العواصم من القواصم - ط دار الجيل

الباب التاسع
ملاحق
الفاطميين ليسوا بخلفاء لأنهم مجوس وأكثرهم زنادقة
...
ملاحق:*
أضفنا إلى مباحث هذا الكتاب الملاحق التالية زيادة في الإيضاح وإتماما للفائدة:
-1-
قد أطلق جلال الدين السيوطي في كتابه: تاريخ الخلفاء اسم الدولة الخبيثة على الفاطميين، فقال: ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيدين، لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور:
منها: أنهم غير قرشيين. وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام، وإلا فجدهم مجوسي، قال القاضي عبد الجبار البصري: اسم جد الخلفاء المصريين سعيد، وكان أبوه حدادا يهوديا نشابة، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني، القداح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدي كان مجوسيا، ودخل عبدي الله المغرب، وادعى أنه علوي ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وسماهم جهلة الناس الفاطميين، وقال ابن خلكان: أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدي عبد الله جد خلفاء مصر، حتى إن العزيز بالله بن المعز في اول ولايته صعد المنبر يقوم الجمعة فوجد هناك ورقة فيها هذه الأبيات:
إنا سمعنا نسبا منكرا ... يتلى على المنبر في الجمع
إن كنت فيما تدعي صادقا ... فاذكر أبا بعد الأب السابع
وإن ترد تحقيق ما قلته ... فانسب لنا نفسك كالطائع
فإن أنساب بني هاشم ... يقصر عنها طمع الطامع
وكتب العزيز إلى الاموي صاحب الأدلس كتابا سبه فيه وهجا، فكتب إليه الأموي: أما بعد: فإنك قد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك فاشتد ذلك على العزيز، فأفحمه عن الجواب - يعني أنه ادعى لا تعرف قبيلته.
قال الذهبي: المحققون متفقون على أن عبيد الله المهدي ليس بعلوي، وما أحسن ما قاله حفيده المعز صاحب القاهرة - وقد سأله طباطبا العلوي عن نسبهم - فذجب نصف سفيه من الغمد وقال: هذا نسبي، ونثر على الأمراء والحاضرين وقال: هذا حسبي.
ـــــــ
* أضافها الأستاذ محمود مهدي الاستانبولي- حفظه الله.

(1/271)


ومنها: أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سب الأنبياء، ومنهم من أباح الخمر ومنهم من أمر بالسجود له، والخير منهم رافضي1 خبيث لئيم يامر بسب الصحابة رضي الله عنهم؛ ومثل هؤلاء لا تنعقد لهم بيعة، ولا تصح لهم إمامة.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: كان المهدي عبيد الله باطنيا2 خبيثا حريصا على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء؛ ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمر والفروج، وأشاعوا الرفض.
وقال الذهبي: كان القائم بن مهدي شرا من أبيه، زنديقا، ملعونا، أظهر سب الأنبياء وقال: وكان العبيديون على ملة الإسلام شرا من التتر.
وقال أبو الحسن القابسي: إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة الاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت، فياحبذا لو كان رافضيا فقط، ولكنه زنديق.
وقال القاضي عياض: سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية عمن اكرهه بنو عبيد - يعني خلفاء مصر - على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال: يختار القتل، ولا يعذر أحد في هذا الأمر، كان أول دخولهم قبل أن يعرف أمرهم، وأما بعد فقد وجب الفرار؛ فلا يذعر أحد بالخوف من إقامته؛ لأن المقام في موضع يطلب من أهل تعطيل الشرائع لا يجوز، وإنما قام من أقام من الفقهاء على المباينة؛ لئلا تخلو للمسلمين حدودهم فيفتنوهم عن دينهم.
وقال يوسف الرعيني: أجمع العلماء بالقيروان على أن حال بين عبيد حال المرتدين والزنادقة؛ لما أظهروا من خلاف الشريعة.
وقال ابن خلكان: وقد كانوا يدعون علم المغيبات، وأخبارهم في ذلك مشهورة، حتى إن العزيز صعد المنبر يوما فرأى ورقة فيها مكتوب:
بالظلم والجور قد رضينا ... وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أعطيت علم الغيب ... بين لنا كاتب البطاقة
وكتبت إليه امرأة قصة فيها: بالذي أعز اليهود بميشا، والنصارى بابن نسطورا، وأذل المسلمين بك، إلا نظرت في امري، وكان ميشا اليهودي عاملا بالشام، وابن نسطورا النصراني بمصر.
ومنها: أن مبايعتهم صدرت والإمام العباسي قائم موجود سابق البيعة فلا تصح؛ إذ لا تصح البيعة لإمامين في وقت واحد، والصحيح المتقدم.. تاريخ الخلفاء ص4-ص6 باختصار.
وقد بنى العبيدون الجامع الأزهر لينشروا فيه ما يسمى بمذهب الفرض، وكانوا يجبرون المسملون على اعتناقه ولما قضى السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه على ملكهم أبطل ذلك وقرر بدلا منه المذهب الشافعي.
-2-
لما كان غرضنا من نشر كتابه العواصم من القواصم الدفاع عن الصحابة رضوان الله عليهم وتبرئتهم مما نسبه إليه المفسدون المضللون، رأينا أن ننقل موجز البحث التالي للأستاذ محب الدين الخطيب وهو بعنوان: حملة رسالة

