البداية والنهاية، ط. دار الفكر
بَابُ ذِكْرِ خَلْقِ الْمَلَائِكَةِ
وَصِفَاتِهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
قال الله تَعَالَى وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ
بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما
خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ
خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ
دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
21: 26- 29 وقال تعالى تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ من
فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ في الْأَرْضِ أَلا إِنَّ الله هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 42: 5 وَقَالَ تَعَالَى الَّذِينَ يَحْمِلُونَ
الْعَرْشَ وَمن حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا
وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمن صَلَحَ مِنْ
آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ 40: 7- 8 وَقَالَ تَعَالَى فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا
فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ
وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ 41: 38 وَقَالَ وَمن عِنْدَهُ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ. عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ 21: 19- 20 وقال تَعَالَى وَما
مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ 37: 164- 166 وَقَالَ تَعَالَى وَما
نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينا وَما
خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 19: 64 وَقَالَ
تَعَالَى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ
يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ 82: 10- 12 وقال تَعَالَى وَما يَعْلَمُ
جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ 74: 31 وَقَالَ تَعَالَى وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما
صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ 13: 23- 24 وقال تعالى الْحَمْدُ
لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا
أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ في الْخَلْقِ ما
يَشاءُ إِنَّ الله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 35: 1 وقال تعالى يَوْمَ
تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى
الْكافِرِينَ عَسِيراً 25: 25- 26 وَقَالَ تَعَالَى وَقال الَّذِينَ
لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ
نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا
عُتُوًّا كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لَا بُشْرى
يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً 25: 21-
22 وَقَالَ تَعَالَى مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ
2: 98 وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ
عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ 66: 6 وَالْآيَاتُ فِي
ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا يَصِفُهُمْ تَعَالَى
بِالْقُوَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَفِي الْخَلْقِ وَحُسْنِ الْمَنْظَرِ
وَعَظَمَةِ الْأَشْكَالِ وَقُوَّةِ الشَّكْلِ فِي الصُّوَرِ
الْمُتَعَدِّدَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا
لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقال هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ
وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمن قَبْلُ كانُوا
يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ 11: 77- 78 الْآيَاتِ فَذَكَرْنَا فِي
التَّفْسِيرِ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْ
أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَبْدُو لَهُمْ فِي صُورَةِ شَبَابٍ حِسَانٍ
امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا حَتَّى قَامَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ
الْحُجَّةُ وَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ وَكَذَلِكَ
كَانَ جِبْرِيلُ يأتى الى
(1/40)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي صِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَتَارَةً يَأْتِي فِي صُورَةِ
دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ وَتَارَةً فِي صُورَةِ
أَعْرَابِيٍّ وَتَارَةً فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا. لَهُ
سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ مَا بَيْنَ كُلِّ جَنَاحَيْنِ كَمَا بَيْنَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا رَآهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ
مَرَّتَيْنِ. مَرَّةً مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ.
وَتَارَةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى.
وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى. ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوى. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى. ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى 53:
5- 8 أي جبريل كما ذكرناه عن غير واحد من الصحابة منهم ابْنُ مَسْعُودٍ
وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو ذَرٍّ وَعَائِشَةُ فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ
أَوْ أَدْنى. فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى 53: 9- 10 أَيْ إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ
قَالَ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى.
عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشى. مَا
زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى 53: 13- 17 وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَحَادِيثِ
الْإِسْرَاءِ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ أَنَّ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فِي
السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي السَّادِسَةِ أَيْ
أَصْلُهَا وَفُرُوعُهَا في السابعة فلما غشيها من أمر الله ما غشيها
قِيلَ غَشِيَهَا نُورُ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ وَقِيلَ غَشِيَهَا
فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ وَقِيلَ غَشِيَهَا أَلْوَانٌ مُتَعَدِّدَةٌ
كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَقِيلَ غَشِيَهَا الْمَلَائِكَةُ مثل
الغربان وقيل غشيها من نور الله تعالى فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ
يَنْعَتَهَا أَيْ مِنْ حُسْنِهَا وَبَهَائِهَا.
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ إِذِ الْجَمِيعُ مُمْكِنٌ
حُصُولُهُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَذَكَرْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ. ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ
الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا كَالْقِلَالِ وَفِي رِوَايَةٍ
كَقِلَالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا
يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ.
فَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ. وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ
فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي
ذِكْرِ خَلْقِ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ
وَفِيهِ ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَإِذَا هُوَ
يَدْخُلُهُ في كل يوم سبعون ألف مالك ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ
آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ وَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ مُسْتَنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ
الْمَعْمُورِ. وَذَكَرْنَا وَجْهَ المناسبة في هذا أن البيت المعمور هو
فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَعْبَةِ فِي الْأَرْضِ
وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَأَبُو الْأَحْوَصِ
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ أَنَّ ابْنَ
الْكَوَّاءِ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنِ الْبَيْتِ
الْمَعْمُورِ فَقَالَ هُوَ مَسْجِدٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ
الضُّرَاحُ، وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ مِنْ فَوْقِهَا. حُرْمَتُهُ
فِي السَّمَاءِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ فِي الْأَرْضِ يُصَلِّي فِيهِ
كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَا يَعُودُونَ
