المصرية فخاف النواب من ذهابه، فأصبح
يوم الجمعة (2) وهو مشنوق بالمدرسة العذراوية، فطلبت القضاة والشهود
فشاهدوه كذلك، ثم جهز وصلي عليه بعد الجمعة ودفن بمقابر الصوفية عند
أبيه، وكان مدرسا بالرواحية وتربة أم الصالح، مع الوكالتين والنظر.
وجاء البريد بعمل مجانيق لحصار عكا فركب الاعسر (3) إلى أراضي بعلبك
لما هنالك من
__________
(1) في السلوك 1 / 751: طرنطاي.
(2) في السلوك 1 / 753: يوم الجمعة ثالث شعبان.
(3) وهو الامير شمس الدين سنقر الاعسر، وقد قام الاعسر بتجهيز لوازم
الحرب بصفته شاد ديوان الجيش بدمشق،
وقد كلف هذه السنة، فضلا عما بيده من مسؤوليات، بوظيفة شد الحصون بسائر
النيابات الشامية والساحل.
(السلوك 1 / 754 وانظر حاشية رقم 2 من نفس الصفحة).
(*)
(13/372)
الاخشاب
العظيمة التي لا يوجد مثلها بدمشق، وهي تصلح لذلك، فكثرت الجنايات
والجبايات والسخر، وكلفوا الناس تكليفا كثيرا، وأخذوا أخشاب الناس،
وحملت إلى دمشق بكلفة عظيمة وشدة كثيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفاة الملك المنصور قلاوون
بينما الناس في هذا الهم والمصادرات وأمثال ذلك إذ وردت بريدية فأخبروا
بوفاة الملك المنصور يوم السبت سادس ذي القعدة من هذه السنة، بالمخيم
(1) ظاهر القاهرة، ثم حمل إلى قلعة الجبل ليلا وجلس بعده ولده الملك
الاشرف خليل بولاية العهد له، وحلف له جميع الامراء، وخطب له على
المنابر، وركب في أبهة الملك، والعساكر كلهم في خدمته مشاة من قلعة
الجبل إلى الميدان الاسود الذي هو سوق الخيل، وعلى الامراء والمقدمين
الخلع، وعلى القضاة والاعيان، ولما جاءت الاخبار بذلك حلف له الامراء
بالشام، وقبض على حسام الدين طرقطاي (2) نائب أبيه وأخذ منه أموالا
جزيلة أنفق منها على العساكر.
وفيها ولي خطابة دمشق زين الدين عمر بن مكي بن المرحل عوضا عن جمال
الدين بن عبد الكافي وكان ذلك بمساعدة الاعسر، وتولى نظر الجامع الرئيس
وجيه الدين بن المنجى الحنبلي، عوضا عن ناصر الدين بن المقدسي، وثمر
وقفه وعمره وزاد مائة وخمسين ألفا.
وفيها احترقت دار صاحب حماه، وذلك أنه وقع فيها نار في غيبته فلم
يتجاسر أحد يدخلها، فعملت النار فيها يومين فاحترقت واحترق كل ما فيها.
وفي شوال درس بتربة أم الصالح بعد ابن المقدسي القاضي إمام الدين
القونوي، وفيها باشر الشرف حسين بن أحمد بن الشيخ أبي عمر قضاء
الحنابلة عوضا عن ابن عمه نجم الدين بن شيخ الجبل، عن مرسوم الملك
المنصور قبل وفاته.
وحج بالناس في هذه السنة من الشام الامير
بدر الدين بكتوت الدوباسي، وحج قاضي القضاة شهاب الدين بن الخوي، وشمس
الدين بن السلعوس ومقدم الركب الامير عتبة، فتوهم منه أبو نمي، وكان
بينهما عداوة، فأغلق أبواب مكة ومنع الناس من دخولها فأحرق الباب وقتل
جماعة ونهب بعض الاماكن، وجرت خطوب فظيعة، ثم أرسلوا القاضي ابن الخوي
ليصلح بين الفريقين، ولما استقر عند أبي نمي رحل الركوب وبقي هو في
الحرم وحده وأرسل معه أبو نمي من ألحقه بهم سالما معظما.
وجاء الخبر بموت المنصور إلى
__________
(1) وكان قد برز من القاهرة فنزل بمسجد تبر، وهو في المنزلة الاولى في
الطريق إلى الشام وموضعه قريب من المطرية وعرف قديما بمسجد البئر
والجميزة، وتسميه العامة مسجد التبن.
(وفي مختصر أبي الفداء 4 / 23: مسجد التيرز، انظر السلوك 1 / 754).
(2) في المصادر: طرنطاي وقد تقدم.
(*)
(13/373)
الناس وهم
بعرفات وهذا شئ عجيب.
وجاء كتاب يستحث الوزير ابن السلعوس في المسير إلى الديار المصرية،
وبين الاسطر بخط الملك الاشرف: يا شقيريا وجه الخير احضر لتستلم
الوزارة.
فساق إلى القاهرة فوصلها يوم الثلاثاء عاشر المحرم، فتسلم الوزارة كما
قال السلطان.
وممن توفي فيها من الاعيان: السلطان
الملك المنصور قلاوون ابن عبد الله التركي الصالحي الالفي، اشتراه
الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر
بن أيوب، بألفي دينار، وكان من أكابر الامراء عنده وبعده، ولما تزوج
الملك السعيد بن الظاهر بابنته غازية خاتون، عظم شأنه جدا عند الظاهر،
وما زال يترفع في الدولة حتى صار أتابك سلامش بن الظاهر، ثم رفعه من
البين واستقل بالملك في سنة أربع وثمانين، وفتح طرابلس سنة ثمان
وثمانين، وعزم على فتح عكا وبرز إليها فعاجلته المنية في السادس
والعشرين (1) من ذي القعدة، ودفن بتربته بمدرسته الهائلة التي أنشأها
بين القصرين، التي ليس بديار مصر ولا بالشام مثلها.
وفيها دار حديث ومارستان.
وعليها أوقاف دارة كثيرة
عظيمة، مات عن قريب من ستين (2) سنة، وكانت مدة ملكه اثنتي عشرة (3)
سنة، وكان حسن الصورة مهيبا، عليه أبهة السلطنة ومهابة الملك، تام
القامة حسن اللحية عالي الهمة شجاعا وقورا سامحه الله.
الامير حسام الدين طرقطاي (4) نائب السلطنة المنصورية بمصر، أخذه
الاشرف فسجنه في قلعة الجبل، ثم قتله (5) وبقي ثمانية أيام لا يدرى به،
ثم لف في حصير وألقي على مزبلة، وحزن عليه بعض الناس، فكفن كآحاد
الفقراء بعد النعيم الكثير، والدنيا المتسعة، والكلمة النافذة، وقد أخذ
السلطان من حواصله ستمائة ألف دينار وسبعين قنطارا بالمصري فضة، ومن
الجواهر شيئا كثيرا، سوى الخيل والبغال والجمال والامتعة والبسط
الجياد، والاسلحة المثمنة، وغير ذلك من الحواصل والاملاك
__________
(1) كذا بالاصل وهو تصحيف، وقد تقدم انه توفي في السادس من ذي القعدة.
(2) في السلوك 1 / 755: نحو سبعين سنة.
(3) في السلوك 1 / 755: إحدى عشرة سنة وشهرين وأربعة وعشرين يوما، وفي
مختصر أبي الفداء 4 / 24: إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر وأياما، وفي تذكرة
النبيه 1 / 135: إحدى عشرة وشهرين.
(4) كذا بالاصل، وفي المصادر طرنطاي وقد تقدم.
(5) في تاريخ أبي الفداء 4 / 24: يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة.
وفي السلوك 1 / 757: يوم الاثنين خامس عشرة.
(*)
(13/374)
بمصر والشام،
وترك ولدين أحدهما أعمى، وقد دخل هذا الاعمى على الاشرف فوضع المنديل
على وجهه وقال شئ لله وذكر له أن لهم أياما لا يجدون شيئا يأكلونه، فرق
له وأطلق لهم الاملاك يأكلون من ريعها، فسبحان الله المتصرف في خلقه
بما يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء.
الشيخ الامام العلامة رشيد الدين عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي
الشافعي، مدرس الظاهرية، توفي بها
وقد جاوز التسعين، وجد مخنوقا في المحرم، ودفن بالصوفية، وقد سمع
الحديث وكان منفردا في فنون من العلوم كثيرة، منها علم النحو والادب
وحل المترجم والكتابة والانشاء وعلم الفلك والنجوم وضرب الرمل والحساب
وغير ذلك، وله نظم حسن.
الخطيب جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي
الربعي، توفي بدار الخطابة وحضر الناس الصلاة عليه يوم السبت سلخ جمادى
الاولى، وحمل إلى السفح فدفن إلى جانب الشيخ يوسف الفقاعي.
فخر الدين أبو الظاهر إسماعيل ابن عز القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن
عبد الواحد بن أبي اليمن، الشيخ الزاهد المتقلل من متاع الدنيا، توفي
في العشرين من رمضان، وصلي عليه في الجامع، ودفن بتربة بني الزكي
بقاسيون محبة في محيي الدين بن عربي، فإنه كان يكتب من كلامه كل يوم
ورقتين، ومن الحديث ورقتين وكان مع هذا يحسن الظن به، وكان يصلي مع
الائمة كلهم بالجامع، وقد أخبر عنه بعض العلماء أنه رأى بخطه.
وفي كل شئ له آية * تدل على أنه عينه وقد صحح على " عينه " وإنما
الصحيح المروي عمن أنشد هذا الشعر * تدل على أنه واحد * وله شعر فمنه:
والنهر مذ جن في الغصون هوى (1) * فراح في قلبه يمثلها فغار منه النسيم
عاشقها * فجاء عن وصله يميلها
__________
(1) صدره في تذكرة النبيه 1 / 130: النهر قد جن بالغصون هوى..(*)
(13/375)
وله أيضا: لما
تحقق بالامكان فوقكم * وقد بدا حكمه في عالم الصور
فميز الجمع عنه وهو متخذ * فلاح فرقكم في عالم الصور وله: لي سادة لا
أرى سواهم * هم عين معناي وعين جوفي لقد أحاطوا بكل جزء * مني وعزوا عن
درك طرفي هم نظروا في عموم فقري * وطول ذلي وفرط ضعفي فعاملوني ببحت
جود * وصرف بر ومحض لطف فلا تلم إن جررت ذيلي * فخرا بهم أو ثنيت عطفي
وله: مواهب ذي الجلال لدي تتري * فقد أخرستني ونطقن شكرا فنعمى إثر
نعمى إثر نعمى * وبشرى بعد بشرى بعد بشرى لها بدء وليس لها انتهاء *
يعم مزيدها دنيا وأخرى الحاج طيبرس بن عبد الله علاء الدين الوزير، صهر
الملك الظاهر، كان من أكابر الامراء ذوي الحل والعقد، وكان دينا كثير
الصدقات، له خان بدمشق أوقفه، وله في فكاك الاسرى وغير ذلك، وأوصى عند
موته بثلثمائة ألف تصرف على الجند بالشام ومصر، فحصل لكل جندي خمسون
درهما، وكانت وفاته في ذي الحجة، ودفن بتربته بسفح المقطم.
قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس [ أحمد ] (1) بن الشيخ شمس الدين بن
أبي عمر المقدسي، توفي ثاني عشر رجب بسوا، وكان فاضلا بارعا خطيبا
مدرسا بأكثر المدارس، وهو شيخ الحنابلة وابن شيخهم، وتولى بعده القضاء
الشيخ شرف الدين حسين (2) بن عبد الله بن أبي عمر، والله أعلم.
ثم دخلت سنة تسعين وستمائة من الهجرة فيها
فتحت عكا وبقية السواحل التي كانت بأيدي الفرنج من مدد متطاولة، ولم
يبق لهم فيها
حجر واحد ولله الحمد والمنة.
__________
(1) من السلوك 1 / 759 وتذكرة النبيه 1 / 129.
(2) في السلوك 1 / 759: حسن، وكان مولده سنة 638 ه ووفاته سنة 695 ودفن
بمقبرة جده (الوافي 12 / 93).
(*)
(13/376)
استهلت هذه
السنة والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس العباسي، وسلطان البلاد
الملك الاشرف خليل بن المنصور قلاوون، ونائبه بمصر وأعمالها بدر الدين
بيدرا، ووزيره ابن السلعوس الصاحب شمس الدين، ونائبه بالشام حسام الدين
لاجين السلحداري المنصوري، وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها،
وصاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن
علي بن رسول، وصاحب مكة نجم الدين أبو نمي محمد بن إدريس بن علي بن
قتادة الحسيني، وصاحب المدينة عز الدين جماز بن شيحة الحسيني، وصاحب
الروم غياث الدين كيخسرو، وهو ابن ركن الدين قلج أرسلان السلجوقي،
وصاحب حماة تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك
المظفر تقي الدين محمد، وسلطان بلاد العراق وخراسان وتلك النواحي أرغون
بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنيكزخان.
وكان أول هذه السنة يوم الخميس وفيه تصدق عن الملك المنصور بأموال
كثيرة جدا من الذهب والفضة، وأنزل السلطان إلى تربته في ليلة الجمعة
فدفن بها تحت القبة، ونزل في قبره بدر الدين بيدرا، وعلم الدين
الشجاعي، وفرقت صدقات كثيرة حينئذ، ولما قدم الصاحب شمس الدين بن
السلعوس من الحجاز خلع عليه للوزارة، وكتب تقليده بها القاضي محيي
الدين بن عبد الظاهر كاتب الانشا بيده، وركب الوزير في أبهة الوزارة
إلى داره، وحكم.
ولما كان يوم الجمعة (1) قبض على شمس الدين سنقر الاشقر وسيف الدين بن
جرمك الناصري، وأفرج عن الامير زين الدين كتبغا وكان قد قبض عليه مع
طرقطاي (2)، ورد عليه أقطاعه، وأعيد التقي توبة إلى وزارة دمشق مرة
أخرى.
وفيها أثبت ابن الخوي محضرا يتضمن أن يكون تدريس الناصرية للقاضي
الشافعي وانتزعها من زين الدين الفارقي.
فتح عكا وبقية السواحل وفيها جاء
البريد إلى دمشق في مستهل ربيع الاول لتجهيز آلات الحصار لعكا، ونودي
في دمشق الغزاة في سبيل الله إلى عكا، وقد كان أهل عكا في هذا الحين
عدوا على من عندهم من تجار المسلمين فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأبرزت
المناجيق إلى ناحية الجسورة، وخرجت العامة والمتطوعة يجرون في العجل
حتى الفقهاء والمدرسين والصلحاء، وتولى ساقها الامير علم الدين
الدويداري، وخرجت العساكر بين يدي نائب الشام، وخرج هو في آخرهم، ولحقه
صاحب حماه الملك المظفر وخرج الناس من كل صوب، واتصل بهم عسكر طرابلس،
وركب الاشرف من
__________
(1) في السلوك 1 / 762: سابع صفر.
(2) طرنطاي، انظر ما سبق.
(*)
(13/377)
الديار المصرية
بعساكره قاصدا عكا، فتوافت الجيوش هنالك، فنازلها يوم الخميس رابع (1)
ربيع الآخر ونصبت عليها المناجيق (2) من كل ناحية يمكن نصبها عليها،
واجتهدوا غاية الاجتهاد في محاربتها والتضييق على أهلها، واجتمع الناس
بالجوامع لقراءة صحيح البخاري، فقرأه الشيخ شرف الدين الفزاري، فحضر
القضاة والفضلاء والاعيان.
وفي أثناء محاصرة عكا وقع تخبيط من نائب الشام حسام الدين لاجين، فتوهم
أن السلطان يريد مسكه، وكان قد أخبره بذلك الامير الذي يقال له أبو خرص
(3)، فركب هاربا فرده علم الدين الدويداري بالمسا به وجاء به إلى
السلطان فطيب قلبه وخلع عليه ثم أمسكه بعد ثلاثة أيام وبعثه إلى قلعة
صفد واحتاط على حواصله، ورسم على أستاذ داره بدر الدين بكداش، وجرى ما
لا يليق وقوعه هنالك، إذ الوقت وقت عسر وضيق وحصار.
وصمم السلطان على الحصار فرتب الكوسات ثلثمائة حمل، ثم زحف يوم الجمعة
سابع عشر جمادى الاولى (4) ودقت الكوسات جملة واحدة عند طلوع الشمس،
وطلع المسلمون على الاسوار مع طلوع الشمس، ونصبت السناجق الاسلامية فوق
أسوار البلد، فولت الفرنج عند ذلك الادبار، وركبوا هاربين في مراكب
التجار، وقتل منهم عدد لا يعلمه إلا الله
تعالى، وغنموا من الامتعة والرقيق والبضائع شيئا كثيرا جدا، وأمر
السلطان بهدمها وتخريبها، بحيث لا ينتفع بها بعد ذلك، فيسر الله فتحها
نهار جمعة، كما أخذتها الفرنج من المسلمين في يوم الجمعة (5)، وسلمت
صور وصيدا قيادتهما إلى الاشرف، فاستوثق الساحل للمسلمين، وتنظف من
الكافرين، وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
وجاءت البطاقة إلى دمشق بذلك ففرح المسلمون، ودقت البشائر في سائر
الحصون، وزينت البلاد ليتنزه فيها الناظرون والمتفرجون، وأرسل السلطان
إلى صور أميرا فهدم أسوارها وعفا آثارها.
وقد كان لها في أيدي الفرنج من سنة ثمان عشرة وخمسمائة.