(1/272)


بحث موجز للشيخ محب الدين الخطيب في شأن الصحابة
...
الإسلام الأولون، وما كانوا عليه من المحبة والتعاون على الحق والخير، وكيف شوه المغرضون جال سيرتهم وكل ذلك إتماما لبحث هذا الكتاب:
.... قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :"بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن الغرباء فقال:" الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي ".
ومن غربة الإسلام بعد البطون الثلاثة الأولى، وهي القرون التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخيرية في قوله: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" قال عمران بن حصين: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا.
وتحديد ذلك إلى نهاية الدولة الأموية، وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس.
أجل ومن غربة الإسلام، ظهور مؤلفين شوهوا التاريخ تقريبا للشيطان أو الحكام، فزعموا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكونوا إخوانا في الله، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعبن بعضهم بعضا،ويمكر بعضهم ببعض، وينافق بعضهم لبعض، ويتآمر بعضهم على بعض، بغيا وعدوانا.
لقد كذبوا*، وكان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أسمى من ذلك وأنبل. وكانت بنو هاشم وبنو أمية أوفى من ذلك لإسلامهما ورحمهما وقرابتهما، وأوثق صلة وأعظم تعاونا على الحق والخير.
حدثني بعض الذين لقيتهم في ثغر البصرة لما كنت معتقلا في سجن الإنكليز سنة 1332هـ أن رجلا من العرب يعرفونه، كان ينتقل بين بعض قرى إيران فقتله القرويون لما علموا أن اسمه عمر قلت: وأي بأس يرونه باسم عمر؟ قالوا حبا بأمير المؤمنين علي: قلت وكيف يكونون من شيعة علي، وهم يجهلون أن عليا سمى أبناءه - بعد الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية- بأسماء أصدقائه وإخوانه في الله أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم جميعا. وأم كلثوم الكبرى بنت علي بن أبي طالب كانت زوجة لعمر ابن الخطاب، ولدت له زيدا ورقية...وعبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن أبي طالب سمى أحد بنيه باسم أبي بكر وسمى ابنا آخر له باسم معاوية، ومعاوية هذا- أي ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب سمى أحد
ـــــــ
* من أعظم الأدلة على كذبهم ثناء الله سبحانه في القرآن على الصحابةى في آيات كثيرة- ذكر بعضها في أول هذا الكتاب - وقد قال تعالى في وصفهم :{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110].