إِلَيْهِ أَبَدًا وَهَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو
الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ
أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوَيْهِ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
بِشْرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ صَفْوَانَ
بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي
السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ وَهُوَ عَلَى مِثْلِ الْبَيْتِ
الْحَرَامِ بِحِيَالِهِ لَوْ سَقَطَ لَسَقَطَ عَلَيْهِ يَدْخُلُهُ
كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَرَوْنَهُ قَطُّ فان
لَهُ فِي السَّمَاءِ حُرْمَةً عَلَى قَدْرِ حُرْمَةِ مَكَّةَ. يَعْنِي
فِي الْأَرْضِ وَهَكَذَا قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ
وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال
(1/41)
يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ هَلْ تَدْرُونَ مَا
الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ قالوا الله ورسوله أعلم قال قال مَسْجِدٌ فِي
السَّمَاءِ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ لَوْ خَرَّ لَخَرَّ عَلَيْهَا
يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا
مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ وَزَعَمَ الضَّحَّاكُ
أَنَّهُ تَعْمُرُهُ طائفة من الملائكة يقال لهم الجن مِنْ قَبِيلَةِ
إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ كَانَ يَقُولُ سَدَنَتُهُ وَخُدَّامُهُ
مِنْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ آخَرُونَ. فِي كُلِّ سَمَاءٍ
بَيْتٌ يَعْمُرُهُ مَلَائِكَتُهُ بِالْعِبَادَةِ فِيهِ وَيَفِدُونَ
إِلَيْهِ بِالنَّوْبَةِ وَالْبَدَلِ كَمَا يَعْمُرُ أَهْلُ الْأَرْضِ
الْبَيْتَ الْعَتِيقَ بِالْحَجِّ فِي كُلِّ عَامٍ وَالِاعْتِمَارِ فِي
كُلِّ وَقْتٍ وَالطَّوَافِ وَالصَّلَاةِ فِي كُلِّ آنٍ قَالَ سَعِيدُ
بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ
الْمَغَازِي حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ «أَنَّ
الحرم حرم مناه (يعنى قدره) من السموات السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ
السَّبْعِ وَأَنَّهُ رَابِعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَيْتًا فِي كُلِّ
سَمَاءٍ بَيْتٌ وَفِي كُلِّ أَرْضٍ بَيْتٌ لَوْ سَقَطَتْ سَقَطَ
بَعْضُهَا عَلَى بعض» ثم روى مُجَاهِدٍ قَالَ مَنَاهُ أَيْ مُقَابِلُهُ
وَهُوَ حَرْفٌ مَقْصُورٌ. ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مُؤَذِّنِ الْحَجَّاجِ
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ «إِنَّ الْحَرَمَ محرم
في السموات السَّبْعِ مِقْدَارُهُ مِنَ الْأَرْضِ- وَإِنَّ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ مقدس في السموات السَّبْعِ مِقْدَارُهُ مِنَ الْأَرْضِ
كَمَا قَالَ بَعْضُ الشعراء
إن الّذي سمك السماء بنى لها ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَشَدُّ
وَأَطْوَلُ
وَاسْمُ الْبَيْتِ الَّذِي في السماء بَيْتُ الْعِزَّةِ وَاسْمُ
الْمَلَكِ الَّذِي هُوَ مُقَدَّمُ الْمَلَائِكَةِ فِيهَا إِسْمَاعِيلُ
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السَّبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ
الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ
ثُمَّ لَا يَعُودُونَ اليه.
آخر ما عليهم (أي لا يحصل لَهُمْ نَوْبَةٌ فِيهِ إِلَى آخِرِ
الدَّهْرِ) يَكُونُونَ مِنْ سُكَّانِ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ
وَحْدَهَا.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ
74: 31 وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي أَرَى مَا لَا
تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ
لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا
عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ
قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ
عَلَى الْفُرُشَاتِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ (وَاللَّهِ لوددت
أنى شجرة تعضد) ورواه التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
إِسْرَائِيلَ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَيُرْوَى عَنْ
أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ
الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَرَفَةَ الْمِصْرِيُّ
حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ عمران الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ابن مَالِكٍ عَنْ عَطَاءِ
بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي السموات
السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلَا شِبْرٍ وَلَا كَفٍّ إِلَّا وَفِيهِ
مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ فَإِذَا كَانَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ
عِبَادَتِكَ إِلَّا أَنَّا لَا نُشْرِكُ بِكَ شَيْئًا فَدَلَّ هَذَانِ
الْحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّهُ مَا مِنْ مَوْضِعٍ فِي السموات السَّبْعِ
إِلَّا وَهُوَ مَشْغُولٌ بِالْمَلَائِكَةِ وَهُمْ فِي صُنُوفٍ مِنَ
الْعِبَادَةِ. مِنْهُمْ مَنْ هُوَ قَائِمٌ أبدا. ومنهم
(1/42)
مَنْ هُوَ رَاكِعٌ أَبَدًا وَمِنْهُمْ مَنْ
هُوَ سَاجِدٌ أَبَدًا وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي صُنُوفٍ أخر والله
أَعْلَمُ بِهَا. وَهُمْ دَائِمُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ وَتَسْبِيحِهِمْ
وَأَذْكَارِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الَّتِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا،
وَلَهُمْ مَنَازِلُ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَما مِنَّا
إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا
لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ 37: 164- 166 وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ
عِنْدَ رَبِّهَا قَالُوا وَكَيْفَ يصفون عند ربهم قال يكملون الصف
الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ وَقَالَ فُضِّلْنَا عَلَى
النَّاسِ بِثَلَاثٍ جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا
لَنَا طَهُورًا وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ
وَكَذَلِكَ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ
جَلَّ جَلَالُهُ صُفُوفًا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَجاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 89: 22 وَيَقِفُونَ صُفُوفًا بَيْنَ يَدَيْ
رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقال صَواباً 78: 38 وَالْمُرَادُ
بِالرُّوحِ هَاهُنَا بَنُو آدَمَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ
وَقَتَادَةُ وَقِيلَ ضَرْبٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُشْبِهُونَ بَنِي
آدَمَ فِي الشَّكْلِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو
صَالِحٍ وَالْأَعْمَشُ وَقِيلَ جِبْرِيلُ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ
وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَقِيلَ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ
الرُّوحُ بِقَدْرِ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قوله يوم يقوم الروح قَالَ هُوَ مَلَكٌ
مِنْ أَعْظَمِ الْمَلَائِكَةِ خُلُقًا وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ العسقلاني حدثنا داود ابن
الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ الرُّوحُ فِي السماء الرابعة هو أعظم
السموات وَالْجِبَالِ وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ يُسَبِّحُ كُلَّ يَوْمٍ
اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ تَسْبِيحَةٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ تسبيحة
ملكا من الملائكة يحيى يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفًّا وَحْدَهُ وَهَذَا
غَرِيبٌ جِدًّا وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الحكيم المصري حدثنا ابن وهب بن رزق أبو
هبيرة حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ
حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّ
للَّه مَلَكًا لَوْ قِيلَ لَهُ التقم السموات وَالْأَرَضِينَ
بِلَقْمَةٍ وَاحِدَةٍ لَفَعَلَ. تَسْبِيحُهُ سُبْحَانَكَ حَيْثُ
كُنْتَ» وَهَذَا أَيْضًا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَدْ يَكُونُ
مَوْقُوفًا وَذَكَرْنَا فِي صِفَةِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ
اللَّهِ من حملة العرش أن ما بين شحمة أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ
مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ أَبِي
