البداية والنهاية، ط. دار إحياء التراث العربي

ثم دخلت سنة أربع وسبعمائة
استهلت والخليفة والسلطان والحكام والمباشرون هم المذكرون في التي قبلها، وفي يوم الاحد ثالث ربيع الاول حضرت الدروس والوظائف التي أنشأها الامير بيبرس الجاشنكير المنصوري بجامع الحاكم بعد أن جدده من خرابه بالزلزلة التي طرأت على ديار مصر في آخر سنة ثنتين وسبعمائة، وجعل القضاة الاربعة عم المدرسين للمذاهب، وشيخ الحديث سعد الدين الحارثي، وشيخ النحو أثير الدين أبو حيان، وشيخ القراءات السبع الشيخ نور الدين الشطنوفي، وشيخ إفادة العلوم الشيخ علاء الدين القونوي.
وفي جمادى الآخرة باشر الامير ركن الدين بيبرس الحجوبية مع الامير سيف الدين بكتمر، وصارا حاجبين كبيرين في دمشق.
وفي رجب أحضر إلى

(14/38)


الشيخ تقي الدين بن تيمية شيخ كان يلبس دلقا كبيرا متسعا جدا يسمى المجاهد إبراهيم القطان، فأمر الشيخ بتقطيع ذلك الدلق فتناهبه الناس من كل جانب وقطعوه حتى لم يدعوا فيه شيئا وأمر
بحلق رأسه، وكان ذا شعر، وقلم أظافره وكانوا طوالا جدا، وحف شاربه المسبل على فمه المخالف للسنة، واستتابه من كلام الفحش وأكل ما يغير العقل من الحشيشة وما لا يجوز من المحرمات وغيرها.
وبعده استحضر الشيخ محمد الخباز البلاسي فاستتابه أيضا عن أكل المحرمات ومخالطة أهل الذمة، وكتب عليه مكتوبا أن لا يتكلم في تعبير المنامات ولا في غيرها بما لا علم له به.
وفي هذا الشهر بعينه راح الشيخ تقي الدين ين تيمية إلى مسجد النارنج (1) وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت هناك بنهر قلوط تزار وينذر لها، فقطعها وأرح المسلمين منها ومن الشرك بها، فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما، وبهذا وأمثالها حسدوه وأبرزوا له العداوة، وكذلك كلامه بابن عربي وأتباعه، فحسد على ذلك وعودي، ومع هذا لم تأخذه في الله لومة لائم، ولا بالى، ولم يصلوا إليه بمكروه، وأكثر ما نالوا منه الحبس مع أنه لم ينقطع في بحث لا بمصر ولا بالشام، ولم يتوجه لهم عليه ما يشين وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه كما سيأتي، وإلى الله إياب الخلق وعليه حسابهم.
وفي رجب جلس قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بالمدرسة العادلية الكبيرة وعملت التخوت بعد ما جددت عمارة المدرسة، ولم يكن أحد يحكم بها بعد وقعة قازان بسبب خرابها، وجاء المرسوم للشيخ برهان الدين الفزاري بوكالة بيت المال فلم يقبل، وللشيخ كمال الدين بن الزملكاني بنظر الخزانة فقبل وخلع عليه بطرحة، وحظر بها يوم الجمعة، وهاتان الوظيفتان كانتا مع نجم الدين بن أبي الطيب توفي إلى رحمة الله.
وفي شعبان سعى جماعة في تبطيل الوقيد ليلة النصف وأخذوا خطوط العلماء في ذلك، وتكلموا مع نائب السلطنة فلم يتفق ذلك، بل أشعلوا وصليت صلاة ليلة النصف أيضا.
وفي خامس رمضان وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر بوكالة بيت المال، ولبس الخلعة سابع رمضان، وحضر عند ابن صصرى بالشباك الكمالي.
وفي سابع شوال عزل وزير مصر ناصر الدين بن الشيخي وقطع إقطاعه ورسم عليه وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة، وتولى الوزارة سعد الدين محمد بن محمد ابن عطاء وخلع عليه.
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة حكم قاضي القضاة جمال الدين الزواوي بقتل الشمس محمد بن جمال الدين بن عبد الرحمن الباجريقي، وإراقة دمه وإن تاب
وإن أسلم، بعد إثبات محضر عليه يتضمن كفر الباجريقي المذكور، وكان ممن شهد فيه عليه الشيخ مجد الدين التونسي النحوي الشافعي، فهرب الباجريقي إلى بلاد الشرق (2) فمكث بها مدة
__________
(1) من بدائع الزهور، وفي الاصل " التاريخ "، وذكر ابن إياس هذه الحادثة في حوادث سنة 702 ه (1 / 1 / 417).
__________
(2) اقام مدة بمصر بالجامع الازهر - بعد الحكم عليه - ثم هرب إلى دمشق ونزل القابون قرب دمشق واقام به إلى أن مات سنة 724 ه.
وله ستون سنة (شذرات الذهب 6 / 64 الوافي 3 / 249 ابن حجر الدرر الكامنة 4 / 130).

(14/39)


سنين ثم جاء بعد موت الحاكم المذكور كما سيأتي.
وفي ذي القعدة كان نائب السلطنة في الصيد فقصدهم في الليل طائفة من الاعراب فقاتلهم الامراء فقتلوا من العرب نحو النصف، وتوغل في العرب أمير يقال له سيف الدين بهادر تمر احتقارا بالعرب، فضربه واحد منهم برمح فقتله، فكرت الامراء عليهم فقتلوا منهم خلقا أيضا، وأخذوا واحد منهم زعموا أنه هو الذي قتله فصلب تحت القلعة، ودفن الامير المذكور بقبر الست.
وفي ذي القعدة تكلم الشيخ شمس الدين بن النقيب وجماعة من العلماء في الفتاوى الصادرة من الشيخ علاء الدين بن العطار شيخ دار الحديث النورية والقوصية، وأنها مخالفة لمذهب الشافعي، وفيها تخبيط كثير، فتوهم من ذلك وراح إلى الحنفي فحقن دمه وأبقاه على وظائفه، ثم بلغ ذلك نائب السلطنة فأنكر على المنكرين عليه، ورسم عليهم ثم اصطلحوا، ورسم نائب السلطنة أن لا تثار الفتن بين الفقهاء.
وفي مستهل ذي الحجة ركب الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين ومعه نقيب الاشراف زين الدين بن عدنان فاستنابوا خلقا منهم وألزموهم بشرائع الاسلام ورجع مؤيدا منصورا.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ تاج الدين بن شمس الدين بن الرفاعي
شيخ الاحمدية بأم عبيدة من مدة مديدة، وعنه تكتب إجازات الفقراء، ودفن هناك عند سلفه بالبطائح.
الصدر نجم الدين بن عمر ابن أبي القاسم بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن أبي الكتائب بن محمد بن أبي الطيب، وكيل بيت المال وناظر الخزانة، وقد ولي في وقت نظر المارستان النوري وغير ذلك، وكان مشكور السيرة رجلا جيدا، وقد سمع الحديث وروى أيضا، توفي ليلة الثلاثاء الخامس عشر من جمادى الآخرة، ودفن بتربتهم بباب الصغير.
ثم دخلت سنة خمس وسبعمائة استهلت والخليفة المستكفي والسلطان الملك الناصر، والمباشرون هم المذكورون فيما مضى، وجاء الخبر أن جماعة من التتر كمنوا لجيش حلب وقتلوا منهم خلقا من الاعيان وغيرهم، وكثر النوح ببلاد حلب بسبب ذلك.
وفي مستهل المحرم حكم جلال الدين القزويني أخو قاضي القضاة إمام الدين نيابة عن ابن صصرى، وفي ثانيه خرج نائب السلطنة بمن بقي من الجيوش

(14/40)


الشامية، وقد كان تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية في ثاني المحرم، فساروا إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة فخرج نائب السلطنة الافرم بنفسه بعد خروج الشيخ لغزوهم، فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقا كثيرا منهم ومن فرقتهم الضالة، ووطئوا أراضي كثيرة من صنع بلادهم، وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في صحبته الشيخ ابن تيمية والجيش، وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خير كثير، وأبان الشيخ علما وشجاعة في هذه الغزوة، وقد امتلات قلوب أعدائه حسدا له وغما.
وفي مستهل جمادى الاولى قدم القاضي أمين الدين أبو بكر بن القاضي وجيه الدين عبد العظيم بن الرفاقي المصري من القاهرة على نظر الدواوين بدمشق، عوضا عن عز الدين بن مبشر.
ما جرى للشيخ تقي الدين بن تيمية مع الاحمدية وكيف عقدت له المجالس الثلاثة
وفي يوم السبت تاسع جمادى الاولى حضر جماعة كثيرة من الفقراء الاحمدية إلى نائب السلطنة بالقصر الابلق وحضر الشيخ تقي الدين بن تيمية فسألوا من نائب السلطنة بحضرة الامراء أن يكف الشيخ تقي الدين إمارته عنهم، وأن يسلم لهم حالهم، فقال لهم الشيخ: هذا ما يمكن.
ولا بد لكل أحد أن يدخل تحت الكتاب والسنة، قولا وفعلا، ومن خرج عنهما وجب الانكار عليه.
فأرادوا أن يفعلوا شيئا من أحوالهم الشيطانية التي يتعاطونها في سماعاتهم، فقال الشيخ تلك أحوال شيطانية باطلة، وأكثر أحوالهم من باب الحيل والبهتان، ومن أراد منهم أن يدخل النار فليدخل أولا إلى الحمام وليغسل جسده غسلا جيدا ويدلكه بالخل والاشنان ثم يدخل بعد ذلك إلى النار إن كان صادقا، ولو فرض أن أحدا من أهل البدع دخل النار بعد أن يغتسل فإن ذلك لا يدل على صلاحه ولا على كرامته، بل حاله من أحوال الدجاجلة المخالفة للشريعة إذا كان صاحبها على السنة، فما الظن بخلاف ذلك، فابتدر شيخ المنيبع الشيخ الصالح وقال: نحن أحوالنا إنما تنفق عند التتر ليست تنفق عند الشرع، فضبط الحاضرون عليه تلك الكلمة، وكثر الانكار عليهم من كل أحد، ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الاطواق الحديد من رقابهم، وأن من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه.
وصنف الشيخ جزءا في طريقة الاحمدية، وبين فيه أحوالهم ومسالكهم وتخيلاتهم، وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب، وأظهر الله السنة على يديه وأخمد بدعتهم ولله الحمد والمنة.
وفي العشر الاوسط من هذا الشهر خلع على جلال الدين بن معبد وعز الدين خطاب، وسيف الدين بكتمر مملوك بكتاش الحسامي بالامرة ولبس التشاريف، وركبوا بها وسلموا لهم جبل الجرد والكسروان والبقاع.
وفي يوم الخميس ثالث رجب خرج الناس للاستسقاء إلى سطح المزة

(14/41)


ونصبوا هناك منبرا وخرج نائب السلطنة وجميع الناس من القضاة والعلماء والفقراء، وكان مشهدا هائلا وخطبة عظيمة بليغة، فاستسقوا فلم يسقوا يومهم ذلك.
أول المجالس الثلاثة لشيخ الاسلام ابن تيمية
وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية، وحصل بحث في أماكن منها، وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا، ولكن ساقيته لاطمت بحرا، ثم اصطلحوا على أن يكون الشيخ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يحاققه من غير مسامحة، فتناظرا في ذلك، وشكر الناس من فضائل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وجودة ذهنه وحسن بحثه حيث قاوم ابن تيمية في البحث، وتكلم معه، ثم انفصل الحال على قبول العقيدة، وعاد الشيخ إلى منزله معظما مكرما، وبلغني أن العامة حملوا له الشمع من باب النصر إلى القصاعين على جاري عادتهم في أمثال هذه الاشياء، وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب ورد من السلطان في ذلك، كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف، والشيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه، وذلك أن الشيخ تقي الدين بن تيمية كان يتكلم في المنجبي وينسبه إلى اعتقاد ابن عربي وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدمه عند الدولة، وانفراده بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة الناس له ومحبتهم له وكثرة أتباعه وقيامه في الحق، وعلمه وعمله، ثم وقع بدمشق خبط كثير وتشويش بسبب غيبة نائب السلطنة، وطلب القاضي جماعة من أصحاب الشيخ وعزر بعضهم ثم اتفق أن الشيخ جمال الدين المزي الحافظ قرأ فصلا بالرد على الجهمية من كتاب أفعال العباد للبخاري تحت قبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب الاستسقاء، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وشكاه إلى قاضي الشافعي ابن صصرى، وكان عدو الشيخ فسجن المزي، فبلغ الشيخ تقي الدين فتألم لذلك وذهب إلى السجن فأخرجه منه بنفسه، وراح إلى القصر فوجد القاضي هنالك، فتقاولا بسبب الشيخ جمال الدين المزي، فحلف ابن صصرى لا بد أن يعيده إلى السجن وإلا عزل نفسه فأمر النائب بإعادته تطييبا لقلب القاضي فحبسه عنده في القوصية أياما ثم أطلقه.
ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق أصحابه في غيبته، فتألم النائب لذلك ونادى في البلد أن لا يتكلم أحد
في العقائد، ومن عاد إلى تلك الحال ماله ودمه ورتبت داره وحانوته، فسكنت الامور.
وقد رأيت فصلا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات.
ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر واجتمع جماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة وفي هذا اليوم عزل ابن صصرى نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين

(14/42)


في المجلس المذكور، وهو من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادة ابن صصرى إلى القضاء، وذلك بإشارة المنبجي، وفي الكتاب إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية، وقد بلغنا ما عقد له من المجالس، وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه، ثم جاء كتاب آخر في خامس رمضان يوم الاثنين وفيه الكشف عن ما كان وقع للشيخ تقي الدين بن تيمية في أيام جاغان، والقاضي إمام الدين القزويني وأن يحمل هو والقاضي ابن صصرى إلى مصر، فتوجها على البريد نحو مصر، وخرج مع الشيخ خلق من أصحابه وبكوا وخافوا عليه من أعدائه، وأشار عليه نائب السلطنة ابن الافرم بترك الذهاب إلى مصر، وقال له أنا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا، فامتنع الشيخ من ذلك، وذكر له أن في توجهه لمصر مصلحة كبيرة، ومصالح كثيرة، فلما توجه لمصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته حتى انتشروا من باب داره إلى قرب الجسورة، فيما بين دمشق والكسوة، وهم فيما بين باك وحزين ومتفرج ومتنزه ومزاحم متغال فيه.
فلما كان يوم السبت دخل الشيخ تقي الدين غزة فعمل في جامعها مجلسا عظيما، ثم دخلا معا إلى القاهرة والقلوب معه وبه متعلقة، فدخلا مصر يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان، وقيل انهما دخلاها يوم الخميس، فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة عقد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاة وأكابر الدولة وأراد أن يتكلم على عادته فلم يتمكن من البحث والكلام، وانتدب له الشمس ابن عدنان خصما احتسابا، وادعى عليه عند ابن مخلوف المالكي أنه يقول إن الله فوق العرش حقيقة، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، فسأله القاضي جوابه فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه، فقيل له أجب
ما جئنا بك لتخطب، فقال: ومن الحاكم في ؟ فقيل له: القاضي المالكي.
فقال له الشيخ كيف تحكم في وأنت خصمي، فغضب غضبا شديدا وانزعج وأقيم مرسما عليه وحبس في برج أياما ثم نقل منه ليلة العيد إلى الحبس المعروف بالجب، هو وأخوه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن.
وأما ابن صصرى فإنه جدد له توقيع بالقضاء بإشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر، وعاد إلى دمشق يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقولب له ماقتة، والنفوس منه نافرة، وقرئ تقليده بالجامع وبعده قرئ كتاب فيه الحط على الشيخ تقي الدين ومخالفته في العقيدة، وأن ينادى بذلك في البلاد الشامية، وألزم أهل مذهبه بمخالفته، وكذلك وقع بمصر، قام عليه جاشنكير وشيخه نصر المنبجي، وساعدهم جماعة كثيرة من الفقهاء والفقراء، وجرت فتن كثيرة منتشرة، نعوذ بالله من الفتن، وحصل للحنابلة بالديار المصرية إهانة عظيمة كثيرة، وذلك أن قاضيهم كان قليل العلم مزجى البضاعة، وهو شرف الدين الحراني، فلذلك نال أصحابهم ما نالهم، وصارت حالهم حالهم، وفي شهر رمضان جاء كتاب من مقدم الخدام بالحرم النبوي يستأذن السلطان في بيع طائفة من قناديل الحرم النبوي لينفق ذلك ببناء مأذنة عند باب السلام الذي عند المطهرة، فرسم

(14/43)