(1/273)


كتاب نهج البلاغة ليس كله لعلي بن أبي طالب وأبحاث هامة منه
...
بنيه باسم: يزيد. وعمر بن علي بن أبي طالب كان من نسله عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب سمى أحد بنيه أبا بكر وآخر باسم عمر وثالثا باسم طلحة. وين العابدين علي بن الحسين سمى أحد أولاده باسم أمير المؤمنيين عمر تيمنا وتبركا...
فهل يعقل أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأنسالهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله-تعالى- لهم من الأخوة في الإسلام والمحبة في الله، والتعاون على البر والتقوى*!!.
لقد تواتر عن أمير المؤنين علي رضي الله عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر روى المحدثون والمؤرخون هذا عنه من أكثر من ثمانين وجها. ورواه البخاري وغيره. وكان علي رضي الله عنه يقول: لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري.
ولهذا كان الشيعة المتقدمون متفقين على تفضيل أبي بكر وعمر. نقل عبد الجبار الهمداني من كتاب: تثبيت النبوة أن أبا القاسم نصر بن الصباح البلخي قال في كتاب النقض على ابن الرواندي: سأل شريك بن عبد الله فقال له: أيهما أفضل: أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟! فقال له:نعم: من لم يقل هذا فليس شيعيا!! والله لقد رقى هذه الأعواد على لقال: إلا أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذابا.
وإن خطبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في نعتصديقه وإمامه خليفة رسول الله أبا بكر يوم وفاته، من بليغ ما كان يستطهره الناس في الأجيال الماضية. وفي خلافة عمر دخل علي في بيعته أيضا، وكان من أعظمأعوانه على الحق. وكان يذكره بالخير ويثني عليه في كل مناسبة، وقد علمت أنه بعد أخيه وصهره عمر سمى ولدين من أولاده باسميهما، ثم سمى ثالثا باسم عثمان لعظيم مكانته عنده، ولأنه كان إمامه ما عاش. ا.هـ.باختصار.
-3-
إن كتاب نهج البلاغة هو من الكتب المعتمدة عند الشيعة،وينسبونه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحقيقة أن بعضه له، والكثير من وضع الرضى لا والمرتضى الشيعيين، وفيه من الدس والافتراء الشيء الكثير. وقد
ـــــــ
* من الرافضة من ينكر كل ذلك، ومنهم من لا يستطيع إنكارها، لأن التاريخ يلقمه حجرا بل حجارة، فيروك ويزعم أن آل البيت أمثال علي والحسن وزين العابدين إنما فعلوا ذلك تقية. وهم ذلك يطعنون بشجاعتهم وبطولتهم وإخلاصهم، كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذبا!.

(1/274)


رأينا أن ننقل عن هذا الكتاب بعض شهادات على في الثناء علي أبي بكر وعرم وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، كما رأينا أن ننقل أيضا عن بعض كتب الشيعة المعتبر لديه شهادات أخرى لبعض آل البيت المتقديمن في الصاحبين، مع بعض التعليقات من كتاب التحفة الاثنى عشرية للشاه عبد العزيز الدهلوي ما يلقم أعداء الصحابة حجرا ويخرسهم إلى الأبد!.
1- جاء في نهج البلاغة: أن عمر بن الخطاب لما استشار عليا رضي الله تعالى عنهما عند انطلاقه لقتال فارس، وقد جمعوا للقتال فرفض علي ذهاب الخليفة عمر نفسه للاشتراك في هذا القتال خوفا على حياته وقال له: إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله تعالى الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ ما بلغ وطلع حيثما طلع، ونحن علي وعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} وتلا الآية، والله تعالى منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيم بالأمر في الإسلام، مكان النظام من الخرز، فإن انقع النظام تفرق الخرز، ورب متفرق لم يجتمع،والعرب اليوم، وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها.
إن العجم أن ينظروا إليك غدا يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استحرتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك..أ.هـ. باختصار فتدبر- أيها القرائ- منصفا فقد ارتفع الأشكال واتضح الحال، والحمد لله رب العالمين.
2- وجاء في نهج البلاغة أيضا عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه: لله بلاد أبي بكر لقد قوم الأود، وداوى العلل، واقام السنة، وخلف البدعة، وذهب تقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعة واتقاه بحقه...
جاء في كتاب التحفة الاثنى عشرية: وقد حذف الشريف الرضى صاحب نهج البلاغة حفظا لمذهبه. لفظ أبي بكر وأثبت بدله: فلان وتأبى الأوصاف إلا أبا بكر. ولهذا الإيهام اختلف الشراح، فقال البعض هو أبو بكر، وبعض هو عمر، ورجح الأكثر الأول،وهو الأظهر...
3- إن أمير المؤمنين على رضي الله عنه قد مدح الشيخين - أبي بكر وعمر- ودعا لهما حسبما ثبت عند الفريقين. وقد نقل شراح نهج البلاغة كتاب الأمير إلى معاوية. وقد قال فيه بعد ما ذكر أبا بكر وعمر: لعمري إن مكانهما لعظيم، وأن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمهما الله تعالى وجزاهما بأحسن ما عملا.
قال صاحب التحفة الاثنى عشرية تعليقا على هذا الكلام: فكيف يتصور صدور مثل ذلك عن المعصوم- بنظر الشيعة- لو كانا غاصبين ظالمين؟! معاذ