حَاتِمٍ وَلَفْظُهُ مَخْفِقُ الطَّيْرِ سَبْعُمِائَةِ عَامٍ وَقَدْ
وَرَدَ فِي صِفَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْرٌ عَظِيمٌ قَالَ
اللَّهُ تعالى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى 53: 5 قَالُوا كَانَ مِنْ
شِدَّةِ قُوَّتِهِ أَنَّهُ رَفَعَ مَدَائِنَ قَوْمِ لُوطٍ وَكُنَّ
سَبْعًا بِمَنْ فِيهَا مِنَ الْأُمَمِ وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ
أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ وَمَا مَعَهُمْ مِنَ الدَّوَابِّ
وَالْحَيَوَانَاتِ وَمَا لِتِلْكَ الْمُدُنِ مِنَ الْأَرَاضِي
وَالْمُعْتَمَلَاتِ وَالْعِمَارَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ رَفَعَ ذَلِكَ
كُلَّهُ عَلَى طَرَفِ جَنَاحِهِ حَتَّى بَلَغَ بِهِنَّ عَنَانَ
السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ نباح الكلاب وَصِيَاحَ
دِيكَتِهِمْ ثُمَّ قَلَبَهَا فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا فَهَذَا
هُوَ شَدِيدُ الْقُوَى. وَقَوْلُهُ ذُو مِرَّةٍ أَيْ خَلْقٍ حَسَنٍ
وَبَهَاءٍ وَسَنَاءٍ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى إِنَّهُ
لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ 69: 40 أَيْ جِبْرِيلُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ
كَرِيمٌ أَيْ حسن المنظر
(1/43)
ذِي قُوَّةٍ أَيْ لَهُ قُوَّةٌ وَبَأْسٌ
شَدِيدٌ عند ذي العرش مكين أَيْ لَهُ مَكَانَةٌ وَمَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ
رَفِيعَةٌ عِنْدَ اللَّهِ ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ مُطَاعٍ ثَمَّ أَيْ
مُطَاعٍ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى أَمِينٍ أَيْ ذِي أَمَانَةٍ
عَظِيمَةٍ وَلِهَذَا كَانَ هُوَ السَّفِيرَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ
أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ
بِالْوَحْيِ. فِيهِ الْأَخْبَارُ الصَّادِقَةُ وَالشَّرَائِعُ
الْعَادِلَةُ وَقَدْ كَانَ يَأْتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي صِفَاتٍ
مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَدْ رَآهُ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي
خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ
كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ طَلْقِ بْنِ غنام عن زائدة
الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ ما أوحى قَالَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ مُحَمَّدًا
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ
جَنَاحٍ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حدثنا يحيى ابن آدم حدثنا شريك عن
جامع بن رَاشِدٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فِي
صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ
سَدَّ الْأُفُقَ يُسْقِطُ من جناحه التَّهَاوِيلِ [1] مِنَ الدُّرِّ
وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ
سِدْرَةِ الْمُنْتَهى 53: 13- 14 قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتشر مِنْ رِيشِهِ
التَّهَاوِيلُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ [2] حَدَّثَنِي عاصم
ابن بَهْدَلَةَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ
مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وسلم رأيت جبريل على السدرة الْمُنْتَهَى وَلَهُ
سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ فَسَأَلْتُ عَاصِمًا عَنِ الْأَجْنِحَةِ فَأَبَى
أَنْ يُخْبِرَنِي قَالَ فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّ
الْجَنَاحَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَهَذِهِ أَسَانِيدٌ
جَيِّدَةٌ قَوِيَّةٌ انْفَرَدَ بِهَا أَحْمَدُ وَقَالَ أَحْمَدُ
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ حَدَّثَنِي
حُصَيْنٌ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي جِبْرِيلُ
فِي خَضْرٍ [3] تَعَلَّقَ بِهِ الدُّرُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ بَزِيعٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ما رأى) قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ حُلَّتَا
رَفْرَفٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِسْنَادٌ
جَيِّدٌ قَوِيٌّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ
الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقُلْتُ
أَلَيْسَ الله يقول «وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ 81: 23
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى 53: 13» فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ
هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ لَمْ يَرَهُ فِي
صُورَتِهِ التي خلق عليها إلا مرتين
__________
[1] قوله التهاويل أي الأشياء المختلفة الألوان والرواية على ما في
النهاية رأى جبريل ينتشر من جناحه الدر والتهاويل
[2] قوله الحسين هو ابن واقد مولى عبد الله بن عامر بن كريز أبو عبد
الله المروزي قاضيها انتهى
[3] قوله في خضر بفتح فكسر لباس أخضر والضمير في به لخضر محمود الامام.
(1/44)
رَآهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
الْأَرْضِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ
بْنُ ذَرٍّ (ح) وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وكيع عن
عمر ابن ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ أَلَا تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا
قَالَ فَنَزَلَتْ وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا
بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا 19: 64 الْآيَةَ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ
مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ
فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ
لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ
الْمُرْسَلَةِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ [1] حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ أَمَا
إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ أَعْلَمُ مَا تَقُولُ يَا
عُرْوَةُ قَالَ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ
سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي
فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ
ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ يَحْسِبُ بِأَصَابِعِهِ
خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَمِنْ صِفَةِ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَهُوَ أَحَدُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَهُوَ الَّذِي يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ بِأَمْرِ رَبِّهِ نَفَخَاتٍ ثَلَاثَةٍ أُولَاهُنَّ نَفْخَةُ
الْفَزَعِ وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ
الْبَعْثِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِنَا
هَذَا بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ وَالصُّورُ
قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ. كُلُّ دَارَةٍ مِنْهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ. وَفِيهِ مَوْضِعُ أَرْوَاحِ الْعِبَادِ حِينَ يَأْمُرُهُ
اللَّهُ بِالنَّفْخِ لِلْبَعْثِ فَإِذَا نَفَخَ تَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ
تَتَوَهَّجُ فَيَقُولُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي
لَتَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى الْبَدَنِ الَّذِي كَانَتْ
تُعَمِّرُهُ فِي الدُّنْيَا فَتَدْخُلُ عَلَى الْأَجْسَادِ فِي
قُبُورِهَا فَتَدِبُّ فيها كما يدب السم في اللديغ فتحيى الْأَجْسَادُ
وَتَنْشَقُّ عَنْهُمُ الْأَجْدَاثُ فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا سِرَاعًا
إِلَى مَقَامِ الْمَحْشَرِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ
وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
«كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ
وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ قَالُوا كَيْفَ
نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ 3: 173. عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدٍ الطَّائِيِّ عَنْ
عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ الصُّورِ فَقَالَ
عَنْ يَمِينِهِ جِبْرِيلُ وَعَنْ يَسَارِهِ مِيكَائِيلُ عَلَيْهِمُ
السَّلَامُ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عمر أن ابن أبى ليلى حدثني عن أَبِي لَيْلَى عَنِ
الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ بناحية
إذا انشق أفق السماء فأقبل
__________
[1] في كتاب بدء الخلق (محمود الامام) .