وأما عكا فقد كان الملك الناصر يوسف بن أيوب أخذها من أيدي الفرنج، ثم
إن الفرنج جاؤوا فأحاطوا بها بجيوش كثيرة، ثم جاء صلاح الدين ليمانعهم
عنها مدة سبعة وثلاثين شهرا، ثم آخر ذلك استملكوها وقتلوا من كان فيها
من المسلمين، كما تقدم ذلك.
ثم إن السلطان الملك الاشرف خليل بن المنصور قلاوون سار من عكا قاصدا
دمشق في أبهة
__________
(1) في السلوك 1 / 764: ثالث ربيع الآخرة.
(2) في السلوك: المجانيق (انظر مختصر أبي الفداء 4 / 24).
(3) وهو علم الدين سنجر الحموي (مختصر أبي الفداء 4 / 26، السلوك 1 /
767).
(4) في مختصر أبي الفداء 4 / 25 وتذكرة النبيه 1 / 137 بدائع الزهور 1
/ 1 / 368: جمادى الآخرة.
(5) كان ذلك يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة سنة 587 ه.
واستولى يومئذ الفرنج على من بها من المسلمين ثم قتلوهم.
(*)
(13/378)
الملك وحرمة
وافرة، وفي صحبته وزيره ابن السلعوس والجيوش المنصورة، وفي هذا اليوم
استناب بالشام الامير علم الدين سنجر الشجاعي، وسكن بدار السعادة، وزيد
في إقطاعه حرستا ولم تقطع لغيره، وإنما كانت لمصالح حواصل القلعة، وجعل
له في كل يوم ثلثمائة على دار الطعام، وفوض إليه أن يطلق من الخزانة ما
يريد من غير مشاورة ولا مراجعة، وأرسله السلطان إلى صيدا لانه كان
قد بقي بها برج عصي، ففتحه ودقت البشائر بسببه، ثم عاد سريعا إلى
السلطان فودعه، وسار السلطان نحو الديار المصرية في أواخر رجب، وبعثه
إلى بيروت ليفتحها فسار إليها ففتحها في أقرب وقت، وسلمت عثلية (1)
وانطرطوس وجبيل.
ولم يبق بالسواحل ولله الحمد معقل للفرنج إلا بأيدي المسلمين، وأراح
الله منهم البلاد والعباد، ودخل السلطان إلى القاهرة في تاسع شعبان في
أبهة عظيمة جدا، وكان يوما مشهودا.
وأفرج عن بدر الدين بيسرى بعد سجن سبع سنين.
ورجع علم الدين سنجر الشجاعي نائب دمشق إلى دمشق في سابع عشرين الشهر
المذكور، وقد نظف السواحل من الفرنج بالكلية، ولم يبق لهم بها حجر.
وفي رابع رمضان أفرج عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد ومعه جماعة
أمراء، ورد عليهم إقطاعاتهم، وأحسن إليهم وأكرمهم (2).
وفي أوائل رمضان طلب القاضي بدر الدين بن جماعة من القدس الشريف وهو
حاكم به، وخطيب فيه، على البريد إلى الديار المصرية فدخلها في رابع
عشرة، وأفطر ليلتئذ عند الوزير ابن السلعوس وأكرمه جدا واحترمه، وكانت
ليلة الجمعة، فصرح الوزير بعزل تقي الدين ابن بنت الاعز وتولية ابن
جماعة بالديار المصرية قضاء القضاة، وجاء القضاة إلى تهنئته وأصبح
الشهود بخدمته (3)، ومع القضاء خطابة الجامع الازهر، وتدريس الصالحية،
وركب في الخلعة والطرحة ورسم لبقية القضاة أن يستمروا بلبس الطرحات،
وذهب فخطب بالجامع الازهر، وانتقل إلى الصالحية ودرس بها في الجمعة
الاخرى وكان درسا حافلا، ولما كان يوم الجمعة رسم السلطان للحاكم بأمر
الله أن يخطب هو بنفسه الناس يومئذ وأن يذكر في خطبته أنه قد ولى
السلطنة للاشرف
__________
(1) في مختصر أبي الفداء 4 / 25 والسلوك 1 / 765: عثليث، قال أبو
الفداء: تسلم عثليث في مستهل شعبان ثم تسلم انطرطوس في خامس شعبان
(انظر هامش 3 صفحة 765 السلوك ج 1).
(2) قال في بدائع الزهور 1 / 369 إن السلطان أمر بخنق مجموعة من
الامراء كان قد حبسهم بالقلعة - ببرج الحية - وبينهم الامير لاجين،
فخنقوا ولما أرادوا دفنهم وجدوا الامير لاجين فيه الروح فأخبروا
السلطان بذلك فعطف عليه وأفرج عنه.
أما المقريزي في السلوك فقال انه افرج عن الامراء كافة ومن بينهم
الامير لاجين.
(1 / 771).
(3) الخدمة هنا بمعنى التحية، وهذا الاستعمال الاصطلاحي " للخدمة "
كثير الورود في كتب المؤرخين، وللخدمة في حضرة السلطان صيغ كثيرة: منها
الايماء باليد اليمنى إلى الارض، وخفض الرأس نحو الركوع، وتقبيل الارض
سجودا...وقد يأتي فعل " خدم " بمعنى أهدى.
(*)
(13/379)
خليل بن
المنصور، فلبس خلعة سوداء وخطب الناس بالخطبة التي كان خطب بها في
الدولة الظاهرية، وكانت من إنشاء الشيخ شرف الدين المقدسي في سنة ستين
وستمائة، فيكون بين الخطبتين أزيد من ثلاثين سنة، وذلك بجامع قلعة
الجبل، ثم استمر ابن جماعة يخطب بالقلعة عند السلطان، وكان يستنيب في
الجامع الازهر.
وأما ابن بنت الاعز فناله من الوزير إخراق ومصادرة وإهانة بالغة، ولم
يترك له من مناصبه شيئا، وكان بيده سبعة عشر منصبا، منها القضاء
والخطابة ونظر الاحباس (1) ومشيخة الشيوخ، ونظر الخزانة وتداريس كبار،
وصادره بنحو من أربعين ألف، غير مراكبه وأشياء كثيرة، ولم يظهر منه
استكانة له ولا خضوع، ثم عاد فرضي عنه وولاه تدريس الشافعي، وعملت ختمة
عند قبر المنصور في ليلة الاثنين رابع ذي القعدة وحضرها القضاة
والامراء، ونزل السلطان ومعه الخليفة إليهم وقت السحر، وخطب الخليفة
بعد الختمة خطبة بليغة، حرض الناس على غزو بلاد العراق واستنقاذها من
أيدي التتر، وقد كان الخليفة قبل ذلك محتجبا فرآه الناس جهرة، وركب في
الاسواق بعد ذلك.
وعمل أهل دمشق ختمة عظيمة بالميدان الاخضر إلى جانب القصر الابلق،
فقرئت ختمات كثيرة ثم خطب الناس بعدها الشيخ عز الدين القاروني، ثم ابن
البزوري، ثم تكلم من له عادة بالكلام وجاءت البريدية بالتهيؤ لغزو
العراق، ونودي في الناس بذلك، وعملت سلاسل عظام بسبب الجسورة على دجلة
بغداد، وحصلت الاجور على المقصود وإن لم يقع المقصود، وحصل لبعض الناس
أذى بسبب ذلك.
وفيها نادى نائب الشام الشجاعي أن لا تلبس امرأة عمامة كبيرة، وخرب
الابنية التي على
نهر بانياس والجداول كلها والمسالح والسقايات التي على الانهار كلها،
وأخرب جسر الزلابية وما عليه من الدكاكين، ونادى أن لا يمشي أحد بعد
العشاء الآخرة، ثم أطلق لهم هذه فقط، وأخرب الحمام الذي كان بناه الملك
السعيد ظاهر باب النصر، ولم يكن بدمشق أحسن منه، ووسع الميدان الاخضر
من ناحية الشمال مقدار سدسه، ولم يترك بينه وبين النهر إلا مقدارا
يسيرا، وعمل هو بنفسه والامراء بحيطانه.
وفيها حبس جمال الدين آقوش الافرم المنصوري وأميرا آخر معه في القلعة.
وفيها حمل الامير علم الدين الدويداري إلى الديار المصرية مقيدا.
وقد نظم الشيخ شهاب
__________
(1) هو ديوان الاوقاف، وقد أنشئ أول ما أنشئ في عهد الفاطميين وكان
يتولى شؤون الاوقاف الخاصة والعامة.
ولا يخدم فيها إلا أعيان كتاب المسلمين من الشهود والمعدلين ومتوليه
يختار من بين العلماء المشهورين بالتقوى والصلاح، وكان ناظر هذا
الديوان يشرف على رواتب العلماء والفقهاء وارباب الحديث وأئمة المساجد
(التعريف بمصطلحات صبح الاعشى 141).
(*)
(13/380)
الدين محمود
(1) قصيدة في فتح عكا: الحمد لله زالت (2) دولة الصلب * وعز الترك دين
المصطفى العربي هذا الذي كانت الآمال لو طلبت * رؤياه في النوم لاستحيت
من الطلب ما بعد عكا وقد هدت قواعدها * في البحر للترك (3) عند البر من
أرب لم يبق من بعدها للكفر إذ خربت * في البحر والبر وما ينجي سوى
الهرب أم الحروب فكم قد أنشأت فتنا * شاب الوليد بها هولا ولم تشب يا
يوم عكا لقد أنسيت ما سبقت * به الفتوح وما قد خط في الكتب لم يبلغ
النطق حد الشكر فيك فما * عسى يقوم به ذو الشعر والادب أغضبت عباد عيسى
إذ أبدتهم * لله أي رضى في ذلك الغضب (4) وأشرف الهادي المصطفى البشير
على * ما أسلف الاشرف السلطان من قرب
فقر عينا لهذا الفتح وابتهجت * ببشره الكعبة الغراء في الحجب وسار في
الارض سيرا قد سمعت به (5) * فالبر في طرب، والبحر في حرب وهي طويلة
جدا، وله ولغيره في فتح عكا أشعار كثيرة.
ولما رجع البريد أخبر بأن السلطان لما عاد إلى مصر خلع على وزيره ابن
السلعوس جميع ملابسه التي كانت عليه، ومركوبه الذي كان تحته، فركبه
ورسم له بثمانية وسبعين ألفا من خزانة دمشق، ليشتري له بها قرية قرحتا
من بيت المال.
وفي هذه السنة انتهت عمارة قلعة حلب بعد الخراب الذي أصابها من هولاكو
وأصحابه عام ثمان وخمسين.
وفيها في شوال شرع في عمارة قلعة دمشق وبناء الدور السلطانية والطارمة
(6) والقبة الزرقاء، حسب ما رسم به السلطان الاشرف خليل بن قلاوون
لنائبه علم الدين سنجر الشجاعي.
وفيها في رمضان أعيد إلى نيابة القلعة الامير أرجواش وأعطي إقطاعات
سنية.
وفيها أرسل الشيخ الرجيحي من ذرية الشيخ يونس مضيقا عليه محصورا إلى
القاهرة، وفيها درس عز الدين القاروني بالمدرسة النجيبية عوضا عن كمال
الدين بن خلكان، وفي ذلك اليوم درس نجم الدين مكي بالرواحية عوضا عن
ناصر الدين بن المقدسي، وفيه درس كمال الدين الطبيب
__________
(1) وهو شهاب الدين محمود بن سلمان الحلبي، أديب كبير عمل بدواوين
الانشاء بالشام ومصر نحو خمسين عاما.
مولده بحلب سنة 644 ووفاته بدمشق سنة 725 ه (الدارس 2 / 236 فوات
الوفيات ج 4 / ترجمة 508).
(2) في فوات الوفيات 1 / 410: ذلت.
(3) في فوات الوفيات: للشرك.
(4) في تذكرة النبيه 1 / 138: وكم له من رضى في ذلك الغضب.
(5) في الفوات: وسار في الارض سير الريح سمعته..(6) الطارمة: وهي لفظة
فارسية الاصل، تعني هنا: بيت من خشب يبنى سقفه على هيئة لجلوس السلطان
وجمعها طارمات (محيط المحيط، المقريزي المواعظ والاعتبار 1 / 35).
(*)
(13/381)
بالمدرسة
الدخوانية الطبية، وفي هذا الشهر درس جلال الدين الخبازي بالخاتونية
البرانية (1)،
وجمال الدين بن الناصر بقي بالفتحية، وبرهان الدين الاسكندري بالقوصية
التي بالجامع، والشيخ نجم الدين الدمشقي بالشريفية عند حارة الغرباء.
وفيها أعيدت الناصرية إلى الفارقي وفيه درس بالامينية القاضي نجم الدين
بن صصرى بعد ابن الزملكاني، وأخذت منه العادلية الصغيرة لكمال الدين بن
الزملكاني.
وممن توفي فيها من الاعيان: أرغون
بن أبغا ملك التتار كان شهما شجاعا سفاكا للدماء، قتل عمه السلطان أحمد
بن هولاكو، فعظم في أعين المغول فلما كان في هذه السنة مات من شراب
شربه فيه سهم، فاتهمت المغول اليهود به - وكان وزيره سعد الدولة بن
الصفي يهوديا - فقتلوا من اليهود خلقا كثيرا، ونهبوا منهم أموالا عظيمة
جدا في جميع مدائن العراق، ثم اختلفوا فيمن يقيمونه بعده، فمالت طائفة
إلى كيختو فأجلسوه على سرير المملكة، فبقي مدة، قيل سنة وقيل أقل من
ذلك، ثم قتلوه وملكوا بعده بيدرا.
وجاء الخبر بوفاة أرغون إلى الملك الاشرف وهو محاصر عكا ففرح بذلك
كثيرا، وكانت مدة ملك أرغون ثمان سنين (2)، وقد وصفه بعض مؤرخي العراق
بالعدل والسياسة الجيدة.
المسند المعمر الرحالة فخر الدين بن النجار (3) وهو أبو الحسن علي بن
أحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي المعروف بابن النجار (3)، ولد في
سلخ أو مستهل سنة ست وسبعين وخمسمائة، وسمع الكثير ورحل مع أهله، وكان
رجلا صالحا عابدا زاهدا ورعا ناسكا، تفرد بروايات كثيرة لطول عمره،
وخرجت له مشيخات وسمع منه الخلق الكثير والجم الغفير، وكان منصوبا لذلك
حتى كبر وأسن وضعف عن الحركة، وله شعر حسن، منه قوله: تكررت السنون علي
حتى * بليت وصرت من سقط المتاع وقل النفع عندي غير أني * أعلل بالرواية
والسماع
__________
(1) وهي بدمشق وقفتها زمرد خاتون أخت الملك دقاق صاحب دمشق، وأم شمس
الملوك اسماعيل ومحمود وزوجة
تاج الملوك بوري توفيت سنة 557 ه (الدارس 1 / 502).
(2) في السلوك 1 / 776: نحو سبع سنين.
(مختصر أبي الفداء 4 / 26).
(3) في السلوك وتذكرة النبيه وشذرات الذهب: ابن البخاري.
(*)
(13/382)
فإن يك خالصا
فله جزاء * وإن يك مالقا فإلى ضياع وله أيضا: إليك اعتذاري من صلاتي
قاعدا * وعجزي عن سعي إلى الجمعات وتركي صلاة الفرض في كل مسجد * تجمع
فيه الناس للصلوات فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني * من النار واصفح لي عن
الهفوات توفي ضحى نهار الاربعاء ثاني ربيع الآخر (1) من هذه السنة، عن
خمس وتسعين سنة، وحضر جنازته خلق كثير، ودفن عند والده الشيخ شمس الدين
أحمد بن عبد الواحد بسفح قاسيون.
الشيخ تاج الدين الفزاري عبد الرحمن (2) بن سباع بن ضياء الدين أبو
محمد الفزاري، الامام العلامة العالم، شيخ الشافعية في زمانه، حاز قصب
السبق دون أقرانه، وهو والد شيخنا العلامة برهان الدين.
كان مولد الشيخ تاج الدين في سنة ثلاثين (3) وستمائة، وتوفي ضحى
الاثنين خامس جمادى الآخرة، بالمدرسة البادرائية وصلي عليه بعد الظهر
بالاموي، تقدم للصلاة عليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الخوي، ثم صلي
عليه عند جامع جراح الشيخ زين الدين الفارقي، ودفن عند والده بباب
الصغير، وكان يوما شديد الزحام.
وقد كان ممن اجتمع فيه فنون كثيرة من العلوم النافعة، والاخلاق
اللطيفة، فصاحة المنطق، وحسن التصنيف، وعلو الهمة، وفقه النفس، وكتابه
الاقليد الذي جمع على أبواب التنبيه وصل فيه إلى باب الغصب، دليل على
فقه نفسه وعلو قدره، وقوة همته ونفوذ نظره، واتصافه بالاجتهاد الصحيح
في غالب ما سطره، وقد انتفع به الناس، وهو شيخ أكابر مشايخنا هو ومحيي
الدين النووي، وله اختصار الموضوعات لابن الجوزي، وهو
عندي بخطه، وقد سمع الحديث الكثير وحضر عند ابن الزبيدي صحيح البخاري،
وسمع من ابن الليثي (4) وابن الصلاح واشتغل عليه، وعلى ابن عبد السلام
وانتفع بهما، وخرج له الحافظ علم الدين البرزالي أحد تلاميذه مشيخة في
عشرة أجزاء عن مائة شيخ فسمعها عليه الاعيان: وله شعر جيد فمنه: لله
أيام جمع الشمل ما برحت * بها الحوادث حتى أصبحت سمرا
__________
(1) في تذكرة النبيه 1 / 144: جمادى الآخرة.
(2) في النجوم الزاهرة 8 / 33 والسلوك وتذكرة النبيه 1 / 143: عبد
الرحمن بن ابراهيم بن سباع.