(1/275)


تفصيل في تصحيح حديث الحوأب
...
الله من ذلك، ونسأله سبحانه العصمة عما يعقتده أولئك.
4- وأورد المرتضى في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين على من كتابه الذي كتبه إلى معاوية وهو: أما بعد فإن بيعتي - يا معاوية- لزمنك، وأنت بالشام، فإنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، علا ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للنائب أن يرد. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه أماما كان ذلك لله رضا!! فإن خرج منهم خارج يطعن أوة بدعة رده ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على أتابعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى....
5- وجاء في الصحيفة الكاملة للسجاد من الدعاء للصحابة ومدح متابع7تهم، ولا امال للتقية في الخلوات، وبين يدرى رب البريات ونصه: اللهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون :{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ} خير جزائك، الذين قصدوا سمتهم، وتحروا وجهتهم، ومضوا في قفو أثرهم، والائتمام بهداية منارهم، يدينون بدينهم على شاكلهم، ولم يتهم ريب في قصدهم، ولم يختلج شك في صدورهم إلى أخر ما قال.
6- وأورد الكلبني في الكافي وهو من كتب الشيعة كالبخاري عند السنينن في باب السبق إلى الإيمان بروايات أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله أنه قال: قلت له أن للإيمان درجات ومنازل يتفاضل المؤمنون فيها عند الله.
قال نعم قلت صفه لي رحمك الله حتى أفهمه. قال: أن الله سبق بين المؤمنين كما يستبق الخيل يوم الرهان، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه، ولا يتقدم مسبوق، ولا مفضول فاضلا، تتفاضل بذلك أوائل الأمة وأواخرها.
هذه بعض الأدلة على سمو إيمان الصحابة وفضلهم بصورة عامة وفضل أبي بكر وعمر بصورة خاصة نقلناها من مصادر شيعية موثوقة لديهم، غير أن بعض علمائهم- ويا للأسف- يؤولونها بتأويلات تبعث على التقزر والتقيء مما لا يقول به عاقل فضلا عن عالم، ليزيدوا أتباعهم ضلال فوق ضلالهم فتعوذ بالله من الكفر والعناد!.
-4-
كنا ذكرنا فيما سبق صفحة 163 صحة حديث الحوأب بإيجاز ونظرا لأهمي الموضوع نزيده إيضاحا فيما يلي نقلا عن كتاب الأحاديث الصحيحة لشيخنا محدث الديار الشامية ناصر الدين الألباني 474/5 بشيء من الاختصار، وهو في كلامه يرد على الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى:
...ونحن وإن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة يريد ما زعمته

(1/276)