(1/45)
إِسْرَافِيلُ يَدْنُو مِنَ الْأَرْضِ
وَيَتَمَايَلُ فَإِذَا مَلَكٌ قَدْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَخْتَارَ بَيْنَ نَبِيٍّ عَبْدٍ أَوْ مَلِكٍ
نَبِيٍّ قَالَ فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَيَّ بِيَدِهِ (أَنْ تَوَاضَعْ)
فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لِي نَاصِحٌ فَقُلْتُ عَبْدٌ نَبِيٌّ فَعَرَجَ
ذَلِكَ الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ قَدْ كُنْتُ
أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا فَرَأَيْتُ مِنْ حَالِكَ مَا
شَغَلَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ
هَذَا إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلَقَهُ اللَّهُ يَوْمَ
خَلَقَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِّ سَبْعُونَ نُورًا مَا مِنْهَا مِنْ نُورٍ
يَكَادُ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا احْتَرَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَوْحٌ
فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ
ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ فَيَنْظُرُ فَإِنْ
كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ
مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ
أَمَرَهُ بِهِ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ قَالَ
عَلَى الرِّيحِ وَالْجُنُودِ قُلْتُ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ مِيكَائِيلُ
قَالَ عَلَى النَّبَاتِ وَالْقَطْرِ قُلْتُ وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ
مَلَكُ الْمَوْتِ قَالَ عَلَى قَبْضِ الْأَنْفُسِ وَمَا ظَنَنْتُ
أَنَّهُ نَزَلَ إِلَّا لِقِيَامِ السَّاعَةِ وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ
مِنِّي إِلَّا خَوْفًا مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ
مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ اللَّهمّ رَبَّ جِبْرِيلَ
وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السموات وَالْأَرْضِ عَالِمَ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا
كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ
الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّ إِسْرَافِيلَ أَوَّلُ مَنْ
يَبْعَثُهُ اللَّهُ بَعْدَ الصَّعْقِ لِيَنْفُخَ فِي الصُّورِ وَذَكَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ أَنَّ إِسْرَافِيلَ أَوَّلُ مَنْ
سَجَدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَجُوزِيَ بِوِلَايَةِ اللَّوْحِ
الْمَحْفُوظِ حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ
(التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ. بِمَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ
الْأَعْلَامِ) وَقَالَ تَعَالَى مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ
وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ 2: 98 عَطَفَهُمَا
عَلَى الْمَلَائِكَةِ لِشَرَفِهِمَا فَجِبْرِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ قَدْ
تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَمُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ
وَالنَّبَاتِ وَهُوَ ذُو مَكَانَةٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ
أَشْرَافِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَقَدْ قَالَ الامام أحمد
حدثنا أبو اليمان حدثا ابن عباس عن عمارة بن غزنة الْأَنْصَارِيِّ
أَنَّهُ سَمِعَ حُمَيْدَ بْنَ عُبَيْدٍ مَوْلَى بَنِي الْمُعَلَّى
يَقُولُ سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ لِجِبْرِيلَ مَا لِيَ لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا
قَطُّ فَقَالَ مَا ضَحِكَ مِيكَائِيلُ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ
فَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الْمُصَرَّحُ بِذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ
وَفِي الصِّحَاحِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ
«اللَّهمّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَجِبْرِيلُ
يَنْزِلُ بِالْهُدَى عَلَى الرُّسُلِ لِتَبْلِيغِ الْأُمَمِ.
وَمِيكَائِيلُ مُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ اللَّذَيْنِ
يُخْلَقُ مِنْهُمَا الْأَرْزَاقُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَلَهُ أَعْوَانٌ
يَفْعَلُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ بِأَمْرِ رَبِّهِ. يُصَرِّفُونَ
الرِّيَاحَ وَالسَّحَابَ كَمَا يَشَاءُ الرَّبُّ جَلَّ جَلَالُهُ.
وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّهُ مَا مِنْ قَطْرَةٍ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ
إِلَّا وَمَعَهَا ملك يقررها فِي مَوْضِعِهَا مِنَ الْأَرْضِ
«وَإِسْرَافِيلُ مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ لِلْقِيَامِ مِنَ
الْقُبُورِ. وَالْحُضُورِ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِيَفُوزَ
الشَّكُورُ. وَيُجَازَى الْكَفُورُ. فَذَاكَ ذَنْبُهُ مَغْفُورٌ.
وَسَعْيُهُ مَشْكُورٌ وَهَذَا قَدْ صَارَ عَمَلُهُ كَالْهَبَاءِ
الْمَنْثُورِ. وَهُوَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ «فَجِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ
(1/46)
يَحْصُلُ بِمَا يَنْزِلُ بِهِ الْهُدَى
وَمِيكَائِيلُ يَحْصُلُ بِمَا هُوَ مُوَكَّلٌ بِهِ الرِّزْقُ.