(3) في تذكرة النبيه 1 / 143: مولده سنة 624 ه، قال ومات وله ست وستون
سنة - وانظر السلوك 1 / 776.
(4) في شذرات الذهب 5 / 413: ابن اللتي.
(*)
(13/383)
ومبتدا الحزن
من تاريخ مسألتي * عنكم، فلم ألق لا عينا ولا أثرا يا راحلين قدرتم
فالنجاة لكم * ونحن للعجز لا نستعجز القدرا وقد ولي الدرس بعده
بالبادرائية والحلقة والفتيا بالجامع ولده شيخنا برهان الدين، فمشى على
طريقة والده وهديه وسمته رحمه الله.
وفي ثالث شعبان توفي: الطبيب الماهر عز الدين إبراهيم بن محمد بن طرخان
السويدي الانصاري، ودفن بالسفح عن تسعين سنة، وروى شيئا من الحديث،
وفاق أهل زمانه في صناعة الطب، وصنف كتبا في ذلك (1)، وكان يرمى بقلة
الدين وترك الصلوات وانحلال في العقيدة، وإنكار أمور كثيرة مما يتعلق
باليوم الآخر، والله يحكم فيه وفي أمثاله بأمره العدل الذي لا يجوز ولا
يظلم.
وفي شعره ما يدل على قلة عقله ودينه وعدم إيمانه، واعتراضه على تحريم
الخمر، وأنه قد طال رمضان عليه في تركها وغير ذلك.
الشيخ الامام العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن الامام العلامة كمال
الدين عبد الواحد بن عبد الكريم بن
خلف الانصاري الزملكاني، وقد درس بعد أبيه المذكور بالامينية، وكانت
وفاة والده هذا ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من ربيع الآخر
بالامينية، ودفن بمقابر الصوفية عند والده الامير الكبير بدر الدين علي
بن عبد الله الناصري، ناظر الرباط بالصالحية، عن وصية أستاذه، وهو الذي
ولى الشيخ شرف الفزاري مشيخة الرباط بعد ابن الشريشي جمال الدين، وقد
دفن بالتربة الكبيرة داخل الرباط المذكور.
الشيخ الامام أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الكرخي صهر الشيخ تقي الدين
بن الصلاح، وأحد تلاميذه، ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، ومات يوم
الاربعاء ثاني ربيع الآخر من هذا السنة، ودفن إلى جانب ابن الصلاح.
الملك العادل بدر الدين سلامش بن الظاهر الذي كان قد بويع بالملك بعد
أخيه الملك السعيد، وجعل الملك المنصور قلاوون أتابكه،
__________
(1) من مؤلفاته: الباهر في الجواهر، تذكرة الاطباء المعروفة بتذكرة
السويدي.
(حاجي خليفة: كشف الظنون 1 / 219، 386).
(*)
(13/384)
ثم استقل
قلاوون بالملك، وأرسلهم إلى الكرك ثم أعادهم إلى القاهرة ثم سفرهم
الاشرف خليل في أول دولته إلى بلاد الاشكري من ناحية اصطنبول، فمات
سلامش هناك وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية، وقد كان
سلامش من أحسن الناس شكلا وأبهاهم منظرا، وقد افتتن به خلق كثير،
واللوطية الذين يحبون المردان، وشبب به الشعراء وكان عاقلا رئيسا مهيبا
وقورا.
العفيف التلمساني أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن علي بن يس
العابدي الكومي ثم التلمساني الشاعر المتقن المتفنن في علوم منها النحو
والادب والفقه والاصول، وله في ذلك مصنفات، وله شرح مواقف النفر وشرح
أسماء الله الحسنى، وله ديوان مشهور، ولولده محمد ديوان آخر، وقد نسب
هذا الرجل إلى عظائم في الاقوال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة
والكفر المحض، وشهرته تغني عن الاطناب في ترجمته، توفي يوم الاربعاء
خامس رجب ودفن بالصوفية، ويذكر عنه أنه عمل أربعين خلوة كل خلوة أربعين
يوما متتابعة فالله أعلم.
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين وستمائة فيها فتحت
قلعة الروم.
وسلطان البلاد من دنقلة إلى مصر إلى أقصى بلاد الشام بكماله وسواحله
بلاد حلب وغير ذلك الملك الاشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور
قلاوون، ووزيره شمس الدين بن السلعوس، وقضاته بالشام ومصرهم المذكور ون
في التي قبلها، ونائب مصر بدر الدين بيدرا ونائب الشام علم الدين سنجر
الشجاعي، وسلطان التتر بيدار بن أرغون ابن أبغا، [ وفي رابع صفر وقع
حريق في بعض ] (1) الخزائن [ بقلعة الجبل ] (2) أتلف شيئا كثيرا من
الذخائر والنفائس والكتب.
وفي التاسع والعشرين من ربيع الاول خطب الخليفة الحاكم وحث في خطبته
على الجهاد والنفير، وصلى بهم الجمعة وجهر بالبسملة.
وفي ليلة السبت ثالث عشر صفر جئ بهذا الجرز الاحمر الذي بباب البرادة
من عكا، فوضع في مكانه.
وفي ربيع الاول كمل بناء الطارمة وما عندها من الدور والقبة الزرقاء،
وجاءت في غاية الحسن والكمال والارتفاع.
وفي يوم الاثنين ثاني جمادى الاولى ذكر الدرس بالظاهرية الشيخ صفي
الدين محمد بن عبد الرحيم الارموي، عوضا عن علاء الدين ابن بنت الاعز،
وفي هذا اليوم درس بالدولعية كمال الدين بن
__________
(1) كذا بالاصل والمعنى مختل، وما بين معكوفين زيادة استدركت من السلوك
1 / 777 لمقتضى السياق.
(2) من السلوك 1 / 777.
(*)
(13/385)
الزكي.
وفي يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة درس بالنجيبية الشيخ ضياء الدين عبد
العزيز الطوسي، بمقتضى نزول الفارقي له عنها.
والله أعلم بالصواب.
فتح قلعة الروم وفي ربيع الاول منها
توجه السلطان الاشرف بالعساكر نحو الشام فقدم دمشق ومعه وزيره
ابن السلعوس فاستعرض الجيوش وأنفق فيهم أموالا جزيلة، ثم سار بهم نحو
بلاد حلب، ثم سار إلى قلعة الروم فافتتحها بالسيف قهرا في يوم السبت
حادي عشر رجب، وجاءت البشارة بذلك إلى دمشق، وزينت البلد سبعة أيام
وبارك الله لجيش المسلمين في سعيهم، وكان يوم السبت إلبا على أهل يوم
الاحد، وكان الفتح بعد حصار عظيم جدا، مدة ثلاثين يوما (1)، وكانت
المنجنيقات تزيد على ثلاثين منجنيقا (2)، واستشهد من الامراء شرف الدين
بن الخطير، وقد قتل من أهل البلد خلق كثير وغنم المسلمون منها شيئا
كثيرا، ثم عاد السلطان إلى دمشق وترك الشجاعي بقلعة الروم يعمرون ما
وهى من قلعتها بسبب رمي المنجنيقات عليها وقت الحصار، وكان دخوله إلى
دمشق بكرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان، فاحتفل الناس لدخوله ودعوا له
وأحبوه، وكان يوما مشهودا بسط له كما يبسط له إذا قدم من الديار
المصرية، وإنما كان ذلك بإشارة ابن السلعوس، فهو أول من بسط له، وقد
كسر أبوه التتر على حمص ولم يبسط له، وكذلك الملك الظاهر كسر التتر
والروم على البلستين، وفي غير موطن ولم يبسط له، وهذه بدعة شنعاء قد
أحدثها هذا الوزير للملوك، وفيها إسراف وضياع مال وأشر وبطر ورياء
وتكليف للناس، وأخذ أموال ووضعها في غير مواضعها، والله سبحانه سائله
عنها، وقد ذهب وتركها يتوارثها الملوك والناس عنه، وقد حصل للناس بسبب
ذلك ظلم عظيم، فليتق العبد ربه ولا يحدث في الاسلام بسبب هواه ومراد
نفسه ما يكون سبب مقت الله له، وإعراضه عنه، فإن الدنيا لا تدوم لاحد،
ولا يدوم أحد فيها والله سبحانه أعلم.
وكان ملك قلعة الروم مع السلطان أسيرا، وكذلك رؤس أصحابه، فدخل بهم
دمشق وهم يحملون رؤوس أصحابهم على رؤوس الرماح، وجهز السلطان طائفة من
الجيش نحو جبل كسروان والجزر بسبب ممالاتهم للفرنج قديما على المسلمين،
وكان مقدم العساكر بيدرا (3) وفي صحبته سنقر الاشقر، وقراسنقر المنصوري
الذي كان نائب حلب فعزله عنه السلطان وولى مكانه
__________
(1) في السلوك 1 / 778: ثلاثة وثلاثين يوما.
(2) في السلوك 1 / 778: عشرين منجنيقا.
وبهامش الصفحة حاشية 2: " عين النويري (نهاية الارب ج
29 / 300 أ) أنواع المجانيق فقال: " خمسة منها فرنجية، وخمسة عشر
قوابغا وشيطانية ".
(3) في الاصل بندار تصحيف، وهو الامير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة
بديار مصر.
وصحح اسمه في الخبر اينما ورد.
(*)
(13/386)
سيف الدين
بلبان البطاحي (1) المنصوري، وجماعة آخرون من الامراء الكبار، فلما
أحاطوا بالجبل ولم يبق إلا دمار أهليه حملوا في الليل إلى بيدرا حملا
كثيرا ففتر في قضيتهم، ثم انصرف بالجيوش عنهم وعادوا إلى السلطان،
فتلقاهم السلطان وترجل السلطان إلى الامير بيدرا وهو نائبه على مصر، ثم
ابن السلعوس نبه السلطان على فعل بيدرا فلامه وعنفه، فمرض من ذلك مرضا
شديدا أشفى به على الموت حتى قيل إنه مات، ثم عوفي فعمل ختمة عظيمة
بجامع دمشق حضرها القضاة والاعيان، وأشغل الجامع نظير ليلة النصف من
شعبان، وكان ذلك ليلة العشر الاول من رمضان، وأطلق السلطان أهل الحبوس
وترك بقية الضمان عن أرباب الجهات السلطانية، وتصدق عنه بشئ كثير، ونزل
هو عن ضمانات كثيرة كان قد حاف فيها على أربابها، وقد امتدح الشهاب
محمود (2) الملك الاشرف خليل على فتحه قلعة الروم بقصيدة هائلة فاضلة
أولها: لك الراية الصفراء يقدمها النصر * فمن كيقباد إن رآها وكيخسرو
إذا خفقت في الافق هدت بنورها * هوى الشرك واستعلى الهدى وانجلى الثغر
وإن نشرت مثل الاصائيل في الوغى * جلى النقع من لالاء طلعتها البدر وإن
يممت زرق العدى سار تحتها * كتائب خضر دوحها البيض والسمر كأن مثار
النقع ليل وخفقها * بروق وأنت البدر والفلك الحتر (4) وفتح أتى في إثر
فتح كأنما * سماء بدت تترى كواكبها الزهر فكم فطنت طوعا وكرها معاقلا *
مضى الدهر عنها وهي عانسة بكر بذلت لها عزما فلولا مهابة * كساها الحيا
جاءتك تسعى ولا مهر قصدت حمى من قلعة الروم لم يتح * لغيرك إذ غرتهم
المغل فاغتروا
ووالوهم سرا ليخفوا أذاهم * وفي آخر الامر استوى السر والجهر صرفت
إليهم همة لو صرفتها * إلى البحر لاستولى على مده الجزر وما قلعة الروم
التي حزت فتحها * وإن عظمت إلا إلى غيرها جسر طليعة ما يأتي من الفتح
بعدها * كما لاح قبل الشمس في الافق الفجر فصبحتها بالجيش كالروض بهجة
* صوارمه أنهاره والقنا الزهر وأبعدت بل كالبحر والبيض موجه * وجرد
المزاكي السفن والخود الذر وأغربت بل كالليل عوج سيوفه * أهلته والنبل
أنجمه الزهر
__________
(1) في السلوك 1 / 778 ومختصر أبي الفداء 4 / 27: الطباخي وكان الطباخي
نائبا الفتوحات وكان مقامه بحصن الاكراد.
(2) وهو شهاب الدين محمود بن سلمان الحلبي.
وقد تقدمت الاشارة إليه.
(3) في فوات الوفيات 1 / 414: هدب بنودها.
(4) في الفوات: البحر.
(*)
(13/387)
ولحظات لا بل
كالنهار شموسه * محياك (1) والآصال راياتك الصفر ليوث من الاتراك
آجامها القنا * لها كل يوم في ذرى ظفر ظفر فلا الريح يجري بينهم
لاشتباكها * عليهم ولا ينهل من فوقهم قطر عيون إذا الحرب العوان تعرضت
* لخطابها بالنفس لم يغلها مهر ترى الموت معقودا بهدب نبالهم * إذا ما
رماها القوس والنظر الشزر ففي كل سرح غصن بان مهفهف * وفي كل قوس مده
ساعد بدر إذا صدموا شم الجبال تزلزلت * وأصبح سهلا تحت خيلهم الوعر ولو
وردت ماء الفرات خيولهم * لقيل هنا قد كان فيما مضى نهر أداروا بها
سورا فأضحت كخاتم * لدى خنصر أو تحت منطقه خصر
وأرخوا إليها من أكف بحارهم (2) * سحاب ردى لم يخل من قطره قطر كأن
المجانيق التي قمن حولها * رواعد سخط وبلها النار والصخر أقامت صلاة
الحرب ليلا صخورها * فأكثرها شفع وأكبرها وتر ودارت بها تلك النقوب
فأسرفت * وليس عليها في الذي فعلت حجر فأضحت بها كالصب يخفى غرامه *
حذار أعاديه وفي قلبه جمر وشبت بها النيران حتى تمزقت * وباحت بما
أخفته وانهتك الستر فلاذوا بذيل العفو منك فلم تجب * رجاءهم لو لم يشب
قصدهم مكر وما كره المغل اشتغالك عنهم * بها عند ما فروا ولكنهم سروا
فأحرزتها بالسيف قهرا وهكذا * فتوحك فيما قد مضى كله قسر وأضحت بحمد
الله ثغرا ممنعا * تبيد الليالي.
العدى وهو مفتر فيا أشرف الاملاك فزت بغزوة * تحصل منها الفتح والذكر
والاجر ليهنيك عند المصطفى أن دينه * توالى له في يمن دولتك النصر
وبشراك أرضيت المسيح وأحمدا * وإن غضب اليعفور من ذاك والكفر فسر حيث
ما تختار فالارض كلها * تطيعك والامصار أجمعها مصر ودم وابق للدنيا
ليحيى بك الهدى * ويزهى على ماضي العصور بك العصر حذفت منها أشياء
كثيرة.
وفيها تولى خطابة دمشق الشيخ عز الدين أحمد الفاروثي الواسطي بعد وفاة
زين الدين بن المرحل وخطب واستسقى بالناس فلم يسقوا، ثم خطب مرة ثانية
بعد ذلك بأيام عند مسجد القدم،
__________
(1) في الفوات: وأخطأت...جيوشك.
(2) في الفوات: وأجروا إليها من بحار أكفهم.
(*)
(13/388)
فلم يسقوا ثم
ابتهل الناس من غير دعاية واستسقاية فسقوا، ثم عزل الفاروثي بعد أيام
بالخطيب
موفق الدين أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد بن عبد المنعم بن حسن
المهراني الحموي، كان خطيب حماه ثم نقل إلى دمشق في هذه السنة، فقام
وخطب وتألم الفاروثي لذلك ودخل على السلطان واعتقد أن الوزير عزله من
غير علمه، فإذا هو قد شعر لذلك واعتذر بأنه إنما عزله لضعفه، فذكر له
أنه يصلي ليلة النصف مائة ركعة بمائة قل هو الله أحد، فلم يقبلوا
واستمروا بالحموي.
وهذه دناءة وقلة عقل وعدم إخلاص من الفاروثي، وأصاب السلطان في عزله.
وفي هذا اليوم قبض السلطان على الامير سنقر الاشقر وغيره فهرب هو
والامير حسام الدين لاجين السلحداري، فنادت عليه المنادية بدمشق من
أحضره فله ألف دينار، ومن أخفاه شنق، وركب السلطان ومماليكه في طلبه،
وصلى الخطيب بالناس في الميدان الاخضر، وعلى الناس كآبة بسبب تفرق
الكلمة، واضطراب الجيش، واختبط الناس، فلما كان سادس شوال أمسكت العرب
سنقر الاشقر فردوه على السلطان فأرسله مقيدا إلى مصر.
وفي هذا اليوم ولى السلطان نيابة دمشق لعز الدين أيبك الحموي، عوضا عن
الشجاعي، وقدم الشجاعي من الروم ثاني يوم عزله فتلقاه الفاروثي فقال:
قد عزلنا من الخطابة، فقال ونحن من النيابة، فقال الفاروثي (عسى ربكم
أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون) فلما بلغ ابن
السلعوس تغضب عليه وكان قد عين له القيمرية فترك ذلك، وسافر السلطان
عاشر شوال إلى مصر فدخلها في أبهة الملك، وفي يوم دخوله أقطع قراسنقر
مائة فارس بمصر عوضا عن نيابة حلب، وفي هذه السنة اشترى الامير سيف
الدين طغاي الاشقري قيسارية القطن المعروفة بإنشاء الملك المعظم بن
العادل من بيت المال، بمرسوم من السلطان، وكان حظيا عنده، ونقل سوق
الحريريين تلك المدة إليها، وكان السلطان قد أفرج عن علم الدين
الدويداري بعد رجوعه من قلعة الروم واستحضره إلى دمشق وخلع عليه
واستصحبه معه إلى القاهرة، وأقطعه مائة فارس، وولاه مشد الدواوين
مكرها.