له بذلك، وكان في جملة القناديل قنديلان من ذهب زنتهما ألف دينار، فباع ذلك وشرع في بنائها وولي سراج الدين عمر قضاءها مع الخطابة فشق ذلك على الروافض.
وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية القضاء لشمس الدين محمد بن إبراهيم بن داود الاذرعي الحنفي قضاء الحنفية عوضا عن شمس الدين بن الحسيني معزولا وبتولية الشيخ برهان الدين بن الشيخ تاج الدين الفزاري خطابة دمشق عوضا عن عمه الشيخ شرف الدين توفي إلى رحمة الله، فخلع عليهما بذلك وباشرا في يوم الجمعة ثالث عشر الشهر وخطب الشيخ برهان الدين خطبة حسنة حضرها الناس والاعيان، ثم بعد خمسة أيام عزل نفسه عن الخطابة وآثر بقاءه على تدريس البدرائية حين بلغه أنها طلبت لتأخذ منه، فبقي منصب
الخطابة شاغرا بقاءه على تدريس البادرائية حين بلغه أنها طلبت لتؤخذ منه، فبقي منصب الخطابة شاغرا ونائب الخطيب يصلي بالناس ويخطب، ودخل عيد الاضحى وليس للناس خطيب، وقد كاتب نائب السلطنة في ذلك فجاء المرسوم بإلزامه بذلك، وفيه: لعلمنا بأهليته وكفايته واستمراره على ما بيده من تدريس البادرائية، فباشرها القيسي جمال الدين بن الرحبي، سعى في البادرائية فأخذها وباشرها في صفر من السنة الآتية بتوقيع سلطاني، فعزل الفزاري نفسه عن الخطابة ولزم بيته، فراسله نائب السلطنة بذلك، فصمم على العزل وأنه لا يعود إليها أبدا، وذكر أنه عجز عنها، فلما تحقق نائب السلطنة ذلك أعاد إليه مدرسته وكتب له بها توقيعا بالعشر الاول من ذي الحجة وخلع على شمس الدين الخطيري بنظر الخزانة عوضا عن ابن الزملكاني.
وحج بالناس الامير شرف الدين حسن بن حيدر.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ عيسى بن الشيخ سيف الدين الرحبي ابن سابق بن الشيخ يونس القيسي ودفن بزاويتهم التي بالشرق الشمالي بدمشق غربي الوراقة والعزية يوم الثلاثاء سابع المحرم.
الملك الاوحد ابن الملك تقي الدين شادي بن الملك الزاهر مجير الدين داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي، توفي بجبل الجرد في آخر نهار الاربعاء ثاني صفر، وله من العمر سبع وخمسون سنة فنقل إلى تربتهم بالسفح، وكان من خيار الملوك والدولة معظما عند الملوك والامراء، وكان يحفظ القرآن وله معرفة بعلوم، ولديه فضائل.
الصدر علاء الدين علي بن معالي الانصاري الحراني الحاسب، يعرف بابن الزريز، وكان فاضلا بارعا في

(14/44)


صناعة الحساب انتفع به جماعة، توفي في آخر هذه السنة فجأة ودفن بقاسيون، وقد أخذت
الحساب عن الحاضري عن علاء الدين الطيوري عنه.
الخطيب شرف الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري، الشيخ الامام العلامة أخو العلامة شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن، ولد سنة ثلاثين وسمع الحديث الكثير، وانتفع على المشايخ في ذلك العصر كابن الصلاح وابن السخاوي وغيرهما، وتفقه وأفتى وناظر وبرع وساد أقرانه، وكان أستاذا في العربية واللغة والقراءات وإيراد الاحاديث النبوية، والتردد إلى المشايخ للقراءة عليهم، وكان فصيح العبارة حلو المحاضرة، لا تمل مجالسته، وقد درس بالطبية، وبالرباط الناصري مدة، ثم تحول عنه إلى خطابة جامع جراح، ثم انتقل إلى خطابة جامع دمشق بعد الفارقي في سنة ثلاث ولم يزل به حتى توفي يوم الاربعاء عشية التاسع من شوال، عن خمس وسبعين سنة، وصلي عليه صبيحة يوم الخميس على باب الخطابة، ودفن عند أبيه وأخيه بباب الصغير رحمهم الله، وولي الخطابة ابن أخيه.
شيخنا العلامة برهان الدين الحافظ الكبير الدمياطي وهو الشيخ الامام العالم الحافظ شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف ابن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي، حامل لواء هذا الفن - أعني صناعة الحديث وعلم اللغة - في زمانه مع كبر السن والقدر، وعلو الاسناد وكثرة الرواية، وجودة الدراية، وحسن التآليف وانتشار التصانيف، وتردد الطلبة إليه من سائر الآفاق، ومولده في آخر سنة ثلاث عشرة وستمائة، وقد كان أول سماعه في سنة ثنتين وثلاثين بالاسكندرية، سمع الكثير على المشايخ ورحل وطاف وحصل وجمع فأوعى، ولكن ما منع ولا بخل، بل بذل وصنف ونشر العلم، وولي المناصب بالديار المصرية، وانتفع الناس به كثيرا، وجمع معجما لمشايخه الذين لقيهم بالشام والحجاز والجزيرة والعراق وديار مصر يزيدون على ألف وثلثمائة شيخ، وهو مجلدان، وله ؟ الاربعون المتباينة الاسناد وغيرها وله كتاب في الصلاة والوسطى مفيد جدا، ومصنف في صيام ستة ؟ أيام من شوال أفاد فيه وأجاد، وجمع ما لم يسبق إليه، وله كتاب الذكر والتسبيح عقيب
الصلوات، وكتاب التسلي في الاغتباط بثواب من يقدم من الافراط، وغير ذلك من الفوائد الحسان، ولم يزل في إسماع الحديث إلى أن أدركته وفاته وهو صائم في مجلس الاملاء غشي عليه فحمل إلى منزله فمات من ساعته يوم الاحد عاشر ذي القعدة بالقاهرة، ودفن من الغد بمقابر باب النصر وكانت جنازته حافلة جدا رحمه الله تعالى.

(14/45)


ثم دخلت سنة ست وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية مسجون بالجب من قلعة الجبل، وفي يوم الاربعاء جاء البريد بتولية الخطابة للشيخ شمس الدين (1) إمام الكلاسة وذلك في ربيع الاول، وهنئ بذلك فأظهر التكره لذلك والضعف عنه، ولم يحصل له مباشرة لغيبة نائب السلطنة في الصيد، فلما حضر أذن له فباشر يوم الجمعة العشرين من الشهر، فأول صلاة صلاها الصبح يوم الجمعة، ثم خلع عليه وخطب بها يومئذ، وفي يوم الاربعاء ثامن عشر ربيع الاول باشر نيابة الحكم عن القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن المعروف بالدمشقي عوضا عن تاج الدين بن صالح بن تامر بن خان الجعبري، وكان معمرا قديم الهجرة كثير الفضائل، دينا ورعا، جيد المعاشرة، وكان وقد ولي الحكم في سنة سبع وخمسين وستمائة، فلما ولي ابن صصرى كره بيابته.
وفي يوم الاحد العشرين من ربيع الآخر قدم البريد من القاهرة ومعه تجديد توقيع للقاضي شمس الدين الازرعي الحنفي، فظن الناس أنه بولاية القضاء لابن الحريري فذهبوا ليهنئوه مع البريد إلى الظاهرية، واجتمع الناس لقراءة التقليد على العادة فشرع الشيخ علم الدين البرزالي في قراءته فلما وصل إلى الاسم تبين له أنه ليس له وأنه للازرعي، فبطل القارئ وقام الناس مع البريدي إلى الازرعي، وحصلت كسرة وخمدة على الحريري والحاضرين، ووصل مع البريدي أيضا كتاب فيه طلب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى القاهرة، فتوهم من ذلك وخاف أصحابه عليه بسبب انتسابه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، فتلطف به نائب السلطنة، ودارى عنه حتى أعفي من الحضور إلى مصر، ولله الحمد.
وفي يوم الخميس تاسع جمادى الاولى دخل الشيخ ابن براق إلى دمشق وبصحبته مائة فقير كلهم محلقي ذقونهم موفري شواربهم عكس ما وردت به السنة، وعلى رؤوسهم قرون لبابيد.
ومعهم أجراس وكعاب وجواكين خشب، فنزلوا بالمنيبع وحضروا الجمعة برواق الحنابلة، ثم توجهوا نحو القدس فزاروا، ثم استأذنوا في الدخول إلى الديار المصرية فلم يؤذن لهم، فعادوا إلى دمشق فصاموا بها رمضان ثم انشمروا راجعين إلى بلاد الشرق، إذ لم يجدوا بدمشق قبولا، وقد كان شيخهم براق روميا من بعض قرى دوقات من أبناء الاربعين، وقد كانت له منزلة عند قازان ومكانة، وذلك أنه سلط عليه نمرا فزجره فهرب منه وتركه، فحظي عنده وأعطاه في يوم واحد ثلاثين ألفا ففرقها كلها فأحبه، ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون لهم صلاة، ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جلدة، وكان يزعم أن طريقه الذي سلكه إنما سلكه ليخرب على نفسه، ويرى أنه زي المسخرة، وأن هذا هو الذي يليق بالدنيا، والمقصود إنما هو الباطن والقلب وعمارة ذلك، ونحن إنما نحكم بالظاهر، والله أعلم بالسرائر.
__________
(1) وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي، مولده سنة 644 ه ووفاته هذه السنة في شوال منها.

(14/46)


وفي يوم الاربعاء سادس جمادى الآخر حضر مدرس النجيبية بهاء الدين يوسف بن كمال الدين أحمد بن عبد العزيز العجمي الحلبي، عوضا عن الشيخ ضياء الدين الطوسي توفي، وحضر عنده ابن صصرى وجماعة من الفضلاء، وفي هذه السنة صليت صلاة الرغائب في النصف بجامع دمشق بعد أن كانت قد أبطلها ابن تيمية منذ أربع سنين، ولما كانت ليلة النصف حضر الحاجب ركن الدين بيبرس العلائي ومنع الناس من الوصول إلى الجامع ليلتئذ، وغلقت أبوابه فبات كثير من الناس في الطرقات وحصل للناس أذى كثير، وإنما أراد صيانة الجامع من اللغو والرفث، والتخطيط.
وفي سابع عشر رمضان حكم القاضي تقي الدين الحنبلي بحقن دم محمد الباجريقي، وأثبت عنده محضرا بعداوة ما بينه وبين الشهود الستة الذين شهدوا عليه عند المالكي، حين حكم بإراقة دمه، وممن شهد بهذه العداوة ناصر الدين بن عبد السلام وزين الدين بن الشريف عدنان،
وقطب الدين ابن شيخ السلامية وغيرهم.
وفيها باشر كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان ملك الامراء عوضا عن شهاب الدين الحنفي، وذلك في آخر رمضان، وخلع عليه بطيلسان وخلعة، وحضر بها دار العدل.
وفي ليلة عيد الفطر أحضر الامير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء فالقضاة الشافعي والمالكي والحنفي، والفقهاء الباجي والجزري والنمراوي، وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس، فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطا بذلك، منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة وأرسلوا إليه ليحضر ليتكلموا معه في ذلك، فامتنع من الحضور وصمم، وتكررت الرسل إليه ست مرات، فصمم على عدم الحضور، ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا، فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين.
وفي يوم الاربعاء ثاني شوال أذن نائب السلطنة الافرم للقاضي جلال الدين (1) القزويني أن يصلي بالناس ويخطب بجامع دمشق عوضا عن الشيخ شمس الدين إمام الكلاسة توفي، فصلى الظهر يومئذ وخطب الجمعة واستمر بالامامة والخطابة حتى وصل توقيعه بذلك من القاهرة، وفي مستهل ذي القعدة حضر نائب السلطنة والقضاة والامراء والاعيان وشكرت خطبته.
وفي مستهل ذي القعدة كمل بناء الجامع الذي ابتناه وعمره الامير جمال الدين نائب السلطنة الافرم عند الرباط الناصري بالصالحية، ورتب فيه خطيبا يخطب يوم الجمعة وهو القاضي شمس الدين محمد بن العز الحنفي، وحضر نائب السلطنة والقضاة وشكرت خطبة الخطيب به، ومد الصاحب شهاب الدين الحنفي سماطا بعد صلاة بالجامع المذكور وهو الذي كان الساعي في عمارته، والمستحث عليها، فجاء في غاية الاتقان والحسن، تقبل الله منهم.
__________
(1) وهو محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن أبي دلف العجلي القزويني، كانت وفاته سنة 739 ه.
(الدرر الكامنة 4 / 120 الوافي 3 / 242).

(14/47)


وفي ثالث ذي القعدة استناب اصصرى القاضي صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل
الجعبري خطيب داريا في الحكم عوضا عن جلال الدين القزويني، بسبب اشتغاله بالخطابة عن الحكم، وفي يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة قدم قاضي القضاة صدر الدين أبو الحسن علي بن الشيخ صفي الدين الحنفي البصراوي إلى دمشق من القاهرة متوليا قضاء الحنفية عوضا عن الازرعي، مع ما بيده من تدريس النورية والمقدمية وخرج الناس لتلقيه وهنأوه، وحكم بالنورية وقرئ تقليده بالمقصورة الكندية في الزاوية الشرقية، من جامع بني أمية.
وفي ذي الحجة ولي الامير عز الدين بن صبرة على البلاد القبلية والي الولاة، عوضا عن الامير جمال الدين آقوش الرستمي، بحكم ولايته شد الدواوين بدمشق، وجاء كتاب من السلطان بولاية وكالته للرئيس عز الدين بن حمزة القلانسي عوضا عن ابن عمه شرف الدين، فكره ذلك.
وفي اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة أخبر نائب السلطنة بوصول كتاب من الشيخ تقي الدين من الحبس الذي يقال له: الجب، فأرسل في طلبه فجئ به فقرئ على الناس فجعل يشكر الشيخ ويثني عليه وعلى علمه وديانته وشجاعته وزهده، وقال: ما رأيت مثله، وإذا هو كتاب مشتمل على ما هو عليه في السجن من التوجه إلى الله، وأنه لم يقبل من أحد شيئا لا من النفقات السلطانية ولا من الكسوة ولا من الادرارات ولا غيرها، ولا تدنس بشئ من ذلك.
وفي هذا الشهر يوم الخميس السابع والعشرين منه طلب أخوا الشيخ تقي الدين شرف الدين وزين الدين من الحبس إلى مجلس نائب السلطان سلار، وحضر ابن مخلوف المالكي وطال بينهم كلام كثير فظهر شرف الدين بالحجة على القاضي المالكي بالنقل والدليل والمعرفة، وخطأه في مواضع أدعى فيها دعاوى باطلة، وكان الكلام في مسألة العرش ومسألة الكلام، وفي مسألة النزول.
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين ذي الحجة وصل على البريد من مصر نصر الدين محمد بن الشيخ فخر الدين ابن أخي قاضي القضاة البصراوي، وزوج ابنته على الحسبة بدمشق عوضا عن جمال الدين يوسف العجمي وخلع عليه بطيلسان ولبس الخلعة ودار بها في البلد في مستهل سنة سبع وسبعمائة، وفي هذه السنة عمر في حرم مكة بنحو مائة ألف.
وحج بالناس من الشام الامير
ركن الدين بيبرس المجنون.
وممن توفي فيها من الاعيان: القاضي تاج الدين صالح بن أحمد (1) بن خامد بن علي الجعدي الشافعي نائب الحكم بدمشق ومفيد ؟
__________
(1) في تذكرة النبيه 1 / 275: ثامر.

(14/48)


الناصرية، كان ثقة دينا عدلا مرضيا زاهدا، حكم من سنة سبع وخمسين وستمائة، له فضائل وعلوم، وكان حسن الشكل والهيئة، توفي في ربيع الاول عن ست وسبعين سنة، ودفن بالسفح وناب في الحكم بعده نجم الدين الدمشقي.
الشيخ ضياء الدين الطوسي أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن علي الشافعي مدرس النجيبية شارح الحاوي (1)، ومختصر (2) ابن الحاجب كان شيخا فاضلا بارعا، وأعاد في الناصرية أيضا، توفي يوم الاربعاء بعد مرجعه من الحمام تاسع عشر من جمادى الاولى، وصلي عليه يوم الخميس ظاهر باب النصر، وحضر نائب السلطنة وجماعة من الامراء والاعيان، ودفن بالصوفية، ودرس بعده بالمدرسة بهاء الدين بن العجمي.
الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد بن سعد الطيبي المعروف بابن السوابلي، والسوابل الطاسات.
كان معظما ببلاد الشرق جدا، كان تاجرا كبيرا توفي في هذا الشهر المذكور.
الشيخ الجليل سيف الدين الرجيحي ابن سابق بن هلال بن يونس شيخ اليونسية بمقامهم، صلي عليه سادس رجب بالجامع ثم أعيد إلى داره التي سكنها داخل باب توما، وتعرف بدار أمين الدولة فدفن بها، وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان والقضاة والامراء، وكانت له حرمة كبيرة عند الدولة وعند طائفته، وكان
ضخم الهامة جدا محلوق الشعر، وخلف أموالا وأولادا.
الامير فارس الدين الروادي توفي في العشر الاخير من رمضان، وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام وهو يقول له: أنت مغفور لك، أو نحو هذا، وهو من أمراء حسام الدين لاجين.
الشيخ العابد خطيب دمشق شمس الدين شمس الدين محمد بن الشيخ أحمد بن عثمان الخلاطي إمام الكلاسة، كان شيخا حسنا
__________
(1) هو كتاب الحاوي الصغير في الفروع لعبد الغفار بن عبد الكريم القزويني المتوفى سنة 668 ه.
وقد شرحه الطوسي وسماه المصباح (كشف الظنون لحاجي خليفة 6 / 625 مرآة الجنان 4 / 167).
__________
(2) وهو مختصر كتاب منتهى السؤل والامل في علمي الاصول والجدل لابن الحاجب (كشف الظنون 2 / 1625).