وَإِسْرَافِيلُ يَحْصُلُ بِمَا هُوَ مُوَكَّلٌ بِهِ النَّصْرُ
وَالْجَزَاءُ وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَلَيْسَ بِمُصَرَّحٍ
بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ. وَقَدْ
جَاءَ تَسْمِيَتُهُ فِي بَعْضِ الْآثَارِ بِعِزْرَائِيلَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ
الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
32: 11 وَلَهُ أَعْوَانٌ يَسْتَخْرِجُونَ رُوحَ الْعَبْدِ مِنْ
جُثَّتِهِ حَتَّى تَبْلُغَ الْحُلْقُومَ فَيَتَنَاوَلُهَا مَلَكُ
الْمَوْتِ بِيَدِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ
طَرْفَةَ عين حتى يأخذوها منه فيلقوها فِي أَكْفَانٍ تَلِيقُ بِهَا
كَمَا قَدْ بُسِطَ عِنْدَ قَوْلِهِ «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفي
الْآخِرَةِ» 14: 27 ثُمَّ يَصْعَدُونَ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً
فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَإِلَّا غُلِّقَتْ دُونَهَا
وَأُلْقِيَ بِهَا إِلَى الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ
الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا
جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لَا
يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا
لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ 6: 61- 62 وَعَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ
الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ مِثْلُ الطَّسْتِ
يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
مَلَائِكَةَ الْمَوْتِ يَأْتُونَ الْإِنْسَانَ عَلَى حَسَبِ عَمَلِهِ
إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَتَاهُ مَلَائِكَةٌ بِيضُ الْوُجُوهِ بِيضُ
الثِّيَابِ طَيِّبَةُ الْأَرْوَاحِ. وَإِنْ كَانَ كَافِرًا
فَبِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ عِيَاذًا باللَّه الْعَظِيمِ مِنْ ذَلِكَ
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ أَبِي يَحْيَى الْمُقْرِي حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شَمْرٍ قَالَ
سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ نَظَرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَلَكِ
الْمَوْتِ عِنْدَ رَأْسِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ
ارْفُقْ بِصَاحِبِي فَإِنَّهُ مُؤْمِنٌ فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَا
مُحَمَّدُ طِبْ نَفْسًا وَقَرَّ عَيْنًا فَإِنِّي بِكُلِّ مُؤْمِنٍ
رَفِيقٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا شَعَرٍ
فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ إلا وأنا أتفحصهم فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ
مَرَّاتٍ حَتَّى إِنِّي أعرف بصغيرهم وكبيرهم بِأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهِ
يَا مُحَمَّدُ لَوْ أَنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ بَعُوضَةٍ مَا
قَدَرْتُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الْآمِرَ
بِقَبْضِهَا. قال جعفر بن محمد أبى هو الصادق بلغني بتفحصهم عِنْدَ
مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَإِذَا حَضَرَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا كَانَ
مِمَّنْ يُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ دَنَا مِنْهُ الْمَلَكُ وَدَفَعَ
عَنْهُ الشَّيْطَانَ وَلَقَّنَهُ الْمَلَكُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فِي تِلْكَ الْحَالِ الْعَظِيمَةِ. هَذَا
حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ الصُّورِ
مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ الْقَاصِّ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (الْحَدِيثَ) بِطُولِهِ. وَفِيهِ ويأمر الله إسرافيل بنفخة
الصعق فينفخ نفحة الصعق فيصعق أهل السموات وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلَّا
مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَمَدُوا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ
إِلَى الْجَبَّارِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ مات أهل
السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ فَيَقُولُ اللَّهُ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ (فَمَنْ بَقِيَ) فَيَقُولُ بَقِيتَ أَنْتَ
الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَبَقِيَ
جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ فَيَقُولُ لِيَمُتْ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ
فَيُنْطِقُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ يَمُوتُ جِبْرِيلُ
(1/47)
وَمِيكَائِيلُ فَيَقُولُ اسْكُتْ فَإِنِّي
كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي
فَيَمُوتَانِ «ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ عَزَّ
وَجَلَّ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ
فَيَقُولُ اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ فَمَنْ بَقِيَ؟
فَيَقُولُ بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَبَقِيَتْ
حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَبَقِيتُ أَنَا فَيَقُولُ الله لتمت حملة عرشي.
فتموت.
وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْعَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ
ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قد مات حملت
عَرْشِكَ فَيَقُولُ اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ بَقِيَ (فَمَنْ
بَقِيَ) فَيَقُولُ بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ
وَبَقِيتُ أَنَا فَيَقُولُ اللَّهُ أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي
خَلَقْتُكَ لِمَا أَرَدْتُ فَمُتْ فَيَمُوتُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ
إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 3-
4 كَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ
بِطُولِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي كِتَابِ
(الطِّوَالَاتِ) [1] وَعِنْدَهُ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي خَلَقْتُكَ لِمَا
أردت فمت موتا لا تحيى بعده أبداه وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمَنْصُوصِ
عَلَى أَسْمَائِهِمْ فِي الْقُرْآنِ هَارُوتُ وَمَارُوتُ فِي قَوْلِ
جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَقَدْ وَرَدَ فِي قِصَّتِهِمَا
وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ غَالِبُهَا
إِسْرَائِيلِيَّاتٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثًا مَرْفُوعًا
عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَقَاسِيمِهِ. وَفِي
صِحَّتِهِ عِنْدِي نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيَكُونُ مِمَّا تَلَقَّاهُ عَنْ كَعْبِ
الْأَحْبَارِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ
أَنَّهُ تَمَثَّلَتْ لَهُمَا الزُّهْرَةُ امْرَأَةً مِنْ أَحْسَنِ
الْبَشَرِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا
أَنَّ الزُّهْرَةَ كَانْتِ امْرَأَةً وَأَنَّهُمَا لَمَّا طَلَبَا
مِنْهَا مَا ذُكِرَ أَبَتْ إِلَّا أَنْ يُعَلِّمَاهَا الِاسْمَ
الْأَعْظَمَ فَعَلَّمَاهَا فَقَالَتْهُ فَارْتَفَعَتْ إِلَى السَّمَاءِ
فَصَارَتْ كَوْكَبًا وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ امْرَأَةٌ حُسْنُهَا فِي
النِّسَاءِ كَحُسْنِ الزُّهْرَةِ فِي سَائِرِ الْكَوَاكِبِ. وَهَذَا
اللَّفْظُ أَحْسَنُ مَا وَرَدَ فِي شَأْنِ الزُّهْرَةِ ثُمَّ قِيلَ
كَانَ أَمْرُهُمَا وَقِصَّتُهُمَا فِي زَمَانِ إِدْرِيسَ وَقِيلَ فِي
زَمَانِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ كَمَا حَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي
التَّفْسِيرِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَبَرٌ إِسْرَائِيلِيٌّ
مَرْجِعُهُ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ
بِالْقِصَّةِ وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا وَأَثْبَتُ رِجَالًا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَما
أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ 2: 102
قَبِيلَانِ مِنَ الْجَانِّ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَهَذَا غَرِيبٌ
وَبَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَرَأَ وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى الْمَلِكَيْنِ بِالْكَسْرِ وَيَجْعَلُهُمَا عِلْجَيْنِ مِنْ
أَهْلِ فَارِسٍ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ
هُمَا مَلَكَانِ مِنَ السَّمَاءِ ولكن
__________
[1] قال في كشف الظنون الطوالات للحافظ الكبير أبى موسى محمد بن أبى
بكر عمر المديني المتوفى سنة 581 وهي في مجلدين. وفيها الواهي والموضوع
(محمود الامام)
(1/48)
سَبَقَ فِي قَدَرِ اللَّهِ لَهُمَا مَا
ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِهِمَا إِنْ صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ وَيَكُونُ
حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ إِبْلِيسَ إِنْ قِيلَ إِنَّهُ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِنَ الْجِنِّ كَمَا
سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ وَمِنِ الْمَلَائِكَةِ الْمُسَمَّيْنَ فِي
الْحَدِيثِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَقَدِ
اسْتَفَاضَ فِي الْأَحَادِيثِ ذِكْرُهُمَا فِي سُؤَالِ الْقَبْرِ.