وفي ذي القعدة استحضر السلطان سنقر الاشقر وطقصوا (1) فعاقبهما فاعترفا
بأنهما أرادا قتله، فسألهما عن لاجين فقالا: لم يكن معنا ولا علم له
بهذا، فخنقهما وأطلقه بعد ما جعل الوتر في حلقه، وكان قد بقي له مدة لا
بد أن يبلغها، وقد ملك بعد ذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وفي ذي الحجة عقد الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين عقده على بنت
قاضي القضاة شهاب الدين الخويي بالبادرائية، وكان حافلا.
وفيها دخل الامير سنقر الاعسر على بنت الوزير شمس الدين بن السلعوس على
صداق ألف دينار، وعجل لها خمسمائة، وفيها قفز جماعة من التتر نحوا من
ثلثمائة إلى الديار المصرية فأكرموا.
__________
(1) وهو الامير ركن الدين بيبرس طقصوا حمو لاجين.
(*)
(13/389)
وممن توفي فيها
من الاعيان: الخطيب زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد الشافعي
المعروف بابن المرحل، وهو والد الشيخ صدر الدين ابن الوكيل، سمع الحديث
وبرع في الفقه وفي علوم شتى، منها علم الهيئة وله فيه مصنف، تولى خطابة
[ الجامع الاموي ب ] (1) دمشق ودرس وأفتى، توفي ليلة السبت الثالث
والعشرين من ربيع الاول، وصلي عليه من الغد بباب الخطابة.
الشيخ عز الدين الفاروثي ولي الخطابة قليلا ثم عزل ثم مات ودفن بباب
الصغير عفا الله عنا وعنه.
الصاحب فتح الدين أبو عبد الله محمد بن محيي الدين بن عبد الله بن عبد
الظاهر، كاتب الاسرار في الدولة المنصورية بعد ابن لقمان وكان ماهرا في
هذه الصناعة، وحظي عند المنصور وكذا عند ابنه الاشرف، وقد طلب منه ابن
سلعوس أن يقرأ عليه كل ما يكتبه، فقال: هذا لا يمكن فإن أسرار الملوك
لا يطلع عليها غيرهم، وأبصروا لكم غيري يكون معكم بهذه المثابة، فلما
بلغ ذلك الاشرف أعجبه منه وازدادت عنده منزلته، توفي يوم السبت نصف
رمضان، وأخرجت في تركته قصيدة قد رثا بها تاج الدين بن الاثير (2) وكان
قد شوش فاعتقد أنه يموت فعوفي فبقيت بعده، وتولى ابن الاثير بعده ورثاه
تاج الدين كما رثاه وتوفي ابن الاثير بعده بشهر وأربعة أيام.
يونس بن علي بن رضوان بن برقش الامير عماد الدين، كان أحد الامراء
بطبلخانة في الدولة الناصرية، ثم حمل وبطل الجندية بالكلية في الدولة
المظفرية وهلم جرا إلى هذه السنة، وكان الظاهر يكرمه، توفي في شوال
ودفن عند والده بتربة الخزيميين رحمهم الله.
جلال الدين الخبازي عمر بن محمد بن عمر أبو محمد الخجندي أحد مشايخ
الحنفية الكبار، أصله من بلاد ما
__________
(1) ما بين معكوفتين زيادة من تذكرة النبيه 1 / 155.
(2) وهو أحمد بن سعيد بن محمد بن سعيد بن الاثير الحلبي توفي بغزة وهو
عائد إلى الديار المصرية.
(*)
(13/390)
وراء النهر من
بلد يقال لها خجندة، واشتغل ودرس بخوارزم، وأعاد ببغداد، ثم قدم دمشق
فدرس بالعزية والخاتونية البرانية، وكان فاضلا بارعا منصفا مصنفا في
فنون كثيرة، توفي لخمس بقين من ذي الحجة منها، وله ثنتان وستون سنة،
ودفن بالصوفية.
الملك المظفر قرا أرسلان الافريقي، صاحب ماردين (1)، توفي وله ثمانون
سنة وقام بعده ولده شمس الدين داود ولقب بالملك السعيد والله سبحانه
أعلم.
ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة في تاريخ
ظهير الدين الكازروني ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في هذه السنة نظير
ما كان في سنة أربع وخمسين على صفتها، إلا أن هذه النار كان يعلو
لهيبها كثيرا، وكانت تحرق الصخر ولا تحرق السعف، واستمرت ثلاثة أيام.
استهلت هذه السنة والخليفة الحاكم العباسي وسلطان البلاد الملك الاشرف
بن المنصور ونائبه بمصر بدر الدين بيدرا، وبالشام عز الدين أيبك
الحموي، وقضاة مصر والشام هم الذين كانوا في التي قبلها، والوزير شمس
الدين بن السلعوس.
وفي جمادى الآخرة قدم الاشرف دمشق فنزل في
القصر الابلق والميدان الاخضر، وجهز الجيوش وتهيأ لغزو بلاد سيس، وقدم
في غضون ذلك رسل صاحب بلاد سيس يطلبون الصلح، فشفع الامراء فيهم فسلموا
بهسنا (2) وتل حمدون (3).
ومرعش (4)، وهي أكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها، وهي في فم الدربند، ثم
ركب السلطان في ثاني رجب نحو سلمية بأكثر الجيش صورة أنه يريد أن يصيب
الامير حسام الدين لاجين، فأضافه الامير مهنا بن عيسى، فلما انقضت
الضيافة أمسك له حسام الدين لاجين، وكان عنده، فجاء به فسجنه في قلعة
دمشق وأمسك مهنا بن عيسى وولى مكانه محمد بن علي بن حديثة (5) ثم أرسل
السلطان جمهور الجيش بين يديه إلى الديار المصرية صحبة نائبه بيدرا،
ووزيره ابن السلعوس، وتأخر هو في خاصكيته ثم لحقهم.
__________
(1) ماردين: قلعة مشهورة بجبل الجزيرة مشرفة على دنيسر ونصيبين (معجم
البلدان).
(2) بهسنا: من حصون الشام الشمالية، شمال غرب عينتاب (تقويم البلدان
لابي الفداء: ص 264).
(3) تل حمدون: قلعة من بلاد الارمن (أبو الفداء، تقويم البلدان ص 250).
(4) مرعش: من حصون الشام الشمالية بينها وبين انطاكية 78 ميلا (أبو
الفداء: تقويم البلدان ص 262).
(5) في الاصل حذيفة، والتصحيح من تذكرة النبيه 1 / 160 والقلقشندي صبح
الاعشى 4 / 206 السلوك 1 / 784.
(*)
(13/391)
وفي المحرم
منها حكم القاضي حسام الدين الرازي الحنفي بالتشريك بين العلويين
والجعفريين في الدباغة التي كانوا يتنازعونها من مدة مائتي سنة، وكان
ذلك يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم، بدار العدل، ولم يوافقه ابن
الخويي ولا غيره، وحكم للاعناكيين بصحة نسبهم إلى جعفر الطيار.
وفيها رسم الاشرف بتخريب قلعة الشوبك فهدمت (1)، وكانت من أحصن القلاع
وأمنعها وأنفعها، وإنما خربها عن رأي عتبة العقبى، ولم ينصح للسلطان
فيها ولا للمسلمين، لانها كانت شجى في حلوق الاعراب الذين هناك.
وفيها أرسل السلطان الامير علم الدين الدويداري إلى صاحب القسطنطينية
وإلى أولاد بركة ومع الرسول تحفا كثيرة جدا، فلم
يتفق خروجه حتى قتل السلطان فعاد إلى دمشق.
وفي عاشر جماد الاولى درس القاضي إمام الدين القزويني بالطاهرية
البرانية.
وحضر عنده القضاة والاعيان.
وفي الثاني والعشرين من ذي الحجة يوم الاثنين طهر الملك الاشرف أخاه
الملك الناصر محمد وابن أخيه الملك المعظم مظفر الدين موسى بن الصالح
علي بن المنصور، وعمل مهم عظيم ولعب الاشرف بالقبق وتمت لهم فرحة
هائلة، كانت كالوداع لسلطنته من الدنيا.
وفي أول المحرم درس الشيخ شمس الدين بن غانم بالعصرونية، وفي مستهل صفر
درس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بالرواحية عوضا عن نجم الدين بن مكي
بحكم انتقاله إلى حلب وإعراضه عن المدرسة المذكورة، ودخل الركب الشامي
في آخر صفر، وكان ممن حج في هذه السنة الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه
الله، وكان أميرهم الباسطي ونالهم في معان ريح شديدة جدا مات بسببها
جماعة، وحملت الريح جمالا عن أماكنها، وطارت العمائم عن الرؤوس، واشتغل
كل أحد بنفسه.
وفي صفر منها وقع بدمشق برد عظيم أفسد شيئا كثيرا من المغلات بحيث بيع
القمح كل عشرة أواق بدرهم، ومات شئ كثير من الدواب، وفيه زلزلت ناحية
الكرك وسقط من تلفيتا أماكن كثيرة.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ
الارموي (2) الشيخ الصالح القدوة العارف أبو إسحاق إبراهيم بن الشيخ
الصالح أبي محمد عبد الله يوسف (3) بن يونس بن إبراهيم بن سلمان
الارموي، المقيم بزاويته بسفح قاسيون، كان فيه عبادة
__________
(1) في السلوك 1 / 785: ولم يبق منها إلا قلتها فقط (والقلة: هنا
البرج).
(2) الارموي: قال ابن الفرات في تاريخه 8 / 159 يعرف بالارمني أو
الارموي نسبة إلى أرمينيا، والارجح أنه ينسب إلى أرمية وهي مدينة عظيمة
قديمة بأذربيجان (معجم البلدان).
(3) في الاصل: عبد الله بن يوسف، وفي السلوك 1 / 787 وتذكرة النبيه 1 /
163: هو ابراهيم بن يوسف المدعو عبد الله بن يونس.
مات وله سبع وسبعون سنة.
(*)
(13/392)
وانقطاع وله
أوراد وأذكار، وكان محببا إلى الناس، توفي بالمحرم ودفن عند والده
بالسفح.
ابن الاعمى صاحب المقامة الشيخ ظهير الدين محمد (1) بن المبارك بن سالم
بن أبي الغنائم الدمشقي المعروف بابن الاعمى، ولد سنة عشر وستمائة،
وسمع الحديث وكان فاضلا بارعا، له قصائد يمتدح بها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، سماها الشفعية، عدد كل قصيدة اثنان وعشرون بيتا.
قال البرزالي: سمعته وله المقامة البحرية المشهورة، توفي في المحرم
ودفن بالصوفية.
الملك الزاهد مجير الدين أبو سليمان داود بن الملك المجاهد أسد الدين
شيركوه صاحب حمص ابن ناصر الدين محمد ابن الملك المعظم، توفي ببستانه
عن ثمانين سنة، وصلي عليه بالجامع المظفري، ودفن بتربته بالسفح، وكان
دينا كثير الصلاة في الجامع، وله إجازة من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية
وأبي روح وغيرهم.
توفي في جمادي الآخرة.
الشيخ تقي الدين الواسطي أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل
الواسطي ثم الدمشقي الحنبلي، شيخ الحديث بالظاهرية بدمشق، توفي يوم
الجمعة آخر النهار رابع عشرين جمادى الآخرة عن تسعين سنة، وكان رجلا
صالحا عابدا، تفرد بعلو الرواية، ولم يخلف بعده مثله، وقد تفقه ببغداد
ثم رحل إلى الشام ودرس بالصالحية مدة عشرين سنة، وبمدرسة أبي عمر، وولي
في آخر عمره مشيخة الحديث بالظاهرية بعد سفر الفاروثي، وكان داعية إلى
مذهب السلف والصدر الاول، وكان يعود المرضى ويشهد الجنائز ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان من خيار عباد الله تعالى رحمه الله.
وقد درس بعده بالصالحية الشيخ شمس الدين محمد بن عبد القوي المرداوي،
وبدار الحديث الظاهرية شرف الدين عمر بن خواجا إمام الجامع المعروف
بالناصح.
ابن صاحب حماه الملك الافضل
نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور محمد
بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، توفي بدمشق وصلي
عليه بجامعها، وخرج به من باب
__________
(1) في السلوك 1 / 788 ذكره: علي بن علي بن محمد..وفي تذكرة النبيه 1 /
165: علي بن محمد.
(*)
(13/393)
الفراديس
محمولا إلى مدينة أبيه وتربتهم بها، وهو والد الاميرين الكبيرين بدر
الدين حسن وعماد الدين إسماعيل الذي تملك حماة بعد مدة (1).
ابن عبد الظاهر محيي الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان
بن عبد الظاهر بن علي بن نجدة السعدي، كاتب الانشاء بالديار المصرية،
وآخر من برز في هذا الفن على أهل زمانه، وسبق سائر أقرانه، وهو والد
الصاحب فتح الدين النديم، وقد تقدم ذكر وفاته قبل والده، وقد كانت له
مصنفات منها سيرة الملك الظاهر، وكان ذا مروءة، وله النظم الفائق
والنثر الرائق.
توفي يوم الثلاثاء رابع رجب وقد جاوز السبعين، ودفن بتربته التي أنشأها
بالقرافة.
الامير علم الدين سنجر الحلبي الذي كان نائب قطز على دمشق فلما جاءته
بيعة الظاهر دعا لنفسه فبويع وتسمى بالملك المجاهد ثم حوصر وهرب إلى
بعلبك فحوصر فأجاب إلى خدمة الظاهر فسجنه مدة وأطلقه وسجنه المنصور مدة
وأطلقه الاشرف، واحترمه وأكرمه، بلغ الثمانين سنة، وتوفي في هذه السنة.
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة
في أولها كان مقتل الاشرف، وذلك أنه خرج إلى الصيد في ثالث المحرم،
فلما كان بأرض تروجة (2) بالقرب من الاسكندرية ثاني عشر (3) المحرم،
حمل عليه جماعة من الامراء الذين اتفقوا على قتله حين انفرد عن جمهور
الجيش، فأول من صوبه نائبه بيدرا، وتمم عليه لاجين المنصوري، ثم اختفى
إلى رمضان، ثم ظهر يوم العيد، وكان ممن اشترك في قتل الاشرف بدر الدين
بيسرى وشمس الدين قراسنقر المنصوري، فلما قتل الاشرف اتفق الامراء على
تمليك
بيدرا، وسموه الملك القاهر أو الاوحد، فلم يتم له ذلك، فقتل في اليوم
الثاني بأمركتبغا، ثم اتفق زين الدين كتبغا، وعلم الدين سنجر الشجاعي
على أن يملكوا أخاه محمد الملك الناصر بن
__________
(1) قال أبو الفداء في مختصره 4 / 29 - وهو ولده عماد الدين إسماعيل -
مولده في آخر سنة 635 ه وتوفي بدمشق في أوائل ذي الحجة.
قال: وكان سبب مسيره من حلب إلى دمشق في طريقه إلى مصر بدعوة من
السلطان لمرافقته في الصيد بديار مصر.
فمرض في أثناء الطريق ووصل إلى دمشق وقد اشتد به المرض حتى توفي بها.
(2) من السلوك 1 / 188 وتذكرة النبيه 1 / 167 ومختصر أبي الفداء 4 / 29
وفي الاصل: بروجه (3) في السلوك 1 / 789: الحادي عشر.
وفي بدائع ابن إياس 1 / 1 / 373: يوم السبت الخامس عشر من المحرم.
(*)
(13/394)
قلاوون، وكان
عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهورا (1)، فأجلسوه على سرير المملكة يوم
الرابع عشر (2) من المحرم، وكان الوزير ابن السلعوس بالاسكندرية، وكان
قد خرج في صحبة السلطان وتقدم هو إلى الاسكندرية فلم يشعر إلا وقد أحاط
به البلاء، وجاءه العذاب من كل ناحية، وذلك أنه كان يعامل الامراء
الكبار معاملة الصغار، فأخذوه وتولى عقوبته من بينهم الشجاعي فضرب ضربا
عظيما، وقرر على الاموال ولم يزالوا يعاقبونه حتى كانت وفاته في عاشر
صفر بعد أن احتيط على حواصله كلها.
وأحضر جسد الاشرف فدفن بتربته، وتألم الناس لفقده وأعظموا قتله، وقد
كان شهما شجاعا عالي الهمة حسن المنظر، كان قد عزم على غزو العراق
واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار، واستعد لذلك ونادى به في بلاده،
وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين (4) - عكا وسائر السواحل، ولم
يترك للفرنج فيها معلما ولا حجرا، وفتح قلعة الروم وبهسنا وغيرها.
فلما جاءت بيعة الناصر إلى دمشق خطب له بها على المنابر، واستقر الحال
على ذلك، وجعل الامير كتبغا أتابكه، والشجاعي مشاورا كبيرا، ثم قتل بعد
أيام بقلعة الجبل، وحمل رأسه إلى كتبغا فأمر أن يطاف به في البلد، ففرح
الناس بذلك وأعطوا الذين حملوا رأسه مالا، ولم يبق
لكتبغا منازع، ومع هذا كان يشاور الامراء تطييبا لقلوبهم.