(14/49)


بهي المنظر كثير العبادة، عليه سكون ووقار، باشر إمامة الكلاسة قريبا من اربعين سنة ثم طلب إلى أن يكون خطيبا بدمشق بالجامع من غير سؤال منه ولا طلب، فباشرها ستة أشهر ونصف أحسن مباشرة، وكان حسن الصوت طيب النغمة عارفا بصناعة الموسيقى، مع ديانة وعبادة، وقد سمع الحديث توفي فجأة بدار الخطابة يوم الاربعاء ثامن شوال عن ثنتين وستين سنة، وصلي عليه بالجامع وقد امتلا بالناس، ثم صلي عليه بسوق الخيل وحضر نائب السلطنة والامراء والعامة، وقد غلقت الاسواق ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله.
ثم دخلت سنة سبع وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، والشيخ تقي الدين بن تيمية معتقل في قلعة الجبل بمصر، وفي أوائل المحرم أظهر السلطان الملك الناصر الغضب على الامير ابن سلار والجاشنكير وامتنع من العلامة (1) وأغلق القلعة وتحصن فيها، ولزم الاميران بيوتهما، واجتمع عليهما جماعة من الامراء وحوصرت القلعة وجرت خبطة عظيمة، وغلقت الاسواق، ثم راسلوا السلطان فتأطدت الامور وسكنت الشرور على دخن، وتنافر قلوب.
وقوي الاميران أكثر مما كانا
قبل ذلك وركب السلطان ووقع الصلح على دخن.
وفي المحرم وقعت الحرب بن التتر وبين أهل كيلان (2)، وذلك أن ملك التتر طلب منهم أن يجعلوا في بلادهم طريقا إلى عسكره فامتنعوا من ذلك، فأرسل ملك التتر خربندا جيشا كثيفا ستين ألفا من المقاتلة، أربعين ألفا مع قطلوشاه وعشرين ألفا مع جوبان، فأمهلهم أهل كيلان حتى توسطوا بلادهم، ثم أرسلوا عليهم خليجا من البحر ورموهم بالنفط فغرق كثير منهم واحترق آخرون، وقتلوا بأيديهم طائفة كثيرة، فلم يفلت منهم إلا القليل، وكان فيمن قتل أمير التتر الكبير قطلوشاه، فاشتد غضب خربندا على أهل كيلان، ولكنه فرح بقتل قطلوشاه فإنه كان يريد قتل خربندا فكفى أمره عنهم، ثم قتل بعده بولاي.
ثم إن ملك التتر أرسل الشيخ براق الذي قدم الشام فيما تقدم إلى أهل كيلان يبلغهم عنه رسالة فقتلوه وأراحوا الناس منه، وبلادهم من أحصن البلاد وأطيبها لا تستطاع، وهم أهل سنة وأكثرهم حنابلة لا يستطيع مبتدع أن يسكن بين أظهرهم.
وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع القضاة بدر الدين بن جماعة بالشيخ تقي الدين بن تيمية في دار الاوحدي من قلعة الجبل، وطال بينهما الكلام ثم تفرقا قبل الصلاة، والشيخ تقي الدين مصمم على عدم الخروج من السجن، فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين
__________
(1) العلامة: هي ما يكتبه السلطان بخطه على صورة اصطلاحية.
وكان لكل سلطان علامة وتوقيع (التعريف بمصطلحات صبح الاعشى ص 253، المواعظ والاعتبار للمقريزي 2 / 211 وصبح الاعشى 6 / 314).
__________
(2) كيلان أو جيلان: غربي طبرستان (معجم البلدان، وتقويم البلدان لابي الفداء ص 426).

(14/50)


من ربيع الاول جاء الامير حسام الدين مهنا بن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه وأقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجن إليه، فلما خرج أقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار، فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار وجرت بينهم بحوث كثيرة.
ثم فرقت بينهم الصلاة، ثم اجتمعوا إلى المغرب وبات الشيخ تقي الدين عند سلار، ثم اجتمعوا يوم الاحد بمرسوم السلطان جميع النهار، ولم يحضر أحد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير، أكثر من كل يوم، منهم الفقيه نجم
الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي، وفخر الدين ابن بنت أبي سعد، وعز الدين النمراوي، وشمس الدين بن عدنان وجماعة من الفقهاء وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار، بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره، لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والادلة، وأن أحدا من الحاضرين لا يطيقه، فقبل عذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير، وبات الشيخ عند نائب السلطنة وجاء الامير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق، فأشار سلار بإقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه، وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه.
وكتب الشيخ كتابا إلى الشام يتضمن ما وقع له من الامور.
قال البرزالي: وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين وكلموه في ابن عربي وغيره إلى الدولة، فردوا الامر في ذلك إلى القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ، لكنه قال لا يستغاث إلا بالله، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة، ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله (1) فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب، فحضرت رسالة إلى القاضي أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة، فقال القاضي قد قلت له ما يقال لمثله، ثم إن الدولة خيروه بين أشياء إما أن يسير إلى دمشق أو الاسكندرية بشروط أو الحبس، فاختار الحبس فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزما ما شرط، فأجاب أصحابه إلى ما اختاروا جبرا لخواطرهم، فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال ثم أرسلوا خلفه من الغد بريدا آخرا، فردوه وحضر عند قاضي القضاة ابن جماعة وعنده جماعة من الفقهاء، فقال له بعضهم: إن الدولة ما ترضى إلا بالحبس، فقال القاضي وفيه مصلحة له، واستناب شمس الدين التونسي المالكي وأذن له أن يحكم عليه بالحبس فامتنع وقال: ما ثبت عليه شي، فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحير، فلما رأى الشيخ توقفهم في حبسه قال أنا أمضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة، فقال نور الدين الزواوي: يكوفي موضع يصلح لمثله فقيل له الدولة ما ترضى إلا بمسمى الحبس، فأرسل إلى حبس القضاة في المكان الذي كان فيه تقي الدين ابن بنت الاعز حين سجن، وأذن له أن
يكون عنده من يخدمه، وكان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة، فإنه كان قد استحوذ على عقل الجاشنكير الذي تسلطن فيما بعد، وغيره من الدولة، والسلطان مقهور معه،
__________
(1) في هامش المطبوعة: " المعروف في كتب ابن تيمية وترجمته لابن عبد الهادي: أنه لا يجيز هذا.
".

(14/51)


واستمر الشيخ في الحبس يستفتي ويقصده الناس ويزورونه، وتأتيه الفتاوى المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الامراء وأعيان الناس، فيكتب عليها بما يحير العقول من الكتاب والسنة.
ثم عقد للشيخ مجلس بالصالحية بعمد ذلك كله، ونزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير، وأكب الناس على الاجتماع به ليلا ونهارا.
وفي سادس رجب باشر الشيخ كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان المارستان عوضا عن يوسف العجمي توفي، وكان محتسبا بدمشق مدة فأخذها منه نجم الدين بن البصراوي قبل هذا بستة أشهر، وكان العجمي موصوفا بالامانة.
وفي ليلة النصف من شعبان أبطلت صلاة ليلة النصف لكونها بدعة وصين الجامع من الغوغاء والرعاع، وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنة.
وفي رمضان قدم الصدر نجم الدين البصراوي ومعه توقيع بنظر الخزانة عوضا عن شمس الدين الخطيري مضافا إلى ما بيده من الحبسة، ووقع في أواخر رمضان مطر قوي شديد، وكان الناس لهم مدة لم يمطروا، فأستبشروا بذلك، ورخصت الاسعار، ولم يمكن الناس الخروج إلى المصلى من كثرة المطر، فصلوا بالجامع، وحضر النائب السلطنة فصلى بالمقصورة، وخرج المحمل، وأمير الحج عامئذ سيف الدين بلبان البدري التتري.
وفيها حج القاضي شرف الدين البارزي من حماة.
وفي ذي الحجة وقع حريق عظيم بالقرب من الظاهرية مبدأه من الفرن تجاهها الذي يقال له فرن العوتية، ثم لطف الله وكف شرها وشررها.
قلت: وفي هذه السنة كان قدومنا من بصرى إلى دمشق بعد وفاة الوالد، وكان أول ما سكنا بدرب سعور الذي يقال له درب ابن أبي الهيجاء بالصاغة العتيقة عند الطوريين، ونسأل الله حسن العاقبة والخاتمة آمين.
وممن توفي فيها من الاعيان: الامير ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي، المعروف بالجالق (1) كا رأس الجمدارية في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب وأمره الملك الظاهر.
كان من أكابر الدولة كثير الاموال، توفي بالرملة لانه كان في قسم إقطاعه في نصف جمادى الاولى، ونقل إلى القدس فدفن به.
الشيخ صالح الاحمدي الرفاعي شيخ المينبع، كان التتر يكرمونه لما قدموا دمشق، ولما جاء قطلوشاه نائب التتر نزل عنده،
__________
(1) الجالق: بفتح الجيم، وهي كلمة تركية: اسم للفرس الحاد المزاج الكثير اللعب.

(14/52)


وهو الذي قال للشيخ تقي الدين بن تيمية بالقصر: نحن ما ينفق حالنا إلا عند التتر، وأما عند الشرع فلا.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، والشيخ تقي الدين قد أخرج من الحبس، والناس قد عكفوا عليه زيارة وتعلما واستفتاء وغير ذلك، وفي مستهل ربيع الاول أفرج عن الامير نجم الدين خضر بن الملك الظاهر، فأخرج من البرج وسكن دار الافرم بالقاهرة، ثم كانت وفاته في خامس رجب من هذه السنة.
وفي أواخر جمادى الاولى تولى نظر ديوان ملك الامراء زين الدين الشريف ابن عدنان عوضا عن ابن الزملكاني، ثم أضيف إليه نظر الجامع أيضا عوضا عن ابن الخطيري، وتولى نجم الدين بن الدمشقي نظر الايتام عوضا عن نجم الدين بن هلال.
وفي رمضان عزل الصاحب أمين الدين الرفاقي عن نظر الدواوين بدمشق وسافر إلى مصر.
وفيها عزل كمال الدين بن الشريشي نفسه عن وكالة بيت المال وصمم على الاستمرار على العزل وعرض عليه العود فلم يقبل، وحملت إليه الخلعة لما خلع على المباشرين فلم يلبسها، واستمر معزولا إلى يوم عاشوراء من السنة الآتية، فجدد تقليده وخلع عليه في الدولة الجديدة.
وفيها خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية قاصدا الحج، وذلك في السادس والعشرين (1) من رمضان، وخرج معه جماعة من الامراء لتوديعه فردهم، ولما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر، فلما توسطه كسر به (2) فسلم من كان أمامه وقفز به الفرس فسلم، وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين فمات منهم أربعة (3) وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحت الجسر، وبقي نائب الكرك الامير جمال الدين آقوش خجلا يتوهم أن يكون هذا يظنه السلطان عن قصد، وكان قد عمل للسلطان ضيافة غرم عليها أربعة عشر ألفا فلم يقع الموقع لاشتغال السلطان بهم وما جرى له ولاصحابه ثم خلع على النائب وأذن له في الانصراف إلى مصر فسافر، واشتغل السلطان بتدبير المملكة في الكرك وحدها، وكان يحضر دار العدل ويباشر الامور بنفسه، وقدمت عليه زوجته من مصر، فذكرت له ما كانوا فيه من ضيق الحال وقلة النفقات.
__________
(1) في السلوك 2 / 43: في الخامس والعشرين، وفي تذكرة النبيه 1 / 286: في شوال.
وفي بدائع الزهور 1 / 421 في خامس عشرينه وفي مختصر أبي الفداء 4 / 54: يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان.
__________
(2) يعلل المقريزي وابن تغردى بردى ذلك قالا: ومد الجسر، وكان له مدة سنين لم يمد، وقد ساس خشبه لطول مكثه، فلما عبرت عليه الدواب وأتى السلطان في آخره انكسر (السلوك 2 / 44 النجوم الزاهرة 8 / 176).
__________
(3) في مختصر أخبار البشر 4 / 55 والنجوم الزاهرة 8 / 177: " لم يهلك من المماليك غير شخص واحد لم يكن من الخواص " وانظر بدائع الزهور 1 / 422.

(14/53)


ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير بشيخ (1) المنبجي عدو ابن تيمية لما استقر الملك ناصر بالكرك وعزم على الاقامة بها كتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة (2)، فأثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نفذ على قضاة الشام وبويع الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير في السلطنة في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر، بدار الامير سيف الدين سلار، اجتمع بها أعيان الدولة من الامراء وغيرهم وبايعوه وخاطبوه بالملك
المظفر، وركب إلى القلعة ومشوا بين يديه، وجلس على سرير المملكة بالقلعة، ودقت البشائر وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان.
وفي مستهل ذي القعدة وصل الامير عز الدين البغدادي إلى دمشق فاجتمع بنائب السلطنة والقضاة والامراء والاعيان بالقصر الابلق فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى أهل مصر، وأنه قد نزل عن الملك وأعرض عنه، فأثبته القضاة وامتنع الحنبلي من إثباته وقال: ليس أحد يترك الملك مختارا، ولو لا أنه مضطهد ما تركه، فعزل وأقيم غيره، واستحلفهم للسلطان الملك المظفر، وكتبت العلامة على القلعة، وألقابه على محال المملكة، ودقت البشائر وزينت البلد، ولما قرئ كتاب الملك الناصر على الامراء بالقصر، وفيه: إني قد صحبت الناس عشر سنين ثم اخترت المقام بالكرك، تباكى جماعة من الامراء وبايعوا كالمكرهين، وتولى مكان الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الامير سيف الدين بن علي، ومكان ترعكي سيف الدين بنخاص، ومكان بنخاص الامير جمال الدين آقوش الذي كان نائب الكرك، وخطب للمظفر يوم الجمعة على المنابر بدمشق وغيرها، وحضر نائب السلطنة الافرم والقضاة، وجاءت الخلع وتقليد نائب السلطنة في تاسع عشر ذي القعدة، وقرأ تقليد النائب كاتب السر القاضي محيي الدين بن فضل الله بالقصر بحضرة الامراء، وعليهم الخلع كلهم.
وركب المظفر بالخلعة السوداء الخليفية، والعمامة المدورة والدولة بين يديه عليهم الخلع يوم السبت سابع ذي القعدة، والصاحب ضياء الدين النساي حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود، وأوله: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ويقال إنه خلع في القاهرة قريب ألف خلعة
__________
(1) كذا بالاصل.
في هامش المطبوعة: ولعلها " بسعي " أو نحوها.
__________
(2) مضمون كتاب السلطان إلى الامراء في النجوم الزاهرة 8 / 180 ويرى أبو الفداء أن السبب هو: استيلاء سلار وبيبرس الجاشنكير على المملكة واستبداد هما بالامور وتجاوز الحد في الانفراد بالاموال والامر والنهى ولم يتركا لمولانا السلطان غير الاسم مع ما كان منهما من محاصرة مولانا السلطان في القلعة وغير ذلك مما لا تنكمش النفس منه (مختصر أخبار البشر 4 / 55 وانظر بدائع الزهور 1 / 421).
ويشير ابن أيبك في كنز الدرر 9 / 157: إلى اختلاف هذا الكتاب وتزويره على الناصر محمد بن قلاوون قائلا: " وكانوا قد اختلفوا على مولانا السلطان كتابا
كثير التزوير والبهتان..وقرئ ذلك الكتاب المزور الوارد بزعمهم عن ذلك الملك البدر المصور، وكان القارئ له باعلان وإظهار بهاء الدين أرسلان الدوادار.