وَقَدْ أَوْرَدْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى يُثَبِّتُ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وَفي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ
مَا يَشاءُ 14: 27 وَهُمَا فَتَّانَا الْقَبْرِ مُوَكَّلَانِ بِسُؤَالِ
الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ عَنْ رَبِّهِ وَدِينِهِ وَنَبِيِّهِ
وَيَمْتَحِنَانِ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَهُمَا أَزْرَقَانِ
أَفْرَقَانِ لَهُمَا أَنْيَابٌ وَأَشْكَالٌ مُزْعِجَةٌ وَأَصْوَاتٌ
مُفْزِعَةٌ أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَثَبَّتَنَا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ آمِينَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي
يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ
زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْهُ
أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَلْ
أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ. قَالَ لَقَدْ
لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ
الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ
عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ
وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا
بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ
قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي
فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا
بِهِ عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ لَكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ
بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ
ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ
أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ
أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ ولا يُشْرِكُ بِهِ
شَيْئًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابن وهب به
فَصْلٌ
ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا
هَيَّأَهُمُ اللَّهُ لَهُ أَقْسَامٌ فَمِنْهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ
كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَمِنْهُمُ الْكَرُوبِيُّونَ الَّذِينَ
هُمْ حَوْلَ الْعَرْشِ وَهُمْ أَشْرَفُ الْمَلَائِكَةِ مَعَ حَمَلَةِ
الْعَرْشِ. وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ كَمَا قَالَ
تَعَالَى لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ 4: 172 وَمِنْهُمْ جِبْرِيلُ
وَمِيكَائِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ كَمَا
قَالَ تَعَالَى وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ
كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمن صَلَحَ مِنْ
آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ. إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمن تَقِ السَّيِّئاتِ
يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ. وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 40:
7- 9 وَلَمَّا كَانَتْ سَجَايَاهُمْ هَذِهِ السَّجِيَّةَ الطَّاهِرَةَ
كَانُوا يحبون من اتصف بهذه الصفة فثبت فِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ
الْمَصْدُوقِ أَنَّهُ قَالَ «إِذَا دَعَا الْعَبْدُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ
الْغَيْبِ قَالَ الملك آمين ولك بمثل ومنهم سكان السموات السَّبْعِ
يَعْمُرُونَهَا عِبَادَةً دَائِبَةً لَيْلًا وَنَهَارًا صَبَاحًا ومساء
كما قال «يُسَبِّحُونَ
(1/49)
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ 21:
20 فَمِنْهُمُ الرَّاكِعُ دَائِمًا وَالْقَائِمُ دَائِمًا وَالسَّاجِدُ
دَائِمًا وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ زُمْرَةً بَعْدَ
زُمْرَةٍ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفًا
لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ وَمِنْهُمُ
الْمُوَكَّلُونَ بِالْجِنَانِ وَإِعْدَادِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِهَا
وَتَهْيِئَةِ الضِّيَافَةِ لِسَاكِنِيهَا مِنْ مَلَابِسَ وَمَصَاغٍ
وَمَسَاكِنَ وَمَآكِلَ وَمَشَارِبَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ
رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ
وَخَازِنُ الْجَنَّةِ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ رِضْوَانُ جَاءَ مُصَرَّحًا
بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَمِنْهُمُ الْمُوَكَّلُونَ بِالنَّارِ
وَهُمُ الزَّبَانِيَةُ وَمُقَدِّمُوهُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَخَازِنُهَا
مَالِكٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَزَنَةِ. وَهُمُ
الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَقال الَّذِينَ فِي النَّارِ
لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ
الْعَذابِ 40: 49 الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى وَنادَوْا يَا مالِكُ
لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ. قَالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لَقَدْ
جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ 43:
77- 78 وقال تعالى عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ 66: 6 وَقَالَ
تَعَالَى عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ
إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً
لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا
مَثَلًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ
وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ 74: 30- 31 وهم
الْمُوَكَّلُونَ بِحِفْظِ بَنِي آدَمَ كَمَا قَالَ تَعَالَى سَواءٌ
مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمن جَهَرَ بِهِ. وَمن هُوَ
مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَمن خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ من أَمْرِ الله إِنَّ
الله لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ
مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ 13: 10- 11 قَالَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ أمر الله) وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ وَقَالَ
عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يحفظونه من أمر الله قَالَ مَلَائِكَةٌ
يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ فَإِذَا جَاءَ
قَدَرُ اللَّهِ خَلَّوْا عَنْهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَا مِنْ عَبْدٍ
إِلَّا وَمَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِحِفْظِهِ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ
الْجِنِّ والانس والهوام. وليس شَيْءٍ يَأْتِيهِ يُرِيدُهُ إِلَّا
قَالَ وَرَاءَكَ إِلَّا شَيْءٌ يَأْذَنُ اللَّهُ فِيهِ فَيُصِيبُهُ.