وفي صفر بعد موت ابن السلعوس عزل بدر الدين بن جماعة عن القضاء وأعيد
تقي الدين ابن بنت الاعز واستمر ابن جماعة مدرسا بمصر في كفاية ورياسة،
وتولى الوزارة بمصر الصاحب تاج الدين بن الحنا، وفي ظهر يوم الاربعاء
الحادي والعشرين من صفر رتب إمام بمحراب الصحابة، وهو كمال الدين عبد
الرحمن بن القاضي محيي الدين بن الزكي، وصلى بعدئذ بعد الخطيب، ورتب
بالمكتب الذي بباب الناطفانيين إمام أيضا، وهو ضياء الدين بن برهان
الدين الاسكندري، وباشر نظر الجامع الشريف زين الدين حسين ين محمد بن
عدنان، وعاد سوق الحريريين إلى سوقه، وأخلوا قيسارية القطن الذي كان
نواب طغجي ألزموهم بسكناها، وولي خطابة دمشق الشيخ العلامة شرف الدين
أحمد بن جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي، بعد عزل موفق الدين
الحموي دعوه إلى حماة فخطب المقدسي يوم الجمعة نصف رجب، وقرئ تقليده
وكانت ولايته بإشارة تاج الدين بن الحنا الوزير بمصر، وكان فصيحا بليغا
عالما بارعا.
__________
(1) في السلوك 1 / 794: تسع سنين سوا، وفي بدائع الزهور 1 / 1 / 378:
نحو تسع سنين.
(2) في بدائع الزهور 1 / 1 / 378: يوم الخميس ثامن عشر المحرم.
وفي السلوك 1 / 1 / 794: يوم السبت سادس عشر المحرم.
(3) في بدائع الزهور 1 / 1 / 379: خامس عشر صفر.
(4) في السلوك 1 / 790: ثلاث سنين وشهرين وأربعة أيام وفي بدائع
الزهور.
وفي تذكرة النبيه 1 / 167: ثلاث سنين وشهرين.
(*)
(13/395)
وفي أواخر رجب
حلف الامراء للامير زين الدين كتبغامع الملك الناصر محمد بن قلاوون
وسارت البيعة بذلك في سائر المدن والمعامل.
واقعة عساف النصراني كان هذا الرجل من أهل السويداء قد شهد عليه جماعة
أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استجار
عساف هذا بابن أحمد بن حجي أمير آل علي، فاجتمع الشيخ تقي الدين بن
تيمية، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث، فدخلا على الامير عز
الدين أيبك الحموي نائب السلطنة فكلماه في أمره فأجابهما إلى ذلك،
وأرسل ليحضره فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس، فرأى الناس
عسافا حين قدم ومعه رجل من العرب فسبوه وشتموه، فقال ذلك الرجل البدوي:
هو خير منكم - يعني النصراني - فرجمهما الناس بالحجارة، وأصابت عسافا
ووقعت خبطة قوية فأرسل النائب فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي فضربهما
بين يديه، ورسم عليهما في العذراوية وقدم النصراني فأسلم وعقد مجلس
بسببه، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة، فحقن دمه، ثم استدعى بالشيخين
فأرضاهما وأطلقهما، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد الحجاز، فاتفق قتله
قريبا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله ابن أخيه هنالك،
وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة كتابه الصارم المسلول
على ساب الرسول.
وفي شعبان (1) منها ركب الملك الناصر في أبهة الملك وشق القاهرة، وكان
يوما مشهودا، وكان هذا أول ركوبه، ودقت البشائر بالشام وجاء المرسوم من
جهته، فقرئ على المنبر بالجامع فيه الامر بنشر العدل وطي الظلم، وإبطال
ضمان الاوقاف والاملاك إلا برضى أصحابها.
وفي اليوم الثاني والعشرين من شعبان درس بالمسرورية القاضي جمال الدين
القزويني، أخو إمام الدين، وحضر أخوه وقاضي القضاة شهاب الدين الخويي،
والشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان درسا حافلا.
قال البرزالي: وفي شعبان اشتهر أن في الغيطة بجسرين تنينا عظيما ابتلع
رأسا من المعز كبيرا صحيصا.
وفي أواخر رمضان (2) ظهر الامير حسام الدين لاجين، وكان مختفيا منذ قتل
الاشرف فاعتذر له عند السلطان فقبله وخلع عليه وأكرمه، ولم يكن قتله
باختياره.
وفي شوال منها اشتهر أن مهنا بن عيس خرج عن طاعة السلطان الناصر،
وانحاز إلى التتر.
وفي يوم الاربعاء ثامن ذي القعدة درس بالغزالية الخطيب شرف الدين
المقدسي عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي، توفي وترك الشامية
البرانية، وقدم على قضاء الشام
__________
(1) في السلوك 1 / 803: في خامس عشريه (رجب).
(2) في السلوك 1 / 803: يوم عيد الفطر.
(*)
(13/396)
القاضي بدر
الدين أحمد بن جماعة يوم الخميس الرابع عشر من ذي الحجة، ونزل العادلية
وخرج نائب السلطنة والجيش بكماله لتلقيه، وامتدحه الشعراء، واستناب تاج
الدين الجعبري نائب الخطابة وباشر تدريس الشامية البرانية، عوضا عن شرف
الدين المقدسي، الشيخ زين الدين الفاروثي، وانتزعت من يده الناصرية
فدرس بها ابن جماعة، وفي العادلية في العشرين من ذي الحجة، وفي هذا
الشهر أخرجوا الكلاب من دمشق إلى الفلاة بأمر واليها جمال الدين اقياي،
وشدد على الناس والبوابين بذلك.
وممن توفي فيها من الاعيان: الملك
الاشرف خليل بن قلاوون المنصور.
وبيدرا والشجاعي، وشمس الدين بن السلعوس.
الشيخ الامام العلامة تاج الدين موسى بن محمد بن مسعود المراغي،
المعروف بأبي الجواب الشافعي، درس بالاقبالية وغيرها وكان من فضلاء
الشافعية، له يد في الفقه والاصول والنحو وفهم جيد، توفي فجأة يوم
السبت، ودفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السبعين.
الخاتون مؤنس بنت السلطان العادل أبي بكر بن أيوب وتعرف بدار القطبية،
وبدار إقبال، ولدت سنة ثلاث وستمائة، وروت الاجازة عن عفيفة
الفارقانية، وعن عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية، توفيت في
ربيع الآخر بالقاهرة، ودفنت بباب زويلة.
الصاحب الوزير فخر الدين أبو إسحاق إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد
البناني المصري رأس الموقعين، وأستاذ الوزراء المشهورين، ولد سنة ثنتي
عشرة وستمائة، وروى الحديث، توفي في آخر جمادى الآخرة
في القاهرة.
الملك الحافظ غياث الدين بن محمد الملك السعيد معين الدين بن الملك
الامجد بهرام شاه بن المعز عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب، وكان
فاضلا بارعا، سمع الحديث وروى البخاري، وكان يحب العلماء
(13/397)
والفقراء، توفي
يوم الجمعة سادس شعبان، ودفن عند جده لامه ابن المقدم، ظاهر باب
الفراديس.
قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة
شمس الدين أبي العباس أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى بن محمد
الشافعي، أصلهم من خوي، اشتغل وحصل علوما كثيرة، وصنف كتبا كثيرة منها
كتاب فيه عشرون فنا، وله نظم علوم الحديث وكفاية المتحفظ وغير ذلك، وقد
سمع الحديث الكثير، وكان محبا له ولاهله، وقد درس وهو صغير بالدماغية،
ثم ولي قضاء القدس، ثم بهسنا، ثم ولي قضاء حلب، ثم عاد إلى المحلة، ثم
ولي قضاء القاهرة، ثم قدم على قضاء الشام مع تدريس العادلية والغزالية
وغيرهما، وكان من حسنات الزمان وأكابر العلماء الاعلام، عفيفا نزها
بارعا محبا للحديث وعلمه وعلمائه، وقد خرج له شيخنا الحافظ المزي
أربعين حديثا متباينة الاسناد، وخرج له تقي الدين بن عتبة الاسودي
الاسعردي مشيخة على حروف المعجم، اشتملت على مائتين وستة وثلاثين شيخا.
قال البرزالي: وله نحو ثلثمائة شيخ لم يذكروا في هذا المعجم، توفي يوم
الخميس الخامس والعشرين من رمضان، عن سبع وستين سنة، وصلي عليه ودفن من
يومه بتربة والده بسفح قاسيون.
رحمه الله تعالى.
الامير علاء الدين الاعمى ناظر القدس وباني كثيرا من معالمه اليوم، وهو
الامير الكبير علاء الدين أيدكين بن عبد الله الصالحي النجمي، كان من
أكابر الامراء، فلما أضر أقام بالقدس الشريف وولي نظره معمره
ومثمره وكان مهيبا لا تخالف مراسيمه، وهو الذي بنى المطهرة قريبا من
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فانتفع الناس بها بالوضوء وغيره، ووجد
بها الناس تيسيرا، وابتنى بالقدس ربطا كثيرة، وآثارا حسنة، وكان يباشر
الامور بنفسه، وله حرمة وافرة، توفي في شوال منها.
الوزير شمس الدين محمد بن عثمان ابن أبي الرجا (1) التنوخي، المعروف
بابن السلعوس، وزير الملك الاشرف، مات تحت الضرب الذي جاوز ألف مقرعة،
في عاشر صفر من هذه السنة، ودفن بالقرافة، وقيل إنه نقل إلى الشام بعد
ذلك.
وكان ابتداء أمره تاجرا، ثم ولي الحسبة بدمشق بسفارة تقي الدين بن
توبة، ثم كان يعامل الملك الاشرف قبل السلطنة فظهر منه على عدل وصدق،
فلما ملك بعد أبيه
__________
(1) في البداية المطبوعة: الرجال تصحيف.
(*)
(13/398)
المنصور
استدعاه من الحج فولاه الوزارة، وكان يتعاظم على أكابر الامراء ويسميهم
بأسمائهم، ولا يقوم لهم، فلما قتل أستاذه الاشرف تسلموه بالضرب
والاهانة وأخذ الاموال، حتى أعدموه حياته، وصبروه وأسكنوه الثرى، بعد
أن كان عند نفسه قد بلغ الثريا، ولكن حقا على الله أنه ما رفع شيئا إلا
وضعه.
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة
استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن
قلاوون وعمره إذ ذاك اثنتا عشرة سنة وأشهرا، ومدبر الممالك وأتابك
العساكر الامير زين الدين كتبغا، ونائب الشام الامير عز الدين أيبك
الحموي، والوزير بدمشق تقي الدين توبة التكريتي، وشاد الدواوين شمس
الدين الاعسر، وقاضي الشافعية ابن جماعة، والحنفية حسام الدين الرازي،
والمالكية جمال الدين الزواوي، والحنابلة شرف الدين حسن، والمحتسب شهاب
الدين الحنفي، ونقيب الاشراف زين الدين بن عدنان، ووكيل بيت المال
وناظر الجامع تاج الدين الشيرازي، وخطيب البلد شرف الدين المقدسي.
فلما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الاشرف وخرقوا حرمة السلطان
وأرادوا الخروج عليه، وجاؤوا إلى سوق السلاح فأخذوا ما فيه، ثم احتيط
عليهم، فمنهم من صلب ومنهم من شنق، وقطع أيدي آخرين منهم وألسنتهم،
وجرت خبطة عظيمة جدا، وكانوا قريبا من ثلثمائة أو يزيدون.
سلطنة الملك العادل كتبغا وأصبح الامير كتبغا في الحادي عشر (1) من
المحرم فجلس على سرير المملكة، وخلع الملك الناصر محمد بن المنصور،
وألزمه بيت أهله، وأن لا يخرج منه، وبايعه الامراء على ذلك، وهنئوه ومد
سماطا حافلا، وسارت البريدية بذلك إلى الاقاليم، فبويع له وخطب له
مستقلا وضربت السكة باسمه، وتم الامر وزينت البلاد، ودقت البشائر، ولقب
بالملك العادل، وكان عمره إذ ذاك نحوا من خمسين سنة، فإنه من سبي وقعة
حمص الاولى التي كانت في أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين جالوت، وكان
من الغويرانية، وهم طائفة من التتر، واستناب في مصر الامير حسام الدين
لاجين السلحداري المنصوري، وكان بين يديه مدير المماليك.
وقد ذكر الجزري في تاريخه عن بعض الامراء أنه شهد هولاكو خان قد سأل
منجمه أن يستخرج له من هؤلاء المقدمين في
__________
(1) في مختصر أبي الفداء 4 / 31: يوم الاربعاء تاسع محرم.
(*)
(13/399)
عسكره الذي
يملك الديار المصرية، فضرب وحسب وقال له: أجد رجلا يملكها اسمه كتبغا
فظنه كتبغا نوين، وهو صهر هولاكو، فقدمه على العساكر فلم يكن هو، فقتل
في عين جالوت كما ذكرنا، وأن الذي ملك مصر هذا الرجل وهو من خيار
الامراء وأجودهم سيرة ومعدلة، وقصدا في نصرة الاسلام.
وفي يوم الاربعاء مستهل ربيع الاول ركب كتبغا في أبهة الملك، وشق
القاهرة ودعا له الناس وعزل الصاحب تاج الدين بن الحنا عن الوزارة وولى
فخر الدين بن الخليلي (1)، واستسقى الناس بدمشق عند مسجد القدم، وخطب
بهم تاج الدين صالح الجعبري نيابة عن مستخلفه شرف
الدين المقدسي، وكان مريضا فعزل نفسه عن القضاء، وخطب الناس بعد ذلك،
وذلك يوم الاربعاء خامس جمادى الاولى، فلم يسقوا ثم استسقوا مرة أخرى
يوم السبت سابع جمادى الآخرة بالمكان المذكور، وخطب بهم شرف الدين
المقدسي، وكان الجمع أكثر من أول، فلم يسقوا.
وفي رجب حكم جمال الدين بن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن
جماعة، وفيه درس بالمعظمية لقاضي شمس الدين بن العز، إنتزعها من علاء
الدين بن الدقاق.
وفيه ولي القدس والخليل للك الاوحد بن الملك الناصر داود بن المعظم.
وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الامام كبير وذلك أنهم كانوا
يصلون بعده فلما أحدث لمحراب الصحابة إمام كانوا يصلون جميعا في وقت
حد، فحصل تشويش بسبب ذلك، فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الامام
الكبير، في ت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث
الغربي.
قلت: وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي وفي أواخر
رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية على قضاء
العساكر بالشام، وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن
جماعة بمحراب لجامع إماما وخطيبا عوضا عن الخطيب المدرس شرف الدين
المقدسي، ثم خطب من الغد شكرت خطبته وقراءته، وذلك مضاف إلى ما بيده من
القضاء وغيره.
وفي أوائل شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى منها تدريس الغزالية
لابن صصرى عوضا عن الخطيب المقدسي، وتوقيع بتدريس الامينية لامام الدين
القزويني عوضا عن نجم الدين بن صصرى، ورسم لاخيه جلال الدين بتدريس
الظاهرية البرانية عوضا عنه.
وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشأه عز الدين الحموي بمسجد القصب،
وهو من أحسن الحمامات، وباشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء
الدين بن العطار عوضا عن شرف الدين المقدسي.
وحج
__________
(1) وكان الخليلي ناظر الدواوين في الوزارة، وقد تم تنفيذ هذا الاجراء
يوم الثلاثاء خامس عشرين جمادى الاولى (السلوك 1 / 808).
(*)
(13/400)
فيها الملك
المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين
وغيرهما ونودي بدمشق في يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلا ولا
بغالا، ومن رأى من المسلمين أحدا من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه.
وفي أواخر هذه السنة والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد هلك بسببه
خلق كثير، هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين ألفا (1).
وفيها ملك التتار قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيزخان فأسلم
وأظهر الاسلام على يد الامير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم
في الاسلام ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه،
وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم
الجزية ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد، وظهرت السبح والهياكل
مع التتار والحمد لله وحده.
وفيها توفي من الاعيان: الشيخ أبو
الرجال المنيني الشيخ الصالح الزاهد العابد أبو الرجال بن مري بن بحتر
المنيني (2)، كانت له أحوال ومكاشفات وكان أهل دمشق والبلاد يزورونه في
قرية منين، وربما قدم هو بنفسه إلى دمشق فيكرم ويضاف وكانت له زاوية
ببلده، وكان بريئا من هذه السماعات الشيطانية، وكان تلميذ الشيخ جندل،
وكان شيخه الشيخ جندل من كبار الصالحين سالكا طريق السلف أيضا، وقد بلغ
الشيخ أبو الرجال ثمانين سنة، وتوفي بمنين في منزله في عاشر المحرم،
وخرج الناس من دمشق إلى جنازته فمنهم من أدركها ومن الناس من لم يدرك
فصلى على القبر ودفن بزاويته رحمه الله.
وفيها في أواخر ربيع الاول جاء الخبر بأن عساف بن أحمد بن حجى الذي كان
قد أجار ذلك النصراني الذي سب الرسول قتل ففرح الناس بذلك.
الشيخ الصالح العابد الزاهد الورع بقية السلف جمال الدين أبو القاسم
عبد الصمد بن الحرستاني ابن قاضي القضاة، وخطيب الخطباء، عماد الدين
عبد الكريم بن جمال الدين عبد الصمد، سمع الحديث وناب عن أبيه في
__________
(1) في السلوك 1 / 810: سبعة عشر ألفا.
(2) من النجوم الزاهرة 8 / 76 ومرآة الجنان 4 / 227 وفي تذكرة النبيه:
ابن مرا المنيني، وفي الاصل: ابن مرعي من بحتر المنين ولعله خطأ من
الناسخ في اسمه، والمنيني نسبة إلى منين وهي قرية في جبل سنير من أعمال
الشام وقيل من أعمال دمشق (معجم البلدان).
(*)
(13/401)
الامامة وتدريس
الغزالية، ثم ترك المناصب والدنيا، وأقبل على العبادة، وللناس فيه
اعتقاد حسن صالح، يقبلون يده ويسألونه الدعاء، وقد جاوز الثمانين، ودفن
بالسفح عند أهله في أواخر ربيع الآخر.