(14/54)


ومائتي خلعة، وكان يوما مشهودا، وفرح بنفسه أياما يسير ة، وكذا شيخه المنبجي، ثم أزال الله عنهما نعمته سريعا.
وفيها خطب ابن جماعة بالقلعة وباشر الشيخ علاء الدين القونوي تدريس الشريفية.
وممن توفي فيها من الاعيان.
الشيخ الصالح عثمان الحلبوني أصله من صعيد مصر، فأقام مدة بقرية حلبون وغيرها من تلك الناحية، ومكث مدة لا يأكل الخبز، واجتمع عليه جماعة من المريدين وتوفي بقرية برارة (1) في أواخر المحرم، ودفن بها وحضر جنازته نائب الشام والقضاة وجماعة من الاعيان.
الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن محمد بن كثير الحراني الحنيلي إمام مسجد عطية، ويعرف بابن القري روى الحديث وكان فقيها بمدارس الحنابلة.
ولد بحران سنة ربع وثلاثين وستمائة، وتوفي بدمشق في العشر الاخير من رمضان، ودفن بسفح قاسيون، وتوفي قبله الشيخ زين الدين الحراني بغزة، وعمل عزاؤه بدمشق رحمهما الله.
السيد الشريف زين الدين أبو علي الحسن (2) بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب الاشراف، كان فاضلا بارعا فصيحا متكلما، يعرف طريقة الاعتزال ويباحث الامامية، ويناظر على ذلك بحضرة القضاة وغيرهم، وقد باشر قبل وفاته بقليل نظر الجامع ونظر ديوان الافرم، توفي يوم الخامس من ذي القعدة عن خمس وخمسين سنة، ودفن بتربتهم بباب الصغير.
الشيخ الجليل ظهير الدين
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل بن منعة البغدادي، شيخ الحرم الشريف بمكة بعد عمه عفيف الدين منصور بن منعة، وقد سمع الحديث وأقام ببغداد مدة طويلة، ثم سار إلى مكة، بعد وفاة عمه، فتولى مشيخة الحرم إلى أن توفي (3).
__________
(1) في شذرات الذهب 6 / 17: برزة.
__________
(2) في تذكرة النبيه 1 / 290: الحسين.
__________
(3) في شذرات الذهب 6 / 17: توفي بالمهجم من نواحي اليمن عن بو سبعين سنة

(14/55)


ثم دخلت سنة تسع وسبعائة استهلت وخليفة الوقت المستكفي أمير المؤمنين بن الحاكم بأمر الله العباسي، وسلطان البلاد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، ونائبه بمصر الامير سيف الدين سلار، وبالشام آقوش الافرم، وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها.
وفي ليلة سلخ صفر توجه الشيخ تقي الدين بن تيمية من القاهرة إلى الاسكندرية صحبة أمير مقدم، فأدخله دار السلطان وأنزله في برج منها فسيح الاكناف، فكان الناس يدخلون عليه ويشتغلون في سائر العلوم، ثم كان بعد ذلك يحضر الجمعات ويعمل المواعيد على عادته في الجامع، وكان دخوله إلى الاسكندرية يوم الاحد، وبعد عشرة أيام وصل خبره إلى دمشق فحصل عليه تألم وخافوا عليه غائلة الجاشنكير وشيخه المنبجي، فتضاعف له الدعاء، وذلك أنهم لم يمكنوا أحدا من أصحابه أن يخرج معه إلى الاسكندرية، فضاقت له الصدور، وذلك إنه تمكن منه عدوه نصر المنبجي.
وكان سبب عداوته له أن الشيخ تقي الدين كان ينال من الجاشنكير ومن شيخه نصر المنبجي، ويقول: زالت أيامه وانتهت رياسته، وقرب انقضاء أجله، ويتكلم فيهما وفي ابن عربي وأتباعه، فأرادوا أن يسيروه إلى الاسكندرية كهيئة المنفي لعل أحدا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة، فما زاد ذلك الناس إلا محبة فيه وقربا منه وانتفاعا به واشتغالا عليه، وحنوا وكرامة له.
وجاء كتاب من أخيه يقول فيه: إن الاخ الكريم قد نزل بالثغر المحروس على نية الرباط، فإن أعداء الله قصدوا بذلك أمورا
يكيدونه بها ويكيدون الاسلام وأهله، وكانت تلك كرامة في حقنا، وظنوا أن ذلك يؤدي إلى هلاك الشيخ فانقلبت عليهم مقاصدهم الخبيثة وانعكست من كل الوجوه، وأصبحوا وأمسوا وما زالوا عند الله وعند الناس العارفين سود الوجوه يتقطعون حسرات وندما على ما فعلوا، وانقلب أهل الثغر أجمعين إلى الاخ مقبلين عليه مكرمين له وفي كل وقت ينشر من كتاب الله وسنة رسوله ما تقر به أعين المؤمنين، وذلك شجي في حلوق الاعداء واتفق أنه وجد بالاسكندرية إبليس قد باض فيها وفرخ وأضل بها فرق السبعينية والعربية فمزق الله بقدومه عليهم شملهم، وشتت جموعهم شذر مذر، وهتك أستارهم وفضحهم، واستتاب جماعة كثيرة منهم، وتوب رئيسا من رؤسائهم واستقر عند عامة المؤمنين وخواصهم من أمير وقاض وفقيه، ومفت وشيخ وجماعة المجتهدين، إلا من شذ من الاغمار الجهال، مع الذلة والصغار - مجبة الشيخ وتعظيمه وقبول كلامه والرجوع إلى أمره ونهيه، فعلت كلمة الله بها على أعداء الله ورسوله، ولعنوا سرا وجهرا وباطنا وظاهرا، في مجامع الناس بأسمائهم الخاصة بهم، وصار ذلك عند نصر المنبجي المقيم المقعد، ونزل به من الخوف والذل ما لا يعبر عنه، وذكر كلاما كثيرا.
والمقصود أن الشيخ تقي الدين أقام بثغر الاسكندرية ثمانية أشهر مقيما ببرج متسع مليح نظيف له شباكان أحدهما إلى جهة البحر والآخر إلى جهة المدينة، وكان يدخل عليه من شاء،

(14/56)


ويتردد إليه الاكابر والاعيان والفقهاء، يقرأون عليه ويستفيدون منه، وهو في أطيب عيش وأشرح صدر.
وفي آخر ربيع الاول عزل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني عن نظر المارستان بسبب انتمائه إلى ابن تيمية بإشارة المنبجي، وباشره شمس الدين عبد القادر بن الخطيري.
وفي يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر ولي قضاء الحنابلة بمصر الشيخ الامام الحافظ سعد الدين أبو محمود مسعود بن أحمد بن مسعود بن زين الدين الحارثي، شيخ الحديث بمصر، بعد وفاة القاضي شرف الدين أبي محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحراني.
وفي جمادى الاولى
برزت المراسيم السلطانية المظفرية إلى البلاد السواحلية بإبطال الخمور وتخريب الحانات ونفي أهلها، ففعل ذلك وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا.
وفي مستهل جمادى الآخرة وصل بريد بتولية قضاء الحنابلة بدمشق للشيخ شهاب الدين أحمد بن شريف الدين حسن بن الحافظ جمال الدين أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي، عوضا عن التقي سليمان بن حمزة بسبب تكلمه في نزول الملك الناصر عن الملك، وأنه إنما نزل عنه مضطهدا بذلك، ليس بمختار، وقد صدق فيما قال.
وفي عشرين جمادى الآخرة وصل البريد بولاية شد الدواوين للامير سيف الدين بكتمر الحاجب، عوضا عن الرستمي فلم يقبل، وبنظر الخزانة للامير عز الدين أحمد بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود المعروف بابن القلانسي، فباشرهما وعزل عنها البصراوي محتسب البلد.
وفي هذا الشهر باشر قاضي القضاة ابن جماعة مشيخة سعيد السعداء بالقاهرة بطلب الصوفية له، ورضوا منه بالحضور عندهم في الجمعة مرة واحدة، وعزل عنها الشيخ كريم الدين الايكي، لانه عزل منها الشهود، فثاروا عليه وكتبوا في حقه محاضر بأشياء قادحة في الدين، فرسم بصرفه عنهم، وعومل بنظير ما كان يعامل به الناس، ومن جملة ذلك قيامه على شيخ الاسلام ابن تيمية وافتراؤه عليه الكذب، مع جهله وقلة ورعه، فعجل الله له هذا الخزي على يدي أصحابه وأصدقائه جزاء وفاقا.
وفي شهر رجب كثر الخوف بدمشق وانتقل الناس من ظاهرها إلى داخلها، وسبب ذلك أن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ركب من الكرك قاصدا دمشق يطلب عوده إلى الملك، وقد مالاه جماعة من الامراء وكاتبوه في الباطن وناصحوه، وقفز إليه جماعة من أمراء المصريين، وتحدث الناس بسفر نائب دمشق الافرم إلى القاهرة، وأن يكون مع الجم الغفير، فاضطرب الناس ولم تفتح أبواب البلد إلى ارتفاع النهار، وتخبطت الامور، فاجتمع القضاة وكثير من الامراء بالقصر وجددوا البيعة للملك المظفر، وفي آخر نهار السبت غلقت أبواب البلد بعد العصر وازدحم الناس بباب النصر وحصل لهم تعب عظيم، وازدحم البلد بأهل القرى وكثر الناس بالبلد، وجاء البريد بوصول الملك الناصر إلى الخمان، فانزعج نائب الشام لذلك وأظهر أنه يريد قتاله ومنعه من دخول

(14/57)


البلد، وقفز إليه الاميران ركن الدين بيبرس المجنون، وبيبرس العلمي، وركب إليه الامير سيف الدين بكتمر حاجب الحجاب يشير عليه بالرجوع، ويخبره بأنه لا طاقة له بقتال المصريين، ولحقه الامير سيف الدين بهادرا يشير عليه بمثل ذلك، ثم عاد إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رجب وأخبره أن السلطان الملك الناصر قد عاد إلى الكرك، فسكن الناس ورجع نائب السلطنة إلى القصر، وتراجع بعض الناس إلى مساكنهم، واستقروا بها.
صفة عود الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون إلى الملك وزوال دولة المظفر الجاشنكير بيبرس وخذلانه وخذلان شيخه نصر المنبجي الاتحادي الحلولي لما كان ثالث عشر (1) شعبان جاء الخبر بقدوم الملك الناصر إلى دمشق، فساق إليه الاميران سيف الدين قطلوبك والحاج بهادر إلى الكرك، وحضاه على المجئ إليها، واضطرب نائب دمشق وركب في جماعة من أتباعه على الهجن في سادس عشر شعبان ومعه ابن صبح صاحب شقيف أرنون (2)، وهيئت بدمشق أبهة السلطنة والاقامات اللائقة به، والعصائب والكوسات، وركب من الكرك في أبهة عظيمة، وأرسل الامان إلى الافرم، ودعا له المؤذنون في المأذنة ليلة الاثنين سابع عشر شعبان، وصبح بالدعاء له والسرور بذكره، ونودى في الناس بالامان، وأن يفتحوا دكاكينهم ويأمنوا في أوطانهم، وشرع الناس في الزينة ودقت البشائر ونام الناس في الاسطحة ليلة الثلاثاء ليتفرجوا على السلطان حين يدخل البلد، وخرج القضاة، والامراء والاعيان لتلقيه.
قال كاتبه ابن كثير: وكنت فيمن شاهد دخوله يوم الثلاثاء وسط النهار في أبهة عظيمة وبسط له من عند المصلى وعليه أبهة الملك وبسطت الشقاق الحرير تحت أقدام فرسه، كلما جاوز شقة طويت من ورائه، والجد على رأسه والامراء السلحدارية عن يمينه وشماله، وبين يديه، والناس يدعون له ويضجون بذلك ضجيجا عاليا، وكان يوما مشهودا.
قال الشيخ علم الدين البرزالي: وكان على السلطان يومئذ عمامة بيضاء، وكلوثة حمراء، وكان الذي حمل الغاشية على رأس
السلطان الحاج بهادر وعليه خلعة معظمة مذهبة بفرو فاخم.
ولما وصل إلى القلعة نصب له الجسر ونزل إليها نائبها الامير سيف الدين السنجري، فقبل الارض بين يديه، فأشار إليه إني الآن لا أنزل ههنا، وسار بفرسه إلى جهة القصر الابلق (3) والامراء بين يديه، فخطب له يوم الجمعة.
__________
(1) في النجوم الزاهرة 8 / 265: يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان.
__________
(2) من الجوهر الثمين 2 / 140 وفي الاصل " أربون ".
__________
(3) القصر الابلق: بدمشق.
أنشأه السلطان الملك الظاهر بيبرس سنة 666 ه بالميدان الاخضر على نهر بردى.
=

(14/58)


وفي بكرة يوم السبت الثاني والعشرين من الشهر وصل الامير جمال الدين آقوش الافرم نائب دمشق مطيعا للسلطان، فقبل الارض بين يديه، فترجل له السلطان وأكرمه وأذن له في مباشرة النيابة على عادته وفرح الناس بطاعة الافرم له، ووصل إليه أيضا الامير سيف الدين قبجق نائب حماة، والامير سيف الدين استدمر نائب طرابلس يوم الاثنين الرابع والعشرين من شعبان، وخرج الناس لتلقيهما، وتلقاهما السلطان كما تلقى الافرم.
وفي هذا اليوم رسم السلطان بتقليد قضاء الحنابلة وعوده إلى تقي الدين سليمان، وهنأه الناس وجاء إلى السلطان إلى القصر فسلم عليه ومضى إلى الجوزية وكم بها ثلاثة أشهر، وأقيمت الجمعة الثانية بالميدان وحضر السلطان والقضاة إلى جانبه، وأكابر الامراء والدولة، وكثير من العامة.
وفي هذا اليوم وصل إلى السلطان الامير قراسنقر المنصوري نائب حلب وخرج دهليز السلطان يوم الخميس رابع رمضان ومعه القضاة والقراء وقت العصر، وأقيمت الجمعة خامس رمضان بالميدان أيضا، ثم خرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء تاسع رمضان، وفي صحبته ابن صصرى وصدر الدين الحنفي قاضي العساكر، والخطيب جلال الدين، والشيخ كمال الدين بن الزملكاني، والموقعون وديوان الجيش وجيش الشام بكماله قد اجتمعوا عليه من سائر مدنه وأقاليمه بنوابه وأمرائه، فلما انتهى السلطان إلى غزة دخلها في أبهة عظيمة، وتلقاه الامير سيف الدين بهادر هو وجماعة من أمراء المصريين، فأخبروه أن الملك المظفر قد خلع نفسه من المملكة، ثم تواتر قدوم الامراء من مصر إلى السلطان،
وأخبروه بذلك، فطابت قلوب الشاميين واستبشروا بذلك ودقت البشائر وتأخر مجئ البريد بصورة الناصري.
واتفق في يوم هذا العيد أنه خرج نائب الخطيب الشيخ تقي الدين الجزري المعروف بالمقضاي في السناجق إلى المصلى على العادة، واستناب في البلد الشيخ مجد الدين التونسي، فلما وصلوا إلى المصلى وجدوا خطيب المصلى قد شرع في الصلاة فنصبت السناجق في صحن المصلى وصلى بينهما تقي الدين المقضاي ثم خطب، وكذلك فعل ابن حسان داخل المصلى، فعقد فيه صلاتان وخطبتان يومئذ، ولم يتفق مثل هذا فيما نعلم.
وكان دخول السلطان الملك الناصر إلى قلعة الجبل آخر يوم عيد الفطر من هذه السنة، ورسم لسلار أن يسافر إلى الشوبك، واستناب بمصر الامير سيف الدين بكتمر الجوكندار الذي كان نائب صفد، وبالشام الامير قراسنقر المنصوري، وذلك في العشرين من شوال، واستوزر الصاحب فخر الدين الخليلي بعدها بيومين، وباشر القاضي فخر الدين كاتب الممالك نظر الجيوش بمصر بعد بهاء الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن المظفر الحلي، توفي ليلة الجمعة عاشر شوال،
__________
= وأشرف على عمارته الامير أقوش النجيبي نائب دمشق، وظل عامرا تنزله الملوك إلى أن هدمه تيمورلنك سنة 803 ه.
(السلوك 1 / 561 خطط الشام 5 / 285).
]

(14/59)


وكان من صدور المصريين وأعيان الكبار، وقد روى شيئا من الحديث، وصرف الامير جمال الدين آقوش الافرم إلى نيابه صرخد وقدم إلى دمشق الامير زين الدين كتبغا رأس نوبة الجمدارية شد الدواوين، وأستاذ دار الاستادارية عوضا عن سيف الدين أقجبا، وتغيرت الدولة وانقلبت قلبة عظيمة.
قال الشيخ علم الدين البرزالي: ولما دخل السلطان إلى مصر يوم عيد الفطر لم يكن له دأب إلا طلب الشيخ تقي الدين بن تيمية من الاسكندرية معززا مكرما مبجلا، فوجه إليه في ثاني يوم من شوال بعد وصوله بيوم أو يومين، فقدم الشيخ تقي الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر
وخرج مع الشيخ خلق من الاسكندرية يودعونه، واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه وتلقاه ومشى إليه في مجلس حفل، فيه قضاة المصريين والشاميين، وأصلح بينه وبينهم، ونزل الشيخ إلى القاهرة وسكن بالقرب من مشهد الحسين، والناس يترددون إليه، والامراء والجند وكثير من الفقهاء والقضاة منهم من يعتذر إليه ويتنصل مما وقع منه، فقال أنا حاللت كل من أذاني.
قلت: وقد أخبرني القاضي جمال الدين بن القلانسي بتفاصيل هذا المجلس وما وقع فيه من تعظيمه وإكرامه مما حصل له من الشكر والمدح من السلطان والحاضرين من الامراء، وكذلك أخبرني بذلك قاضي القضاة منصور الدين الحنفي، ولكن أخبار ابن القلانسي أكثر تفصيلا، وذلك أنه كان إذ ذاك قاضي العساكر، وكلاهما كان حاضرا هذا المجلس، ذكر لي أن السلطان لما قدم عليه الشيخ تقي الدين بن تيمية نهض قائما للشيخ أول ما رآه، ومشى له إلى طرف الايوان (1) واعتنقا هناك هنيهة، ثم أخذ معه ساعة إلى طبقة فيها شباك إلى بستان فجلسا ساعة يتحدثان، ثم جاء ويد الشيخ في يد السلطان، فجلس السلطان وعن يمينه ابن جماعة قاضي مصر، وعن يساره ابن الخليلي والوزير، وتحته ابن صصرى، ثم صدر الدين علي الحنفي، وجلس الشيخ تقي الدين بين يدي السلطان على طرف طراحته، وتكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض بالعلائم، وأنهم قد التزموا للديوان بسبع مائة ألف في كل سنة، زيادة على الحالية، فسكت الناس وكان فيهم قضاة مصر والشام وكبار العلماء من أهل مصر والشام من جملتهم ابن الزملكاني.
قال ابن القلانسي: وأنا في مجلس السلطان إلى جنب ابن الزملكاني، فلم يتكلم أحد من العلماء ولا من القضاة، فقال لهم السلطان: ما تقولون ؟ يستفتيهم في ذلك، فلم يتكلم أحد، فجثى الشيخ تقي الدين على ركبتيه وتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ ورد على الوزير ما قاله ردا عنيفا، وجعل يرفع صوته والسلطان يتلافاه ويسكته بترفق وتؤدة وتوقير.
وبالغ
__________
(1) الايوان: أنشاه المنصور قلاوون ثم جدده الاشرف خليل واستمر جلوس نائب دار العدل به، فلما عمل الملك الناصر محمد بن قلاوون الروك، أمر بهدمه وأعاد بناءه وزاد فيه وأنشأ به قبة جليلة..(خطط المقريزي 2 / 206) وقد اندثر هذا الايوان وبني مكانه جامع محمد علي باشا الكبير وملحقاته بقلعة الجبل بالقاهرة.