الرافضة من دعوى شهادة الزبير وطلحة أنه ليس هذا ماء الحوأب،وخمسون رجلا إليهم، وكانت أول شهادة زور دارت في الإسلام فإنه مما صان الله تبارك وتعالى وأصحابه صلى الله عليه وآله وسلم منها لاسيما من كان منهم من العشرة المبشرين بالجنة..فإننا لننكر عليه قوله: ولا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الحديث كيف وهو قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بالسند الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم؟!
ثم قال الشيخ، بعدما ذكر خطأ تضعيف الحديث المذكور:
بيد أنه هذا مع بعده عن الصواب، والانحراف عن التحقيق العلمي الصحيح فإنه هين بجانب قول صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في تعليقه على قول الحافظ الذهبي المتقدم في سير النبلاء: وهذا حديث صحيح الإسناد:
في النفس من صحة هذا الحديث شيء، ولأمر ما أهمله أصحاب الصحاح. وفي معجم البلدان مادة حوأب أن صاحب الخطاب سلمى بنت مالك الفزارية، وكانت سبية وهبت لعائشة، وهي المقصودة بخطاب الرسول الذي زعموه... ومن العجيب أن يصرف الناس هذه القصة إلى السيدة عائشة إرضاء لبعض الأهواء العصبية.
وفي هذا الكلام مؤاخذات:
الأولى: يظن الأستاذ الصديق أن إهمال إصحاب الصحاح لحديث ما أنما هو لعلة فيه. وهذا خطأ بين عند كل من قرأ شيئا من علم المصطلح، وتراجم أصحاب الصحاح، فإنهم لم يتمدوا جمع كل ما صح عندهم، وفي صحاحهم.
الثانية: هذا إن كان يعني الصحاح الكتب الستة، لكن هذا الإطلاق غير صحيح لأن السنن الأربعة من الكتب الستة ليست من الصحاح لا استصلاحا ولا واقعا، فإن فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، والترمذي ينبه إلى ضعفها في غالب الأحيان.
وإن كان يعني ما هو أعم من ذلك، فليس بصحيح، فقد عرفت من تخريجنا المتقدم أن ابن حبان أخرجه في صحيحه والحاكم في المستدرك على الصحيحين.
الثالثة: وثوقه بما جاء في معجم البلدان بدون إسناد، ومؤلفه ليس من أهل العلم بالحديث، وعدم وثوقه بمسند الإمام أحمد، وقد ساق الحديث بالسند الصحيح، ولا بتصحيح الحافظ النقاد الذهبي!!
الرابع: جزمه أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك بدون حجة ولا برهان سوى الثقة العمياء بمؤلف معجم البلدان.
الخامسة: ان الخبر الذي ذكره ووثق به لا يصح من قبل إسناده بل واه جدا ولم يقبل به الخطيب نفسه رحمه الله.

(1/277)


السادسة: قوله: إرضاء لبعض الأهواء.
وكأنه يشير بذلك إلى الشيعة الذين يبغضون السيدة عائشة رضي الله عنها ويفسقونها.. بسبب خروجها يوم الجمل. ولكن من هم الذين أشار إليهم بقوله: بعض الناس هو الإمام أحمد... والذهبي، أم يحيى بن سعيد القطان شيخ الإمام أحمد وهو من الثقات الأثبات، أم إسماعيل بن أبي خالد وهو مثله كماعرفت، أم شيخه قيس بن أبي حازم وهو مثله في الثقة والضبط...
وللحديث شاهد يزداد به قوة، وهو من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنسائه:
" ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب الكثير وبر الوجه تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعدما كادت" رواه البزار ورجاله ثقات.
قال الإمام الزيلعي في نصب الراية 69/4-70 وقد أظهرت عائشة الندم كما أخرجه أن عبد البر في كتاب الاستيعاب عن ابن أبي عتق، وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: قال قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيرة؟ قال: رأيت رجلا غلب عليك- يعني الزبير- فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت.أهـ.
ولهذا الأثر طريق أخرى صححها الذهبي في سير النبلاء 78-79.
مما سبق ندرك صحة حديث الحوأب من عدة طرق ومن قبل كبار علماء الحديث، وقد رأى بعضهم في هذا الحديث تخطئة لعائشة رضي الله عنها فحاول تضعيفه من غير علم!...
ونقول بهذه المناسبة أن الله سبحانه نزه علماء السنة عن الكذب سواء كان ذلك من صالح أهل السنة أو ضدهم، وهم بعكس كثير ممن يسمون بعلماء الرافضة وغيرهم الذين لا نكاد نجد كلمة صدق واحدة عندهم!
ومهما كان من شأن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت فإنها نفسها شعرت بخطئها كما تقدم معنا، ولها أجر المجتهد كما جاء في الحديث.

(1/278)