العواصم من القواصم - ط الأوقاف السعودية [قاصمة]
[اجتماع العرب
بالإسلام]
قاصمة كانت
الجاهلية مبنية على العصبية، متعاملة بينها
بالحمية فلما جاء الإسلام بالحق، وأظهر الله
منته على الخلق، قال سبحانه: {وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ
أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل
عمران: 103] وقال لنبيه: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا
فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ
بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63] فكانت بركة النبي
صلى الله عليه وسلم تجمعهم، وتجمع شملهم،
وتصلح قلوبهم، وتمحو ضغائنهم.
_________
(1) حكم القاضي أبو بكر على ابن قتيبة هذا
الحكم القاسي وهو يظن أن كتاب (الإمامة
والسياسة) من تأليفه كما سيأتي. وكتاب الإمامة
والسياسة ذكرت فيه أمور وقعت بعد موت ابن
قتيبة، فدل ذلك على أنه مدسوس عليه من خبيث
صاحب هوى. ولو وقف المؤلف على هذه الحقيقة
لوضع الجاحظ ومن هم دون الجاحظ في موضع ابن
قتيبة.
(1/245)
واستأثر الله برسوله صلى الله عليه وسلم،
ونفرت النفوس، وتماسكت الظواهر منجرة ما دام
الميزان قائماً.
[ظهور الأحزاب
البكرية والعمرية والعثمانية والعلوية
والعباسية]
فلما رفع الميزان - كما تقدم ذكره (1) في
الحديث - أخذ الله القلوب عن الألفة، ونشر
جناحاً من التقاطع، حتى سوى جناحين بقتل
عثمان، فطار في الآفاق، واتصل الهرج إلى يوم
المساق. وصارت الخلائق عزين (2) في كل واد من
العصبية يهيمون: فمنهم بكرية، وعمرية،
وعثمانية، وعلوية، وعباسية - كل تزعم أن الحق
معها وفي صاحبها، والباقي ظلوم غشوم مقتر من
الخير عديم. وليس ذلك بمذهب، ولا فيه مقالة،
وإنما هي حماقات وجهالات، أو دسائس للضلالات،
حتى تضمحل الشريعة، وتهزأ الملحدة من الملة،
ويلهو بهم الشيطان ويلعب، وقد سار بهم في غير
مسير ولا مذهب.
قالت البكرية: أبو بكر نص عليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصلاة، ورضيته الأمة
للدنيا، وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم
بتلك المنزلة العليا، والمحبة الخالصة. وولي
فعدل، واختار فأجاد، إلا أنه أوهم في عمر فإنه
أمره غليظ: وفظاظته غلبت. وذكروا معايب، وأما
عثمان فلم يخف ما عمل. وكذلك علي. وأما العباس
فغير مذكور.
وقالت العمرية: أما أبو بكر ففاضل ضعيف. وعمر
إمام عدل قوي بمدح النبي صلى الله عليه وسلم
له في حديث الرؤيا والدلو والعبقري كما تقدم
(3) . وأما عثمان فخارج عن الطريق: ما اختار
واليا، ولا وفى أحداً حقاً، ولا كف أقاربه،
ولا اتبع سنن من كان قبله. وأما علي فجريء على
الدماء. لقد سمعت في مجالس أن ابن جريج (4) .
كان يقدم
_________
(1) في ص 190.
(2) جمع عزة: العصبة من الناس.
(3) في ص 188.
(4) عبد الملك بن عبد العزيز المكي أحد
الأعلام توفي سنة 150.
(1/246)
عمر على أبي بكر. وسمعت الطرطوشي (1) يقول: لو
قال أحد بتقديم عمر لتبعته.
وقالت العثمانية: عثمان له السوابق المتقدمة،
والفضائل والفواضل في الذات والمال، وقتل
مظلوماً.
وقالت العلوية: علي ابن عمه وصهره وأبو سبطي
النبي صلى الله عليه وسلم وولد النبي صلى الله
عليه وسلم حضانة.
وقالت العباسية: هو أبو النبي صلى الله عليه
وسلم وأولاهم بالتقديم بعده. وطولوا في ذلك من
الكلام ما لا معنى لذكره لدناءته (2) ورووا
أحاديث لا يحل لنا أن نذكرها لعظيم الافتراء
فيها ودناءة رواتها.
وأكثر الملحدة على التعلق بأهل البيت (3)
وتقدمة علي على جميع الخلق (4) حتى إن الرافضة
أنقسمت إلى عشرين فرقة أعظمهم بأسا من يقول إن
عليا هو الله. والغرابية يقولون إنه رسول الله
لكن جبريل عدل بالرسالة عنه إلى محمد حمية منه
معه. . . في كفر بارد لا تسخنه إلا حرارة
السيف، فأما دفء المناظرة فلا يؤثر فيه. |