(14/60)


الشيخ في الكلام، وقال ما لا يستطيع أحد أن يقوم بمثله، ولا بقريب منه، وبالغ في التشنيع على من يوافق في ذلك.
وقال للسلطان: حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهل الذمة لاجل حطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك، وكبت عدوك ونصرك على أعدائك فذكر أن الجاشنكير هو الذي جدد عليهم ذلك، فقال: والذي فعله الجاشنكير كان من مراسيمك لانه إنما كان نائبا لك، فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك، وجرت فصول يطول ذكرها.
وقد كان السلطان أعلم بالشيخ من جميع الحاضرين، ودينه وزينته وقيامه بالحق وشجاعته، وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جالسا فيه، وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه، وأخرج له فتاوى بعضهم عزله من الملك ومبايعة الجاشنكير، وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضا، وأخذ يحثه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم، وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير، ففهم الشيخ مراد السلطان فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء، وينكر أن ينال أحدا منهم بسوء، وقال له: إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم، فقال له إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا، فقال الشيخ من آذاني فهو في حل، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي، وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح.
قال وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول: ما رأينا مثل ابن تيمية حرضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا، ثم إن الشيخ بعد اجتماعه بالسلطان نزل إلى القاهرة وعاد إلى بث العلم ونشره، وأقبلت الخلق عليه ورحلوا إليه يشتغلون عليه ويستفتونه ويجيبهم بالكتابة والقول، وجاء الفقهاء يعتذرون مما وقع منهم في حقه فقال: قد جعلت الكل في حل، وبعث الشيخ كتابا إلى أهله يذكر ما هو فيه من نعم الله وخيره الكثير، ويطلب منهم جملة من كتب العلم التي له ويستعينوا على ذلك بجمال الدين المزي، فإنه يدري كيف يستخرج له ما يريده من
الكتب التي أشار إليها، وقال في هذا الكتاب: والحق كل ماله في علو وازدياد وانتصار، والباطل في انخفاض وسفول واضحلال، وقد أذل الله رقاب الخصوم، وطلب أكابرهم من السلم ما يطول وصفه، وقد اشترطنا عليهم من الشروط ما فيه عز الاسلام والسنة، وما فيه قمع الباطل والبدعة، وقد دخلوا تحت ذلك كله وامتنعنا من قبول ذلك منهم، حتى يظهر إلى الفعل، فلم نثق لهم بقول ولا عهد، ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا، والمذكور مفعولا، ويظهر من عز الاسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم، وذكر كلاما طويلا يتضمن ما جرى له مع السلطان في قمع اليهود والنصارى وذلهم، وتركهم على ما هم عليه من الذلة والصغار والله سبحانه أعلم.

(14/61)


وفي شوال أمسك السلطان جماعة من الامراء قريبا من عشرين (1) أميرا، وفي سادس عشر شوال وقع بين أهل حوران من قيس ويمن فقتل منهم مقتلة عظيمة جدا، قتل من الفريقين نحو من ألف نفس بالقرب من السوداء، وهم يسمونها السويداء، وكانت الكسرة على يمن فهربوا من قيس حتى دخل كثير منهم إلى دمشق في أسوأ الحال وأضعفه، وهربت قيس خوفا من الدولة، وبقيت القرى خالية والزروع سائبة.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي يوم الاربعاء سادس ذي القعدة قدم الامير سيف الدين قبجق المنصوري نائبا على حلب فنزل القصر ومعه جماعة من أمراء المصريين، ثم سافر إلى حلب بمن معه من الامراء والاجناد واجتاز الامير سيف الدين بهادر بدمشق ذاهبا إلى طرابلس نائبا والفتوحات السواحلية عوضا عن الامير سيف الدين استدمر، ووصل جماعة ممن كان قد سافر مع السلطان إلى مصر في ذي القعدة منهم قاضي قضاة الحنفية صدر الدين، ومحيي الدين بن فضل الله وغيرهما، فقمت وجلست يوما إلى القاضي صدر الدين الحنفي بعد مجيئه من مصر فقال لي: أتحب ابن تيمية ؟ قلت: نعم، فقال لي وهو يضحك: والله لقد أحببت شيئا مليحا، وذكر لي قريبا مما ذكر ابن القلانسي، لكن سياق ابن القلانسي أتم.
مقتل الجاشنكيري
كان قد فر الخبيث في جماعة من أصحابه، فلما خرج الامير سيف الدين قراسنقر المنصوري من مصر متوجها إلى نيابة الشام عوضا عن الافرم، فلما كان بغزة في سابع ذي القعدة ضرب حلقة لاجل الصيد، فوقع في وسطها الجاشنكير في ثلاثمائة من أصحابه فأحيط بهم وتفرق عنه أصحابه فأمسكوه ورجع معه قراسنقر وسيف الدين بهادر على الهجن، فلما كان بالخطارة تلقاهم استدمر فتسلمه منهم ورجعا إلى عسكرهم، ودخل به استدمر على السلطان فعاتبه ولامه، وكان آخر العهد به (2)، قتل ودفن بالقرافة (3) ولم ينفعه شيخه المنبجي ولا أمواله، بل قتل شر قتلة ودخل قراسنقر دمشق يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي القعدة فنزل بالقصر، وكان في صحبته ابن صصرى وابن الزملكاني وابن القلانسي وعلاء الدين بن غانم وخلق من الامراء المصريين والشاميين، وكان الخطيب جلال الدين القزويني قد وصل قبلهم يوم الخميس الثاني والعشرين من
__________
(1) في بدائع الزهور 1 / 435: أربعة عشر أميرا، وفي تذكرة النبيه 2 / 21: اثنان وعشرون أميرا.
ومثله في النجوم الزاهرة 9 / 12 وزاد: " ولم يفلت سوى جوكتمر بن بهادر رأس نوبة ".
__________
(2) في بدائع الزهور 1 / 434: خنق حتى مات وقضى نحبه - بين يدي السلطان - وكانت وفاته يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة (انظر السلوك 2 / 71 وعقد الجمان حوادث سنة 709).
__________
(3) في بدائع الزهور 1 / 434: رسم بنقله، ودفنه في خانقته التي أنشأها عند الدرب الاصفر، بالقرب من خانقة سعيد السعداء، فدفن بها في أواخر سنة 709 ه.

(14/62)


الشهر، وخطب يوم الجمعة على عادته، فلما كان يوم الجمعة الاخرى وهو التاسع والعشرون من الشهر خطب بجامع دمشق القاضي بدر الدين محمد بن عثمان بن يوسف بن حداد الحنبلي عن إذن نائب السلطنة، وقرئ تقليده على المنبر بعد الصلاة بحضرة القضاة والاكابر والاعيان، وخلع عليه عقيب ذلك خلعة سنية، واستمر يباشر الامامة والخطابة اثنين وأربعين يوما، ثم أعيد الخطيب جلال الدين بمرسوم سلطاني وباشر يوم الخميس ثاني عشر المحرم من السنة الآتية.
وفي ذي الحجة درس كمال الدين بن الشيرازي بالمدرسة الشامية البرانية، انتزعها من يد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، وذلك أن استدمر ساعده على ذلك.
وفيها أظهر ملك التتر خربندا الرفض في بلاده، وأمر الخطباء أولا أن لا يذكروا في خطبتهم إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته، ولما وصل خطيب بلاد الازج إلى هذا الموضع من خطبته بكى بكاءا شديدا وبكى الناس معه ونزل ولم يتمكن من إتمام الخطبة، فأقيم من أتمها عنه وصلى بالناس وظهر على الناس بتلك البلاد من أهل السنة أهل البدعة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولم يحج فيها أحد من أهل الشام بسبب تخبيط الدولة وكثرة الاختلاف.
وممن توفي فيها من الاعيان.
الخطيب ناصر الدين أبو الهدى أحمد بن الخطيب بدر الدين يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام خطيب العقيبة بداره بها وقد باشر نظر الجامع الاموي وغير ذلك، توفي يوم الاربعاء النصف من المحرم، وصلي عليه بجامع العقيبة، ودفن عند والده بباب الصغير، وقد روى الحديث وباشر الخطابة بعد والده بدر الدين وحضر عنده نائب السلطنة والقضاة والاعيان.
قاضي الحنابلة بمصر شرف الدين أبو محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحراني ولد بحران سنة خمس وأربعين وستمائة، وسمع الحديث وقدم مصر فباشر نظر الخزانة وتدريس الصالحية ثم أضيف إليه القضاء، وكان مشكور السيرة كثير المكارم توفي ليلة الجمعة رابع عشر ربيع الاول ودفن بالقرافة، وولي بعده سعد الدين الحارثي (1) كما تقدم.
الشيخ نجم الدين أيوب بن سليمان بن مظفر المصري المعروف بمؤذن النجيبي، كان رئيس المؤذنين بجامع
__________
(1) الحارثي: نسبة إلى الحارثية، احدى قرى بغداد (درة الاسلاك ص 190).

(14/63)


دمشق ونقيب الخطباء، وكان حسن الشكل رفيع الصوت، واستمر بذلك نحوا من خمسين سنة إلى أن توفي في مستهل جمادى الاولى.
وفي هذا الشهر توفي: الامير شمس الدين سنقر الاعسر المنصوري تولى الوزارة بمصر مع شد الدواوين معا، وباشر شد الدواوين بالشام مرات، وله دار وبستان بدمشق مشهوران به، وكان فيه نهضة وله همة عالية وأموال كثيرة، توفي بمصر.
الامير جمال الدين آقوش بن عبد الله الرسيمي شاد الدواوين بدمشق، وكان قبل ذلك والي الولاة بالجهة القبلية بعد الشريفي، وكانت له سطوة توفي يوم الاحد تاسع عشر جمادى الاولى ودفن ضحوة بالقبة التي بناهاتجاه قبة الشيخ رسلان، وكان فيه كفاية وخبرة.
وباشر بعده شد الدواوين أقبجا.
وفي شعبان أو في رجب توفي: التاج [ أحمد ] (1) بن سعيد الدولة وكان مسلمانيا وكان سفير الدولة، وكانت له مكانة عند الجاشنكير بسبب صحبته لنصر المنبجي شيخ الجاشنكير، وقد عرضت عليه الوزارة فلم يقبل، ولما توفي تولى وظيفته ابن أخته كريم الدين الكبير.
الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي المكرم بن نصر الاصبهاني رئيس المؤذنين بالجامع الاموي، ولد سنة اثنتين وستمائة، وسمع الحديث وباشر وظيفة الاذان من سنة خمس وأربعين إلى أن توفي ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة، وكان رجلا جيدا والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة استهلت وخليفة الوقت المستكفي بالله أبو الربيع سليمان العباسي، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، والشيخ تقي الدين بن تيمية بمصر معظما مكرما، ونائب مصر الامير سيف الدين بكتمر أمير خزندار، وقضاته هم المذكورون في التي قبلها، سوى الحنبلي
__________
(1) من تذكرة النبيه 2 / 27، انظر السلوك 2 / 85 والنجوم الزاهرة 8 / 279.

(14/64)


فإنه سعد الدين الحارثي، والوزير بمصر فخر الدين الخليلي، وناظر الجيوش فخر الدين كاتب المماليك، ونائب الشام قراسنقر المنصوري، وقضاة دمشق هم هم، ونائب حلب قبجق، ونائب طرابلس الحاج بهادر والافرم بصرخد.
وفي محرم منها باشر الشيخ أمين الدين سالم بن أبي الدرين وكيل بيت المال إمام مسجد هشام تدريس الشامية الجوانية (1)، والشيخ صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية، كلاهما انتزعها من ابن الوكيل بسبب إقامته بمصر وكان قد وفد إلى المظفر فألزمه رواتب لانتمائه إلى المنبجي، ثم عاد بتوقيع سلطاني إلى مدرستيه، فأقام بهما شهرا أو سبعة وعشرين يوما، ثم استعاداهما منه ورجعتا إلى المدرسين الاولين: الامين سالم، والصدر الكردي، ورجع الخطيب جلال الدين إلى الخطابة في سابع عشر المحرم، وعزل عنها البدر بن الحداد، وباشر الصاحب شمس الدين نظر الجامع والاسرى والاوقاف قاطبة يوم الاثنين، ثم خلع عليه وأضيف إليه شرف الدين بن صصرى في نظر الجامع، وكان ناظره مستقلا به قبلهما.
وفي يوم عاشوراء قدم استدمر إلى دمشق متوليا نيابة حماة، وسافر إليها بعد سبعة أيام.
وفي المحرم باشر بدر الدين بن الحداد نظر المارستان عوضا عن شمس الدين بن الخطيري ووقعت منازعة بين صدر الدين بن المرحل وبين الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية، وكتبوا إلى الوكيل محضرا يتضمن من القبائح والفضائح والكفريات على ابن الوكيل، فبادر ابن الوكيل إلى القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي، فحكم بإسلامه وحقن دمه، وحكم بإسقاط التعزير عنه والحكم بعدالته واستحقاقه إلى المناصب.
وكانت هذه هفوة من الحنبلي، ولكن خرجت عنه المدرستان العذراوية لسليمان الكردي، والشامية الجوانية للامين سالم، ولم يبق معه سوى دار الحديث الاشرفية.
وفي ليلة الاثنين السابع من صفر وصل النجم محمد بن عثمان البصراوي من مصر متوليا الوزارة بالشام، ومعه توقيع بالحسبة لاخيه فخر الدين سليمان، فباشرا المنصبين بالجامع، ونزلا بدرب سفون الذي يقال له درب ابن أبي الهيجاء، ثم انتقل الوزير إلى دار الاعسر
عند باب البريد، واستمر نظر الخزانة لعز الدين بن القلانسي أخي الشيخ جلال الدين.
وفي مستهل ربيع الاول باشر القاضي جمال الدين الزرعي قضاء القضاة بمصر عوضا عن ابن جماعة، وكان قد أخذ منه قبل ذلك في ذي الحجة مشيخة الشيوخ، وأعيدت إلى الكريم الايكي، وأخذت منه الخطابة أيضا.
وجاء البريد إلى الشام بطلب القاضي شمس الدين بن الحريري لقضاء الديار المصرية، فسار في العشرين من ربيع الاول وخرج معه جماعة لتوديعه، فلما قدم على
__________
(1) المدرسة الشامية الجوانية بدمشق أنشأتها ست الشام بنت نجم الدين أيوب أخت صلاح الدين الايوبي (الدارس 1 / 301).