الشيخ محب الدين الطبري المكي (1) الشافعي، سمع الكثير وصنف في فنون
كثيرة، من ذلك كتاب الاحكام في مجلدات كثيرة مفيدة، وله كتاب على ترتيب
جامع المسانيد أسمعه لصاحب اليمن، وكان مولده يوم الخميس السابع
والعشرين من جمادى الآخرة منها (2)، ودفن بمكة، وله شعر جيد فمنه
قصيدته في المنازل التي بين مكة والمدبنة تزيد على ثلثمائة بيت، كتبها
عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه.
الملك المظفر صاحب اليمن يوسف بن المنصور نور الدين عمر بن علي بن
رسول، أقام في مملكة اليمن بعد أبيه سبعا وأربعين سنة، وعمر ثمانين
سنة، وكان أبوه قد ولي أزيد من مدة عشرين سنة بعد الملك أقسيس ابن
الكامل محمد، وكان عمر بن رسول مقدم عساكر أقسيس، فلما مات اقسيس وثب
على الملك فتم له الامر وتسمى بالملك المنصور، واستمر أزيد من عشرين
سنة، ثم ابنه المظفر سبعا وأربعين سنة، ثم قام من بعده في الملك ولده
الملك الاشرف ممهد الدين فلم يمكث سنة (3) حتى مات، ثم قام أخوه المؤيد
عز الدين داود بن المظفر فاستمر في الملك مدة، وكانت وفاة الملك المظفر
المذكور في رجب من هذه السنة، وقد جاوز الثمانين، وكان يحب الحديث
وسماعه، وقد جمع لنفسه أربعين حديثا.
شرف الدين المقدسي الشيخ الامام الخطيب المدرس المفتي، شرف الدين أبو
العباس أحمد بن الشيخ كمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن حسين
بن حماد المقدسي الشافعي، ولد سنة ثنتين وعشرين وستمائة، وسمع الكثير
وكتب حسنا وصنف فأجاد وأفاد، وولي القضاء نيابة بدمشق
__________
(1) واسمه أحمد بن عبد الله بن محمد بن بكر بن محمد بن ابراهيم الطبري
المكي الشافعي.
(2) كذا بالاصل، وفيه نقص ظاهر، وتمامه: ولد بمكة سنة 615 ه.
وبمكة كانت وفاته.
وفي السلوك: توفي بمكة عن 79 سنة 1 / 811 وانظر تذكرة النبيه 1 / 176.
(3) في تذكرة النبيه 1 / 177: عشرين شهرا (انظر أبي الفداء 4 / 33).
(*)
(13/402)
والتدريس
والخطابة بدمشق، وكان مدرس الغزالية (1) ودار الحديث النورية مع
الخطابة، ودرس في وقت بالشامية البرانية (2) وأذن في الافتاء من
الفضلاء منهم الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام أبو العباس بن تيمية،
وكان يفتخر بذلك ويفرح به ويقول: أنا أذنت لابن تيمية بالافتاء، وكان
يتقن فنونا كثيرة من العلوم، وله شعر حسن، وصنف كتابا في أصول الفقه
جمع فيه شيئا كثيرا، وهو عندي بخطه الحسن، توفي يوم الاحد سابع عشر
رمضان وقد جاوز السبعين، ودفن بمقابر باب كيسان عند والده رحمه الله
ورحم أباه.
وقد خطب بعده يوم العيد الشيخ شرف الدين الفزاري خطيب جامع جراح ثم جاء
المرسوم لابن جماعة بالخطابة.
ومن شعر الخطيب شرف الدين بن المقدسي: أحجج إلى الزهر لتسعى به * وارم
جمار الهم مستنفرا من لم يطف بالزهر في وقته * من قبل أن يحلق قد قصرا
واقف الجوهرية الصدر نجم الدين أبو بكر محمد بن عياش بن أبي المكارم
التميمي الجوهري، واقف الجوهرية على الحنفية بدمشق توفي ليلة الثلاثاء
تاسع عشر شوال، ودفن بمدرسته وقد جاوز الثمانين، وكانت له خدم
على الملوك، فمن دونهم.
الشيخ الامام العالم المفتي الخطيب الطبيب، مجد الدين أبو محمد عبد
الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي، خطيب النيرب
ومدرس الدماغية للحنفية، وكان طبيبا ماهرا حاذقا، توفي بالنيرب وصلي
عليه بجامع الصالحية، وكان فاضلا وله شعر حسن، وروى شيئا من الحديث،
توفي ليلة السبت خامس ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة.
الفاروثي الشيخ الامام العابد الزاهد الخطيب عز الدين أبو العباس أحمد
بن الشيخ محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج (3) بن
__________
(1) المدرسة الغزالية وهي من زوايا الجامع الاموي بدمشق، وتنسب إلى
الشيخ نصر المقدسي وإلى الشيخ الغزالي لاقامتهما بها (الدارس 1 / 413
خطط الشام 6 / 87).
(2) الشامية البرانية وهي بدمشق: أنشأتها ست الشام ابنة نجم الدين أيوب
بن شادي أخت السلطان صلاح الدين (الدارس 1 / 277).
(3) في السلوك 1 / 811 وتذكرة النبيه 1 / 183:..فرج بن أحمد بن
سابور..(*)
(13/403)
سابور بن علي
بن غنيمة الفاروثي (1) الواسطي، ولد سنة أربع عشرة (2) وستمائة، وسمع
الحديث ورحل فيه، وكانت له فيه يد جيدة، وفي التفسير والفقه والوعظ
والبلاغة، وكان دينا ورعا زاهدا، قدم إلى دمشق في دولة الظاهر فأعطى
تدريس الجاروضية وإمام مسجد ابن هشام، ورتب له فيه شئ على المصالح،
وكان فيه إيثار وله أحوال صالحة، ومكاشفات كثيرة، تقدم يوما في محراب
ابن هشام ليصلي بالناس فقال - قبل أن يكبر للاحرام والتفت عن يمينه -
فقال: اخرج فاغتسل، فلم يخرج أحد، ثم كرر ذلك ثانية وثالثة، قلم يخرج
أحد، فقال: يا عثمان أخرج فاغتسل، فخرج رجل من الصف فاغتسل ثم عاد وجاء
إلى الشيخ يعتذر إليه، وكان الرجل صالحا في نفسه، ذكر أنه أصابه فيض من
غير أن يرى شخصا، فاعتقد أنه لا يلزمه غسل، فلما
قال الشيخ ما قال اعتقد أنه يخاطب غيره، فلما عينه باسمه علم أنه
المراد.
ثم قال الفاروثي مرة أخرى في أواخر أيام المنصور قلاوون فخطب بجامع
دمشق مدة شهور، ثم عزل بموفق الدين الحموي، وتقدم ذكر ذلك، وكان قد درس
بالنجيبية وبدار الحديث الظاهرية، فترك ذلك كله وسافر إلى وطنه، فمات
بكرة يوم الاربعاء مستهل ذي الحجة، وكان يوم موته يوما مشهودا بواسط،
وصلى عليه بدمشق وغيرهما رحمه الله، وكان قد لبس خرقة التصوف من
السهروردي، وقرأ القراءات العشرة وخلف ألفي مجلد ومائتي مجلدا، وحدث
بالكثير، وسمع منه البرزالي كثيرا صحيح البخاري وجامع الترمذي وسنن ابن
ماجه، ومسند الشافعي، ومسند عبد بن حميد، ومعجم الطبراني الصغير، ومسند
الدارمي وفضائل القرآن لابي عبيد، وثمانين جزء وغير ذلك.
الجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي، اشتغل بالفقه على
مذهب الشافعي، وبرع فيه وأفتى وأعاد، وكان فاضلا في الطب، وقد ولي
مشيخة الدخوارية لتقدمه في صناعة الطب على غيره، وعاد المرضى
بالمارستان النوري على قاعدة الاطباء، وكان مدرسا للشافعية
بالفرخشانية، ومعيدا بعدة مدارس، وكان جيد الذهن مشاركا في فنون كثيرة
سامحه الله.
الست خاتون بنت الملك الاشرف موسى بن العادل زوجة ابن عمها المنصور بن
الصالح إسماعيل بن العادل، وهي التي أثبت سفهها زمن المنصور قلاوون حتى
اشترى منها حزرما وأخذت الزنبقية من زين الدين السامري (3).
__________
(1) الفاروثي: نسبة إلى فاروث وهي قرية على شاطئ دجلة بين بلدتي واسط
والمذار (معجم البلدان).
(2) في تذكرة النبيه 1 / 183: مولده سنة اثني عشر وستمائة، وفي السلوك
1 / 811 مات عن ثمانين سنة بواسط.
(3) راجع حوادث سنة 686 ه.
(*)
(13/404)
الصدر جمال
الدين يوسف بن علي بن مهاجر التكريتي أخو الصاحب تقي الدين توبة، ولي
حسبة دمشق في
وقت ودفن بتربة أخيه بالسفح، وكانت جنازته حافلة، وكان له عقل وافر
وثروة ومروءة، وخلف ثلاث بنين: شمس الدين محمد، وعلاء الدين علي، وبدر
الدين حسن.
ثم دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة
استهلت وخليفة الوقت الحاكم بأمر الله العباس أحمد العباسي، وسلطان
البلاد الملك العادل زين الدين كتبغا، ونائبه بمصر الامير حسام الدين
لاجين السلحداري المنصوري، ووزيره فخر الدين بن الخليلي، وقضاة مصر
والشام هم المذكورون في التي قبلها، ونائب الشام عز الدين الحموي،
ووزيره تقي الدين توبة، وشاد الدواوين الاعسر، وخطيب البلد وقاضيها ابن
جماعة.
وفي المحرم ولي نظر الايتام برهان الدين بن هلال عوضا عن شرف الدين بن
الشيرجي.
وفي مستهل هذه السنة كان الغلاء والفناء بديار مصر شديدا جدا، وقد
تفانى الناس إلا القليل، وكانوا يحفرون الحفيرة فيدفنون فيها الفئام من
الناس، والاسعار في غاية الغلاء، والاقوات في غاية القلة والغلاء،
والموت عمال، فمات بها في شهر صفر مائة ألف ونحو من ثلاثين ألفا (1)،
ووقع غلاء بالشام فبلغت الغرارة إلى مائتين (2)، وقدمت طائفة من التتر
العويراتية (3) لما بلغهم سلطنة كتبغا إلى الشام لانه منهم، فتلقاهم
الجيش بالرحب والسعة، ثم سافروا إلى الديار المصرية مع الامير قراسنقر
المنصوري، وجاء الخبر باستداد الغلاء والفناء بمصر حتى قيل إنه بيع
الفروج بالاسكندرية بستة وثلاثين درهما، وبالقاهرة بتسعة عشر، والبيض
كل ثلاثة بدرهم، وأفنيت الحمر والخيل والبغال والكلاب من أكل الناس
لها، ولم يبق شئ من هذه الحيوانات يلوح إلا أكلوه.
وفي يوم السبت الثاني عشر من جمادى الاولى ولي قضاء القضاة بمصر الشيخ
العلامة تقي الدين بن دقيق العيد عوضا عن تقي الدين ابن بنت الاعز، ثم
وقع الرخص بالديار المصرية وزال الضر والجوع في جمادى الآخرة ولله
الحمد.
__________
(1) في السلوك 1 / 815: مائة ألف وسبعة وعشرين ألف.
(2) في السلوك 1 / 815: مائة وسبعين درهما.
(3) ويقال أو يراتية، نسبة إلى أويرات وهو اسم جنس يطلق على عدة قبائل
مغولية سكنت الجزء الاعلى من حوض نهر ينيسي بأواسط آسيا وهم أصل جنس
الكالموك وكانت هذه القبائل قد خضعت قديما لسلطة جنكيزخان وساعدته في
حروبه.
(*)
(13/405)
وفي يوم
الاربعاء ثاني شهر رجب درس القاضي إمام الدين بالقيمرية عوضا عن صدر
الدين ابن رزين الذي توفي.
قال البرزالي: وفيها وقعت صاعقة على قبة زمزم فقتلت الشيخ علي بن محمد
بن عبد السلام مؤذن المسجد الحرام، كان يؤذن على سطح القبة المذكورة،
وكان قد روى شيئا من الحديث.
وفيها قدمت امرأة الملك الظاهر ئم سلامش من بلاد الاشكري إلى دمشق في
أواخر (1) رمضان فبعث إليها نائب البلد بالهدايا والتحف ورتبت لها
الرواتب والاقامات، وكان قد نفاهم خليل بن المنصور لما ولي السلطنة.
قال الجزري: وفي رجب درس كمال الدين بن القلانسي عوضا عن جلال الدين
القزويني.
وفي يوم الاربعاء سابع عشر شعبان درس الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام
تقي الدين بن تيمية الحراني بالمدرسة الحنبلية عوضا عن الشيخ زين الدين
بن المنجى توفي إلى رحمة الله، ونزل ابن تيمية عن حلقة العماد بن
المنجا لشمس الدين بن الفخر البعلبكي.
وفي آخر شوال ناب القاضي جمال الدين الزرعي الذي كان حاكما بزرع، وهو
سليمان بن عمر بن سالم الازرعي عن ابن جماعة بدمشق، فشكرت سيرته.
وفيها خرج السلطان كتبغا من مصر قاصدا الشام في أواخر شوال (2)، ولما
جاء البريد بذلك ضربت البشائر بالقلعة ونزلوا بالقلعة السلطان ونائبه
لاجين ووزيره ابن الخليلي.
وفي يوم الاحد سادس عشر ذي القعدة ولي قضاء الحنابلة الشيخ تقي الدين
سليمان بن حمزة المقدسي عوضا عن شرف الدين (3) مات رحمه الله، وخلع
عليه وعلى بقية الحكام وأرباب الولايات الكبار وأكابر الامراء، وولي
نجم الدين بن أبي الطيب وكالة بيت المال عوضا عن ابن الشيرازي وخلع
عليه مع الجماعة، ورسم على [ سنقر ] (4) الاعسر وجماعة من أصحابه وخلق
من الكتبة والولاة وصودروا بمال كثير، واحتيط على أموالهم وحواصلهم،
وعلى
بنت ابن السلعوس وابن عدنان وخلق، وجرت خبطة عظيمة، وقدم ابنا الشيخ
علي الحريري حسن وشيث من بسر لزيارة السلطان فحصل لهما منه رفد وإسعاف
وعادا إلى بلادهما، وضيفت القلندرية السلطان بسفح جبل المزة، فأعطاه
نحوا من عشرة آلاف، وقدم صاحب حماة (5) إلى خدمة السلطان ولعب معه
الكرة بالميدان، واشتكت الاشراف من نقيبهم زين الدين بن عدنان، فرفع
الصاحب يده عنهم وجعل أمرهم إلى القاضي الشافعي، فلما كان يوم الجمعة
الثاني
__________
(1) في السلوك 1 / 816: حادي عشر رمضان.
(2) في السلوك 1 / 816: يوم السبت سابع عشر شوال.
وكان سبب سفره إلى الشام تلك السنة حسبما قال ابن أبي الفضائل في النهج
ص 428: " انه أراد أن يعزل الامير عز الدين أيبك الحموي عن نيابة
السلطنة بالشام ويولي مكانه اغرلو مملوكه.
ويرتب أحوال هؤلاء التتار الوافدين من الاويراتية ".
(3) وهو شرف الدين حسن بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي وكان قد
توفي ثاني عشرين شوال.
(4) سقط من الاصل.
(5) كان قدومه في رابع وعشرين ذي القعدة (السلوك 1 / 816).
(*)
(13/406)
والعشرين (1)
من ذي القعدة صلى السلطان الملك العادل كتبغا بمقصورة الخطابة، وعن
يمينه صاحب حماة، وتحته بدر الدين أمير سلاح، وعن يساره أولاد الحريري
حسن أخواه، وتحتهم نائب المملكة حسام الدين لاجين، وإلى جانبه نائب
الشام عز الدين الحموي، وتحته بدر الدين بيسرى، وتحته قراسنقر وإلى
جانبه الحاج بهادر، وخلفهم أمراء كبار، وخلع على الخطيب بدر الدين بن
جماعة خلعة سنية.
ولما قضيت الصلاة سلم على السلطان وزار السلطان المصحف العثماني.
ثم أصبح يوم السبت فلعب الكرة بالميدان.
وفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة عزل الامير عز الدين الحموي عن نيابة
الشام وعاتبه السلطان عتابا كثيرا على أشياء صدرت منه، ثم عفاعنه وأمره
بالمسير معه إلى مصر، واستنتاب الشام الامير سيف الدين غرلو العادلي،
وخلع على المولى وعلى المعزول، وحضر السلطان دار العدل وحضر
عنده الوزير القضاة والامراء، وكان عادلا كما سمي، ثم سافر السلطان في
ثاني عشر ذي الحجة نحو بلاد حلب فاجتاز على حرستا، ثم أقام بالبرية
أياما ثم عاد فنزل حمص، وجاء إليه نواب البلاد وجلس الامير غرلو نائب
دمشق بدار العدل فحكم وعدل، وكان محمود السيرة سديد الحكم رحمه الله
تعالى.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ
زين الدين بن منجى الامام العالم العلامة مفتي المسلمين، الصدر الكامل،
زين الدين أبو البركات بن المنجى ابن الصدر عز الدين أبي عمر عثمان بن
أسعد بن المنجى بن بركات بن المتوكل التنوخي، شيخ الحنابلة وعالمهم،
ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث وتفقه، فبرع في فنون من
العلم كثيرة من الاصول والفروع والعربية والتفسير وغير ذلك، وانتهت
إليه رياسة المذهب، وصنف في الاصول، وشرح المقنع، وله تعاليق في
التفسير، وكان قد جمع له بين حسن السمت والديانة والعلم والوجاهة وصحة
الذهن والعقيدة والمناظرة وكثرة الصدقة، ولم يزل يواظب على الجامع
للاشتغال متبرعا حتى توفي في يوم الخميس رابع شعبان، وتوفيت معه زوجته
أم محمد ست البها بنت صدر الدين الخجندي، وصلي عليهما بعد الجمعة بجامع
دمشق، وحملا جميعا إلى سفح قاسيون شمالي الجامع المظفري تحت الروضة
فدفنا في تربة واحدة رحمهما الله تعالى.