وَقَالَ أَبُو اسامة [1] (مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ مَلَكٌ
يَذُودُ عَنْهُ حَتَّى يُسْلِمَهُ لِلَّذِي قُدِّرَ لَهُ. وَقَالَ أبو
مجاز جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ إِنَّ نَفَرًا مِنْ مُرَادٍ
يُرِيدُونَ قَتْلَكَ فَقَالَ إِنَّ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مَلَكَيْنِ
يَحْفَظَانِهِ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا
بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِنَّ الْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ. وَمِنْهُمُ
الْمُوَكَّلُونَ بِحِفْظِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ
إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 50: 17- 18 وَقَالَ تَعَالَى وَإِنَّ
عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ
82: 10- 12 قال الحافظ أبو محمد
__________
[1] وفي نسخة أبو امامة
(1/50)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
وَمِسْعَرٌ عَنْ علقمة بن يزيد عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرِمُوا الْكِرَامَ
الْكَاتِبِينَ الَّذِينَ لَا يُفَارِقُونَكُمْ إِلَّا عِنْدَ إِحْدَى
حَالَتَيْنِ الْجَنَابَةِ وَالْغَائِطِ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَسْتَتِرْ بِجِذْمِ حَائِطٍ أو بعيره أو يستره أَخُوهُ هَذَا
مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ وصله البزار في مسندة من طريق
جعفر بن سليمان وَفِيهِ كَلَامٌ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنِ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنِ التعري فاستحيوا من الله
والذين مَعَكُمُ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ الَّذِينَ لَا
يُفَارِقُونَكُمْ إِلَّا عِنْدَ إِحْدَى ثَلَاثِ حَالَاتٍ الْغَائِطِ
وَالْجَنَابَةِ وَالْغُسْلِ. فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستر
بِثَوْبِهِ أَوْ بِجِذْمِ حَائِطٍ أَوْ بَعِيرِهِ. وَمَعْنَى إكرامهم
أن يستحى مِنْهُمْ فَلَا يُمْلِي عَلَيْهِمُ الْأَعْمَالَ الْقَبِيحَةَ
الَّتِي يَكْتُبُونَهَا فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ كِرَامًا فِي
خُلُقِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَمِنْ كَرَمِهِمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي
الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ
مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ
بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ. وَفِي رِوَايَةٍ
عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ (وَلَا بَوْلٌ) وَفِي
رِوَايَةِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَا تَدْخُلُ
الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا تِمْثَالٌ. وَفِي
رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تَدْخُلُ
الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ تِمْثَالٌ. وفي رواية ذكوان
أبى صالح السماك عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ
رُفْقَةً مَعَهُمْ كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ. وَرَوَاهُ زُرَارَةُ بْنُ
أَوْفَى عَنْهُ لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً مَعَهُمْ جَرَسٌ
وَقَالَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سليمان البغدادي
المعروف بالقلوس. حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ حُمْرَانَ حَدَّثَنَا
سَلَّامٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ يَعْرِفُونَ بَنِي آدَمَ
(وَأَحْسَبُهُ قَالَ) وَيَعْرِفُونَ. أَعْمَالَهُمْ فَإِذَا نَظَرُوا
إِلَى عَبْدٍ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ذَكَرُوهُ بَيْنَهُمْ
وَسَمَّوْهُ وَقَالُوا أَفْلَحَ اللَّيْلَةَ فُلَانٌ نَجَا اللَّيْلَةَ
فُلَانٌ. وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى عَبْدٍ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ
ذَكَرُوهُ بَيْنَهُمْ وَسَمَّوْهُ. وَقَالُوا هلك فلان الليلة ثم قال
سلّام أحسبه سلام المدائني وهو الين الْحَدِيثِ. وَقَدْ قَالَ
الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ
بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ
الْعَصْرِ. ثُمَّ يُعَرِّجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ
فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي
فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ. وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ
يُصَلُّونَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كِتَابِ بَدْءِ الْخَلْقِ بِهَذَا
السِّيَاقِ وَهَذَا اللَّفْظُ تَفَرَّدَ بِهِ دُونَ مُسْلِمٍ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الْبَدْءِ
مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِهِ وَقَالَ الْبَزَّارُ
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الْحَلَبِيُّ حَدَّثَنَا تَمَّامُ بْنُ نَجِيحٍ عَنِ
الْحَسَنِ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ حَافِظَيْنِ
يَرْفَعَانِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا حَفِظَا فِي يَوْمٍ
فَيَرَى فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ وَفِي آخرها استغفارا الا قال الله
غَفَرْتُ لِعَبْدِي مَا بَيْنَ طَرَفَيِ الصَّحِيفَةِ ثُمَّ قال تفرد
به تمام بن نجيح
(1/51)
وَهُوَ صَالِحُ الْحَدِيثِ قُلْتُ وَقَدْ
وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ
وَأَبُو زُرْعَةَ وَالنِّسَائِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَرَمَاهُ ابْنُ
حِبَّانَ بِالْوَضْعِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُ
حَقِيقَةَ أَمْرِهِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ لَهُ
حَافِظَانِ مَلَكَانِ اثْنَانِ وَاحِدٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَآخَرُ
مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظَانِهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بِأَمْرِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَكَانِ كَاتِبَانِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ
وَكَاتِبُ الْيَمِينِ أَمِيرٌ عَلَى كَاتِبِ الشَّمَالِ. كَمَا
ذَكَرْنَا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ
الشِّمالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ 50: 17- 18 فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أسود ابن عَامِرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ.
حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا
وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ
وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي
إِلَّا بِخَيْرٍ. انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
مَنْصُورٍ بِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْقَرِينَ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ غَيْرُ الْقَرِينِ بِحِفْظِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا
هُوَ مُوَكَّلٌ بِهِ لِيَهْدِيَهُ وَيُرْشِدَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ إِلَى
سَبِيلِ الْخَيْرِ وَطَرِيقِ الرَّشَادِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ وُكِّلَ
بِهِ الْقَرِينُ مِنَ الشَّيَاطِينِ لَا يَأْلُوهُ جَهْدًا فِي
الْخَبَالِ وَالْإِضْلَالِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ وباللَّه الْمُسْتَعَانُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَالْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ
كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ
يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا جلس الامام طووا الصحف
وجاءوا يسمعون الذِّكَرَ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ
هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَدْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ
كانَ مَشْهُوداً 17: 78 وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ
مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ
وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً 17: 78
قَالَ تَشْهَدُهُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ أَسْبَاطٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ
وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فضل صلاة الجمع عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ دَرَجَةً. وَيَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ
وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. يَقُولُ أَبُو
هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ
الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً 17: 78 وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا
مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى
فراشه فأبت فبات غضبان لِعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ
تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حمزة وأبو داود وأبو معاوية عن
(1/52)
الْأَعْمَشِ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا
أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ
تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بِلَفْظٍ إِذَا
قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ فِي
السَّمَاءِ آمِينَ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ
الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَفِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ
سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا (اللَّهمّ رَبَّنَا وَلَكَ
الْحَمْدُ) فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ
الْجَمَاعَةِ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مالك وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا
الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ هُوَ شَكٌّ (يَعْنِي الْأَعْمَشَ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ للَّه مَلَائِكَةً
سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ فَضْلًا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ فَإِذَا
وَجَدُوا أقواما يذكرون الله فنادوا هلموا الى بغيتكم فيجيئون بِهِمْ
إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُ أَيُّ شَيْءٍ
تَرَكْتُمْ عِبَادِي يَصْنَعُونَ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ
يَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيَذْكُرُونَكَ فَيَقُولُ وَهَلْ
رَأَوْنِي فَيَقُولُونَ لَا فيقول كيف لَوْ رَأَوْنِي فَيَقُولُونَ
لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا أَشَدَّ تَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا وَذِكْرًا
قَالَ فَيَقُولُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ فَيَقُولُونَ يَطْلُبُونَ
الْجَنَّةَ فَيَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا فَيَقُولُونَ لَا فَيَقُولُ
وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا فَيَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا
أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا قَالَ فَيَقُولُ
مِنْ أَيٍّ يَتَعَوَّذُونَ فَيَقُولُونَ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ
وَهَلْ رَأَوْهَا فَيَقُولُونَ لَا فَيَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا
فَيَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبًا
وَأَشَدَّ مِنْهَا خَوْفًا. قَالَ فَيَقُولُ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ
غَفَرْتُ لهم.
قال فيقول إِنَّ فِيهِمْ فَلَانًا الْخَطَّاءَ لَمْ يُرِدْهُمْ
إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ
جَلِيسُهُمْ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ
جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهِ. وَقَالَ
رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ. وَرَفَعَهُ
سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ
وُهَيْبٍ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ كَمَا
ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا عَنْ سُهَيْلٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عن وهب بِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ (هُوَ الْأَعْمَشُ) عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ.
حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ وَابْنُ نُمَيْرٍ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ
كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا
كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا
يَلْتَمِسُ به عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى
الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ
يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا
نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السِّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ
وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ
وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» وَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَقَالَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَغَرِّ (أَبِي مُسْلِمٍ) عَنْ
(1/53)
أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ مَا
اجْتَمَعَ قوم يذكرون الله الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرَّحْمَةُ
وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السِّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ
عِنْدَهُ وَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ
وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِهِ
نَحْوَهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ
مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ ابْنُ
مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
آدَمَ عَنْ عَمَّارِ بن زريق عن أبى إسحاق باسناد نَحْوَهُ وَفِي هَذَا
الْمَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَالسُّنَنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا (وَإِنَّ
الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا
بِمَا يَصْنَعُ) أَيْ تَتَوَاضَعُ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَاخْفِضْ
لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ 17: 24 وَقَالَ تَعَالَى
وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 26: 215
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عن عبد الله ابْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ إِنَّ للَّه مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأرض ليبلغونى عَنْ
أُمَّتِي السَّلَامَ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَسُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ بِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ
وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا
وُصِفَ لَكُمْ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ
وعبدة بْنِ حُمَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
وَالْأَحَادِيثُ فِي ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَقَدْ
ذَكَرْنَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ الْحَمْدُ
فَصْلٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى
الْبَشَرِ عَلَى أَقْوَالٍ. فَأَكْثَرُ مَا تُوجَدُ هَذِهِ
الْمَسْأَلَةُ فِي كُتُبِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَأَقْدَمُ كَلَامٍ رَأَيْتُهُ في
هذه المسألة ما ذكره الْحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ فِي
تَرْجَمَةِ أُمَيَّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ
حَضَرَ مَجْلِسًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعِنْدَهُ
جَمَاعَةٌ فَقَالَ عُمَرُ مَا أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ
كِرِيمِ بَنِي آدَمَ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ
الْبَرِيَّةِ 98: 7 وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أُمَيَّةُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ سعيد فقال عراك ابن مَالِكٍ مَا أَحَدٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ
مِنْ مَلَائِكَتِهِ هُمْ خَدَمَةُ دَارَيْهِ وَرُسُلُهُ إِلَى
أَنْبِيَائِهِ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا نَهاكُما
رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ
تَكُونا من الْخالِدِينَ 7: 20 فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
لِمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا
حَمْزَةَ فَقَالَ قَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ آدَمَ فَخَلَقَهُ بِيَدِهِ
وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ وَجَعَلَ
مِنْ ذُرِّيَّتِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ وَمَنْ يَزُورُهُ
الْمَلَائِكَةُ فَوَافَقَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْحُكْمِ
وَاسْتَدَلَّ بِغَيْرِ دَلِيلِهِ وَأَضْعَفَ دَلَالَةَ مَا صَرَّحَ
بِهِ مِنَ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ 2: 277 مَضْمُونُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ
بِخَاصَّةٍ بِالْبَشَرِ فَإِنَّ اللَّهَ قد وصف الملائكة بالايمان في
(1/54)
قوله «وَيُؤْمِنُونَ به» 40: 7 وَكَذَلِكَ الْجَانُّ «وَأَنَّا لَمَّا
سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا به» 72: 13 «وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ» 72: 14 قُلْتُ وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ
الدَّارِمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا وَهُوَ
أَصَحُّ قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ يَا رَبَّنَا اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ نَأْكُلُ مِنْهَا
وَنَشْرَبُ فَإِنَّكَ خَلَقْتَ الدُّنْيَا لِبَنِي آدَمَ فَقَالَ
اللَّهُ لَنْ أَجْعَلَ صَالِحَ ذَرِّيَّةِ مَنْ خلقت بيدي كمن قلت له
كن فكان |