(14/65)


السلطان أكرمه وعظمه وولاه قضاء الحنفية وتدريس الناصرية والصالحية، وجامع الحاكم، وعزل عن ذلك القاضي شمس الدين السروجي فمكث أياما ثم مات.
وفي نصف هذا الشهر مسك من دمشق سبعة أمراء ومن القاهرة أربعة عشر أميرا.
وفي ربيع الآخر اهتم السلطان بطلب الامير سيف الدين سلار فحضر هو بنفسه إليه فعاتبه ثم استخلص منه أمواله وحواصله في مدة شهر، ثم قتل بعد ذلك (1) فوجد معه من الاموال والحيوان والاملاك والاسلحة والمماليك والبغال والحمير أيضا والرباع شيئا كثيرا، وأما الجواهر والذهب والفضة فشئ لا يحد ولا يوصف في كثرته (2)، وحاصل الامر أنه قد استأثر لنفسه طائفة كبيرة من بيت المال (3) وأموال المسلمين تجري إليه، ويقال إنه كان مع ذلك كثير العطاء كريما محببا إلى الدولة والرعية والله أعلم.
وقد باش نيابة السلطنة بمصر من سنة ثمان وتسعين إلى أن قتل يوم الاربعاء رابع عشرين هذا الشهر، ودفن بتربته ليلة الخميس بالقرافة، سامحه الله.
وفي ربيع الآخر درس القاضي شمس الدين بن المعز الحنفي بالظاهرية عوضا عن شمس الدين الحريري، وحضر عنده خاله الصدر علي قاضي قضاة الحنفية وبقية القضاة والاعيان.
وفي هذا الشهر كان الامير سيف الدين استدمر قد قدم دمشق لبعض أشغاله، وكان له حنو على الشيخ صدر الدين بن الوكيل، فاستنجز
له مرسوما بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية، فلم يباشر ذلك حتى سافر استدمر، فاتفق أنه وقعت له بعد يومين كائنة بدار ابن درباس بالصالحية، وذكر أنه وجد عنده شئ من المنكرات، واجتمع عليه جماعة من أهل الصالحية مع الحنابلة وغيرهم، وبلغ ذلك نائب السلطنة فكاتب فيه، فورد الجواب بعزله عن المناصب الدينية، فخرجت عنه دار الحديث الاشرفية وبقي بدمشق وليس بيده وظيفة لذلك، فلما كان في آخر رمضان سافر إلى حلب فقرر له نائبها استدمر شيئا على الجامع، ثم ولاه تدريسا هناك وأحسن إليه، وكان الامير استدمر قد انتقل إلى نيابة حلب في جمادى الآخرة عوضا عن سيف الدين قبجق توفي، وباشر مملكة حماة بعده الامير عماد الدين إسماعيل بن الافضل علي بن محمود بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وانتقل جمال الدين آقوش الافرم من صرخد إلى نيابة طرابلس عوضا عن الحاج بهادر.
وفي يوم الخميس سادس عشر
__________
(1) في تذكرة النبيه 2 / 29: اعتقل ومنع من الزاد - في سلخ ربيع الآخرة - فمات بعد أيام جوعا.
(انظر بدائع الزهور 1 / 436 السلوك 1 / 873).
__________
(2) انظر تفاصيل فيما صودر به من أموال وأملاك وغيرها بدائع الزهور 1 / 436 - 437 وفيه: قال بعض المؤرخين: عجبت من أمر سلار في جمع هذه الاموال العظيمة، وكانت مدته في نيابة السلطنة إحدى عشرة سنة، فكيف حوى هذه الاموال العظيمة في هذه المدة اليسيرة ؟ (ص 438).
(3) كانت مفاتيح بيت المال بيده عندما توجه الملك الناصر إلى الكرك، فالارجح أنه اصطفى لنفسه ما قدر عليه (بدائع الزهور 1 / 438).

(14/66)


شعبان بالشيخ كمال الدين بن الزملكاني مشيخة دار الحديث الاشرفية عوضا عن ابن الوكيع، وأخذ في التفسير والحديث والفقه، فذكر من ذلك دروسا حسنة، ثم لم يستمر بها سوى خمسة عشر يوما حتى انتزعها منه كمال الدين الشريشي فباشرها يوم الاحد ثالث شهر رمضان.
وفي شعبان رسم قراسنقر نائب الشام بتوسعة المقصورة، فأخرت سدة المؤذنين إلى الركنين المؤخرين تحت قبة النسر، ومنعت الجنائز من دخول الجامع أياما ثم أذن في دخولهم.
وفي خامس رمضان قدم فخر الدين إياس كان نائبا في قلعة الروم إلى دمشق شاد الدواوين عوضا عن زين الدين كتبغا المنصوري.
وفي شوال باشر الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي مشيخة الشيوخ بالديار المصرية عوضا عن الشيخ كريم الدين عبد الكريم بن الحسين الايكي توفي، وكان له تحرير وهمة، وخلع على القونوي خلعة سنية، وحضر سعيد السعداء بها.
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة خلع على الصاحب عز الدين القلانسي خلعة الوزراء بالشام عوضا عن النجم البصراوي بحكم إقطاعه إمرة عشرة وإعراضه عن الوزارة.
وفي يوم الاربعاء سادس عشر ذي القعدة عاد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى تدريس الشامية البرانية.
وفي هذا اليوم لبس تقي الدين ابن الصاحب شمس الدين بن السلعوس خلعة النظر على الجامع الاموي، ومسك الامير سيف الدين استدمر نائب حلب في ثاني ذي الحجة ودخل إلى مصر، وكذلك مسك نائب البيرة سيف الدين ضرغام بعده بليال.
وممن توفي فيها من الاعيان: قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي، شارح الهداية (1)، كان بارعا في علوم شتى، وولي الحكم بمصر مدة وعزل قبل موته بأيام، توفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر ودفن بقرب الشافعي وله اعتراضات على الشيخ تقي الدين بن تيمية في علم الكلام، أضحك فيها على نفسه، وقد رد عليه الشيخ تقي الدين في مجلدات، وأبطل حجته * وفيها توفي سلار مقتولا كما تقدم.
الصاحب أمين الدولة أبو بكر بن الوجيه عبد العظيم بن يوسف المعروف بابن الرقاقي * والحاج بهادر نائب
__________
(1) وهو " الهداية في الفروع " لشيخ الاسلام برهان الدين بن علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة 593 ه ولكنه لم يكمله ثم أكمله سعد الدين محمد الديري المتوفى سنة 867 ه / كشف الظنون 2 / 2031، 2033.

(14/67)


طرابلس مات بها.
والامير سيف الدين قبجق نائب حلب مات بها ودفن بتربته بحماه، ثاني جمادى الآخرة (1) وكان شهما شجاعا، وقد ولي نيابة دمشق في أيام لاجين، ثم قفز إلى التتر خوفا من لاجين ثم جاء مع التتر.
وكان على يديه فرج المسلمين كما ذكرنا عام قازان، ثم تنقلت به الاحوال إلى أن مات بحلب، ثم وليها بعده استدمر ومات أيضا في آخر السنة.
وفيها توفي: الشيخ كريم الدين بن الحسين الايكي شيخ الشيوخ بمصر، كان له صلة بالامراء، وقد عزل مرة عن المشيخة بابن جماعة، توفي ليلة السبت سابع شوال بخانقاه سعيد السعداء، وتولاها بعده الشيخ علاء الدين القونوي كما تقدم.
الفقيه عز الدين عبد الجليل النمراوي الشافعي، كان فاضلا بارعا، وقد صحب سلار نائب مصر وارتفع في الدنيا بسببه.
ابن الرفعة هو الامام العلامة نجم الدين أحمد بن محمد شارح التنبيه (2)، وله غير ذلك، وكان فقيها فاضلا وإماما في علوم كثيرة رحمهم الله.
ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها غير الوزير بمصر فإنه عزل وتولى سيف الدين بكتمر وزيرا، والنجم البصراوي عزل أيضا بعز الدين القلانسي، وقد انتقل الافرم إلى نيابة طرابلس بإشارة ابن تيمية على السلطان بذلك، ونائب حماة الملك المؤيد عماد الدين على قاعدة أسلافه، وقد مات نائب حلب استدمر وهي شاغرة عن نائب فيها، وأرغون الدوادار الناصري قد وصل إلى دمشق لتسفير قراسنقر منها إلى حلب وإحضار سيف الدين كراي إلى نيابة دمشق،
__________
(1) في تذكرة النبيه 2 / 29: الاولى (انظر السلوك 2 / 96 النجوم الزاهرة 9 / 216).
__________
(2) وهو كتاب التنبيه في فروع الشافعية للشيخ أبي إسحاق ابراهيم بن علي الفقيه الشيرازي الشافعي المتوفى سنة 476 ه شرحه ابن الرفعة وسماه " كفاية التنبيه في شرح التنبيه " انظر كشف الظنون 1 / 489.

(14/68)


وغالب العساكر بحلب والاعراب محدقة بأطراف البلاد، فخرج قراسنقر المنصوري من دمشق في ثالث المحرم في جميع حواصله وحاشيته وأتباعه، وخرج الجيش لتوديعه، وسار معه أرغون لتقريره بحلب وجاء المرسوم إلى نائب القلعة الامير سيف الدين بهادر السنجري أن يتكلم في أمور دمشق إلى أن يأتيه نائب، فحضر عنده الوزير والموقعون وباشر النيابة، وقويت شوكته وقويت شوكة الوزير إلى أن ولي ولايات عديدة منها لابن أخيه عماد الدين نظر الاسرار، واستمر في يده، وقدم نائب السلطنة سيف الدين كراي المنصوري إلى دمشق نائبا عليها.
وفي يوم الخميس الحادي عشرين من المحرم خرج الناس لتلقيه وأوقدوا الشموع، وأعيدت مقصورة الخطابة إلى مكانها رابع عشرين المحرم، وانفرج الناس ولبس النجم البصراوي خلعة الامرة يوم الخميس ثالث عشر صفر على قاعدة الوزراء بالطرحة، وركب مع المقدمين الكبار وهو أمير عشرة بأقطاع يضاهي إقطاع كبار الطبلخانات.
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول جلس القضاة الاربعة بالجامع لانفاذ أمر الشهود بسبب تزوير وقع من بعضهم، فاطلع عليه نائب السلطنة فغضب وأمر بذلك، فلم يكن منه كبير شئ، ولم يتغير حال.
وفي هذا اليوم ولي الشريف نقيب الاشراف أمين الدين جعفر بن محمد بن محيي الدين عدنان نظر الدواوين عوضا عن شهاب الدين الواسطي، وأعيد تقي الدين بن الزكي إلى مشيخة الشيوخ.
وفيه ولي ابن جماعة تدريس الناصرية بالقاهرة، وضياء الدين النسائي تدريس الشافعي، والميعاد العام بجامع طولون، ونظر الاحباس أيضا.
وولي الوزارة بمصر أمين الملك أبو سعيد (1) عوضا عن سيف الدين بكتمر الحاجب في ربيع الآخر (2).
وفي هذا الشهر احتيط على الوزير عز الدين بن القلانسي بدمشق، ورسم عليه مدة شهرين، وكان نائب السلطنة كثير الحنق عليه، ثم أفرج عنه وأعيد بدر الدين بن جماعة إلى الحكم بديار مصر في حادي عشر
ربيع الآخر، مع تدريس دار الحديث الكاملية، وجامع طولون والصالحية والناصرية، وجعل له إقبال كثير من السلطان، واستقر جمال الدين الزرعي على قضاء العسكر وتدريس جامع الحاكم، ورسم له أن يجلس مع القضاة بين الحنفي والحنبلي عند السلطان.
وفي مستهل جمادي الاولى أشهد القاضي نجم الدين الدمشقي نائب ابن صصرى على نفسه بالحكم ببطلان البيع في الملك الذي اشتراه ابن القلانسي من تركة المنصوري في الرمثا والثوجة والفصالية لكونه بدون ثمن المثل، ونفذه بقيه الحكام، وأحضر ابن القلانسي إلى دار السعادة
__________
(1) وهو الامير ركن الدين بيبرس الدواداري المنصوري، المؤرخ المعروف صاحب كتاب زبدة الفكرة وإليه تنسب المدرسة الدوادارية وكانت وفاته سنة 725 ه (انظر تذكرة النبيه 2 / 39 وبدائع الزهور 1 / 440 ومختصر أبي الفداء 4 / 65).
__________
(2) في تذكرة النبيه: جمادى الاولى.

(14/69)


وادعى عليه بريع ذلك، ورسم عليه بها، ثم حكم قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي بصحة هذا البيع وبنقض ما حكم به الدمشقي، ثم نفذ بقية الحكام ما حكم به الحنبلي.
وفي هذا الشهر قرر على أهل دمشق ألف وخمسمائة فارس لكل فارس خمسمائة درهم، وضربت على الاملاك والاوقاف، فتألم الناس من ذلك تألما عظيما وسعى إلى الخطيب جلال الدين فسعى إلى القضاة واجتمع الناس بكرة يوم الاثنين ثالث عشر الشهر واحتفلوا بالاجتماع وأخرجوا معهم المصحف العثماني والاثر النبوي والسناجق الخليفية، ووقفوا في الموكب فلما رآهم كراي تغيظ عليهم وشتم القاضي والخطيب، وضرب مجد الدين التونسي ورسم عليهم ثم أطلقهم بضمان وكفالة، فتألم الناس من ذلك كثيرا، فلم يمهله الله إلا عشرة أيام فجاءه الامر فجأة فعزل وحبس، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا، ويقال إن الشيخ تقي الدين بلغه ذلك الخبر عن أهل الشام فأخبر السلطان بذلك فبعث من فوره فمسكه شر مسكة، وصفة مسكه أن تقدم الامير سيف الدين أرغون الدوادار فنزل في القصر، فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الاولى خلع على الامير
سيف الدين كراي خلعة سنية، فلبسها وقبل العتبة، وحضر الموكب ومد السماط، فقيد بحضرة الامراء وحمل على البريد إلى الكرك بصحبة غرلو العادلي، وبيبرس المجنون.
وخرج عز الدين القلانسي من الترسيم من دار السعادة، فصلى في الجامع الظهر ثم عاد إلى داره وقد أوقدت له الشموع ودعا له الناس، ثم رجع إلى دار الحديث الاشرفية فجلس فيها نحوا من عشرين يوما، حتى قدم الامير جمال الدين نائب الكرك.
وفي هذا الشهر مسك نائب صفت (1) الامير سيف الدين بكتمر أمير خزندار، وعوض عنه بالكرك بيبرس الدوادار المنصوري، ومسك نائب غزة، وعوض عنه بالجاولي، فاجتمع في حبس الكرك استدمر نائب حلب، وبكتمر نائب مصر (2)، وكراي نائب دمشق، والذي كان نائب صفت (1)، وقلطتمز نائب غزة وبنخاص.
وقدم جمال الدين آقوش المنصوري الذي كان نائب الكرك عن نيابة دمشق إليها في يوم الاربعاء رابع عشر ربيع الآخر، وتلقاه الناس وأشعلت له الشموع، وفي صحبته الخطيري لتقريره في النيابة، وقد باشر نيابة الكرك من سنة تسعين وستمائة إلى سنة تسع وسبعمائة وله بها آثار حسنة، وخرج عز الدين القلانسي لتلقي النائب.
وقرئ يوم الجمعة كتاب السلطان على السدة بحضرة النائب والقضاة والاعيان، وفيه الامر بالاحسان إلى الرعية وإطلاق البواقي التي كانت قد فرضت عليهم أيام كراي، فكثرت الادعية للسلطان وفرح الناس.
وفي يوم الاثنين التاسع عشر خلع على الامير سيف الدين بهادراص بنيابة صفت (1) (*) فقبل العتبة وسار إليها يوم الثلاثاء، وفيه لبس الصدر بدر الدين بن أبي الفوارس خلعة نظر الدواوين
__________
(1) كذا بالاصل، وهي صفد مدينة بجبال عاملة المطلة على حمص (معجم البلدان).
__________
(2) انظر سبب القبض عليه النجوم الزاهرة 9 / 24 - 25 وكنز الدر (ج 9) الدر الفاخر في سيرة الملك الناصر ص 212 لابن أيبك الدواداري.