وهو والد قاضي القضاة علاء الدين، وكان شيخ المسمارية ثم وليها بعده
ولداه شرف الدين وعلاء الدين، وكان شيخ الحنبلية فدرس بها بعده الشيخ
تقي الدين بن تيمية كما ذكرنا ذلك في الحوادث.
__________
(1) يوم الجمعة ثامن عشريه (السلوك 1 / 816).
(*)
(13/407)
المسعودي صاحب
الحمام بالمزة أحد كبار الامراء، هو الامير الكبير بدر الدين لؤلؤ بن
عبد الله المسعودي، أحد الامراء المشهورين بخدمة الملوك، توفي ببستانه
بالمزه يوم السبت سابع عشرين شعبان، ودفن صبح يوم
الاحد بتربته بالمزة، وحضر نائب السلطنة جنازته، وعمل عزاؤه تحت النسر
بجامع دمشق.
الشيخ الخالدي هو الشيخ الصالح إسرائيل بن علي بن حسين الخالدي، له
زاوية خارج باب السلامة، كان يقصد فيها للزيارة، وكان مشتملا على عبادة
وزهادة، وكان لا يقوم لاحد، ولو كان من كان، وعنده سكون وخشوع ومعرفة
بالطريق، وكان لا يخرج من منزله إلا إلى الجمعة، حتى كانت وفاته بنصف
رمضان ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى.
الشرف حسين المقدسي (1) هو قاضي القضاة شرف الدين أبو الفضل الحسين بن
الامام الخطيب شرف الدين أبي بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي،
سمع الحديث وتفقه وبرع في الفروع واللغة، وفيه أدب وحسن محاضرة، مليح
الشكل، تولى القضاء بعد نجم الدين بن الشيخ شمس الدين في أواخر سنة سبع
وثمانين، ودرس بدار الحديث الاشرفية بالسفح، توفي ليلة الخميس الثاني
والعشرين من شوال، وقد قارب الستين (2)، ودفن من الغد بمقبرة جده
بالسفح، وحضر نائب السلطنة والقضاة والاعيان جنازته، وعمل من الغد
عزاؤه بجامع المظفري، وباشر القضاء بعده تقي الدين سليمان بن حمزة،
وكذا مشيخة دار الحديث الاشرفية بالسفح، وقد وليها شرف الدين الغابر
الحنبلي النابلسي مدة شهور، ثم صرف عنها واستقرت بيد التقي سليمان
المقدسي.
الشيخ الامام العالم الناسك أبو محمد بن أبي حمزة المغربي المالكي،
توفي بالديار المصرية في ذي القعدة، وكان قوالا بالحق، أمارا بالمعروف
ونهاءا عن المنكر.
__________
(1) في السلوك 1 / 817 وتذكرة النبيه 1 / 189: الحسن.
(2) في السلوك 1 / 817: سبع وخمسين سنة، وفي تذكرة النبيه 1 / 189: كان
مولده سنة 638 ه.
(*)
(13/408)
الصاحب محيي
الدين بن النحاس
أبو عبد الله محمد بن بدر الدين يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله (1) بن
طارق بن سالم بن النحاس الاسدي الحلبي الحنفي، ولد سنة أربع عشرة
وستمائة بحلب، واشتغل وبرع وسمع الحديث وأقام بدمشق مدة، ودرس بها
بمدارس كبار، منها الظاهرية والريحانية (2)، وولي قضاء بحلب والوزارة
بدمشق، ونظر الخزانة ونظر الدواوين والاوقاف، ولم يزل مكرما معظما
معروفا بالفضيلة والانصاف في المناظرة، محبا للحديث وأهله على طريقة
السلف، وكان يحب الشيخ عبد القادر وطائفته، توفي بالمزة عشية الاثنين
سلخ ذي الحجة، وقد جاوز الثمانين، ودفن يوم الثلاثاء مستهل سنة ست
وتسعين بمقبرة له بالمزة، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة.
قاضي القضاة تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين
أبي محمد عبد الوهاب بن القاضي الاعز أبي القاسم خلف بن بدر العلائي
الشافعي، توفي في جمادى الاولى ودفن بالقرافة بتربتهم.
ثم دخلت سنة ست وتسعين وستمائة استهلت
والخليفة والسلطان ونائب مصر ونائب الشام والقضاة هم المذكورون في التي
قبلها والسلطان الملك العادل كتبغا في نواحي حمص يتصيد، ومعه نائب مصر
لاجين وأكابر الامراء، ونائب الشام بدمشق وهو الامير سيف الدين غرلو
العادلي.
فلما كان يوم الاربعاء ثاني المحرم دخل السلطان كتبغا إلى دمشق وصلى
الجمعة بالمقصورة وزار قبر هود وصلى عنده، وأخذ من الناس قصصهم بيده،
وجلس دار العدل في يوم السبت ووقع على القصص هو ووزيره فخر الدين
الخليلي.
وفي هذا الشهر حضر شهاب الدين بن محيي الدين بن النحاس في مدرستي أبيه
الريحانية (2) والظاهرية وحضر الناس عنده، ثم حضر السلطان دار العدل
يوم الثلاثاء وجاء يوم الجمعة فصلى الجمعة بالمقصورة ثم صعد في هذا
اليوم إلى مغارة الدم لزيارتها، ودعا هنالك وتصدق بجمله من المال، وحضر
الوزير الخليلي ليلة الاحد ثالث عشر المحرم إلى الجامع بعد العشاء فجلس
عند شباك الكاملية وقرأ القراؤن بين يديه، ورسم بأن يكمل داخل الجامع
بالفرش
__________
(1) في تذكرة النبيه 1 / 190: هبة الله.
انظر السلوك 1 / 817.
(2) في الاصل: الزنجانية تحريف.
والمدرسة الريحانية بدمشق أنشأها خواجا ريحان الطواشي خادم نور الدين
محمود بن زنكي في سنة 565 ه (الدارس 1 / 522).
(*)
(13/409)
ففعلوا ذلك،
واستمر ذلك نحوا من شهرين ثم عاد إلى ما كان عليه.
وفي صبيحة هذا اليوم درس القاضي شمس الدين بن الحريري بالقيمازية عوضا
عن ابن النحاس باتفاق بينهم، وحضر عنده جماعة، ثم صلى السلطان الجمعة
الاخرى بالمقصورة ومعه وزيره ابن الخليلي وهو ضعيف من مرض أصابه، وفي
سابع عشر المحرم أمر للملك الكامل بن الملك السعيد بن الصالح إسماعيل
بن العادل بطبلخانة (1) ولبس الشربوش، ودخل القلعة ودقت له الكوسات على
بابه، ثم خرج السلطان العادل كتبغا بالعساكر من دمشق بكرة الثلاثاء
ثاني عشرين المحرم، وخرج بعده الوزير فاجتاز بدار الحديث، وزار الاثر
النبوي، وخرج إليه الشيخ زين الدين الفارقي وشافهه بتدريس الناصرية،
وترك زين الدين تدريس الشامية البرانية فوليها القاضي كمال الدين بن
الشريشي، وذكر أن الوزير أعطى الشيخ شيئا من حطام الدنيا فقبله، وكذلك
أعطى خادم الاثر وهو المعين خطاب.
وخرج الاعيان والقضاة مع الوزير لتوديعه.
ووقع في هذا اليوم مطر جيد استشفى الناس به وغسل آثار العساكر من
الاوساخ وغيرها، وعاد التقي توبة من توديع الوزير وقد فوض إليه نظر
الخزانة وعزل عنها شهاب الدين بن النحاس، ودرس الشيخ ناصر الدين
بالناصرية الجوانية عوضا عن القاضي بدر الدين بن جماعة في يوم الاربعاء
آخر يوم من المحرم.
وفي هذا اليوم تحدث الناس فيما بينهم بوقوع تخبيط بين العساكر، وخلف
وتشويش، فغلق باب القلعة الذي يلي المدينة، ودخل الصاحب شهاب الدين
إليها من ناحية الخوخة، وتهيأ النائب والامراء وركب طائفة من الجيش على
باب النصر وقوفا، فلما كان وقت العصر وصل السلطان الملك العادل كتبغا
إلى القلعة في خمسة أنفس أو ستة من مماليكه، فدخل القلعة فجاء إليه
الامراء
وأحضر ابن جماعة وحسام الدين الحنفي، وجددوا الحلف للامراء ثانية
فحلفوا، وخلع عليهم، وأمر بالاحتياط على نواب الامير حسام الدين لاجين
وحواصله، وأقام العادل بالقلعة هذه الايام، وكان الخلف الذي وقع بينهم
بوادي فحمة يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم، وذلك أن الامير
حسام الدين لاجين كان قد واطأ جماعة من الامراء في الباطن على العادل،
وتوثق منهم وأشار على العادل حين خرجوا من دمشق أن يستصحب معه الخزانة،
وذلك لئلا يبقى بدمشق شئ من المال يتقوى به العادل إن فاتهم ورجع إلى
دمشق، ويكون قوة له هو في الطريق على ما عزم عليه من الغدر، فلما كانوا
بالمكان المذكور قتل لاجين الامير سيف الدين بيحاص (2) وبكتوت الازرق
__________
(1) الطبلخانة: كلمة فارسية معناها فرقة الموسيقى السلطانية أو بيت
الطبل ويشتمل على الطبول والابواق.
والطبلخانة أيضا المكان المخصص من حواصل السلطان لطبول الفرقة وأبواقها
وتوابعها من الآلات.
ويحكم على ذلك أمير من أمراء العشرات ويعرف بأمير علم.
(التعريف بمصطلحات صبح الاعشى ص 228).
(2) في مختصر أبي الفداء 4 / 34 والسلوك 1 / 820: بتخاص.
وانظر بدائع الزهور 1 / 1 / 391.
(*)
(13/410)
العادليين،
وأخذ الخزانة من بين يديه والعسكر، وقصدوا الديار المصرية، فلما سمع
العادل بذلك خرج في الدهليز وساق جريدة إلى دمشق فدخلها كما ذكرنا،
وتراجع إليه بعض مماليكه كزين الدين غلبك وغيره، ولزم شهاب الدين
الحنفي القلعة لتدبير المملكة، ودرس ابن الشريشي بالشامية البرانية
بكرة يوم الخميس مستهل صفر، وتقلبت أمور كثيرة في هذه الايام، ولزم
السلطان القلعة لا يخرج منها، وأطلق كثيرا من المكوس، وكتب بذلك تواقيع
وقرئت على الناس، وغلا السعر جدا فبلغت الغرارة مائتين، واشتد الحال
وتفاقم الامر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
سلطنة الملك منصور لاجين السلحداري وذلك أنه لما استاق الخزانة وذهب
بالجيوش إلى الديار المصرية دخلها في أبهة عظيمة، وقد اتفق معه جمهور
الامراء الكبار وبايعوه وملكوه عليهم، وجلس على سرير الملك يوم الجمعة
عاشر
صفر، ودقت بمصر البشائر، وزينت البلد، وخطب له على المنابر، وبالقدس
والخليل، ولقب بالملك المنصور، وكذلك دقت له البشائر بالكرك ونابلس
وصفد، وذهبت إليه طائفة من أمراء دمشق، وقدمت التجريدة من جهة الرحبة
صحبة الامير سيف الدين كجكن فلم يدخلوا البلد بل نزلوا بميدان الحصن
(1)، وأظهروا مخالفة العادل وطاعة المنصور لاجين صاحب مصر، وركب إليه
الامراء طائفة بعد طائفة، وفوجا بعد فوج، فضعف أمر العادل جدا، فلما
رأى انحلال أمره قال للامراء: هو خشداشي وأنا وهو شئ واحد، وأنا سامع
له مطيع، وأنا أجلس في أي مكان من القلعة أراد، حتى تكاتبوه وتنظروا ما
يقول.
وجاءت البريدية بالمكاتبات بالامر بالاحتياط على القلعة وعلى العادل
وبقي الناس في هرج وأقوال ذات ألوان مختلفة، وأبواب القلعة مغلقة،
وأبواب البلد سوى باب النصر إلا الخوخة، والعامة حول القلعة قد ازدحموا
حتى سقطت طائفة منهم بالخندق فمات بعضهم، وأمسى الناس عشية السبت وقد
أعلن باسم الملك المنصور لاجين، ودقت البشائر بذلك بعد العصر ودعا له
المؤذنون في سحر ليلة الاحد بجامع دمشق، وتلوا قوله تعالى (قل اللهم
مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل
من تشاء) الآية [ آل عمران: 26 ].
وأصبح الناس يوم الاحد فاجتمع القضاة والامراء وفيهم غرلو العادلي بدار
السعادة فحلفوا للمنصور لاجين، ونودي بذلك في البلد، وأن يفتح الناس
دكاكينهم، واختفى الصاحب شهاب الدين وأخوه زين الدين المحتسب، فعمل
الوالي ابن النشابي حسبة البلد، ثم ظهر زين الدين فباشرها على عادته.
وكذلك ظهر أخوه شهاب الدين، وسافر نائب البلد غرلو والامير جاعان إلى
__________
(1) في السلوك 1 / 824: ميدان الحصا قريبا من مسجد القدم.
(*)
(13/411)
الديار المصرية
يعلمان السلطان بوقوع التحليف على ما رسم به، وجاء كتاب السلطان أنه
جلس على السرير يوم الجمعة عاشر صفر، وشق القاهرة في سادس عشره (1) في
أبهة المملكة، وعليه الخلعة الخليفية (2) والامراء بين يديه، وأنه قد
استناب بمصر الامير سيف الدين سنقر المنصوري،
وخطب للمنصور لاجين بدمشق أول يوم ربيع الاول، وحضر المقصورة القضاة
وشمس الدين الاعسر وكجكن، واستدمر وجماعة من أمراء دمشق، وتوجه القاضي
إمام الدين القزويني وحسام الدين الحنفي وجمال الدين المالكي إلى
الديار المصرية مطلوبين، وقدم الامير حسام الدين أستاذ دار السلطان،
وسيف الدين جاعان من جهة السلطان فحلفوا الامراء ثانية ودخلوا على
العادل القلعة ومعهم القاضي بدر الدين بن جماعة وكجكن فحلفوه أيمانا
مؤكدة بعد ما طال بينهم الكلام بالتركي، وذكروا بالتركي في مبايعته أنه
راض من البلدان أي بلد كان، فوقع التعيين بعد اليمين على قلعة صرخد،
وجاءت المراسيم بالوزارة لتقي الدين توبة، وعزل شهاب الدين الحنفي،
وبالحسبة لامين الدين يوسف الارمني الرومي صاحب شمس الدين الايكي، عوضا
عن زين الدين الحنفي، ودخل الامير سيف الدين قبجق المنصوري على نيابة
الشام إلى دمشق بكرة السبت السادس عشر من ربيع الاول، ونزل دار السعادة
عوضا عن سيف الدين غرلو العادلي، وقد خرج الجيش بكماله لتلقيه، وحضر
يوم الجمعة إلى المقصورة فصلى بها وقرأ بعد الجمعة كتاب سلطاني حسامي
بإبطال الضمانات من الاوقاف والاملاك بغير رضى أصحابها، قرأه القاضي
محيي الدين ابن فضل الله صاحب ديوان الانشاء، ونودي في البلد من له
مظلمة فليأت يوم الثلاثاء إلى دار العدل، وخلع على الامراء والمقدمين
وأرباب المناصب من القضاة والكتبة، وخلع على ابن جماعة خلعتين واحدة
للقضاء والاخرى للخطابة.
ولما كان في شهر جمادى الآخرة وصل البريد فأخبر بولاية إمام الدين
القزويني (3) القضاء بالشام عوضا عن بدر الدين بن جماعة، وإبقاء ابن
جماعة على الخطابة، وتدريس القيمرية التي كانت بيد إمام الدين، وجاء
كتاب السلطان بذلك وفيه احترام وإكرام له، فدرس بالقيمرية (4)
__________
(1) في السلوك 1 / 822: يوم الخميس خامس عشر صفر.
الخلعة الخليفية وكانت تتألف من جبة سوداء بزيق وأكمام واسعة (السلوك 1
/ 823)، قلت والزيق من القميص ما أحاط منه بالعنق، والزيق في النسائج
عند العامة الخط الدقيق المنسوج فيها مخالفا لونها، وقد يراد بالزيق
أيضا قدة من الثوب (محيط المحيط).
(3) وهو إمام الدين عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن عبد الكريم
القزويني الشافعي، وكان السلطان قد عرض عليه قضاء القضاة بديار مصر فلم
يقبل واختار دمشق، فولاه قضاء القضاة بدمشق في رابع جمادى الاولى.
(4) المدرسة القيمرية الكبرى بدمشق، أنشأها القيمري الامام مقدم الجيوش
ناصر الدين حسين بن عبد العزيز المتوفى سنة 665 ه (الدارس 1 / 441).