(14/70)


بدمشق مشاركا للشريف ابن عدنان وبعد ذلك بيومين قدم تقليد عز الدين بن القلانسي وكالة السلطان على ما كان عليه، وأنه إعفي عن الوزارة لكراهته لذلك.
وفي رجب باشر ابن السلعوس نظر الاوقاف عوضا عن شمس الدين عدنان.
وفي شعبان ركب نائب السلطنة بنفسه إلى أبواب السجون فأطلق المحبوسين بنفسه، فتضاعف له الادعية في الاسواق وغيرها.
وفي هذا اليوم قدم الصاحب عز الدين بن القلانسي من مصر فاجتمع بالنائب وخلع عليه ومعه كتاب يتضمن احترامه وإكرامه واستمراره على وكالة السلطان، ونظر الخاص والانكار لما ثبت عليه بدمشق، وأن السلطان لم يعلم بذلك ولا وكل فيه، وكان المساعد له على ذلك كريم الدين ناظر الخاص السلطاني، والامير سيف الدين أرغون الدوادار.
وفي شعبان منع ابن صصرى الشهود والعقاد من جهته، وامتنع غيرهم أيضا وردهم المالكي.
وفي رمضان جاء البريد بتولية زين الدين كتبغا المنصوري حجوبية الحجاب، والامير بدر الدين ملتوبات القرماني شد الدواوين عوضا عن طوغان، وخلع عليهما معا، وفيها ركب بهادر السنجري نائب قلعة دمشق على البريد إلى مصر وتولاها سيف الدين بلبان البدري، ثم عاد السنجري في آخر النهار على نيابة البيرة، فسار إليها وجاء الخبر بأنه قد احتيط على جماعة من قصاد المسلمين ببغداد، فقتل منهم ابن العقاب وابن البدر، وخلص عبيدة وجاء سالما.
وخرج المحمل في شوال وأمير الحاج الامير علاء الدين طيبغا أخو بهادراص.
وفي آخر ذي القعدة جاء الخبر بأن الامير قراسنقر رجع من طريق الحجاز بعد أن وصل إلى بركة زيرا، وأنه لحق بمهنا بن عيسى فاستجار به خائفا على نفسه ومعه جماعة من خواصه، ثم سار من هناك إلى التتر بعد ذلك كله، وصحبه الافرم والزردكش (1).
وفي العشرين من ذي القعدة وصل الامير سيف الدين أرغون في خمسة آلاف إلى دمشق وتوجهوا إلى ناحية حمص، وتلك النواحي.
وفي سابع ذي الحجة وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر مستمرا على وكالته ومعه توقيع بقضاء العسكر الشامي، وخلع عليه في يوم عرفة.
وفي هذا اليوم وصلت ثلاثة آلاف عليهم سيف الدين ملي من الديار المصرية فتوجهوا وراء أصحابهم إلى البلاد الشمالية.
وفي آخر الشهر وصل شهاب الدين الكاشنغري من القاهرة ومعه توقيع بمشيخة الشيوخ، فنزل في الخانقاه وباشرها بحضرة القضاة والاعيان، وانفصل ابن الزكي عنها.
وفيه باشر الصدر علاء
الدين بن تاج الدين بن الاثير كتابة السر بمصر، وعزل عنها شرف الدين بن فضل الله، إلى كتابة
__________
(1) قيل كان ذلك في ربيع الاول من السنة التالية 712 ه.
راجع السلوك 2 / 115 كنز الدرر 9 / 218، 235 المختصر في أخبار البشر 4 / 66.

(14/71)


السر بدمشق عوضا عن أخيه محيي الدين، واستمر محيي الدين على كتابة الدست (1) بمعلوم أيضا والله أعلم.
ومن توفي فيها من الاعيان.
الشيخ الرئيس بدر الدين محمد بن رئيس الاطباء أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الانصاري من سلالة سعد بن معاذ السويدي، من سويداء حوران، سمع الحديث وبرع في الطب، توفي في ربيع الاول ببستانه بقرب الشبلية، ودفن في تربة له في قبة فيها عن ستين سنة.
الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الاربلي شيخ الحلبية بجامع بني أمية، كان صالحا مباركا فيه خير كثير، كان كثير العبادة وإيجاد الراحة للفقراء، وكانت جنازته حافلة جدا، صلي عليه بالجامع بعد ظهر يوم السبت تاسع عشرين رجب ودفن بالصوفية وله سبع وثمانون سنة، وروى شيئا من الحديث وخرجت له مشيخة حضرها الاكابر رحمه الله.
الشيخ ناصر الدين يحيى بن إبراهيم ابن محمد بن عبد العزيز العثماني، خادم المصحف العثماني نحوا من ثلاثين سنة، وصلي عليه بعد الجمعة سابع رمضان ودفن بالصوفية، وكان لنائب السلطنة الافرم فيه اعتقاد ووصلة منه افتقاد، وبلغ خمسا وستين سنة.
الشيخ الصالح الجليل القدوة أبو عبد الله محمد بن الشيخ القدوة إبراهيم بن الشيخ عبد الله الاموي، توفي في العشرين
من رمضان بسفح قاسيون، وحضر الامراء والقضاء والصدور جنازته وصلي عليه بالجامع المظفري، ثم دفن عند والده وغلق يومئذ سوق الصالحية له، وكانت له وجاهة عند الناس وشفاعة مقبولة، وكان عنده فضيلة وفيه تودد، وجمع أجزاء في أخبار جيدة، وسمع الحديث وقارب السبعين رحمه الله.
__________
(1) الدست: وظيفة من أجل الوظائف وأسناها وأنفسها وأعلاها والقائم بها سفير الرعية إلى الملك في حاجتهم، منفذ آمر مليكه ونهيه، مبلغ ذا الحاجة من أنعامه جوده وبره، ويتولى هذه الوظيفة كاتب الدست (التعريف بمصطلحات صبح الاعشى ص 136).

(14/72)


ابن الوحيد الكاتب هو الصدر شرف الدين أبو عبد الله محمد بن شريف بن يوسف الزرعي (1) المعروف بابن الوحيد، كان موقعا بالقاهرة وله معرفة بالانشاء وبلغ الغاية في الكتابة في زمانه، وانتفع الناس به، وكان فاضلا مقداما شجاعا، توفي بالمارستان المنصوري بمصر سادس عشر شوال (2).
الامير ناصر الدين محمد بن عماد الدين حسن بن النسائي أحد أمراء الطبلخانات، وهو حاكم البندق، ولي ذلك بعد سيف الدين بلبان، توفي في العشرين الاخر من رمضان.
التميمي الداري توفي يوم عيد الفطر ودفن بالقرافة الصغرى، وقد ولي الوزارة بمصر، وكان خبيرا كافيا، مان معزولا، وقد سمع الحديث وسمع عليه بعض الطلبة.
وفي ذي القعدة جاء الخبر إلى دمشق بوفاة الامير الكبير استدمر وبنخاص في السجن بقلعة الكرك.
القاضي الامام العلامة الحافظ سعد الدين مسعود الحارثي الحنبلي الحاكم بمصر، سمع الحديث، وجمع وخرج وصنف،
وكانت له يد طولى في هذه الصناعة والاسانيد والمتون، وشرح قطعة من سنن أبي داود فأجاد وأفاد، وحسن الاسناد، رحمه الله تعالى، والله أعلم.
ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، وفي خامس المحرم توجه الامير عز الدين ازدمر الزردكاش وأميران معه إلى الافرم، وساروا بأجمعهم حتى لحقوا بقراسنقر وهو عند مهنا، وكاتبوا السلطان وكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، وجاء البريد في صفر بالاحتياط على حواصل الافرم وقراسنقر والزرد كاش وجميع ما يتعلق بهم، وقطع خبز مهنا وجعل مكانه في الامرة
__________
(1) الزرعي: نسبة إلى مدينة زرع احدى مدن حوران (تقويم البلدان لابي الفداء ص 259).
__________
(2) في تذكرة النبيه 2 / 43: في شعبان، وكان مولده بدمشق سنة 647 ه.

(14/73)


أخاه محمدا، وعادت العساكر صحبة أرغون (1) من البلاد الشمالية، وقد حصل عند الناس من قراسنقر وأصحابه هم وغم وحزن، وقدم سودي (2) من مصر على نيابة حلب فاجتاز بدمشق فخرج الناس والجيش لتلقيه، وحضر السماط وقرئ المنشور بطلب جمال الدين نائب دمشق إلى مصر، فركب من ساعته على البريد إلى مصر وتكلم في نيابته لغيبة لاجين.
وطلب في هذا اليوم قطب الدين موسى شيخ السلامية ناظر الجيش إلى مصر، فركب في آخر النهار إليها فتولى بها نظر الجيش عوضا عن فخر الدين الكاتب كاتب المماليك بحكم عزله ومصادرته وأخذ أمواله الكثيرة منه، في عاشر ربيع الاول.
وفي الحادي عشر منه باشر الحكم للحنابلة بمصر القاضي تقي الدين أحمد بن المعز عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي، وهو ابن بنت الشيخ شمس الدين بن العماد أول قضاة الحنابلة، وقدم الامير سيف الدين تمر على نيابة طرابلس ؟ عوضا عن الافرم بحكم هربه إلى التتر.
وفي ربيع الآخر مسك بيبرس العلائي نائب حمص وبيبرس المجنون وطوغان وجماعة آخرون من الامراء ستة في نهار واحد وسيروا إلى الكرك معتقلين بها.
وفيه مسك نائب مصر الامير ركن الدين بيبرس الدوادار المنصوري، وولي بعده أرغون الدوادار، ومسك نائب الشام
جمال الدين نائب الكرك وشمس الدين سنقر الكمالي حاجب بمصر، وخمسة أمراء آخرون وحبسوا كلهم بقلعة الكرك، في برج هناك.
وفيه وقع حريق داخل باب السلامية احترق فيه دور كثيرة منها دار ابن أبي الفوارس، ودار الشريف القباني.
نيابة تنكز على الشام في يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر دخل الامير سيف الدين تنكز بن عبد الله المالكي الناصري نائبا على دمشق بعد مسك نائب الكرك ومعه جماعة من مماليك السلطان منهم الحاج ارقطاي على حيز بيبرس العلائي، وخرج الناس لتلقيه وفرحوا به كثيرا، ونزل بدار السعادة ووقع عند قدومه مصر فرح عظيم، وكان ذلك اليوم يوم الرابع والعشرين من آب، وحضر يوم الجمعة الخطبة بالمقصورة وأشعلت له الشموع في طريقه، وجاء توقيع لابن صصرى بإعادة قضاء العسكر إليه، وأن ينظر الاوقاف فلا يشاركه أحد في الاستنابة في البلاد الشامية على عادة من تقدمه من قضاة الشافعية، وجاء مرسوم لشمس الدين أبي طالب بن حميد بنظر الجيش عوضا عن ابن شيخ السلامية بحكم إقامته بمصر، ثم بعد أيام وصل الصدر معين الدين هبة الله بن خشيش ناظر الجيش وجعل ابن حميد بوظيفة ابن الصدر، وسافر ابن البدر على نظر جيش طرابلس، وتولى
__________
(1) وهو أرغون شاه بن عبد الله الدوادار الناصري، الامير سيف الدين، ولي نيابة السلطنة في الديار المصرية في جمادى الاولى وكانت وفاته سنة 731 ه (الدرر 1 / 374 شذرات 6 / 95).
__________
(2) وهو الامير سيف الدين، سودي بن عبد الله الناصري من مماليك الملك الناصر محمد ومن خواص توفي سنة 714 ه.
(النجوم الزاهرة 9 / 229 الدرر الكامنة 2 / 275.

(14/74)


أرغون نيابة مصر وعاد فخر الدين كاتب المماليك إلى وظيفته مع استمرار قطب الدين ابن شيخ السلامية مباشرا معه.
وفي هذا الشهر قام الشيخ محمد بن قوام ومعه جماعة من الصالحين على ابن زهرة المغربي الذي كان يتكلم بالكلاسة وكتبوا عليه محضرا يتضمن استهانته بالمصحف، وأنه يتكلم في أهل
العلم، فأحضر إلى دار العدل فاستسلم وحقن دمه وعزر تعزيرا بليغا عنيفا وطيف به في البلد باطنه وظاهره، وهو مكشوف الرأس ووجهه مقلوب وظهره مضروب، ينادى عليه هذا جزاء من يتكلم في العلم بغير معرفة، ثم حبس وأطلق فهرب إلى القاهرة، ثم عاد على البريد في شعبان ورجع إلى ما كان عليه.
وفيها قدم بهادراص من نيابة صفد إلى دمشق وهنأه الناس، وفيها قدم كتاب من السلطان إلى دمشق أن لا يولي أحد بمال ولا برشوة فإن ذلك يفضي إلى ولاية من لا يستحق الولاية، وإلى ولاية غير الاهل، فقرأه ابن الزملكاني على السدة وبلغه عنه ابن حبيب المؤذن، وكان سبب ذلك الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله.
وفي رجب وشعبان حصل للناس خوف بدمشق بسبب أن التتر قد تحركوا للمجئ إلى الشام، فانزعج الناس من ذلك وخافوا، وتحول كثير منهم إلى البلد، وازدحموا في الابواب، وذلك في شهر رمضان وكثرت الاراجيف بأنهم قد وصلوا إلى الرحبة (1)، وكذلك جرى واشتهر بأن ذلك بإشارة قراسنقر وذويه فالله أعلم.
وفي رمضان جاء كتاب السلطان أن من قتل لا يجني أحد عليه، بل يتبع القاتل حتى يقتص منه بحكم الشرع الشريف، فقرأه ابن الزملكاني على السدة بحضرة نائب السلطنة ابن تنكز وسببه ابن تيمية، هو أمر بذلك وبالكتاب الاول قبله.
وفي أول رمضان وصل التتر إلى الرحبة فحاصروها عشرين يوما (2) وقاتلهم نائبها الامير بدر الدين موسى الازدكشي خمسة أيام قتالا عظيما، ومنعهم منها فأشار رشيد الدولة بأن ينزلوا إلى خدمة السلطان خربندا ويهدوا له هدية ويطلبون منه العفو، فنزل القاضي نجم الدين إسحاق وأهدوا له خمسة رؤوس خيل، وعشرة أباليج سكر، فقبل ذلك ورجع إلى بلاده، وكانت بلاد حلب وحماه وحمص قد أجلوا منها وخرب أكثرها ثم رجعوا إليها لما تحققوا رجوع التتر عن الرحبة، وطابت الاخبار وسكنت النفوس ودقت البشائر وتركت الائمة القنوت، وخطب الخطيب يوم العيد وذكر الناس بهذه النعمة.
وكان سبب رجوع التتر قلة العلف وعلاء الاسعار وموت كثير منهم، وأشار على سلطانهم بالرجوع الرشيد وجوبان.
وفي ثامن شوال دقت البشائر بدمشق بسبب خروج السلطان من مصر لاجل ملاقاة التتر.
__________
(1) الرحبة: (رحبة مالك بن طرحة): مدينة على شاطئ الفرات بين الرقة وبغداد (تقويم البلدان ص 280 - معجم البلدان).
__________
(2) في مختصر أبي الفداء 4 / 70: نحو شهر، وفي تذكرة النبيه 2 / 45: ثلاثة وعشرين يوما.

(14/75)


وخرج الركب في نصف شوال وأميرهم حسام الدين الصغير، الذي كان والي البر، وقدمت العساكر المصرية أرسالا، وكان قدوم السلطان ودخوله دمشق ثالث عشرين شوال، واحتفل الناس لدخوله ونزل القلعة وزينت البلد وضربت البشائر، ثم انتقل بعد ليلتئذ إلى القصر وصلى الجمعة بالجامع بالمقصورة وخلع على الخطيب، وجلس في دار العدل يوم الاثنين، وقدم وزيره أمين الملك يوم الثلاثاء عشرين الشهر، وقدم صحبة السلطان الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية إلى دمشق يوم الاربعاء مستهل ذي القعدة وكانت غيبته عنها سبع سنين، ومعه أخواه وجماعة من أصحابه، وخرج خلق كثير لتلقيه وسروا بقدومه وعافيته ورؤيته، واستبشروا به حتى خرج خلق من النساء أيضا لرؤيته، وقد كان السلطان صحبه معه من مصر فخرج معه بنية الغزاة، فلما تحقق عدم الغزاة وأن التتر رجعوا إلى بلادهم فارق الجيش من غزة وزار القدس وأقام به أياما، ثم سافر على عجلون وبلاد السواد وزرع، ووصل دمشق في أول يوم من ذي القعدة، فدخلها فوجد السلطان قد توجه إلى الحجاز الشريف في أربعين أميرا من خواصه يوم الخميس ثاني ذي القعدة، ثم إن الشيخ بعد وصوله إلى دمشق واستقراره بها لم يزل ملازما لاشتغال الناس في سائر العلوم ونشر العلم وتصنيف الكتب وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطولة والاجتهاد في الاحكام الشرعية ففي بعض الاحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الاربعة، وفي بعضها يفتي بخلافهم وبخلاف المشهور في مذاهبهم، وله اختيارات كثيرة مجلدات عديدة أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده، واستدل على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف.
فلما سار السلطان إلى الحج فرق العساكر والجيوش بالشام وترك أرغون بدمشق.
وفي يوم
الجمعة لبس الشيخ كمال الدين الزملكاني خلعة وكاة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي، وحضر بها الشباك وتكلم وزير السلطان في البلد، وطلب أموالا كثيرة وصادر وضرب بالمقارع وأهان جماعة من الرؤساء منهم ابن فضل الله محيي الدين.
وفيه عين شهاب الدين بن جهبل لتدريس الصلاحية بالمقدس عوضا عن نجم الدين داود الكردي توفي، وقد كان مدرسا من نحو ثلاثين سنة.
فسافر ابن جهبل إلى القدس بعد عيد الاضحى.
وفيها مات ملك القفجاق المسمى طغطاي خان، وكان له من الملك ثلاث وعشرون سنة، وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة، وكان شهما شجاعا لى دين التتر في عبادة الاصنام والكواكب، يعظم المجسمة والحكماء والاطباء ويكرم المسلمين أكثر من جميع الطوائف، كان جيشه هائلا لا يجسر أحد على قتاله لكثرة جيشه وقوتهم وعددهم، ويقال إنه جرد مرة تجريدة من كل عشرة من جيشه واحدا فبلغت التجريدة ومائتي ألف وخمسين ألفا، توفي في رمضان منها وقام في الملك من بعده ابن أخيه أزبك خان، وكان مسلما فأظهر دين الاسلام ببلاده، وقتل خلقا من

(14/76)


أمراء الكفرة وعلت الشرائع المحمدية على سائر الشرائع هناك ولله الحمد والمنة على الاسلام والسنة.
وممن توفي فيها من الاعيان.
الملك المنصور صاحب ماردين وهو نجم الدين أبو الفتح غازي بن الملك المظفر قرارسلان بن الملك السعيد نجم الدين غازي بن الملك المنصور ناصر الدين ارتق بن غازي بن المني بن تمرتاش بن غازي بن أرتق الاريفي ؟ أصحاب ماردين من عدة سنين، كان شيخا حسنا مهيبا كامل الخلقة بدينا سمينا إذا ركب يكون خلفه محفة.
خوفا من أن يمسه لغوب فيركب فيها، توفي في تاسع ربيع الآخر ودفن بمدرسته تحت القلعة، وقد بلغ من العمر فوق السبعين، ومكث في الملك قريبا من عشرين سنة، وقام من بعده في الملك ولده العادل فمكث سبعة عشر (1) يوما، ثم ملك أخوه المنصور (2).
وفيها مات:
الامير سيف الدين قطلوبك الشيخي كان من أمراء دمشق الكبار.
الشيخ الصالح نور الدين أبو الحسن على بن محمد بن هارون بن محمد بن علي بن حميد الثعلبي الدمشقي، قارئ الحديث بالقاهرة ومسندها، روى عن ابن الزبيدي وابن الليثي (3) وجعفر الهمداني وابن الشيرازي وخلق، وقد خرج له الامام العلامة تقي السبكي مشيخة، وكان رجلا صالحا توفي بكرة الثلاثاء تاسع عشر ربيع الآخر، وكانت جنازته حافلة.
الامير الكبير الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك الناصر داود بن المعظم، سمع الحديث وكان رجلا متواضعا توفي بمصر ثاني عشر رجب، ودفن بالقاهرة.
__________
(1) في مختصر أخبار البشر 4 / 67: نحو ثلاثة عشر يوما، وفي تذكرة النبيه 2 / 48: مات بعد أيام.
__________
(2) في مختصر أبي الفداء وتذكرة النبيه: الملك الصالح واستقر أمره وتوفي سنة 766 - وانظر الدرر 2 / 301 ترجمة 1969.
__________
(3) في شذرات الذهب 6 / 31: ابن اللتي.

(14/77)


قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داود بن حازم الازرعي (1) الحنفي، كان فاضلا درس وأفتى قضاء الحنفية بدمشق سنة ثم عزل واستمر على تدريس الشبلية (2) مدة ثم سافر إلى مصر فأقام بسعيد السعداء خمسه أيام وتوفي يوم الاربعاء ثاني عشرين رجب فالله أعلم.
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة استهلت والحكام هم هم، والسلطان في الحجاز لم يقدم بعد، وقد قدم الامير سيف الدين تجليس يوم السبت مستهل المحرم من الحجاز وأخبر بسلامة السلطان وأنه فارقه من المدينة النبوية،
أنه قد قارب البلاد، فدقت البشائر فرحا بسلامته، ثم جاء البريد فأخبر بدخوله إلى الكرك ثاني المحرم يوم الاحد، فلما كان يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم دخل دمشق وقد خرج الناس لتلقيه على العادة، وقد رأيته مرجعه من هذه الحجة على شفته ورقة قد ألصقها عليها، فنزل بالقصر وصلى الجمعة رابع عشر المحرم بمقصورة الخطابة، وكذلك الجمعة التي تليها، ولعب في الميدان بالكرة يوم السبت النصف من المحرم، وولي نظر الدواوين للصاحب شمس الدين غبريال يوم الاحد حادي عشر المحرم وشد الدواوين لفخر الدين إياس الاعسري عوضا عن القرماني، وسافر القرماني إلى نيابة الرحبة وخلع عليهما وعلى وزيره، وخلع على إبن صصرى وعلى الفخر كاتب المماليك، وكان مع السلطان في الحج، وولى شرف الدين بن صصرى حجابة الديوان وباشر فخر الدين ابن شيخ السلامية نظر الجامع، وباشر بهاء الدين بن عليم نظر الاوقاف، والمنكورسي شد الاوقاف.
وتوجه السلطان راجعا إلى الديار المصرية بكرة الخميس السابع والعشرين من المحرم، وتقدمت الجيوش بين يديه ومعه.
وفي أواخر صفر اجتاز على البريد في الرسلية إلى مهنا الشيخ صدر الدين الوكيل به مهنا والامير علاء الدين الطنبغا فاجتمعوا به في تدمر ثم عاد الطنبغا وابن الوكيل إلى القاهرة.
وفي جمادى الآخرة مسك أمين الملك وجماعة من الكبار معه وصودروا بأموال كثيرة، وأقيم عوضه بدر الدين بن التركماني الذي كان والي الخزانة.
وفي رجب كملت أربعة مناجيق واحد لقلعة دمشق وثلاثة تحمل إلى الكرك، ورمي باثنين على باب الميدان وحضر نائب السلطنة تنكز والعامة وفي شعبان تكامل حفر النهر الذي عمله سودي نائب حلب بها، وكان طوله من نهر
__________
(1) في تذكرة النبيه 2 / 52 ودرة الاسلاك ص 194 والدرر 3 / 365: محمد بن ابراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الاذرعي.
والاذرعي نسبة إلى أذرعات في أطراف الشام بجوار أرض البلقاء وعمان (معجم البلدان)
__________
(2) الشبلية، وهي المدرسة الشبلية البرانية أنشأها شبل الدولة الحسامي محمد بن لاجين ولدست الشام المتوفى سنة 623 ه (الدارس 1 / 530).

(14/78)


الساجور إلى نهر قويق أربعين ألف ذراع في عرض ذراعين وعمق ذراعين، وغرم عليه ثلثمائة ألف درهم، وعمل بالعدل ولم يظلم فيه أحدا.
وفي يوم السبت ثامت شوال خرج الركب من دمشق وأميره سيف الدين بلباي التتري، وحج صاحب حماة في هذه السنة وخلق من الروم والغرباء.
وفي يوم السبت السادس والعشرين من ذي الحجة وصل القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية من مصر على نظر الجيوش الشامية كما كان قبل ذلك، وراح معين الدين بن الخشيش إلى مصر في رمضان صحبة الصاحب شمس الدين بن غبريال وبعد وصول ناظر الجيوش بيومين وصلت البشائر بمقتضى إزالة الاقطاعات لما رآه السلطان بعد نظره في ذلك أربعة أشهر.
وممن توفي فيها من الاعيان: الشيخ الامام المحدث فخر الدين أبو عمر وعثمان (1) بن محمد بن عثمان بن أبي بكر بن داود التوزري (2) بمكة يوم الاحد حادي ربيع الآخر، وقد سمع الكثير، وأجازه خلق يزيدون على ألف شيخ، وقرأ الكتب الكبار وغيرها، وقرأ صحيح البخاي أكثر من ثلاثين مرة رحمه الله.
عز الدين محمد بن العدل شهاب الدين أحمد بن عمر بن إلياس الرهاوي، كان يباشر استيفاء الاوقاف وغير ذلك، وكان من أخصاء أمين الملك، فلما مسك بمصر أرسل إلى هذا وهو معتقل بالعذراوية ليحضر على البريد فمرض فمات بالمدرسة العذراوية ليلة الخميس التاسع عشر من جمادى الآخرة، وله من العمر خمس وثلاثون سنة، وكان قد سمع من ابن طبرزد الكندي، ودفن من الغد بباب الصغير، وترك من بعده ولدين ذكرين جمال الدين محمد، وعز الدين.
الشيخ الكبير المقرئ شمس الدين المقصاي، هو أبو بكر بن عمر بن السبع الجزري المعروف بالمقصاي نائب الخطيب وكان يقرئ الناس بالقراءات السبع وغيرها من الشواذ، وله إلمام بالنحو، وفيه ورع
__________
(1) من تذكرة النبيه 2 / 57 وشذرات الذهب 6 / 33، وفي الاصل عفان تحريف.
__________
(2) من شذرات الذهب والدرر 3 / 64 وفي الاصل: التوزي تحريف.
والتوزري نسبة إلى مدينة توزر من بلاد الجريد بأفريقيا (تونس) (تقويم البلدان ص 144، معجم البلدان).

(14/79)


واجتهاد، توفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الآخرة ودفن من الغد بسفح قاسيون تجاه الرباط الناصري، وقد جاوز الثمانين رحمه الله.
ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمائة
استهلت والحكام هم هم في التي قبلها إلا الوزير أمين الملك فمكانه بدر الدين التركماني وفي رابع المحرم عاد الصاحب شمس الدين غبريال من مصر على نظر الدواوين وتلقاه أصحابه وفي عاشر المحرم يوم الجمعة قرئ كتاب السلطان على السدة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء يتضمن بإطلاق البواقي (1) من سنة ثمان وتسعين وستمائة إلى آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، فتضاعفت الادعية للسلطان وكان القارئ جمال الدين بن القلانسي ومبلغه صدر الدين بن صبح المؤذن، ثم قرئ في الجمعة الاخرى مرسوم آخر فيه الافراج عن المسجونين وأن لا يؤخذ من كل واحد إلا نصف درهم، ومرسوم آخر فيه إطلاق السخر في الغصب وغيره من الفلاحين، قرأه ابن الزملكاني وبلغه عنه أمين الدين محمد بن مؤذن النجيبي.
وفي المحرم استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه نور الدين علي البكري وهم بقتله شفع فيه الامراء فنفاه ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم، وكان قد هرب لما طلب من جهة الشيخ تقي الدين بن تيمية فهرب واختفى، وشفع فيه أيضا، ثم لما ظفر به السلطان الآن وأراد قتله شفع فيه الامراء فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى، وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل والجهل الحامل له على هذا وغيره.
وفي يوم الجمعة مستهل صفر قرأ ابن الزملكاني كتابا سلطانيا على السدة بحضرة نائب السلطان القاضي وفيه الامر بإبطال ضمان القواسير وضمان النبيذ وغير ذلك، فدعا الناس للسلطان.
وفي أواخر ربيع الاول اجتمع القضاة بالجامع للنظر في أمر الشهود ونهوهم عن الجلوس في المساجد، وأن لا يكون أحد منهم في مركزين، وأن لا يتولوا ثبات الكتب ولا يأخذوا أجرا على
أداء الشهادة وأن لا يغتابوا أحدا وأن يتناصفوا في المعيشة ثم جلسوا مرة ثانية لذلك وتواعدوا ثالثة فلم يتفق اجتماعهم، ولم يقطع أحد من مركزه.
وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين منه عقد مجلس في دار ابن صصرى لبدر الدين بن بضيان وأنكر عليه شئ من القراءات فالتزم بترك الاداء ؟ بالكلية ثم استأذن بعد أيام في الاقراء فأذن له فجلس بين الظهر والعصر بالجامع وصارت له حلقة على العادة.
وفي منتصف رجب توفي نائب حلب الامير سيف الدين سودي ودفن بتربته (2) (*) وولى مكانه علاء الدين الطنبغا الصالحي
__________
(1) البواقي هو ما يتأخر كل سنة عند الضمان والمتقبلين من مال الخراج (المواعظ والاعتبار 1 / 85).
__________
(2) وتربته بنيت له خارج باب المقام، وهو جبانة حلب جنوب جبل جوشن وعرفت الناحية بالمقام لوجود مقام لابراهيم عليه السلام بها (تذكرة النبيه 2 / 58 ومعجم البلدان " مادة حلب ").

(14/80)


الحاجب بمصر، قبل هذه النيابة.
وفي تاسع شعبان خلع على الشريف شرف الدين عدنان بنقابة الاشراف بعد والده أمين الدين جعفر توفي في الشهر الماضي.
وفي خامس شوال دفن الملك شمس الدين دوباج بن ملكشاه بن رستم صاحب كيلان بتربته المشهورة بسفح قاسيون، وكان قد قصد الحج في هذا العام، فلما كان بغباغب أدركته منيته يوم السبت السادس عشرين رمضان فحمل إلى دمشق وصلي عليه ودفن في هذه التربة (1) (*)، اشتريت له وتممت وجاءت حسنة وهي مشهورة عند المكارية شرقي الجامع المظفري، وكان له في مملكة كيلان خمس (2) وعشرون سنة، وعمر أربعا وخمسين سنة، وأوصى أن يحج عنه جماعة ففعل ذلك وخرج الركب في ثالث شوال وأميره سيف الدين سنقر الابراهيمي، وقاضيه محيي الدين قاضي الزبداني.
وفي يوم الخميس سابع ذي القعدة قدم القاضي بدر الدين بن الحداد من القاهرة متوليا حسبة دمشق فخلع عليه عوضا عن فخر الدين سليمان البصراوي، وعزل فسافر سريعا إلى البرية ليشتري خيلا للسلطان يقدمها رشوة على المنصب المذكور، فاتفق موته في البرية في سابع عشر الشهر المذكور، وحمل إلى بصرى فدفن بها عند أجداده في ثامن ذي القعدة، وكان شابا حسنا
كريم الاخلاق حسن الشكل.
وفي أواخره مسك نائب صفد بلبان طوباي المنصوري وسجن وتولى مكانه سيف الدين بلباي البدري.
وفي سادس ذي الحجة تولى ولاية البر الامير علاء الدين علي بن محمود بن معبد البعلبكي عوضا عن شرف الدين عيس بن البركاسي، وفي يوم عيد الاضحى وصل الامير علاء الدين بن صبح من مصر وقد أخرج عنه فسلم عليه الامراء.
وفي هذا الشهر أعيد أمين الملك إلى نظر النظار بمصر فخلع على الصاحب بهاء الدين النسائي بنظر الخزانة عوضا عن سعد الدين حسن بن الاقفاصي.
وفيه وردت البريدية بأمر السلطان للجيوش الشامية بالمسير إلى حلب وأن يكون مقدم العساكر كلها تنكز نائب الشام، وقدم من مصر ستة آلاف مقاتل عليهم الامير سيف الدين بكتمر الابو بكري، وفيهم تجليس وبدر الدين الوزيري، وكتشلي وابن طيبرس وشاطي وابن سلار وغيرهم، فتقدموا إلى البلاد الحلبية بين يدي نائب الشام تنكز.
وممن توفي فيها من الاعيان: سودي نائب حلب في رجب ودفن بتربته، وهو الذي كان السبب في إجراء نهر إليها، غرم عليه ثلثمائة ألف درهم، وكان مشكور السيرة حميد الطريقة رحمه الله.
وفي شعبان توفي:
__________
(1) في تذكرة النبيه 2 / 63: بناحية الصالحية، والصالحية قرية في لحف جبل قاسيون المطل على دمشق (معجم البلدان).
__________
(2) في الاصل: خمسة.

(14/81)


الصاحب شرف الدين يعقوب بن مزهر وكان بارا بأهله وقرابته رحمه الله (1).
والشيخ رشيد أبو الفداء إسماعيل (2) أبو محمد القرشي الحنفي المعروف بابن المعلم، كان من أعلام الفقهاء والمفتيين، ولديه علوم شتى وفوائد وفرائد، وعنده زهد وانقطاع عن الناس، وقد درس بالبلخية مدة ثم تركها
لولده وسار إلى مصر فأقام بها، وعرض عليه قضاء دمشق فلم يقبل، وقد جاوز السبعين (3) (*) من العمر، توفي سحر يوم الاربعاء رجب ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى.
وفي شوال توفي: الشيخ سليمان التركماني الموله الذي كان يجلس على مصطبته بالعلبيين، وكان قبل ذلك مقيما بطهارة باب البريد، وكان لا يتحاشى من النجاسات ولا يتقيها، ولا يصلي الصلوات ولا يأتيها، وكان بعض الناس من الهمج له فيه عقيدة قاعدة الهمج الرعاع الذي هم أتباع كل ناعق من المولهين والمجانين، ويزعمون أنه يكاشف وأنه رجل صالح، ودفن بباب الصغير في يوم كثير الثلج.
وفي يوم عرفة توفيت: الشيخة الصالحة العابدة الناسكة أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية بظاهر القاهرة، وشهدها خلق كثير، وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم على الاحمدية في مواخاتهم النساء والمردان، وتنكر أحوالهم وأصول أهل البدع وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا تقدر عليه الرجال، وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستفادت منه ذلك وغيره، وقد سمعت الشيخ تقي الدين يثني عليها ويصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرا من المغنى أو أكثره، وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها، وهي التي ختمت نساء كثيرا القرآن، منهن أم زوجتي عائشة بنت صديق، زوجة الشيخ
__________
(1) مولده بنابلس سنة 628 ه كان ناظر الدواوين بحلب عاش نيفا وثمانين سنة مات في شعبان (تذكرة النبيه 2 / 62 والنجوم الزاهرة 9 / 277 الدرر 5 / 211).
__________
(2) وهو اسماعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي (السلوك 2 / 140 الدرر 1 / 394).
__________
(3) في تذكرة النبيه 2 / 61: إحدى وتسعين سنة.

(14/82)


جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابتنها زوجتي أمة الرحيم زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته
وجنته آمين.