(*)
(13/412)
يوم الخميس
ثاني رجب، ودخل إمام الدين إلى دمشق عقيب صلاة الظهر يوم الاربعاء
الثامن من رجب فجلس بالعادلية وحكم بين الناس وامتدحه الشعراء بقصائد،
منها قصيدة لبعضهم يقول في أولها: تبدلت الايام من بعد عسرها يسرا *
فأضحت ثغور الشام تفتر بالبشرى وكان حال دخوله عليه خلعة السلطان ومعه
القاضي جمال الدين الزواوي، قاضي قضاة المالكية وعليه خلعة أيضا، وقد
شكر سيرة إمام الدين في السفر، وذكر من حسن أخلاقه ورياضته ما هو حسن
جميل ودرس بالعادلية بكرة الاربعاء منتصف رجب، وأشهد عليه بعد الدرس
بولاية أخيه جلال الدين نيابة الحكم، وجلس في الديوان الصغير وعليه
الخلعة، وجاء الناس يهنئونه وقرئ تقليده يوم الجمعة بالشباك الكمالي
بعد الصلاة بحضرة نائب السلطنة وبقية القضاة، قرأه شرف الدين الفزاري.
وفي شعبان وصل الخبر بأن شمس الدين الاعسر تولى بالديار المصرية شد
الدواوين والوزارة، وباشر المنصبين جميعا، وباشر نظر الدواوين بدمشق
فخر الدين بن السيرجي عوضا عن زين الدين بن صصرى، ثم عزل بعد قليل بشهر
أو أقل بأمين الدين بن هلال، وأعيدت الشامية البرانية إلى الشيخ زين
الدين الفارقي مع الناصرية بسبب غيبة كمال الدين بن الشريشي بالقاهرة.
وفي الرابع عشر من ذي القعدة أمسك الامير شمس الدين قراسنقر المنصوري
نائب الديار المصرية لاجين هو وجماعة من الامراء معه، واحتيط على
حواصلهم وأموالهم بمصر والشام (1)، وولى السلطان نيابة مصر للامير سيف
الدين منكوتمر الحسامي، وهؤلاء الامراء الذين مسكهم هم الذين
كانوا قد أعانوه وبايعوه على العادل كتبغا، وقدم الشيخ كمال الدين
الشريشي ومعه توقيع بتدريس الناصرية عوضا عن الشامية البرانية، وأمسك
الامير شمس الدين سنقر الاعسر وزير مصر وشاد الدواوين يوم السبت الثالث
والعشرين من ذي الحجة، واحتيط على أمواله وحواصله بمصر والشام.
ونودي بمصر في ذي الحجة أن لا يركب أحد من أهل الذمة فرسا ولا بغلا،
ومن وجد منهم راكبا ذلك أخذ منه.
وفيها ملك اليمن السلطان الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر
المتقدم ذكره في التي قبلها.
وممن توفي فيها من الاعيان: قاضي
قضاة الحنابلة بمصر عز الدين عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي
الحنبلي، سمع الحديث وبرع في
__________
(1) قال في النجوم الزاهرة 8 / 87: كان السبب في القبض عليه خروجه عن
الآداب الملوكية وجاء في تذكرة النبيه 1 / 195: انه أظهر من الحمق
والكبر فيها ما غير به خواطر العسكر عليه وعلى استاذه.
(*)
(13/413)
المذهب وحكم
بمصر، وكان مشكورا في سيرته وحكمه، توفي في صفر ودفن بالمقطم، وتولى
بعده شرف الدين عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر الحراني
بديار مصر.
الشيخ الامام الحافظ القدوة عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن
مزروع بن أحمد بن عزاز البصري (1) الحنبلي، توفي بالمدينة النبوية في
أواخر صفر، ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وسمع الحديث الكثير، وجاور
بالمدينة النبوية خمسين سنة، وحج فيها أربعين حجة متوالية، وصلي عليه
بدمشق صلاة الغائب رحمه الله.
الشيخ شيث بن الشيخ علي الحريري توفي بقرية بسر من حوران يوم الجمعة
ثالث عشر ربيع الآخر وتوجه أخوه حسن والفقراء من دمشق إلى هناك لتعزية
أخيهم حسن الاكبر فيه.
الشيخ الصالح المقري جمال الدين عبد الواحد بن كثير بن ضرغام المصري،
ثم الدمشقي، نقيب السبع الكبير والغزالية، كان قد قرأ على السخاوي وسمع
الحديث، توفي في أواخر رجب وصلي عليه بالجامع الاموي ودفن بالقرب من
قبة الشيخ رسلان.
واقف السامرية الصدر الكبير سيف الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي
بن جعفر البغدادي السامري (2) واقف السامرية التي إلى جانب الكروسية
بدمشق، وكانت داره التي يسكن بها، ودفن بها ووقفها دار حديث وخانقاه،
وكان قد انتقل إلى دمشق وأقام بها بهذه الدار مدة، وكانت قديما تعرف
بدار ابن قوام، بناها من حجارة منحوتة كلها، وكان السامري كثير الاموال
حسن الاخلاق معظما عند الدولة، جميل المعاشرة، له أشعار رائقة ومبتكرات
فائقة، توفي يوم الاثنين ثامن عشر شعبان،
__________
(1) من السلوك 1 / 1 / 831 وتذكرة النبيه 1 / 198، وفي الاصل: المصري
تحريف.
وانظر شذرات الذهب 5 / 435 العيني: عقد الجمان حوادث سنة 696 ه.
(2) ورد في بعض المصادر السرمرآي، وفي الحالتين الاسم صحيح فهو نسبة
إلى سر من رأى وهي نفسها مدينة سامرا (انظر معجم البلدان، والصقاعي في
تالي وفيات الاعيان ص 25 / تر: 38).
(*)
(13/414)
وقد كان ببغداد
له حظوة عند الوزير ابن العلقمي، وامتدح المعتصم وخلع عليه خلعة سوداء
سنية، ثم قدم دمشق في أيام الناصر صاحب حلب فحظي عنده أيضا فسعى فيه
أهل الدولة فصنف فيهم أرجوزة فتح عليهم بسببها بابا فصادرهم الملك
بعشرين ألف دينار، فعظموه جدا وتوسلوا به إلى أغراضهم، وله قصيدة في
مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كتب عنه الحافظ الدمياطي شيئا من
شعره.
واقف النفيسية التي بالرصيف الرئيس نفيس الدين أبو الفداء إسماعيل بن
محمد بن عبد الواحد بن إسماعيل بن سلام بن
علي بن صدقة الحراني، كان أحد شهود القيمة بدمشق، وولي نظر الايتام في
وقت، وكان ذا ثروة من المال، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وسمع الحديث
ووقف داره دار حديث، توفي يوم السبت بعد الظهر الرابع من ذي القعدة،
ودفن بسفح قاسيون بكرة يوم الاحد بعد ما صلي عليه بالاموي.
الشيخ أبو الحسن المعروف بالساروب الدمشقي يلقب بنجم الدين، ترجمه
الحريري فأطنب، وذكر له كرامات وأشياء في علم الحروف وغيرها والله أعلم
بحاله.
وفيها قتل قازان الامير نوروز (1) الذي كان إسلامه على يديه، كان نوروز
هذا هو الذي استسلمه ودعاه للاسلام فأسلم وأسلم معه أكثر التتر، فإن
التتر شوشوا خاطر قازان عليه واستمالوه منه وعنه، فلم يزل به حتى قتله
وقتل جميع من ينسب إليه، وكان نوروز هذا من خيار أمراء التتر عند قازان
وكان ذا عبادة وصدق في إسلامه وأذكاره وتطوعاته، وقصده الجيد رحمه الله
وعفا عنه، ولقد أسلم على يديه منهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله،
واتخذوا السبح والهياكل وحضروا الجمع والجماعات وقرأوا القرآن والله
أعلم.
ثم دخلت سنة سبع وتسعين وستمائة استهلت
والخليفة الحاكم والسلطان لاجين ونائب مصر منكوتمر ونائب دمشق قبجق.
وفي عاشر صفر تولى جلال الدين بن حسام الدين القضاء مكان أبيه بدمشق،
وطلب أبوه إلى مصر
__________
(1) ذكر أبو الفداء في مختصر 4 / 37 قتله في سنة 697 ه قال: وقتله لانه
نسبه إلى مكاتبة المسلمين ورتب موضع نيروز قطلوشاه (انظر السلوك 1 /
837).
(*)
(13/415)
فأقام عند
السلطان وولاه قضاء قضاة مصر للحنفية عوضا عن شمس الدين السروجي،
واستقر ولده بدمشق قاضي قضاة الحنفية، ودرس بمدرستي أبيه الخاتونية
والمقدمية، وترك مدرسة القصاعين والشبلية وجاء الخبر على يدي البريد
بعافية السلطان من الوقعة التي كان وقعها فدقت
البشائر وزينت البلد، فإنه سقط عن فرسه وهو يلعب بالكرة، فكان كما قال
الشاعر: حويت بطشا وإحسانا ومعرفة * وليس يحمل هذا كله الفرس وجاء على
يديه تقليد وخلعة لنائب السلطنة، فقرأ التقليد وباس العتبة.
وفي ربيع الاول درس بالجوزية عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين
سليمان وحضر عنده إمام الدين الشافعي وأخوه جلال الدين وجماعة من
الفضلاء، وبعد التدريس جلس وحكم عن أبيه بإذنه في ذلك.
وفي ربيع الاول غضب قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد وترك الحكم
بمصر أياما، ثم استرضي وعاد وشرطوا عليه أن لا يستنيب ولده المحب، وفي
يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر أقيمت الجمعة بالمدرسة المعظمية وخطب فيها
مدرسها القاضي شمس الدين بن المعز الحنفي، واشتهر في هذا الحين القبض
على بدر الدين بيسرى واحتيط على أمواله بديار مصر، وأرسل السلطان
بجريدة صحبة علم الدين الدويداري إلى تل حمدون ففتحه بحمد الله ومنه،
وجاء الخبر بذلك إلى دمشق في الثاني عشر من رمضان، وخربت به الخليلية
(1) وأذن بها الظهر، وكان أخذها يوم الاربعاء سابع رمضان، ثم فتحت مرعش
بعدها فدقت البشائر، ثم انتقل الجيش إلى قلعة حموص (2) فأصيب جماعة من
الجيش منهم الامير علم الدين سنجر طقصبا أصابه زيار في فخذه (3)، وأصاب
الامير علم الدين الدويداري حجر في رجله (4).
ولما كان يوم الجمعة سابع عشر شوال عمل الشيخ تقي الدين بن تيمية
ميعادا في الجهاد وحرض فيه وبالغ في أجور المجاهدين، وكان ميعادا حافلا
جليلا.
__________
(1) في السلوك 1 / 839: نجيمة، وبعد تسلمها أقام بها من يحفظها.
(2) كذا بالاصل وتاريخ أبي الفداء، وفي السلوك 1 / 840: حميص، والصواب
ما أثبتناه، وقلعة حموص موقعها شرقي تل حمدون.
(3) أما في السلوك فقال: وقتل في هذه النوبة الامير علم الدين طقصبا
الناصري 1 / 840.
(4) أصابه حجر منجنيق فقطع مشط رجله وسقط عن فرسه وكادوا يأخذونه إلا
أن جماعة بادرت وحملته إلى وطاقه ولزم الفراش فعاد إلى حلب ومنها إلى
القاهرة واستشهد في وقعة شقحب سنة 702 ه (السلوك 1 / 840 ابن
حجر: الدرر الكامنة 3 / 357).
(*)
(13/416)
وفي هذا الشهر
عاد الملك المسعود بن خضر بن الظاهر من بلاد الاشكري إلى ديار مصر بعد
أن مكث هناك من زمن الاشرف بن المنصور، وتلقاه السلطان بالموكب وأكرمه
وعظمه.
وحج الامير خضر بن الظاهر في هذه السنة مع المصريين وكان فيهم الخليفة
الحاكم بأمر الله العباسي.
وفي شهر شوال جلس المدرسون بالمدرسة التي أنشأها نائب السلطنة بمصر وهي
المنكوتمرية داخل باب القنطرة.
وفيها دقت البشائر لاجل أخذ قلعتي حميمص ونجم من بلاد سيس.
وفيها وصلت الجريدة من بلاد مصر قاصدين بلاد سيس مددا لاصحابهم، وهي
نحو ثلاثة آلاف مقاتل، وفي منتصف ذي الحجة أمسك الامير عز الدين أيبك
الحموي الذي كان نائب الشام هو وجماعة من أهله وأصحابه من الامراء.
وفيها قلت المياه بدمشق جدا حتى بقي ثورا في بعض الاماكن لا يصل إلى
ركبة الانسان، وأما بردى فإنه لم يبق فيه مسكة ماء ولا يصل إلى جسر
حسرين، وغلا سعر الثلج بالبلد.
وأما نيل مصر فإنه كان في غاية الزيادة والكثرة.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ
حسن بن الشيخ علي الحريري في ربيع الاول بقرية بسر، وكان من كبار
الطائفة، وللناس إليه ميل لحسن أخلاقه وجودة معاشرته، ولد سنة إحدى
وعشرين وستمائة.
الصدر الكبير شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي الرجا بن أبي
الزهر التنوخي المعروف بابن السلعوس، أخو الوزير، قرأ الحديث وسمع
الكثير، وكان من خيار عباد الله، كثير الصدقة والبر، توفي بداره في
جمادى الاولى، وصلي عليه بالجامع ودفن بباب الصغير، وعمل عزاؤه بمسجد
ابن هشام، وقد ولي في وقت نظر الجامع وشكرت سيرته، وحصل له وجاهة عظيمة
عريضة أيام وزارة أخيه، ثم عاد إلى ما كان عليه قبل ذلك حتى توفي، وشهد
جنازته خلق كثير من الناس.
الشيخ شمس الدين الايكي محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي، المعروف
بالايكي، أحد الفضلاء الحلالين للمشكلات، الميسرين المعضلات، لا سيما
في علم الاصلين والمنطق، وعلم الاوائل، باشر في
(13/417)
وقت مشيخة
الشيوخ (1) بمصر، وأقام مدرس الغزالية قبل ذلك، توفي بقرية المزة يوم
جمعة، ودفن يوم السبت ومشى الناس في جنازته، منهم قاضى القضاة إمام
الدين القزويني، وذلك في الرابع من رمضان (2) ودفن بمقابر الصوفية إلى
جانب الشيخ شملة وعمل عزاؤه بخانقاه السميساطية، وحضر جنازته خلق كثير،
وكان معظما في نفوس كثير من العلماء وغيرهم.
الصدر ابن عقبة إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطاء البصراوي،
درس وأعاد، وولي في وقت قضاء حلب، ثم سافر قبل وفاته إلى مصر فجاء
بتوقيع فيه قضاة حلب، فلما اجتاز دمشق، توفي بها في رمضان من هذه
السنة، وله سبع وثمانون سنة.
يشيب المرء ويشب معه خصلتان الحرص وطول الامل.
الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي
الحنبلي شهاب الدين عابر الرؤيا، سمع الكثير وروى الحديث.
وكان عجبا في تفسير المنامات، وله فيه اليد الطولى، وله تصنيف فيه ليس
كالذي يؤثر عنه من الغرائب والعجائب، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة،
توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة رحمه الله.
تم الجزء الثالث عشر من البداية والنهاية.
ويليه الجزء الرابع عشر.
وأوله سنة ثمان وتسعين وستمائة
__________
(1) مشيخة الشيوخ: ويقصد بها الخانكاه الصلاحية دار سعيد السعداء التي
أوقفها برسم الفقراء الصوفية السلطان صلاح الدين الايوبي وعرف شيخها
باسم شيخ الشيوخ حتى سنة 806 ه عندما تلاشت الالقاب وأصبح يطلق على كل
شيخ خانكاه
(13/418)
وقت مشيخة
الشيوخ (1) بمصر، وأقام مدرس الغزالية قبل ذلك، توفي بقرية المزة يوم
جمعة، ودفن يوم السبت ومشى الناس في جنازته، منهم قاضى القضاة إمام
الدين القزويني، وذلك في الرابع من رمضان (2) ودفن بمقابر الصوفية إلى
جانب الشيخ شملة وعمل عزاؤه بخانقاه السميساطية، وحضر جنازته خلق كثير،
وكان معظما في نفوس كثير من العلماء وغيرهم.
الصدر ابن عقبة إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطاء البصراوي،
درس وأعاد، وولي في وقت قضاء حلب، ثم سافر قبل وفاته إلى مصر فجاء
بتوقيع فيه قضاة حلب، فلما اجتاز دمشق، توفي بها في رمضان من هذه
السنة، وله سبع وثمانون سنة.
يشيب المرء ويشب معه خصلتان الحرص وطول الامل.
الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي
الحنبلي شهاب الدين عابر الرؤيا، سمع الكثير وروى الحديث.
وكان عجبا في تفسير المنامات، وله فيه اليد الطولى، وله تصنيف فيه ليس
كالذي يؤثر عنه من الغرائب والعجائب، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة،
توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة رحمه الله.
تم الجزء الثالث عشر من البداية والنهاية.
ويليه الجزء الرابع عشر.
وأوله سنة ثمان وتسعين وستمائة
__________
(1) مشيخة الشيوخ: ويقصد بها الخانكاه الصلاحية دار سعيد السعداء التي
أوقفها برسم الفقراء الصوفية السلطان صلاح الدين الايوبي وعرف شيخها
باسم شيخ الشيوخ حتى سنة 806 ه عندما تلاشت الالقاب وأصبح يطلق على كل
شيخ خانكاه لقب شيخ الشيوخ (أنظر المواعظ والاعتبار للمقريزي 2 / 415).
(2) كان مولده سنة 631، قال في السلوك 1 / 851: توفي بدمشق عن ست وستين
سنة.
أنظر تذكرة النبيه 1 / 209 (*) تم الجزء
(13/418)
|